اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب

m.helm

Members
  • عدد المشاركات

    25
  • انضم

  • تاريخ اخر زيارة

  • Days Won

    1

m.helm last won the day on March 1 2011

m.helm had the most liked content!

السمعه بالموقع

3 Neutral

عن العضو m.helm

  • الرتبه
    core_member_rank_5
  1. الإمام البنا والمنهج الإصلاحي .. "الأسس والآليات" موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين) إعداد: محمد الصياد تمهيد قضية إصلاح المجتمع هي القضية المحورية والأساسية التي جاءت بها الرسالة الخاتمة ، رسالة محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم . لكن الإشكالية الكبرى التي واجهت المسلمين قديما وحديثا أن العلماء والمصلحين لم يعنوا كثيرا بالإصلاح الشامل المتكامل الذي يسوق الناس إلي باريهم باسم الله عز وجل ، الذي يبني نهضة ويؤسس حضارة باسم الله ، الذي يُرَشّد عمل العمال والجماهير والفلاحين –كلٌ في عمله- باسم الله .. نجد كثيرا من المصلحين قد عنوا بجوانب وأزقة بعينها من البنيان الإسلامي الكبير ، مع أن الشريعة الإسلامية ما جاءت إلا للإصلاح والتقويم والإرشاد .. وما مقاصد التشريع التي تحدث عنها الأصوليون وأفردوها بالتصانيف إلا دليل علي ما نزعم .. إصلاح العقيدة .. والشريعة .. والأخلاق .. فإذا ما تم الإصلاح في تلك المحاور الكبرى انسحب الإصلاح بداهة إلي دوائر العلوم ، والسياسة والاقتصاد ، لأن هذه الفروع والتفاصيل إنما هي منبثقة من المحاور الكبرى.. وإن الإنسان ليعجب عندما يجد إماما كبيرا مثل الإمام السيوطي –المتوفى سنة 911ه- يخوض معارك شرسة –يسمونها معارك علمية- مع الإمام المحدث الكبير الحافظ السخاوي –المتوفي سنة 902ه- حول أمور تافهة ، لا مجال للاستفاضة فيها الآن ، وكذلك أثيرت في عصر هؤلاء العلماء قضية ابن عربي ، فصنف السيوطي "تنبيه الغبي لتبرئة ابن عربي" ، و "قمع المعارض في نصرة ابن الفارض" ، وصنف الشيخ البقاعي –المتوفي سنة 885ه- كتابا يرد فيه علي السيوطي أسماه "مصرع التصوف أو تنبيه الغبي إلي تكفير ابن عربي" ، وقل مثل ذلك الخبل في عصور مختلفة وأجيال من العلماء متعاقبة . وكانت الصليبية تعمل في الخفاء والعلن لإزاحة الإسلام من الخارطة ، وتبديد معالمه ، وطمس هويته ، فسقطت الأندلس بأكملها سنة 897هـ في عصر هؤلاء الأئمة الكبار ولم نجد أحدهم ولا ممن ترجم لتك الفترة من المؤرخين الشرقيين استفاض في الحديث عن الأندلس وعن إلجام الإسلام هناك ، ومر الأمر وكان شيئا لم يحدث . إن فقه الأولويات اختل عند هؤلاء ، ومن ساروا علي هديهم في العصر الحاضر ممن لا زالوا يقيمون المعارك الطاحنة حول البرقع والجلباب والسواك ... ولم يمعنوا النظر في مقاصد الشريعة التي هي في الأساس حلقة من حلقات إصلاح المجتمع المسلم ومحيطه ، ثم تصدير النموذج الإسلامي الحضاري ليقود البشرية .. وظل العالم الإسلامي لا يبالي بالأولويات والمقاصد العظمى والمحاور الكبرى حتى جاء الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله ، الذي صاغ مشروعا إصلاحيا نهضويا متكاملا ووضع الأمور في نصابها وموازينها ، وأعطى كلا من الثغور الكائنة في جبين الأمة ، حقها من الدراسة والبحث والتأمل والتفتيش عن الداء ، وقام برصد السلبيات المجتمعية ، وعمل علي إيجاد الحلول لها داخل إطار الشريعة ، وتشرب التراث وفهم الواقع ، ودرس كتاب الكون .. واستقي من نبع النبوة مواريثها ، واستمد من القرآن إلهامه ، وقام ثائرا ليصلح باسم الله ، كل مُعوَّج في المجتمع يحتاج إلي إصلاح .. كانت مصر –بل والعالم الإسلامي كله- يوم نبتت هذه الدعوة المحددة لا تملك من أمر نفسها قليلا أو كثيرا ، يحكمها الغاصبون ، ويستبد بأمرها المستعمرون ، ولم يخل الجو من منازعات حربية ، وحزازات سياسية ، فلم يشأ الإخوان أن يزجوا بأنفسهم في هذا الميدان فيزيدوا الخلاف ، فانصرفوا إلي ميدان مثمر هو ميدان الإصلاح والتربية ، وتنبيه الشعب ، وتغيير العرف العام ، وإذاعة مبادئ الحق والجهاد والعمل والفضيلة بين الناس . وقد انجذب الناس لمشروع البنا الإصلاحي لصراحته ، واستقائه من نبع القرآن في وضوح لا يحتمل الشك ، وكان الإمام البنا رضي الله عنه يتخذ من السهولة الميسرة في الخطاب ما يجذب السامع المسلم إلي دعوته ، لأنه ليس بعيدا عنها ، وهي من صميم قرآنه ، فهو يوجز مثلا مبادئ "جماعة الإخوان" في قوله : (نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة ، تنظم شئون الناس في الدنيا والآخرة ، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول العبادات –فقط- مخطئون ، فالإسلام عقيدة ، وعبادة ، ووطنٌ وجنسية ، ودين ودولة ، وروحانية وعمل ، ومصحف وسيف ، والقرآن الكريم ينطق بذلك كله) . فأنت تري أنه يركز علي الإصلاح المجتمعي الشامل الذي هو أشبه بثورة بيضاء كبرى لتنظيم شئون الناس في الدنيا والآخرة .. وهذا المشروع الإصلاحي للمجتمع يركن إلي شيء مهم جدا ربما تتغافل الفلسفات عنه ، ذلك أن الفلسفة تبقي –بمشروعها الإصلاحي- في حيز التنظير المجرد الذي لا يجد البيئة الملائمة لتطبيقه ، وإن وجدها فلا يجد الخضوع الذاتي للأفراد كقوة ، ولا يجد من المجتمع الحراك الذي يتخلل أي إصلاح ، هذا الشيء هو الاعتماد علي مصادر التشريع في إصلاح المجتمع . وبيان ذلك يحتاج إلي شيء التفصيل . الإمام البنا والإصلاح مآل جماعة "الإخوان المسلمون" وغايتها الكبرى هي إصلاح المجتمع بالمفهوم الكلي الشامل الذي عبرنا عنه آنفا ، وعندما فكر الإمام البنا رحمه الله في تكوين هذه الجماعة وبذر بذرتها ، كان هدفه الأوحد من وراء ذلك ، الإصلاح المجتمعي التام الشامل لكل أزقة المجتمع وشوارده . ولقد وقف الإمام البنا رضي الله عنه –وعن سائر علماء المسلمين- في وجه العواصف والأمواج من أجل تلك القضية .. قضية الإصلاح . وفي ذلك يقول الدكتور مصطفي السباعي: لقد كانت كل قوى الشر في الأرض تتحداه ؛ الاستعمار ، والملك ، والباشوات ، والأزهر ، والأحزاب ، والفساد والانحلال ، ثم جهل الجماهير بمصلحتها ، فمشي كالضوء لا يعبأ بالرياح ولا يبالي بالمعاول ، ولا يتراجع أمام العاصفة ، وإن كان ينحني لها حتى تأخذ طريقها ، ولا ينكص علي عقبيه رغم كل تهديد ووعيد ، ولا يضعف إيمانه بالنصر ، وإن أظلمت الدنيا حوله ، ولا ينهزم في المعركة مهما تكاثرت القوى وتألبت عليه ، وكان مع ذلك كله يتسع صدره لأعدائه كما يتسع لأصدقائه ، ولم يكن يكره أحدا من أعدائه كراهة حقد ، فالرجل العظيم لا يعرف الحقد إلي قلبه سبيلا . ولكنما كان يكره من أعدائه باطلهم وفسادهم ، وافترائهم وتفننهم في الشر ، وإضرارهم بمصالح الشعب ، كما كان يكره من بعض أنصاره لجاجهم وقلة تبصرهم ، وتمردهم علي الحق ، وإيذاءهم للدعوة بسلوكهم وأخلاقهم ، وما زال بأعدائه نُصحا وإشفاقا حتى قتلوه في الظلام وحيدا أعزل مجردا من كل قوة وجاه وأنصار ، قتلوه وهم الأقوياء ، وهو الضعيف ، وهم الحاكمون وهو المطارد ، وهم المسلحون وهو الأعزل ، وهم الأشقياء وهو السعيد ، ثم أصبحوا مطرودين من رحمة الشعب ، وهو مغفور برحمة الله . وهكذا كما يقول السباعي رحمه الله بأن البنا واصل مشروعه الإصلاحي ، لإصلاح المجتمع عقدياً وثقافياً ومنهجياً من غير أن يبالي بالعوائق والمثبطات وولج البنا سبلاً لتحقيق الإصلاح المجتمعي الذي ينشده ، ومن هذه السبل: 1- مخاطبة الكافة فقد أنشأ الإمام الشهيد حسن البنا رضي الله عنه خطابا جماهيريا موجها إلي كل فئام المجتمع .. الفلاح ، التاجر ، العامل ، المثقف ، .. وكابد الوهاد والنجاد في ذلك ، والقضية ليست في مخالطة هذه الجماهير فقط ، بل في احتوائهم واستقطابهم وإعمالهم في دائرة الفكرة ، وشحذ هممهم وطاقاتهم . وهذا المعني لمسه سيد قطب بقوله: والعبقرية في استخدام طاقة الأفراد ، طاقة المجموعات ، في نشاط لا يدعُ في نفوسهم ، ولا يدعُهم يتلفتون هنا أو هناك يبحثون عما يملؤون به الفراغ ، إن مجرد استثارة الوجدان الديني لا يكفي ، وإذا قصر الداعية همه علي هذه الاستثارة فإنه سينتهي بالشباب خاصة إلي نوع من الهوس الديني ، الذي لا يبني شيئا ، وإن مجرد الدراسة العلمية للعقيدة لا يكفي . وإذا قصر الداعية همه علي هذه الدراسة ، فإنه ينتهي إلي تجفيف الينابيع الروحية التي تكسب هذه الدراسة نداوتها وحرارتها وخصوبتها ، وإن مجرد استثارة الوجدان والدراسة معا لا يستغرقان الطاقة ، فستبقي هناك طاقة عضلية ، وطاقة عملية ، وطاقة فطرية أخري في الكسب والمتاع والشهرة والعمل والقتال ، وقد استطاع حسن البنا أن يفكر في هذا كله ، أو أن يلهم هذا كله ، فيجعل نشاط الأخ المسلم يمتد ، وهو يعمل في نطاق الجماعة ، إلي هذه المجالات كلها ، بحكم نظام الجماعة ذاته وأن يستنفذ الطاقات الفكرية كلها ، في أثناء العمل للجماعة ، وفي مجال بناء الجماعة استطاع ذلك في نظام الكتائب ، وفي نظام المعسكرات ، ونظام الشركات الإخوانية ، ونظام الدعاة ، ونظام الفدائيين الذين شهدوا معارك فلسطين ، ومعارك القتال نماذج من آثاره ، تشهد بعبقرية هذا النظام . ويمضي حسن البنا إلي جوار ربه ، يمضي وقد استكمل البناء من أساسه ، يمضي فيكون استشهاده علي النحو الذي أُريد له ، عملية جديدة من عمليات البناء ، عملية تعميق للأساس ، وتقوية للجدران وما كانت ألف خطبة وخطبة ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتُلهب الدعوة في نفوس الإخوان كما ألهبتها قطرات الدم الزكي المهراق . وكان البنا رحمه الله –كما يقول صالح عشماوي- قديراً علي أن يحدث كلا بلغته وفي ميدانه وعلي طريقته ، وفي حدود هواه ، وعلي الوتر الذي يحس به ، وعلي الجُرح الذي يثيره ، ويعرف لغات الأزهريين والجامعيين والأطباء والمهندسين والصوفية وأهل السنة ، ويعرف لهجات الأقاليم في الدلتا والصحراء ، وفي مصر العليا والوسطي وتقاليدها ، بل إنه يعرف لهجات الجزارين والفتوات وأهالي بعض أحياء القاهرة الذين تتمثل فيهم صفات بارزة ، وكان في أحاديثه إليهم يروي لهم من القصص ما يتفق مع ذوقهم ، بل كان يعرف لغة اللصوص وقاطعي الطريق والقتلة ، وقد ألقي إليهم مرة حديثا ، وهو يستمد موضوع حديثه أثناء سياحاته في الأقاليم ، وفي كل بلد من مشكلاتها ووقائعها وخلافاتها ، ويربطه في لباقة مع دعوته الكبرى فيجيء كلامه عجبا يأخذ الألباب . كان يقول للفلاحين في الريف: عندنا زرعتان إحداهما سريعة النماء كالقثاء ، والأخرى طويلة كالقطن ؛ لم يعتمد يوما علي الخطابة ، ولا تهويشها ولا إثارة العواطف عن طريق الصياح والهياج ، ولكنه يعتمد علي الحقائق ، وهو يستثير العاطفة بإقناع العقل ، ويلهب الروح بالمعنى لا باللفظ ، وبالهدوء لا بالثورة ، وبالحجة لا بالتهويش . ولم يُر في مصر زعيمٌ بعد سعد زغلول التف حوله العامّة التفافهم حول حسن البنا ، وهذا يدل علي مدى مثابرته في إنجاح خُططته الإصلاحية ، وهذا ما أزعج أعداءه ، فظنوه طالب منصب ، وسيرضي به لأنه في رأيهم مجرد مدرس للغة العربية بإحدى المدارس الابتدائية ، وقصارى أمله أن يكون مفتشا أو ناظر مدرسة ثانوية ! فليغروه بما هو أعظم وأرقي ، وسيتطلع إلي بريق المنصب المنتظر ، فيتخلي عن الشقاء الكارب في رحلاته الممتدة ، صيفا إلي أقاصي الصعيد في حره اللوح ، إنه بشرٌ ،، ولابد أنه سيلين تحت بوارق الإغراء . لأن هؤلاء الأعداء عرفوا مدى خطورة مشروع البنا الإصلاحي علي مشروعهم الاستعماري الانحلالي ، عرفوا مدى خطورة أن يستحيل الناس إلي العقيدة السليمة والدين الصحيح ، ماذا لو فهم المسلمون أولويات دينهم ، ومقاصد شريعتهم ، وروابط أخوتهم ، وحمل قضايا أمتهم !! هذا خطر وأي خطر علي الاستعمار العالمي وموارده التي يسلبها أو يسرقها من أولئك المغفلين .. وفي ذلك يقول البهي الخولي مصورا بعض نواحي الإغراء التي زينها له المغرضون: كان الناس يحيون في غمار الموجة المادية ، حين قام حسن البنا في إشراق هالة أخرى لها مبادؤها ومثلها العليا ، هالة الفكرة الإسلامية ، يحيا فيها بقلبه ، ويحيا بنفسه ، ويحيا فيها بوجدانه وشعوره وعصبه ، فكانت مبادؤها عنده هي الحق ، وما سواها الباطل ، وكانت مثلها هي النواميس الطبيعية الأصيلة ، وما سواها وهم خادع وسراب لا معول عليه . وكانت زهرة الحياة الدنيا تتضاءل وتتقلص أمام عينيه إلي جانب ما يفيض عليه في هالة من سعادة رزق الله ، فكان زهده في الدنيا المادة ، لا يعدله إلا زهد أهل المادة فيما لديه من مثل رفيعة ، وقد عرضت الدنيا نفسها عليه خاطبة ، وواته الظروف ، ولكن هيهات أن تروج هذه الأوهام في نفس مشغولة زاخرة بالحقائق النفيسة العليا . جاءه من يعرض عليه منصبا في فجر الدعوة سنة 1932م، ليلين عن بعض واجبه في منصب الداعي إلي الله ، وكانت نظرة رثاء وإشفاق وتبكيت دانت لها شخصية الداعي هوانا ودُحورا وخجلا ، ولو أنه أجاب ما عرُض عليه لكان لبنيه اليوم من مجد المنصب ونعمته ما يحسده عليه الكثيرون . وعرض عليه الإنجليز ذهبهم الوهّاج في مستهل الحرب الماضية ، ألوفا وعشرات الألوف ، ومن ورائها خزائن طوع أمره ، ورهن إشارته ، ولكن الرجل المصلح المتواضع السهل السمح أذلّ بكبريائه القاسية من جاء يُساومه في مثله وكرامته ، ونكس القومُ رؤوسهم ، مدركين أن الذهب والفضة لا يعالجان بما يحسم أمر الشيخ ويخفت صوته إلي الأبد ، ولو أنه ألان لهم الجانب ما كشف أحدٌ سره ، ولما تعرض لنقمة الناقمين ، وغيظ الحاقدين ، وكان لبنيه اليوم من الضياع والعمائر ما يسلكهم في أرباب الثروات . 2- الاندماج المؤثر والتفاعل في المجتمع فكان البنا رحمه الله يعرف أن إصلاح السلبيات في المجتمع لا تتم ولا يُكتب لها النجاح إلا بالاندماج التام فيه ، بعد ترشيد خطاب ولهجة عامة لكافة الفئات ، ولغة حوار لكل التيارات ، فالاندماج مهم جدا بعد مرحلة الخطاب ، لأن الإصلاح المجتمعي يقتضي معرفة سلبيات ذلك المجتمع ، والوقوف علي مواطن الداء ، لتشخيص الدواء ، بتؤدة وتمهل وحذَر ، وذلك لا يتأتي إلا بالتفاعل والاندماج التام في كل أركان المجتمع وجوانبه ، من قبل المصلحين والعقلاء ليعملوا علي تطبيبه وعلاج مشكلاته ، وكذلك فعل الإمام البنا رحمه الله . فكان يدخل بلدا من البلاد –كما يقول روبير جاكسون- أحيانا لا يعرف فيه أحدا ، فيقصد إلي المسجد ، فيصلي مع الناس ، ثم يتحدث بعد الصلاة عن الإسلام ، وأحيانا ينصرف الناس عنه فينام علي حصير المسجد ، وقد وضع حقيبته تحت رأسه ، والتف بعباءته .. وكان يعيش بعد استقالته من التعليم براتب لا يزيد عن راتبه المدرسي ، وبين يديه الأموال الضخمة المعروضة من أتباعه ، وحوله من العاملين من يصل دخله إلي أضعاف ما يحصل عليه ، كما كان في بيته مثال البساطة . كنت تلقاه في تلك الحجرة المتواضعة الفراش ، ذات السجادة العتيقة ، والمكتبة الضخمة ، فلا تراه يختلف عن أي إنسان عادي إلا في ذلك البريق اللامع ، الذي تبعثه عيناه والذي لا يقوي الكثيرون علي مواجهته ، فإذا تحدث سمعت من الكلمات القليلة المعدودة موجزا واضحا للقضايا التي تحويها المجلدات ، وكان مع هذه الثقافة الواسعة الضخمة قديرا علي فهم الأشخاص ، لا يفاجئك بالرأي المعارض ، ولا يصدمك بما يخالف مذهبك ، وإنما يحتال عليك حتى يصل إلي قلبك ، ويتصل بك فيما يتفق معك عليه ، ويعذرك فيما تختلفان فيه . وهكذا كان الإمام الشهيد رضي الله عنه ، مصلحا بالقول والعمل ، بالتنظير والتطبيق ، فنزل إلي الناس وإلي ساحاتهم ، ولم يكن مُنَظّرا في برج عاجي بعيدا عن الجماهير ، ولم يكن صاحب علاجات فلسفية هلامية فضفاضة ، أو عصية علي التنفيذ والتطبيق بل كان صاحب رؤية واقعية ، لأنه عايش الناس بنفسه ولمس داء المجتمع وشخصه وهو في أرض الميدان ، لا في برجه العاجي كعادة كثير من الفلاسفة . فالناحية الهامة التي ألمع إليها الكاتب الأمريكي –كما يقول الأديب محمد رجب البيومي- ، هي ثقافة الإمام الشهيد المحيطة ، وميزة هذه الثقافة التي تُسعفه في شتى المناسبات أنها ليست نصوصا جامدة محفوظة في الذاكرة فحسب ، بل لها روحها الحي الذي ينفخ فيها الحياة فتستحيل مخلوقات متحركة ذات نبض ، وقد يكون بعض هذه النصوص معلوما لكثير من الناس ، ولكنهم لا يبلغون منه معشار ما يبلغه الأستاذ ، لأنه يربط كل النصوص بالمدلول العام للدعوة الإسلامية ، وللخط العريض الذي تمثله الشريعة في قانونها السماوي العادل ، وهنا يصير النص المعروف وكأنه علي شفتيه نصٌ جديد ! . كذلك من ميزة تلك الثقافة المتشعبة أنها توجد له الحلول الإصلاحية التي ينشدها المجتمع وتبغيها الجماهير ، فالأستاذ البنا رحمه الله ، نزل بالثقافة وبالعلوم للواقع لتكون تلك العلوم مساهمة في حل المشكلات المجتمعية لأنه لا إصلاح إلا بعلم وعن بصيرة ، ولم يقتصر علي مكتبة ضخمة ، وعقل جامع ، من غير دربة علي أولويات العصر وما يريده الناس ، وهذا هو الفرق بين المصلح والفيلسوف . 3- الديناميكية والحركية الإمام حسن البنا يستقل قطار الصعيد خلال رحلاته بين المحافظات فالإمام البنا رحمه عرف أن مهمة المصلحين في التاريخ الإنساني العريق تتسم بالديناميكية / الحركية ، التي لا تعرف الملل ، والعزيمة التي لا تعانق اليأس ، والجد الذي يمج الفتور ، ولذلك كان يقول دائما رحمه الله بأن "الواجبات أكثر من الأوقات" ، وهذه لغة المصلحين الكبار ، والعباقرة الذين يتركون بصمة إبهامهم في التاريخ الإنساني الحضاري . لكن الفرق بين حسن البنا وبين غيره من الفلاسفة أن هؤلاء الفلاسفة قاموا بتشخيص حالات المرض المجتمعي لديهم وشخصوا الدواء من منظورهم ، ولكن لا نجد نظرية من تلك النظريات قد قبلت التطبيق بحذافيرها علي أرض الواقع أو حتى بنسبة مرضية ، لأنها ليست منبثقة من الوحي ، في حين أن فلسفة حسن البنا منبثقة من الوحي ، الذي يلقي القبول من قبل الجماهير بل والخضوع له بالضمير الذاتي من غير رقابة قانونية . وقد كان البنا رحمه الله مع ذلك سريع الحركة ، واثبا متألقا لا يهدأ ، لا يعرف الكلام بل يعرف العمل فقط ، وشُغل وقته ، لدرجة أنه لم يسجل أفكاره في المصنفات وعندما سُئل لماذا لا تؤلف كتبا ؟! قال لأنني أؤلف رجالا . ولنقف علي رحلة واحدة من رحلاته كي تقف علي كيف تكون حياة المصلحين ، وكيف أن الثمرة المرجوة أحق أن تُجني . جاء في "مذكرات الداعي والداعية" : الأستاذ المرشد في الوجه البحري والصعيد : * يوم الجمعة 28 ربيع آخر الموافق 17 يوليو ذهب الإمام إلي شبين الكوم وشبراخيت . * يوم السبت 29 ربيع آخر : المحمودية - البحيرة . * يوم الأحد 30 ربيع آخر : المحمودية - البحيرة . * يوم الاثنين غرة جمادي الأولي : كفر الدوار . * يوم الثلاثاء 2 جمادي أولي : الإسكندرية . * يوم الأربعاء 3 جمادي الأولي طنطا . * يوم الجمعة 5 جمادي الأولي ميت غمر . * يوم السبت 6 جمادي الأولي زفتي . * يوم الأحد 7 جمادي الأولي المنصورة . * يوم الاثنين 8 جمادي الأولي دكرنس . * يوم الثلاثاء 9 جمادي الأولي الزقازيق . * يوم الأربعاء 10 جمادي الأولي منيا القمح . * يوم الخميس 12 جمادي الأولي الموافق 31 يوليو : بنها . وتبدأ الرحلة الثانية إلي الصعيد من القاهرة يوم الاثنين 15 جمادي الأولي الموافق 3 أغسطس إلي أسوان ثم إلي عواصم الصعيد وشعب الجماعة بها إلي يوم 30 منه . فلك أن تتعجب من هذا الجهد الخارق الذي يفوق كل وصف ، ومن هذه الهمة التي لا مثيل لها ، مع الوضع في الاعتبار أن سبل السفر من مواصلات ونحوها في ذلك العصر لم تكن بالكفاءة المرجوة ولا بالسرعة المسعفة ، لكن البنا رحمه الله تغلب علي الإجهاد والتعب ، لأنه ببساطة عرف مهمة المصلحين وأدمن النظر فيها والتأمل . ولم يكن كلام البنا عن الإصلاح حديثا هلاميا بل كان محددا ومنضبطا ومقننا ، علاوة علي انه نزل بنفسه إلي الشوارع والطرقات والمقاهي ليخاطب الجمهور بنفسه ، ويلتمس العلل بلبه ويلمس المعوقات بيديه ، وهكذا اتسم الإمام البنا رحمه الله بالديناميكية والقدرة علي التغيير . وقد وضع الإمام البنا آليات وأسسا لمنهجه الإصلاحي ، وقد ساقه في "رسالة نحو النور" وقد أرسلها إلي مصطفي النحاس باشا ، وإلي ملوك ورؤساء جميع الدول العربية والإسلامية......................لمتابعة الموضوع كاملا
  2. الحج في فكر الشيخ محمد الغزالي إعداد: موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين مقدمة الحج هو الشعيرة الخامسة من شعائر الإسلام الكبرى، رحلة يطوي فيها المسلم بعده عن البيت العتيق؛ ليتفقد سيرة أبيه إبراهيم، ورسوله الكريم، يحدوه فيها الشوق والوجد، وتغمره خلالها مشاعر الرضا والفرحة، ويستشعر فيها ضعفه وحاجته، ويتجسد أمامه ضعف العبودية، ويرى بعين قلبه عظمة الربوبية، تاركا وطنه وأهله وماله، متوجها بقلبه وجسده وعقله إلى الله، طالبا منه العفو والصفح والقبول دون سواه. ولقد تحدث الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله عن هذه الشعيرة العظيمة حديثا لا تكاد تجده على هذا النحو عند أحد من علمائنا رضي الله عنهم وقدم فيه أفكارا جديدة، وأشار إلى لفتات إيمانية وروحية، ووضع أيدينا على جوانب اجتماعية وسياسية لا يسعنا إلا أن نقف أمامها نأخذ الموعظة البليغة والعبرة النافعة من هذه النظرة الفريدة التي تمثلت فيما يلي: أولا: الحج نداء قديم جديد في زحمة الحياة ومعركة الخبز التي تسود الأرجاء وترهق الأعصاب، وفي زحام الحياة والناس يلهثون وراء مآربهم القريبة والبعيدة، كان هناك أشخاص آخرون يخلصون بأنفسهم بعيدا، ويصغون إلى نداء آخر يجيء من وراء القرون، ويتردد صداه على اختلاف الليل والنهار، هو في نظر الشيخ نداء قديم جديد. قديم لأن أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام أول من أعلنه، وصدع بأمر الله حين قال له: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ". (الحج: 27) ،وجديد لأن خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ندب إليه وقاد قوافله ووضع مناسكه وبين ما رصد الله له من جوائز وربط به من منافع، وكان آخر عهده بالجماهير الحاشدة وهي تصيح إليه في حجة الوداع يزودهم بآخر وصاياه وأحفلها بالخير والبر..(1) ثانيا: الحج طاعة مطلقة وانقياد تام وتناغم كامل والحج في فكر الشيخ الغزالي يرحمه الله طاعة مطلقة لله تعالى، وانقياد لأمره، وتناغم بين الحجيج والملكوت والكائنات جميعا، فوفود الحج وهي تنطلق صوب البيت العتيق مخلفة وراءها مشاغل الدنيا، وهاتفة بأصواتها خاشعة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك إن هذه الوفود تؤكد ما يجب على الناس جميعا لله سبحانه وتعالى من طاعة مطلقة، وانقياد تام، وذكر وشكر، وتوحيد وتمجيد. ويتساءل الشيخ في هذا الصدد قائلا: هل العالم يتذوق هذه المعاني؟ ويستشعر حلاوتها؟ كلا، فما أكثر التائهين عن الله، والمتمردين على حقوقه، ما أكثر العابدين بغير ما شرع، والحاكمين بغير ما أنزل، إن هؤلاء العاصين نغمة شاذة في كون يسبح بحمد ربه: "أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" (آل عمران: 83) دع عنك هؤلاء التائهين، وارمق الوفود المنطلقة صوب مكة تجأر بالتلبية، ويسير بها البر والبحر والجو، إن جؤارها بالتلبية يصدقه كل شيء في البر والبحر والجو، فالمُلبِّي حين يرفع عقيرته مناجيا ربه ومصدقا أخاه، ومقررا أشرف حقيقة في الوجود يتجاوب معه الملكوت الساجد طوعا وكرها، أو يتجاوب معه الملكوت الذي يبارك رحلته ويحترم حجته، فلا عجب أن يتجانس الكون المسبح بحمد الله مع إنسان انخلع عن نفسه، وانطلق في سفر صالح يبتغي مرضاة الله. وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وها هنا"..(2) إنه هتاف ينفرد به أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وحملة راية التوحيد، أما غيرهم فهم بين معطل ومشرك وجاحد ومنحرف، إن لهم هتافا آخر يمثل عبوديتهم للتراب ولما فوق التراب من دنايا وخزعبلات..(3) ثالثا: أفعال الحج ترتبط بأحكأم لا ينكرها العقل وإذا كان الحج طاعة مطلقة وانقيادا تامًّا فليس معنى ذلك أن العقل ليس له مدخل في شعائره ومناسكه يتذوقها ويقف على الحِكَم المستفادة منها، فكثير من الناس يظن أن أفعال الحج ومناسكه مبهمة وغامضة، وأن الله جل شأنه اختبر الناس بما يعقلون فسمعوا وأطاعوا، فاختبرهم بما لا يعقلون حتى يتبين له كيف يسمعون وكيف يطيعون. ويؤكد الشيخ الغزالي أن هذا كلام بعيد عن الصحة؛ إذ الواقع أن أعمال الحج لها حكم معقولة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، وينبغي أن تدرس هذه الحكم بأناة، وأن تعرف حقائقها حتى يدرك الناس أن الإسلام ليس دين أوهام أو أضغاث أحلام، هذا دينٌ كلُّ شيء فيه له حكمته وله معناه. فمن مناسك الحج الطواف بالبيت، هل له حكم معقولة؟ ويذكر الشيخ الغزالي أربع نقاط في هذا المنسك توضح معقوليته والحكمة منه: * الأولى: أن هذا البيت هو أول بيت وضع للناس، وزاده الله تشريفا، فمن حق أول بيت أقيم ليكون قلعة التوحيد، ومثابة للموحدين، وملتقى للمؤمنين المخلصين، من حقه أن تكون له مكانة خاصة؛ ولهذا يجيئه الرواد من كل أفق، والحجاج من كل فج، يطيرون إليه كما تطير الحمائم إلى أوكارها، في أفئدتهم حنين، وفي قلوبهم مشاعر ملتاعة. * الثانية: أن المسلمين في المشارق والمغارب في الشمال والجنوب يولون وجوههم شطر هذا المسجد في كل صلاة تقام في القارات كلها، ومن حق الذين اتخذوا المسجد قبلة لهم أن يبعثوا كل عام منهم الوفد المستطيع لكي يرى قبلته، كي يحج إليها ويزورها. * الثالثة: أن هذه الأمة الإسلامية إنما ولدت في التاريخ إثر دعوة صالحة مستجابة للأنبياء الذين وضعوا حجر الأساس في هذا البيت العتيق ونهضوا به وأعلوا دعائمه: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ" (البقرة: 127-129) "وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ" هي أمتنا، "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ" هو رسولنا صلى الله عليه وسلم صاحب الإمامة العامة في محراب العبادة لخلق الله كلهم، فمن حقنا، ونبيِّنا وأمتنا وتاريخنا نتيجة دعوة في بناء هذا البيت، أن نزور هذا البيت، وإذا لم يحج المسلمون إلى البيت الذي بدأ عنده تاريخهم فأين يحجون؟ وإذا لم يقصدوا البيت الذي كان نبيهم دعوة مخبوءة في ضمير عند بنائه استجابها الله وباركها، فأين يقصدون؟. * الرابعة: أن الله عز وجل أراد أن يكرم الأمة العربية، فكرمه بأنه حمل الرسالة الخاتمة، وعندما أمر الناس أن يتوجهوا لهذا البيت العتيق قال لنا نحن الذين نقرأ القرآن وننطق باللغة العربية أنا فعلت هذا تشريفا لكم، وإتماما للنعمة عليكم، كما شرفناكم بابتعاث النبي الخاتم منكم عليه الصلاة والسلام..(4) وقد قال الله تعالى: "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ"(البقرة: 151) على أن من يزور البيت لا يعبد البيت إنما يعبد رب البيت، والطواف كما أجمع العلماء صلاة لابد لها من طهارة البدن، ولابد فيها من خلوص القلب لله، ومن زعم أن الكعبة كلها أو بعضها يضر أو ينفع فهو خارج عن الإسلام، ومن هنا نفهم ما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك..(5) وإذا كان بعض المغفلين يزعم أن تقبيل الحجر الأسود نوع من الوثنية فليكن تقبيل الملوك والرؤساء لأعلام دولهم نوعا أيضا من الوثنية ومن عبادة الأقمشة!! من قال هذا؟ إذا كان الأمر لا يعدو ترجمة لمشاعر الولاء لله فليس في هذا شيء، ونحن في هذا نلتزم ما ورد..(6) ومن حق رب البيت أن يضع طريقا لزيارة بيته، فإذا جعلها طوافا من سبعة أشواط فليس في الأمر ما يستغرب، ففي طول الدنيا وعرضها توضع طرائق شتى للاستقبالات والاستعراضات..(7) ومن مناسك الحج التي يظنها كثير من الناس غير معقولة: السعي بين الصفا والمروة وفي بيان الحكمة منه يقول الشيخ: إن الإنسان مادي حسي، والأسباب الحسية هي التي تملكه أو هي التي تحكمه، يوم يكون في يده مال يقول: مالي في يدي، فهو يعتز به، لكن يوم يكون المال وعدا في الغيوب، وأملا في المستقبل، ورجاء عند الله، فإن قلبه يضطرب، ويقول ليس معي شيء. والحق أن الرزق غيب، ولا يؤمن برزق الله إلا أصحاب الإيمان الراسخ، والنصر غيب، ولا يؤمن بنصر الله إلا أصحاب الإيمان الراسخ... هذا النوع من الإيمان قلما يوجد، لكنه عدة المصلحين، كلما أظلم الليل عليهم ولم يجدوا بصيصا من نور اطمأنوا إلى أن فجرا سيجيء فهم ينتظرون بريقه بثقة. يشير الشيخ بهذا إلى موقف هاجر عندما تركها زوجها إبراهيم صلوات الله عليه مع ابنها في وادي مكة المجدب والموحش حيث لا أنيس ولا جليس ولا زاد، وليس هناك إلا القدر المرهوب، وقالت له الزوجة الصالحة: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فقالت: إذن لا يضيعنا. وبدأ الرضيع يتلوى جوعا وعطشا، وبدأت الأم تهرول يمينا وشمالا، ثم جاء الملك وغمز بجناحه الأرض فتفجرت زمزم، وشرب الرضيع، وشربت الأم، وبدأ الخير. أكانت هذه المرأة تدرك أن ابنها هذا سيكون من ذريته نبي خاتم؟ سيكون من ذريته شعب كبير؟ سيكون من أثره حضارة تظلل الأرض برحمتها وسناها؟!! من هنا يجيء الاختبار، فإذا كُلِّف الناس أن يفعلوا ما فعلت أم إسماعيل فلكي تتجدد في مسالكهم عواطف الاتكال على الله، الثقة في الله، الإيمان بأن ما عنده أهم مما عندي، ما عندي قد يحرق، قد يسرق، لكن ما عنده لا حرق ولا سرق..(8) وقس على ذلك باقي المناسك، فالحج عبادة رقيقة محبوبة أساسها الوقوف بعرفة، والطواف حول البيت، وبعض شعائر أخرى يمكن استيعابها بيسر دون قلق أو حرج، وعند التأمل في أصل المنسك وما يتركه في القلب من مشاعر، وما يستودعه العقلَ من دلالات نقف على الحكم المتعددة التي تستفاد من كل منسك. رابعا: الحج وفاء وتلبية وإخلاص فالحج وفاء لنداء إبراهيم عليه السلام، وتلبية لأوامر الله تعالى، وتجرد وإخلاص لا شرك فيه، إنهم يجيئون ليترجموا عن وفائهم ويقينهم، ولتبقى دورات التاريخ متصلة المبنى والمعنى، لا يمر عام إلا أقبلت الوفود من كل فج كأنها الحمائم تنطلق من أوكارها، يحثها الشوق إلى مهاد التوحيد وحصنه: "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج: 32) وليس للطائفين نجوى إلا مع الله وحده، شغلهم الشاغل ترديد الباقيات الصالحات، والتقدم بضعف العبيد إلى القوي الكبير أن يجيب سؤالهم ويحقق رجاءهم، ماذا يقولون؟ سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يدعون: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (البقرة: 201). إن الوفود القادمة من القارات الخمس على اختلاف لغاتها وألوانها وأحوالها يجمعها شعور واحد، وتنتظمها عاطفة دينية مشبوبة، وهي تترجم عن ذات نفسها بتلبية تهز الأودية! ويتحول ما أضمرته من إخلاص إلى هتاف بسم الله وحده، لا ذكر هنا إلا لله، ولا جؤار إلا باسمه! ولا تعظيم إلا له! ولا أمل إلا فيه! ولا تعويل إلا عليه. إن المسافات تقاربت بل انعدمت، بين ذكر لله يمر بالفؤاد كأنه خاطرة عابرة، وبين ذكر لله يدوي كالرعد القاصف من أفواج تتدافع إلى غايتها لا تلوي على شيء، ولا يعنيها إلا إعلان ولائها لله الذي جاءت لتزور بيته..(9) إن الإنسانية واحدة من آدم إلى إبراهيم إلى محمد، شرفُها في معرفتها لله وولائها له وحده، وجَهْدُ الشيطان تعكيرُ هذه المعرفة وتقطيع ذلك الولاء، وقد كان إبراهيم نموذجا للنبوات الأولى في حرب الأوثان ومطاردة الشيطان، وقد بنى في مكة هذا البيت الخالد شعارا للتوحيد، ومنارا للعبادة المجردة، ثم جاء خاتم المرسلين فأرسى القواعد لألوف مؤلفة من المساجد التي تتبعه في الوسيلة والهدف، فلا غرابة إذا ارتبطت به وجاء أهلوها في كل عام يجددون العهد..(10) ولا يقال بحال من الأحوال إن بعض الطقوس والمناسك فيها نوع من الشرك أو الوثنية، كالطواف بالبيت، أو تقبيل الحجر، أو غير ذلك؛ لما تقدم، ولأننا نلتزم في ذلك كله أمر الله وأمر رسوله صلوات الله عليه، بل كل لمحة من لمحات الحج تشي بالتوجه الصادق والتوحيد الخالص والإخلاص الكامل. خامسا: الحج وحدة وتجرد ليست هنالك شعيرة من شعائر الإسلام يتمثل فيها معنى الوحدة كما يتمثل في شعيرة الحج، حيث القبلة الواحدة والزي الواحد والرب الواحد والهتاف الواحد، والتجمع الرهيب المهيب يوم عرفة. يقول الشيخ: إن مناسك الحج تنمية لعواطف المسلمين نحو ربهم ودينهم، وماضيهم وحاضرهم، ويكفي أنها تجمعهم من أطراف الأرض شعثا غبرا لا تفريق بين ملك وسوقة، ولا بين جنس وجنس، ليقفوا في ساحة عرفة في تظاهرة هائلةٍ، الهُتافُ فيها لله وحده، والرجاء في ذاته، والتكبير لاسمه، والضراعة بين يديه، فقر العبودية ظاهر، وغنى الربوبية باهر، ومن قبل الشروق إلى ما بعد الغروب لا ذكر إلا لله، ولا طلب إلا منه سبحانه..(11) إن هذه الحشود المتكاتفة يمكن أن تُكَون مظاهرة متلاطمة الأمواج، الهتاف فيها ليس لبشر، إنما الهتاف فيها لرب الأرض والسماء، لا يملأ أذنيك إلا طنينٌ ضخم من كل ناحية بين تلبية وتكبير وتقديس وتمجيد، الحناجر تنشق بالهتاف لله وحده طلبا لرضاه، وانتظارا لجداه، ورغبة في ثوابه، ورهبة من عقابه..(12) وفي موسم الحج تلتقي مكة بالوفود المقبلة من كل فج عميق، تلتقي بأفراد الإنسانية الموحدة المهتدية المحبة لله وللمسجد الأول أبي المساجد في القارات كلها تتصافح الوجوه وتتعارف النفوس على تلبية النداء الصادر بحج البيت، النداء الذي صدر من قديم، وزاده الإسلام قوة ووحدة..(13) ويوم عرفة فريد في معناه ومظهره، لا تسمع فيه إلا تأوهات التائبين، وأنين الخاشعين، وضراعة المفتقرين، إنها الإنسانية المستجيرة بربها، النازلة بساحته مؤملة في خزائن لا تنفد، وعطف لا يغيض..(14) وذلك أن الحاج إنسان متبتل إلى الله، متلهف على رضاه، متطلع إلى مثوبته، متخوف من عقوبته، يتحرك كل شيء في بدنه بمشاعر الشوق والرغبة والحب، ولا أعرف تجمعا أهلا لرحمة الله ومغفرته كهذا التجمع الكريم..(15) سادسا: الحج ثقة في الله وتوكل عليه اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي ملايين المسلمين في بيت الله الحرام يؤدون فريضة الحج إن التوكل شعور نفيس غريب، وهو أغلى من أن يخامر أي قلب، إنه ما يستطيعه إلا امرؤ وثيق العلاقة بالله، حساس بالاستناد إليه والاستمداد منه، وعندما ينقطع عون البشر، وتتلاشى الأسباب المرجوة، وتغزو الوحشة أقطار النفس، فهلا يردها إلا هذا الأمل الباقي في جنب الله، عندئذ ينهض التوكل يرد الوساوس وتسكين الهواجس..(16) وإن أبرز شيء في الحج نأخذ منه هذا الدرس هي قصة هاجر زوج إبراهيم وأم إسماعيل كما نقلنا عنها سابقا قولها لزوجها: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فقالت: إذن لا يضيعنا. يقول الشيخ معقبا على هذا القول: ماذا نفهم من هذا؟ نفهم من هذا أن الإنسان عندما يعتمد على ربه فإنه يعتمد على مصدر القوى ومنبع الخير وسائق الفضل، وأن الإنسان إذا صدق إيمانه ربا توكله، وازدادت بالله ثقته، وضعفت علاقاته بالماديات..(17) وليس معنى انقطاع الإنسان عن كل ما سوى الله أن يتواكل ويستكين، كلا. كلا، إن المرأة لما قالت: لا يضيعنا. ما استكانت ولا ركنت إلى غير الأخذ بالأسباب بل أخذت تهرول وتسعى حتى ساق الله لها الرزق، وأجرى لها الخير. فتدخلت السماء وتفجرت زمزم وغنى الوادي بعد وحشة، وصار الرضيع المحرج أمة كبيرة العدد عظيمة الغناء، ومن نسله صاحب الرسالة العظمى، ومن شعائر الله هذا التحرك بين الصفا والمروة تقليدا لأم إسماعيل، وهي ترمق الغيب بأمل لا يغيب. فما أحوج أصحاب المثل إلى عاطفة التوكل، إنها وحدها تكثرهم من قلة، وتعزهم من ذلة، وتجعل من تعلقهم بالله حقيقة محترمة..(18) وكذلك زوجها وهو رجل واحد توكل على الله فنصره وجعل قُوى الشر تتهاوى أمامه، وتتدحرج تحت أقدامه، فاستطاع أن يقيم دعوة التوحيد وينشر رسالته الكبرى. يقول الشيخ في نظرة إلى حال العرب معقبا على هذا المشهد: التوكل على الله شيء خطير، ولو أن العرب أهل إيمان، ولو أنهم فعلا يئسوا من الخلق واعتمدوا على الخالق لنصرهم كما نصر نبيهم صلى الله عليه وسلم ولسقاهم كما سقى امرأة في صحراء لا تجد هي ولا رضيعها شيئا. إن التوكل على الله شيء خطير، وعندما تساق الأمة إلى مكان نبع الماء فيه من صحراء لا ماء فيها ولا زرع ولا ضرع يعرف الناس أن الانقطاع عن الله جريمة، وأن الانقطاع إليه هو الاتصال كله وهو الخير كله............لمتابعة الموضوع كاملا
  3. الحج في فكر الشيخ محمد الغزالي إعداد: موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين مقدمة الحج هو الشعيرة الخامسة من شعائر الإسلام الكبرى، رحلة يطوي فيها المسلم بعده عن البيت العتيق؛ ليتفقد سيرة أبيه إبراهيم، ورسوله الكريم، يحدوه فيها الشوق والوجد، وتغمره خلالها مشاعر الرضا والفرحة، ويستشعر فيها ضعفه وحاجته، ويتجسد أمامه ضعف العبودية، ويرى بعين قلبه عظمة الربوبية، تاركا وطنه وأهله وماله، متوجها بقلبه وجسده وعقله إلى الله، طالبا منه العفو والصفح والقبول دون سواه. ولقد تحدث الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله عن هذه الشعيرة العظيمة حديثا لا تكاد تجده على هذا النحو عند أحد من علمائنا رضي الله عنهم وقدم فيه أفكارا جديدة، وأشار إلى لفتات إيمانية وروحية، ووضع أيدينا على جوانب اجتماعية وسياسية لا يسعنا إلا أن نقف أمامها نأخذ الموعظة البليغة والعبرة النافعة من هذه النظرة الفريدة التي تمثلت فيما يلي: أولا: الحج نداء قديم جديد في زحمة الحياة ومعركة الخبز التي تسود الأرجاء وترهق الأعصاب، وفي زحام الحياة والناس يلهثون وراء مآربهم القريبة والبعيدة، كان هناك أشخاص آخرون يخلصون بأنفسهم بعيدا، ويصغون إلى نداء آخر يجيء من وراء القرون، ويتردد صداه على اختلاف الليل والنهار، هو في نظر الشيخ نداء قديم جديد. قديم لأن أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام أول من أعلنه، وصدع بأمر الله حين قال له: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ". (الحج: 27) ،وجديد لأن خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ندب إليه وقاد قوافله ووضع مناسكه وبين ما رصد الله له من جوائز وربط به من منافع، وكان آخر عهده بالجماهير الحاشدة وهي تصيح إليه في حجة الوداع يزودهم بآخر وصاياه وأحفلها بالخير والبر..(1) ثانيا: الحج طاعة مطلقة وانقياد تام وتناغم كامل والحج في فكر الشيخ الغزالي يرحمه الله طاعة مطلقة لله تعالى، وانقياد لأمره، وتناغم بين الحجيج والملكوت والكائنات جميعا، فوفود الحج وهي تنطلق صوب البيت العتيق مخلفة وراءها مشاغل الدنيا، وهاتفة بأصواتها خاشعة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك إن هذه الوفود تؤكد ما يجب على الناس جميعا لله سبحانه وتعالى من طاعة مطلقة، وانقياد تام، وذكر وشكر، وتوحيد وتمجيد. ويتساءل الشيخ في هذا الصدد قائلا: هل العالم يتذوق هذه المعاني؟ ويستشعر حلاوتها؟ كلا، فما أكثر التائهين عن الله، والمتمردين على حقوقه، ما أكثر العابدين بغير ما شرع، والحاكمين بغير ما أنزل، إن هؤلاء العاصين نغمة شاذة في كون يسبح بحمد ربه: "أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" (آل عمران: 83) دع عنك هؤلاء التائهين، وارمق الوفود المنطلقة صوب مكة تجأر بالتلبية، ويسير بها البر والبحر والجو، إن جؤارها بالتلبية يصدقه كل شيء في البر والبحر والجو، فالمُلبِّي حين يرفع عقيرته مناجيا ربه ومصدقا أخاه، ومقررا أشرف حقيقة في الوجود يتجاوب معه الملكوت الساجد طوعا وكرها، أو يتجاوب معه الملكوت الذي يبارك رحلته ويحترم حجته، فلا عجب أن يتجانس الكون المسبح بحمد الله مع إنسان انخلع عن نفسه، وانطلق في سفر صالح يبتغي مرضاة الله. وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وها هنا"..(2) إنه هتاف ينفرد به أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وحملة راية التوحيد، أما غيرهم فهم بين معطل ومشرك وجاحد ومنحرف، إن لهم هتافا آخر يمثل عبوديتهم للتراب ولما فوق التراب من دنايا وخزعبلات..(3) ثالثا: أفعال الحج ترتبط بأحكأم لا ينكرها العقل وإذا كان الحج طاعة مطلقة وانقيادا تامًّا فليس معنى ذلك أن العقل ليس له مدخل في شعائره ومناسكه يتذوقها ويقف على الحِكَم المستفادة منها، فكثير من الناس يظن أن أفعال الحج ومناسكه مبهمة وغامضة، وأن الله جل شأنه اختبر الناس بما يعقلون فسمعوا وأطاعوا، فاختبرهم بما لا يعقلون حتى يتبين له كيف يسمعون وكيف يطيعون. ويؤكد الشيخ الغزالي أن هذا كلام بعيد عن الصحة؛ إذ الواقع أن أعمال الحج لها حكم معقولة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، وينبغي أن تدرس هذه الحكم بأناة، وأن تعرف حقائقها حتى يدرك الناس أن الإسلام ليس دين أوهام أو أضغاث أحلام، هذا دينٌ كلُّ شيء فيه له حكمته وله معناه. فمن مناسك الحج الطواف بالبيت، هل له حكم معقولة؟ ويذكر الشيخ الغزالي أربع نقاط في هذا المنسك توضح معقوليته والحكمة منه: * الأولى: أن هذا البيت هو أول بيت وضع للناس، وزاده الله تشريفا، فمن حق أول بيت أقيم ليكون قلعة التوحيد، ومثابة للموحدين، وملتقى للمؤمنين المخلصين، من حقه أن تكون له مكانة خاصة؛ ولهذا يجيئه الرواد من كل أفق، والحجاج من كل فج، يطيرون إليه كما تطير الحمائم إلى أوكارها، في أفئدتهم حنين، وفي قلوبهم مشاعر ملتاعة. * الثانية: أن المسلمين في المشارق والمغارب في الشمال والجنوب يولون وجوههم شطر هذا المسجد في كل صلاة تقام في القارات كلها، ومن حق الذين اتخذوا المسجد قبلة لهم أن يبعثوا كل عام منهم الوفد المستطيع لكي يرى قبلته، كي يحج إليها ويزورها. * الثالثة: أن هذه الأمة الإسلامية إنما ولدت في التاريخ إثر دعوة صالحة مستجابة للأنبياء الذين وضعوا حجر الأساس في هذا البيت العتيق ونهضوا به وأعلوا دعائمه: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ" (البقرة: 127-129) "وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ" هي أمتنا، "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ" هو رسولنا صلى الله عليه وسلم صاحب الإمامة العامة في محراب العبادة لخلق الله كلهم، فمن حقنا، ونبيِّنا وأمتنا وتاريخنا نتيجة دعوة في بناء هذا البيت، أن نزور هذا البيت، وإذا لم يحج المسلمون إلى البيت الذي بدأ عنده تاريخهم فأين يحجون؟ وإذا لم يقصدوا البيت الذي كان نبيهم دعوة مخبوءة في ضمير عند بنائه استجابها الله وباركها، فأين يقصدون؟. * الرابعة: أن الله عز وجل أراد أن يكرم الأمة العربية، فكرمه بأنه حمل الرسالة الخاتمة، وعندما أمر الناس أن يتوجهوا لهذا البيت العتيق قال لنا نحن الذين نقرأ القرآن وننطق باللغة العربية أنا فعلت هذا تشريفا لكم، وإتماما للنعمة عليكم، كما شرفناكم بابتعاث النبي الخاتم منكم عليه الصلاة والسلام..(4) وقد قال الله تعالى: "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ"(البقرة: 151) على أن من يزور البيت لا يعبد البيت إنما يعبد رب البيت، والطواف كما أجمع العلماء صلاة لابد لها من طهارة البدن، ولابد فيها من خلوص القلب لله، ومن زعم أن الكعبة كلها أو بعضها يضر أو ينفع فهو خارج عن الإسلام، ومن هنا نفهم ما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك..(5) وإذا كان بعض المغفلين يزعم أن تقبيل الحجر الأسود نوع من الوثنية فليكن تقبيل الملوك والرؤساء لأعلام دولهم نوعا أيضا من الوثنية ومن عبادة الأقمشة!! من قال هذا؟ إذا كان الأمر لا يعدو ترجمة لمشاعر الولاء لله فليس في هذا شيء، ونحن في هذا نلتزم ما ورد..(6) ومن حق رب البيت أن يضع طريقا لزيارة بيته، فإذا جعلها طوافا من سبعة أشواط فليس في الأمر ما يستغرب، ففي طول الدنيا وعرضها توضع طرائق شتى للاستقبالات والاستعراضات..(7) ومن مناسك الحج التي يظنها كثير من الناس غير معقولة: السعي بين الصفا والمروة وفي بيان الحكمة منه يقول الشيخ: إن الإنسان مادي حسي، والأسباب الحسية هي التي تملكه أو هي التي تحكمه، يوم يكون في يده مال يقول: مالي في يدي، فهو يعتز به، لكن يوم يكون المال وعدا في الغيوب، وأملا في المستقبل، ورجاء عند الله، فإن قلبه يضطرب، ويقول ليس معي شيء. والحق أن الرزق غيب، ولا يؤمن برزق الله إلا أصحاب الإيمان الراسخ، والنصر غيب، ولا يؤمن بنصر الله إلا أصحاب الإيمان الراسخ... هذا النوع من الإيمان قلما يوجد، لكنه عدة المصلحين، كلما أظلم الليل عليهم ولم يجدوا بصيصا من نور اطمأنوا إلى أن فجرا سيجيء فهم ينتظرون بريقه بثقة. يشير الشيخ بهذا إلى موقف هاجر عندما تركها زوجها إبراهيم صلوات الله عليه مع ابنها في وادي مكة المجدب والموحش حيث لا أنيس ولا جليس ولا زاد، وليس هناك إلا القدر المرهوب، وقالت له الزوجة الصالحة: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فقالت: إذن لا يضيعنا. وبدأ الرضيع يتلوى جوعا وعطشا، وبدأت الأم تهرول يمينا وشمالا، ثم جاء الملك وغمز بجناحه الأرض فتفجرت زمزم، وشرب الرضيع، وشربت الأم، وبدأ الخير. أكانت هذه المرأة تدرك أن ابنها هذا سيكون من ذريته نبي خاتم؟ سيكون من ذريته شعب كبير؟ سيكون من أثره حضارة تظلل الأرض برحمتها وسناها؟!! من هنا يجيء الاختبار، فإذا كُلِّف الناس أن يفعلوا ما فعلت أم إسماعيل فلكي تتجدد في مسالكهم عواطف الاتكال على الله، الثقة في الله، الإيمان بأن ما عنده أهم مما عندي، ما عندي قد يحرق، قد يسرق، لكن ما عنده لا حرق ولا سرق..(8) وقس على ذلك باقي المناسك، فالحج عبادة رقيقة محبوبة أساسها الوقوف بعرفة، والطواف حول البيت، وبعض شعائر أخرى يمكن استيعابها بيسر دون قلق أو حرج، وعند التأمل في أصل المنسك وما يتركه في القلب من مشاعر، وما يستودعه العقلَ من دلالات نقف على الحكم المتعددة التي تستفاد من كل منسك. رابعا: الحج وفاء وتلبية وإخلاص فالحج وفاء لنداء إبراهيم عليه السلام، وتلبية لأوامر الله تعالى، وتجرد وإخلاص لا شرك فيه، إنهم يجيئون ليترجموا عن وفائهم ويقينهم، ولتبقى دورات التاريخ متصلة المبنى والمعنى، لا يمر عام إلا أقبلت الوفود من كل فج كأنها الحمائم تنطلق من أوكارها، يحثها الشوق إلى مهاد التوحيد وحصنه: "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج: 32) وليس للطائفين نجوى إلا مع الله وحده، شغلهم الشاغل ترديد الباقيات الصالحات، والتقدم بضعف العبيد إلى القوي الكبير أن يجيب سؤالهم ويحقق رجاءهم، ماذا يقولون؟ سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يدعون: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (البقرة: 201). إن الوفود القادمة من القارات الخمس على اختلاف لغاتها وألوانها وأحوالها يجمعها شعور واحد، وتنتظمها عاطفة دينية مشبوبة، وهي تترجم عن ذات نفسها بتلبية تهز الأودية! ويتحول ما أضمرته من إخلاص إلى هتاف بسم الله وحده، لا ذكر هنا إلا لله، ولا جؤار إلا باسمه! ولا تعظيم إلا له! ولا أمل إلا فيه! ولا تعويل إلا عليه. إن المسافات تقاربت بل انعدمت، بين ذكر لله يمر بالفؤاد كأنه خاطرة عابرة، وبين ذكر لله يدوي كالرعد القاصف من أفواج تتدافع إلى غايتها لا تلوي على شيء، ولا يعنيها إلا إعلان ولائها لله الذي جاءت لتزور بيته..(9) إن الإنسانية واحدة من آدم إلى إبراهيم إلى محمد، شرفُها في معرفتها لله وولائها له وحده، وجَهْدُ الشيطان تعكيرُ هذه المعرفة وتقطيع ذلك الولاء، وقد كان إبراهيم نموذجا للنبوات الأولى في حرب الأوثان ومطاردة الشيطان، وقد بنى في مكة هذا البيت الخالد شعارا للتوحيد، ومنارا للعبادة المجردة، ثم جاء خاتم المرسلين فأرسى القواعد لألوف مؤلفة من المساجد التي تتبعه في الوسيلة والهدف، فلا غرابة إذا ارتبطت به وجاء أهلوها في كل عام يجددون العهد..(10) ولا يقال بحال من الأحوال إن بعض الطقوس والمناسك فيها نوع من الشرك أو الوثنية، كالطواف بالبيت، أو تقبيل الحجر، أو غير ذلك؛ لما تقدم، ولأننا نلتزم في ذلك كله أمر الله وأمر رسوله صلوات الله عليه، بل كل لمحة من لمحات الحج تشي بالتوجه الصادق والتوحيد الخالص والإخلاص الكامل. خامسا: الحج وحدة وتجرد ليست هنالك شعيرة من شعائر الإسلام يتمثل فيها معنى الوحدة كما يتمثل في شعيرة الحج، حيث القبلة الواحدة والزي الواحد والرب الواحد والهتاف الواحد، والتجمع الرهيب المهيب يوم عرفة. يقول الشيخ: إن مناسك الحج تنمية لعواطف المسلمين نحو ربهم ودينهم، وماضيهم وحاضرهم، ويكفي أنها تجمعهم من أطراف الأرض شعثا غبرا لا تفريق بين ملك وسوقة، ولا بين جنس وجنس، ليقفوا في ساحة عرفة في تظاهرة هائلةٍ، الهُتافُ فيها لله وحده، والرجاء في ذاته، والتكبير لاسمه، والضراعة بين يديه، فقر العبودية ظاهر، وغنى الربوبية باهر، ومن قبل الشروق إلى ما بعد الغروب لا ذكر إلا لله، ولا طلب إلا منه سبحانه..(11) إن هذه الحشود المتكاتفة يمكن أن تُكَون مظاهرة متلاطمة الأمواج، الهتاف فيها ليس لبشر، إنما الهتاف فيها لرب الأرض والسماء، لا يملأ أذنيك إلا طنينٌ ضخم من كل ناحية بين تلبية وتكبير وتقديس وتمجيد، الحناجر تنشق بالهتاف لله وحده طلبا لرضاه، وانتظارا لجداه، ورغبة في ثوابه، ورهبة من عقابه..(12) وفي موسم الحج تلتقي مكة بالوفود المقبلة من كل فج عميق، تلتقي بأفراد الإنسانية الموحدة المهتدية المحبة لله وللمسجد الأول أبي المساجد في القارات كلها تتصافح الوجوه وتتعارف النفوس على تلبية النداء الصادر بحج البيت، النداء الذي صدر من قديم، وزاده الإسلام قوة ووحدة..(13) ويوم عرفة فريد في معناه ومظهره، لا تسمع فيه إلا تأوهات التائبين، وأنين الخاشعين، وضراعة المفتقرين، إنها الإنسانية المستجيرة بربها، النازلة بساحته مؤملة في خزائن لا تنفد، وعطف لا يغيض..(14) وذلك أن الحاج إنسان متبتل إلى الله، متلهف على رضاه، متطلع إلى مثوبته، متخوف من عقوبته، يتحرك كل شيء في بدنه بمشاعر الشوق والرغبة والحب، ولا أعرف تجمعا أهلا لرحمة الله ومغفرته كهذا التجمع الكريم..(15) سادسا: الحج ثقة في الله وتوكل عليه اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي ملايين المسلمين في بيت الله الحرام يؤدون فريضة الحج إن التوكل شعور نفيس غريب، وهو أغلى من أن يخامر أي قلب، إنه ما يستطيعه إلا امرؤ وثيق العلاقة بالله، حساس بالاستناد إليه والاستمداد منه، وعندما ينقطع عون البشر، وتتلاشى الأسباب المرجوة، وتغزو الوحشة أقطار النفس، فهلا يردها إلا هذا الأمل الباقي في جنب الله، عندئذ ينهض التوكل يرد الوساوس وتسكين الهواجس..(16) وإن أبرز شيء في الحج نأخذ منه هذا الدرس هي قصة هاجر زوج إبراهيم وأم إسماعيل كما نقلنا عنها سابقا قولها لزوجها: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فقالت: إذن لا يضيعنا. يقول الشيخ معقبا على هذا القول: ماذا نفهم من هذا؟ نفهم من هذا أن الإنسان عندما يعتمد على ربه فإنه يعتمد على مصدر القوى ومنبع الخير وسائق الفضل، وأن الإنسان إذا صدق إيمانه ربا توكله، وازدادت بالله ثقته، وضعفت علاقاته بالماديات..(17) وليس معنى انقطاع الإنسان عن كل ما سوى الله أن يتواكل ويستكين، كلا. كلا، إن المرأة لما قالت: لا يضيعنا. ما استكانت ولا ركنت إلى غير الأخذ بالأسباب بل أخذت تهرول وتسعى حتى ساق الله لها الرزق، وأجرى لها الخير. فتدخلت السماء وتفجرت زمزم وغنى الوادي بعد وحشة، وصار الرضيع المحرج أمة كبيرة العدد عظيمة الغناء، ومن نسله صاحب الرسالة العظمى، ومن شعائر الله هذا التحرك بين الصفا والمروة تقليدا لأم إسماعيل، وهي ترمق الغيب بأمل لا يغيب. فما أحوج أصحاب المثل إلى عاطفة التوكل، إنها وحدها تكثرهم من قلة، وتعزهم من ذلة، وتجعل من تعلقهم بالله حقيقة محترمة..(18) وكذلك زوجها وهو رجل واحد توكل على الله فنصره وجعل قُوى الشر تتهاوى أمامه، وتتدحرج تحت أقدامه، فاستطاع أن يقيم دعوة التوحيد وينشر رسالته الكبرى. يقول الشيخ في نظرة إلى حال العرب معقبا على هذا المشهد: التوكل على الله شيء خطير، ولو أن العرب أهل إيمان، ولو أنهم فعلا يئسوا من الخلق واعتمدوا على الخالق لنصرهم كما نصر نبيهم صلى الله عليه وسلم ولسقاهم كما سقى امرأة في صحراء لا تجد هي ولا رضيعها شيئا. إن التوكل على الله شيء خطير، وعندما تساق الأمة إلى مكان نبع الماء فيه من صحراء لا ماء فيها ولا زرع ولا ضرع يعرف الناس أن الانقطاع عن الله جريمة، وأن الانقطاع إليه هو الاتصال كله وهو الخير كله............لمتابعة الموضوع كاملا
  4. اذكروا فلسطين إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين بقلم / الأستاذ صالح عشماوي ... الوكيل العام لجماعة الإخوان المسلمين هل أتاك حديث القبلة الأولى ومقر المسجد الأقصى؟ هل سمعت أنباء البلاء الذي ينصب على عرب فلسطين المسلمين؟ هل قرأت ما يعانيه المجاهدون في فلسطين من فظائع وتعذيب وتنكيل؟ هل وصل إلى آذانك صوت القنابل يمزق أجساد المصلين والديناميت ينسف بيوت الآمنين؟ هل ترامى إليك خبر تمزيق القرآن الكريم وهتك أعراض المسلمات والمسلمين؟ هل علمت أن العربي في فلسطين يؤخذ إلى مكان أثبتت في أرضه قطع الزجاج ورءوس المسامير ويكرهونه على المشي والقفز فوقها فإذا تلكأ انهالت السياط عليه فلا يزال يقوم ويقع والدم ينزف من رجليه ويديه وسائر جسمه، حتى يرتمي آخر الأمر منهوكا أو مغمى عليه، وينزعون ثيابه ثم يضربونه بألواح من الخشب دقت فيها مسامير فيسيل دمه، ويركبونه على خشبة ويربطون في رجليه أثقالا من أكياس الرمل حتى يغمى عليه ويقرنون رجليه ويربطون إبهامه بسلك من الحديد ثم يشدونه حتى تكاد إبهامه تتقطع، ويلقون على ظهره ويربطون أعضائه التناسلية برباط متصل ببكرة في السقف ثم يجذبون الحبل شيئا فشيئا حتى يغمى عليه، ويقلعون أظافره بكلاليب خاصة، واحد بعد واحد، ويشدونه من شاربه ولحيته إذا كان ملتحيا وينتفون شعره ويصبون الماء في فمه بواسطة محقن خاص حتى يملأ جوفه وينتفخ كالقربة فيتألم أشد الألم، ويحمون أسياخ الحديد أمامه حتى تلتهب كالجمر ثم ينخسونه بأطرافها ويأتون بالمسامير المحماة بالنار ويغرزونها تحت أظافره! هل سمعت كل هذا أو قرأته، ووصل إلى علمك وترامى نبأه إليك؟! كم كنت أحب ألا تكون سمعت أو قرأت أو فهمت حتى أبرر جمودك وأفهم السبب في سكوتك ولكني أقول والأسف يملأ جوانبي، ما من مصري إلا وسمع هذا أو بعضه ومع ذلك فالمصريون جامدون والمسلمون ساكتون! لا وربي بل أنهم يرقصون ويطربون وينعمون أو يضحكون، أي ثأر بين مصر وفلسطين أي عداء قيم وجفاء دفين بين فلسطين المقدسة ومصر الزعيمة، أهو لجوار وذكريات الماضي أم الوحدة في اللغة والعادات والدين. في مصر عمارات عالية تشيد وتبنى وفي فلسطين بيوت قائمة تنسف وتمحى. في مصر رجال يتخمون من الأكل وفي فلسطين رجال وأطفال يبيتون على الطوى. في مصر رجال يتكئون على الأرائك ويركبون السيارات وفي فلسطين رجال يسيرون حفاة الأقدام يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء!. في مصر نساء يتزين بأبهج الملابس وأثمن الجواهر وفي فلسطين نساء يتشحن بالسواد! في مصر في كل بيت وحي فرح وطرب وفي فلسطين في كل بيت مأتم وحداد! أهكذا يكون موقف الجار من جاره والمسلم من أخيه "ومصر الزعيمة" من فلسطين الشقيقة! إن فلسطين ليست ملك العرب ولكنها للمسلمين جميعا، إن الأرض التي بارك الله حولها وأسرى رسوله الكريم صلوات الله عليه وسلامه إليها وقام فيها المسجد الأقصي ومنه عرج النبي الأمين إلى السموات العلى إلى سدرة المنتهى، لهي أرض عزيزة على نفس كل مسلم وتراث خالد لكل مؤمن يفتديه بالمال والنفس. إن قيام دولة يهودية على حدود مصر الشرقية لتهدنا في كياننا وفي استقلالنا وفي تجارتنا وفي أخلاقنا وفضائلنا، أليس اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا؟ أليسوا أصحاب المذاهب الهدامة من شيوعية وإباحية؟ فإلى الذين يؤمنون بأن مصر فرعونية نقول لهم إن استقلال مصر أمسى في خطر الزوال بقيام دولة اليهود في فلسطين وإلى الذين يؤمنون بالله ورسوله نقول لهم إن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأرض المقدسة واستخلاصها للمسلمين أضحى فرض عين على كل مسلم ومسلمة. إلى الذين لا يؤمنون بوطن ولا دين ولا يعبدون إلا الدينار ولا يسبحون إلا بحمد الله نقول له أن آمالكم وأطماعكم وشهواتكم مهددة جميعًا بإنشاء دولة الصهيون في فلسطين. أمام هذه الكارثة القومية والإسلامية وإزاء تلك الفاجعة التي اختلطت فيها المصلحة الوطنية بالواجبات الدينية ماذا فعلت مصر وماذا فعل المصريون؟‍! في مصر قرآن يتلى في الصباح والمساء وفي مصر مسلمون يسمعون قول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة الآية 111] وينصتون إلى آياته الكريمة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [سورة الحجرات الآية 15] ويقرع آذانهم قول الله (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [سورة التوبة الآية 24] ، وتصل إلى أعماق قلوبهم (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [سورة آل عمران الآية 169،170]. وفي مصر أزهر وللأزهر شيخ والأزهر معقل الإسلام والشيخ إمام المسلمين فماذا فعل الأزهر وماذا الشيخ فعل؟! أما الأزهر فقام بمظاهرة صامتة في عصر نطق فيه الحديد وتحرك الجماد؟ وأما الشيخ فأرسل احتجاجًا فاترًا إلى رئيس الوزراء لعله من باب "سد الخانة" ثم هدأ مستريحًا كأنه أرضى بذلك الله ورسوله، ثم جمع هيئة كبار العلماء فحبسنا أنفاسنا وانتظرنا القرارات، ثم تمخض الجبل فولد فارا فإذا بالأمر لم يخرج عن حد احتجاج لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به ثم قرار آخر خطير وهو الدعاء بنصرة عرب فلسطين! أيها الضعفاء هلا قرأتم ما قرر علماء بغداد من إعلان الجهاد المقدس؟ وفي مصر حكومة إسلامية بل وصلت إلى الحكم باسم الإسلام يعلن رئيسها أنه "رئيس وزراء مصر لا رئيس وزراء فلسطين". وفي مصر أحزاب سياسية وللأحزاب زعماء فماذا فعلت الأحزاب وماذا فعل الزعماء؟ منهم من نام نوم أهل الكهف ومنهم من يستغل القضية لشهوة حزبية ومنفعة شخصية فيلوح للإنكليز باليمين بالعداء ويلوح لهم بالشمال بغصن الزيتون إذا أعادوه إلى الحكم. وفي مصر جمعيات إسلامية تعمل للإسلام وتدافع عن الإسلام ماذا فعلت وماذا كان أثرها؟ لم تفعل إلا قليلا وما كان جهدا إلا ضعيفا. وفي مصر شباب ضحى في سنة 1919 باسم الوطنية، واستشهد في سنة 1935 في سبيل دستور وضعي يحلونه عامًا ويحرمونه أعوامًا. فهل هذا جهد مصر قائدة الشرق وزعيمة العالم الإسلامي؟ عندما أعلنت الحرب الإيطالية الحبشية رأينا لها جهدًا أكبر ونشاطا أغزر: رأينا أميرًا جليلا يتحرك ويرأس الاجتماعات ويجمع التبرعات ورأينا نبيلا يمتشق الحسام ويسافر إلى بلاد خط الاستواء على ما بها من أمراض ووباء.. فأروني أميرًا تحرك لفلسطين ودلوني على نبيل – أو نصف نبيل – ولى إلى القبلة الأولى مجاهدًا في سبيل الله والدين؟ في القضية الحبشية رأينا رئيسًا لجمعية إسلامية يشد الرحال إلى الحبشة على رأس بعثة طبية ليضمد الجرحى ويواسي أهل القتلى.. فأروني رئيس جمعية إسلامية شد الرحال إلى المسجد الأقصى؟ في أبان الحرب الحبشية رأينا الصحف تملأ صفحاتها بأخبار الحرب وتسجل كل صغيرة وكبيرة عنها، فأروني جريدة تفتح صفحاته لقضية فلسطين وتكتب عن أهم حوادثها لا عن أتفه أخبارها؟ في أثناء الغزو الإيطالي للحبشة رأينا اجتماعات تعقد وتبرعات تبلغ مئات الألوف تجمع، فأروني أي اجتماع عقد في مصر لفلسطين وكم مبلغ التبرعات التي جمعت؟ إن البوليس المصري ليطارد الإخوان المسلمين في الشوارع وفي المساجد ويقبض عليهم ويفتش دورهم ودار جمعيتهم لأنهم يجمعون القروش والدراهم من أجل منكوبي فلسطين! ظلموك يا مصر يوم نادوا بك قائدة للشرق وظلموك مرة أخرى يوم بايعوك لزعامة الإسلام. أيها الوزراء اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فكونوا كوزراء العراق البواسل الذين لم تمنعهم مجاملة من القيام بواجبهم أمام الغاصبين. أيها الزعماء اذكروا فلسطين فوحدوا الأحزاب وأعلنوها صرخة على اليهود والمستعمرين. أيها العلماء اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فاهجروا الصوامع وأعلنوا الجهاد في سبيل الله والدين. أيها الشباب اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فاتركوا اللهو واحملوا السلاح وسيروا إلى الأرض المقدسة مجاهدين. فإما يأتينكم نصر الله فترفعوا لواء الإسلام في أعلا عليين وإما يغيب عنكم النصر فحسبكم أن تلقوا الله شهداء مشكورين.
  5. تاريخ الإخوان المسلمون في اليمن إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين عبده مصطفى دسوقي كانت زيارة الإمام البنا للمملكة العربية السعودية في أول رحلة حج سنة 1354هـ / 1936م هو بمثابة اتصال مباشر بالشعوب الخارجية وتعريفهم بمفاهيم الدعوة ومبادئها الصحيحة وهي التي أجمع عليها وفود الدول التي شاركت في رحلة الحج في هذا العام بعد أن شرح لهم الإمام البنا وسطية الإسلام أثناء المؤتمر الذي دعا إليه الملك عبدالعزيز آل سعود. وإن كان هذا انطبق على الدول كلها إلا أن اليمن كان لها طبيعة خاصة في ذلك التوقيت حيث كانت تحت حكم الإمام يحيى بن الإمام المنصور بالله محمد بن يحيى حميد الدين، ومؤسس المملكة المتوكلية اليمنية وهو إمام اليمن من عام 1901م و حتى عام 1948م، غير أنه عزل البلد عن باقي بلاد العالم حتى عاشت فى طي النسيان، ورزخت في الجهل والتخلف حتى قامت ضد ثورة بزعامة ابن الوزير أدت في النهاية لمقتل الإمام يحيي وتولى ابن الوزير. كان أول اتصال للإمام البنا باليمن في حفل أقامته جمعية الشبان المسلمين في ذكرى الهجرة سنة 1348هـ الموافق يونيو سنة 1929م بعد المحاضرة التي ألقاها الإمام البنا بعنوان: "ذكرى يوم الهجرة والدعوة الإسلامية وأثرها"، حيث التقى مع السيد محمد زبارة الحسن اليمني أمير قصر السعيد في صنعاء حينذاك وتحدثا طويلاً عن مصر وعن اليمن، وعن انتشار الإلحادية والإباحية المستشري في ذلك الوقت ووجوب الوقوف أمامه بكل القوى. ثم توطدت الصداقة بينهما من ذلك العهد، وعرض السيد محمد زبارة على الإمام الشهيد العمل مدرسًا باليمن، ودارت مخاطبات بهذا الخصوص بين الإمام الشهيد وبين سيف الإسلام محمد ابن الإمام يحيى ملك اليمن في ذلك الوقت، لكن الفكرة لم تنفذ للعقبات الرسمية بين الحكومة المصرية والحكومة اليمنية. وزار السيد محمد زبارة الإمام الشهيد في الإسماعيلية، ومكث معه ثلاثة أيام وشاهد منشآت الإخوان ومؤسساتهم "معهد حراء الإسلامي، ومدرسة أمهات المؤمنين، وفرقة الرحلات، ورأى الإخوان في دروسهم ومحاضراتهم ولمس ما تفيض به نفوسهم من حب وإخاء وغيرة على الإسلام والمسلمين، فأعجب بذلك كله أيما إعجاب، واستمرت هذه الصلة بينه وبين الإمام الشهيد والإخوان بعد ذلك قوية ومتينة. ولقد اهتم الإخوان بالصدام الذي وقع بين الإمامين الإمام يحيي بن حميد إمام اليمن والملك عبدالعزيز آل سعود فعمل الإمام البنا على تهدأت الجو بينهما وكتب تحت عنوان (إلى الإمامين العربيين) يقول فيه: بين الملك ابن السعود وبين الإمام يحيى بن حميد الدين خلاف تتراءى أنباؤه الفينة بعد الفينة على صفحات الجرائد، ولسنا نعلم أنباء تهتز لها قلوب العالم الإسلامى إشفاقًا وفَرَقًا أعظم مما تهتز لهذه الأنباء. إنا نمسك بالجريدة فأول ما تبحث عنه العين ماذا فى جزيرة العرب، أو بين الملكين العربيين، أو الخلاف بين نجد واليمن، أو نحو ذلك من العناوين، فإذا وجدنا تحت العنوان ما يبشر بانفراج الأزمة وانتهاء أمد الخلاف تنفسنا الصعداء وحمدنا الله تعالى، ودعوناه كثيرًا أن يديم الوحدة والولاء بين زعماء المسلمين حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولاً، وإذا رأينا غير ذلك خفقت القلوب واحتبست الأنفاس وتصعدت الدعوات حارة إلى الهر تبارك وتعالى أن يدفع عن الإسلام والعرب بلاء التفرق والخلاف. ليس ذلك لصلة خاصة بيننا وبين الإمامين العظيمين، وليس ذلك لأننا نرجو مغنمًا شخصيًا من وراء الوحدة، أو نخشى مغرمًا شخصيًا كذلك من وراء الفرقة، ولكن ذلك لإحساسنا بالخطر العظيم الذى تستهدف له الجزيرة قلب الإسلام وقبلة المسلمين، إذا استحكم الخلاف بين إمام الجنوب وبين إمام الشمال. وعندما عقد مؤتمر فلسطين بلندن وحضره مندوبي الدول العربية وممثلي فلسطين بدعوة من الحكومة البريطانية سنة 1938م، كان يمثل اليمن فيه الأمير سيف الإسلام الحسين وقد مر بالقاهرة بعد عودته من اليابان وفي صحبته القاضي العمري والقاضي الشامي، فاتصل في مروره هذا بالإخوان، وطلب إلى المرشد العام أن يختار له من الإخوان (بهذا الوصف) سكرتيرًا خاصًّا إذ إنه سيكون له من الأعمال الخاصة ما يستدعي كفئًا أمينًا، فقدم له الأخ الأستاذ محمود أبو السعود أحد إخوان المركز العام الذي صحبه في رحلته إلى لندن وباريس، وقام بمهمته خير قيام مما كان له أجمل الأثر في نفس الأمير ، وتوثقت صلته بالإخوان منذ ذلك التاريخ. كما كان يكتب فى الصحف الإخوان كثير من كبار الإخوان أمثال الأستاذ عمر التلمساني الذي كتب مقال بعنوان خاطرة عن اليمن، وكتب الأستاذ محمد عوض عوضين: (اللهم بارك لنا في يمننا)، وكتب الإمام الشهيد مقالاً بعنوان: (لمحة من اليمن) أثنى فيه على الحكومة والشعب لكنه لم يخل من توجيه نصح قال فيه: ".... ورجاؤنا إلى حكومة الإمام أن تعمل ما استطاعت على نشر التعليم بين الشعب، وعلى التفكير في رفع مستواه الاقتصادي والفكري في خطوات واسعة. ويقول الأستاذ جمعة أمين: كما استقبل الإخوان في فبراير 1944 السيد حسين الكبسي وزير الأوقاف اليمنية ومبعوث الإمام يحيى بن حميد الدين للاشتراك في مشاورات الوحدة العربية، وقد أقام الإخوان له ولمرافقيه احتفالاً في دارها حضره رجال الصحافة، وممثلو الدول العربية، وأهل الرأي، وقد تحدث إلى الجمع الأستاذ المرشد، والأستاذ أحمد السكري، والأستاذ عبدالحكيم عابدين، والأستاذ الفضيل الورتلاني، وغيرهم، ورد تحيتهم الأستاذ حسين الكبسي، وكانت هذه أول زيارة للسيد الكبسي إلى مصر، وتعرف فيها على الإخوان وانبهر بهم، وكان أشد ما بهره الجانب الاقتصادي لدعوة الإخوان، فتعرف على الحاج محمد سالم الذي كان يشرف على كثير من شركات الأتوبيس والنقل المصرية، ويديرها، فاتفق مع الحاج محمد سالم على وجوب التعاون الاقتصادي من أجل نقل هذه النهضة إلى اليمن. "وكان الكثير من أبناء اليمن على اختلاف آرائهم وميولهم يتصلون بالمركز العام للإخوان المسلمين في مصر كغيرهم من شباب البلدان العربية والإسلامية الأخرى، فيجد هؤلاء اليمانيون من رجال الإخوان إخلاصًا لدعوة الإسلام وخير العروبة، وعطفًا على اليمن الذي يعزونه ويقدرونه ويشعرون بمدى صلتهم الوثيقة بشعبه وإمامه، فيأنسون بهم ويبثونهم ذات أنفسهم، وكان المركز العام يحرص كل الحرص على توجيه هؤلاء المتحمسين توجيهًا صالحًا إلى الحكمة والموعظة الحسنة، والتمسك بأهداب النظام، والبعد عن كل ما من شأنه المهاجمة والخصومة، مع الحرص على حسن الطاعة للإمام؛ حتى لا تنفر منهم قلوب المخلصين، أو تنقبض عنهم جهود العاملين، أو يفتح الثغرة أمام المستعمرين، وقد كانوا يتقبلون هذا التوجيه بصدر رحب، ويعملون على أساسه في معظم الأحيان". إلا أن الإخوان قد تأكدوا أن الأوضاع الاجتماعية متردية في اليمن، وأن هناك جمودًا في حكم الإمام يحيى، وأنه بعيد عن حقيقة الشريعة الإسلامية رغم ادعائه بتطبيقها. وقد نقل الوزير الكبسي والوفد الذي رافقه التقدم الحضاري والاقتصادي الذي رآه في جماعة الإخوان، وما اتفق عليه مع الحاج محمد سالم إلى الإمام يحيى، فأيد الإمام يحيى الفكرة، وفكر كثير من أعضاء الوفد إنشاء شركة مصرية يمنية للتجارة والنقل والمواصلات والمشروعات العمرانية المختلفة برأس مال قدره مليونان من الجنيهات المصرية، يكون معظمها لليمنيين وبعضها للمصريين، وبدأت الفكرة بعد ذلك تدخل حيز التنفيذ في خطوات وئيدة، تسرع حينًا وتبطئ أحيانًا، وهذا ما سنتحدث عنه في الفترة التالية -إن شاء الله. واستمرت علاقة الإخوان بالإمام يحيى وأبنائه على خير حال، وقد أجرت مجلة الإخوان المسلمين حديثًا مع أحد سيوف الإسلام من أبناء الإمام يحيى أثناء زيارته إلى مصر، وأثنى فيه على الإخوان ومواقفهم، وتمنى لمرشدهم وأعوانه التوفيق والسداد. وكانت علاقة الإخوان بالشعب اليمني وأبنائه علاقة حميمة، خاصة الذين يقيمون منهم في مصر للدراسة أو لأغراض أخرى، لكن مع ذلك وحتى نهاية الفترة محل الدراسة (1938-1945م) لم يكن لدعوة الإخوان منتسبون يمنيون ظاهرون، فضلاً عن أن يكون للإخوان شعبة في اليمن. وقد جاء في مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية العدد 207 السنة السادسة3 رمضان1367هـ الموافق10 يوليو 1948م، قال الأستاذ حسن البنا للرئيس القواتلي: إن اليمن أمانة في أعناقكم، وخاصة بعد هذا الانقلاب الأخير الذي ذهب ضحيته الإمام الراحل عليه رحمة الله. ذلك الانقلاب الذي أخرجها من عزلتها. وكشف للعالم عن الكثير من أحوالها. فانصحوا لإمامه وسددوا حكومته، وخذوا بأعنة شعبه إلى الحرية والنور والعرفان. وليس بمستصعب على الجامعة العربية أن تحمل هذه الرسالة وتؤدي هذه الأمانة. وفي حديث الأستاذ المرشد العام إلى السيد علي الحلبي وكيل الصحافة العربية ومندوب جريدتي الدفاع وفلسطين، حينما سأل عن تطور الموقف في القضية اليمنية؟ وما كنا نود أن تسير الأمور على هذا النحو، وكلنا نشجع الإصلاح في اليمن وفي غير اليمن من بلاد العروبة والإسلام ولكن لكل شيء عدته ووسيلته، وظرفه ووقته، ويجب أن تنصرف الجهود الآن إلى هدف واحد هو إقرار النظام والطمأنينة في هذا الوطن العزيز ومساعدته على النهوض والفصل في قضيته وفق إرادة الشعب اليمني نفسه فهو صاحب الكلمة في حاضره ومستقبله. ولقد حدثت الثورة في اليمن وقتل على إثرها الإمام يحيي بن حميد على يد حارثه الخاص بسبب سياسته الاستبدادية واتهم فيها الإخوان المسلمين وقد اخرج الإخوان بيانا وضحوا فيه القضية وابعادها وعلاقتهم باليمن والإمام يحيي وابن الوزير، الذي قاد الثورة وتولى الحكم وقد حكم عليه بالاعدام بعد سيطرة أحمد بن الامام يحيي على الحكم مرة أخرى، وبعد ذلك عاد الفضيل الورتلاني وعبدالحكيم عابدين من اليمن بعد تدخل جامعة الدول العربية. وأثناء فترة الخمسينات وانقسام اليمن نشط القوميين والماركسيين في الجنوب كما لم يكن للتيار الإسلامي وجود منظم في الجنوب أو الشمال، والإخوان المسلمون اكتفوا بالعمل من خلال الواجهات الموجودة على الساحة. فنشط عمر طرموم من خلال "الجمعية الإسلامية" ثم "الرابطة" ثم انصرف إلى العمل التربوي سيما في المعهد الإسلامي (أسسه الشيخ محمد سالم البيحاني عام 1957 ). يقول الأستاذ سعيد ثابت سعيد: يكاد يكون عام 1959م عام ميلاد فكرة العمل الإسلامي المنظم في أوساط الطلاب الدارسين في مصر، ولكن من دون رؤية متكاملة للمنهج والتنظيم والمسار. وهي خطوة جاءت طبيعية في سياق التحولات الفكرية للشباب اليمني المتأثر بتيارات الفكر والسياسة التي تموج في المجتمع العربي المصري. ففي ثنايا أحداث عاصفة شهدتها الأمة العربية واليمن في قلبها، بدأت تتبلور الفكرة كمشروع حركة من عناصر طلابية عرفت موجات صاخبة من تنظيمات وأيديولوجيات متباينة، واعتركت في خضم تلك الإطارات الحزبية، سيما حركة القوميين العرب التي يعد عام 1958م العهد الخصب لانتشارها وتوسعها، وتمدد شعبيتها في كثير من الأقطار العربية. بمعنى أن ميلاد فكرة العمل الإسلامي المنظم تبلورت في وعي مجموعة طلابية عائدة من قواعد حركة القوميين العرب، والبعث العربي الاشتراكي، أبرزهم عبد المجيد عزيز الزنداني، وعبد السلام العنسي، ومحمد قاسم عون، وعبد الرحمن المجاهد، وذلك عام 1959م. ولقد لقى الطلاب اليميين الموجودين بمصر التعنت من سياسة عبدالناصر ضدهم بسبب الخلاف بين البلدين فيروي الزبيري في رسالة لصديقه النعمان معاناته مع الطلبة الدارسين في مصر؛ فالأيام قد علمته سوء الظن بقدرة الناس على الكتمان، لذلك صمم على احتفاظه بهذه الأسرار مدة طويلة على أن يجتمع باليمنيين الموجودين في مصر، ويختار من بينهم مجموعة متميزة تقود سير العمل لتنفيذ الخطة. ولأنها عملية تقوم أساساً على الاعتماد على أسرار طواها في أعماق صدره، فإنه وجد نفسه في جهة، والآخرين في جهة أخرى . ومن أجل الخروج من هذا المأزق لجأ الزبيري إلى ما وصفه بـ"التحايل المعقول"، وهو الاتصال بعدد من الشباب في مصر، وأخذ يكوّن منهم خلايا وكل خلية تسمى "أسرة" وهو مصطلح تنظيمي خاص بحركة الإخوان المسلمين، مما يشير إلى تأثره الكبير بها، واقتناعه بصلاحية هيكلها التنظيمي كإطار ينظم الشباب اليمني بهدف تحقيق خطته المكونة من المراحل الثلاث. ونجح في تشكيل مجلس مؤلف من مجموع رؤساء "الأسر" على الرغم من العقبات التي واجهها نتيجة تنافر الطلاب واختلافاتهم. يقول في رسالته: "لجأت إلى التحايل المعقول، فاتصلت بالشبان هنا، وأخذت أكوِّن منهم خلايا، كل خلية تسمى أسرة، ووجدت عقبات كأداء في هذا السبيل. لكن عام 1961م تحول بعض الطلبة اليمين بعد تفكير من الفكر الماركسي والقومي إلى الفكر الإخواني كان على رأسهم الشيخ عبدالمجيد الزنداني، خاصة عندما التقى عبد المجيد الزنداني وعبده محمد المخلافي الطالب في مدينة البعوث الإسلامية، بعد جهد كبير. وكان لقاؤهما الأول دافعاً للشابين المتحمسين لخدمة الإسلام في التعجيل بإخراج الفكرة إلى حيز الوجود الطلابي، سيما أن شخصيتي الرجلين (الزنداني و المخلافي) كانتا تكملان بعضهما لشخصية قيادية فريدة ومؤثرة وفاعلة . ويروي الدكتور عبدالمجيد الزنداني قوله: أنه عندما علم بوجود أعداد من الطلاب اليمنيين في مدينة البعوث الإسلامية التابعة للأزهر بالقاهرة، قرر زيارتهم والعمل على استقطاب عناصر منهم إلى صف مجموعة الحياد. و في نهاية كانون ثاني (يناير)1961م قابل علي أحمد سعيد المخلافي، أحد الطلاب اليمنيين الدارسين في الأزهر، وطلب منه جمع زملائه للتعرف عليهم، ولما اجتمع عدد منهم ألقى على مسامعهم كلمة تضمنت دعوتهم للم شملهم والاهتمام بالواجبات الإسلامية كزاد للطالب الحريص على مصلحته ومصلحة وطنه، غير أن القوميين العرب عملوا على تفريق هذه الجبهة الإسلامية، ولما تغلبت الجبهة على الخلافات، وتصافى الزملاء فيما بينهم، كوَّنَّا مجلساً مؤلفاً من مجموع رؤساء الأسر. غير أن الزنداني واربعة من زملائه تعرضوا للمضايقات من حكومة اليمن بسبب توجههم الإسلامي والذي يخالف توجه الدولة الماركسي فقطعت عنهم رواتهم. التقت نخبة من طلاب "كتلة العمل الطلابي"، من بينهم: عبد المجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي، وعبد اللطيف الشيباني، وآخرون، في منزل أحمد الويسي مطلع عام 1962 وحضر الشهيد الزبيري اللقاء، وفاتحوه بأمرهم وعرضوا عليه قيادة نشاطهم. كان الطلاب الستة الذين التقوا في الشقة السكنية في حي "الهرم" في مصر، يدركون جيداً أنهم بصدد إخراج فكرة تأسيس النواة الحركية إلى حيز الواقع الطلابي، فقد أعدوا لأنفسهم "قسم العمل" وتعاهدوا على الالتزام بنصه ولم يكن الزبيري غريباً عن مدرسة الإخوان المسلمين، فالرجل ارتبط روحياً وفكرياً وعضوياً بها منذ لقائه الأول بالشهيد البنا، وظل يحتفظ بمشاعر ود وتقدير وإكبار لرموزها وقادتها. شارك الطلاب الإسلاميون اليمنيون، في ظل تلك الأجواء الملبدة والخانقة لأي صوت إسلامي حركي، في أول انتخابات طلابية توطئة لتأسيس رابطة طلاب اليمن الطبيعية، وهم يدركون محدودية وجودهم وضعف بنائهم التنظيمي، إذ أنهم في ذات الفترة هذه بدأوا العمل على تأسيس النواة الحركية الإسلامية من داخل مجموعة الحياد. أثر اتفاق النخبة الطلابية الإسلامية الأولى على العمل الإسلامي في إطار"كتلة العمل الطلابي"،وتحت غطاء "الحياد بين الأحزاب" ارتفعت أصوات حزبية كانت هامسة، تتهمها بمعاداة النظام المصري وتطلق على أفرادها عبارات تشهيرية وتحريضية مثل "الرجعيون" و"الإخوان المسلمين". وتنامت مشاعر القلق لدى بقية القطاعات الطلابية الحزبية جراء تزايد عدد الطلاب الرافعين للافتة الحياد بين الأحزاب إلى نحو 30 طالباً. يقول الزنداني في شهادته: "أثناء الحديث مع القاضي الزبيري ما كنت آتي له بدليل من الذي أعتقده حتى يأتيني بعشرة أدلة من الكتاب والسنة، وما كنت أفتح له موضوعاً حتى يستكمله بما كنت أريد قوله، وما كنت أفتح له باباً من أبواب الخير حتى يبادر إلى فتح عدة أبواب من أبواب الخير، فعدت أقول لإخواني وزملائي: لقد وجدنا الشيخ والزعيم المناسب لأن يكون قائداً لنا ولشعبنا اليمني، في مسيرة الخير والإصلاح". ثم التقى خمسة طلاب من المنتمين إلى كتلة العمل الإسلامي، النواة العاملة داخل مجموعة الحياد، بينهم عبد المجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي، والشهيد الزبيري فبادرهم بالقول: "لقد بذلنا كل ما نملك من جهد وعمر ومال من نحو 25 عاماً لنؤسس تنظيماً يقوم بمهمة تغيير أوضاعنا في اليمن إلى حال سليم وفاضل، وتقلبنا من مكان إلى آخر، فأسسنا جمعية الأمر بالمعروف ثم حزب الأحرار فالجمعية اليمنية الكبرى ثم الاتحاد اليمني، وها أنتم ترون ما صار إليه حال الاتحاد اليمني من انقسام وتنازع وصراع بعد أن تمكن الظالمون والمستبدون في اليمن وخارجها من غزوه والتغلغل فيه بزرع عناصر تعمل لصالح الإمام، وتقوم بتخريب كل جهد للمخلصين فيه بنشر الإشاعات ونسج الاتهامات ضدهم، وآمنت أن استئناف العمل للتغيير يبدأ من الصفر، وها أنا سأبدأ الآن من الصفر". و ظل الطلاب الإسلاميون يمارسون نشاطهم العلني تحت غطاء مجموعة "الحياد بين الأحزاب" منذ قرارهم خوض انتخابات رابطة طلبة اليمن الطبيعية في أيلول(سبتمبر) 1961، كتعبير عن تميزهم الفكري والسياسي عن بقية التيارات الطلابية اليمنية الملتزمة بالأحزاب القومية. ومن ذلك التاريخ وقد سار هؤلاء الطلبة على نشر دعوتهم داخل المجتمع اليمني خاصة انه مجتمع يتميز بالقبيلية ولقد اشتهر الشيخ عبد المجيد الزنداني في علم الطب وبرع فيه، وما زالت الحركة لها عطاءها............تابع القراءة
  6. محمود فهمي النقراشي باشا ولد بالإسكندرية عام 1888 م وبعد أن أتم تعليمه بمدرسة المعلمين بالقاهرة سافر إلى إنجلترا لتكملة دراسته في جامعة نوتنجهام ثم عاد إلى مصر واشتغل بمهنة التدريس. وظل بضع سنوات يعمل مدرسًا في مدرسة رأس التين الثانوية ثم عين ناظرًا لمدرسة الجمالية بالقاهرة عام 1914 م وظل في هذه الوظيفة خمسة أعوام. وقد أضاف إلى استعداده للتدريس استعدادًا آخر للإدارة. وقد انتفع من هذا الاستعداد بتعيينه في وظيفة مدير التعليم لمجلس مديرية أسيوط عام 1919 م. وإلتحق في العام التالي بوزارة الزراعة وكيلاً للإدارة. وقد رقي بعد بضعة أسابيع إلى مساعد سكرتير عام وزارة المعارف. وقد بدأ نشاطه السياسي عام 1919 م واشترك في الحركة الوطنية للاستقلال. ثم أصبح عضوًا في الحركة الوفدية الناشئة ونظم لجانها الفرعية في القاهرة و الإسكندرية والمدن الأخرى. وفي عام 1924 م رقي وكيلاً لمحافظة القاهرة ثم وكيلاً لوزارة الداخلية. وفي أواخر عام 1924 م، وبعد مقتل السردار السير لي ستاك باشا، قبض عليه وظل محبوسًا إلى فبراير التالي. ثم بعد ذلك بثلاثة أشهر قبض عليه ثانية واتهم هو وستة آخرون بالاشتراك في عدد من الجرائم السياسية وبرئ منها. وقد كانت أول وزارة تولاها هي وزارة المواصلات في الوزارة الوفدية الأولى عام 1930 م، وهي نفس الوزارة التي تولاها بعد ذلك في 1936 - 1937 م. وفي ذلك العام عندما عاد الوفد المصري من مؤتمر مونترو الذي ألغى الامتيازات فوجئ النقراشي بإخراجه من الوزارة الوفدية. وقد عرف فيما بعد بأنه اختلف مع زعيم الوفد بشأن نشاط هيئة القمصان الزرقاء الوفدية. وبعد ذلك بمدة قليلة استقال النقراشي هو والمغفور له أحمد ماهر باشا وأنصارهم من الوفد وكونوا الحزب السعدي. وعندما دخل السعديون الوزارة الائتلافية عام 1938 م عين النقراشي باشا وزيرًا للداخلية. وفي العام التالي تقلد وزارة المعارف ثم وزارة الداخلية مرة ثانية ثم عين في سبتمبر 1940 م وزيرًا للمالية. وقد حل في رئاسة الوزارة وزعامة الحزب السعدي بعد مقتل أحمد باشا ماهر عام 1945 م فيما خلا فترة قصيرة من عام 1946 م كان فيها إسماعيل صدقي باشا رئيسًا للوزارة وظل هو رئيسًا للحكومة منذ ذلك الحين بجانب تقلده وزارات الداخلية والمالية والخارجية. أقوال الصحف الإنجليزية ولعل من المفيد أن نتجزئ هنا بعض ما كتبته الصحف الإنجليزية عن مقتل النقراشي باشا وتعليقها على الحادث. فقد "قالت المانشستر جارديان": أن مقتل النقراشي باشا رئيس الوزارة المصرية السابق لهو عمل سوء. وقد حدث بعد سلسلة من الاعتداءات كانت أيدي جماعة الإخوان المسلمين واضحة فيها. فمنذ ثلاثة أسابيع قتل حكمدار بوليس القاهرة في أحد الشوارع، وفي 21 نوفمبر دمرت الدار التي تحوي مكاتب أكبر جريدتين فرنسية وإنجليزية في مصر، وفي الشهر نفسه وقع حادث الاعتداء الرابع في مدى عامين على النحاس باشا، وفي أول العام قتل أحد القضاة ممن حكموا على أفراد تلك الجماعة. وعندما نتذكر أن أحمد ماهر باشا رئيس الوزارة السابق للنقراشي باشا مباشرة قتل هو الآخر بيد واحد ممن كانوا يشايعون النازيين، فمن العسير أن لا نجزع للمستوى الذي سمح للحياة العامة في مصر أن تتدهور إليه. وقد لقي النقراشي باشا منيته، عقب قراره الذي تأخر كثيرًا بحل جماعة الإخوان على أساس أن وجودها يهدد الأمن والنظام... وكان ذلك هو جواب الإخوان عليه. وقالت "الديلي تلغراف": "وهذه الجريمة لن تحقق غرضًا، وستقابل بالسخط والاستنكار في جميع أنحاء العالم، وقد محت من سجل الوجود رجلاً برهن خلال حياته السياسية الطويلة على أنه أقوى رجل سياسي في مصر، ولكنها لم تغير بحال من نظام العهد الحاضر. ومن الجائز أنها قد تعطل من تركيز الجهود المبذولة في نواحي الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي، والتي مصر في مسيس الحاجة إليها، بعد أن أهملت وطرحت ظهريًّا طويلاً بسبب الأهواء السياسية والاستعمارية، كما أن القضاء على نشاط العناصر الهدامة والعابثة بالقانون بين أفراد الشعب المصري – وهو ما لا بد منه- سيترتب عليه بطء في سير عجلة الإدارة المصرية سيرتها المنتظمة بنظام مطرد. ولقد كان النقراشي باشا يتمتع بنوع من المزايا والسجايا تعينه على إحلال مصر مكان الزعامة والقيادة الفعلية بين الشعوب الإسلامية في الشرق الأوسط هذا لو كانت أتيحت له ظروف أفضل مما أتيح له". وإنا لنشكر للصديق الأستاذ محمود النجوري مدير المحفوظات بوزارة الداخلية. فقد زودنا بترجمة حياة المغفور له النقراشي باشا ومقالات الصحف البريطانية. رئيس المحكمة ... عين سعادة محمد مختار عبد الله بك عقب تخرجه عام 1920 م وكيلاً للنيابة، ثم نقل إلى السلك السياسي، وعين أمينًا للمحفوظات في مفوضية مصر في روما عام 1923، ثم نقل إلى مفوضية مصر في برلين، ورقي إلى وظيفة ملحق، ثم عاد إلى السلك القضائي عام 1927 م. وظل يتدرج في وظائف النيابة والقضاء إلى أن عين رئيسًا للنيابة المختلطة عام 1940 م ثم مديرًا لإدارة المحاكم المختلطة، ثم قاضيًا بمحكمة مصر المختلطة. وفي عام 1945 م عين مستشارًا بمحكمة استئناف أسيوط ثم محكمة استئناف مصر، وأخيرًا رأس دائرة العسكرية العليا. واشتهر سعادته بدماثة الخلق وسماحة النفس، وسداد الرأي، وطهارة الذمة، وهو شغوف بالاطلاع ليس في القانون فحسب بل في الأدب والاجتماع وهو يجيد أربع لغات وهي الإنجليزية، والألمانية، والفرنسية، والإيطالية... تقديم ... لا بد من كلمة نهيئ بها ذهن القارئ لما سيدور في جلسات المحاكمة في هذه القضية. ففي اليوم الثامن من شهر ديسمبر عام 1948 أصدر المغفور له محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الحكومة آنئذ قرارًا موفقًا بمذكرة تفسيرية وضعها عبد الرحمن عمار بك وكيل وزارة الداخلية وقتئذ يقضي بحل جماعة الإخوان المسلمين وذلك للحوادث الإرهابية التي وقعت في مختلف أنحاء البلاد واتهم بارتكابها جماعة الإخوان على نحو ما سرده عمار بك في مذكرته التفسيرية. وهكذا توقع الناس –بعد صدور هذا القرار – وقوع حدث ما ردًا على هذا القرار الذي أصر النقراشي باشا على الرغم من المحاولات الكثيرة التي بذلت على ألا يرجع فيه... ولم تمضي ثلاثة أسابيع على صدور قرار الحل، حتى هوى النقراشي باشا وخر صريعًا وسط فناء وزارة الداخلية ووسط عدد كبير من رجال البوليس المحيطين به وقد هوت معه أفئدة الملايين من المصريين وأصبحت مدينة القاهرة وهي أكثر المدن صخبًا وضجيجًا، صامتة ساكتة كأن على رؤوس أهلها الطير، فلقد كانت الفقيد –باعتراف خصومه- وطنيًّا صادق الإيمان نزيهًا مخلصًا ذا ماضٍ مجيد. كيف وقع الحادث ففي نحو الساعة العاشرة وخمس دقائق من صبيحة يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر ديسمبر عام 1948م، وبينما كان دولة النقراشي باشا يسير في فناء وزارة الداخلية ميممًا شطر المصعد في طريقه إلى مكتبه وحوله ضباطه، وجنوده من رجال الحرس، تقدم شاب في ميعة الصبا، شاحب الوجه، وكان مرتديًا ثياب ضابط برتبة ملازم أول، وصوب مسدسه نحو ظهر الفقيد، وأطلق رصاصتين أصابتا ظهر الفقيد، وسقط على ظهره يتضرج في دمائه، ولم تمضي دقائق حتى فارق الحياة وتمكن رجال البوليس الذين كانوا في حراسة الفقيد من اعتقال القاتل. وقد ارتكبت الجريمة بسرعة فائقة حتى أن ياور الفقيد الصاغ عبد المجيد خيرت قد أذهله وقوع الحادث على هذه الصورة المروعة، وعقدت الدهشة لسانه، وفجأت أفاق من ذهوله وارتمى ومن كان معه من الكونستبلات والجنود على القاتل، وانتزعوا المسدس من يده، بينما نقل الآخرون الجثة إلى حجرة الأستاذ صلاح الدين مرتجي وكيل إدارة الأمن العام، وكان الدكتور محمود حمدي سيف النصر قد سارع إلى مكان الحادث حينما سمع به أثناء وجوده في وزارة الصحة ولكن القضاء كان قد حم، وفاضت روح النقراشي باشا إلى بارئها. المسدس أما المسدس الذي استعمله القاتل فهو ماركة "برثا" طراز 1934 وقد كتب عليه باللغة الإفرنجية العبارة الآتية: P. Beretta Cal 9 Corto Md 1934 Brevette Gardonne 1941 X1X 872511 وبه مشط ذو الست طلقات وهو أوتوماتيكي سريع الطلقات، وقد وجد في نهاية المشط من الخارج رصاصة لم تنطلق وهي عيار 9 ملليمتر وبها الرصاصة المغلفة، وطلقة أخرى مطلوقة من نفس العيار ونفس الشكل الظاهري وبها فدغ. وقد أبلغ صابر طنطاوي بك مدير الأمن العام آنئذ الحادث تليفونيًّا إلى النائب العام –وكان محمود منصور باشا - فاستقل سعادته سيارته فورًا وقصد إلى مكان الحادث ولحق به الأستاذ محمود إبراهيم إسماعيل رئيس نيابة جنوب القاهرة وبعض حضرات وكلاء النيابة وحكمدار بوليس القاهرة وكبار ضباط القسم السياسي والحكمدارية والمباحث الجنائية، ومن ثم بدأ التحقيق مع القاتل. من هو القاتل؟ والقاتل شاب يناهز الواحد والعشرين عامًا ويدعى عبد المجيد أحمد حسن وهو طالب بكلية الطب البيطري بجامعة فؤاد الأول وتبين أنه من جماعة الإخوان المسلمين ورئيسًا لإحدى خلاياها بالجامعة. أقوال القاتل الأولى وقد تولى النائب العام نفسه التحقيق معه، ولما سئل القاتل عن جريمته اعترف بها قائلاً: "نعم أنا قتلته النهارده في الوزارة بالمسدس إللي ضبط معي وكنت بمفردي، وكنت لابس ملابس ضابط إللي هي علي الآن، وقتله لأنه خاين للوطن". وقد نوقش في تفصيلات الجريمة فقال: "أنا جيت الداخلية النهاردة الساعة 10.00 كده وكنت لابس ملابس ضابط ولما وصلت الوزارة دخلت من الباب العمومي وكان معي المسدس المضبوط ودخلت في وسط الصالة ووقفت شوية كده وقالوا إن النقراشي باشا جاي فلما شفته طالع متجه نحو مكان الأسانسير المجاور للسلم طلعت المسدس من جيبي اليمين للبنطلون ورحت ضاربه وكان وقتها تقدم لي شوية في طريقه إلى المصعد فأطلقت النار عليه من الجنب للخلف وأنا كنت ساعتها واقف على شماله وهو متجه إلى المصعد. وسئل –متى ظهر النقراشي باشا في الصالة؟ -بعد أن انتظرت خمس دقائق، ظهر النقراشي باشا. وأجاب عن سؤال آخر أنه كان يسير حول النقراشي باشا وخلفه أشخاص كثيرون يرتدون ملابس ملكية. -عندما دخلت الوزارة بزيك العسكري وقبل أن يصل النقراشي باشا. ألم يعترضك أحد؟ -لا. -وهل أنت تعرف شخص النقراشي باشا؟ -أعرف شكله من الصور. -متى صممت على قتل النقراشي باشا. -من حوالي جمعتين. -ما هي الظروف التي كونت فيها فكرة القتل. -نبتت هذه الفكرة عندي، وهي فكرة قتله، في جملة ظروف تجمعت عندي، وهي أولا موضوع السودان فإنه لم يقم بأي عمل إيجابي. وثانيا فلسطين فإنها ضاعت وأخذها اليهود وهذا يرجع إلى تهاون النقراشي باشا. والعامل الثالث أنه اعتدى على الإسلام وهو أنه شرد الطلبة من الكليات وحل جماعة المسلمين وما يتصل بها من شركات كانت جماعة الإخوان المسلمين قد أقامتها فهو أمر بحلها وأنا لما رحت كلية الطب البيطري علشان الدراسة قالوا لي أنك مبعد لنشاطك مع أن الكلية بتاعتنا لم تشترك في حوادث كلية الطب أو الجامعة فكل هذه العوامل جعلتني أفكر في الإقدام على هذا العمل وهو قتل النقراشي باشا أي أنه من أسبوعين أنا صممت على قتله. -كيف رتبت هذه الجريمة. -أنا كنت ماشي في وكالة البلح من سبعة أيام فلقيت واحد معه بدلة الضابط إللي أنا لابسها الآن ويقول عنها أنها جديدة وعارضها للبيع فلما وجدت البدلة لاحظت أن قماشها كويس فاشتريتها بثلاثة جنيه ونصف وكذلك اشتريت المسدس من مدة خمسة أيام من واحد في عين شمس وهو واحد عربي لا أعرفه وكذلك الطلقات اشتريتها منه باثنين جنيه وبعدين لبست البدلة النهارده وجيت النهارده وجيت هنا ومعي المسدس علشان أقتل النقراشي. -وهل ذهبت إلى سوق البلح كما تقول خصيصًا لمشتري بدلة الضابط. -أنا قصدي أقول سوق الكانتو الموجود في الفحامين وأنا رحت مصادفة هناك فوجدت الرجل إللي باع لي البدلة هناك فاشتريتها. -وما الذي جعلك أن تشتري هذه البدلة وهي بدلة ضابط إذا كنت لم تذهب خصيصًا لمشتراها. -البدلة صوف وجديدة ولما وجدت أن ثمنها ثلاثة جنيهات ونصف وده ثمن بسيط اشتريتها. -وهل كنت تنوي أن تلبسها وهي على هذه الصورة وبزيها الأصلي. -ده ما يمنعش أن الواحد يلبس بدلة ضابط. -ولكنها بدلة بزراير صفراء وعلى كتفها نجمتين ولا يلبسها إلى ضابط أو من يريد أن يتعمد التزيي بها لغرض خاص. -ده ما فيهاش تعمد. -وهل خرجت من منزلك في صباح اليوم ترتديها. -لا. -ما هي الملابس التي كانت عليك وقت خروجك من المنزل في هذا الصباح. -بنطلون جبردين وجرس. -وأين كانت بدلة الضابط. -كنت عاينها تحت سلم بيتنا. -وأين الجرس والبنطلون. -لما لبست بدلة الضابط رميت الجرس والبنطلون الجبردين في النيل. -ولم رميتها؟. -علشان أتخلص منها. -وكيف كنت تخفي بدلة الضابط من يوم أن اشتريتها. -كنت عاينها في الشنطة تحت السرير وفي الليلة الماضية أي ليلة أمس أخذتها ووضعتها تحت السلم. -ألم تطلع أحدًا من أهلك على أنك اشتريت بدلة ضابط؟ -لا. -ولم أخفيت ذلك على أهلك؟ -ما حدش يسألني من أهل البيت على أي حاجة أعملها. -من الذي يقيم معك في المنزل؟ -والدتي إقبال حسني وأخي محمد عيسى أحمد حسن وهو طالب في مدرسة فاروق الأول الثانوية ولي أختين إحداهما هدى والثانية فاطمة ولي أخ ضابط يقيم في الخارج في منزل بمفرده ويسمى حسن أحمد حسن وهو ضابط بسلاح المدفعية ومتزوج وله أولاد. -متى دخلت كلية الطب البيطري؟ -هذه رابع سنة وأنا في السنة الثالثة. -وهل تقبض الخمسين جنيه في يدك. -أنا أقبض الخمسين جنيه على دفعات وقبضت من هذا المبلغ مرة عشرة، ومرة عشرين، ووالدتي هي التي تتولى الصرف علينا من هذا المبلغ، وأنا باخد من هذا المبلغ مصاريف شخصية إلى حوالي جنيه أو اثنين جنيه ومن هذا المبلغ اشتريت المسدس والبدلة. -اذكر لنا أين ذهبت من وقت خروجك من المنزل في صباح هذا اليوم......... للمزيد عن مقتل انقراشي
  7. السلام عليكم .. مرحبا أخى الفاضل . جزيت خيرا للمشاركات الفعالة والله اسال ان تكون ف ميزان حسناتك أجمع ..

    لكن اكثر من مرة أقل لك قوانين المنتدى تمنع وجود روابط خاجية ف الموضوع الا بعد اذن وموافقى الادارة ،، برجاء الالتزام بالقوانين حتى لا تعرض عضويتك للانزار.. جزاكم الله خيرا..

  8. نجم الدين أربكان الزعيم نجم الدين أربكان من "هندسة" محركات الديزل.. إلى "هندسة" الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا : نجم الدين أربكان، اسمٌ أصبح جزءاً من تاريخ الحياة السياسية والحزبية في تركيا لا يمكن تجاهله رغم كل محاولات الإقصاء، والتهميش، والمحاصرة.. فرض ومازال يفرض بصماته المضيئة على مسار الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا.. لماذا حاولت قوى كثيرة داخل تركيا وخارجها، وما زالت تحاول إبعاده عن الساحة السياسية التركية..؟ومن المستفيد من إقصائه عن الساحة السياسية التركية..؟ في هذه الدراسة التي تنشر علي حلقات في المجتمع نسلِّط الأضواء مدعومة بالوقائع والحقائق على شخصية الأستاذ الدكتور المهندس نجم الدين أربكان أحد أبرز رجالات الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا. في وسائل الإعلام التركية، وفي الأوساط والمحافل السياسية التركية، وعلى امتداد الشارع التركي المسيَّس يطلقون على الزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أربكان لقب "أبو السبعة أرواح"، وهو لقب يبدو أن أربكان يستحقه بجدارة من كثرة ما دخل وخرج من محاكم ومن سجون، ومن كثرة ما أسس أحزاباً بلغ عددها في فترة زمنية قصيرة قياساً بعمر الدول خمسة أحزاب، فلا يكاد يؤسس حزباً حتى يحاصره حماة العلمانية في تركيا وخاصة جنرالات المؤسسة العسكرية، فيحظروه ويختموا أبوابه بالشمع الأحمر، ليعود أربكان ليؤسس حزباً جديداً فيغلقه العلمانيون ويختمون أبوابه بالشمع الأحمر، ليعود أربكان ليؤسس حزباً جديداً باسم جديد بنفس نكهة الحزب المحظور الوطنية الإسلامية.. وهكذا حزباً بعد حزب و محاكمة بعد محاكمة، وسجناً بعد سجن..! فمن هو نجم الدين أربكان الذي اشغل وسائل الإعلام العالمية ومن قبلها أشغل دولاً وأنظمة وأجهزة مخابرات ومنظمات ترصد ما يجري في تركيا تحت مجاهر رقابتها على مدار الثانية والدقيقة...؟ ورث الزعامة كابراً عن كابرٍ ينحدر البروفيسور نجم الدين أربكان من نسل الأمراء السلاجقة الذين عرفوا في تاريخ تركيا باسم "بني أغوللري "، وكان جدُّه آخر وزراء ماليتهم، وكانت أسرة أربكان تلقَّب بناظر زاده أي ابن الوزير. ولد عام 1926م في مدينة سينوب بأقصى الشمال على ساحل البحر الأسود، وأنهى دراسته الثانوية في عام 1943 حيث التحق بجامعة الهندسة في استانبول وتخرج من كلية الهندسة الميكانيكية في عام 1948 ، وكان الأول على دفعته فتمَّ تعيينه معيداً في نفس الكلية. أوفد في بعثة إلى ألمانيا في عام 1951م، حيث نال في عام 1953م من جامعة آخن شهادة الدكتوراة في هندسة المحركات. وفي عام 1953م عاد إلى جامعة استانبول وحصل على درجة مساعد بروفيسور (دوشنت). وأثناء وجوده في ألمانيا عمل إلى جانب دراسته رئيساً لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات ( كلوفز هومبولدت دويتز )بمدينة كولن. في عام 1956م عمل ثانية في مصانع محركات دويتز وتوصَّل إلى عدة اكتشافات لتطوير صناعة محركات للدبابات تعمل بكل أنواع الوقود. في نهاية عام 1965م عاد إلى جامعة الهندسة في استانبول ليعمل أستاذاً مساعداً، وفي نفس العام حصل على درجة الأستاذية فأصبح بروفيسوراً في اختصاص المحركات. وأثناء تدريسه في جامعة الهندسة في استانبول، وعلى ضوء الخبرة التي حصل عليها أثناء عمله في مصانع المحركات الألمانية، قام البروفيسور نجم الدين أربكان في عام 1956 بتأسيس شركة مصانع "المحرك الفضي" وساهم معه في الشركة 300 من زملائه، وتخصصت الشركة في تصنيع محركات الديزل وبدأت إنتاجها في عام 1960، ولا تزال الشركة الرائدة في هذه الصناعة في تركيا وتنتج سنوياً حوالي 30 ألف محرك ديزل. رئيساً لاتحاد الغرف الصناعية تولى البروفيسور أربكان رئاسة مجلس إدارة شركة مصانع المحرك الفضي (1956 - 1963م )، إلى جانب منصب مديرها العام، ثم تولى منصب الأمين العام لاتحاد غرف التجارة والصناعة والبورصة التركية في عام 1967م، وفي عام 1968م أصبح رئيساً للاتحاد، وعندما تولى أربكان هذا المنصب ثارت ثائرة الدوائر العلمانية والماسونية، وشنَّت الصحافة العلمانية والمتصهينة حملة شعواء ضده. وكمثال على ما زخرت به تلك الصحف من هجوم على أربكان أنقل ما نشرته مجلة "آنت" العلمانية في عددها رقم 127 الصادر في 3/6/1969م حيث قالت بالحرف الواحد: "هناك صراع واضح في هذه الأيام في عالم التجارة الصناعة بين فئتين: فئة الرفاق الماسونيين الذين يعملون بحماية رئيس الوزراء سليمان ديميريل، وفئة الإخوان المسلمين الذين يعملون برئاسة نجم الدين أربكان ". لكأنَّ نجم الدين أربكان كان على موعدٍ مع قدره الذي أراده الله له، فينتقل من حلبة الصناعة إلى حلبة السياسة ليؤسس، ويقود، ويهندس حركة انبعاث مدِّ الصحوة الإسلامية الحديثة في تركيا. وكانت بداية التحوُّل في حياة أربكان من هندسة الصناعة إلى هندسة السياسة من مدينة قونيه التي كانت على امتداد تاريخ تركيا الإسلامي، و ما تزال معقلاً إسلامياً شامخاً، وهي قونيه موطن العالم الرباني جلال الدين الرومي، فمن مدينة قونيه خاض نجم الدين أربكان أول تجربة سياسية في حياته حين خاض الانتخابات النيابية التي جرت في عام 1969 كمرشح مستقل فأكرمته المدينة المتديِّنة إذ حملته أصوات ناخبيها وناخباتها بما يشبه الإجماع والاكتساح إلى مجلس النواب التركي ممثلاً للمدينة الوفية لإسلامها. تجربته الحزبية الأولى الزعيم نجم الدين أربكان في عام 1970 أسس البروفيسور أربكان مع عدد من المفكرين والناشطين الإسلاميين حزب النظام الوطني، وتسمِّيه بعض المراجع بحزب الخلاص الوطني، وفي المؤتمر الأول للحزب بمناسبة مرور عام على تأسيسه ( كانون ثاني 1971م) ألقى البروفيسور أربكان كلمة في المؤتمر أكد فيها البعد الإسلامي للحزب قائلاً: "إن أمتنا هي أمة الإيمان والإسلام، ولقد حاول الماسونيون والشيوعيون بأعمالهم المتواصلة أن يُخرِّبوا هذه الأمة ويفسدوها، ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد، فالتوجيه والإعلام بأيديهم، و التجارة بأيديهم، و الاقتصاد تحت سيطرتهم، وأمام هذا الطوفان، فليس أمامنا إلا العمل معاً يداً واحدة، و قلباً واحداً، حتى نستطيع أن نعيد تركيا إلى سيرتها الأولى، و نصل تاريخنا المجيد بحاضرنا الذي نريده مشرقاً.." عزل سياسي وفي شهر نيسان من عام 1971 أقامت الحكومة دعوى ضد الحزب، فأصدرت محكمة أمن الدولة العليا قراراً بحلِّ حزب النظام الوطني ومصادرة أمواله وممتلكاته بعد أن جرَّمته بتهمة انتهاك الدستور العلماني، والعمل على إلغاء العلمانية، وإقامة حكومة إسلامية في تركيا، و العمل ضد مبادئ أتاتورك، وحكمت المحكمة بمنع أي عضو في الحزب من العمل في حزب آخر، أو تأسيس حزب آخر، أو ترشيح نفسه للانتخابات ولو بشكل مستقل، وذلك طيلة خمس سنوات. وبعد صدور حكم محكمة أمن الدولة العليا بحلِّ حزب النظام الوطني وحرمان مؤسسه وأعضائه من العمل السياسي لمدة خمس سنوات غادر البروفيسور أربكان تركيا. في عام 1972م عاد البروفيسور أربكان إلى تركيا ليدفع ببعض الإسلاميين ممن لا ينطبق عليهم حكم محكمة أمن الدولة العليا لتشكيل حزب جديد أطلق عليه اسم حزب السلامة الوطني وتأسَّس الحزب في 11/10/1972م، وأصدر في 12/1/1973م صحيفته الرسمية "مللي غزته". في 14/10/1973م صدر عفو عام عن الجرائم السياسية، فخاض حزب السلامة الوطني بعد أن عاد أربكان إلى رئاسته الانتخابات وفاز بِ 48 مقعداً، وعندما احتدم الخلاف بين الحزبين الرئيسين، حزب العدالة (149 نائباً) بزعامة سليمان ديميريل، وحزب الشعب الجمهوري (186 نائباً) بزعامة بولنت أجاويد، اضطر أجاويد زعيم حزب الشعب الجمهوري للائتلاف مع حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان، وحصل حزب السلامة على سبع وزارات هامة منها الداخلية والعدل والتجارة والجمارك والزراعة والصناعة والتموين ووزارة دولة، وكان البروفيسور أربكان نائباً لرئيس الوزراء. ومثَّلت مشاركة حزب السلامة الوطنية في حكومة ائتلافية أول اختراق إسلامي للسلطة التنفيذية في الجمهورية العلمانية منذ تأسيسها على يد أتاتورك، وشكَّلت هذه المشاركة لطمة موجعة للعلمانيين وحلفائهم الماسونيين، فطفقوا يخططون للانتقام وتوجيه لطمة مضادة للإسلاميين، واستطاعت مكائد العلمانيين والماسونيين أن تفشل الحكومة الائتلافية وتضطرها إلى الاستقالة بعد تسعة أشهرونصف من تشكيلها. ولكن قدر الله كان بالمرصاد للعلمانيين والماسونيين، إذ لم يلبث حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان أن عاد إلى الحكومة عندما وجد حزب العدالة نفسه مضطراً للائتلاف مع حزب السلامة الوطني لتشكيل الحكومة بيد أن عودة حزب السلامة الوطني للمشاركة في الحكومة الجديدة، وبنفس عدد وزرائه ومقاعدهم في الحكومة السابقة، لم تثن العلمانيين والماسونيين عن الكيد للحزب ولزعيمه، وانتهز هؤلاء الانتخابات النيابية التي كان مقرراً أن تجري في عام في عام 1977 فحشدوا كل إمكاناتهم، واستنفروا كل طاقاتهم العلنية والسرية من محافل ماسونية وصحافة متصهينة وعلمانية لشن حملة تشويه وافتراءات ضد مرشحي حزب السلامة العامة في تلك الانتخابات، ويبدو أن الحملة آتت أكلها فجاءت نتائج حزب السلامة الوطني في الانتخابات مخيِّبَةَ لطموحات الإسلاميين، ومفرحة للعلمانيين والماسونيين حيث انحسر عدد أعضاء الحزب في مجلس النواب التركي إلى (24) نائباً فقط، ولكن ورغم هذه الانتكاسة التي أصابت حزب السلامة الوطني فقد فرضته المعادلة السياسية آنذاك شريكاً في الائتلاف الحكومي الذي جمع حزب العدالة وحزب السلامة الوطني وحزب الحركة القومية (طوراني) في الحكومة التي تشكلت في 1/8/1977 ........للمزيد عن حياة الزعيم نجم الدين أربكان http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%86%D8%AC%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86_%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D9%83%D8%A7%D9%86
  9. الرئيس أنور السادات يكتب .. نحن والإخوان المسلمون إعداد: عبده مصطفى دسوقي الرئيس أنور السادات لقد كتب السادات هذا المقال في 19 / 1 / 1954م أي بعد قرار مجلس قيادة الثورة بحل جميع الأحزاب السياسية في ديسمبر 1953م واستثناء جماعة الإخوان المسلمين من الحل لأنها لا ينطبق عليها ما ينطبق على الأحزاب السياسية غير أن الجميع فوجئوا بعدها ودون سابق إنذار بقرار مجلس قيادة الثورة في 4/ 1 بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال ما يقرب من مائتين من قادتها، والزج بهم في السجون، وليس ذلك فحسب بل إعفاء محمد نجيب من مهامه بسبب التوتر بينه وبين جمال عبدالناصر وبعض قادة الثورة مما يدل على التخبط وعدم الاتزان في تحديد الهدف. إلا أنه وبعد مظاهرة عابدين في مارس عام 1954م قام مجلس قيادة الثورة بإعادة محمد نجيب لمنصبه مرة أخرى والإفراج عن قادة الإخوان وإعادة الجماعة لسابق نشاطها وإلغاء قرار الحل السابق في يناير، وأكثر من ذلك فقد ذهب عبدالناصر وصلاح سالم لزيارة المستشار حسن الهضيبي في منزله –كما جاء صورتهم في صحيفة الجمهورية- ومن المعروف أن السادات كان رئيس تحرير صحيفة الجمهورية فكتب يحاول يبرأ مجلس قيادة الثورة من تصرفه السابق بحل الإخوان بدون سبب، غير أنه لم يثبت كيف حادت هذه المجموعة عن منهج الإخوان، ولما هو تحدث عن هذه المجموعة خاصة وهم قادة الجماعة، والتاريخ شاهد أن الإخوان ما حادوا عن منهجهم ومبادئهم. يقــــــــــول السادات في مقاله يستطيع أي حاقد في هذه البلاد أن يرمي قادة الثورة بأية تهمة يزين له الحقد أن يرميهم بها، ويستطيع أي موتور أو أي مضلل أن يرمينا بسوء التصرف أو الجهل أو بالأنانية وأن يقلب محاسن أعمالنا إلى أضدادها .. ولكن تهمة واحدة لن يستطيع إنسان ما بالغا ما بلغ من الحقد أو الجرأة أو القحة أن يلصقها بنا أو يفتريها علينا .. تلك هى تهمة التنكر لديننا دين الإسلام المتغلغل في دمائنا المتأصل في أعماق نفوسنا وقلوبنا. ونحن كمسلمين نفهم ديننا على حقيقته وندرك حدود وتعاليمه، نرى الإسلام مجموعة من الفضائل لا يكمل الدين الحق إلا بها جميعا وتنطوي تحت لواء هذه المجموعة من الفضائل، الفدائية والصدق والاستقامة والوطنية والنأي بالوطن عما يفرق كلمة بنيه، ويعرضه لنيران الفتن. ولهذا كنا احرص الناس على بقاء جماعة الإخوان المسلمين لاعتقادنا أنها جماعة صالحة، تدعوا لدين الله ولما رسمه الإسلام من أخلاق كريمة ترفع شان المسلمين وتعزز مجدهم .. وهي نفس المبادئ التي اعتنقناها عن إيمان ويقين لا لأنها مبادئ الإخوان المسلمين بل لأنها مبادئ الإسلام نفسه التي يجب أن يتمسك بها كل مسلم، فإذا جاء اليوم هذا النفر الذي أراد أن ينحرف بهذه الجماعة الصالحة عن أهدافها الصالحة وزعم أننا نحارب الإسلام حين نحاربهم فلن يجدوا من يصدق زعمهم فلسنا نحن الذين نبيع ديننا بدنيانا ولسنا نحن الذين نحرص على جاه أو منصب بعد أن قدمنا رؤوسنا وأعناقنا نفتدي بها مصر. إن جماعة الإخوان المسلمين جماعة سامية الأهداف نبيلة الأغراض ولكنها ككل هيئة أو جماعة تضم بين صفوفها بعض من تنطوي نفوسهم على دخل .. وليس عجبا أن يظهر أمثال هؤلاء في هذه الجماعة الصالحة، فقد ابتلى بمثلهم الإسلام في مستهل دعوته وابتلى الرسول بأمثالهم من الموهنين وضعاف العزائم والناكصين على الأعقاب ومحبي الجاه والسلطان أمثال أبي سفيان .. فليس عجبا أن بين هذه الجماعة المؤمنة بعض ضعاف الإيمان أو بعض الساعين إلى الجاه والسلطان .. وحين يطغى الغرض الذاتي على الهدف النبيل فمن الواجب على كل مسلم أن يجنب المسلمين شر هذه الفتنة .. وهذا ما فعلناه لا لحماية أنفسنا.. بل لحماية الدعوة النبيلة والقصد الكريم .. بل ولحماية الإخوان المسلمين أنفسهم ممن فرضوا عليهم ” السمع والطاعة ” هذا هو رأينا فليجادلنا فيه من يؤمن بقوله تعالى : ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي أحسن. إن ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين”.أ هـ وبالرغم مما سبق من كلمات السادات والتي تعد شهادة طيبه في حق الإخوان وأهدافهم إلا أنه لم يكد يمر شهور حتى تم اعتقال آلاف الإخوان والزج بهم في السجون وإعدام بعضهم بحجة محاولة اغتيال عبدالناصر التي أثبتت الشواهد واعترافات بعض رجال الثورة أنفسهم أن هذا الحادث غير صحيح وأنه كان معد له
  10. الإستيطان الصهيوني في فلسطين حتى العام 1948 تمهيد الموستوطنات الإسرائيلية للإستيطان الصهيوني أهمية بالغة في الفكر الصهيوني، وقد هدف الكيان الصهيوني من وراء هذا الاستيطان على وضع حقائق على الأرض تفرض نفسها في أي مفاوضات مع أي طرف في النزاع العربي الإسرائيلي إضافة إلى الدوافع الاقتصادية، والمائية والأمنية، كانت الدوافع التاريخية والدينية المزعومة هدفا لإقامة المستوطنات. تميزت ظاهرة الاستيطان الصهيوني في فلسطين عن غيرها من التجارب الاستيطانية القديمة والحديثة من خلال ارتباط هذه الظاهرة بالعنف والاستيلاء على أراض مملوكة لأصحابها الشـرعيين بالقوة، مع التخطيط المسـبق لطرد هؤلاء السكان واستئصال حضارتهم والقضاء على وجودهم" ، فالاستعمار الاستيطاني اليهودي قام على أسس استعمارية وعنصرية تخالف مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق والاتفاقات الدولية. في بادئ الأمر قامت الحركة الصهيونيه بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة ببناء القاعدة الديمغرافية اليهودية في فلسطين العربية، واتصف سلوك المستوطنين تجاه سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين بالإرهاب والعنصرية من أجل ترحيلهم والقضاء عليهم ودفعهم إلى الرحيل من وطنهم فلسطين إلى البلدان العربية المجاورة، حيث شكل الاستيطان عنصراً رئيسياً من عناصر إقامة دولة اليهود في فلسطين العربية، باعتباره وسيلة عملية تهدف إلى تهويد فلسطين وإقامة الكيان الاستيطاني فيها وتزويده باستمرار بالعنصر البشري لتقوية طاقاته العسكرية والاقتصادية والبشرية. وتبحث هذه الدراسة في موضوع الاستيطان الصهيوني والذي يعتبر ركنا أساسيا في السياسة الصهيونية والإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، فقد بذلت الحركة الصهيونية جهودا حثيثة لتطوير وزيادة الاستيطان الصهيوني قبل عام 1948 وبعده، وقد أقيمت نقاط ومراكز استيطانية على أجزاء من الأراضي التي استولت عليها المنظمات الصهيونية بمساعدة سلطات الانتداب، وقد كانت هذه المستوطنات بمثابة مواقع عسكرية وكيانات إرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين قبل وأثناء حرب 1948 ، وبالرغم من أن المقاومة الفلسطينية لهذا الاستيطان استمرت بعدة طرق وأساليب وعلى أكثر من جهة، إلا أنها لم تستطع كبح الهجرة اليهودية أو وقف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية والتي كان هدفها التأسيس لإقامة دولة الكيان الصهيوني. تعني دارستنا بتاريخ الاستيطان الصهيوني حتى عام 1948 ، والذي دفعني لإعداد هذه الدراسة هو إدراكي لمخاطر الاستيطان الصهيوني الذي كان النواة الأولى للمشروع الصهيوني، حيث ساهم لاحقا وبشكل كبير في تأسيس دولة الكيان الصهيوني وتوسعها، وكما أن نقص الدراسات السابقة حول الاستيطان وتحديدا قبل عام 1948 شكل لنا دافعا أخرا لإنجازها. وانطلاقا مما سبق تأتي هذه الدراسة، والتي تعتمد على المنهج التاريخي لوصف نشأة وتطور ظاهرة الاستيطان الصهيوني قبل عام 1948 وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة مباحث يتناول الأول الاستيطان في الفكر الصهيوني، ويتناول الثاني مراحل الاستيطان الصهيوني في فلسطين ويختص تحديدا في دراسة الاستيطان في عهد الحكم العثماني والانتداب البريطاني، ويتناول الثالث الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وردود الفعل الفلسطينية والعربية على الهجرة والاستيطان حتى عام 1948 ، ثمة خاتمة الدراسة. المبحث الأول أولا:- الاستيطان في الفكر الصهيوني بما أن موضوع الدراسة حول الاستيطان فلابد من العرض الموجز عن الاستيطان في الفكر الصهيوني، لإيضاح أهمية الاستيطان لدى بعض المفكرين والقادة الصهاينة والذين كان لهم دور ريادي في نشأة الاستيطان الصهيوني وتطوره، لتكون الصورة واضحة ومساعدة في تحليل تطور الاستيطان الصهيوني عبر الفترة التاريخية التي تتعرض لها هذه الدراسة . تتمثل أسطورة الاستيطان الصهيوني في زعم المفكرين والقادة الصهاينة أن فلسطين هي الكيان الصهيوني أو صهيون" وأن تاريخها قد توقف تماما برحيل اليهود عنها ، بل أن تاريخ اليهود أنفسهم قد توقف هو الآخر برحيلهم عنها ، ولن يستأنف هذا التاريخ إلا بعودتهم إليها فهو تاريخ مقدس" ، وقد جسدت الحركة الصهيونية في فلسطين العقدية التوراتية في طرحها للاستيطان ، حيث حولت ممارساتها العملية لاستعمارها الاستيطاني في فلسطين إلى مفهوم توراتي "عودة الشعب إلى أرض الميعاد " وبذلك يتم استقبال المهاجرين المستوطنين اليهود إلى فلسطين كمهاجرين إلى ارض الكيان الصهيوني . يمثل هؤلاء المهاجرون توطين استيطاني كولونيالي، بمعنى قيام جماعات اليهود الأجنبية باستيطان أرض فلسطين وممارستهم السلطة فوق تلك الأرض على من كان ولا يزال فيها من السكان الفلسطينيين"لأن الأيدلوجية الصهيونية في فلسفتها الخاصة قامت على أساس نفي الآخر واقتلاعه، لا التعايش مع أو القبول بوجوده، وعليه فإن غايتها في البدء أو النهاية هي الإجلاء والإحلال وإزاحة الفلسطيني لتوطين هؤلاء المهاجرين مكانهم" ، لقد واكب الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ البداية ظواهر التعالي القومي تجاه المواطنين المحليين حيث ساد بينهم الرأي القائل بان العربي يحترم الآخرين إذا فهم لغة واحدة هي القوة، فقد ارتبطت الصهيونية بالاستيطان باعتباره جزءا منها وأساسا مهما في مشروعها، إذ قامت على ثلاثة أسس متكاملة" ، الأول أن اليهود رغم انتمائهم للعديد من الدول والمجتمعات يمثلون قومية واحدة تتميز بصفات عرقية سامية ، والثاني أن علاقة اليهود مع الشعوب الأخرى تقوم على العداء والصراع تلخصها ظاهرة معاداة السامية ، والثالث إن مشكلة اليهودية لا حل لها إلا بإقامة دولة يهودية ، وإن هذه الدولة تتمثل في ارض الميعاد و الاستيطان فيها ، وأساس ذلك "إذا كان هناك من شعب مختار فثمة أيضا أرض مختارة ، فالأصل في استمرار الصهيونية لا يكون إلا من خلال استمرار الاستيطان في فلسطين" . فالبرامج الاستيطانية الصهيونية جاءت لإقامة المستعمرات اليهودية على الأراضي الفلسطينية تحت تبريرات دينية وتاريخية مفادها أن هناك حقوقاً تاريخية ودينية يهودية على أرض فلسطين ، وهذه الحقوق هي التي وعد بها الرب الشعب اليهودي، وقد تطور هذا المفهوم فيما بعد إلى جعل إقامة المستعمرات أداة لتعزيز أمن دولة الكيان الصهيوني بعد قيامها عام 1948 ، ولتأكيد ذلك يقول عضو الكنيست الإسرائيلي السابق يشعياهو بن فورت في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية"إن الحقيقة هي لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة أراضي وتسييجها" . فالاستيطان الإسرائيلي هو التطبيق العملي للفكر الاستراتيجي الصهيوني الذي انتهج فلسفة أساسها الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، بعد طرد سكانها الفلسطينيين بشتى الوسائل بحجج ودعاوي دينية وتاريخية باطلة، وترويج مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وجلب أعداداً، كبيرة من اليهود من مختلف أنحاء العالم، وإحلالهم بدلاً من العرب الفلسطينيين، بهدف إقامة دولة يهودية في المنطقة العربية. ويتضح من كل ما سبق إن إقامة المستعمرات والاستيطان على الأرض الفلسطينية يمثل حجر الزاوية في الإيديولوجية الصهيونية وذلك للأهمية العظمى التي ينطوي عليها الاستيطان وتكمن هذه الأهمية في عدة جوانب ديمغرافية وأمنية وسياسية واقتصادية ومائية وطائفية، فإقامة المستعمرات يعمل على جلب المزيد من المهاجرين اليهود وبالتالي تهويد الأرض الفلسطينية، فمنذ أن جاءت حركة الاستعمار الاستيطاني في أواخر القرن التاسع عشر، تمكن المستوطنون اليهود من السيطرة على المناطق الإستراتيجية والموارد المائية، بالإضافة إلى السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة وبمساعدة المؤسسات الصهيونية من جهة، ودعم بريطانيا من جهة أخرى، أمكن للمهاجرين اليهود من السيطرة على المقدرات الاقتصادية لفلسطين، مثل شركات الكهرباء والماء والشركات الزراعية الصناعية وغيرها. ثانيا: بداية الاستيطان اليهودي في فلسطين بدأت فكرة الاستيطان في فلسطين ، تلوح في الأفق، بعد ظهور حركة الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر في أوروبا، حيث بدأ أصحاب المذهب البروتستانتي الجديد بترويج فكرة تقضي بأن اليهود ليسوا جزءاً من النسيج الحضاري الغربي، وإنما هم شعب الله المختار، وطنهم المقدس فلسطين ، يجب أن يعودوا إليه ، وكانت أولى الدعوات لتحقيق هذه الفكرة ما قام به التاجر الدنماركي أوليغربولي عام 1695 ، الذي أعد خطة لتوطين اليهود في فلسطين ، وقام بتسليمها إلى ملوك أوروبا في ذلك الوقت، وفي عام 1799 ، و كان الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت أول زعيم دولة يقترح إنشاء دولة يهودية في فلسطين أثناء حملته الشهيرة على مصر و سوريا . واشتدت حملة الدعوات للمشروع الاستيطاني اليهودي في فلسطين في القرن التاسع عشر، حيث انطلقت هذه الدعوات من أوروبا مستغلة المناخ السياسي السائد حول الأطماع الاستعمارية الأوروبية في تقسيم ممتلكات الرجل المريض"الدولة العثمانية" والتي عرفت حينئذ بالمسألة الشرقية، وقد تولى أمر هذه الدعوات عدد من زعماء اليهود وغيرهم،أمثال:اللورد شاتسبوري، الذي دعا إلى حل المسالة الشرقيـة عن طريق استعمـار اليهـود لفلسطيـن ، بدعم من الدول العظمى ساعده في ذلك اللورد بالمرستون"1856-1784" ، الذي شغل عدة مناصب منها، وزير خارجية بريطانيا، ثم رئيس مجلس وزرائها حيث قام بتعيين أول قنصل بريطاني في القدس عام 1838 وتكليفه بمنح الحماية الرسمية لليهود في فلسطين ،كما طلب من السفير البريطاني في القسطنطينية بالتدخل لدى السلطان العثماني للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين . وبعد ظهور الحركة الصهيونية كحركة سياسية عملية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سعت هذه الحركة إلى السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وكان من أبرز نشطائها لورنس أوليفانت 1888-1820 والذي كان عضواً في البرلمان الإنجليزي، وعمل أيضاً في السلك الدبلوماسي الإنجليزي، اعتقد بضرورة تخليص اليهود من الحضارة الغربية بتوطينهم في فلسطين ، وذلك بإدخالهم كعنصر لإنقاذ الدولة العثمانية من مشاكلها الاقتصادية، لما يتمتع به اليهود من ذكاء في الأعمال التجارية ومقدره على جمع الأموال، ومن أجل ذلك قام في عام 1880 م بنشر كتاب بعنوان أرض جلعاد اقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن شمال البحر الميت، لتكون تحت السيادة العثمانية بحماية بريطانية، وكذلك شجع استعمار اليهود في فلسطين والمناطق المجاورة عن طريق إقامة مستعمرات جديدة ومساعدة القائم منها . وبالإضافة إلى أوليفانت حاول العديد من زعماء اليهود في القرن التاسع عشر القيام بمشاريع لتوطين اليهود في فلسطين ،ومن بين هؤلاء مونتفيوري ( 1784 - 1885 ) الذي حاول استئجار 200 قرية في الجليل لمدة 50 عاماً مقابل 10%-20% من إنتاجها، إلا أن هذه المحاولة فشلت أمام رفض الحاكم المصري لبلاد الشام آنذاك،ثم نجح في الحصول على موافقة السلطان العثماني بشراء عدد من قطع الأراضي بالقرب من القدس ويافا، واسكن فيها مجموعة من العائلات اليهودية، إلا أن هذه الخطوة أخفقت أيضاً تحت تحفظ السلطات العثمانية لمشاريع الاستيطان في فلسطين ،كما بذل وليم هشلر جهوداً في جمع تبرعات مادية وإرسالها إلى الجمعيات الصهيونية لتشجيع الاستيطان في فلسطين تحت الحماية البريطانية" . أما المبشرون الأمريكيون فقد ساهموا في عودة اليهود إلي فلسطين ففي عام 1814 وقف القس جون ماكدونالد راعي الكنيسة المسيحية داعيا إلي أن اليهود يجب أن يعودا إلي أرض صهيون ، ولقد تبعه العشرات من المبشرين الذين دعوا إلي نفس الفكرة ففي النصف الأول من القرن التاسع قام أحد قادة البروتستانت بالهجرة إلي فلسطين وأنشأ هناك مستوطنة زراعية يهودية لتدريب المهاجرين اليهود علي الزراعة ، وكذلك قامت السيدة كلواندا مانيور زوجة أحد كبار التجار وهي من البروتستانت مجموعة من رجال الدين المسيحي للهجرة إلي فلسطين عام 1850 وملكت مساحات شاسعة من الأراضي وهبتها لإقامة المستوطنات اليهودية وهكذا ساعد البروتستانت اليهود في دخول فلسطين ، و قام الاتحاد الإسرائيلي العالمي (الاليانس) الذي تأسس عام 1860 باستئجار 2600 دونم لمدة 99 عاماً،أقيمت عليها مدرسة زراعية بدعم من البارون روتشيلد لتدريب اليهود المهاجرين على الزراعة. وفى عام 1870 تم تأسـيس مسـتوطنة (مكفا إسرائيل) وتعنى أمل الكيان الصهيوني في لواء القدس والتي أنشأت مدرسه كانت تهدف إلى تزويد المستوطنين اليهود بالخبرة الزراعية وتقـديم التسهيلات لهم. هذا ويعتبرها المؤرخون اليهود أول مستوطنه زراعية يهودية في فلسطين . في عام 1878 قامت مجموعة من اليهود بشراء 3375 دونم من أراضى قرية ملبس وتم تسجيلها باسم النمساوي سلومون، واستمرت المحاولات اليهودية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية حتى عام 1881 الذي يعتبره المؤرخ اليهودي والترلاكور بداية التاريخ الرسمي للاستيطان اليهودي في فلسطين بعد أن وصل حوالي 3000 يهودي من أوروبا الشرقية، تمكنوا من إنشاء عدد من المستوطنات في الفترة من 1882 - 1884 ، وتوالت فيما بعد عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الوسائل منها الشراء أو الاستئجار لمدة طويلة ، وقد لعبت المؤسسات اليهودية التي أنشئت لهذا الغرض ومن بينها:منظمة بيكا التي أسسها روتشيلد، والوكالة اليهودية التي انبثقت من المؤتمر الصهيوني العالمي الأول عام 1897 ، والصندوق القومي اليهودي "الكيرن كايمت" وصندوق التأسيس اليهودي"الكيرن هايسود" والشركة الإنجليزية الفلسطينية. وبالرغم من إن المستوطنات لم تظهر بشكل منتظم خلال القرن التاسع عشر إلا في عام 1878 ،عندما تمكن مجموعة من يهود القدس من تأسيس مستوطنة بتاح تكفا، وفي عام 1882 ثم إنشاء ثلاث مستوطنات ،هي مستوطنة ريشون ليتسيون وزخرون يعقوب وروش يبنا،ثم مستوطنتي يسود همعليه وعفرون عام 1883 ، ومستوطنة جديرا عام 1884 ، وفي عام 1890 أقيمت مستوطنات رحوبوت ومشمار هيارون وبعد انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الثاني عام 1898 أقر قانون المنظمة الصهيونية العالمية التي أخذت على عاتقها كافة الشؤون المتعلقة بالاستيطان بعد أن وصل عدد المستوطنات الإسرائيلية الزراعية إلى"22" مستوطنة، سيطرت على 200 ألف دونم ارتفعت إلى 418 ألف دونم . وساهم تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بزعامة هرتسل سنة 1897 ، بوضع حجر الأساس للمشروع الصهيوني، حيث كان الأساس الأيديولوجي الذي اعتمدته الحركة الصهيونية، منذ بـدء نشاطها أواخر القرن التاسع عشر- مقولة إن المشروع الصهيوني هو عودة شعب بلا أرض إلى أرض بلا شعب" . فعملت المؤتمرات الصهيونية العالمية بدءاً من المؤتمر الأول على تنفيذ برامجها التي تمحورت حول برنامج المؤتمر الأول عام 1897 ،" ويدعو هذا البرنامج إلى العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق أسس مناسبة، وتغذية وتقوية المشاعر اليهودية والوعي القومي اليهودي، واتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية ، فقد سعت الحركة الصهيونية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى امتلاك أكبر مساحة ممكنة من الأراضي باعتبار ذلك إحدى الركائز الضرورية لإقامة دوله يهودية على أنقاض فلسطين العربية، ولقد ساعد نظام ملكية الأراضي الذي كان سائداً في فلسطين ومناطق أخرى من الإمبراطورية العثمانية آنذاك الصهاينة على تحقيق بعض مخططاتهم في امتلاك الأراضي الفلسطينية وتهويدها ........للمزيد من المتابعة http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%87%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A_%D9%81%D9%8A_%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86_%D8%AD%D8%AA%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85_1948
  11. القدس تنادينا.. ألا من مجيب؟ بقلم الإمام حسن البنا أيها الفلسطينيون البواسل من شباب محمد وحماة بيت المقدس: صبر جميل ... ولقد ربحتم كثيرًا، ولو لم يكن من نتائج ثورتكم المباركة الحقة إلا أن كشفتم غشاوات الذلة وحجب الاستسلام عن النفوس الإسلامية، وأرشدتم شعوب الإسلام إلى ما في صناعة الموت من لذة وجمال وروعة وربح لكنتم الفائزين، ولكن أبشروا فليس ذلك ربحكم فقط، ولكنكم ربحتم معه إعجاب العالم وثواب الله، وستربحون النصر المؤزر في القريب إن شاء الله. والله معكم ولن يتركم أعمالكم. وأنتم أيها المسلمون في أقطار الأرض: اذكروا هذا الدرس جيدًا، واعلموا أنه جاءكم في أمس أوقاتكم حاجة إليه، وتلقيتموه والعالم على فوهة بركان، فإياكم أن ترجعوا بعد اليوم "غنمًا" يصرفها الذئب أنى شاء لتكون له في الحرب فداء وفي السلم غذاء، ولكن تجهزوا لتحرروا ولتدفعوا عن أنفسكم كل كافر خوان لا عهد له ولا ذمة ولا موثق له ولا أمان. أيها المسلمون في أقطار الأرض: إن فلسطين هي خط الدفاع الأول؛ والضربة الأولى نصف المعركة، فالمجاهدون فيها إنما يدافعون عن مستقبل بلادكم وأنفسكم وذراريكم كما يدفعون عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم، وليس قضية فلسطين قضية قطر شرقي ولا قضية الأمة العربية وحدها، ولكن قضية الإسلام وأهل الإسلام جميعًا، ولا محل للتدليل على حقوق العرب فيها، ولا محل لإيضاح هذه الحقوق وبيانها، ولا محل للأقوال والخطب والمقالات. ولكن الساعة ساعة العمل. احتجوا بكل مناسبة وبكل طريق. قاطعوا خصوم القضية الإسلامية مهما كانت جنسياتهم أو نحلهم. تبرعوا بالأموال للأسر الفقيرة والبيوت المنكوبة والمجاهدين البواسل. تطوعوا إن استطعتم - لا عذر لمعتذر - فليس هناك ما يمنع من العمل إلا ضعف الإيمان. ولا يهلك على الله إلا هالك. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية 40). مجلة النذير، العدد "18"، السنة الأولى، 2 شعبان 1357ﻫ- 26 سبتمبر 1938م، ص"3-5". وفي هذا المقام فإننا ندعو الأمة كلها إلى ما يلي: التحرك والضغط الفعَّال بالرأي العام والوسائل السلمية على الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية لكي تقوم بدورها ومسئوليتها لوقف هذه الكارثة، والتأكيد على أن القدس والمسجد الأقصى مسئولية كل العرب والمسلمين، ولا يجوز أن تكون محلاًّ للتفاوض. تحرك المنظمات الدولية والمحلية ومؤسسات المجتمع المدني لوقف المخططات الصهيونية، ونزع فتيل محاولات الصهاينة لإشعال حرب عالمية كما فعلوا قبل ذلك في التاريخ. ضرورة قطع العلاقات مع العدو الصهيوني سياسيًّا ودبلوماسيًّا واقتصاديًّا، وما يقتضيه ذلك من طرد سفرائه ووقف أعمال التطبيع معه، وتفعيل المقاطعة بكافة أشكالها. إلغاء الاتفاقيات التي أُبرمت للسلام المزعوم بين الصهاينة وبعض الدول العربية والإسلامية وإعلان كل المخالفات التي تقع الآن ضد هذه الاتفاقيات المزعومة. دعوة البرلمانيين في الدول العربية والإسلامية، بما في ذلك فلسطين لأن يكون لهم دور فاعل في التصدي لمخططات الصهاينة لتهويد القدس وهدم[المسجد الأقصى، وتفعيل لجنة القدس. إعلان يوم الجمعة 9/10/2009م يوم غضب عالمي لكل الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم؛ للوقوف صفًّا واحدًا ضد الصهاينة ومشروعهم وعدوانهم وضد كل من يساندهم أو يقف معهم. الدعوة المستمرة إلى تكرار مثل هذه الوقفات الغاضبة ضد الصهاينة كواجب أخلاقي وإنساني ووطني وشرعي وقومي للمزيد من المتابعة ........http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3_%D8%AA%D9%86%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A7_%D8%A3%D9%84%D8%A7_%D9%85%D9%86_%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%A8
  12. لقد شهدت البلاد موجة طاغية من الانحلال الأخلاقي تحت ظل الاحتلال الإنجليزي، الذي عمل على تجريد الأمة من هويتها الإسلامية، ولقد استهدف المحتل ضرب حصن الأمة المتمثل في المرأة؛ لأنه يدرك أنها الحصن الحصين لأية أمة، فعمل على نشر الانحلال وفلسفة تحرير المرأة، وعاونه على ذلك رجال ونساء حسبوا أنفسهم على الأمة الإسلامية، وبالرغم من شراسة الحملة ضد المرأة إلا أنه ظهرت نماذج للمرأة استطاعت التصدي للفكر الغربي والرد على أذنابه، ونشر الفضيلة وسط نساء الأمة. ولقد كان بين الأخوات المسلمات نماذج صدق فى القرن العشرين: أمهات وزوجات وبنات وأخوات تجسدت فيهن سيرة نساء السلف الصالح فهمًا وعملاً وصبرًا على المحن التي تعرضن لها. وهذه زهرة أخرى من بستان الأخوات المسلمات نقتطفها ونهديها لأبناء الأمة الإسلامية رجالاً ونساء، شيوخًا وشبابًا؛ ليتعرفوا على النماذج الصالحة للمرأة المسلمة في ظل التغريب ومحاولة طمس هوية الأمة. معنا زهرة عملت منذ تفتحها على نشر عبيرها وسط بنات الأمة وهى السيدة أمينة الجوهري. نشأتها نشأت أمينة علي –وهذا اسمها الحقيقي- في بيت حرص على تعلم القرآن الكريم، والسير على نهج رسول الله (ص) ، فبالرغم من كونها لم تحصل على شهادات دراسية إلا أن أباها عمل على تعليمها الكتابة والقراءة مما ساعدها كثيرًا على حفظ قدر كبير من القرآن الكريم، وترعرت الزهرة على حب الإسلام، وعملت على بث روح الإسلام الصحيح وسط صديقاتها وقريناتها. وفي عام 1935م تقدم الشاب محمود الجوهري ليحظى بهذه الزهرة المصونة، وتم الزواج ليجتمع هذان القلبان على حب الإسلام والعمل له، فكان سندًا لها، وكانت عونًا له على نشر مفاهيم الإسلام الصحيحة. على طريق الدعوة كان الشاب محمود الجوهري -الذي ولد عام 1913م- شابًّا يحب الإسلام والعمل له، وكان يدعو أن يرزقه الله الزوجة الصالحة التي تعينه على ذلك، واستجاب الله لدعائه فرزقه بفتاة على خلق ودين وهي السيدة أمينة علي، وتم الزفاف عام 1935م، ولم يدريا ما خبأه الله لهما من خير، ففي عام 1940م تعرف الزوج على دعوة الإخوان المسلمين، وعاد وقلبه يرقص فرحًا بهذا الخير يزفه لشريكة حياته، فما كان منها إلا أن شاركته الفرحة، وطلبت منه أن تعمل هي أيضًا تحت هذا اللواء، ويذكر الأستاذ الجوهري عن كيفية تعرفهما على دعوة الإخوان فيقول: "كان لي زميل في المدرسة، سكنه في حي (طولون)، وكان يسبقني في الانتساب إلى الإخوان المسلمين بفترة، وكان بحكم منزله في حي (طولون) قد طلب منه بعض السيدات أن يعطيهنّ درسًا في الدين في مكانٍ أثري وواسع كان بالقرب من مسجد (أحمد بن طولون)، وكان يرى نشاطي، ويرى أنني كنت أقوم في المدرسة بجمع الأولاد في فترة الظهر، وهي فترة بين الصباح والمساء، وكانت الساعة حوالي الواحدة ظهرًا، كنت أذهب إلى المنزل أتناول الغداء، ثم أرجع إلى المدرسة أجمع الأولاد وأعلمهم أولاً كيفية الوضوء، ثم أعلِّمُهم كيفية أداء الصلاة، وكانت الاستجابة من التلاميذ استجابةً طيبةً، وكان العدد كبيرًا، وفي هذه الأثناء طلب مني زميلي "الأستاذ هاشم العمري" أن ألقي درسًا للسيدات في هذا المكان الأثري الذي كان يلقي فيه هو درسًا للسيدات، وفعلاً ذهبتُ، ولكني أخذت معي زوجتي الحاجة "أمينة علي"، وعندما ذهبنا إلى المكان جعلتُ الحاجة "أمينة" تتكلم وتعطي الدرس، وكان ذلك في عام 1942م، وبعد إلقائها الدرس طلبت الحاضرات معاودة ترددها على المكان مرةً أخرى، وجاءت لي "أمينة" وقالت: يريدون درسًا في أماكن أخرى؟ فقلت لها: انتظري حتى أسأل، وذهبت إلى الإمام الشهيد "حسن البنا" وقلتُ له على الموضوع كله، وقلت له: هناك ثلاثة أو أربعة مساجد مفتوحة، ونريد وُعَّاظًا. فقال: الحمد لله.. هذا عظيم، وقال لي: لا ترد طلبًا.. فقلت: نريد وعاظًا، فكلَّم الشيخ "عبداللطيف الشعشاعي"، فكان يعطي الدروس الشيخ "عبد اللطيف الشعشاعي" و"محمود سعيد" و"زينب عبد المجيد" زوجة الشيخ "عبد اللطيف" و"أمينة علي" لكل واحد منهم درس. ولقد اعتنى الإمام الشهيد -عليه رحمة الله- بقسم الأخوات فأولاه اهتمامًا شديدًا، واتخذ هذا القسم له مقرًا في 17 شارع الخازن بالحلمية الجديدة، بجوار المركز العام، ولقد انتخب القسم لجنة تنفيذية من بعض الأخوات للإشراف على عمل الأخوات، وقد ضمت هذه اللجنة كلاًّ من: السيدة/ أمال عشماوي "رئيسة". والسيدة/ فاطمة عبد الهادي "وكيلة". والسيدة/ أمينة علي "أمينة الصندوق". وفاطمة توفيق "سكرتيرة أولى". ومنيرة محمد نصر "سكرتيرة ثانية". وزينب عبد المجيد. وهانم صالح. وسنية الوشاحي. وفاطمة عبيد. وزهرة السنانيري. ومحاسن بدر. وفاطمة البدري. وكان ذلك في 12 من ربيع الأول 1363ه الموافق 14 من أبريل 1944م، واتخذت لها مقرًّا بالمنزل رقم 17شارع سنجر الخازن بالحلمية الجديدة بالقاهرة، ثم تحول مقر القسم لمنزل المستشار منير دلة بشارع إسماعيل سري رقم 16، وفي انتخابات 1948 اختيرت السيدة أمينة علي سكرتيرة للقسم. وقد نشطت السيدة أمينة علي في نشر فكر الأخوات المسلمات بالاشتراك مع أخواتها، فكونّ لجنة لزيارة الشعب والأقاليم وتفقد أحوالها، وتكونت هذه اللجنة من أمينة الجوهري وزينب عبد المجيد زوجة الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي واعظ قسم الأخوات، وفاطمة عبد الهادي حرم الشهيد محمد يوسف هواش -الذي حكم عليه عبد الناصر مع الشهيد سيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل بالإعدام عام 1965م- وقد زارت هذه اللجنة معظم فروع الأخوات في الوجه البحري والإسكندرية وبعض مدن الصعيد. نشاطها الدعوي لقد تولى الأستاذ محمود الجوهري مسئولية القسم منذ عام 1942 ومعه الحاجة أمينة زوجه والشيخ عبد اللطيف الشعشاعي وزوجه والأخ محمود سعيد وأخته وربما يعود ذلك إلى أن الأخوات لم يؤهلن بعد للمستوى الإداري المطلوب وإن كان منهن مجاهدات ضربن أروع الأمثلة في العمل الدعوي والثبات وقت المحن أذكر منهن الحاجة فاطمة عبد الباري (( أم صلاح )) وهي أمية وتقطن حي الجيارة بمصر القديمة وبالرغم من ذلك لم تكلف بشيء إلا أتمته على أكمل وجه. كانت أمينة علي أمينة الصندوق لقسم الأخوات، ثم انتخبت سكرتيرة للقسم، ولم يكن ذلك عملها فحسب بل كانت داعية في المقام الأول، فكتبت في صحف الإخوان المسلمين المختلفة تحث النساء على العمل للإسلام، وتوجه الأخوات لكيفية العمل، وكانت تكتب في ركن الأخوات في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية تحت عنوان: أخواتنا، وفي مجلة الإخوان اليومية تحت عنوان: إليك. أضف لذلك نشاطها في لجنة الزيارات التي كونها القسم، ولم يقتصر نشاطها على الجانب الدعوي وفقط، بل كان لها دورها في الجانب السياسي؛ حيث كانت ضمن المجموعة التي توجهت للوزراء والملك بمذكرة من الإمام البنا لدحض أسباب حل الجماعة عام 1948م، يقول الأستاذ الجوهري: "قامت مجموعة من (الأخوات) سلَّمهم الإمام الشهيد مذكرةً تفنِّد مبررات حل (الإخوان) للطواف بها على مكاتب الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشيوخ والقصر الملكي ورئاسة الوزراء، ومن ضمن المكاتب التي مرَّت عليها هذه المجموعة مكتب وزير من وزراء الوزارة السعدية في هذا الوقت، وهو "علي أيوب"، وقد كان شديد الكراهية كباقي أعضاء الوزارة السعدية لـ(الإخوان) وما يقوم به (الإخوان). فلمَّا عرف أن هذه العريضة من المرشد العام ومن (الأخوات) هاج هياج الثائر في الحرب، وهدَّد وصاح، ولكن (الأخوات) كُنَّ في ثبات، فردت عليه إحداهن: "هذا ما سلمناه لك هو رأي (الإخوان).. قبلته أم لم تقبله"، وانصرفن من عنده إلى القصر الملكي في (عابدين)، وأذكُر من هذه اللجنة "أمينة علي" و"فاطمة عبد الهادي" و"زينب عبد المجيد" و"فاطمة توفيق".. مجموعة مكونة من حوالي سبعة أو ثمانية، ودخلن القصر الملكي لتبليغ هذه العريضة للملك عن طريق لقائهن بالملكة، فاستقبلتهن كبيرةُ الوصيفات بكلام لطيف، فقالت الحاجة "أمينة علي" -وهن خارجات من القصر: ?كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ? [الدخان: 25-26]، وإن شاء الله نرث هذه الجنات. كما أنها اعتنت بالجانب الاجتماعي فأنشأت مع الأخوات مدرسة لليتيمات (مدرسة التربية الإسلامية للفتاة)، وكانت ناظرة المدرسة الأخت فاطمة عبد الهادي، وكان مقر المدرسة في شارع بستان الفاضل بالمنيرة، وظلت تعمل حتى أصابها ما أصاب ممتلكات الجماعة بعد الحل في 8 ديسمبر 1948م، حيث استولت الحكومة عليها، وتقول فاطمة خليل في ذلك: "وفي عصرنا الحاضر هناك نساء شاركن في تنمية الجانب الاجتماعي في المجتمع؛ فهذه أمينة علي زوجة محمود الجوهري تنشئ مدرسة لتعليم الفتيات اليتيمات، ومن خلالها تقيم المعارض للأشغال اليدوية، وتجعل ريعها لمساعدة أسر الشهداء والأسرى والمعتقلين . فعلى النساء الداعيات اتّباع الشريعة الربانية، وأن يكن أقوى عقيدةً وأعلى همةً مما هن عليه، فيعملن على استنهاض همم النساء ليقمن بأداء الأمانة العظمى التي أخذها الله على بني البشر، وهي التمكين لدين الله في الأرض، وتعيد الأجيال التائهة إلى الإسلام وواحته الغناء". وفي 1954م كان لها دور في مستوصف الإخوان بإمبابة في علاج الفقراء، ومحاولة حل المشاكل الأسرية التي تقع بين الأزواج والزوجات، يقول الأستاذ الجوهري: "وكان من ضمن نشاط قسم (الأخوات) حلُّ مشاكل الأسر، وكانت أي مشكلة يعرف بها الإمام الشهيد في بيت من بيوت (الإخوان) كان يرسل إليَّ، أو إذا كنت موجودًا كان يقول: روح أنت والحاجة "أمينة" بيت فلان في المكان الفلاني وحلُّوا المشكلة، وكنَّا نذهب، وكنَّا نسهر في بعض الأوقات مدةً طويلةً حتى تُحلَّ المشكلة". كما أقام الأخوات معرضًا للملابس والأدوات المنزلية وغيرها من المشاريع التي كانوا ينفقون عائدها على الفقراء. وبعد تعرض الإخوان للمحنة عام 1954م، ودخول كثير منهم السجن، أخذت السيدة أمينة على عاتقها رعاية أبناء الشهداء والإنفاق على بيوت المعتقلين من الإخوان، وشاركها كثير من الأخوات أمثال السيدة نعيمة خطاب زوجة المستشار الهضيبي وابنتها خالدة، والسيدة زينب الغزالي، والسيدة أم أحمد وغيرهن، فقد كون لجنتين اللجنة الأولى ومهمتها إعداد الطعام والملابس للإخوان بالسجون، وكانت مسئولة هذه اللجنة الأخت زهرة السنانيري -شقيقة الأستاذ كمال السنانيري- تعاونها الأخت أمينة علي وفاطمة عبد الهادي وسنية الوشاحي وغيرهن، واللجنة الثانية مهمتها زيارة أسر الإخوان المعتقلين بصفة مستمرة، وتقديم كل ما تحتاجه هذه الأسر ماديًّا وأدبيًّا. وبعد مذبحة طرة في أول يونيو 1957م، والتي أقدم عليها نظام عبد الناصر في حق واحد وعشرين من الإخوان قامت الأخوات برعاية أسرهم، تقول السيدة زينب الغزالي في ذلك: "علمت أن الوالدة الفاضلة المجاهدة الكبيرة حرم الأستاذ الهضيبي تبذل هي أيضًا مجهودًا كبيرًا مع بعض الفضليات الكريمات من الأخوات المسلمات مثل: المجاهدة آمال العشماوي حرم الأستاذ منير الدلة، وكانت هي بنفسها على رأس الأخوات المسلمات. ومثل خالدة حسن الهضيبي وأمينة قطب وحميدة قطب وفتحية بكر والمجاهدة أمينة الجوهري وعلية الهضيبي وتحية سليمان الجبيلي. واتسعت اتصالاتي رويدًا رويدًا فاتصلت بخالدة الهضيبي في سرية شديدة ثم بحميدة قطب وأمينة قطب. وكل ذلك من أجل المعذبين والأطفال واليتامى
  13. اذكروا فلسطين بقلم / الأستاذ صالح عشماوي ... الوكيل العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ صالح عشماوي هل أتاك حديث القبلة الأولى ومقر المسجد الأقصى؟ هل سمعت أنباء البلاء الذي ينصب على عرب فلسطين المسلمين؟ هل قرأت ما يعانيه المجاهدون في فلسطين من فظائع وتعذيب وتنكيل؟ هل وصل إلى آذانك صوت القنابل يمزق أجساد المصلين والديناميت ينسف بيوت الآمنين؟ هل ترامى إليك خبر تمزيق القرآن الكريم وهتك أعراض المسلمات والمسلمين؟ هل علمت أن العربي في فلسطين يؤخذ إلى مكان أثبتت في أرضه قطع الزجاج ورءوس المسامير ويكرهونه على المشي والقفز فوقها فإذا تلكأ انهالت السياط عليه فلا يزال يقوم ويقع والدم ينزف من رجليه ويديه وسائر جسمه، حتى يرتمي آخر الأمر منهوكا أو مغمى عليه، وينزعون ثيابه ثم يضربونه بألواح من الخشب دقت فيها مسامير فيسيل دمه، ويركبونه على خشبة ويربطون في رجليه أثقالا من أكياس الرمل حتى يغمى عليه ويقرنون رجليه ويربطون إبهامه بسلك من الحديد ثم يشدونه حتى تكاد إبهامه تتقطع، ويلقون على ظهره ويربطون أعضائه التناسلية برباط متصل ببكرة في السقف ثم يجذبون الحبل شيئا فشيئا حتى يغمى عليه، ويقلعون أظافره بكلاليب خاصة، واحد بعد واحد، ويشدونه من شاربه ولحيته إذا كان ملتحيا وينتفون شعره ويصبون الماء في فمه بواسطة محقن خاص حتى يملأ جوفه وينتفخ كالقربة فيتألم أشد الألم، ويحمون أسياخ الحديد أمامه حتى تلتهب كالجمر ثم ينخسونه بأطرافها ويأتون بالمسامير المحماة بالنار ويغرزونها تحت أظافره! هل سمعت كل هذا أو قرأته، ووصل إلى علمك وترامى نبأه إليك؟! كم كنت أحب ألا تكون سمعت أو قرأت أو فهمت حتى أبرر جمودك وأفهم السبب في سكوتك ولكني أقول والأسف يملأ جوانبي، ما من مصري إلا وسمع هذا أو بعضه ومع ذلك فالمصريون جامدون والمسلمون ساكتون! لا وربي بل أنهم يرقصون ويطربون وينعمون أو يضحكون، أي ثأر بين مصر وفلسطين أي عداء قيم وجفاء دفين بين فلسطين المقدسة ومصر الزعيمة، أهو لجوار وذكريات الماضي أم الوحدة في اللغة والعادات والدين. في مصر عمارات عالية تشيد وتبنى وفي فلسطين بيوت قائمة تنسف وتمحى. في مصر رجال يتخمون من الأكل وفي فلسطين رجال وأطفال يبيتون على الطوى. في مصر رجال يتكئون على الأرائك ويركبون السيارات وفي فلسطين رجال يسيرون حفاة الأقدام يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء!. في مصر نساء يتزين بأبهج الملابس وأثمن الجواهر وفي فلسطين نساء يتشحن بالسواد! في مصر في كل بيت وحي فرح وطرب وفي فلسطين في كل بيت مأتم وحداد! أهكذا يكون موقف الجار من جاره والمسلم من أخيه "ومصر الزعيمة" من فلسطين الشقيقة! إن فلسطين ليست ملك العرب ولكنها للمسلمين جميعا، إن الأرض التي بارك الله حولها وأسرى رسوله الكريم صلوات الله عليه وسلامه إليها وقام فيها المسجد الأقصي ومنه عرج النبي الأمين إلى السموات العلى إلى سدرة المنتهى، لهي أرض عزيزة على نفس كل مسلم وتراث خالد لكل مؤمن يفتديه بالمال والنفس. إن قيام دولة يهودية على حدود مصر الشرقية لتهدنا في كياننا وفي استقلالنا وفي تجارتنا وفي أخلاقنا وفضائلنا، أليس اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا؟ أليسوا أصحاب المذاهب الهدامة من شيوعية وإباحية؟ فإلى الذين يؤمنون بأن مصر فرعونية نقول لهم إن استقلال مصر أمسى في خطر الزوال بقيام دولة اليهود في فلسطين وإلى الذين يؤمنون بالله ورسوله نقول لهم إن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأرض المقدسة واستخلاصها للمسلمين أضحى فرض عين على كل مسلم ومسلمة. إلى الذين لا يؤمنون بوطن ولا دين ولا يعبدون إلا الدينار ولا يسبحون إلا بحمد الله نقول له أن آمالكم وأطماعكم وشهواتكم مهددة جميعًا بإنشاء دولة الصهيون في فلسطين. أمام هذه الكارثة القومية والإسلامية وإزاء تلك الفاجعة التي اختلطت فيها المصلحة الوطنية بالواجبات الدينية ماذا فعلت مصر وماذا فعل المصريون؟‍! في مصر قرآن يتلى في الصباح والمساء وفي مصر مسلمون يسمعون قول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة الآية 111] وينصتون إلى آياته الكريمة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [سورة الحجرات الآية 15] ويقرع آذانهم قول الله (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [سورة التوبة الآية 24] ، وتصل إلى أعماق قلوبهم (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [سورة آل عمران الآية 169،170]. وفي مصر أزهر وللأزهر شيخ والأزهر معقل الإسلام والشيخ إمام المسلمين فماذا فعل الأزهر وماذا الشيخ فعل؟! أما الأزهر فقام بمظاهرة صامتة في عصر نطق فيه الحديد وتحرك الجماد؟ وأما الشيخ فأرسل احتجاجًا فاترًا إلى رئيس الوزراء لعله من باب "سد الخانة" ثم هدأ مستريحًا كأنه أرضى بذلك الله ورسوله، ثم جمع هيئة كبار العلماء فحبسنا أنفاسنا وانتظرنا القرارات، ثم تمخض الجبل فولد فارا فإذا بالأمر لم يخرج عن حد احتجاج لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به ثم قرار آخر خطير وهو الدعاء بنصرة عرب فلسطين! أيها الضعفاء هلا قرأتم ما قرر علماء بغداد من إعلان الجهاد المقدس؟ وفي مصر حكومة إسلامية بل وصلت إلى الحكم باسم الإسلام يعلن رئيسها أنه "رئيس وزراء مصر لا رئيس وزراء فلسطين". وفي مصر أحزاب سياسية وللأحزاب زعماء فماذا فعلت الأحزاب وماذا فعل الزعماء؟ منهم من نام نوم أهل الكهف ومنهم من يستغل القضية لشهوة حزبية ومنفعة شخصية فيلوح للإنكليز باليمين بالعداء ويلوح لهم بالشمال بغصن الزيتون إذا أعادوه إلى الحكم. وفي مصر جمعيات إسلامية تعمل للإسلام وتدافع عن الإسلام ماذا فعلت وماذا كان أثرها؟ لم تفعل إلا قليلا وما كان جهدا إلا ضعيفا. وفي مصر شباب ضحى في سنة 1919 باسم الوطنية، واستشهد في سنة 1935 في سبيل دستور وضعي يحلونه عامًا ويحرمونه أعوامًا. فهل هذا جهد مصر قائدة الشرق وزعيمة العالم الإسلامي؟ عندما أعلنت الحرب الإيطالية الحبشية رأينا لها جهدًا أكبر ونشاطا أغزر: رأينا أميرًا جليلا يتحرك ويرأس الاجتماعات ويجمع التبرعات ورأينا نبيلا يمتشق الحسام ويسافر إلى بلاد خط الاستواء على ما بها من أمراض ووباء.. فأروني أميرًا تحرك لفلسطين ودلوني على نبيل – أو نصف نبيل – ولى إلى القبلة الأولى مجاهدًا في سبيل الله والدين؟ في القضية الحبشية رأينا رئيسًا لجمعية إسلامية يشد الرحال إلى الحبشة على رأس بعثة طبية ليضمد الجرحى ويواسي أهل القتلى.. فأروني رئيس جمعية إسلامية شد الرحال إلى المسجد الأقصى؟ في أبان الحرب الحبشية رأينا الصحف تملأ صفحاتها بأخبار الحرب وتسجل كل صغيرة وكبيرة عنها، فأروني جريدة تفتح صفحاته لقضية فلسطين وتكتب عن أهم حوادثها لا عن أتفه أخبارها؟ في أثناء الغزو الإيطالي للحبشة رأينا اجتماعات تعقد وتبرعات تبلغ مئات الألوف تجمع، فأروني أي اجتماع عقد في مصر لفلسطين وكم مبلغ التبرعات التي جمعت؟ إن البوليس المصري ليطارد الإخوان المسلمين في الشوارع وفي المساجد ويقبض عليهم ويفتش دورهم ودار جمعيتهم لأنهم يجمعون القروش والدراهم من أجل منكوبي فلسطين! ظلموك يا مصر يوم نادوا بك قائدة للشرق وظلموك مرة أخرى يوم بايعوك لزعامة الإسلام. أيها الوزراء اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فكونوا كوزراء العراق البواسل الذين لم تمنعهم مجاملة من القيام بواجبهم أمام الغاصبين. أيها الزعماء اذكروا فلسطين فوحدوا الأحزاب وأعلنوها صرخة على اليهود والمستعمرين. أيها العلماء اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فاهجروا الصوامع وأعلنوا الجهاد في سبيل الله والدين. أيها الشباب اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فاتركوا اللهو واحملوا السلاح وسيروا إلى الأرض المقدسة مجاهدين. فإما يأتينكم نصر الله فترفعوا لواء الإسلام في أعلا عليين وإما يغيب عنكم النصر فحسبكم أن تلقوا الله شهداء مشكورين
  14. الحال العام و المناخ قبل نشأة الإخوان في مصر الإمام حسن البنا كان واقع الحال في مصر، وفيما حولها من الوطن العربي، والإسلامي ينادي بوجوب دعوة جديدة سماها الإمام الشهيد "حسن البنا" في "رسالة بين الأمس واليوم: دعوة البعث والإنقاذ" (حسن البنا، مجموعة رسائل الإمام الشهيد، رسالة بين الأمس واليوم، الإسكندرية: دار الدعوة، 1990م، ص 159)، وكما يقول الدكتور "يوسف القرضاوي": " كانت دعوة الإمام "حسن البنا" فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع (د. يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون، 70 عامًا في الدعوة والتربية والجهاد، القاهرة: مكتبة وهبة، 1999، ص 18) الدكتور "محمود أبو السعود": أيديولوجية الإخوان المسلمين واقع المجتمع المصري قبل ظهور الإخوان فيقول: 1- وطن باهت اقتطع من أصله بعد أن قطع الحلفاء المنتصرون أوصال الخلافة العثمانية، وبعد أن أطاح "أتاتورك" بالخلافة، وأعلن العلمانية، حينئذ طبق الإنجليز معاهدة سايكس- بيكو السرية التي عقدت في موسكو عام 1915م، وأصبحت مصر داخل نطاق الإمبراطورية البريطانية، ووجدت نفسها منعزلة عن دول العالم الإسلامي، وفي عنقها قيد ثقيل من الاستعمار الذي شجع النعرة الوطنية. 2- شعب مؤمن بالله .. ثم بالإسلام: عقيدة راسخة، لكنه جاهل، الأغلبية الساحقة فيه لا تقرأ، ولا تكتب. 3- مستعمر قوي لئيم ذو دهاء، ومكر شديد، درس أحوال البلاد عن كثب، ومكن لنفسه على أيدي بعض الحكام، كون منهم طبقة من (المستوزرين) ومهد لتطامن الحكم غيلة عن طريقين: الأول: الاستعمار الفكري حيث عمل على تنحية الشريعة الإسلامية من قانون القضاء، وحصرها في الأحوال الشخصية، وفصل المدارس المدنية عن المدارس الدينية.نتاج المادة الخام التي تنتجها الأرض الزراعية. 4- نظام حكم ظالم حيث فُرض ملك على شعبه، وصيغ دستور يحد من سلطة الحكومة المصرية، وسيادتها، ويعامل الأجنبي بقانون يختلف عن القانون الذي يسري على المواطنين. 5- طبقة حاكمة استصفاها الملك، ورضي عنها المستعمر، غالبيتها من سلالة ألبانية أو تركية، ورثت عن آبائها، وأجدادها القريبين مساحات واسعة من الأرض الزراعية التي أممتها الدولة في عهد "محمد على" الكبير، ووزعها "إسماعيل" على أقربائه وأصفيائه.( د. يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون، 70 عامًا في الدعوة والتربية والجهاد، مرجع سابق ، 1999، ص 21) في هذا الجو الغائم ولدت دعوة الإخوان المسلمين أحوج ما تكون مصر – والوطن العربي، والإسلامي الكبير– إليها؛ لتكون دعوة البعث والإنقاذ، كما عبر عنها الإمام "حسن البنا" مؤسس الجماعة. ويشير "محمد شوقي زكي" إلى ما يسميه "تضاريس الحقل"، وهي البيئة التي نشأت فيها جماعة الإخوان المسلمين، فيقول: كان ظهور الجماعة في وقت كان الاستعمار البريطاني يجثم على صدر مصر، وكانت الأحزاب في وادٍ، والشعب في واد آخر. أما القصر فكان دائمًا يسير حسب أهواء المندوب السامي البريطاني.( محمد شوقي زكي، الإخوان المسلمون والمجتمع المصري، القاهرة: دار الأنصار، ط2، و ص1980، ص من مقدمة الناشر). وفي هذه الدراسة نحاول أن نرصد الظروف الثقافية، والفكرية والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية التي أدت إلى نشأة الإخوان المسلمين، محاولين إثبات أنها خرجت من رحم كل تلك الظروف، فولدت ولادة طبيعية لا عسر فيها ولا ابتسار، فخرجت من بين فرث الاحتلال الأجنبي، ودم الاستبداد السياسي لبنًا سائغًا للعاملين لدين الله، والرافعين رايته. أولاً: في منهج التأريخ لجماعة الإخوان المسلمين: لم تكن نشأة جماعة الإخوان المسلمين في أواخر العقد الثالث من القرن العشرين حدثًا مفارقًا لطبيعة تلك المرحلة من مراحل التاريخ المصري في العصر الحديث. كما أنها لم تكن حدثًا مباينًا للظروف السياسية، والثقافية والاجتماعية التي مَرَّ بها المجتمع المصري في تلك الفترة، بل كانت هذه النشأة على موعد مع القدر الإلهي الذي أنشأها على عينه، فإن الله إذا أراد شيئًا، هيأ له الأسباب، فكانت دعوة في أوانها كما يقول الدكتور "يوسف القرضاوي" ( د . يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون، 70 عامًا في الدعوة والتربية والجهاد، مرجع سابق ، ص 12) وكما يرى المستشار "طارق البشري" في كتابه "الحركة السياسية في مصر 1945م- 1952م" فإن ظهور الحركة الإسلامية أواخر العشرينيات هو نوع من الاستمرارية التاريخية، وأن هذه الفترة – ما قبل ظهور جماعة الإخوان المسلمين- هي فترة توجه إسلامي عام، وإن صراع الإخوان ضد التغريب، وضد الوافد عمومًا هو جزء من الصراع الحضاري الذي يتضمن في جوهره الصراع ضد الاستعمار. ومن أجل الاستقلال والتحرر، يقول المستشار "طارق البشري": "إننا اليوم أكثر قدرةً على إدراك مدى التدمير الذي يلحقه تدفق موجات التغريب على هويتنا، وشعورنا الجماعي، وروح الانتماء فينا؛ مما من شأنه أن يسند قضية الاستقلال والتحرر بأعظم الخلل". ( طارق البشري، الحركة السياسية في مصر 1945- 1952،، القاهرة: دار الشروق، ص 41 -42) ولقد ظل الاتجاه الإسلامي يسود مسرح الحياة الفكرية، والسياسية في مصر، وبلا منازع منذ الفتح الإسلامي؛ حتى مجيء الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، حيث خلفت وراءها بذور الفكر القومي الذي أخذ صورة قومية نافست الاتجاه الإسلامي. وفي مجال التأريخ للحركة السياسية المصرية في أوائل القرن العشرين يخطئ كل من التيارين العلماني والإسلامي في البحث عن تفسير لظهور الحركات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، فالجديد والطارئ هو الذي يبحث في وجوده، أو حضوره عن تفسير، أو تبرير. أما الأصيل، والموروث، فوجوده هو الشيء العادي الذي لا يستغرب، وغيابه وانقطاعه هو الأمر الذي يبحث له عن تفسير أو تعليل. يُخطئ كثير من رموز التيار العلماني في كتابتهم للتاريخ السياسي المصري أوائل القرن العشرين عندما يبحثون عن أسباب تفسر ظهور جماعة الإخوان المسلمين، وربما كان هذا الخطأ مرده سيادة نوع من التحيز تجاه المختلف في التوجه الفكري والسياسي؛ حتى إن كثيرًا منهم يرى ظهور الجماعة مجرد رد فعل لغلبة تيار التغريب. ويُخطئ التيار الإسلامي حينما يود أن يضفي على نشأة جماعة الإخوان هالة أسطورية تخصم من رصيدها، ولا تضيف، فعظمة الفكرة الإخوانية هي في كونها استمرار، وتواصل لتيار الفكر الإسلامي التجديدي على مدى التاريخ الإسلامي، فهي استمرار لمسيرة أمة هدها الجمود، وإغلاق باب الاجتهاد وفت في عضدها الركون لما تركه الأقدمون. ويظن كثير ممن تصدوا للكتابة التاريخية عن تلك الفترة, أو ما يمكن تسميته إرهاصات نشأة الإخوان المسلمين- خاصةً من بعض دعاة الإخوان ورموزهم– أنه كلما كانت نشأة جماعة الإخوان المسلمين نشأة مفارقة، أو مباينة للظروف الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كلما أضفت على التاريخ الإخواني هالة من القداسة، أو ظلال نزعة أسطورية. وهذا المنهج في التأريخ لحركة بحجم الإخوان المسلمين، ربما قد يفيد في الحشد والتعبئة، وجمع الأنصار على الفكرة العامة، غير أنه لا يُفيد في إثارة وعي الأفراد، وشحذ هممهم بما يبقى، لا بما تخفت حدته مع مرور الوقت، وهذا التدافع بين منهجي العقل، والعاطفة، ففي المنهج الثاني تستطيع العاطفة إشعال جذوة الحماسة، خاصةً في الشباب، إلا أنه لا يمكن استمرار تلك الجذوة مشتعلة إلا بنور الفكر، وأشعة إعمال العقل، وهكذا دائمًا تملك نظرات العقول القدرة على إلجام نزوات العواطف. ولعل هذا المعلم في التأريخ للحركة الإسلامية- وعلى رأسها الإخوان المسلمين- من أهم معالم تأريخ الحركة السياسية في مصر منذ مجيء الحملة الفرنسية ( 1798م- 1801م)، فلا بد من تحديد أي الأفكار الأصيل الذي لا يحتاج وجوده إلى تبرير، أو تفسير، وأي الأفكار طارئ لابد من معرفة أسباب ظهوره أو كيفيات بزوغه. والذي يقرره الباحث بيقين أن الحركة الإسلامية – وعلى رأسها الإخوان المسلمين – لم تظهر أبدًا كرد فعل على سيادة التيار العلماني، كما يؤرخ كثير من العلمانيين عمدًا، وعن سوء قصد بدافع من التحيز الفكري، أو كما يكتب كثير من الإسلاميين خطأ، وعن حسن نية بدافع من إضفاء هالات أسطورية تخصم من رصيد حركة بحجم الإخوان المسلمين، ولا تضيف؟ إن جماعة الإخوان المسلمين لم تنشأ في مصر من فراغ، ولم تكن تعبيرًا عن انقطاع في مسيرة الأمة الإسلامية، بقدر ما كانت تواصلاً، واتصالاً؛ مصداقًا لحديث الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". ومن ثم فدعوة الإخوان هي العدسة المجمعة لكل ما تفرق من أشعة تجديد الفكر الإسلامي، ولكل ما تبدد من محاولات الإصلاح في مسيرة الأمة على مدى العقود التي سبقت ظهورها بلورة لكل ما سبقها من جهود في الإصلاح، والدفاع عن الذات الحضارية "ذاتية الأمة وهويتها". وكانت الفترة التي سبقت ظهور جماعة الإخوان المسلمين تحمل من الإرهاصات الشيء الكثير؛ أن مسيرة الإصلاح في الأمة حان وقت قطافها بوجود جماعة تحمل السلام، وتحوطه من جميع جوانبه، نعم كانت حالة الأمة قد وصلت درجة من السوء والانحطاط لم تعهدها من قبل، وربما ذكرتها بأوقات هجمة التتار على العالم الإسلامي، وسقوط بغداد تحت سنابك خيل التتار لكن مشاعل الهدى في الأمة لم تسقط بل ظلت، وإن خفتت حدتها فهذه الأمة تمرض ولا تموت، بل ربما تشيخ لكن تملك داخلها عناصر بعث الحيوية، وتظل قوافل المجددين تترى على مسيرة الأمة، فتحيي ما اندرس من معالم النبوة، وتجدد ما بلي من أركان الإسلام، مصداقًا لحديث الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها". وقد يكون هذا التجديد بأن يظهر عالم مجدد يجمع الأمة حوله ويحيي في نفوسها معالم الإيمان، وقد يكون التجديد على شكل مدرسة فكرية، وتربوية تُعيد معالم النهضة في أمة الإسلام
  15. أنا رأيت الجني الأبيض أ.د/جابر قميحة علي الهاتف دار الحديث بيني وبين الإعلامي اللامع الأستاذ راضي سعيد - مدير مكتب قناة «اقرأ» الفضائية ب القاهرة, ومقدم برنامج «فتاوي علي الهواء» - وكان موضوع حديثنا الحلقات الهادفة الناجحة التي تقدمها «بسمة وهبة» عن «الجن والسحر والشعوذة» في برنامجها الأسبوعي المتفوق " قبل أن تحاسبوا ", وقد شهدت ثلاث حلقات استضيف فيها عدد من علماء الدين والمفكرين والمشعوذين وضحاياهم, مما أضفي علي هذه الحلقات الواقعية والمصداقية, زيادة علي براعة العرض والمناقشة الجادة البعيدة عن الشطط والتهريج. سألني الأستاذ راضي: ولماذا لا تدلي بدلوك في هذا الموضوع? - سيكون ذلك - إن شاء اللّه - قريبًا , وهأنذا أفي بالوعد.. وفي إيجاز شديد أقول: إن هناك حقيقتين ترتبطان بمنطق الإيمان, وعلينا - نحن المسلمين - أن نؤمن بهما: الحقيقة الأولي: أن هناك عالمًا آخر غير مرئي هو عالم الجن, ويقطع بذلك القرآن الكريم في عدد من الآيات منها علي سبيل المثال: - فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جانً} [الرحمن: 39]. -ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه} [سبأ: 12]. - وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]. - ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرونّ} [الصافات: 158]. كما أن هناك أحاديث نبوية متعددة تقطع بوجود الجن ولا يتسع المقام للاستشهاد بها. أما الحقيقة الثابتة فهي أن هناك ركامًا من الخرافات والأساطير نسجت - علي مدار التاريخ - حول الجن, وهذا لا ينفي وجودها, بل يؤكده. نصيحة.. وتحذير وكنت من صغري أسمع أن فلانًا «ملبوس», وأن فلانة عليها «أسياد», وأسمع حكايات عن «شمهورش» ملك الجن الأحمر, كما كنت أسمع شهادات الناس بمقدرة الجن الأزرق, فيقال «فلان خبّأ فلوسه في مكان خفي لا يستطيع مخلوق أن يكشفه حتي الجن الأزرق». ولم أسمع أبدًا من يقول: الجن البني, أو الأخضر, أو الأصفر... ولم أدٍر حتي الآن السرّ في اختصاص الجن بهذين اللونين: الأحمر والأزرق. وفي «المنزلة» مسقط رأسي «كنا أسرة كبيرة العدد تعيش في بيت كبير", وكان والدي - من صغري - يحذرني دائمًا: - احذر يا ولدي... لا تمش أمام منزل " أبو سْلِمان " بعد منتصف الليل. - ليه.. يا والدي? - اسمع كلامي .. وخلاص. وسمعت بعد ذلك أن هذا البيت «مسكون», أي فيه عفاريت لا تظهر إلا بعد منتصف الليل. وعجبت كيف يقيم فيه أبو سلمان بمفرده.. فهو عزب.. لا زوجة, ولا أولاد, وهو «صائغ» يبيع المشغولات الذهبية في دكان صغير له وسط البلد. وكان من عادته أن يجمع بضاعته من المشغولات الذهبية, ويضعها في حقيبة, ويعود بها إلي بيته بعد كل غروب, ليحفظها فيه خوفًا من اللصوص. فلم تكن أبواب الدكاكين في قوة أبواب اليوم. ثم يحمل حقيبته كل صباح, ويذهب إلي دكانه ليعرضها من جديد. وبجانب بيت " أبو سلمان " ضريح أو مقام لولي من أولياء اللّه يردد الناس اسمه دائمًا «سيدي سلامة», ويتبركون به. وباسمه سُمي الشارع. وحتي أصل إلي بيتنا كان عليّ أن أسلك هذا الشارع حيث يقع بيتنا علي مسافة مائة متر تقريبًا, أو شارعًا أبعد هو «شارع القفاصين», وكنت أتفادي الشارع الأول ليلاً بسبب بيت " أبوسلمان " استجابة لتحذير الوالد. ورأيت الجني الأبيض!! وفي مساء «خميس» في شهر أغسطس .. في ليلة قمراء في منتصف شهر عربي, طال بنا المسار أنا وبعض زملائي في المدرسة الثانوية - في منطقة انحصر ماء بحيرة المنزلة عنها, وخلّف وراءه جُزرًا من الماء منفصلة, وكان البدر ينعكس علي مرآة هذه الرقع المائية, فكأنه عشرات من البدور لا بدرًا واحدًا. وسرقنا الوقت.. ياه.. الساعة الآن الواحدة من صباح الجمعة... وتفرقنا.. واتجه كل منا إلي منزله... كانت نزهة طيبة.. وشغلتني استعادة صورة البدر المنعكس علي الرقع المائية عن نفسي.. لأجدني أسلك «الطريق المحظور» وأجدني بمحاذاة ضريح "سيدي سلامة" وبجواره منزل «أبو سلمان » لا يبعد عني أكثر من خمسة أمتار. توقفت.. أخذتني رعشة خفيفة, وأنا أستيعد نصيحة والدي...: - احذر يا ولدي.. لا تمش أمام منزل "أبو سلمان " بعد منتصف الليل.. ماذا أفعل؟. هل أعود.. وأقطع مسافة طويلة لأسلك إلي بيتنا.. الشارع الآمن.. شارع القفاصين؟ دار هذا الخاطر, أو هذا التساؤل في نفسي.. وعينايَ علي باب المنزل الرهيب.. منزل "أبو سلمان" . وفجأة طار هذا الخاطر, وتسمرت قدماي, في الأرض, وشعرت أن جلدة رأسي قد شُدت بملاقط الحديد, حتي التصقت بعنقي, وأن كل شعرة في رأسي تحولت إلي شوكة حارقة.. لقد رأيت باب بيت " أبو سلمان " يُفتح ببطء شديد, وعلي ضوء البدر رأيت مخلوقًا غريبًا جدًا يخرج منه.. لم أر مثله من قبل.. المخلوق الغريب طوله قرابة مترين ونصف المتر, وعرضه قرابة مترين, ولونه أبيض ما عدا جنبيه, فلونهما داكن, ويخرج من كل جانب ذراع طويلة, وضعهما المخلوق خلف ظهره, والأغرب من ذلك أن له أربع أرجل.. رجلين في كل جنب, وكل رجل تمشي أمام الأخري. والأرجل الأربع تقطع الطريق المؤدي إلي بيتنا في بطء وانتظام. ولم أر له رأسًا أو وجهًا. شعرت برأسي أثقل من أن يحمله جسمي, وأن قدميّ قد تخلتا عني.. إنه جني.. جني أبيض.. وأعتقد أن أحدًا لم يره قبلي.. وحاولت أن أشعر نفسي بشيء من الطمأنينة والجني يبتعد عني في بطء شديد.. وبصعوبة بدأت أحرك لساني الذي جف عليه حلقي.. وأنادي بصوت خافت لا يسمعه غيري: -يا شاويش.. ياشاويش.. وبدأت أرفع صوتي شيئًا فشيئًا وأنا أري الجني يبتعد عني... فلما رأيته يبدأ اختفاءه مائلاً إلي شارع جانبي في اليسار... استجمعت كل قوايَ وصرخت بأعلي صوتي: - يا شاويش.. يا شاويش... يا شاويش. وفجأة سمعت فرقعة لم أسمع مثلها من قبل, فأخذتني نوبة من الرعب الشديد, وانطلقت أعدو في الاتجاه العكسي.. قاصدًا شارع القفاصين لأصل إلي بيتنا # * o وصلت إلي البيت.. بدأت أشعر بالطمأنينة والأمان.. وأخذت أسأل نفسي: ما هذه الفرقعة الشديدة ؟ آه.. تذكرت.. لقد قرأت ذات مرة أن الجني - أي جني - يحدث فرقعة هائلة في حالتين: حالة الظهور... وحالة الاختفاء و.... فهذه إذن فرقعة الاختفاء. عندما سمع الجني صراخي: يا شاويش.. يا شاويش ….. ألقيت نفسي علي سريري مثقلاً بالإعياء وخوف ممزوج بالشعور بالذنب لأنني خالفت نصيحة والدي. ولكني شعرت بشيء من الزهو؛ فأنا أول من رأي الجني الأبيض . ورحت في نوم عميق, وأنا أستعجل الصباح حتي أروي للناس ولزملائي السبق الذي خصني اللّه به, وهو رؤية الجني الأبيض.. ولم يوقظني إلا صوت أمي: - اللّه!! ضاعت منك صلاة الفجر, فهل ستضيّع منك صلاة الجمعة أيضًا?! توجهت إلي مسجد (أبو خُودة) القريب من بيتنا , لم أع كلمة واحدة من خطبة الجمعة.. فالصداع يكاد يحطم رأسي تحطيمًا.. وانتهت الصلاة, وأمام المسجد تجمع عدد كبير من الناس.. دفعني حب الاستطلاع أن أتجه إليهم.. وقلت في نفسي: «إنها فرصة لأتحدث عن السبق الذي حققته برؤية الجني الأبيض», ولكني سمعت أحدهم يقول: - لكن الحمد للّه.. الشاويش منصور قبض علي اللصين, الخطيرين.. إنهما فلان وفلان من أرباب السوابق. سألت صاحبنا: إيه الحكاية? ......لمتابعة باقى المقال http://ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A3%D9%86%D8%A7_%D8%B1%D8%A3%D9%8A%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%8A%D8%B6
×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..