اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب

ايهاب مازن

Members
  • عدد المشاركات

    18
  • انضم

  • تاريخ اخر زيارة

السمعه بالموقع

2 Neutral

عن العضو ايهاب مازن

  • الرتبه
    core_member_rank_2
  1. [frame=5 10] وقد حصر الأئمة الكرام ، الأوقات التي يتأكد فيها إجابـة الدعاء على ما ورد في الأحاديث الصحيحة فيما يلي : ليلة القدر ، ويوم عرفة ، وليلة الجمعة ويومها ، ونصف الليل الثاني ، وثلثى الليل الأول والآخر ، وجوف الليل ، ووقت السحر ، وساعة الجمعة : وهي في أصح الأقوال ما بين أن يجلس الإمام في الخطبة إلي أن تقضى الصلاة ، وشهر رمضان: وخاصة عند الإفطار لقوله صلى الله عليه وسلم {الصَّائِمُ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُ}[1] وكذلك بيَّنت الأحاديث الشريفة الأحوال التي يُرْجَى فيها إجابة الدَّعاء ، وهي : عند النداء بالصلاة ، وبين الآذان والإقامة ، وعند إقامة الصلاة ، وعند الحيعلتين {أى حىَّ على الصلاة و حىَّ على الفلاح اللتان بالآذان} لمن نزل به كرب أو شدَّة ، وعند التحام الصف في سبيل الله ، ودبر الصلوات المكتوبات ، وفي السجود ، وعقيب تلاوة القرآن ولا سيما الختم ، لما رواه الإمام السيوطي في جامعه الكبير {أن العبد إذا ختم القرآن صلَّى عليه عند ختمه ستون ألف مَلَك} وفي رواية الأذكار للنووي {أمَّن على دعائه أربعة آلاف ملك} وعند صياح الدِّيكة ، وعند اجتماع المسلمين ، وفي مجالس الذكر ، وعند قول الإمام {وَلاَ الضَّالِّينَ} وعند تغميض الْمَيِّت ، ، وعند نزول الغيث ، وعند رؤية الكعبة وهذا للعبد الذي لا يستطيع جمع قلبه على الدوام مع الله عز وجل ، أما العبد الذي رزقه الله عز وجل الإخلاص ، ووفقه لتصفية القلب ، وتنقيته من الأغيار ، فأصبح همه مجموعاً على مولاه ، فهذا عبد يستجيب الله عز وجل له في أي وقت يدعو ، ومن ذلك ما روى عن الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال {ما احتجت إلى شئ إلا قلت : يا رب ، عبدك يحتاج إلى كذا ، فما استتم هذا الكلام ؛ إلا وهذا الشئ بجواري} {1} عن أبي هريرة رضي الله عنه ، رواه ابن ماجه فى سننه ، ومسند الشهاب
  2. إن الإنسان لا يخلو في هذه الحياة من المتاعب والأحزان وتقلُّب الأطوار ، وتعاقب الأدوار ، فكما نرى في الطبيعة اختلاف الليل والنهار ، وتعاقب الفصول خلال العام من ربيع وصيف وخريف وشتاء ، كذلك نرى النفوس يتعاقب عليها القبض والبسط ، والعسر واليسر ، فيتقلَّب المرء بين السرور والأحزان ، وقد يدور عليها الخير والشر ، والبأساء والنعماء ، فيظهر عليه الابتهاج أو الاكتئاب ، فالسرور والحزن يظهران على وجه الإنسان ، ليعبرا عما في نفسه من جلال أو جمال ، وقبض أو بسط وأسباب القبض كثيرة ؛ منها : كثرة الحجب المتراكمة على النفس لذنب وقع ، وهذا يزول بالتوبة والاستغفار ، وقد يكون القبض بسبب أمل ضاع ، أو أمنيَّة لم يستطع المرء تحقيقها ، وعلاج ذلك بالتسليم لأمر الله ، والرضا عما قضاه ، وتفويض الأمر كله لله وربما يكون سبب القبض ، ظلمٌ وقع على المرء نفسه ، أو ماله ، أو أهله وعلاجه بالصبر ، وسعة الصدر ، وصدق الالتجاء إلى حضرة الله ، وتفويضه سبحانه في ردِّ الظلم ، ودفع المكروه وهناك قبضٌ لا يعرف له سبب ، وهذا يزول بالكفِّ عن الأقوال والأفعال ، مع ملازمة الصمت والسكون ، انتظاراً لفرج الله ، فإن بعد القبض بسطا ، وإنَّ مع العسر يسرا ، وفي ذلك يقول الإمام أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه : ومع العسر إن تدبرت يسرٌ ومع الرضا كلُ شئٍ يهـون فنهاية الشدة هي بداية الفرج ، وربما أفادك ليل القبض ما لم تستنفذه في إشراق نهار البسط ، فقد ينكشف ليل القبض بظهور نجم يهديك ، أو قمر يضئ لك الطريق ، أو شمس تبصر بها سبيل الخلاص اشــتدِّي أزمـة تنفرجي قد أذن ليــلك بالبلج وظــــــلام الليل له سرج حتى يغشاه أبو السرج وسحــاب الخير له مطر فإذا جـــاء الأبان تجى وأما أسباب البسط فكثيرة جداً ، منها : التوفيق في طاعة الله ، أو زيادة من الدنيا ، أو إقبال الناس عليك ، أو إطراؤهم لك ومدحهم إياك ، وهذا كله يقتضي منك أن تشكر الله على نعمه وتوفيقه ، وألا يؤدي إقبال الدنيا عليك إلى الغرور والبطر والتعالي والزهو ، ولا يغرُّك ثناء الناس ومدحهم لك بالصلاح - وأنت خالٍ منه - أو يفتنك ذكرهم لك بما لا تستحق ، أو يخدعك حسن ظنِّهم بك عن يقينك بما في نفسك ، واحذر أن يظهر الله للناس ذرَّة مما بطن فيك من العيوب فيمقتك أقرب الناس إليك ولا تصغ إلى من يمدحونك من المنافقين لحاجة في نفوسهم ؛ فإذا قضيت حاجاتهم انتهى مديحهم لك وإذا لم تقض سخروا منك واغتابوك - فقابل المدح كمادح نفسه ، وذمُّ الرجل نفسه هو مدح لها وهناك بسطٌ بسبب الإشراقات القلبية ، والمكاشفات الروحانية ، والمؤانسات القدسية ، فعلى من يختصُّه الله به ؛ أن يسير فيه في حدود الأدب مع الله ، فقد قال أحد العارفين {فتح لي باب البسط ؛ فانبسطتُ ؛ فحُجِبْتُ} والله يقول {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} الشورى27
  3. أما اجتباء وابتلاء المرسلين والنبيين والمؤمنين فهو ، لرفع درجاتهم ولتعظيم مقاماتهم لأن الله لا يختبرهم ، وإياكم أن يقول أحد من إخواننا العلماء أن الله يختبر بالبلاء الأنبياء ، وهل الله يختبر أنبياءه ورسله؟ وهل يختبر عباده المؤمنين الذين ارتضاهم لهذا الدين؟ لا ، لكن يختبر الكافرين والجاحدين والمشركين ولكن سر البلاء للنبيين والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين هو لرفعة المقدار وزيادة المقام وأقلهم شأناً لزيادة الأجر والثواب وأضعفهم حالاً تطهيره من الذنوب التي تستوجب العقاب ، فإذا كان ضعيفاً ولا يستطيع منع نفسه من الذنوب فإن ، يبتليه ليطهره من هذه الذنوب ، إذاً فهو ليس إختبار وذلك لكي تعرفوا الفارق بين الاثنين ولا تعمموا كلام حضرة الله ، وإذا كان ضعيف في العبادة لله فإن الله يبتليه ليزيد له الأجر والثواب ، وإذا كانت عنده مطامح للدرجات العالية والمقامات الراقية وليس له همة تواتيه وتوافقه على بلوغ هذه المقامات والدرجات فإن الله يبتليه ليرفعه بها إلى هذه الدرجات وهذه المقامات ولذلك يبين الله لخليله سر ابتلاءه له {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} البقرة124 ما هذه الكلمات؟ إن فيها أقاويل كثيرة لأئمة التفسير وللعلماء العاملين وللأولياء والصالحين ، لكنها وفي جملتها بلاء في نفسه وبلاء في قلبه وبلاء في أهله وبلاء في ولده وبلاء في ماله وقد حددها الله وبينها، فيم ستبلونا يا رب؟ {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} البقرة155 قال له : وبشر الصابرين وذلك لأنهم ليس معك في المنزلة ، وما حال الراضين؟ إنهم معك ولا يحتاجون للبشارة لأنهم بلغوا المراد {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم} النساء69 فهل من يركبون الطائرة معاً عند عودتهم من الحج يهنئون بعضهم بسلامة الوصول وقبول الحج ؟ لا، لكن من يستقبلونهم هم الذين يهنئون {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }النساء69 فقال له ربه: يا إبراهيم أتدرى لم سميتك خليلاً؟ أي لماذا أخذت هذه الرتبة؟ {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} النساء125 قال: لا يا رب؟ قال: "لأنك جعلت بدنك للنيران ، ومالك للضيفان ، وقلبك للرحمن ، وولدك للقربان" فمن يريد الخلة عليه أن يكون جاهزاً لمثل لهذه الأمور لكي يصبح خليلاً لله ولذلك فإن ربنا ينصحنا ويقول {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} البقرة125 أين مقام إبراهيم؟ هل هو ذلك الحجر الذي هناك؟ إنه موضع أقدام الخليل ولكن مقامه هو مقام الخلة ، واتخذوه مصلى أي عليكم أن تحاولوا الوصول إليه ورتبوا أنفسكم وجهزوا أرواحكم أن تعملوا وتفعلوا لتنالوا مقام الخلة لأنه هو المقام العظيم عند العظيم عز وجل ، ومقام الخلة علاماته وبشاراته {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} الأنعام75 إذا فهو ليس وحده في الفصل ، لأنه كما أشارت الآية فإن الموقنين كثير ، فأول واحد في الكشف هو سيدنا إبراهيم ، لكن الكشف يحوي كثير غيره ، وهم الموقنون وأهل اليقين ، الذين اعدوا للبلاء الرضا عن الله في كل وقت وحين ، وجهزوا لحضرته الرضا من أنفسهم ، فلا يتغير حالهم ولا يتوتر شأنهم ولا ترهق نفوسهم ولا يتعكر مزاجهم ولا يروح ويجئ فكرهم ، لأنهم على يقين أن محبوبهم إذا ابتلاهم فإنما ليجتبيهم ويصطفيهم ، ويبلغهم مقام عظيم عنده ولا شيء غير ذلك ، لأننا خرجنا من دائرة الإختبار بفضل الله ولأننا من الأطهار والأخيار وبذلك قد وضحنا البلاء وبيناه بالنسبة لأنبياء الله ورسل الله والصالحين من عباد الله أجمعين في هذه الدنيا ، وقد يقول واحد منا لماذا لا يعطينا الله هذه المقامات العالية وهي مقامات الإجتباء والاصطفاء بدون بلاء؟ لأن الله آل على نفسه العدل وحرم على نفسه الظلم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} فصلت46 وحتى يكشف الله لجميع أهل الموقف أن هؤلاء ما أخذوا إلا ما يستحقونه ، ودس الله في خفية عن العيون مدد لطفه ومعونته وتوفيقه للأتقياء الأنقياء ، فقبل أن ينزل لهم أو عليهم البلاء ينزل عليهم مدد اللطف والمعونة من السماء حتى إذا نزل البلاء كانوا جاهزين لتحمل الأمر والرضا عن الله ، فسبحان من انزل البلاء وأعان عليه ، ثم يثيب ويرفع الذكر والأجر عليه وهذا توفيق من الله وبالله وإليه لعباد الله المؤمنين لكن الله لو انزل علينا ذرة واحدة من البلاء بدون لطف ومعونة من السماء هل يستطيع الواحد منا أن يتحمل شكة إبرة؟ لا والله ، لكنه ينزل جند لطفه ومعونته وتوفيقه ثم ينزل البلاء ليزيد الأجر والثواب أو يخفف الذنوب ويستر العيوب أو يرفع المقام ويجعل هذا الإنسان من عباد الله الصالحين الذين استحقوا الدرجة العظيمة عند رب العالمين
  4. إن أجمل ما يتعلق به عامل لله ، وأسمى غاية يتجه إليها عارف لمولاه ، هي أن يحبه الله ، وكلنا بلا استثناء ؛ نتمنى ونشتاق ، ونريد أن يكرمنا الله فيحبنا ، ويكشف لنا في أنفسنا أو في غيرنا الدليل على محبته ، وكلنا نطمع أن ندخل في قول الله {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} المائدة54 فحبُّه سابق ، وحبُّنا لاحق ، ولولا حبُّه لنا ما أحببناه ، ولولا إعانته لنا ، ما عبدناه ، ولولا توفيقه لنا ما سلكنا طريق الهداة ، ولذلك طلب منا أن نقول في كل ركعة من ركعات الصلاة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الفاتحة5 فإذا لم يوفق الله ويعين ، فماذا يفعل العبد في طاعته وعبادته لربِّ العالمين وقد عبد إبليس الله اثنين وسبعين ألف سنة ، حتى قيل أنه ليس في السماء موضع أربعة أصابع إلا ولإبليس فيه سجدة لله ولكنه في لحظة اعتقد أن هذه العبادة من نفسه ، وبجهده ، ونسى عون ربه ، وحول ربّه ، وقوة ربه ؛ فكان جزاؤه {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} الأعراف18 ونحن جميعاً نريد أن ندخل في محبة الله ، وأهل محبة الله ، يتولاهم الله بولايته ، ويمدهم بإمداد عنايته ، ويجعلهم دوماً تحت رعايته ، لأن الله آلى على نفسه أن يكون هو حسبهم ، وهو كفيلهم ، وهو وكيلهم ، إذن كيف يحبك الله؟ هذا هو السؤال؟ والإجابة نقرأها في أحاديث الله القدسية ، التي أعلمنا بها خير البرية صلى الله عليه وسلم ، ما المنهج الذي يوصل العبد إلى أن يحبه الله؟ وقد قال في شأن ذلك الحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم {وَإِذَا أَحَبَّ الله عَبْدَاً لَمْ يَضُرَّهُ ذَنْبٌ}[1] لماذا ؟ لأن الله سيحفظه من الذنب ، والعصمة للأنبياء ، والحفظ للأولياء ، والزلل والضلال والعياذ بالله للأشقياء ، والله تولى الإجابة بذاته ليعرف البسيطة كلها الطريق إلى محبة الله ، فقال عز شأنه في الحديث القدسي الصحيح الوارد في الروايات الكثيرة في صحيحي البخاري ومسلم {وَمَا تَقَرَّبَ إِلَـيَّ عَبْدِي بشىءٍ أَحَبَّ إلـيَّ مِـمَّا افْتَرَضْتُ علـيهِ ، ومَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ إِلَـيَّ بالنوافلِ حَتَّـى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كنتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، ويَدَهُ الَّتِـي يَبْطُشُ بِهَا ، ورِجْلَهُ الَّتِـي يَـمْشِي بِهَا ، وَلَئِنْ سَأَلَنِـي عَبْدِي أَعْطَيْتُهُ ، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِـي لأُعِيذَنَّهُ} الحديث طويل ، وقائله هو رب العزة عز شأنه هذا الحديث يوضح منهج الصالحين ، السابقين ، والمعاصرين ، واللاحقين ، الذي ساروا عليه حتى نالوا محبة ربِّ العالمين ، وفيه المنهج الكامل بعد التوضيح والبيان ، فأحب ما يتقرَّب العبد به إلى ربه ، هو الفرائض المفترضات ، لذلك فإن سيدنا عبد الله بن مسعود قال يا رسول الله {أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا}[2] {1} الْقشيري في الرسالةَ وابنُ النَّجَّارِ عن أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ ، وأوله {التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ ، وإذا..} {2} رواه مسلم ، و تمامه {قَالَ قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله» فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ إِلاَّ إِرْعَاءً عَلَيْهِ}
  5. [frame=13 10] رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الوحيد الذي حصل علي المقام الفريد , والذي يقول الله له فيه {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} الضحى6 أي وجدك فريدا في خصالك , فريدا في صفاتك , فريدا في صفائك , فريدا في بهائك , فريدا في وفائك , فآواك إليه .فأنت الوحيد الذي آويت إليه , وأنت الوحيد الذي كوشفت بهذة السدرة , وأنت الوحيد الذي نلت هذه المراتب لدي القدرة , فأشهدك خالص التوحيد , لتصير أنت الأستاذ الوحيد في علم التوحيد لجميع الأنبياء والمرسلين , والمقربين والصالحين, والموقنين والمحسنين , والمؤمنين والمسلمين ، من بداية الدنيا إلي يوم الدين فلا يمكن لأحد أن يصل إلي كمال التوحيد إلا بك ، فالتوحيد بدايته توحيد اللسان ، ونهايته توحيد القلب والجنان ، وهو المشاهدة , والأستاذ الأعظم في ذلك كله هو رسول الله صلى الله عليه وسلم , فكل المصطفين والأخيار لكي ينالوا رتبة التوحيد العظمي المشار إليها في قول الله تعالي {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} آل عمران18 ولذلك لما خلق الله سبحانه آدم عليه السلام ، دعا الملائكة ليشهدوا جماله وكماله تعالي , فلما اجتمعوا , وعندما شاهدوا نوره خروا جميعا ساجدين , وطلبوا أن يعلمهم الأسماء , وإن كان بعض العلماء قال إن الأسماء هى أسماء الأشياء وقد عرَّفها الله لآدم حتي القصعة ليعرِّفها للملائكة , إلا أننا نري أنها أسماء الله وصفاته ، لقول الله {عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ} البقرة31 والعرض يعني المشاهدة ، ولذلك لم يقل {علَّمهم} ولأن الملائكة لا تستخدم الأشياء التي ذكروها ، فلا تحتاج لمعرفة أسمائها ، بينما هي في أشد الحاجة إلى معرفة الله بأسمائه وصفاته إذن فالملائكة قد شاهدوا أنوار الأسماء الإلهية , وأسرار الصفات الربانية وفي ذلك يقول أحد الصالحين : فلو أن السجود كان يقينا لأبيه لم يهبطا من عاليه ويقول أيضا الشيخ علي وفا رضي الله عنه : لو أبصر الشيطان طلعة نوره في وجه آدم كان أول من سجد أو أبصر النمروذ بعض جماله عَبَدَ الجليل مع الخليل وما عَنَد لكن نور الله جلَّ فلا يري إلا بتخصيص من الله الصمد حيث أنه صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن شهود عيان , فيخبرنا مثلا عن العرض يوم القيامة , وأنه يشتمل علي مائة وعشرين صفاً , ثمانين منها لإمته ,والباقي لجميع الأمم , ويصف الميزان ، والصراط ، وتطاير الصحف ، وكيفية الحساب ، والشفاعة ، عن شهود عياني وهذا من باب قول الله {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ{5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ{6} التكاثر وكذا يصف الجنَّة كي نشتاق إليها ونحنُّ لدخولها , ونعمل للوصول إلي ذلك المقام ، وعندما يري صلى الله عليه وسلم شدة أخذ بيانه لأفئدتهم , يبيِّن سرَّ ذلك فيقول {لَقَدْ رَأيْتُ الجَنَّةَ فِي عَرْضِ هَذَا الحَائِطِ}[1] العطف والشفقة والحنان الإلهي التي جعلها الله في هذا القلب الكبير الذي وسع العالم كله الصغير والكبير رحمة واسعة صلوات الله وسلامه عليه وكذلك تعرض عليه أعمال العباد جميعا ، لكي يشهد لهم ، أو عليهم يوم الحساب لقوله عز وجل {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً} النساء41 وهذا يلزمه أن يطلع علي أعمال جميع الأمم السابقة , و أمته اللاحقة ليري أعمالهم , وينظر إلى أحوالهم ويطلع علي أخلاقهم ومعاملاتهم لأنه يشهد عليهم ، أو لهم , ولذا فقد طلب من الله أن يطلع علي الملف الخاص بك كل ليلة فكل ليلة لابد وأن يري يوميتك في هذا اليوم ، وكم فيها من الحسنات ، وكم فيها من السيئات ، فإذا كان فيها سيئات يستغفر لك الله وفي ذلك قال {فَإِنَ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ كُلَّ لَيْلَةٍ فَمَا رَأَيْتُ مِنْهَا حَسَناً حَمدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْهَا سَيِّئاً اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى لَكُمْ}[2] فأنت نائم ورسول الله يستغفر لك ، وهذا الأمر يخجل : إذا وقع في ذنب ويقول في نفسه كيف تعرض صحيفتي علي رسول الله؟ ويجد فيها أنني ضربت واحداً من أمته ، أو أنني تكلمت في حق واحد من أمته ، أو أنني سببت فلانا , أو إنني فعلت منكرا ، أو معصية ، هذا شئ لا يليق والديوان سيعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن أحدنا لو عرف أن رئيسه في العمل يقوم بمتابعته يمشي مستقيما، وربنا قال {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} التوبة105 فربنا يشاهد العمل ، والرسول يشاهد العمل ، والمؤمنون الذين أنت تعيش معهم يشاهدون العمل ، حتى يشهد علينا يوم القيامة : أولا رسول الله ، وبعد هذا نشهد علي بعضنا ، ولذلك إذا مات أحدنا وشهد له أربعون رجلا دخل الجنة ، كيف نشهد له وعلي أي أساس يا رسول الله؟ قال {إ ِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ المَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بالإِيْمَانِ}[3] فإذا كان عمله غير ذلك وأنا لم أره , فأنا لي الذي أراه , لقول الله {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} يوسف81 فإذا رأيت شيئا مخالفا لا أشهد ، لكن أنا أراه يدخل المسجد ليصلي ويخرج من المسجد مستقيما ، فيجب أن أشهد له بالإيمان وبالتقوي وبالصلاح {فَاشْهَدُوا لَهُ بالإِيْمَانِ} فإذا شهد أربعون رجلا فقد نجا ، ولذلك مر أحد الموتي في جنازة محمولا ، والرسول جالس مع أصحابه ، فقالوا : هذا رجل صالح , فقال لهم صلى الله عليه وسلم : وجبت ، وبعد برهه مرت جنازة اخري فقالوا : هذا الرجل طالح , فقال لهم صلى الله عليه وسلم : وجبت ، قالوا : ما التي وجبت؟ قال صلى الله عليه وسلم {الأوْلُ شَهِدْتُمْ لَهُ بِالِإيمَانِ فَوَجَبْتْ لَهُ الجَنَّةُ , وَالثَّانِي شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ بِالفِسْقِ فَوَجَبْتْ لَهُ النَّارُ ، أنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأرْضِ}[4] وهذا أمر لا نهتم به الآن يا إخواني ، فإذا شهدنا لبعض ، كلنا سننجِّي بعضنا لأن الأربعين يشهدون لهذا الرجل فيدخل الجنة ، ويشهدون لهذا فيدخل الجنة , فنحن تاركين لهذا الأمر وراء ظهورنا ، ولا نبحث عنه ، مع أن ربنا سبحانه وتعالي أعطانا هذا الأمر فضيلة لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، حيث جعلنا نشهد لبعضنا ، أي نشفع لبعضنا . ولذلك حتى الخلافات التي تحدث بيننا وبين بعضنا ، سيأتي المنادي يوم القيامة من بطنان العرش ، ويقول فى الحديث المتفق عليه {يا أمَّةَ مُحَمَّدٍ ، يَا أمَّةَ مُحَمَّدٍ ، أمَّا مَا كانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ؛ فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَكَمْ , وَأَمَّا مَا كَانَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ بَعْضِكُمْ ؛ فَتَوَاهَبُوهُ فِيمَا بَيْنكُمْ ، ثُمَّ ادْخُلُوا الْجَنَّةّ بِرَحْمَتِي}[5] بل قد ورد أن الله عندما يحاسب عبده ، ويطلع علي عمله ، ويجده خلاف ما أدلى به الشهود يقول لهم : أنى أجد عمل عبدي خلاف ما تذكرون؟ فيجيبون قائلين {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} يوسف81 يقول الله {قَبْلْتُ شَهَادَةَ عَبِيدِي فِي عَبْدِي , وَتَجَاوَزْتُ عُنْ عِلْمِي فِيهِ , أدْخِلُوا عُبْدِيَ الْجَنَّةِ}[6] {1} رواه الحكيم الترمذي عن انس رضي الله عنه {2} رواه الطبراني عن أنس ، وله أوجه عديدة للرواية والإسناد وبألفاظ متنوعة {3} رواه الترمذي واللفظ له وقال حديث حسن عن أبى سعيد الخدرى ومسند الإمام أحمد، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما والحاكم ، والطبرانى عن أنس {4} متفق عليه عن أنس {5} متفق عليه {6} رواه السيوطي في الجامع الصغير وأحمد في المسند عن أنس
  6. [frame=12 10] فهو صلى الله عليه وسلم شاهد لجمالات الله ، وكمالات الله ، لأنه لم يطلع علي هذا الجمال أحد سواه , لا من الأنبياء السابقين ولا من الأولياء اللاحقين , فهو مقام خاص به صلى الله عليه وسلم لأن موسي خص بالكلام ,وإبراهيم خص بالخلَّة , وعيسي بالروح , وهو صلى الله عليه وسلم بالرؤية {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} التكوير23 وكان ذلك في مقام أو أدني , ولم يصل أحد إلي مقام {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} سواه ، وكانت الرؤية كما يقول الشيخ محمد علي سلامة في كتابة {الاسراء معجزة خالدة} ص23 : {رؤية من غير تكييف ، ولا تشبيه ولا زمان ، ولا مكان ، ولا كم ، ولا انكسار آشعة , ولا غير ذلك مما يتوهمه الواهمون ، تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا , فقد رآه صلى الله عليه وسلم كشفا وعيانا من غير مسافة ولا حجاب ، ومن غير إحاطة ولا شمول} وفي ذلك يقول أحد الصالحين : قد جاوز الملكوت مرتقيا الي قدس النزاهة راقياً أعلي مقام شاهدت ربك بالنزاهة جلَّ عن كم ِّوكيف عن حدود وانقسام وقال أحد الصالحين فى ذلك {المقام الذي خُصَّ به صلى الله عليه وسلم وهو مقام رؤية المعبود جلَّ وعلا ، وهو مقام قوسين أو أدني} وقد وردت الرؤية في روايات كثيرة منها ما رواه أبو الربيع بن سبع في كتابه " شفاء الصدور من حديث ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {أتَانِي جِبْريلُ وَكَانَ السَّفِيرُ بِي إليَ رَبِّي ، إليَ أنْ انْتَهَي إليَ مَقَامٍ ، ثُمَّ وَقَفَ عِنْدَ ذلِكَ, فَقُلْتُ : يَا جِبْريلُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ يَتْرُكُ الخَلِيلُ خَلِيلَهُ , فَقَالَ : إنْ تَجَاوَزْتُهُ احْتَرَقْتُ باِلنّوُرِ , فَقَالَ النَّبيُ صلى الله عليه وسلم : يَا جِبْرِيلُ هَلْ لكَ مِنْ حَاجَةٍ ؟ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ سَلْ اللهَ أنْ أبْسُطَ جَنَاحِي عَلَيَ الصِّرَاطِ لأمَّتِكَ حَتَّي يَجُوزُوا عَليْهِ ، فَقَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم : ثُمَّ زُجَّ بِي فِي النّوُرِ زَجاً ، فَخَرَقَ بِي إليَ السَّبْعِينَ ألْفَ حِجَابٍ لَيْسَ فِيهَا حِجَابٌ يُشْبِهُ حِجَابَاً ، وَانْقَطَعَ عَنِّي حِسُّ ُكلِّ إنْسِيٍّ وَمَلكٍ ، فَلَحَقَنِي عِنْدَ ذَلِكَ اسْتِيحَاشٌ ، فَعِنْدَ ذلِكَ نَادَانِي مُنَادٍ بِلُغَةِ أبِي بَكْرٍ : قِفْ إنَّ رَبَّكَ يُصِلِّي ، فَبَيْنَا أنَا أتَفَكَّرُ فِي ذلِكَ فَأقُولُ هَلْ سَبَقَنِي أبُو بَكْرٍ ؟ ، فَإذَا النِّدَاءُ مِنْ العَلِيِّ الأعْلَيَ : أدْنُ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ , أدْنُ يَا أحْمَدُ , أُدْنُ يَا مُحَمَّدُ , لِيَدْنُوَ الحَبِيبُ ، فَأدْنَانِي رَبِّي حَتَّي كُنْتُ كَمَا قَالَ تَعَالَيَ {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّيَ فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أوْ أدْنَي} قَالَ وَسَألَنِي رَبِّي فَلَمْ أسْتَطِعُ أنْ أجِيبَهُ ، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ بِلا تَكْييفٍ ، وَلا تَحْدِيدٍ ، فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ ، فَأَوْرَثَنِي عِلَمَ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ , وَ عَلَّمَنِي عُلُومَاً شَتَّي , فَعِلْمٌ أَخَـذَ عَلَيَّ كِتْمَانَه ، إِذُ عَلِمَ أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلَيَ حَمْلِهِ أَحَدٌ غَيْرِي , وَعِلْمٌ خَيَّرَنِي فِيهِ , وَعَلَّمَنِيَ القُرْآنَ}[1] وقد كشف القسطلاني في المواهب {الجزء الثاني ص33} سر رؤياه صلى الله عليه وسلم للجمالات الذاتية حيث يقول {ولبعض أهل الإشارات كأنَّ الله قال له : يا محمد قد أعطيتك نورا تنظر به جمالي , وسمعا تسمع به كلامي , يا محمد إني أعرِّفك بلسان الحال معني عروجك إليَّ يا محمد ، أرسلتك إلي الناس شاهدا ومبشرا ونذيرا ، والشاهد مطالب بحقيقة ما يشهد به فأريك جنَّتي لتشاهد ما أعددت فيها لاوليائي ، وأريك ناري لتشاهد ما أعددت فيها لأعدائى ، ثم أشهدك جلالي ، وأكشف لك جمالي ، لتعلم أني منزه في كمالي عن التشبيه والنظير والوزير والمشير ، فرآه صلى الله عليه وسلم بالنور الذي قواه من غير إدراك ولا إحاطة ، فردا صمدا ، لا في شئ ، و لا من شئ ، ولا قائما بشئ ، ولا علي شئ ، ولا مفتقرا الي شئ ، ليس كمثله شئ ، فلما كلَّمه شفاها ، وشاهده كفاحا ، قيل له يامحمد لا بد لهذه الخلوة من سر لا يذاع ، ورمز لا يشاع , فأوحي الي عبده ما أوحي ، فكان سرا من سر ، لم يقف عليه ملك مقرب , ولا نبي مرسل ، وانشد لسان الحال : بين المحبين سر ليس يفشيه قول ولا قلم في الكون يحكيه سر يمازجه أنسي يقابله نور تحيَّر في بحر من التِّيه }[2] {1} وقد نقله عنه صاحب المواهب في الجزء الثاني ص29 {2} القسطلاني في المواهب {الجزء الثاني ص33}
  7. [frame=1 10] متي كان التكليف من الله لحَبيبه ومُصطفاة بالنبوَّة؟ سأل سيدنا ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال ، فقال : يا رسول الله متي كنت نبيَّا؟ فقال صلى الله عليه وسلم {وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَ الجَسَدِ}[1] وهل هناك شئ لا هو روح ولا هو جسد؟ لا , لأن أي كائن لا يخلو أن يكون روحا , أو أن يكون جسدا , أما الذي لا يكون روحا ولا جسدا فهو لاشيء وهذا يعني انه يريد أن يقول أنه كان نبيا قبل خلق آدم , وقد وضح ذلك الحديث الأخر الذي يرويه سيدنا العرباض ابن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول {إنِّى عِنْدَ اللهِ فِى أمِّ الكِتَابِ لخَاتَمُ النَّبِيينَ ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتَه}[2] وذلك لانه أصل النبيين والمرسلين , وسر أنوارهم , فخطاب التكليف له بالنبوَّة ، هو قول الله تعالي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً{47} الأحزاب أما خطاب التكليف بالرسالة ، فقد جاء في قول الله تعالي {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} البقرة151 فلو نظرنا لخطابات التكليف الموجهة للأنبياء السابقين ، نجد أن الله لم يفتتح أيا منها بالنبوة وإنما خاطب الانبياء فيها باسمائهم {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ} هود76 {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}النمل9 {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ} المائدة116 {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} ص26 ولكن عند خطاب زعيمهم وإمامهم صلوات الله وسلامة عليه ، افتتحه بالتعظيم في قوله عز وجل {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} وكلمة{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} تفيد معاني كثيرة ، غير ما تفيده عبارة {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ} فهي تدل علي أنه أرسل للإنس والجنَّ , والملائكة , وحملة العرش , والكروبيين , والروحانيين ، بل وجميع مخلوقات الله المكلفة , فقد أرسل صلوات الله وسلامة علية للجميع ولذا فقد سمعت من رجل من الصالحين أنه صلوات الله وسلامه عليه عند عروجه الي الملاء الأعلي مر علي مَلَك في كوكب الثريا ، يبشر الملائكة ببعثة رسول الله , وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليهم ، فقال المَلَك عندما رآه : هاهو محمد صلى الله عليه وسلم قد دخل عليكم ، وهذه الرواية إن صحت ، تدل علي أن التبشير برسالتة صلى الله عليه وسلم لم يكن في عالم الأرض فقط بل في العوالم العلوية أيضا ومما يؤكد معرفة الملائكة به قبل بعثته ما ورد أن جبريل عليه السلام عندما نزل لإبراهيم عليه السلام لتنفيذ أمر الله في إبنه إسماعيل وأمه ، أركبه البراق وركب إبنه أمامه ، وزوجته خلفه ,ومشي سيدنا جبريل وهو ممسك بلجام البراق , وكلما رأي سيدنا ابراهيم أرضا بها ماء وخضرة ، يقول له : أننزل ها هنا يا جبريل ؟ فيقول : لا , حتي تأتي مكة فلما وصل إلي مكة ، قال له : إنزل ها هنا ، فقال إبراهيم : أننزل ها هنا يا جبريل ، ولا زرع ولا ماء ؟ ، فقال جبريل : لابد لك من النزول هنا , لان هنا سيولد النبي الذي يخرج من ولدك هذا , والذي يتم الله به الأمر فوظائف النبوة التي شملتها الآية الكريمة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً{45} وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً{46} وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً{47} الأحزاب وهي خمس وظائف : 1. أنه صلى الله عليه وسلم " شاهداً " 2. أنه صلى الله عليه وسلم " مبشرا ونذيراً " 3. أنه صلى الله عليه وسلم " داعياً الي الله عز وجل بإذنه " 4. أنه صلى الله عليه وسلم " سراجاً منيراً " 5. أنه صلى الله عليه وسلم "يبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا " هذه الوظائف الخمسة كُلِّف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبَل الحقِّ للقيام بها ، لجميع طوائف الخلق من قبل آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها [1] أخرجه البزار والطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم عن ابن عباس وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن ميسرة الفجر [2] أخرجه الحاكم والبيهقي واحمد عن العرباض بن سارية
  8. [frame=13 10] عندما يشكل رئيس الجمهورية وزارة جديدة , يصدر لها خطاب تكليف :يبين لها المهام المنوطة بها , والأعمال المكلفة بها في فترتها المقبلة ، ولله المثل الأعلى , فتجد الحقَّ سبحانه وتعالي كلفَّ كل رسول برسالة محددة وخطاب تكليف بيّن له فيه مهامه التي كلَّفه بها , فمثلا سيدنا شعيب كان تكليفه بأمرين أثنين بعد التوحيد ، وضَّحهما في خطابه لقومه مبيِّنا مهمته بينهم ، حيث قال {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ{181} وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ{182} الشعراء ومهمة سيدنا لوط كانت أخلاقية كلُّها ، بينّها في قوله لقومه {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ{165} وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ{166} الشعراء أما مهمة سيدنا موسى فكانت رفع الظلم عن بني إسرائيل ، استجابة لتكليف الله له بذلك ، حيث يقول له {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{10} قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ{11} الشعراء وهكذا بقية الأنبياء ، لكن مهمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، تشعبت إلى ناحيتين : الرسالة , و النبوة , فهناك مهمة كلف بها في منصب الرسالة , وأخري كلف بها في منصب النُّبوَّة ، لماذا ؟ لأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اختلف عن الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين ، من حيث أن كل نبي ورسول كانت له فترة محدودة , وزمان معلوم , و أرسله الله إلى قومه فقط ، لكن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم له رسالتان : رسالة عامة الي جميع الخلق , وهذه من وظائف النبوة , فهو صلى الله عليه وسلم ليس نبيُّنا فقط , و إنما نبي لآدم و أمته , ونبي لنوح وقومه , ونبي لعيسي ومن معه , وكذلك نبي لجميع الأنبياء والمرسلين وأممهم فوظيفة النبوة مهيمنة علي جميع مقامات الأنبياء تغذيها ، وتربيها ، وتواليها ، وتمدها بمدد النبوة من سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم , فهي وظيفة شاملة من البدء إلى الختام ، أما وظيفة الرسالة فهي لنا معشر أمته خاصة هؤلاء جميعا كانوا نوابا عنه صلى الله عليه وسلم في أممهم قبل بعثة صلى الله عليه وسلم , وكذلك العلماء أهل الخشية ورثته في أمتة بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ، ولذلك يقول فيهم صلى الله عليه وسلم {إن العلماء ورثة الأنبياء}[1] لكنه وحده نبيُّ السابقين , ورسول اللاحقين , والمرسل للخلق أجمعين , فهو نبيُّ الإنس ، ونبُّي الجنِّ , ونبيُّ الملائكة , ونبيُّ جميع الكائنات , فهو وحدة صاحب النبوَّة الجامعة الكاملة ، وقد شرَّف الله بعض الأفراد ، فنابوا عنه في تبليغ الرسالة قبل بعثته , وزاد في تشريفهم ، فنسب رسالتهم إليهم , وخصَّ قوما فحفظ فيهم مقام التبليغ عنه صلى الله عليه وسلم ، في أمته لأنه لا نبيَّ بعده وهكذا فرسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو وحده الذي يظهر عنده واضحا تماما الفرق بين مقام النبوَّة ومقام الرسالة ، حيث أن نبوَّته قبل خلق الخلق , أمَّا رسالته فمنذ نزول الوحي عليه صلى الله عليه وسلم [1] صححه الحاكم وابن حبان والعراقي وغيرهما وقد ذكره البخاري في صحيحه بدون إسناد
  9. [frame=8 10] أما عرقه صلى الله عليه وسلم ، فحدِّث عن طيبه ولا حرج فقد كان ينام ظهرا {يقيل} عند السيدة أم سليم {أم سيدنا أنس بن مالك} وكان كثير العرق صلى الله عليه وسلم ، فكانت تحضر مناديلاً وتجمع العرق في المناديل ، وتعصره في زجاجة حتى تمتلئ الزجاجة ، وتأتيها النساء المسلمات فتأخذ كل واحدة منهن قطرة من عرقه : فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ في يَوْمٍ وَهِيَ تَمْسَحُ بِالمِنْدِيلِ ، فقال {مَا هَذَا يَا أمَّ سَلِيم ؟ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللهِ نِسَاءُ الأنْصَارِ جِئْنَ بِالمَنَادِيلِ يَطْلُبْنَ عَرَقكَ ، فَقَالَ لهَا : سَلِيهِنَّ مَاذَا يَصْنَعْنَ بِهِ ؟ ، فَسَألَتَهُنَّ : فَقُلْنَّ : نُصْلِحُ بِهِ طِيبَنَا}[1] أي نضع منه علي طيبنا ، فيصبح من أصلح الطِّيب ولم يكن ذلك فقط , بل كان صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم علي أحد تظل رائحته الشريفة في يده دهرا , وذلك لأن رائحته صلى الله عليه وسلم رائحة خاصة غير كل الروائح التي تصنع في أمريكا أو باريس أو غير ذلك ، وإنما صنعت في الجنَّة ، في جنَّة الخلد ونحن سنكون كذلك إن شاء الله ، فنحن بعدما ندخل الجنَّة ، والجنَّة ليس بها دورات مياه ولا فيها بول ولا غائط ، فكيف تخرج فضلات الأكل ؟ قال صلى الله عليه وسلم في معنى ذلك {سَتَخْرُجُ عَليَ هَيْئَهِ عَرَقٍ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ المِسْكِ}[2] وهذا ما سيحدث لنا جميعا في الجنَّة ، لكن هذه الخاصية كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة في الدنيا ، فكان عرقه أطيب من رائحة المسك ، لذلك {كَانَ إذا سَلَّمَ عَليَ أحَدٍ مِنْهُم تَظَلُّ الرَّائِحَةُ في يَدِهِ أسْبُوعَا ، بَلْ إنَّ أحَدَهُم كَانَ إذَا سَئَلَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمْ يَجِدْهُ ، يَتَعَرَّفُ عَلَيَ مَكَانِهِ مِنْ رَائِحَتِهِ ، فَحَيْثُ سَارَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، كَانَتْ الرَّائِحَةُ تَمْلاءُ الطَّرِيقَ ، فَيَذْهُبُ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم}[3] وفي الحقيقة يا إخواني : أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسية ، والمعنوية ، لا يستطيع أحد أن ينعتها ، أو يصفها علي حقيقتها حتى أن رجلا من كبار التابعين ، ورسول الله قد بشر به وقال لهم في شأنه {يَأتِيكُمْ مِنْ بَعْدِي خَيْرُ التَّابِعِينَ أوَيْسٌ القُرَني ، رَجُلٌ مِنْ أهْلِ اليَمَنِ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِ ، مَنَعَهُ مِنَ المَجِئ إليَّ بِرُّهُ بِأمِّهِ - فكان كلما يقول لها أذهب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول له : لمن تتركني وأنا وحيدة ، وليس لي غيرك ، فيسلِّم أمره إلي الله ويبعث السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرسول الله قال عنه خير التابعين - فَإذَا رَأيْتُمُوهُ ، فَبَلِّغُوهُ سَلامِيَ وَسَلُوهُ أنُ يَدْعَوَ لكُمْ ، فَإنَّهُ مُسْتَجَابُ الدَّعْوَةِ ، وَيَدْخُلُ فِي شَفَاعَتِهِ أكْثَرُ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضُر}[4] وكانا أكبر قبليتين في الجزيرة العربية ، فسيدنا عمر كان في كل سنة ينادي في موسم الحج : يا أهل اليمن أيوجد بينكم أويس ؟ يقولون : لا ، إلي أن جاء في عام ، وقالوا : يوجد معنا راعي غنم أسمه أويس ، فلم يعرِّفهم أنه يقصده ، وذهب إليه ومعه سيدنا علي ، فسلما عليه وبلغَّاه سلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالا له : أدع لنا ، قال لهم : هل رأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ، قالوا : نعم ، قال لهم : ما وصفه ؟ ، فوصفوه له الأوصاف التي سمعناها الآن ، فقال لهم : إنكم لم تروه علي حقيقته فاحتاروا ، حتى أن سيدنا عمر سأل كبار الصحابة عن هذا الأمر ، فتنبَّهت السيدة عائشة وقالت {لَقَدْ رَأيْتُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً ، فَقَد كُنْتُ يَوْمَا أخِيطُ ثَوْبَاً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَانْطَفَأ المِصْبَاحُ ، وَوَقَعَتْ الإبْرَةُ ، فَدَخََلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ فَخَرَجَ نُورٌ مٍنُ وَجْهِهِ أضَاءَ مِنْ السَّمَاءِ إلََيَ الأرْضِ ، رَأيْتُ عَليَ ضَوْئِهِ الإبْرِةَ ، وَوَضَعْتُ فِيهَا الخَيْطَ}[5] فقد رأت رضي الله عنها ، قبساً من النور الذي أودعه الله سبحانه و تعالى هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه {1} رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه {2} رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه {3} أخرجه البزار وأبو يعلي عن أنس رضي الله عنه {4} رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث عبد الله ابن أبي الجدعا رضي الله عنه {5} رواه النيسابوري في شرف المصطفي صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها وابن عساكر بزيادة {فأخبرته فقال : يا حميراء الويل ثم الويل لمن حرم النظر إلي وجهي}
  10. بسم الله الرحمن الرحيم [color=seagreen]سلمان الفارسي كان أبوه الكاهن الأكبر للنار في بلده , وكان يخاف عليه لأنه وحيده , فلا يسمح له بالخروج من البيت منفرداً ولو إلى مزرعته الخاصة وذات يوم كلفه بالذهاب إلى المزرعة[/color] ليباشر عملاً بها نيابة عنه لانشغاله ، وأوصاه ألا يتأخر , فمر في طريق بدير للنصارى ، وسمعهم يصلون فأعجب بهم وجلس قريباً منهم معظم النهار ، فلما عاد أخر اليوم , وكان قد أشتد قلق أبيه[/color] عليه , سأله عن سر تأخيره فأخبره بخبره فقال له : لا تعد فأن دين آباءك خير من هذا الدين غير أنه أخذ يتردد على الدير سراً , فلما علم أبوه بالخبر أوثقه بقيد , وحبسه في المنزل خوفاً عليه , ولكنه أرسل إليهم ليسألهم عن أصل هذا الدين أين يكون ؟ فأخبروه أنه بالشام , فطلب منهم عند حضور أحد من الشام أن يخبره ليتجهز للسفر معه , فإذا أراد الرجوع إلى الشام يخبروه ليلحق بهم ، ونتركه رضي الله عنه ليحكي لنا بقية ما حدث قال : فجاء نفر من الشام[/color] فأخبروني , فلما هموا بالسفر أعلموني بالسفر ، ففككت قيودي ، ولحقت بهم ، وسافرت معهم ، فلما وصلنا إلى الشام[/color] ، قلت لهم : من أكبر رأس عندكم في هذا الدين ؟ قالوا الأسقف قلت : دلوني عليه , فدلوني عليه ، فاعتنقت الدين على يديه , وطلبت منه أن يجعلني أتولي خدمته ، فوافق على ذلك , قال : ومكثت معه فترة فوجدته أسوأ الناس سيرة , يأمر الناس بالزكاة والصدقة ، فيجمعونها له ، فيأخذها لنفسه , حتى ملأ سبع قلال كبيرة من ذلك , فلما مات وأرادوا الصلاة عليه ، أخبرتهم خبره ، ودللتهم على موضع كنوزه ، فكرهوا ذلك ، وقالوا : والله لا ندفنه أبـداً وصلبوه , ورجموه بالحجارة , وجاءوا برجل أخر فجعلوه مكانه قال سلمان : فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس , أري أنه كان أفضل منه ، وأزهد في الدنيا[/color] , ولا أرغب في الآخرة[/color] ، ولا أدأب ليلا ونهاراً منه , قال : فأحببته حبَّاً لم أحبّْه شيئاً قبله ، قال : فأقمت زماناً طويلاً ثم حضرته الوفاة , فقلت له : يا فلان , إني قد كنت معك وأحببتك حباً لم أحبه شيئاً قبلك , وقد حضرك ما تري من الله تعالي , فإلي من توصي بي ؟ وبم تأمرني؟ قال : أي بني , والله ما أعلم اليوم أحداً على ما كنت عليه , فقد هلك الناس , وبدلوا ، وتركوا أكثر ما كانوا عليه , إلا رجل بالموصل , وهو فلان , وهو على ما كنت عليه فالحق به قال :فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب الموصل[/color] ، فقلت له : يا فلان , إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك , وأخبرني أنك على أمره، فقال لي : أقم عندي ، فأقمت عنده , فوجدته رجل[/color] على أمر صاحبه ., فلم يلبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة , قلت له : يا فلان , إن فلاناً أوصي بي إليك , وأمرني باللحوق بك , وقد حضرك من أمر الله ما تري , فإلي من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال : يا بني والله ما أعلم رجلاً على مثل ما كنا عليه , إلا رجلا بنصيبين[/COLOR][1] وهو فلان فالحق به فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب نصيبين ، فأخبرته خبري , وما أمرني به صاحبه , فقال : أقم عندي ، فأقمت عنده على أمر صاحبيه , فأقمت مع خير رجل , فو الله ما لبث أن نزل به الموت , فلما حضر قلت له : يا فلان , إن فلانا كان أوصي بي فلان , ثم أوصي بي فلان إليك , فإلي من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال يا بني , والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا أمرك أن تأتيه ، إلا رجلا بعمورية من أرض الروم , فأنه على مثل ما نحن عليه , فأن أحببت فأته , فأنه على أمرنا . فلما مات وغيب ، لحقت بصاحب عمورية , فأخبرته خبري ; فقال : أقم عندي , فأقمت عند خير رجل , على هدي أصحابه وأمرهم ، قال : وأكتسب حتى كانت بقرات وغنيمة , ثم نزل به أمر الله تعالي , فلما حضر قلت له : يا فلان , إني كنت مع فلان , فأوصي به إلى فلان , ثم أوصي بي فلان إلى فلان , ثم أوصي بي فلان إليك , فإلى من توصي به ؟ وبم تأمرني ؟ قال : أي بني , والله ما أعلمه أصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه من الناس أمرك به أن تأتيه , ولكنه قد أظل زمان نبي , وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام , يخرج بأرض العرب ، مهاجرة إلى أرض بين حرتين [2] , بينهما نخل ، به علامات لا تخفي : يأكل الهدية , ولا يأكل الصدقة , وبين كتفيه خاتم النبوة , فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فأفعل قال : ثم مات وغيب , ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، ثم مرَّ بي نفر من "كلب"- قبيلة - تجار , فقلت لهم : احملوني إلى أرض العرب ، وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه , قالوا: نعم ، فأعطيتموها وحملوني معهم ، حتى إذا بلغوا وادي القرى ، ظلموني , فباعوني إلى رجل يهودي عبداً , فكنت عنده , ورأيت النخل , فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق في نفسي , فبينما أنا عنده , إذ قدم عليه ابن عم له من قريظة ، من المدينة , فابتاعني منه , فاحتملني إلى المدينة , فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي , فأقمت بها ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأقام بمكة ما أقام , لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق ثم هاجر إلى المدينة , فو الله إني لفي رأسي نخلة لسيدي أعمل له فيه بعض العمل , وسيدي جالس تحتي , إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه , فقال : يا فلان , قاتل الله بني قيلة {الأوس والخزرج} والله إنهم لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم , يزعمون أنه نبي قال سلمان : فلما سمعتها أخذتني رعدة , حتى ظننت أني سأسقط على سيدي , فنزلت عن النخلة , فجعلت أقول لابن عمه ذاك : ماذا تقول ؟ فغضب سيدي , فلكمني لكمة شديدة , ثم قال : مالك ولهذا ؟ أقبل على عملك . قال : قلت : لا شيء إنما أردت أن استثبته عما قال قال : وقد كان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته , ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بقباء فدخلت عليه ، فقلت له أنه قد بلغني أنك رجل صالح , ومعك أصحاب لك غرباء ذو حاجة , وهذا شيء قد كان عندي للصدقة , فرأيتكم أحق به من غيركم , قال : فقربته إليه , فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا , وأمسك يده فلم يأكل ، قال : فقلت في نفسي : هذه واحدة قال ثم انصرفت عنه , فجمعت شيئاً , وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , ثم جئته به , فقلت له : إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة , وهذه هدية قد أكرمتك بها . قال : فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها , وأمر أصحابه فأكلوا معه , قال : فقلت في نفسي : هاتان اثنتان ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالبقيع قد تبع جنازة رجل من أصحابه , وهو جالس في أصحابه , فسلمت عليه , ثم استدرت أنظر إلى ظهره , هل أري الخاتم الذي وصف لي صاحبي : فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرت خلفه ، عرف أني أستثبت في شيء وصف لي , فألقي رداءه عن ظهره , فنظرت إلى الخاتم فعرفته , فانكببت عليه أقبِّله وأبكي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحوَّل , فتحوَّلت فجلست بين يديه , فقصصت عليه حديثي ، فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه ، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد قال سلمان : ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كَاتِبْ يا سلمان ، فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة, وأربعين أوقية {كَاتَبَ : أي اتفق مع سيده على ثمن عتقه ، أو شراء نفسه منه} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : أعينوا أخاكم , فأعانوني بالنخل , حتى اجتمعت لي ثلاث مائة ودية {الودية : النخلة الصغيرة} فقال لي رسول الله : أذهب يا سلمان فاحفر لها , فإذا فرغت ؛ جئته فأخبرته , فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم معي إليها , فجعلنا نقرِّب إليه الودي , ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده , حتى فرغنا ويقال : أن سلمان غرس بيده , ودية واحدة , وغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرها فعاشت كلها إلا التي غرس سلمان ، وفي رواية أن الذي غرسها عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : فأديت النخل ، وبقي على المال , فأتي رسول الله بمثل الدجاجة من ذهب , فقال : ما فعل الفارسي المكاتب؟ قال : فدعيت له , فقال : خذ هذه , فأدِّها مما عليك يا سلمان ؟ ، قال : قلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علىَّ ؟ ، فقال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قلبها على لسانه , ثم قال : خذها فأوفهم منها , فأخذتها , فأوفيتهم منها حقهم كله , أربعين أوقية ، وعتق سلمان , فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق حراً , ثم لم يفتني معه مشهد[3] [1] نصيبين : مدينة من بلاد الجزيرة على الطريق من الموصِّل إلى الشام [2] الحرَّة : كل أرض ذات حجارة سود من أثر احتراق بركاني [3] رواه أبن هشام في سيرته كاملة عن عبد الله بن عباس ، وأخرجه أبن سعد ، والبيهقي ، وأبو نعيم ، عن طريق أبن إسحاق
  11. [frame=5 10] بسم الله الرحمن الرحيم [color=darkslateblue]لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، آمن كبار علماء اليهود به على الفور ، وأولهم في ذلك عبد الله بن سلام ، وكان رئيسهم في العلم ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له : يا رسول الله ، إن اليهود يعلمون صفاتك لأنها مذكورة عنهم في التوراة ، ولكنهم قوم بهت {يعني يجادلون بالباطل مع علمهم أنه باطل ، وينكرون الحق مع يقينهم أنه حق} ، فإذا أظهرت إسلامي فسيكذبونني ، لكن اجعلني أختبئ في مكان خلفك ، ثم أدعهم ، وسلهم عني ، وأنا أسمع ، لأتمكن من الرد على كذبهم {فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم فحضروا ، فقال لهم : مَا رَأيُكُمْ في عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلام؟ .قالوا : عالمنا وابن عالمنا ، وحبرنا وابن حبرنا ، وعندئذ خرج عليهم عبد الله بن سلام , وقال : يا معشر يهود تعلمون أن محمدا هو النبي الخاتم الذي بشَّر به موسى عليه السلام في التوراة ، وذكره بصفاته ونعوته والتي منها [يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشر ونذيرا ، وحرزا للأميَّن ، أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخَّاب في الأسواق ، ولا قوال للخنا ، وأمدح الحمادون له عز وجل على كل حال] وإني أشهدكم أني أمنت بالله ورسوله}[1] فما كان منهم لخبثهم وفساد طبعهم ؛ إلا أنهم كذبوه ، وسبُّوه بأقذع أنواع السباب ، غير أنه أقام عليهم الحجة ، وأبطل أقاويلهم ودعاويهم وهذا عالم آخر من علمائهم ، هو زيد بن سعنة ، قرأ صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورة في التوراة ، وتحقَّق منها كلها ، ولم يبق إلا صفة واحدة منها فلما أراد أن يتحقق منها ، أقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم تمراً لأجل محدد ، وحضر قبل الأوان المتفق عليه للسداد وذهب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه وجذبه "شدَّه" من رداءه حتى أثرَّ الثوب في عنقه الشريف صلى الله عليه وسلم وخاطبه بغلظة , قائلاً : إنكم يا بني عبد المطلب قوم مطل {يعني مماطلين} - والمماطل هو الذي تهرَّب من تسديد ما عليه - وكان يقصد بذلك إثارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب سيدنا عمر رضي الله عنه وقال له : كذبت ، أتقول هذا لرسول الله؟ ، وهم أن يضرب عنقه بالسيف ,فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم {كِلانا كَانَ أحْوُجُ إلَيَ غَيْرِ هَذَا مِنكَ يَا ُعمَر ، تَأمُرُُهُ بِحًسْنِ المُطَالَبَةِ ، وَ تَأمُرُنِي بِحُسْنِ الأدَاءِ} إنها العدالة التي ورثها صلى الله عليه وسلم من خلال النبوَّة ، حتي وهو طفلٌ ، فقد كان يعدل مع أخيه في الرضاعة ، حين إلتقم ثدياً واحداً ، ورفض أن يلتقم الآخر ، لمعرفته أن له شريكاً في الرضاعة ، فقد ألهمه الله العدل ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : {يَا عُمَرُ ، خُذْهُ إليَ البَيْتِ ، فَأعْطِهِ حَقَهُ ، وَزِدْهُ عِشْرِينَ وَسَقَاً مِنَ التَّمْرِ ، جَزَاءَ مَا رَوَّعْتَهُ ، فلمَّا ذهب عمر مع الرجل ، ودخلا المنزل , قال : يا عمر تدري لم فعلت ذلك ؟ قال : لا ، قال إني تحققت من صفات رسول الله في التوراة ، ولم يبق إلا صفة واحدة وهي : يسبق حلمه جهله ، ولا يزيده جهل الجاهل عليه إلا حلما ، وقد تحققت منها اليوم ، وأشهدك بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله}[2] وهذا رجل آخر من اليهود ، وكان من أثرياءهم ، لما خرج المسلمون للقاء المشركين في أحد ، قال : يا معشر يهود لم تجلسون هكذا ، وتتركون محمدا يحارب قريشاً ، وأنتم تعلمون أن محمدا هو النبي المذكور عندكم في التوراة ، والذي بيَّن لكم موسي عليه السلام صفاته وعلاماته ، وأمركم أن تؤمنوا به ، وتؤازروه ، وتناصروه ، فلم تتقاعسون عن نصرته ؟ فلم يجيبوه إلا بما تعودوا عليه من الإفك والكذب ، فقال لهم : يا معشر يهود إني ذاهب لنصرته ، والقتال معه ، فإذا قتلت ، فأشهدكم أن كل ثروتي تؤول إليه يتصرف فيها كيف يشاء ، وأخذ سلاحه ، ودخل المعركة ، وظل يحارب في صفوف المسلمين حتي استشهد وأموال هذا الرجل هي التي كان ينفق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه ، حتي لحق بالرفيق الأعلى ، لأن من سنن الله في إرسال رسله ، أن يفرَّغهم لتبليغ الرسالة ، ويتولي عنهم تدبير معيشتهم ، حتى لا ينشغلوا إلا به ، فقيض الله هذه الأموال ليعزَّه ، فلا يحتاج إلي أحد من خلقه ، وليكون شغله كله بالله ، فلا يلتفت نفسا ولا أقل عنه إلي غيره [3] أما يهود الشام فقد اختاروا واحدا من كبار علمائهم ، و أرسلوه إلي مكة عندما علموا اقتراب أوان ظهوره صلى الله عليه وسلم ، لأنهم كانوا يعلمون أنه سيولد بمكة {فسكن هذا الرجل في شعب خارج مكة ، وكان أهل مكة بعد أن شاع سبب مجيئه يعرضون عليه أطفالهم بعد ولادتهم ، فكلما ينظر إلي مولود ويتبينه يقول : ليس هو ، إلي أن ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب إليه جده عبد المطلب بمفرده ، فأول ما رآه قال له : أنت جده فقال : جد من؟ فقال : نبي آخر الزمان فقد ظهر نجمه في السماء الليلة (وهناك نجم معين كبير الحجم جداً ولونه أحمر يظهر عند ولادة النبي) فقال له : أنا أبوه ، قال : لا , مكتوب في التوراة أن أباه يكون قد مات - ونص العبارة (وما ينبغي لأبيه أن يكون حياً) ثم طلب منه أن يذهب معه لرؤيته : فأخذه إلى بيت السيدة آمنة ، فلما شاهد الغلام أخذ يفحصه حتى وجد خاتم النبوة أعلى كتفه الأيسر , وكان في حجم بيضة الحمامة , ويشع نوراً , ومكتوب فيه من الداخل (لا اله إلا الله محمد رسول الله) بشعيرات بارزة ، وتنطق من الخارج (توجَّه حيْثَ شئتَ فإنك مَنْصُور) فلما تحقق منه ، آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم , والتفت إلى عبد المطلب وقال : إني أخشي عليه من اليهود , فأنهم إذا رأوه لابد أن يقتلوه ، فقال عبد المطلب : ولماذا ؟ ، قال : لأنهم لا يريدون أن تنتقل النبوة من ولد إسحاق إلى ولد إسماعيل}[4] وهكذا فأخبار اليهود في هذا الباب لا تعدُّ ولا تحصي ، أما النصارى فالأخبار عنهم في هذا الباب أكثر وأكثر ، منها ما ورد عن قيصر الروم في الرواية المشهورة التي تحقَّق فيها من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في الحوار الذي دار بينه وبين أبي سفيان قبل إسلامه ، وقد جاء في الأخبار أنه كان يمتلك خزانه من عهد آدم عليه السلام ، فيها صور الأنبياء جميعاً , ومن جملتها صورة طبق الأصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم[/color] [1] رواه البخاري والبيهقي عن أنس وأبي إسحاق وابن عساكر عن طريق محمد بن حمزة بن عبد الله بن سلام [2] أخرجه الطبراني وابن حبان والحاكم والبيهقي وأبو نعيم عن عبد الله بن سلام. [3] عن سبل الهدي والرشاد بتصرف [4] رواه الحاكم عن عائشة رضي الله عنها
  12. [frame=1 10] بسم الله الرحمن الرحيم [color=SeaGreen]يؤيد الله رسله وأنبياءه بالمعجزات [/COLOR]والإرهاصات[/COLOR] ، كما يؤيد أحبابه والصالحين من عباده بالكرامات ، وهذه الأشياء الثلاثة ، المعجزات[/COLOR] ، والإرهاصات[/COLOR] ، والكرامات ، تطلق علي خوارق العادات ، أو الأشياء غير العادية ، أي التي تخترق النواميس الكونيَّة ، والسنن الطبيعية ، والقوانين العلمية ، مثال ذلك : نحن اعتدنا أن الشمس تغرب في الساعة الخامسة وعشر دقائق ، فمثلاً إذا وُجد من تتأخر الشمس لأجله ، أو بسببه للخامسة وعشرين دقيقة ، يكون ذلك شيئاً غريباً وغير عادي فإذا كان الذي يؤخرها نبيٌّ ، وقد أرسل إليه ، فتسمي في هذه الحالة " معجزة " ، أما إذا كان نبيٌّ لكن لم يأت أوان نبوَّته ، ولم يكلف بعد من الله بتبليغ رسالته فنسميها " إرهاصاً " ، وإذا كان الذي جرت علي يده رجل من الصالحين المشهورين بالاستقامة ، نسميها " كرامة " ، لأنها تأييد من الله له فإذا ظهرت علي يد فاسق فهي استدراج من الله سبحانه وتعالي له من باب قوله تعالى {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} القلم44 فكل ما ذكرناه في الأبواب السابقة مما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نزول الوحي عليه ، كسقوط إيوان كسري ، ووقوع الأصنام علي وجهها عند ولادته وغيره ، فهي من باب الإرهاصات[/COLOR] ، وكل ما أيده الله به بعد بعثته فهي معجـزات ، وهي كثيرة جداً ، وقد حاول بعض الأئمة الأعلام وهو الشيخ يوسف النبهاني رضي الله عنه أن يحصي معجزاته صلى الله عليه وسلم فعدَّ منها ثلاثة آلاف ، ثم عجز بعد ذلك ، لأن كل أحواله صلى الله عليه وسلم بليل أو بنهار من باب المعجزات يبقي عندنا المبشرات : وهي العلامات والصفات التي ذكرت في الكتب السماوية عنه صلى الله عليه وسلم [/COLOR]، وهي من الكثرة بحيث لا يستطيع بشر حصرها ، ولكننا سنذكر بعضها لتستبشر نفوس المؤمنين بفضل الله علينا بهذا النبي الكريم ، ولنبدأ باليهود الذين جحدوه مع أنهم كما قال الله فيهم {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} الأنعام20 فقد عرَّفهم الله في التوراة[/COLOR] كل شيء عنه صلى الله عليه وسلم بالتفصيل ، حتى زمان ومكان مولده ، والموطن والوقت الذي سيهاجر فيه ، مما أدَّي ببعضهم وهم " بنو قريظة وبنو قينقاع وبنو النضير " لما عرفوا صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرفوا أنه سيظهر في مكة ، ويهاجر إلي المدينة[/COLOR] ، واسمها طيبة وعلاماتها واضحة {فهي بين جبلين ، وذات نخل} وعرفوا صفاتها بالتفصيل ، فذهبوا إلي المدينة وأقاموا بها ، طمعاً أن يخرج منهم الرسول ، أو يكونوا أول أتباعه إذا ظهر ولذلك عندما كانت تحدث بينهم وبين القبائل المجاورة حروب كانوا يقولون {اللَّهُمَّ بِحَقِّ النَّبي الُمنْتَظَر ، الذي قَرُبَ أوَانُ ظُهُورهِ ، انْصُرْنَا عَلَيْهِم ، فَيَنْتَصِرُون}[1] وذلك ما أخبر به القرآن في قول الله {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ} البقرة89 وكذلك عندما كان يحدث خلاف بينهم وبين الأوس والخزرج في المدينة كانوا يقولون لهم بسم الله الرحمن الرحيم {إن نبي آخر الزمان سيظهر عن قريب ، وسيمكننا الله به منكم ، ونذبَحكم ذبح عاد وإرم}[2] وهذا ما جعل الأوس والخزرج يسارعون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به ، لما علموا نبأ ظهوره في مكة[/COLOR] ، لأنهم كانوا يسمعون عنه من اليهود ، وهذا أيضا ما دعاهم إلى دعوته للهجرة إلى مدينتهم ، لأنهم علموا من اليهود أنها مكان هجرته ولذلك لما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة[/COLOR] ، آمن كبار علماء اليهود به على الفور ، وأولهم في ذلك عبد الله بن سلام ، وكان رئيسهم في العلم [color="DeepSkyBlue"][1] أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن عباس [2] رواه ابن إسحاق عن قتاده
  13. بسم الله الرحمن الرحيم [color="teal"]الوحي أنواع : فمن الوحي ما كان يأتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة الملك وهو سيدنا جبريل : وكان أحياناً يأتي على هيئته ، وأحياناً يأتي في صورة شخص مثلنا ، فكان يأتي في صورة أحد الصحابة سيدنا دحيه الكلبي - وكان جميل الصورة ، فكان يأتي في صورته ، فكانوا لا يعرفونه - ولذلك لما جاء وجلس ، وسأل الرسول : ما الإسلام ؟ وما الإيمان[/color] ؟ وما الإحسان ؟ وكلما يجيبه يقول له : صدقت ، تعجب سيِّدنا عمر من الأمر ، يسأله و يصدِّقه ، فقد روي سيِّدنا عمر فقال {بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ذاتَ يوم جالساً، إذْ جاءَ رَجُلٌ شَدِيدُ سَوَادِ اللِّحْيَةِ، شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، فَوَضَعَ رَكْبَتَهُ عَلَى رُكْبَةِ النَّبيِّ[/color]، فقال: يا محمدُ، ما الإِسْلامُ؟ قال: شَهَادَةُ أَنْ لا إلٰهَ إلا اللَّهُ، وَإقَامُ الصَّلاةِ، وَإيتاءُ الزكاةِ، وَصَوُمُ رَمَضَانَ، وَحَجُّ الْبَيْتِ ، قالَ: صَدَقْتَ. قالَ: فَعَجِبْنَا مِنْ سُؤالِهِ إياهُ، وَتَصْدِيقِهِ إياهُ قالَ: فَأَخْبِرْنِي: ما الإِيمانُ؟ ، قال: أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ حُلْوِهِ وَمُرِّه ، قال: صَدَقْتَ.، قال: فَعَجِبْنَا مِنْ سُؤالِهِ إياه، وَتَصْدِيقِهِ إياه قال: فَأَخْبِرْنِي: ما الإِحْسَان[/color]؟ ، قال: أنْ تَعْبُدُ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك قال: فَأخْبِرْنِي مَتَى السَّاعةُ[/color]؟ ، قال: ما المَسْؤُولُ بأعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ ، قال: فما أَمَارَتُهَا؟ ، قال: أَنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا، وأنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاة يَتَطَاوَلُونَ في الْبُنْيَانِ - وهذا ما حدث الآن - قال: فتَوَلَّى وَذَهَبَ، فقال عُمَرُ[/color]: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ ، فقال: يا عُمر، أَتَدْرِي مَنْ الرَّجُلُ؟ ، قُلْتُ: لا، قال: ذَاكَ جِبْرِيلُ[/color] أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ}[1] فقد جاء هنا في صورة رجل مثلهم وكان آنا يأتي على هيئته ، كما يقول الرسول أول ما جاء له ، قال : {رَأْيْتُ شَخْصَاً فِي الفَضَاءِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرِضِ ، لَهُ سِتْمَائةُ جَنَاحٌ[/color] لَوْ ظَهَرَ جَنَاحٌ[/color] مِنْهَا لحَجَبَ ضَوْءَ الشَّمْسِ}[2] أي أن الجناح الواحد يملأ الكون كله - ولذلك كما قلنا كيف تخلق الملائكة ؟ كل يوم يذهب سيدنا جبريل إلى نهر الحياة ، ويستحم ، وينفض أجنحته ، فكل قطرة تنزل من أجنحته ، يخلق الله منها ملك يسبح الله - فالوحي كان يأتي بطريقتين بالنسبة للملك إما أن يراه على حقيقته ، أو يراه في صورة شخص وكان أحياناً كما يقول الرسول[/color] : {كَانَ يَأتِيني عَلَى هَيْئَةِ صَلْصَلَةِ اْلْجَرَسِ[/color]}[3] فيسمعون له صوتاً كصلصلة الجرس[/color] ، لكن لا يعرفون شيئاً ، فلا يعرف إلا رسول الله ، لأنة يتكلم بلغة الملائكة ، ولا أحد من الجالسين يعرف لغة الملائكة[/color] إلا الرسول ، وكان صلى الله عليه وسلم يغيب عن وعيه ، وعندما يفيق يقول لهم : نزل علىّ الوحي بآيات كذا وكذا ، ويبلِّغهم وأحياناً كان يأتي وله صوت دوىٌّ كدوىِّ النحل وأحياناً كان يأتيه مناماً ، ورؤيا الأنبياء وحى كما قال الرسول : فالنبي إذا رأى رؤية مناميه كانت وحياً :كما قال سيدنا إبراهيم : {أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} الصافات102 وسيدنا إسماعيل لكونه نبي يعرف هذه الحقيقة فقال له : { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} فهو يعرف أنه أمر لأنه يعرف أن رؤيا النبي وحي دائماً ، فهذه طريقة من طرق الوحي وهو الوحي المنامي وإما عن طريق الإلهام ، وفيها يلهمه الله ، ويلقي على قلبه ما يريد ، وهذه مثل الأحاديث القدسية التي قالها الرسول ، ومثل غيرها التي قالها عن طريق الإلهام مثلما يقول :{ إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّ نَفْسَاً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِي رِزْقَهَا ، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوا شَيْئاً مِنْ فَضْلِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَإنَّهُ لا يُنَالَ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ}[4] أما الطريقة الأعلى فهي المشافهة[/color] مع الحقِّ سبحانه وتعالى ، وهى التي كان يأخذ فيها من الله مباشرة دون واسطة ، وفيها قال له الله [/color]: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} النمل6 فليس هنا وساطة جبريل وكانت أيضاً بأن يرى الحق في المنام[/color] أو في اليقظة[/color] في أي مكان كان فيه ، وإما في الحضرة القدسية وكانت ليلة الإسراء والمعراج وفيها قال تعالى : {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} النجم10 أين جبريل عليه السلام ؟ وقف في الخارج عند سدرة المنتهى ، ولم يستطع الدخول ، فكل ما حدث كان بينه وبين الحق سبحانه وتعالى بلا واسطة هذه طرق الوحي التي كان يتلقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي من الله سبحانه وتعالى ، وفي جميعها كان الوحي ثقيلاً ، فكان يغيب عن الوعي ، وينزل عليه العرق ، حتى في الليلة شديدة الرطوبة ، ويحتاج إلى من يروّح عليه من شدة الحرارة ، ويفيق من العرق مثقلاً ومتعباً ، ويحتاج إلى راحة لأن الوحي له ثقله [1] رواه البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه [2] رواه أبو الشيخ في كتاب العظم . [3] رواه البخاري ومسلم [4] رواه أبو نعيم في الحلية عن أبى أمامه والعسكري في الأمثال عن ابن مسعود
  14. بسم الله الرحمن الرحيم [color=darkorchid]سنرى كيف صنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على عينه ، سرَّ قوله سبحانه {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} طه39[/color] كيف تولاه ربُّنا منذ الصغر؟ سنجد أمراً عجيباً ، وسرَّاً غريباً ، وشأناً أي شأن ، فقد حفظ الله رسوله من لحظة ميلاده ، من كل ما يشين الإنسان ، ويعيبه ، ويقربه إلى الشرور ، أو إلى المعاصي ، أو إلى الرجس ، أو إلى الدنس ، وجعله كما قال حسان بن ثابت : خُلقتَ مُبرَّءاً من كل عيب ،،،، كأنك قد خلقت كما تشاء ومن أجل هذا كانت الملائكة هي التي تتولى رعايته ، والإحاطة به في كل مرحلة من مراحله ، فإذا مشى فالملائكة من أمامه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، تحرسه وترعاه ، وإذا نام ؛ يقف جبريل عند رأسه ، وميكائيل عند قدميه ؛ يحرسانه ، ويحيطانه برعاية الله سبحانه وتعالى ولذا تحكى السيدة حليمة السعدية {أنه صلى الله عليه وسلم ، شبَّ ليس كبقية الأطفال ، فتروى أنه {جلس وعنده أربعة أشهر ، ووقف على قدميه وأستند على الجدران ، ومشى وعنده خمسة أشهر ، ومشى مشياً طبيعياً ، ونطق بجميع الألفاظ العربية وعنده ستة أشهر ، قالت : وكان من يراه وعنده ستة أشهر ، يظن أن عنده أربعة أعوام}[1] {وعن العباس بن عبد المطلب ، قال : قلت يا رسول الله ، دعاني للدخول في دينك أمارة لنبوتك ، رأيتك في المهد تناغى القمر وتشير إليه بإصبعك ، فحيث أشرت إليه مال ، قَالَ : إِنِّى ُكنْتُ أُحَدِّثَهُ ، وُيُحَدِّثُنِى ، وَيُلْهِينِى عَنْ البُكاءِ ، وَاسْمَعُ وَجْبَتَهُ حِينَ يَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ }[2] وقد حفَّه الله بآيات فضله وإكرامه في طفولته ، وفي ريعان شبابه ، ليعلم من حوله قدره ، فيؤمنوا به عند إرسال الله له فمن ذلك : أن أهل مكة عندما كانوا يصابون بالقحط ، ويقل المطر عندهم ، كانوا يذهبون إلى جده عبد المطلب ، فيأخذه صلى الله عليه وسلم وهو طفل صغير ، ويصعد به إلى جبل أبى قبيس المطل على الكعبة ، فيدعوا الله وهو ممسك بيده صلى الله عليه وسلم فيستجيب الله له وينزل المطر كأفواه القرب وكان السبب في ذلك أنه أصاب مكة والجزيرة العربية كلها قحط شديد ، فرأى نفر كثير من قريش رجالا ونساء أن الله لن يأتي لهم بالحيا {المطر} ؛ إلا إذا دعا لهم رجل رأوه بهيئته ، وعرفوه بصفته ، ومعه ابن صغير له ، فلما قصُّوا ما رأوه ، وطبَّقوا ذلك على ما يعاينوه ، وجدوا أن تلك الصفة لا تنطبق إلا على عبد المطلب وولد ولده عبد الله : {فلما تيقنوا بذلك ذهبوا إليه ، وأخبروه ، وأخذوه معهم ، وصعدوا به الجبل ، فأمسك بالصبي {محمد صلى الله عليه وسلم} ودعا الله ، فنزل المطر على مكة ، ولم ينزل على ما حولها من بلاد العرب .، وعندما نما الخبر إلى العرب خارج مكة ، أسرعوا إلى مكة ، وذهبوا إلى عبد المطلب ، وطلبوا منه الدعاء لهم لينزل عليهم المطر ، مثل أهل مكة ، فأخذهم وذهب بهم إلى عرفات ، ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمسك بيده صلى الله عليه وسلم ، ودعا الله ، فهطلت السماء بالماء مدراراً ، وسقى الله الجزيرة العربية كلها ببركته صلى الله عليه وسلم}[3] وقد قال في ذلك أبو طالب قصيدة طويلة مطلعها : وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ،،،، ثمال اليتامى عصمة للأرامل وقد استمر معه هذا الفضل الإلهي عندما انتقل إلى كفالة عمه أبى طالب ، فقد أوصاه به عبد المطلب عندما حانت منيته ، وقال له {أنتَ تعلمُ ما قاله الأحبارُ والرهبانُ بشأنه ، وإني أخافُ عَليه من اليهود ، فَحَافِظْ عَلى ابنِ أخيك}[4] فنفذَّ وصيته ، وقد شجَّعه على ذلك ما رآه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كان أولاده يقومون من نومهم شعثا وهيئتهم رثة ، ووجوههم متجهمة {بينما يقوم صلى الله عليه وسلم نشيطاً ، كحيل العين ، مُسترسل الشعر ، كأنما مسَّه بزيت ، طيِّب الرائحة كأنه وضع عطراً ، وكان إذا اجتمع أولاده على طعام ، ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يشبعون من الطعام - مع قلَّته - ، فإذا افتقدوه عند تناول الطعام ، لم تمتلئ بطونهم ، ولم يدركوا الشبع مع كثرة الطعام وكذا كانوا في الشراب ، فكان إذا بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وناوله كوباً من اللبن ، يأخذ حظه منه ، ثم يناولهم فضلته فترويهم جميعاً ، ولا يحتاجون لغيره ، فإذا غاب عنهم ؛ شربوا حلاب إبلهم كلها ، وظلُّوا عطاشا لما فقدوه من بركته صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما جعل أبا طالب يحرص ألا يأكل إلا معه صلى الله عليه وسلم ويقول له : إنك لمبارك}[5] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة {لا يشكو جوعاً ولا عطشاً ، حتى ولو مكث أياماً متوالية بدون طعام أو شراب ، ولا يطلب منهم ، أم من أحد طعاماً ، فإذا عرضوا عليه الطعام أجاب ، وإذا تركوه ، أو نسوه ، صبر غير متبرم ، ولا ضجر}[6] [1] أخرجه ابن إسحاق وابن راهويه وأبو يعلى والطبراني والبيهقى وأبو نعيم وابن عساكر عن طريق عبد الله بن جعفر [2] أخرجه البيهقي والصابوني في المائتين والخطيب وابن عساكر في تاريخهما عن العباس بن عند المطلب [3] أخرجه ابن سعد وابن أبى الدنيا والبيهقي والطبراني وأبو نعيم وابن عساكر عن مخرمة بن نوفل [4] رواه أبو نعيم عن طريق الواقدى عن شيوخه [5] أخرجه ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس [6] رواه أبو نعيم عن أم أيمن
  15. بسم الله الرحمن الرحيم هاجر اثنان من اليهود لمكة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم منتظرين رسول الله واليهود الذين كانوا في مكة هاجروا إلى المدينة منتظرين رسول الله ، فأما اليهودي الأول الذي كان في مكة ففي شهر ربيع الأول قال لهم : {يا أهل مكة سيولد في هذا الشهر نبىُّ هذه الأمة ، فكلُّ من يولد له مولودٌ يأتينى ويخبرني به ، فكلما ولد عند أحدهم مولود ، ذهب إليه فيقول له : ليس هذا ، ومن فضل الله على البشرية في العام الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه جعل النساء في جميع بقاع الأرض يحملنَّ ذكوراً ..، إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم}[1] أما عن الليلة التي ولد فيها الرسول فسيدنا موسى قد أعطاهم أوصافها ، فقال لهم في هذه الليلة ستقوم النجوم بعمل مظاهرة كبيره وتنزل إلى الأرض في مظاهرة طالعة نازله ، وتستمر حتى أن الناس سيظنون أن القيامة اقتربت ، ولذلك فإن الكاهن اليهودي عندما نظر النجوم قال لهم : {يا معشر قريش ظهر الليلة نجم أحمد ، من ولد له مولود الليلة فليخبرني ، فـذهب كل رجل يسأل أهله ، فقالوا لا يوجد غير زوجة عبد الله هي التي ولدت هذه الليلة فـذهب إليها ، وعندما رآه – وكان ما زال في مكان ولادته – أغمى عليه في الحال وقال : يا للهوان لليهود ، قالوا له : لماذا ؟ قال : ذهبت النبوة من اليهود إلى بني إسماعيل عليه السلام}[2] أما الرجل الثاني فقد ذهب إليه عبد المطلب ليخبره ، فخرج إليه ، وعندما رآه بالباب قال له {هذه الليلة ولد نبي هذه الأمة ، كن أباه} [3] وهكذا فكلهم كانوا يعرفون ميعاده ووقته وعلاماته صلوات الله وسلامه عليه ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ولد كانت الآيات في ولادته واضحات جليات ليس فيها شك ، ففي الليلة التي ولد فيها كان أول الآيات التي ظهرت أنهم : {رأوا الكعبة ترتعش ، وترتجف ، وظلت ترتجف لمدة ثلاثة أيام ، وسمعوها وهي تقول : الحمد لله آن أوان خلاصي من الأصنام ، آن أوان اصطفائي بعبادة الواحد الأحد سبحانه وتعالى}[4] في هذه الليلة أيضاً {لم يوجد ملك من ملوك الأرض ، جالساً على كرسيه، إلا وزلزلت الأرض تحته ، وانكفأ من على كرسيه ، وكلما يحاول الجلوس على الكرسي ينكفئ به الكرسي مرة أخرى ، وهكذا}[5] وكان هذا إيذاناً بأن الملوك انتهى زمانهم ، لأنه قد جاء زمان نور رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فملك الفرس[/COLOR] سقط من إيوانه أربع عشرة شرفة مرة واحدة ، وكانت عنده نار منذ ألف سنة لم تنطفئ قط ، فانطفأت في تلك اللحظة ، وكلما أوقدوها تنطفئ وفي ذات الوقت كان عنده بحيرة ضخمة جداً مقدسة ، والطفل[/COLOR] الذي يولد يذهبون به إليها ليغمسوه فيها ليصبح مباركاً ، وفي هذا اليوم مياه هذه البحيرة جفت فأصبح الصباح على الملك وهو مهموم ، فظلَّ يسأل عن هذا السر العلماء والكهان ، وهم لا يجدون جواباً ، إلى أن ذهبوا إلى سطيح الكاهن فقال لهم {إن نبى آخر الزمان ، الذي سيكون على يديه نهاية ملككم ظهر ، قالوا كم بقى له؟ قال : سيجلس منكم ملوك وملكات بعدد الشرفات}[6] أي أربعة عشر ملكاً ، فقالوا : إلى أن يملك هذا العدد تمر قرون ، وتفنى أمم ، وتبيد دول ، ولكن من قدرة الله أن توَّلى عشرة ملوك منهم في أربع سنوات ، والأربعة الآخرون ظلوا حتى عصر سيدنا عثمان ، حيث قضى فيه على دولة الفرس نهائياً ، وانتشر فيها نور النبي العدنان صلوات الله وسلامه عليه وفي هذه الليلة أيضاً ليلة ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم {لم يوجد صنم في العالم أجمع ، إلا انكفأ على وجهه ، حتى الأصنام التي حول الكعبة ، وكان عددها ثلاثمائة وستين صنماً ، وكانوا مشدودين بأوتاد من الرصاص في الأرض ، ومع ذلك فإنهم خروا على وجوههم ، وكلما أقاموهم خروا ثانية}[7] وفي هذه الليلة أيضاً ركب الجبَّار سبحانه وتعالى مدفعية صاروخية مضادة للشياطين ، فكل شيطان يصعد إلى السماء ليستمع ، يخرج له صاروخ يجرى خلفه ، ولا يتركه إلا ويقضى عليه بأمر الله {حتى أن الشياطين من دهشتهم، أتوا إبليس وسألوه ماذا حدث ؟ فقال لهم ولد الليلة مولود تكون نهايتنا على يديه ، فقالوا له : اذهب إليه وخلصنا منه ، فذهب إبليس إلى رسول الله - وقد ولد - وأراد أن يضربه ، فضربه جبريل برجله ضربة خرج منها من مكة حتى وقع في عدن في جنوب اليمن ، ونجَّاه الله من هذا الشيطان}[8] وقبل ولادته صلى الله عليه وسلم أصاب مكة والجزيرة العربية كلها قحط شديد لجفاف الماء ، فذوى الزرع ، ونضب الضرع ، ولما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء الحيا ، فهطلت السحب بالماء ، وسحَّت السماء بالخيرات .، فأنبتت النباتات ، وشبعت الحيوانات ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم}[9] هذه الإرهاصات - أي المعجزات - كثيرة وكثيرة جداً والمعجزات التي بعد ميلاده أكثر وأكثر وأكثر ، لأنه نور الله وحبيب الله وصفى الله صلوات الله وسلامه عليه ولما آن الأوان لوضعه صلوات الله وسلامه عليه : {نطقت الحيوانات التي في مكة كلها بلسان عربي فصيح ، وذهبت تبشِّر بعضها بعضاً بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول كل : أبشر ، جاء رسول الأمان ، جاء رسول السلام ، جاء رسول الختام ، الذي يخرج الله سبحانه وتعالى به الناس من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان}[10] وهذا الكلام شاهدوه ، وعرفوه ، ولذلك عندما قال رسول الله لأبى جهل {ألا تَعْرِفُ أنَّى نَبِىٌّ؟ ، قَالَ : أعْرفُ وَنَحْنُ نَعِرِفُ عَلامَاتِك ، لكِنْ نَحْنُ نكذِّبُ بالذي جِئْتَ بِهِ} وهذا ما أخبر عنه الله في قوله {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} الأنعام33 فالذي منعهم من الإيمان به الحقد والحسد ، وهذا ما حكاه الله[/COLOR] عنهم في قوله {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ{31} أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} الزخرف فلما آن أوان وضعه {رأت السيدة آمنة من يقول لها في المنام ، قولي إذا وضعتيه : أعيذه بالواحد من شر كل ذي حاسد وسمِّيه محمدا ، وأعطاها صفيحة من الفضة مكتوب عليها هذه الكلمات : أعيذه بالواحد من شر كل ذي حاسد ، وقال علقيها في رقبتك حتى تضعيه فعلقيها له}[11] فلما جاء الأوان ، كان من إرادة الله أن يأتيها الميلاد في غفلة {وهي وحيدة بالمنزل ، وليس معها أحد ، ولكنها فوجئت بأربع نسوة ، واحدة احتضنتها وقالت لها أسندي ظهرك إلىّ ، وواحدة أحضرت لها شربة ماء ، وقالت لها اشربي هذه الشربة ، قالت : فشربت هذه الشربة ، فوجدتها أحلى من الشهد وألين من الزبد وأبرد من الثلج ، فلما شربت منها قالت لها تزودي - أي اشربي مرة أخرى - ، والثالثة وضعت يديها على بطنها ، وقالت : باسم الله أخرج سالما بإذن الله فقالت لهن من أنتن ؟ ، واحدة قالت : أنا مريم ابنة عمران ، والثانية قالت : أنا آسية بنت مُزاحم ، ومن معنا هؤلاء من الحور العين ، جئن ليشهدن ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظة ، ونظرت في سقف الحجرة فوجدت نجوم نازلة من السماء ، ووجدت طيور خضراء واقفة مستعدة ترفرف بأجنحتها ، حتى لا تنزل قطرة من دمها على الأرض فتعلقها إذا نزلت مع سَلا ( خلاص ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت أيضاً فوجدت طستا وبجواره إبريق من فضة مليء بالماء ، وبجواره رجال يلبسون ملابس بيضاء ، ويغطون وجوههم حتى لا تستحي منهم عندما تراهم ، لأنهم في انتظار مهمتهم التي بعد ذلك : وهى أنهم يغسلونه ، ويشقون بطنه ، ثم يطوفون به في ملك. الله وملكوته الأعلى ، فبعد مولده فوراً ، شقوا بطنه وغسلوها وأخذه سيدنا جبريل تحت جناحه ، وطار به في السموات والأراضين ، وسمعته هو وملك آخر - وهو إسرافيل - يقول : طوفوا به في مشارق الأرض ومغاربها ، وأدخلوه البحار ليعرفوه بنعته ، واسمه ، وصفته ، وأدخلوه الغابات لتعرفه الوحوش ، وأدخلوه الجنات ، وأدخلوه عالم الملكوت ، فطاف به في عالم الملكوت كله في ساعة من الزمن}[12] كل هذه الأمور حدثت في لحظة ميلاده صلى الله عليه وسلم ، ولذا فالأئمة الكرام استحسنوا أننا عندما يذكر ميلاد رسول الله ، نقوم {وقوفا}تعظيماً لميلاد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، لأن هذا مسك الختام ، ونبي الختام {فالسيدة آمنة ، وهي وحيدة في حجرتها ، منفردة كعادتها ، أتاها الطلق ، ثم رأت نوراً ، رأت على هذا النور مشارق الأرض ومغاربها ، وقالت : رأيت ثلاثة أعلام مضروبات ، علماً على رأس الكعبة ، وعلماً في المشرق ، وعلماٌ في المغرب ، ثم أخذني المخاض فولدت محمدا}[13] [1] رواه أبو نعيم والسيوطي في الخصائص عن عمرو بن قتيبة [2] رواه ابن سعد والحاكم وأبو نعيم بسند حسن عن عائشة [3] أخرجه أبو نعيم وابن عساكر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [4] أخرجه أبو نعيم والسيوطي في الخصائص عن عمرو بن قتيبة [5] أخرجه أبو نعيم عن ابن عباس [6] رواه الإمام البيهقي وأبو نعيم والخرائطى في الهواتف وابن عساكر عن طريق مخزوم بن هاني المخزومي عن أبيه [7] أخرجه أبو نعيم عن ابن عباس [8] أخرجه ابن أبى حاتم في تفسيره عن عكرمة [9] أخرجه أبو نعيم عن عمرو بن قتيبة [10] أخرجه أبو نعيم عن ابن عباس [11] خرجه الحاكم وصححه والبيهقي عن خالد بن معدان [12] أخرجه أبو نعيم عن ابن عباس [13] أخرجه أبو نعيم عن ابن عباس
×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..