احنا اللي ركبنا ........ الأتوبيس
صرخ صديقي الامريكي قائلا : يا الهي عندما راي الجموع المحتشدة علي محطة الاتوبيس ,
و ظنها في البداية مظاهرة سلمية للاحتجاج علي ارتفاع سعر الكتاكيت في البورصة ,
ثم تدارك الموقف و قال في دهشة : هل كل هؤلاء سيركبون الباص ؟؟ فقلت له مبررا و مدافعا :
هم لايريدون الركوب لمجرد الركوب فقط ولكنها رياضة . فقال و قد زادت دهشته : لا افهم. فقلت ان ركوب الاتوبيس هواية و رياضة كالجري و المصارعة و التزحلق علي الجليد . و ذلك لما فيه من فوائد و منافع عديدة فانت مثلا تحب السفر لان فيه خمس فوائد . كذلك ركوب الاتوبيس فيه خمس فوائد ايضا و ربما اكثر .
و يبدو ان حديثي استهواه و اثار فضوله فسألني مزيدا من الايضاح عن تلك الفوائد ؟ فقلت الفائدة الاولي : هي زيادة فرصة التلاحم و التعارف بين الطبقات الكادحة فعلي محطة الاتوبيس تجد العشرات و ربما المئات من النساء و الرجال و الشيوخ و العيال , و هذا يفتح مجالا للتعارف , فواحد يعزم الاخر واخر يفتح معهم حديثا كي يسلي وقته ساعتين تلاته حتي وصول الاتوبيس و واحدة تسال الاخري هو مال ابنك لونه مخطوف كدة ليه ؟ اديله محلول جفاف و هو يبقي عال الفائدة الثانية : هي رفع مستوي اللياقة البدنية للركاب فعندما يبدو الاتوبيس في الافق البعيد تري النساء و الرجال و الاطفال قد بدأوا بالتسخين و الجري للحاق به . و الشاطر يلحق و من لا يلحق سيظل يجري حتي يصل الاتوبيس اللي بعده . ! و يتعمد بعض السائقين عدم الوقوف في المحطات و ذلك ليس تقصيرا منهم – لا سمح الله- و لكن ليختبروا قدرة الركاب علي الجري و الركض خلف الاتوبيس بنائا علي توجيهات السيد اللواء وزير الصحة . لان الفائز سيحظي بجائزة الاتوبيس الخشبي و هو عبارة عن قبقاب مزود بعجلات و حزام امان ليساعد المواطن علي الركض خلف الاتوبيس . الفائدة الثالثة : توفير خدمة متميزة للركاب و قد تسألني :كيف هذا ؟ فأقول لك : ان اسعدك الحظ و كنت من ركاب الاتوبيس ستلاحظ ان كل اتوبيس يقوم علي خدمته بعض الشباب يبيعون امشاط و فلايات و كازوزة و كافة كل شئ و كلها صناعات محلية و كلها معفاة من الضرائب و الدمغات و قرب شوف يا استاذ ولا زحمة المحلات . الفائدة الرابعة : تقدمها هيئة النقل العام لسكان المنطقة الشعبية اللي تشتهر بازدحام السكان مثل سوق الجمعة و السيدة عائشة , حيث رأت الهيئة تيسيرا علي سكان تلك المناطق و نظرا لانقراض عربات الكارو ان تترك الحبل علي الغارب لمن يريد نقل ما يشاء من البضائع في الاتوبيسات و قد اصبح من المألوف يوم الجمعة ان يصعد للاتوبيس من يحمل قفص فراخ او زلعة مش او لبشة قصب او حلة بها جبنة قريش و قد رايت يوما راكب يصطحب معه معزة فهاج الركاب و استنجوا بالسائق لمنع المعزة من الركوب فقال السائق : و انا مالي انتوا عاوزين جمعية الرفق بالحيوان تزعل مننا عشان مابنركبش المعيز ؟ و اخيرا تأثر احد الحاضرين بهجوم الركاب علي المعزة المسكينة , فقام و اجلسها مكانه , و بذلك حسم الموقف المتوتر . الفائدة الخامسة : و هي توفير جو من التسلية و الاثارة للركاب بالمجان , فبدلا من الذهاب للملاهي او الديزني لاند لركوب قطار المفاجآت , فما عليك الا ركوب الاتوبيس و انت و حظك .... فربما يقفز بك من علي كوبري , او يكسر اشارة مزلقان ليأخد القطر بالاحضان , او ينط بالركاب في الترعة , او يقطحم الرصيف ليصطدم بعمود نور ... الخ .... الخ ! و بالاضافة للفوائد السابقة فان هيئة النقل العام توفر فرص عمل للعاطلين من النشالين و المتسولين علي جيع خطوطها , و شعارها في ذلك حسنة قليلة تمنع بلاوي كتيرة . اما عن الركاب اللذين ترونهم محشورين داخل الاتوبيس ... فلا تحسبن انهم متضايقون او متأففون , و الدليل علي ذلك ان المتشعلقين منهم علي الابواب يمسكون بملابس بعض , في حب و مودة ولا يبخلون بمد ايديهم لمن يجري خلف الاتوبيس , و يسفحون له مكانا , و ان لم يجد فلا لوم عليه اذا تعلق بقفا احدهم . و قد رأت هيئة النقل العام ان ترفع شعارا جديدا للشباب بدلا من ( احنا اللي خرمنا التعريفة ) او (احنا اللي دهنا الهوا دوكو )لان هذين الشعارين ينضحان بالتفاهة و الركاكة , ولا يتناسبان مع متطلبات العصر , و لهذا الفت شعارا جديدا و هو : ( احنا اللي ركبنا الاتوبيس ) و هو يدل علي ان راكب الاتوبيس في مصر ليس راكبا عاديا . و لكنه راكب من طراز فريد , يتمتع بصفات خاصة , منها : الصبر في الانتظار و اللياقة البدنية في الجري و المهارة في القفز و القدرة علي تحمل الصدمات . و قد اقامت هيئة النقل العام ناديا يسمي – كلوب الاوبيس – علي غرار كلوب محمد علي لهواة ركوب الاتوبيس من الاجانب و صفوة المجتمع . و الشرط الوحيد لعضوية النادي ان يؤمن كل عضو بمبدأ ( ان لم يكن الا الاتوبيس مركبا ... فليس علي المضطر الا ركوبه ) فقال صديقي الامريكي : لا افهم . فقلت : احسن .