أحلى شباب
Members-
عدد المشاركات
7 -
انضم
-
تاريخ اخر زيارة
السمعه بالموقع
0 Neutralعن العضو أحلى شباب
-
الرتبه
core_member_rank_2
-
كما أشار المفكر النهضوي عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد منذ قرن ونيف إلى الاستبداد بكونه أكثر المخاطر المحيقة بحياة ومستقبل الأمة خصوصاً عندما يتغول على مربع من الأحياز المتداخلة وهي : السلطة والثروة والإعلام و المرجعية ؛ فإن نظرة مدققة إلى واقع الحياة الاجتماعية في الدول العربية من محيطها إلى خليجها لا تترك فسحة لأي باحث متقص إلا أن لا يخالف التقويم العام لمسار المجتمعات العربية بأنها غارقة في مربع الاستبداد القاتل للأمة حسب توصيف المعلم الكواكبي. وبالتوازي مع تلك النظرة المدققة يستوجب الواقع العربي الراهن تأملاً مستبصراً في إمكانيات الإصلاح التدرجي لتلك الأنظمة العربية التي زالت تتلمس إرهاصات مخاضها الثوري الذي انتهجته وفق مدرسة الثورة الشعبية البوعزيزية – نسبة إلى الشهيد محمد البوعزيزي - و تجاهد بعناء للحفاظ على مكتسباتها الشرعية في مصر وتونس ، أو ما زالت تحاول تلمس طريقها للخروج من النفق الدامي التي زجها فيها مستبدوها كما هو الحال في ليبيا وسورية واليمن. ولأن التعقل ضالة الباحث الحق فلابد من إخضاع طروحات الإصلاح التي تتقدم بها الأنظمة العربية الاستبدادية التي تحاول التعامي عن مطالب شعوبها ودماء أبنائه المهرقة ظلماً من الناحية الأخلاقية وبؤساً من الناحية السياسية المحضة للبحث و التحليل المدقق لتلك الطروحات قبل تقديم استنتاج منهجي بصددها . و إذا حاولنا توصيف المجتمعات العربية جميعها عشية ربيع الثورات البوعزيزية الراهن، يمكن لنا إجمال الواقع الحياتي المعاش فيها باستعارة تعابير المفكر طيب تيزيني بأنها : دول أمنية أسها المنهجي هو اختزال الدولة في مؤسسة أمنية تعمل على إفساد كل من لم يفسد وتتعامل مع كل مكونات المجتمع بأن الكل مدان تحت الطلب و أن من ليس مع المؤسسة الأمنية قليلاً أو كثيراً فهو ضد الوطن وعميل لمؤامرات خارجية عليه. وبذلك التوصيف الاختزالي تتجلى الكيانات العربية بأنها مستنقعات من البؤس الاستبدادي تعيش فيها أرهاط اجتماعية مسلوبة من كل حقوقها الأساسية في العيش الكريم أخلاقياً واقتصادياً وكذلك من حقها في أن تعيد تعريف ذاتها من خلال حراكها التفاعلي الذي ينطوي على تآثر مكوناتها الداخلية عبر حراك سياسي حقيقي وحرية للتعبير تنظم ذلك الأخير وتخضعه للرقابة و التصويب الاجتماعي كما هو الحال في المجتمعات الأخرى في العالم التي تجاوزت متلازمات الاستبداد المرضية وعقابيلها الاجتماعية. وكذلك الأمر فهي مسلوبة من حقها على أن تعبر عن هويتها الوطنية أو القومية التي تراها من حقها من خلال اختزال الحقوق الجزئية والكلية في تعريف المكونات الجزئية للمجتمع وعلاقتها فيما بينها من جهة وعلاقتها مع المجتمعات القائمة فعلاً في دول حقيقية في الفضاء العالمي ضمن توازن مشوه يقوم على منهج إرادوي تلفيقي في تعريف الوحدة الوطنية ، و يتمثل في طمس لكل الحقوق الثقافية والتراثية والإنسانية والإثنية والدينية والمذهبية التي يفترض بها في الأحوال الطبيعية أن تشكل ثراء للمجتمعات وقدرة كامنة للعطاء الفاعل عقب عملية التحليل المتعقل لكل تلك الاختلافات بكونها جزءاً طبيعياً من أي تشكيل اجتماعي طبيعي ، و بأنها لا تتناقض مع مفهوم العيش المشترك والمواطنة في دولة واجبها الأول والجوهري هو حماية المواطن وما يتآثر معه من مواطنين آخرين في فضاء اجتماعي هو الوطن الذي تعمل الدولة لخدمته لا لاسترقاقه و استباحته عمقاً و سطحاً و عمودياً و أفقياً. و في الواقع العربي العياني المشخص للكيانات العربية منذ استقلالها عن مستعمريها المباشرين لم تتوقف عملية الطمس الاستبدادي للإنسان و المجتمع لصالح الغيلان الأمنية المافيوية عند حدود المحيط الاجتماعي الذي كان يفترض به أن يكون وطناً لكل المواطنين ، وإنما تشعب وتمدد إلى حدود إعادة تعريف ذلك الوطن المغيب قسراً و اختزاله إلى الشكل الذي يراه القائد الاستبدادي الملهم ؛ فهو قلعة الصمود والتصدي ، أو طليعة الثورة العربية ومهد الوحدة الوطنية ، أو رمز الوحدة و مقاومة الانفصال ، أو جماهيرية شعبية عظمى ليس فيها من عظمة سوى للاستبداد وحده. إن هذه الأنظمة العربية التي تحاول أن تقاوم المزاج العربي النهضوي الحق الذي أخرجه من قمقم الاكتئاب الجمعي - وفق مصطلح المفكر الألماني فيلهم رايخ - ثورة شباب سيدي بوزيد التي أعادت للوعي الجمعي العربي توازنه الذي افتقده منذ أن استقلت مجتمعاته عن المستعمر خلال القرن الماضي هي فعلاً أنظمة تسير بالتعريف الفلسفي عكس جدلية النمو التصاعدي للتاريخ وقت التعريف الهيجلي له ، وهي إذ تقدم مبادرات ووعود الإصلاحات الجزئية الترقيعية لتزويق وإخفاء الجوهر الاستبدادي المتوحش لأنظمتها الأمنية السرطانية التي اتخذت شكل دول من الناحية الهكلية فقط ، فهي تحاول أن تدس بعض العصي المنخورة من لبها و المتهالكة في نسيجها في عجلة التاريخ الجدلي ؛ لأن الإصلاح الحقيقي يستوجب إعادة التوازن السلبي في المجتمعات العربية ليكون الشعب بمختلف مكوناته الإثنية والدينية والمذهبية والإيديولوجية صاحب السلطة وواهبها ، لا أن يكون عبداً سجيناً في سجون العالم السفلي في أقبية الأجهزة القمعية التي تكاد تشكل العنوان الأكثر إيلاماً لجميع الأنظمة العربية في ضمائر شعوبها المستباحة باختلاف طبيعة الإخراجات التزويقية لجوهرها المغرق في تمترسه في مربع الجحيم الاستبدادي كما وصفه المعلم الكواكبي. إن الإصلاح الجذري لا بد أن ينطلق من تفكيك منظومات الدولة الأمنية و أدواتها القمعية والتي شخصت نفسها في الحالة العربية منذ الاستقلال ببنيات أمنية مافيوية تعملقت و تغولت على المجتمع و أعادت تكوينه بعد تفتيته و تذريته ليتحول من مجتمع يتآثر و يتفاعل فيه الأفراد المكونون له إلى تجمع من الأرقاء في كنف الاستبداد الأمني لا يجمعهم سوى التواجد في الزمان والمكان نفسه ، لأن كل أشكال التفاعل الاجتماعي محظورة بموجب قوانين الدولة الأمنية ومفاعيل الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ بمختلف أشكالها التقليدية منها والمعاصرة منها على شاكلة قوانين مكافحة الإرهاب الذي أوغلت الامبريالية الأمريكية المعولمة في تعريف ذلك الأخير ضبابياً حتى أصبح وسيلة الممالأة الأكثر تقزيزاً التي تتبعها الأنظمة الاستبدادية العربية لتبرير تلاوين وإبداعات بطشها بشعوبها السائرة على طريق الانعتاق الجمعي بكل عثراته وأثمانه الباهظة التي لا بد من دفعها ثمناً لتأسيس الحرية الحقيقية بكونها حرية للإنسان وتقديساً لحقوقه الأساسية قبل أن تكون تحرراً من الاستعمار فقط وفق المنهجية الفوضوية لمسوقي الأنظمة الاستبدادية القوموية التي لا زالت تتساقط بسرعات وإخراجات مختلفة غداة ربيع الثورات العربية. إن الإفراج عن السجناء والسياسيين ومعتقلي الرأي ، وإنتاج قوانين عصرية للأحزاب ، و التداول السلمي للسلطة ، وإبعاد الفساد والمفسدين عن أجهزة الدولة ، و كف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل المباشر أو غير المباشر في حياة المواطنين ، وتوطيد مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن ليكون أكرمهم أحسنهم عملاً وليس ولاءً للمنظومة الأمنية المافيوية ، وما يستتبعه في أول الأمر وأسه ضمان حرية التعبير لكل من يعيش في فضاء الوطن ؛ تشكل في مجموعها العناوين التعريفية بالمفهوم المنهجي للثورات العربية في ربيعها الغض والتي لا يستقيم تلبية أي منها وفق منهجية الدولة الأمنية السالفة الذكر لأن في تلبيتها تفكيك لمفاصل ومرتكزات وأدوات تحكم المنظومة الأمنية بالأوطان وشعوبها ومقدراتها واستباحتها مجتمعة دون قيد أو شرط من الرعية العربية التي لم تكن تمتلك لعقود طويلة إلا الحق في تمجيد جلاديها. ولذلك كان الاستنتاج التاريخي الجدلي من ذلك كله مختزلاً في تكوين سيد الشعارات في ربيع الثورات العربية ، و الذي وحد جماهير الثورة العربية الراهنة وهز جنبات المحيط و الخليج معاً بتكثيفه المنقطع النظير ، وصوب صداه الهادر منهج الصبر الثوري لدى كل الثوار العرب بمختلف مشاربهم ومرجعياتهم الإثنية والدينية والإيديولوجية ألا وهو الشعب يريد إسقاط النظام ) ، والذي لا بد أن يتحقق و لو بعد حين من المصابرة و تكاليفها المضنية لأنه يمثل الانعكاس الأكثر شفافية لقانونية التاريخ الذي لا رجوع فيه أو نكوص لمن يقرأ التاريخ و يتعظ مما جاء فيه ! مصعب قاسم عزاوي طبيب عربي مقيم في لندن
-
في كتابه المعنون بعلم النفس الجمعي للفاشية في العام 1933 أشار فيلهم رايخ إلى مفهوم خاص في علم النفس الاجتماعي يمازج إلى درجة التطابق بين التفاعلات النفسية على المستوى الفردي وبين تلك التفاعلات النفسية المتناغمة جراء التآثر الاجتماعي بين أفراد أي كتلة اجتماعية لتشكل ما يمكن تسميته البنية النفسية الجمعية Mass Psychological State ، ويكاد التوصيف الأكثر تبئيراً لتلك البنية النفسية الجمعية يتمركز حول أنها تمثلاً انزياحاً تجاه النموذج الأكثر دفاعية في الأنماط النفسية الفردية التي يشكل تآثرها التفاعلي تلك البنية النفسية الجمعية بالاستناد إلى مبدأ العدوى النفسية الاجتماعية والذي يفسر شعور الفرد بالخوف لدى ذعر الجماعة وشعوره بالشجاعة والإقدام مع الجماعة المنفلتة من عقال الخوف وإن كان لا يستطيع على ذلك في الحالات الاعتيادية. وقد يكون الاكتئابDepression إحدى أهم السمات النفسية المرضية التي يسهل حدوث العدوى بها وتتجلى أساساً في تدني الهمة والقدرة على الفعل والرؤية النفقية المظلمة للحياة بحيث تبدو الذات عالقة في البؤس الراهن لها دون القدرة على استبصار المستقبل أو تغيرات الواقع بصورته الكبيرة التي قد تؤدي إلى تغيير ذلك المشهد الداكن راهناً أو حتى التفكر بأدوات الفعل الذاتي التي يمكن من خلالها تغيير الواقع قليلاً أو كثيراً. وفيما يخص المواطن العربي خلال العقود الأخيرة وبغض النظر عن التباينات الجزئية غير الجوهرية في منظومة الفضاء الحركي الاجتماعي التي يتعامل معها فقد كان رهيناً لحالة طاغية من انعدام الحرية الاجتماعية والسياسية والفكرية التي أفضت إلى خواء روحي إنساني حتى لدى المقتدرين من الناحية الاقتصادية حيث أن السعادة والرضا النفسيين لا يتم تحقيقهما بالوفرة الاقتصادية كما لازال بعض السياسيين الأميين يظنون في بعض أجزاء الوطن العربي المتشظي. وذلك البؤس العربي الجمعي كله كان قد توازى في أحياز كثيرة من الفضاءات الاجتماعية العربية الموضعة بالإفقار المنظم لشرائح واسعة من المجتمع ، والذي نال بشكل وحشي منقطع النظير من الطبقات العربية الوسطى وتركها تنحدر على طريقة السقوط الحر دون أي قوة تعاكسه إلى قاع الطبقات المهمشة مما أدى إلى افتقادها ميزتها الأساسية كطبقات وسطى والمتمثلة ببعض الميسورية المادية التي تتيح لها التعليم والتفكير بالمستقبل دون أن تكون لاهثة وراء لقمة الخبز الكافرة من الصباح حتى المساء وطيلة أيام الأسبوع فافتقدت بذلك أهم سمة نفسية تتيح للعقل البشري معالجة الضغوط النفسية من خلال عقلنتها والتفكر بها واستيعابها Assimilation Mechanism وإيجاد حلول ناجعة لها حيث أن الطبقات المفقرة والهامشية لا تمتلك وقتاً لتفكر في شيء ولا تستطيع إلا أن تكبت قهرها ومعاناتها وآلامها دون أن تفكر فيها لأن الكبت هو الوسيلة والأداة النفسية الأكثر بدائية لدى كل بني البشر ، وهي الطريق الأكثر سرعة متى أن طفح الكيل في الخزان النفسي الإكتئابي فيما يسميه البعض اللاوعي الإنساني أو كما يسميه آخرون الدماغ القديم أو المتوسط في العقل الإنساني للدخول في متلازمة الإكتئاب وكل ما يستتبعها من وهن نفسي وعقلي وجسدي ورؤية سوداوية منكفئة على ذاتها ولذاتها فقط. ولأنه كما ذكرنا بأن الاكتئاب النفسي الفردي يتداخل مع ذلك الآخر الجمعي كوحدة أساسية متآثرة مع غيرها من الوحدات بحيث يتشكل لون رمادي خاص قد يزيد أو يقل في قتامته جراء التغايرات الجزئية والفردية ولكنه يبقى في المآل الأخير لوناً واحداً للمزاج الجمعي للكتلة الاجتماعية في زمان محدد ، وبحيث تكون السمة النفسية الطاغية مشخصة في مزاج الغالبية الاكتئابي في ذلك الحوض الاجتماعي باختلاف أشكاله وتمظهراته الهوسيةManic أو العدوانية Aggressive أو الفصامية Schizophrenic أوحتى الانتحارية Suicidal ، وذلك المزاج الجمعي هو الذي كان سائداً بالفعل قبيل الحرب العالمية الثانية نظراً للضائقة الاقتصادية العالمية والقسوة المنقطعة النظير التي مارستها الآلة الرأسمالية الغربية في استعباد الإنسان لتعويض خسائرها الرأسمالية والذي تم تكثيفه بشكل جلي في كتابات الوجوديين المؤسسين برغسون وسارتر حتى بدى العالم مختزلاً لديهما في جحيم وجودي لا مخرج منه إلا بالفناء. وبالفعل حقاً كانت الحرب العالمية الثانية هي المخرج الوحيد لتدمير ذلك التوازن السلبي الإكتئابي على مستوى القارة الأوربية أساساً والتي كانت الموطن الأساسي للحرب العالمية الثانية بصرف النظر عن التآثرات الأخرى التي أفرزتها على أفضية جغرافية جمعية أخرى في العالم. ولأن التاريخ يكرر نفسه بشكل جدلي معقد كما يحب الفيلسوف الألماني هيغل أن يصفه فإن المزاج النفسي للشعب العربي عشية ربيع الثورات العربية لم يكن من الممكن توصيفه بعبارة أدق من كونه اكتئاباً حقيقياً عميقاً لف الأمة بأسرها من محيطها إلى خليجها فالكل لا يكاد يبصر أفقاً للرضا النفسي الحقيقي لوجوده الاجتماعي المؤطر بحدود القمع والإذلال والتهميش وكم الأفواه والتنكيل وقطع الأرزاق لمن تجرأ أو عارض قليلاً أو كثيراً ، وصولاً إلى التكفير والتخوين بأشكاله المختلفة الدينية و السياسية ومن ثم قطع الأعناق البطيء في زنزانات العالم السفلي أو المباشر بسيافي النظم السياسية العربية الأمية ثقافياً والهمجية سياسياً ، حتى كان من محصلة ذلك كله عشية ربيع الثورات العربية رؤية نفقية معتمة لدى الكتلة الجمعية العربية تكاد لا تستطيع أن تبصر أي بصيص نور للخروج من ذلك النفق الاكتئابي الجمعي. ولكن كما يفعل الأطباء النفسيون عندما يعالجون الاكتئاب العميق التخشبي بالصدمة الكهربائية لتغيير التوازن الكهربائي للدماغ البشري لتمكين المريض من الخروج من نفق الرؤية السوداوية إلى رؤية واقعية ترى الواقع كما هو وتتلمس إمكانيات تغييره والتكيف معه ضمن صورة واسعة ملونة وليست رمادية كما هي في الأطوار الاكتئابية العادية ، كان فصل ثورة شباب سيدي بوزيد في تونس الأبية صدمة كهربائية للمزاج الجمعي التونسي أولاً والعربي ثانياً أعادت التوازن النظمي للبنية النفسية الجمعية العربية وقدمت لها علاجاً إسعافياً عنيفاً مكنها من استقراء إمكانياتها في تغيير واقعها وتفاعلها مع تلافيف وأحياز الواقع العياني بكل بؤسه و ذلك المشتهى الممكن بكل مداخله و تعريجاته. ولحسن الحظ العربي فقد كان هناك بقية من الطبقات الوسطى في تونس ومصر ممن عانوا الأمرين للتشبث بتلابيب الدرجات الوسطى في السلم الاقتصادي الاجتماعي وتمكنوا من التقاط تلك اللحظة الاجتماعية النفسية الاستثنائية بكونها طوق نجاتهم الوحيد و الأخير للخروج من أسر الحالة الاكتئابية الجمعية. ولأن التقاطب النفسي حالة شبه نموذجية في التفاعلات النفسية الطبيعية والمرضية فقد كان الانتقال من المزاج الاكتئابي الجمعي إلى المزاج الشمقي الجمعي Mass Euphoria طبيعياً أيضاً فبدأ العقل الجمعي كما جميع العقول الفردية في ذلك الحوض الاجتماعي الذي يتحدث بالعربية بالبحث الدؤوب عن كل إمكانياته وقدراته وطاقاته الكامنة لأجل استنهاض إمكانيات الواقع وتغييره بالسرعة القصوى التي قد تفوق إمكانيات الواقع العياني المشخص ، وهو ما قد تجلى في الطموح اليومي في تونس الشمم للانتقال إلى مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص و تكريم حقوق الإنسان في أيام قليلة وهو ما قد يستعصي إنجازه بالسرعة التي يريدها العقل الشمقي العربي الراهن نظراً لخصوصيات وتعقيدات الإمكانيات القائمة بالفعل في المجتمع التونسي ، ولكنه يبقى في جميع الأحوال حالة صحية ومفيدة لكون العقل الجمعي في هذه الحالة سوف يبقى يجاهد ويجتهد لإيجاد أفضل الحلول التكيفية للتعامل مع الواقع بشكل منتج وبناء في المآل الأخير. وإن تلك القانونية التفاعلية النفسية التي حكمت الثورة في تونس الشمم تم استنساخها في العقل الجمعي المعذب في مصر جراء الإفقار المتوحش وتحويل الوطن إلى سجن كبير للمفقرين ، فكانت الثورة بعزيمة جمعية أذهلت العالم بكل شرائحه و فئاته وعلى رأسهم كل من كان يزعم بأنه يستطيع تلمس حركة التاريخ الفلسفية وتحليل التفاعلات النفسية الاجتماعية الأكثر تعقيداً. وكما كان الأمر في تونس ومصر فإن الدول العربية الأخرى جميعها باختلاف الحدة ودرجة القتامة لا زالت تعاني من نفس الأزمة الجمعية الاكتئابية وهي حتماً وليس اختياراً سوف تستنسخ الصدمة الكهربائية للتجربتين التونسية والمصرية ولن تفلح الأدوات المنهجية التي خلقت ووطدت ذلك المزاج الاكتئابي المستديم المزمن في تأخير وإخماد إوار مخاض الخروج من النفق الاكتئابي للعقل الجمعي العربي لأن تلك الأدوات لم تعد تستطيع إيثاق العقل الجمعي العربي من جديد فهو قد تخلص من مصابه الاكتئابي المزمن وأصبح ينظر بعين وعقل ثاقبين إلى صورة مشرقة و بهيجة لواقعه المأمول الذي سوف يبنيه بعد أن حطم النفق الاكتئابي الذي تساكن معه ردحاً طويلاً بعد صدمة المعالج النفسي العربي الأول الشهيد الحق محمد البوعزيزي. مصعب قاسم عزّاوي طبيب عربي مقيم في لندن
-
من خلال ملاحظة مدققة لمسير الأحداث المتلاحقة في مشهديتها وألمها في ليبيا الصابرة المصابرة التي تكاد تكون إحدى النماذج الأكثر إقداماً في الثورات التحررية التي عرفها الكون خلال العقود الخمسة الأخيرة ، لما أذهل جميع من شاهد المعنويات العالية و الاستثنائية للمجاهدين الليبيين وهم يخوضون معركتهم التحررية التي طال انتظارهم لها ككل العرب الذين كابدوا ويكابدون القمع منذ استقلالهم عن المستعمر الغربي باختلاف الإخراجات لذلك القمع بين الدول العربية التي تتماثل في جوهرها وأدواتها الاستبدادية النهبوية. ونحن على يقين بأن المخاض التحرري في ليبيا سوف يكون عسيراً نظراً للتهشيم الاستثنائي الذي تعمد إيجاده المخبول العربي الأول القذافي في تذرية المجتمع من خلال فلسفة فوضوية أكلت الأخضر واليابس في المجتمع الليبي وتركته عارياً في مهب الريح دون أي شبكة لحمايته من منظمات للمجتمع المدني أو أحزاب سياسية موالية أو معارضة أو تنظيمات نقابية حقيقية أو شكلية مما قد صعب المخاض التحرري في ليبيا الذي ما كان من المجاهدين البررة إلا معاوضة ذلك من خلال الاستناد إلى فطرتهم التي ورثوها في صبغياتهم النقية عن شيخ الشهداء العرب في العصر الحديث عمر المختار التي تجلت في شجاعة وإقدام منقطع النظير يظهر فيه المجاهد شبه الأعزل مقاوماً للآلة العسكرية المنظمة بلا خوفه وإيمانه المطلق بواجبه النضالي للتحرر من استبداد الطاغية المخبول به. ولما كان هذا المخاض الناهض من الهشيم الاجتماعي عسيراً بطبيعته الاستثنائية التي فرضتها معطيات الواقع العياني المشخص في ليبيا ، فقد كان كذلك الحمل السياسي الموازي للجهد النضالي التحرري الذي يقوم به المجاهدون على الأرض كبيراً ومعقداً في متطلباته وتشكلاته وأحيازه المنهجية والتطبيقية ، وهو الذي بدا واضحاً في الجهد الضخم الذي بدى مطلوباً من المجلس الوطني الليبي المتشكل من رحم الثورة القيام به بشكل عاجل وفاعل معاً ، والذي لابد من تقدير جهوده التي بدى للبعض تحفظ على كفاءتها ، والتي نعتقد بأن التجربة الفعلية كفيلة بصقل تلك التجربة وإنضاجها بالشكل الذي تتطلبه حكومة مؤقتة مسؤولة عن نقل البلاد عقب مخاضها التحرري إلى مرحلة التأسيس الديمقراطي الفعلي المتمثل في دولة مدنية يتساوى فيها جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات. ولأن تبادل وجهات النظر والاستفادة من خبرات الآخرين ضروري في رسم المنهجية العامة التي يستدعي توفرها لدى قيام المجلس الوطني الليبي بتمثيل المجاهدين والمناطق الليبية المحررة على المستوى الدولي عموماً و خصوصاً لدى تواصله مع الآلة السياسية الغربية المغرقة في ذرائعيتها المنهجية و التطبيقية كان لا بد من طرح بعض الملاحظات الخاصة بمنهجية التعامل مع تلك الآلة السياسية الغربية علها تقدم مساهمة متواضعة في التفكير المشترك الساعي لتطوير أدوات وطنية ليبية قادرة على التعامل والفعل السياسي بشكل أكثر فاعلية بما يخدم مصلحة الجهد النضالي التحرري في ليبيا أولاً و آخراً . إن الآلة السياسية الغربية ذرائعية بالمطلق وهي لا تنظر إلى كل اليافطات الإعلانية التي تشرعها من قبيل حقوق الإنسان والمجتمع الدولي والسلام العالمي إلا كأدوات تبريرية منهجية لهدف أساسي و جوهري في كل الأهداف الثانوية الأخرى و المتمثلة في تحقيق المنفعة من الفعل السياسي الذي تستخدم كل تلك الأدوات لتبريره وبحيث تعود تلك المنفعة إلى الجهات المتحكمة فعلياً باقتصاديات المجتمعات الغربية وخاصة الشركات الرأسمالية الكبرى المتعددة الجنسيات والتي ترى في العالم سوقاً كونية لها وفي الآلية السياسية والعسكرية الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً أداتها الأساسية في تحقيق السيطرة الكاملة باختلاف الأشكال الإخراجية على تلك السوق الكونية والتي تشكل ليبيا الآن إحدى أهم الساحات البكر التي سوف لن تدخر تلك الآلة السياسية العسكرية الغربية جهداً لمحاولة السيطرة عليها بشكل مباشر أو غير مباشر وهو ما يستدعي التحذير من الانزلاق إلى دوامة النفس النضالي القصير والذي يقود البعض إلى الصراخ المتوجع من ضراوة صراع الإدارتين بين تلك المجاهدة المتحررة وبين تلك الهوسية الفصامية التي تتمثل في القذافي وأولاده ومرتزقتهم ، بمناشدة القوى الغربية للتدخل في حل الصراع بالسرعة القصوى دون وضع حدود منهجية واضحة لتلك المطالبة ، وأهم مثال ألحظه في ذلك هو عدم إشارة الأمين العام لحلف الأطلسي راسوموسين في بيانه يوم 11/مارس/2011 إلى وجود أي تمييز واضح بين موضوع الحظر الجوي في السماء الليبية والتدخل العسكري المباشر من خلال إشارة مبهمة على طريقة السياسيين الغربيين التي تترك الصراع مفتوحاً لاحقاً على تأويل ما قد قيل سابقاً بعد أن تكون الفأس قد وقعت في الرأس كما حدث في التجربة العربية البائسة في سقوط بغداد والوطن العراقي برمته بعد غزوها من تلك الآلة السياسية العسكرية الغربية نفسها. و كذلك فإن الكتلة السياسية العسكرية الغربية بهجانتها ولا مبدأيتها تفهم لغة المصالح بالسرعة القصوى حينما تقدم لها سواء بشكل صريح ومباشر أو موارب على شكل التلميحات المظللة التي يقوم بها الناطقون باسم تلك التكتلات السياسية العسكرية الغربية سواء من موظفي الصف الأول من الرؤساء ورؤساء الوزراء والأمناء العامين أو من موظفي الصفوف الثانية وما يليها من قبيل الناطقين والمتحدثين الرسميين وهو الذي يستوجب بالشكل المثالي التوازي معه من خلال ناطقين رسميين يمثلون المجلس الوطني الليبي ويعملون على تغطية مجموعة من البنود و الأهداف الإستراتيجية و التكتيكية الواضحة في شكل رسائل وخطابات مكثفة وواضحة ومختصرة توضح الغايات والأهداف المرحلية للمجلس الوطني الليبي بشكل لا يقبل اللبس ، وتمرر رسالات واضحة و صريحة إلى العالم الغربي تتمثل في تقدير من يساهم في مساعدة المجلس الوطني الليبي في تحقيق تلك الأهداف الواضحة الغير قابلة للتعديل فيما يتعلق منها بالمصلحة الوطنية ، والتشديد على معاقبة كل من سوف يقصر في دعم المجلس الوطني الليبي لاحقاً من خلال حرمانه من أي عقود لإعمار ليبيا بعد نضوج تجربتها التحررية وخلاصها من الطاغية وهو خطاب ينسجم مع آلية العقل السياسي الغربي الذي يتقبل بسعادة الحديث في السياسة عن الربح الممكن Potential Gain وهو ما قد يجدي أيضاً لدى التلويح به في وجه الكتلة المافيوية الحاكمة في روسيا والكتلة الاستبدادية الذرائعية حتى نقي العظم في الصين كذلك لتعودها على هذا الخطاب الغربي خلال سنين طويلة من تكيفها معه في منظومة الاستيلاء الرأسمالي على السوق الكونية . إن خطاب من يمثل أولئك الأبطال المجاهدين في ليبيا يحق له أن يكون قوياً وواثقاً وثاقباً لأنه جدير بذلك بما شحنته به دماء الشهداء الأبرار الذين ضحوا بشبابهم اليافع لأجل تحرير ليبيا من طاغيتها وثلته المشؤومة ويحق له أن يكون فخوراً بما حققته ثورة الشعب الليبي في أيام معدودة سوف تختزنها ذاكرة الشعب العربي من المحيط إلى الخليج بأحرف من نور لتضيفها إلى السنوات العشرين من جهاد شيخ الشهداء عمر المختار في وجهه غراتسياني الفاشي الذي يبدو أن الطاغية القذافي يتقمص روحه الآثمة وقلبه المتعفن وهو يظن بأن التاريخ لا يمكن أن يكرر نفسه ولكنه بالفعل يكرر نفسه دائماً . د. مصعب عزاوي طبيب و كاتب عربي مقيم في لندن
-
مقال د. مصعب عزاوي : نصرة ليبيا الجريحة للعرب فقط !
موضوع تمت اضافته أحلى شباب في منتدى الحوار العام
يقول كما الأعراب في شرق أمتهم المقطعة الأوصال وغربها : من جرب المجرب عقله مخرب ، ولأنني على يقين بأن ذاكرة الأعراب في عصرنا الراهن لا زالت تختزن وعلى الرغم من العسف والقمع والإقصاء المهولين الذي تعرضت له ممن استبد بهم وحولهم إلى قطعان من البشر بدل أن يكونوا مجتمعات طبيعية كما هو حال أقرانهم في أصقاع الأرض الأخرى، لا زالت تختزن في حناياها مورثات ذاكرة العربي البدوي الثاقبة التي كان يعرف بها وهاد الصحراء وكثبانها وحتى عواصفها. وإننا عندما نعتصر ذاكرتنا القريبة جداً سوف نستطيع استحضار عاصفة الصحراء كما يسميها فريق المحافظين الجدد في الولايات المتحدة أو كما يراها العقل الجمعي العربي بعاصفة الموت التي قتّلت شعب العراق الأبي بشكل منظم و بعدة أشكال أخطرها هو قتل مستقبل أبنائه الذين يناط بهم استنهاض العراق الأبي في المستقبل جراء ما تم إلقاءه من اليورانيوم المنضب Depleted Uranium والذي قدره خبراء مستقلون بـ 800 طن من المواد المشعة المنضبة والتي تعادل من الناحية الوزنية 12500 كمية اليورانيوم المستخدمة في صناعة القنبلة النووية التي ألقتها الولايات المتحدة في أغسطس 1945 على مدينة هيروشيما اليابانية والمقدرة بـ 64 كيلو غرام من اليورانيوم وتعادل فعلياً 480 طن من اليورانيوم الطبيعي باعتبار أن القدرة الإشعاعية لليورانيوم المنضب هو 60% من اليورانيوم الطبيعي والذي يعادل أيضاً من هذه الزاوية 7500 قنبلة ذرية من فئة الولد الصغير ( Little boy ) التي ألقتها الولايات المتحدة على هيروشيما من الناحية الإشعاعية أيضاً. وذلك اليورانيوم المنضب كان قد تم توزيعه على كافة أنحاء الأرض العربية المجهضة المستقبل في العراق والكويت والتي لا زلنا نرى بأم أعيننا كأطباء حالات الأورام والطفرات المورثية التي لم تحدث سابقاً على وجه البسيطة حتى في هيروشيما نفسها ، بسبب عدالة أبناء العم سام في توزيع الموت على أبناء العرب. ولأننا على معرفة حقة وعميقة بآلية عمل المنظومة الرأسمالية المتوحشة في العالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة ومن يلف لفها من دول الاتحاد الأوربي وغيرهم فهم لا يعبثون ولا يكترثون سوى لمصالحهم حيث أن حقوق الإنسان من الناحية السياسية في ذلك الجزء من العالم محدودة في حدوده فقط حسب قوالب اللعبة السياسية الانتهازية الرأسمالية وإن حاول بعض السياسيين تزويقها ومنحها لوناً آخر ينسجم مع لون بشرتهم غير الأبيض والذي لا يغير من جوهر وظيفتهم في عجلة الفعل الرأسمالي المعاصر والذي تحاول فعلاً مواجهته منظمات المجتمع المدني في العالم الغربي و ترويض توحشه ولكنها لا زالت غير مفلحة في ذلك خارج حدود بلدانها نظراً لقواعد اللعب الرأسمالي المتفق على تسيدها في تلك المجتمعات. ويستدعي انتباه العقل العربي البسيط في هذه المجزرة المستجدة يومياً والتي تحدث في ليبيا الأبية سؤال بسيط عن السبب الذي يدعو بعض العقلاء والطيبين إلى المطالبة بفرض حظر جوي على الطاغية القذافي ومرتزقته من قبل المجتمع الدولي إلى أن يصل ذلك بالبعض إلى مناشدة الولايات المتحدة إلى القيام بذلك لأن صبرنا النضالي قد عيل ولم نعد نطيق الصمود في معركة تحررية حقيقية يخوضها الشعب العربي الليبي الأبي ويصيغ بها تاريخاً جديداً له وللأمة العربية الحية التي طالما كنا نتوجع على موتها السريري المشهر في جميع أركان المعمورة. ولأن الحقيقة مطلق لا يمتلكه أي كان فإن التساؤل الطبيعي هنا يبرز عن دور تلك الجيوش العربية الجرارة التي يبلغ عددها بالملايين ابتداء من 450000 جندي مصري مروراً بـ 150000 جندي سعودي ووصولاً إلى 30000 جندي سوري و هذه الدول العربية نفسها هي التي تنفق أكثر من 47 بليون دولار سنوياً على شراء عتاد عسكري تكدسه في المخازن لتشغل به معامل الأسلحة في الولايات المتحدة وشركائها فقط و لتقوم بشراء غيره بعد أن تنتهي صلاحيته و هو في المخازن التي لا ترى النور. ولا نظن بأن هذا التساؤل يشذ عن المنطقية فهذه الدول العربية بالتحديد كانت قد دخلت بالفعل سابقاً بالاستناد إلى اتفاقية الدفاع العربي المشترك في العام 1990 وقامت بالحرب على وحدات الجيش العراقي بشكل واقعي لتحرير الكويت كما زعموا وليس لأن حكام تلك الدول كانوا يأتمرون بأمر أسيادهم الأمريكان ! ولأن بعضنا يعتقد جازماً بأن المواطن العربي الليبي سوف يهلل لأخوته من جنود الجيوش العربية التي إن حطت في أرض ليبيا الطيبة ولكنه لن يجد بداً عاجلاً أو آجلاً مقارعة جيوش الاحتلال الأمريكي إن حطت في أرضه لأنه لم يعد يطيق الذل والهوان الذي ذاقه من الطاغية المخبول و هو لن يستطيع أن يطيق الاستغلال والسرقة و ذر الفرقة والتخلف الذي سوف يفعله أسياد وصناع ذلك الطاغية حتماً إن حطوا في أرض ليبيا ليحكموا ليبيا مباشرة وليس بالوكالة كما فعلوا في العقود الأربعة المنصرمة . ولأننا على معرفة حقة بأن الكثير سوف يقول بأن هذا المطلب غير قابل للتحقيق في ضوء انشغال الحكام العرب راهناً في تثبيت الكراسي من تحتهم لمن لم تصبه الزلزلة لحد الآن ، أو في محاولة الالتفاف عليها لمن وقع في لجها ويجاهد ليخرج منها بأقل الخسائر راهناً ليجهضها متى ما تأتى له أو لمن سوف يبقى من زبانيته بعده ذلك ، فقد يكون من الصواب المنطقي دعوة كل جماهير الأمة العربية من محيطها إلى خليجها أن تستنهض لسانها الذي ابتلعته لعقود طويلة وتخرج إلى الشوارع والحواري و الأزقة و (الزنقات) العربية في مطالبة أساسية صارخة جوهرها تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك وتجييش الجيوش العربية بكل عتادها المكدس وغير المستعمل والذهاب إلى ليبيا لفرض الحظر الجوي وحماية المدنيين العزل ليستطيع الثوار أبناء ليبيا المجاهدة القيام بما رأوه حقاً لشعبهم وشهدائهم بقدراتهم النضالية الطبيعية التي ورثوها من معلم الشهداء العرب الشيخ عمر المختار . نعم إن الطغمة الرأسمالية المتوحشة في العالم الغربي بكل أدواتها وهياكلها التنفيذية ابتداءً من الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي وصولاً إلى الدمى السياسية التي تقوم بدور الحاكم الشكلي لتلك الآلة الوحشية للرأسمالية، لا ترى في أي جزء من الوطن العربي الكبير إلا بئراً من النفط أو صحراء يعيش فيها تجمعات من البشر المتخلفين الذين لا يستحقون حتى أن ينعموا بالحياة الحضرية العادية لأنهم من راكبي الجمال Camel Riders الذين وضعهم الطبيعي أن يكونوا خدماً لسادتهم البيض ، ولذلك فإن ضمير هذه الأمة العربية الناهض من قمقمه حري به أن يكون منتفضاً و صارخاً في كل الشوارع والأزقة والساحات ليجعل كل منها ساحة للتحرير وهو ينادي بصوت واحد يهز صداه الأرض العربية من المحيط إلى الخليج لنصرة ليبيا الجريحة لأننا شعب عرف كيف يصرخ مطالباً بكرامته المهدورة و قوته المسروق بعد طول صمت وعرف بأنه يستحق الحياة وأن أرضه وكرامته وثرواته وصوته ملك له لا يحق لأحد أن يستبيحها أو يجيرها لنفسه كما علمنا المخلص البطل الشهيد البوعزيزي. مصعب عزّاوي طبيب عربي مقيم في لندن