عمل يدخلني الجنة

[نودة 41]

من درس " إماطة الأذى"

 

عملٌ يدخلنــي الجنّـــة

قال الإمام البخاري حدثنا أبو عاصم عن أبان بن صمعة عن أبي الوازع عن أبي برزة الأسلمي قال قلت: يا رسول الله ﷺ دلني على عمل يدخلني الجنة ، فقال له النبي ﷺ "أمط الأذى عن طريق الناس"

هذا الصحابي الجليل القديم في إسلامه الدائم في جهاده هنا يسأل الرسول ﷺ على عمل يدخله الجنة .. وهكذا أصحاب الهمم العالية على حال من وصف الله جل وعلا { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} فالمسابقة والمسارعة بالأعمال الصالحة هي صفة العبد المؤمن وصفة الأمة المؤمنة حقًا.

 

وهذا الصنيع الهين اليسير الذي إن دل على شئ فإنما يدل على تخلص الإنسان من أنانيته ومن رؤيته لنفسه وحده ليس على حال أهل النفاق { قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } وإنما يحقق معنى يعيش في وسط الناس فهو إنسان متواضع يخاف على الناس وحريص على الناس وخير الناس أنفعهم للناس.

قال الإمام البخاري حدثنا موسى وهو ابن إسماعيل المنقلي عن سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ص ﷺ قال "مر رجل مسلم بشوك في الطريق فقال لأميطن هذا الشوك لا يضر رجلاً مسما فغُفر له"

وقال الإمام: حدثنا موسى ابن إسماعيل المنقري قال حدثنا مهدي عن واصل عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ :عُرضت عليّ أعمال أمتي سيئها ومحاسنها فوجدت في محاسن أعمالها أن الأذى يُماط عن الطريق ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة في المسجد لا تُدفن".

(الأذى) : هو الحجر أو الشوك وكلمة يُماط معناها يُنحى وفيه تنبيه على فضل كل ما نفع الناس أو أزال عنهم ضررا

(النخاعة) : وهو البزاق الذي يخرج من أصل الفم أو البصقة التي تخرج من أصل الحلق

وفي هذا الحديث بيان وحث على فعل ما ينفع الناس والبعد عن كل ما يضرهم وفيه إثم عدم إنكار المنكر

فضل إماطة الأذى عن الطريق

1. إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ "الإيمان بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من شعب الإيمان"

2. موجب لشكر الله تبارك وتعالى لمن يقوم بهذا الفعل وهو سبب عظيم لمغفرة الذنوب

3. موجب لدخول الجنة فقد قال النبي ﷺ فيما روى مسلم "لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها في ظهر الطريق كانت تؤذي الناس"

4. إماطة الأذى عن الطريق من جملة العمل الصالح فقد قال النبي ﷺ "كل سُلامى من الناس عليه صدقة ثم قال وتميط الأذى عن الطريق صدقة"

دلائل هذا السلوك في الواقع:

يعكس اهتمام الإسلام بحماية الممتلكات العامة ونظافتها ورعايتها وجعل الأساس في ذلك أساس من الوازع الديني (نوع من الرقي السلوكي)

 

مظاهر (الأذى) في الواقع المعاصر:

 

• ‎ سد الطريق وقطعه
• ‎ إلقاء القاذورات في طريق المارة
• ‎ تسابق الشباب بسياراتهم في الشوارع العامة مما يتسبب في الحوادث القاتلة
• ‎ الوقوف بالسيارات في أماكن غير مناسبة والتضييق على الناس دون مراعاة لهم

...........

فكل ذلك إن دل على شئ فإنما يدل على أن مسألة وسلوك إماطة الأذى بعيد كل البعد عن واقعنا فهذه دعوة للتوبة من هذه السلوكيات

أداب الطريق

 

فقد قال النبي ﷺ : "إياكم والجلوس على الطرقات فقالوا مالنا بد إنما مجالسنا نتحدث فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها قالوا وما حق الطريق؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة أشياء: غض البصر وكف الأذى ورد السلام وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر"

1- غض البصر قال الله { ‏‏قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } وقال الله {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}

2- كف الأذى وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم والحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الصحيحين أن النبي ﷺ قال "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"

3- رد السلام .. فجعل مما يجب للمسلم على أخيه رد السلام وهذا الأمر رد السلام يفتح من الود ما الله به عليم من أحوال القلوب "ألا أدلكم على شئ إن فعلتموه تحاببتم.أفشوا السلام بينكم"

4- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي صفة خييرة الأمة أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر بغير منكر { كُنْتُمْ خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر }.

5- هداية السائل عن الطريق أي إرشاد السائل وهدايته ، فقال ﷺ من حديث البخاري "ودلُّ الطريق صدقة".

6- تحريم قضاء الحاجة في طريق الناس أو ظلهم فالنبي ﷺ فيما روى مسلم قال "اتقوا اللعانين قالوا وما اللعانان يا رسول الله قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم"

7- الرجال أحق بوسط الطريق من النساء

عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول وهو خارج من المسجد واختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال ﷺ للنساء "استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق(أي وسط الطريق)عليكن بحافات الطريق".. فكانت المسلمات العفيفات تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به وهذا أقرب للحياء وأستر لا أن ينافسن الرجال في طريقهم ويقتحمونه ويعرضون أنفسهم للفتنة!

8- إعانة الرجل بحمله على دابته أو رفع متاعه عليها

• أدب البصاق..هل للبصاق أدب؟

وقال ﷺ في الحديث الصحيح "تُبعث النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجه صاحبها(البلغم الذي يخرجه الإنسان من حلقه) فإذا تنخم رجل في القبلة فإنها تكون في وجه صاحبها يوم القيامة"

النبي ﷺ علمنا شيئًا في هذا الباب فقال "من تنخم في المسجد فليغير نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه" ..

وهنا ذكر لقصة لطيفة فقد روى سعيد بن منصور في سننه عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فلم يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال الحمد لله الذي لم يكتب عليّ خطيئة الليلة.

انظر لأحوال الصحابة ... .فما بالنا وخطايانا بالألاف!!!

فقال العلماء "التفل والبصاق وهو هذا الذي يخرج من الفم له أداب ينبغي للإنسان أن يتحراها" وهي:

 

• ألا يتفل في المسجد كما بينا ولا يتفل تجاه القبلة.
• إذا وقع من الإنسان شئ من هذا أثناء الصلاة أو نحو من هذا قال النبي ﷺ فيما روى النسائي والحاكم والبيهقي "إذا صليت فلا تبصق بين يديك ولا عن يمينك ولكن ابصق تلقاء شمالك إن كان فارغا وإلا تحت قدميك وادلكه"

 

من جملة آداب هذا الحديث أيضاً:

أداب المسجد

1- التشبيك بين الأصابع مثلا فقد قال النبي ﷺ "إذا بصق أحدكم وأحسن وضوءه ثم خرج عامدًا إلى المسجد فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة" النهي عن التشبيك بين الأصابع لما فيه من الإيماء إلى ممارسة الخصومات والخوض فيها أو دلالة على تشبط الأحوال وهو ينافي الفأل الحسن

2- نهى النبي ﷺ أن يُوطن الرجل في المسجد كما يُوطن البعير أي يألف مكانًا معلومًا مخصوصًا يصلي فيه لا يغيره.

3- والنبي ﷺ قال "إذا رأيتم من يبيع ومن يبتاع في المسجد قولوا لا أربح الله تجارته وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا لا رد الله عليك ضالتك"

4- عدم جلوس الناس في المساجد للحديث في أمر الدنيا وذلك لحديث أنس وابن مسعود رضي الله عنهما قال ﷺ "يأتي على الناس زمان يُحلقون في مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا وليس لله فيهم حاجة فلا تجالسوهم"

5- الاهتمام بحِلق العلم وعدم الإنشغال عنها في حضرتها ،، وذلك للحديث "وأما الأخر فأعرض فأعرض الله عنه"

6- إزعاج المصلين فلا تُرفع فيه الأصوات إلا في المواضع التي جاء رفع الصوت فيها .. قد قرأ رسول الله ﷺ على أصحابه وهو يجهرون ويسرون بالقراءة وقال "أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض"

7- من نام في المسجد عليه أن يتحول من مجلسه .. قال ﷺ "إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره"

8- استحباب التجمل للصلاة وتنظيف المساجد لقول المولى تبارك وتعالى {يابني آدم خذوا زينتكم ..إنه لا يحب المسرفين}

9- يكره دخول المسجد بنحو ثوم وبصل أو كرات أو يكون الإنسان أكل شئ من ذلك ولم يطهر فمه فقد قال النبي ﷺ "من أكل من هذه البقلة يعني الثوم أو البصل أو الكرات فلا يقربن مساجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو أدم"

10- عدم اتخاذ المسجد طريقًا فالنبي ﷺ في حديث الحسن قال "لا تتخذوا المساجد طرقًا إلا لذكر أو صلاة"

11- النهي عن حجز الأماكن فليس لأحد أن يتحجر من المكان شيئًا (فلا سجادة يفرشها قبل حضوره أو بساطًا)

12- النوم فيه يكون للمحتاج كالغريب الذي لا أهل أو الفقير الذي لا بيت له

13- النهي عن سؤال الناس في المساجد فسؤال الناس كما يفعله الشحاذون في المساجد

14- جواز المشي بالنعال في المسجد إذا كانت نعالًا نظيفة

15- جواز اتخاذ الإنسان سلاحًا إذا اضُطر إلى ذلك

16- يُسن الإذن للنساء بالذهاب إلى المساجد "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" ولكن بشرط ألا تمس طيبًا وإن كان فعليها أن تغتسل منه.

17- عدم تخطي رقاب الناس وعدم إيذائهم

18- ألا تُبني هذه المساجد على قبر لورود النهي في الصلاة على المساجد المبنية على القبور وقد قال النبي ﷺ "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

من درس " إماطة الأذى " للشيخ / هاني حلمي