اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب

حمدى السيد

Members
  • عدد المشاركات

    98
  • انضم

  • تاريخ اخر زيارة

  • Days Won

    1

حمدى السيد last won the day on September 11 2014

حمدى السيد had the most liked content!

السمعه بالموقع

3 Neutral

عن العضو حمدى السيد

  • الرتبه
    core_member_rank_6
  1. [frame=5 10] العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه يقول عنه أبو هريرة رضي الله عنه : " أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل البحرين ، وكنا معه ، فرأينا منه ثلاثة أشياء لا تحدث إلا لنبي : أولها : انقطع عنَّا الماء ، وكدنا نهلك من الظمأ ، فذهبنــا له ، وأخبرناه ، فقال لنا : ولمَ لمْ تخبروني من قبل؟ هل معكم ماء يكفي لوضوء رجل؟ فقال رجل : نعم ، معي قدر من الماء يكفي لوضوء رجل واحد ، قال : فأتني به ، فتوضأ ، ثم صلى ركعتين لله ، وسأل الله ، فأجابه مولاه وهذا سلاح سلَّحهم به الله لأنهم لا يسألون الله إلا لله ، ولدعوة الله ، ولا يسألون الله لأشياء فانية ولا لحاجات زائلة وإنما يرغبون في تبليغ دعوة الله إلى عباد الله ، وتكليف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقوموا بإتمامه ، كما كلَّفهم به حَبيب الله ومُصطفاه قال أبو هريرة : وإذا بالوادي يسيل بالماء ولم نر سـحاباً ، قال وملأت دلواً كان معي وتركته عند الماء ، وبعد أن شربنا وملأنا أوعيتنا وسرنا وقطعنا مرحلتين من الطريق ، رجــعت إلى دلوي لأنظر إلى الوادي هل ظلَّ الماء به على حالته ؟ قال: فرجعت ، فوجدت الدلو مملوءاً بالماء ، ولم أجد في الوادي أثراً لأي ماء ؛ فعلمت أنه مددٌ من السماء ، أمده به الله عز وجل و ثانيها : قال : فلما وصلنا إلى شاطئ البحر ، وكان بيننا وبين القوم عرض البحر ، وليس معنا مراكب نستطيع أن نركبها ونعبر بها إليهم ، فلما رأونا ؛ جمعوا ما في البحر من السفن ، وأحرقوها جميعاً ؛ حتى ينقطع الطريق إليهم فقال العلاء : يا عباد الله ، توكلوا على الله ، وهيا بنا نمشي إليهم ، ثم قال كلمات " يا حليم ، يا عليم ، يا علي ، يا عظيم ، انصرنا عليهم ، ومكنَّا منهم " ، قال : فمشينا بإبلنا وخيولنا على الماء ، فلم تبتل أخفاف الإبل من الماء ؛ فكأن الله قد جمَّد الماء ليمشوا عليه حتى يبلغوا شاطئ البحر الآخر قال : فلما رآنا القوم قالوا: لا قبل لنا بهؤلاء ، هؤلاء إمَّا جنٌّ أو ملائكة ولا قبل لنا بقتال الجنِّ أو الملائكة ، واستسلموا وأسلموا ، كيف حدثت هذه المعجزة؟ لأنه لا يريد أن يكون ملكاً على الجزيرة ، أو يكتسب شهرة بين أهل الجزيرة ، وإنما يريد أن يدلَّهم على الله ، ويبلغ دعوة حَبيب الله ومُصطفاه صلى الله عليه وسلم ؛ فأيده الله عز وجل بما رواه الرواة ، وبما ذكره أبو هريرة رضي الله عنه وثالثها : قال: فعندما رجعنا مات العلاء فدفناه ومشينا ، وإذا برجل – واسمعوا وعِوا - فأصحاب رسول الله كما ذكرنا ، سخر الله لهم الأكوان كما سخرها للنبي العدنان ؛ لأنهم جعلوا أنفسهم وقفاً لدعوة الرحمن ، فمات الرجل فدفنوه ومشوا ، وإذا بمن يقابلهم ولا يعلم بما دار لكنها أسرار ويعلمها العزيز الغفار فسألهم : أين دفنتم صاحبكم؟ قالوا : دفناه في أرض كذا ، قال : فإنها مأسدة - يعني تكثر فيها الأسود - فاذهبوا إليه واحملوه حتى إذا وصلتم إلى أرض كذا فادفنوه فيها ، أراد الله أن يكشف لهم عن آية من التي يخص بها أهل العناية ، قال : فرجعنا وحفرنا القبر فلم نجد شيئاً فعلمنا أن الله عز وجل رفعه إليه وفي قصص أصحاب النبي آلاف من هذه الآيات وسببها تأييدهم في نشر دعوة الله ، وفي العمــــــــل بكتــــاب الله وفي التأســي بحَبيب الله ومُصطفــاه صلى الله عليه وسلم ، وهكذا الصالحون من بعدهم إلى يوم الدين ، فالصالحون خصوا بهذه الدعوة وجعلوا أنفسهم داخلين في من عناهم الله بقوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران104 أخذوا هذا الاختصاص أن يدعوا الخلق إلى الله ؛ رغبة فيما عند الله ، لا يرجون من الخلق حتى كلمة "جزاك الله خيراً" ، لأنهم يعلمون أنهم في حضانة الله وفي كفـالة الله وفي صيانة الله ، وأنهم موضع نظر الله جلَّ في علاه فتكفَّل الله لهم بكل ما يحتاجونه ؛ لأنهم جند الله فما يحتاجونه لإلانة القلوب ؛ أعطاه لهم علام الغيوب: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} سبأ10 فألان لهم حديد الطباع والقلوب القاسية وجعلها تخرج من الضلالات والزيغ إلى رضوان رب العالمين وإلى واحة الحضور بين يدي الله في بيوته في كل وقت وحين ، وهذه هي الكرامات العظمى فليست الكرامة : أن تطير في الهواء أو أن تمشي علـى المـاء ؛ ولكن الكرامة أن يكرم الله بك عبداً في هاوية الظلمات ؛ فتخرجه إلى نور القرب من الله عز وجل ، وهذه كرامة الأنبياء والمرسـلين أجمعين في كل وقت وحين ومن عجزوا عن إقناعه بالكلام ؛ دعوا الله عز وجل له فيستجيب الله عز وجل لهم في الحال "]منقول من كتاب {رسالة الصالحين}
  2. [frame=7 10] انشغل العباد بالعبادات ؛ طلباً للمنازل العالية في جنة الله ورضوان الله ، وانشغل العلماء العاملون والعارفون والصالحون بجهاد غيرهم ليسوقوهم إلى رب العالمين عز وجل ، وتلكمُ هي دعوة النبيين وتلكمُ هي رسـالة المرسلـين أجمعين في كل وقت وحين وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك أكرمهم الكريم بما يحتاجون له من معدات لتطهير النفوس ومن آلات لتنقية القلوب ومن علوم ليجذبوا المبعدين والمبغضين والعصاة والمذنبين إلى رب العالمين ، عـــلوماً ترقق القلوب وتأخذها إلى الله عز وجل أعطاهم الله عز وجل أحوالاً تجعل الرجل منهم إذا نظر إلى عاصٍ - وهو من رأسه إلى أخمص قدميه في المعاصي - وقال : يا رب تب عليه من أجلي يستجيب الله دعاءه ، ويتوب عليه في الحال جعلوا دعاءهم ليس لأنفسهم لتكثير خيرهم من الدنيا ؛ لأنهم علموا أن أمر الدنيا قد انتهى منه الله قبل خلق آدم بألفي عام كما ورد فى الأثر {إن الله خلق الخلقَ ، وخلق الأرضَ ، وقدَّرَفيها أقواتها ، قبل خلق آدم بألفي عام} ولم يجعلوا دعائهم لأولادهم ، وبناتهم ، وزوجاتهم ؛ وإنما خصوا بدعائهم العصاة والمذنبين والغافلين والبعيدين عن طريق رب العالمين ؛ لأنهم علموا أن هؤلاء يحبُّ الله عز وجل أن يرجعوا إليه سمعوه عزَّ شأنه وهو يقول كما ورد فى الأثر إذا تاب العبد: " بشرى يا ملائكتي ، فقد اصطلح عبدي معي ، افتحوا أبواب السموات لقبول توبته ، ولدخول أنفاس حضرته ، فلنـفس العبد التائب عنـــدي يا ملائكــــتي أعزُّ من الســــــموات والأراضين ، ومن فيهن " فاشتغلوا بهذه التجارة ونعم التجارة يقول فيها النبي المختار صلى الله عليه وسلم: {لأن يهديَ بك اللهُ رجلاً واحداً ؛ خيرٌ لك من حُمر النَعَم}{1} ويقول صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى : {لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً ؛ خيرٌ مما طلعت عليه الشمس أو غربت} ويكفيك قوله صلوات ربي وتسليماته عليه : {الدَّالُ على الخيرِ كفاعله}{2} كلما قرَّبت إلى حضرة الله عبداً صار لك مثل أجره ، ورُفِع لك عند الله عز وجل مثل حسناته ؛ لأنك سبب في توبته إلى الله ورجوعه إلى الله {من سنَّ سُنَّةً حسنة ؛ فله أجرها ، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة}{3} فساروا على هذا الدرب ؛ ففتح الله لهم في قلوبهم علوماً غيبية وإلهامات نورانية يقول فيها عز وجل في محكم الآيات القرآنية {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} الكهف65 من الذي يُعَّلِم هنا؟ الله عز وجل ، من الذي علَّم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أجمعين؟ الله عز وجل ، ونبيه صلى الله عليه وسلم ، ولما خرجوا لله وصدقوا ما عاهدوا عليه الله ونذروا أنفسهـــــــم لله جعلهم الله عز وجل في الدنيا سادة وقادة وأئمة ومكَّن لهم في الأرض ، وأجرى على أيديهم الآيات - مع أنهم ليسوا طالبيها أو راغبين فيها - وإنما أجراها الله على أيديهم ؛ لأنه علم حرصهم على تبليغ دعوة الله عز وجل ما الآيات؟ وما الكرامات؟ إنها تأييد من الله عز وجل لعباده الصالحين ؛ لأنهم يريدون أمراً يرضي رب العالمين فلذلك يؤيدهم الله بمدد من عنده وجند من جنده ، ومثل هذا الباب لو فتحناه - بالنسبة للأصحاب - يتوه فيه اللبيب الفصيح يذهب الرجل ليؤدي رسالة عن الحَبيب صلى الله عليه وسلم - وهو سيدنا سفينة - فيجد القوم يرجعون مسرعين ، فيسألهم ، فيقولون : أن هناك أسداً جائعاً على الطريق ، فيقول لهم : تعالوا معي ولا تخشوا شراً ، ويذهب إلى الأسد ، ويقول له بلغته العربية - ومن المترجم الذي ترجمها إلى اللغة الأسدية ، واعقل وافهم؟ أيها الأسد معي رســالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بتبليغها ،فبصبص الأسد ، وهزَّ ذيله ، ثم تنحَّى عن الطريق ، لأنه خاطبه بنيته ، ولأنه كان يريد أن يبلِّغ ما كلَّفه به حَبيب الله ومُصطفاه هذه آيةٌ أجراها الله لرجل من أهل العناية ؛ لأن غايته تبليغ دعوة الله ، لا يريد بها شهرة ولا ظهوراً ولا أن يسوق الناس عنه أحاديث ويروون عنه كرامات ، وإنما كل همِّه أن يبلِّغ دعوة سيد السادات ، فجعل الله عز وجل كل ما في الأرض رهن إشارتهم وطوع أمرهم وراثة للحَبيب المختار صلى الله عليه وسلم {1} مسند أحمد بن حنبل عن سهل بن سعد {2} سنن الترمذي – الجامع الصحيح عن انس بن مالك {3} صحيح مسلم عن منذر بن جرير عن أبيه منقول من كتاب {رسالة الصالحين} [/frame]" rel="nofollow" target="_blank">http://www.fawzyabuzeid.com/data/Book_resalat_elsaleheen.jpg[/img][/center][/frame]
  3. [frame=8 10] أكرم الله عز وجل هذه الأمة ، بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله مثالاً يُحتذى به ، وقدوة يقتدى به في كل أحواله وأعماله ، وقال لنــا عزَّ شأنه ؛ في شأن حبيبه بالنسبة لنا أجمعين : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب21 والعلماء العاملون ، والأولياء ، والصالحون ، ما التفَّ حولهم الخلق ، وما نالوا منزلة ووجاهة وقربة عند الله ، ولا أكرمهم الله عز وجل بالفتح في قلوبهم ، وبالنصر والتمكين في دعواتهم ، إلا على قدر إتِّباعهم ، وإقتدائهم بالحَبيب المختار صلى الله عليه وسلم فكلما كان الرجل الصالح أقرب الناس تأسِّياً بحبيب الله ومُصطفاه ، وأكثر تشبُّهاً بحقيقته صلى الله عليه وسلم في ظاهره وباطنه ؛ كان أقرب منزلة إلى مولاه ، وكانت معه عناية الله ، ورعاية الله في كل أنفاسه وخطواته في هذه الحياة وما سيَرُ الصالحين أجمعين ؛ إلا تحقيقاً لهذه الآية ، في الأسوة الطيبة ، والقـدوة الصالحة لسـيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ، فرسول الله نذر نفسه لله ، وجعل وقته كله ، وحاله كله لمولاه ؛ طالباً لرضاه ، ورغبة فيما عند الله لا يرجو من الخلق جاهاً ، ولا مالاً ، ولا منصباً ، ولا غنائماً ، ولا مكاسباً ، ولا حتى دعاءًا وإنما كل الذي يرجوه منهم أن يتبعوا هديه ، ويمشوا على شريعته ؛ لينالوا رضاء الله عز وجل ولذلك كان دأب الأنبياء أجمعين ، كسيد الأولين والآخرين ، حياتهم كلها ليست لأنفسهم ؛ وإنما لغيرهم يدلون الخلق على الله ، ويأخذون بأيدي الضَّالين إلى طريق الهداية الذي أوقف الله الصالحين على بابه ويسوقون الخلق مرة بالعلم ، وآونة بالحال ، وأحياناً بالدعاء ؛ ليجعلونهم يمشون إلى الله عز وجل مسارعين ؛ لينالوا رضا الله عز وجل في كل وقت وحين فمنهم من يدلونه بالكلمات ومنهم من يدخلونه على الله عز وجل بالدعوات ، فالذي لم تفلح معه الكلمات ؛ قال في شأنه سيد السادات " اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين " ؛ فاستجـاب الله دعـاءه ، وحـقق الله له رجـاءه ، ودخل عمر الإسلام بدعائه صلى الله عليه وسلم وقتـه كلـه لله ، ماذا يطلب مقابل ذلك؟ {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} الأنعام90 حتى أن الصلاة والتسليمات على حضرته لم يطلبها ؛ ولكنَّ الله عز وجل - حدباً علينا ، وحرصاً علينا ، وشفقة بنا ، وليس لمصلحة أو منفعة يحتاجها حبيبه ومُصطفاه - أمرنا بها الله في كتاب الله جلَّ في علاه ، فلا تظنوا أنها شكراً لله على نعمة حبيبه ومُصطفاه فقط ،ولكن اعلموا - علم اليقين - أن فيها منافع جمة لنا أجمعين ، في الدنيا ويوم الدين ولذلك وجَّـهنا إليها رب العالمين عز وجل لأنه جعل حياته لله ، وأنبأه الله عز وجل أن يعلن هذه الحقيقة - لمن يريد أن يتأسى بحضرته ، وأن يمشي على نهجه ودعوته - فقال له : قل لهم : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام162 كُـلُّهُ لله عز وجل ، فلما كان كله لله ؛ سخَّر الله عز وجل كل شيء له في هذه الحياة فكان كل شيء في الملك والملكوت ؛ طوع أمره ورهن إشارته ، - وإن كان هو لا يريد ذلك ، ولا يطلب ذلك ، ولا يفرح إذا ظهر ذلك - ولكن الله أيده بذلك ؛ لأنه يريد أن ينشر دين الله ، ويبلِّغ شرع الله لخلق الله ، صلوات الله وتسليماته عليه إذا أشار إلى القمر ؛ إنشق بإشارته ، وإذا أشار إلى الشمس ؛ وقفت استجابةً لدعوته ، وإذا أمر الأرض ؛ إئتمرت بأمره فوراً ، وهكذا كل شيء في عالم الملك والملكوت ؛ طائع لمن كانت حياته كلها للحي الذي لا يموت {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ} النساء64 علَّم المعلِّم الأعظم والنبي الأكرم ، أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين هذه الحقائق بقاله وبفعله وبحاله ؛ فساروا على هذا المنهاج وجعلوا حياتهم كلها لله ووهبوا أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم وكل ما يملكون لدعوة الله ؛ ليكون لهم شرف التأسي بحبيب الله ومُصطفاه ؛ فأكرمهم الله وراثة لحبيب الله ومُصطفاه أكرمهم الله عز وجل بفتح في أنفسهم ، فوهبهم من المواهب الإلهية - ما لا يستطيع أحد أن يحيط به في هذه الأوقات القصيرة - علَّمهم علماً بغير تعلم ، وأماط عن قلوبهم كل حجاب ، وكشف عنهم كل نقاب ؛ حتى صاروا كما قال فيهم الكريم الوهاب : {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} الأنعام122 فكانوا يمشون بنور الله معهم فراسة الله ، تأييداً من الله ؛ لأنهم يدعون إلى الله ، ولا يريدون من الخلق إلا أن يدلوهم على طريق الله ، ويسوقوهم سوقاً إلى حضرة الله ، لا يريدون أن يكون خلـفهم أتباع ، ولكن يريدون أن يكونوا أئمتهم إلى حضرة الله ، ويسوقوهم إلى فضل الله ، وكرم الله ، وعطاء الله لا يريدون منهم مالاً ولا غنائماً ولا جاهاً ولا شيئاً من متع الدنيا ؛ لأنهم تحققوا أن الدنيا كلها بما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة - ولو كانت تساوي جناح بعوضة ؛ مـا سقى الكافر منها جرعة ماء - فقالوا كما أنبأ الله عن حالهم : {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً} الإنسان9 لا يطلبون من الخلق جزاءًا لأنهم يعلمون أن الخلق أجمعين - من أول الدنيا إلى يوم الدين - لو اجتمعوا في صعيد واحد ، على أن يعطوا داعياً إلى الله ثمن كلمة علم واحدة يهديهم بها إلى الله ما استطاعوا وما بلغوا ؛ لأن هذا لا يقدر قدره إلا الله عز وجل هو وحده الذي يستطيع المكافأة والجزاء على هذه الأعمال علموا أن العمل الذي يرضاه الله ، هو الذي أشار إليه مع نبي الله موسى عندما قال له : يا موسى هل عملت لي عملاً قط ؟ قال : نعـم يــا رب ، صليت لك ، وصمت لك ، وتصدقت من أجلك ، قـال : يا موســى ، أما الصلاة فهي لك صلة ، وأما الصيام فهو لك نــور ، وأما الصدقة فهي لك برهـــان ، ولكن هل عملت لي عملاً قط؟ فالأعمال الصالحة كلها ، من الأذكار وتلاوة القرآن وكل أنواع العبادات ، يقول فيها الله عز وجل في خير الكلم : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} الجاثية15 إنه لك فما العمل الذي هو لله؟ قال : يا رب ما العمل الذي هو لك؟ قال عزَّ شأنه : هل واليت لي ولياً ؟ أو عاديت لي عدواً ؟ فعلم أن العمل الذي هو لله أن تأخذ الضالين من عباد الله ، وتردهم إلى طريق الهـداية ، لينالوا رضا الله جلَّ في علاه ، وأن تذهب إلى العصاة ، وترغِّبهم في رحمة الله وفي سعة مغفرة الله ولا تزال بهم حتى تأخذ بأيديهم إلى طريق الله ، فيقبلوا على الله ؛ فيفرح الله عز وجل بهم، ويفرح الله بك قبلهم ؛ لأنك سبب هذه الهداية ، وأنت الباعث لهم على هذه العناية ، قال عزَّ شأنه: " يا داود من ردَّ إلىّ هارباً ؛ كتبته عندي جُهْـبُذَاً" والجهبذ يعني العالِم الكبير ؛ فجعلوا هذه هي التجارة التي لن تبور "]منقول من كتاب {رسالة الصالحين}
  4. بسم الله الرحمن الرحيم إن أجلّ رسالة يؤديها المرء في الحياة ، وأعظم عمل يقوم به ليرضي الله ، ويكتسب المنزلة الكريمة عند خلق الله ؛ هو دعوة الخلق إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والقدوة الطيبة ، والخلق الكريم ، وذلك لقول الله عزَّ شأنه : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فصلت30 وتلكم هي أعظم رسالة يقوم بها الصالحون ، نيابة عن الأنبياء والمرسلين ؛ سر قوله صلى الله عليه وسلم : {العلماءُ ورثةُ الأنبياء}{1} وبيّن صلى الله عليه وسلم حقيقة هذا الإرث فقال : {نحنُ معاشرُ الأنبياء لا نوَرِّثُ درهماً ولا ديناراً ، وإنما نوَرِّثُ علماً ونورا}{2} والقائمون بهذا الأمر ، والحاملون لواء هذا العمل الجليل في كل زمان ومكان ، يقول فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : {قال الله إن أوليائي من عبادي ، وأحبائي من خلقي ؛ الذين يُذْكَرُون بذكري ، وأُذْكَرُ بذكرهم}{3} وقد نعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم أولياء الله وذلك حين سئل صلى الله عليه وسلم : من أولياء الله ؟ فقال : {الذين إذا رءوا ؛ ذُكِرَ الله}{4} وأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم خيار هذه الأمة ؛ وذلك حين قال : {ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا : بلى يارسول الله ، قال : خياركم الذين إذا رُءوا ؛ ذُكِرَ الله}{5} وذكر صلى الله عليه وسلم حال هؤلاء القوم ، وموقفهم من الفتن التي تتعرض لها الأمة ، وأنهم المحفوظون من الفتن الموقون ؛ فقال: {إن لله عز وجل ضنائنَ من عباده يغذوهم في رحمته ، ويحييهم في عافيته ، وإذا توفَّاهم توفَّاهم إلى جنته ، أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم ، وهم منها في عافية}{6} وقد وصف ذو النون المصري رضي الله عنه هؤلاء القوم ، ومنزلتهم عند الله ، ومهامهم التي يقومون بها لخلق الله ؛ طلباً لمرضاة الله ؛ وذلك إجابة لسؤال أحد مريديه حيث يقول : قلت لذى النون المصري رحمه الله : صف لي الأبدال؟ فقال : {إنك لتسألني عن دياجي الظلم ؛ لأكشفنها لك يا عبدالباري : هم قوم ذكروا الله عز وجل بقلوبهم ؛ تعظيماً لربهم لمعرفتهم بجلاله ؛ فهم حجج الله على خلقه ألبسهم النور الساطع من محبته ، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته ، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته ، وأفرغ لهم الصبر عن مخالفته ، وطهَّر أبدانهم بمراقبته ، وطيَّبهم بطيب أهل مجاملته، وكساهم حللا من نسج مودته ، ووضع على رؤسهم تيجان مسرته ، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب ؛ فهي معـــلقة بمواصلته ، فهمومهم إليه ثائرة ، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة ، قد أقامهم على باب النظر من قربه ، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته ثم قال : إن أتاكم عليلٌ من فقري فداووه ، أو مريضٌ من فراقي فعالجوه ، أو خائفٌ مني فأمِّنوه ، أو آمنٌ مني فحذِّروه ، أو راغبٌ في مواصلتي فهنِّئوه ، أو راحلٌ نحوي فزوِّدوه ، أو جبانٌ في متاجرتي فشجِّعوه ، أو آيسٌ من فضلي فعدوه ، أو راجٍ لإحساني فبشِّروه ، أو حسنُ الظن بي فباسطوه، أو محبٌ لي فواظبوه ، أو معظمٌ لقدري فعظِّموه ، أو مستوصفكم نحوي فارشدوه ، أو مسيءٌ بعد إحسان فعاتبوه ومن واصلكم فيَّ فواصلوه ، ومن غاب عنكم فافتقدوه ، ومن ألزمكم جناية فاحتملوه ، ومن قصرَّ في واجب حقي فاتركوه ، ومن أخطأ خطيئة فناصحوه ، ومن مرض من أوليائي فعودوه ، ومن حزن فبشِّروه ، وإن استجار بكم ملهوف فأجيروه يا أوليائى : لكم عاتبت ، وفيّ إياكم رغَّبت ، ومنكم الوفاء طلبت ، ولكم اصطفيت وانتخبت ، ولكم استخدمت واختصصت ؛ لأني لا أحب استخدام الجبارين ، ولا مواصلة المتكبرين ، ولا مصافاة المخلِّطين ، ولا مجاوبة المخادعين ، ولا قرب المعجبين ، ولا مجالسة البطَّالين ، ولا موالاة الشرهين يا أوليائى : جزائي لكم أفضل الجزاء ، وعطائي لكم أجزل العطاء ، وبذلى لكم أفضل البذل ، وفضلي عليكم أكثر الفضل ، ومعاملتي لكم أوفى المعاملة ، ومطالبتي لكم أشد المطالبة أنا مجتبي القلوب ، وانا علام الغيوب ، وأنا مراقب الحركات ، وأنا ملاحظ اللحظات ، أنا المشرف على الخواطر ، أنا العالم بمجال الفكر ؛ فكونوا دعاةً إلي ، لا يفزعكم ذو سلطان سوائي ، فمن عاداكم عاديته ، ومن والاكم واليته ، ومن آذاكم أهلكته ، ومن أحسن إليكم جازيته ، ومن هجركم قليته} وإلى جانب الدعوة إلى الله ، فللصالحين رسالة اجتماعية عظيمة ، يقوم أساسها على نشر المحبة والمودة بين الناس ، واقتلاع جذور الأحقاد والشحناء والإحن من النفوس ، والسعي للإصلاح بين المتخاصمين ، ونشر التكافل الإجتماعي ، وإحياء القيم الإسلامية بالقدوة الطيبة والأخلاق الكريمة ، ومقاومة التيارات المادية والإلحادية كالوجودية والعلمانية وأعظم ما في رسالة الصالحين أنها تربِّي الفرد تربية أخلاقية مثالية ، وعن طريق تربية الأفراد الفاضلة نصل إلى مجتمع متكامل متكافل فليتنا معشر المسلمين والمؤمنين في هذا الزمان نطرح الخلافات السطحية والشخصية جانباً ، ونتخلى عن العصبيات المذهبية والطائفية ونتكاتف ونتعاون ونضع أيدينا في أيدي بعض لنعلي شأن دين الله ، ونعمل على تطبيق شرع الله ، وتنفيذ سنة حبيبه ومصطفاه ، لا طمعاً في زخارف فانية ، أو مناصب دانية ، وإنما طمعاً في رضاء الله جلَّ في علاه (1) صحيح ابن حبان و سنن أبن ماجه عن أبي الدرداء (2) سنن أبي داود عن أبي الدرداء ، حلة الأولياء (3) رواه أبو نعيم عن عمرو بن الجموح {4} الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البزار - المصدر: الأحكام الشرعية الكبرى - الصفحة أو الرقم: 3/293 ، (5) أسماء بنت يزيد فى سنن إبن ماجه {6} الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البوصيري - المصدر: إتحاف الخيرة المهرة - الصفحة أو الرقم:8/74 منقول من كتاب {رسالة الصالحين} للشيخ فوزي محمد أبوزيد
  5. التيه فى صحراء سيناء أربعين سنة بعد خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ونجاتهم من فرعون ومع ما تعرض له موسى من إساءة بني إسرائيل المتكررة له واصل بهم موسى سيره إلى أرض الشام وتوالت الأيام وفى الطريق وقبل أن يصل بهم موسى إلى الأرض المقدسة التي كان يسكنها الكنعانيون الجبابرة أمرهم أن يعدوا أنفسهم لدخولها وأن يوطنوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله ليحصل لهم ذلك وفى سبيل الاستعداد والإعداد لدخول الأرض المقدسة اختار موسى منهم اثني عشر نقيبا أمرهم أن يتقدموه في دخول الأرض المقدسة ليعرفوا أحوالها وأحوال سكانها ونفذ النقباء ما كلفهم به موسى ثم عادوا بعد تعرفهم على أحوالها وأحوال سكانها ليقولوا له : إن الأرض المقدسة تدر لبنا وعسلا إلا أن سكانها من الجبارين وأخذ كل نقيب يخذل ويثبط جماعته عن دخولها إلا رجلان منهم فإنهما أمرا بني إسرائيل بأن يطيعوا نبيهم موسى وأن يصمموا على دخول الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم وبشرهم بالنصر إذا اعتمدوا على الله تعالى وأخلصوا النية للجهاد ولكن بنو إسرائيل عصوا نصيحة الرجلين الناصحين لهم كما عصوا نبيهم موسى فكانت نتيجة جبنهم وعصيانهم أن ابتلاهم الله تعالى بالتيه أربعين سنة وقد حكي القرآن الكريم بأسلوبه البليغ المعجز هذه القصة فقال الله تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} فسماهم موسى بالفاسقين ودعا عليهم فصدق الله على كلامه وأسماهم بالفاسقين كذلك وهنا أكثر من إشارة سريعة أوجه لها أنظاركم أنه لما يئس موسى من فرعون وقومه دعا عليهم فاستجاب الله له وشدَّ على قلوبهم وأهلك فرعون وجنوده بالعذاب الأليم كما دعا وبعد خروج بني إسرائيل وبمرور الحوادث والأيام أيأسه قومه كما أيأسه فرعون من قبل أيأسوه بعنادهم وترددهم ولجاجهم وجبنهم وتخاذلهم وسوء أخلاقهم وقد أعلمه الله ببصيرته النبوية أنهم بعد أن تخلوا عنه صارت لا فائدة ترجى منهم ولا يصلحون للعهد الجديد ولما كان موسى من أولى العزم من الرسل وممن لا يحابى في الله تاقت نفسه للخلاص من الفاسقين منهم حتى يبدلهم الله بمن يصلحون للمهمة المقدسة التي أمروا بها فدعا الله أن يفصل بينه وبينهم وشفع طلبه بوصفهم بالفاسقين فوافق طلبه مراد مولاه وأنزل له تفصيل قبول دعواه بالحكم عليهم بالتيه أربعين عاماً فيها يهلك كل من جبن عن أمر الله وكان فاسقا كما اسماه نبي الله فحرَّم الله عليهم فيها دخول الأرض المقدسة يتيهون في الصحراء متحيِّرين لا يرون طريقاً وهذا جزاء كل من اتبع هواه وخالف أمر مولاه فجزاءه أن يتيه في فيافي الزيغ ولا يبلغ أبداً مناه وعلى الرغم من عقاب الله لهم بالتيه فمن بركة موسى وهارون عليهم أنهم لما ضجُّوا من الحرِّ جعل الله لهم الغمام يظلُّهم من الشمس وجعل لهم عموداً من نور يطلع بالليل فيضيء لهم الظلمات ولما اشتكوا من العطش أمر الله موسى أن يضرب الحجر بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بلا اختلاط ولكن بنظام فكان ماؤهم من حجر يحملونه منه يشربون ويسقون فإذا اكتفوا جف الماء ووقف وكان طعامهم المن (وهو يشبه العسل ينزل لهم من السماء) والسلوى (السمان فإذا طلبوه وجدوه جاهزا للأكل) وأمروا ألا يخزنوا من هذا الطعام لعلم الله بحرصهم وأورد الكثيرون من أهل العلم أنهم كانوا لا تطول شعورهم ولا تشعث ولا تبلى ثيابهم ولا تنجس وتطول مع صغارهم وتكبر إذا كبروا وحكي الله عن تلك الفترة من تاريخهم فقال {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} وقال تعالى {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} ولكنهم كانوا أهل بطر فملُّوا العسل والطير واشتاقوا للفلاحة التي تعودوا عليها وعلى نتاجها فطلبوا العدس والبصل قال تعالى {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} يروى سيدنا سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس في الحديث المعروف بحديث الفتون وهو حديث طويل جداَ نذكر منه قوله {وقَالُوا: يَا مُوسى اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنّا ههُنَا قَاعِدُوْنَ اغْضَبُوا مُوسى فَدَعَا عَلَيْهِمْ وَسَمَّاهُمْ: فاسِقِيْنَ وَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْهُمْ مِنَ المَعْصِيَةِ وَإِسَاءَتِهِمْ حَتَّى كَانَ يَوْمَئِذٍ فَاسْتَجَابَ الله لَهُ فِيْهِمْ وَسَمَّاهُمْ فَاسِقِيْنَ وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَتِيْهُوْنَ فِي اَلارْضِ يُصْبِحُوْنَ كُلَّ يْوْمٍ فَيَسِيْرُوْنَ لَيْسَ لَهُم قَرَارٌ ثُمَّ ظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الغَمَامَ في التِّيْهِ وَأَنْزَلَ علَيْهِمْ المَنَّ وَالسَّلْوَى وَجَعَلَ لَهُمْ ثِيَاباً لا تَبْلَى وَلاَ تَتَّسِخُ وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ حَجَراً مُرَبَّعاً وَأَمَرَ مُوسى فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْناً} في كُلِّ نَاحِيَةٍ ثَلاَثَةُ أَعْيُنٍ وَأَعْلَمَ كُلَّ سِبْطٍ عَيْنَهُمْ الَّتِي يَشْرَبُوْنَ مِنْهَا لاَ يَرْتَحِلُوْنَ مِنْ مَنْقَلَةٍ إِلاَّ وَجَدُوْا ذلِكَ الحَجَرَ فِيْهِمْ بِالمَكَانِ الذي بالأمْسِ}[1] روى في "تنوير الأذهان" أن موسى ندم على دعائه عليهم فقيل لا تندم فإنهم أحقاء بذلك لفسقهم فلبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ وهم ستمائة ألف يسيرون كل يوم جادين فإذا أمسوا كانوا حيث بدأوا وهذه الإنعامات عليهم مع معاقبتهم لأن عقابهم كان بطريق الفرك والتأديب وموسى وهارون كانا معهم في التيه ولكن كان ذلك لـهما روحا وسلامة وزيادة في درجتهما قال في التأويلات النجمية والتعجب في إن موسى وهارون بشؤم معاملة بني إسرائيل بقيا في التيه أربعين سنة وبنو إسرائيل ببركة كرامتهما ظلل عليهم الغمام وانزل عليهم المن والسلوى في التيه ليعلم اثر بركة صحبة الصالحين واثر شؤم صحبة الفاسقين ومات النقباء كلهم في التيه بغتة غير كالب ويوشع ولم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال إنا لن ندخلها بل هلكوا في التيه وقاتل الجبابرة أبائهم ومات هارون قرابة نهاية مدة التيه ومات بعده موسى بسنة تقريباً واستخلف الله عليهم النبي يوشع بن نون وهو من دخلوا الأرض المقدسة تحت قيادته وقد بلغ من سوء طباعهم وظنهم بأنبيائهم أن موسى وهارون لما خرجوا معا وقد أذن الله أن يقبض هارون فدفنه موسى وعاد وحده فقالوا له إنك قتلته لحبنا له ولم يكفوا حتى أشهدهم الله آية فصدقوا موسى وعن عليّ بن أبي طالب كما أورد البغوى في تفسيره قال{صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون [وبقي موسى] فقالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته فآذوه فأمر الله الملائكة فحملوه حتى مرّوا به على بني إسرائيل وتكلّمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه قد مات فبرّأه الله تعالى ممّا قالوا ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره أحد} [1] مجمع الزوائد والسنن الكبرى للنسائى وغيرها يتبع إن شاء الله
  6. بسم الله الرحمن الرحيم صعق بنى اسرائيل كان سيدنا موسى يعلم أنَّ قومه قد ضلوا ووقعوا في ذلك الأمر المريع من عبادة العجل وقد انتهى أمر العجل وصدر الحكم على السامرى وبقيت فعلة بني إسرائيل المريعة؟ كيف تتوب بنو إسرائيل منها؟ إذ لابد من اعتذار خاص لله عن هذا وتوبة مخصوصة من الله تعالى عليهم فوقَّت الله تعالى له ولقومه ميقاتاً للتوبة والدعاء وقيل كانا ميقاتان ميقات للتوبة والاعتذار وميقات آخر للمناجاة فأختار موسى منهم سبعين رجلاً من الأسباط الإثنى عشر وممن لم يشتركوا في العجل وأخذهم معه إلى الطور أو الجبل ليعتذروا إلى الله ويتوبوا ويسألوه الصفح عن المذنبين منهم فذهبوا ودعوا الله واعتذروا إليه وهناك أخذتهم الرجفة فصعقوا وتضرَّع موسى لربِّه فأحياهم واختلف في سبب الرجفة أو الصعق وقيل في ذلك:أنهم لما دعوا الله اعتدوا في دعائهم بما لا يحق أو لا يليق أو عقاباً لأنهم لم ينهوا أصحاب العجل ولم يتجنبوهم وأشهرها أنهم طلبوا من موسى أن يسمعوا خطاب الله له فهو يذهب للمناجاة ويعود يخبرهم أنه كلَّم الله ولا دليل لديه فلما أخذهم موسى معه للجبل وأذن الله لهم وأسمعهم كلامه قيل سمعوه يخبر موسى أن توبتهم بقتلهم أنفسهم فطلبوا رؤية الله جهراً ليستوثقوا من أنه هو الله أو أنهم لما سمعوا كلام الله وطبعهم اللجاج والعناد لم يكتفوا بالسماع بل تمادوا وقالوا لا نصدق حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الرجفة وصعقوا قال الله تعالى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} وهكذا كان خبر الله لهم ووحيه لنبيه موسى أن توبة عابدي العجل من قومه لن تكون مقبولة منهم إلا بقتلهم لأنفسهم وهنا يجدر بنا أن نبين أنَّ الله تعالى لم يأمرهم بذلك انتقاما وإنما الحقيقة أن حبُّ العجل قد استقرَّ في قلوب كثيرين منهم وأخفوا ذلك فمنهم من أظهر ميله لهارون ولم يصرح بحبه للعجل وآخرون أعلنوا التوبة لموسى والندم عند عودته ولكنهم كذبوا في توبتهم فأراد الله أن يطهرَّ بني إسرائيل من هؤلاء المنافقين والكافرين فلما نفذوا ما أمروا به من الله بقتلهم أنفسهم كان الكافر يتبدى للمؤمن أولا فيقتله المؤمن فلم يقتل إلا كافرٌ أو منافق فلما فشا القتل دعا موسى ربه أن يعفو عنهم لما أطاعوا الأمر فقبل الله توبتهم وعفا عنهم أجمعين قاتلين ومقتولين لعلهم يشكرونه على نعمه قال تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وهنا إشارة وتنبيهٌ أن الحلي التي استعارتها نسوة بني إسرائيل من المصريين بحيلة أنهم سيتزينون بها في عيدهم وهن يضمرن أخذها معهن عند الخروج مع موسى كانت عليهم وبالاً وبليَّة لأنها مالٌ مغدورٌ ليس وراءه إلا الشرور فصنع السامرى منه عجلاً من الذهب وكان وقوعهم في عبادته ثم تحريقه على يد موسى وتذريته في اليم ثم التوبة عن عبادة العجل بقتلهم لأنفسهم يا ألله احمنا من شرور أنفسنا فهل اعتبر أحدٌ فيما يجلبه المال المغدور لمستحلِّيه من الآثام والشرور وعذاب يوم النشور والآن استقرَّ الأمر وقبل الله توبتهم وطهرهم من أهل الكفر والنفاق وتاب على الجميع والألواح فيها التوراة مع موسى ولم يبق إلا أن يتبعوا أوامر الله لهم فيها ويطبقوا شرع ربهم وهم في طريقهم للأرض المقدسة {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ولكن بنو إسرائيل لم يتقبلوا الأمر هكذا لأن الشرائع ثقلت عليهم كالرجم والقطع والقصاص ولم يقبلوا التكليف بطيب خاطرهم وإنما قبلوه برفع الجبل فوقهم كأنه ظلة وإلا سيسقط عليهم فيفنيهم وقد ورد في الحديث {وَأَخَذَ الألْوَاحَ بَعْدَ مَا سَكَنَ عَنْهُ الغَضَبُ وَأَمَرَهُمْ بِالَّذِي أُمِرَ بِهِ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ مِنَ الوَظَائِفِ فَثَقُلَ (ذَلِكَ عَلَيْهِمْ) وَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِهَا فَنَتَقَ الله عَلَيْهِمْ الجَبَلَ كأنَّهُ ظُلَّةٌ وَدَنَا مِنْهُمْ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ اخَذُوا الكِتَابَ بأيْمَانِهِمْ وَهُمْ مُصْغُوْنَ إِلى الجَبَلِ وَالأرْضِ وَالكِتَابُ بأيْدِيْهِمْ وَهُمْ يَنْظُرُوْنَ إِلى الجَبَلِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ}[1] وحكي الله عن تلك الآية المعجزة الغريبة في كتابه العزيز فقال {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فهؤلاء هم اليهود رأوا وشاهدوا وعاينوا من الآيات مع موسى وفرعون ما شاء الله لهم من الآيات البينات المتتاليات وكل واحدة أعجب من أختها وأثبت الله لهم مرة بعد مرة أن تشددهم ولجاجهم وعنادهم لا يعود عليهم إلا بكل جفاء وشدة وغلظة ولا يعتبرون ولا يتعظون وقد كانت قصة البقرة التي أمروا بذبحها خير دليل لهم على عاقبة هذا السبيل ثم معجزة شق البحر وعجيب نجاتهم من فرعون ثم ما وقعوا فيه من العجل والصعق والقتل وآيات بلا عدد ولكنها بنو إسرائيل فبعد كل ما شهدوه من العجائب لم يؤمنوا بما جاءهم به موسى إلا والجبل مرفوعاً فوق رؤوسهم وهم سجودٌ على أنصاف وجوههم ينظرون إلى الجبل يكاد يطبق عليهم وعندها فقط قبلوا ما جاء به موسى من التوراة يتبع إن شاء الله [1] مجمع الزوائد عن ابن عباس منقول من كتاب [بنو اسرائيل ووعد الأخرة] للشيخ فوزي محمد أبوزيد
  7. بسم الله الرحمن الرحيم عبادة العجل يقول صاحب تاريخ الإسرائيليين (وقد كان تاريخ اليهود إلى وقت خروجهم من مصر تاريخ أسرة صغيرة أخذت تنمو وتزداد حتى صارت قبيلة كبيرة لا كيان لها ولا حكومة منها ولا شارع أو وازع فيها ينظر في أمورها ويرد قويها عن ضعيفها متفرقة في أرض مصر عرضة للعبودية والسخرة والاستبداد والإهانة . أما بعد الخروج فإنهم تألفوا شعبا واحدا وأمة واحدة لها قائدها من بنيها وجيش يقوم على حمايتها وحاكم يتولى أمورها وشئونها وأخذت تبدو فيها صفات الأمة المستقلة فإنها لم تكد تغادر مصر حتى بدأ الشارع في سن النواميس والقوانين والشرائع الدينية والأدبية والمدنية كما تكون في الأمة المستقلة القائمة بنفسها . وعليه فتاريخ الإسرائيليين لا يبتدئ إلا بعد خروجهم من مصر وتاريخهم هذا يستغرق قرونا عديدة اتفق لهم في خلالها كثير من الحوادث العادية من حروب وتقدم وانحطاط) ولكن بنو إسرائيل لم يقدروا نعمة الحرية ولم يشكروا الله على إنجائه لهم من عدوهم ولم يطيعوا نبيهم موسى الذي جاء لهدايتهم وإصلاحهم والدفاع عنهم بل آذوه إيذاءاً شديدا وفى الطريق إلى الشام حدث العديد من الوقائع من بني إسرائيل مع نبي الله موسى وأخيه هارون . وكانت أفعال بني إسرائيل كلها قبائح ونقائص تدل على خبث طبعهم وسوء فعالهم ونذكر ملخص للحوادث التي حدثت في طريقهم مع موسى وأخيه إلى الشام وفيه تتضح قبائح أفعالهم وسوء طباعهم فبعد أن سار بهم موسى في أرض سيناء فترة من الوقت جاعلا وجهته أرض فلسطين من بلاد الشام ثاروا عليه وعلى أخيه هارون وقالوا لموسى وهارون كما تحكى التوراة عنهم (ليتنا متنا في مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزا للشبع فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع لماذا أصعدتمانا من مصر؟ أمن أجل أن نموت نحن وأولادنا ومواشينا بالعطش) وتحكى التوراة أن موسى ضاق بهم ذرعا لكثرة جهالاتهم وسوء أعمالهم وأنه تضرَّع إلى الله قائلا (ربِّ لم ابتليت عبدك ووضعت أثقال هذا الشعب علىَّ؟ وهل أنا الذي ولدتهم حتى تقول لي : احملهم في حجرك كما تحمل الحاضن الرضيع وإني لست طائقا حمله وحدي لأنه ثقيلٌ علىَّ وإلا فاقتلني ولا أرى بليتي) وبعد أن رأى بنو إسرائيل غرق فرعون بأعينهم وساروا مع موسى إلى بلاد الشام شاهدوا قوما يعبدون أصناما لهم فما لبث بنو إسرائيل بعد مشاهدتهم لهؤلاء الوثنيين إلا أن قالوا لنبيهم موسى اجعل لنا أصناما نعبدها كما أن لهؤلاء أصناما يعبدونها وذلك لأن الوثنية التي عاشوا فيها في مصر كانت مازالت بنفوسهم الضعيفة. وقد حكي القرآن الكريم عنهم هذه الرذيلة فقال تعالى {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} وخلال سير موسى بقومه في صحراء سيناء إلى بلاد الشام واعد الله تعالى موسى أن يعطيه التوراة لتكون هدى لبنى إسرائيل. وأمره بصيام ثلاثين يوما فلما حلَّ الموعد ترك موسى بني إسرائيل مستخلفا عليهم أخاه هارون وذهب إلى الطور لتلقى التوراة فزاده الله عشرة أيام وقد حكي القرآن ذلك فقال {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} وأثناء غياب موسى عن قومه لتلقى التوراة وتركهم في رعاية أخيه هارون وضرب لهم ميعاداً إلى ثلاثين يوماً فلما انقضت الثلاثون يوماً أولاً ولم يعد موسى كما وعدهم ماذا وقع من بني إسرائيل؟ وكعادتهم في انتهازهم للفرص بقبيح الفعال كان فيهم رجلٌ ذو شأن وذو حيلة ومكر يدعى السامرى فدبر حيلة ومكر مكراً مستغلاً لين جانب هارون فصنع لهم عجلا جسدا له خوار من ذهب وحلى نسائهم التي استعاروها من قبط مصر قبل خروجهم وعبدوه وحاول هارون أن يصدَّهم عما تردوا فيه من ضلال وكفر ولكنهم أعرضوا عنه قائلين كما حكي القرآن الكريم عنهم {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} فلما اشتدَّ عليهم هارون في النهى عن عبادة العجل تطاولوا عليه وكادوا يقتلونه فصبر عليهم حتى لا يتفرقوا حتى يرجع موسى وبعد أن تلقَّى موسى التوراة من ربه أعلمه الله أن قومه قد فتنهم السامرى بعبادة العجل فعاد إليهم مغضبا حزينا وأخذ يوبِّخهم بقوارص الكلم وينذرهم بسوء المصير فاعتذروا إليه بأن السامرى هو الذي أضلهم ولكن الحقيقة التي يعلمها الله أن الكثيرين منهم قد أشربوا حبَّ العجل في قلوبهم بدليل طلبهم من موسى أن يتخذوا آلهة عندما مرُّوا في طريقهم على قوم وثنين يعبدون آلهة لهم وظنَّ موسى أن أخاه هارون قد قصر معهم فعاتبه ولامه على ذلك فأخبره هارون بأنه لم يقصر في نصيحتهم وزجرهم عن عبادة غير الله ولكنهم لم يستجيبوا له بل آذوه وكادوا يقتلونه ثم صبَّ موسى جام غضبه على السامرى -رأس الفتنة ومدبرها – فقال له بعد أن سمع كلامه ودفاعه الواهي عن نفسه {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} وعلى مشهد من بني إسرائيل نفذ موسى ما توعَّدَ به السامرى فأحرق العجل وألقى ترابه في البحر وأثبت للجميع أن المستحق للعبادة إنما هو الله تعالى وأن العجل الذي عبدوه بجهلهم وغبائهم لا يملك ضرَّا ولا نفعا. يتبع إن شاء الله
  8. بسم الله الرحمن الرحيم عجوز بنى اسرائيل يرى بعض المؤرخين أن بني إسرائيل خرجوا من مصر بقيادة موسى في عهد رمسيس الثاني وقيل في عهد ( منفتاح بن رمسيس الثاني) حوالي سنة 1213 ق م بعد أن طالبه موسى أكثر من مرة بأن يرسل معه بني إسرائيل ليخرجوا إلى أرض الشام وقد وردت قصة خروج بني إسرائيل من مصر إلى أرض الشام في مواضع متعددة من القرآن الكريم ومن ذلك قولة تعالى {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} قال الإمام ابن كثير {لما طال مقام موسى ببلاد مصر وأقام بها حجج الله وبراهينه على فرعون وملئه وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون لم يبق لهم إلا العذاب والنكال فأمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل ليلا من مصر وأن يمضى بهم حيث يؤمر ففعل موسى ما أمره به ربه وخرج بهم وقت طلوع القمر وعن مجاهد أنه كسف قمر تلك الليلة}وورد أنهم حملوا تابوت يوسف معهم عند خروجهم وكان وقت طلوع القمر وكانوا نسوا وصية يوسف لهم أن يحملوه معهم عند خروجهم من مصر فكُسفَ القمرُ فأظلموا فأخبر علماؤهم موسى ذلك إن يوسف عاهدهم أن يحملوه معهم عند خروجهم من مصر وقد نسوا ذلك فسأل موسى عن قبر يوسف فدلَّته امرأة عجوز من بني إسرائيل فاحتمل موسى تابوته معهم بنفسه كما أوصاهم وهنا لطيفة من لطائف أحاديث النبى صلي الله عليه وسلم إذ ورد في الحديث الشريف {أَتَى النَّبِيُّ أَعْرَابِياً فَأَكْرَمَهُ فَقَالَ لَهُ: ائْتِنَا فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: سَلْ حَاجَتَكَ قَالَ: نَاقَةٌ نَرْكَبُهَا وَأَعْنُزٌ يَحْلِبُهَا أَهْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّه: أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَما عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: إنَّ مُوسَى لمَّا سَارَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ ضَلُّوا الطَّرِيقَ فَقَالَ: مَا هذَا؟ فَقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ يُوسُفَ لَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ أَنْ لا نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا قَالَ: فَمَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ؟ قَالَ: عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ فَقَالَ: دُلِّيني عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ قالَتْ: حَتَّى تُعْطِيني حُكْمِي قَالَ: وَمَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ: أَكُونُ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ فَكَرِهَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذلِكَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ أَعْطِهَا حُكْمَهَا – وإختصاراً فدلتهم فحفروا وحملوه- وَإِذَا الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ}[1] فخرجوا فلما أصبح قوم فرعون وليس في ناديهم داع ولا مجيب غاظ فرعون ذلك وأشتد غضبه على بني إسرائيل لما يريد الله به من الدمار فأرسل سريعا في بلاده من يحشر الجند ويجمعهم للإيقاع ببني إسرائيل وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حلى وذهب جيرانهم ومعارفهم من المصريين قبل خروجهم ولم يعيدوه لهم بل أخذوه وخرجوا ويعلق أحد المؤرخين على قصة استلاب بنى إسرائيل لحلى المصريين عند خروجهم فيقول [ويلفت النظر خاصة ما جاء في التوراة من سلب رجال ونساء بني إسرائيل أمتعة جيرانهم الذهبية والفضية بحيلة الاستعارة ونسبة ذلك إلى الله تعالى ومهما كان من أمر فإن تسجيل هذا الخبر بهذا الأسلوب يدل على ما كان وظل يتحكم في نفوس بني إسرائيل من فكرة استحلال أموال الغير وسلبها بأية وسيلة ولو لم تكن حالة حرب ودفاع عن النفس كما أنه كان ذا أثر شديد بدون ريب في رسوخ هذا الخلق العجيب في ذراريهم ممن دخل في دينهم من غير جنسهم] ووصل موسى وبنو إسرائيل للبحر وفرعون وجنده من ورائهم وبنو إسرائيل يضجون بالشكوى أنهم مدركون فأمر الله موسى فضرب بعصاه البحر فانفلق وظهر فيه اثنا عشر طريقاً لكلّ سبط طريق قيل كانوا ستمائة ألف فكل سبط خمسون ألفا وأرسل الله الريح والشمس في الحال على قاعه حتى صار يبساً [2] فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق وعن جانبه الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً فخافوا وقال كل سبط قد غرق كل إخواننا فأوحى الله إلى حال الماء أن تشبّكي فصار الماء شبكات يرى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين ثم وصل فرعون إلى البحر فرآه منفلقاً فمن كبره قال لقومه: انظروا قد انفلق لهيبتي حتى أدرك أعدائي أدخلوا البحر فهابوا وكانت خيل فرعون كلها ذكوراً فجاء جبرائيل على فرس أنثى وديق فتقدّمهم فخاض البحر فشمّت الخيول ريحها فاقتحمت البحر في أثرها حتى خاضوا كلهم في الشق وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يستحثهم ويقول لهم:الحقوا بأصحابكم وهكذا اندفعوا في إثر بعضهم حتى إذا خرج جبرائيل من البحر وقبل أن يخرج أولهم أمر الله البحر أن يأخذهم والتطم عليهم فأغرقهم أجمعين وذلك بمرأى من بني إسرائيل وبعد أن رأوا غرق فرعون بأعينهم سار بهم موسى إلى أرض فلسطين بالشام مؤملا أن يصبحوا أمة قوية بإيمانها وصالح عملها فقد ترتب على خروجهم من مصر وهلاك فرعون أن أصبحوا أحرارا في شئونهم وأحوالهم بعد أن كانوا يذوقون في مصر سوء العذاب على أيدي فرعون وجنده يتبع إن شاء الله [1] صحيح ابن حبان عن أبي موسى، والمستدرك على الصحيحين، ومجمع الزوائد [2] هنا لطيفة: قال سعيد بن جبير: أرسل معاوية إلى ابن عباس فسأله عن مكان لم تطلع فيه الشمس إلاّ مرة واحدة؟ فكتب إليه: إنه المكان الذي انفلق منه البحر لبني إسرائيل.
  9. قصة سيدنا موسى من أطول قصص القرآن الكريم وسنلخصها تلخيصاً سريعاً مركزين على غرضين أساسين أولهما أن نرى كيف أعدَّ الله نبيه موسى لرسالته في بني إسرائيل إعداداً خاصاً ليناسب قومه وكيف كانت كل لمحة في قصته لحكمة تظهر لاحقا وهنا لطيفة: ففرق بعيد بين أمتين أمة بني إسرائيل أرسل الله لها الأنبياء يعقوب فموسى ثم أتبعه بأنبياء وأنبياء وهم لا يزيدون إلا غياً وبعداً وأمة الحبيب المصطفى أرسل الله لها نبياً واحداً فكفى ووفى من لدن بعثته إلى قيام الساعة والله أعلم بمن أصطفى فاعتبروا يا أولى العقول والنهى وثانياً لنعرف كيف كانت طباع بني إسرائيل وأخلاقهم مع نبيهم منذ بداياتهم فمثلهم لا تتحسن أخلاقهم بعد أن يدور الزمان بل هي تسوء أكثر فأكثر حتى يأتي وعد الله فيجزيهم الله بما كسبت أيديهم وما ظلمهم الله ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون ونلتقط خيط قصة موسى من وقت أن طرد المصريون الهكسوس وبدأ المصريون يذيقون بني إسرائيل الهوان والعذاب ومع ذلك استمر بل كثر شغلهم بالفتن وحبِّ المال والمؤامرات وعاشوا في مجتمع خاص بهم ويكاد يكون مغلقاً عليهم وكان أمر حكام مصر قد استقرَّ على استعبادهم وإذلالهم للإسرائيليين واستخدامهم للخدمة والصناعات والأعمال الدنية واستمر الطرفان على ذلك هذا من الناحية الاجتماعية أما من الناحية الدينية فكانت بنو إسرائيل ما تزال تعبد الله وتتوارث دين أبائهم من التوحيد بينما كل من تأثر من المصريين بيوسف الحاكم المدبر المنقذ لمن كانوا في ملكه وآمنوا معه فبموت يوسف ومع الأيام اندثر من آمن من المصريين برسالته وصاروا المصريون جميعاً يعبدون الآلهة ويطيعون الفراعنة ويبجلون الكهنة والسحرة على دين فرعون إلا أفراداً قلائل الله يعلمهم وكان أن استشرت نبؤة رؤيا رآها فرعون أن هلاكه على يد رجل من بني إسرائيل فأمر فرعون فقتلوا المواليد الصبيان لبنى إسرائيل فلما كثر قتل المواليد الذكور خشي كهنة فرعون وعظماء حاشيته ألا يكون هناك لاحقاً من يخدم أو يصنع من بني إسرائيل فغيَّر فرعون أمره فجعل القتل سنة بعد سنة فولد هارون في سنة السماح فأمن وولد موسى في سنة القتل التي تليها أما عن نسب موسى فاتفق على أن لاوى بن يعقوب وهو سبط أنجب قاهث فأنجب بدوره يصهر وعمران ويصهر هو أبو قارون وعمران هو أبو موسى وأخيه هارون ولذا فإن قارون كان ابن عم موسى وقد حكي القرآن الكريم في كثير من آياته نماذج من العذاب الذي أنزله فرعون مصر وجنده ببني إسرائيل من ذلك قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} وقوله تعالى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} وقوله تعالى {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} وفى خضم الليل البهيم من البلاء والخوف والرعب والذبح جاء إذن الله وولد نبيه موسى والذبَّاحون والقتلة يترصدون بكل مولود من قبل أن يولد وولد موسى وكان وحى الله لأمه وقصة التابوت وإلقاء موسى في النيل وتتبع إخته له إلى أن وصل زوجة فرعون والتي كانت أطفالها تموت في المهد فوقعت محبته في قلبها فأخذته وأسمته (مو-سا) بالمصرية القديمة أي (ماء وشجر) حيث وجدوه واسترحمت فرعون فوافقها غير سعيد ثم قصة المراضع وردِّه إلى أمه لتتكامل تنشئته في حضنها مع رعاية القصر وتربَّى موسى تربية أميرية لم يكن لينالها في أوساط الذل والقهر عند قومه فكانت بداية التجهيز له بالعزَّة والرفعة وقوة التنشئة التي يحتاجها كنبي من أولى العزم من الرسل وقيل تربَّى في بيت أمه كمرضعة له تحت رعاية قصر فرعون لهما كإبن تبنَّاه فرعون وكما يحكى التاريخ فقد ولد لفرعون بعد ذلك عشرات الأبناء ولكنه حُرم أولاُ منهم حتى تسترحمه زوجته في موسى فانظر لحكمة الله وفعله منقول من كتاب [بنو اسرائيل ووعد الأخرة]
  10. كان يوسف عليه السلام قد تزوج زليخا بعد موت زوجها ودارت الأيام ومرت السنون فولدت له إفرايم أو إفراثيم ومنشا ورحمة وإفرايم هو جد يوشع بن نون فتى موسى في سورة الكهف وولي عهد نبي الله موسى من بعده على بني إسرائيل وهو من قادهم لدخول الأرض المقدسة بعد انقضاء فترة التيه فيما بعد ورحمة كانت زوجة أيوب نبي الله كما قيل وما زال بنو إسرائيل يتكاثرون ويتزايدون ثم قبض الله يعقوب وهو ابن مائة وأربعين سنة كما قيل فحمله يوسف فدفنه ببلاد فلسطين عند تربة إبراهيم وإسحاق كما أوصاه وبعد حوالي عشرين عاماً تقريباً قبض الله يوسف وعمره حوالي مائة وعشرون عاماً واختلف الناس وتشاجروا أين يُدفن لما يرجون من بركته حتى همّوا بالقتال فرأوا أن يدفنوه في النيل حيث مفرق الماء بمصر فيمرُّ الماء عليه ثمّ يتفرع إلى جميع ربوع مصر فيصيبون جميعاً من بركته ففعلوا وجعلوه في تابوت من الرخام وسد بالرصاص وطلي بالأطلية وطرح في النيل نحو مدينة مَنْفَ التماساً لبركته على مصر ونيلها[1] كما أسلفنا وقد نعم بنو إسرائيل بحياة آمنة رخيَّة طوال حكم الهكسوس الغرباء عن مصر فلما تمكن (أحمس) من الانتصار على الهكسوس وطردهم من مصر وأسس الأسرة الثامنة عشرة في القرن السادس عشر حوالي 1570 أو 1580 ق م بدأت المخاوف تراود بني إسرائيل من نظام الحكم الوطني الجديد ثم لما قامت الأسرة التاسعة عشرة التي من بين ملوكها (رمسيس الثاني) جاهر المصريون بعداوتهم لبنى إسرائيل وأخذوا ينزلون بهم أشد الضربات وألوان العقوبات وذلك لأنهم شاهدوا منهم عزلة وغرورا واستلابا لأموالهم بطرق خبيثة ورأوا منهم أيضا تواطأ مع الهكسوس ضد أبناء الأمة الأصليين ومحاولات لقلب نظام الحكم القائم[2] ويصف المؤرخ الدكتور أحمد بدوى علاقة المصريين ببني إسرائيل في تلك الفترة فيقول: {من الثابت في تاريخ مصر بناء على ما جاء في كتب السماء من ناحية وما شهدت به آثار الفراعنة من ناحية أخرى أن (العبرانيين) قد عرفوا مصر منذ أيام الدولة الوسطى على الأقل يجيئوها أول الأمر لاجئين يطلبون الرزق في أرضها ويلتمسون فيها وسائل العيش الناعم والحياة السهلة الرضية بين أهلها الكرام وكانوا أيضاً يجيئوها وهم أسرى في ركاب فرعون كلما عاد من حروبه في أقاليم الشرق ظافرا منصورا فينزلهم حول دور العبادة يخدمون في أعمال البناء ويعبدون أربابهم أحرارا لم يكرههم أحد على قبول مذهب أو اعتناق دين وتطيب لهم الإقامة في مصر وتستقيم لهم فيها أمور الحياة ثم تنزل بالمصريين بعض الشدائد وتحل بديارهم بعض المحن والنوائب فيتنكر لهم بنو إسرائيل ويتربصون بهم الدوائر ويعملون على إفقارهم وإضعاف الروح المعنوية بين طبقات الشعب ابتغاء السيطرة على وسائل العيش في هذا القطر ليفرضوا عليه سلطانهم تارة عن طريق الضغط الاقتصادي وأخرى عن طريق الدين والعقيدة} انتهى وهذا يشرح لك أيها القارئ السبب لماذا كان أهل مصر ينظرون لهم نظرة دنية؟ لأنهم كانوا يأتون إما للعمل بحثاً عن الرزق أو أسرى تحت سيف الذل فيسخرهم المصريون في أعمال الأسرى والفترة القصيرة التي نعموا فيها بحياة كريمة كانت أيام يوسف ويعقوب وتحت حكم الهكسوس المستعمرين قال صاحب (تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم) والراجح أن حالة بني إسرائيل تبدلت بعد تقويض حكم الهكسوس في القرن السادس عشر ق م وقيام الإمبراطورية المصرية ويستدل من أوراق البردي المذكورة أن تسخيرهم واضطهادهم قد بلغ الذروة في عهد رمسيس الثاني أعظم ملوك الأسرة التاسعة عشر وفى هذه الحالة المضطربة من تاريخ بني إسرائيل في مصر وأثناء تلك الإضطهادات التي بلغت ذروتها وفى خضم تلك النكبات وخلال تلك البلايا والمصائب التي كانت تنزل ببني إسرائيل من فرعون وجنده أراد الله سبحانه أن يمن عليهم وأن ينقذهم مما هم فيه فأرسل لإنقاذهم وهدايتهم سيدنا موسى يتبع إن شاء الله [1] مروج الذهب ومعادن الجوهر، وشجار الناس أورده الثعلبي في تفسيره. [2] لا تنس أن الهكسوس والإسرائيليين تشابهوا مع بعضهم في أنهم قدموا من خارج مصر هرباً من القحط وبحثاً عن الحياة الرغدة وأقاموا بمصر مستعمرين ( الهكسوس) أو مستوطنين( الإسرائيليين) فتمكنوا فيها وصاروا من ذوى الشأن وهم ليسوا من أهلها أصلاً منقول من كتاب [بنو اسرائيل ووعد الأخرة] للشيخ فوزى محمد أبوزيد
  11. قدوم بنى اسرائيل إلى مصر متى حدث ذلك؟ ولماذا؟ بدأت علاقة بني إسرائيل بمصر بقوة عندما هاجر سيدنا يعقوب بأهله من فلسطين إلى مصر حوالي القرن السادس عشر قبل الميلاد على أثر ما حاق بفلسطين من مجاعة و ما أصاب مراعيها من جدب وقحط وجفاف وبداية الأمر أن أبناء يعقوب كانوا في هذه الفترة يترددون على مصر لقصد التجارة وطلب القوت كالكثير من الكنعانيين فتعرفوا على أخيهم يوسف الذي كان في ذلك الوقت أمينا على خزائن مصر فأكرمهم وطلب منهم أن يحضروا جميعا ومعهم أبوهم يعقوب إلى أرض مصر ليعيشوا فيها ويهجروا فلسطين وقد لبَّى يعقوب طلب يوسف فحضروا إلى مصر وكان عددهم ستا وستين أو سبعا وستين نفسا [1] سوى نسوة أولاده وقد أكرم يوسف مثوى أبيه وأخوته ورقَّق عليهم قلب ملك مصر في ذلك الوقت وطلب بنو إسرائيل من ملك مصر أن يسكنهم في أرض جاسان [2] فاستجاب لهم وقال ليوسف (أبوك وأخوتك جاءوا إليك أرض مصر ففي أفضل أرضها أسكن أباك وأخوتك ليكونوا في أرض جاسان فأسكن يوسف أباه وإخوته وأعطاهم ملكا في أرض مصر وفى أفضل الأرض وعال يوسف أباه وإخوته وكل بيت أبيه بطعام على حسب الأولاد) ذكر السدي ومحمد بن إسحاق وغيرهما من المفسرين أن السبب الذي من أجله قدم إخوة يوسف بلاد مصر أن يوسف لما باشر الوزارة بمصر ومضت السبع سنين المخصبة ثم تلتها السبع السنين المجدبة وعمَّ القحط بلاد مصر بأكملها ووصل إلى بلاد كنعان وهى التي فيها يعقوب وأولاده فحينئذ احتاط يوسف أكثر للناس في غلاتهم وجمعها أحسن جمع وعليها فقد ورد عليه الناس من سائر الأقاليم يمتارون [3] لأنفسهم وعيالهم فكان لا يعطى الرجل أكثر من بعير أما هو فكان لا يشبع نفسه وكان في جملة من ورد للميرة أخوة يوسف عن أمر أبيهم لهم في ذلك فإنه بلغهم أن عزيز مصر يعطى الناس الطعام بثمنه فأخذوا معهم بضاعة يستبدلون بها طعاما وركبوا عشرة نفر واحتبس يعقوب عنده بنيامين شقيق يوسف وكان أحبَّ ولده إليه بعد يوسف فلما وصلوا مصر ودخلوا على يوسف وهو جالس في أبهته ورياسته عرفهم حين نظر إليهم وهم له منكرون أي لا يعرفونه لأنهم فارقوه وهو صغير وباعوه للسيارة (القافلة ولم يعرفوا أين ذهبوا به؟ ولا كانوا يظنون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه فلهذا لم يعرفوه وأما هو فعرفهم وشرع يخاطبهم فقال لهم كالمنكر عليهم[4] : ما أقدمكم إلى بلادي؟ فقالوا : أيها العزيز إنا قدمنا للميرة قال: فلعلكم عيون؟ قالوا : معاذ الله قال: فمن أين أنتم؟ قالوا: من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبي الله قال: وهل له أولاد غيركم؟ قالوا: نعم كنا أثنى عشر فذهب أصغرنا فهلك في البرية وكان أحبنا إلى أبيه وبقى شقيقه فاحتبسه أبوه ليتسلى به عنه (أي لينشغل به أو يُذهب به الحزن عن نفسه) وروى ابن وكيع عن السديّ ما يشبهه ونهايته قال يوسف: فكيف تـخبرونـي أن أبـاكم نبي وهو يحبُّ صغيركم دون الكبـير ؟ ائتونـي بأخيكم هذا حتـى أنظر إلـيه فإنْ لَـمْ تَأَتُونِـي بِهِ فَلا كَيْـلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أبـاهُ وإنَّا لَفـاعِلُونَ قال: فضعوا بعضكم رهينة حتـى ترجعوا فوضعوا شمعون وفى النهاية أمر يوسف بإنزالهم وإكرامهم وهنا سؤال هام له علاقة بسبب استمرار تواجد بني إسرائيل بمصر من بعد يوسف وأبيه؟ ألا وهو: من الذي كان يحكم مصر عندما وصل إليها يعقوب وبنوه عندما استدعاهم يوسف ؟يقول المؤرخون: إن الذي كان يحكم مصر عندما هاجر إليها يعقوب وذريته في حوالي القرن السادس عشر ق م هم الهكسوس والهكسوس كانوا مستعمرون أجانب كانوا جماعات من الرعاة نشأوا في آسيا ثم دخلوا مصر على أثر المجاعات التي حلت ببلادهم وانتهزوا فرصة انحلال الأسرة الثالثة عشرة الفرعونية وكثرة خلاف ونزاع الأمراء فاستولى الهكسوس [5] على السلطة في مصر السفلى (الدلتا) وحكموا مصر على امتداد عهد أربع أسر من الأسر القديمة التي حكمت حوالي سنة.1675-1570ق م يتبع إن شاء الله [1] فصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهري [2] اختلف علماء الآثار في تحديد المنطقة التي أقام بها أسباط يعقوب عند مجيئهم إلى مصر منذ حوالي 34 قرناً مضت وتطلق التوراة اسم جاسان على مكان سكنى إخوة يوسف وقد أوردت التوراة اسم «جاسان» على أنه أرض خصبة تقع شرق الدلتا المصرية بالقرب من الحدود وهي المنطقة التي سمحت السلطات المصرية لبني إسرائيل بالإقامة فيها عند نزوحهم إلى مصر [3] الميرة :جلب الطعام وقال البعض جلب الطعام لبيعه [4] ذكره السدي وغيره [5] الهكسوس والعماليق: هم أقوام من البدو ولم يكونوا من جنس واحد بل كانوا خليطا من قبائل متعددة.ممن كان يقطن في بلاد الشام وبين النهرين" وكان المصرين القدماء يطلقون اسم (هكا سوس) على ملوك الهكسوس في حين كانوا يطلقون اسم (العامو) أو (العاموليق) على شعب الهكسوس البدوي.
  12. يتساءل الكثيرون ويقولون : إننا في تعب وضيق شديد ممن هاجم حضرة النبي صلي الله عليه وسلم من أهل الدنمارك وغيرهم من الكافرين والفيلم المسيء لرسول الله فدعونا نفهم معا ما هو أساس الموضوع ؟ ولنعد إلى كلام الطبيب الأعظم الذي لا ينطق عن الهوى إذ قال {يُوشكُ الأمَمُ أنْ تَدَاعَى عليكُم كَمَا تَدَاعَى الأكَلَةُ إلى قَصْعَتِها قالوا: أَوَ مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذ؟قال: بَلْ أنتم يَوْمَئِذ كَثِيٌر ولكنكم غُثَاءٌ كَغُثَاء السَّيل ولْيَنْزَعَنَّ الله من صُدُورِ عَدُوكم المَهَابَةَ منكم وليَقْذِفَنَّ الله في قلوبكم الْوَهَنَ قالوا :وما الْوَهَنُ يا رسولَ الله؟قالَ: حُبُّ الدنيا وكَرَاهِيةُ المَوْت}[1]فهذا الحديث الشريف يقرر حقيقة لاجدال فيها مع مرارتها لو لم يسكن حب الدنيا قلوبنا ويخرج منها حب الحبيب الأعظم صلي الله عليه سلم لما تداعت علينا الأمم من حولنا آمنة من بطشنا مستنقصة لقدرنا ولما جرؤ إنسان في الوجود أن ينال منه صلوات ربي وسلامه عليه هذه هي الحقيقة المرَّة وكلُّنا موقنٌ بذلك ومقرٌ ولكن هذه الحقيقة والحال الذي صرنا إليه نئنُ من قسوته ونشتكى من وطأته لم ينزل علينا فجأة من السماء وإنما تسلسل وتسلَّل على مراحل عدة إذ بدأ الخلل بنا نحن المسمون بتقصيرنا في حب نبينا شغلاً بالأرزاق وبيعاً للأخلاق وتركاً لدعوة الحق تحت ضغط إرضاء الخلق أو استجداء منافعهم فاستهان بنا أعداؤنا واستباحوا حرماتنا وأجَّجوا نار الفتنة بيننا وزرعوا صنائعهم في أوساطنا فانكشفت لهم أظهرنا وبطوننا فكانت هجماتهم علينا نتاجا لما زرعناه و حصادا لما أهملناه وعاقبة لما نسيناه ولا حول ولا قوة إلا بالله ولنرى معا كيف بدأ الأمر؟ وتوالى ؟ حتى صرنا على كثرتنا غثاءاً كغثاء السيل كيف كانت البداية ؟ إن الله أمر المؤمنين أمراً صريحاً وقال لنا ولجميع المؤمنين {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} أمرنا أن نعزِّره أي نساعده في نشر رسالته ونعاونه في تبليغ دعوته كل على قدره وأقل القدر أن نكون نحن مثالاً ونموذجاً للمسلم القويم في أخلاقنا وسلوكياتنا ومعاملاتنا ولكنا نسمع من يدخل في الإسلام وآخرهم رجل دخل من شهر في فرنسا ثم ذهب لزيارة بلد من بلاد المسلمين فرأى العجب وقال : الحمد لله أنني قد دخلت في الإسلام قبل أن أرى المسلمين وإلا لما دخلت فيه لماذا؟لأن المسلمين غير ملتزمين بأحكام دينهم هل بسلوكنا هذا نكون قد عزَّرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أو وقَّرناه على نهج القرآن وكما أمرَّ الرحمن ؟أم نكون قد استهنَّا به بل وشجعنا غيرنا على ذلك [1] صحيح أبى داود ، عن ثوبان غثاء السيل :أي الرغاوي التي تطفو فوق ماء البحر . منقول من كتاب [واجب المسلمين المعاصرين نحو الرسول] للشيخ فوزي محمد أبوزيد
  13. أسماء بنو اسرائيل من أشهر أسماء بني إسرائيل: العبريون والإسرائيليون ويهود أو اليهود فقد سموا بالعبريين نسبة إلى سيدنا إبراهيم نفسه فقد ذكر في سفر التكوين باسم ( إبراهيم العبراني ) لأنه عبر نهر الفرات وأنهاراً أخرى[1] أما سبب تسميتهم بالإسرائيليين أو بني إسرائيل فقد سُمُّوا بذلك نسبة إلى أبيهم إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وإسرائيل كلمة عبرانية مركبة من ( إسرا) بمعنى: عبد أو صفوة و (إيل) وهو الله فيكون معنى الكلمة عبد الله أو صفوة الله وقال ابن عباس قولك إسرائيل كقولك عبد الله[2]ولم تخاطب اليهود في القرآن إلا بيا بني إسرائيل دون يا بني يعقوب لحكمة تستحق الذكر وهي أنَّ الله خاطبهم وكأنه يقول لهم ويذكرهم دائماً بيا أبناء من كان عبداً لله أي خاطبهم الله بنسبتهم لعبادته حثَّاً لهممهم وتذكيراً بدين أبائهم عظة لهم وتنبيهًا من غيِّهم إثباتاً للحقيقة الواضحة أنهم أهل لجاج وعناد يحتاجون دائماً إلى تذكيرهم بعبادة الله لكي لا يحيدوا ويا ليتهم يفعلون وكان أولاد يعقوب الذكور اثني عشر ولدا وقد جاء ذكر يعقوب في آيات كثيرة من القرآن الكريم منها قوله تعالى {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وذكر يعقوب والأسباط في مواضع عدة من كتاب الله مثل {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً} والأسباط[3] الذين تفرع منه وتناسل بنو إسرائيل جميعاً إنما هم ولَدُ يعقوبَ إبتداءاً والمعاني اللغوية للكلمة متنوعة ولكنها مترابطة قال الزمخشري: السِّبْط هو الحَافِدُ واشتقاقهم من السبط وهو التتابع وهم سُمُّوا بذلك لأنهم أمة متتابعون وقيل: من " السَّبَط " جمع سَبَطَة وهو الشجر الملتف أو في الكثرة كالشجر وواحدته سَبَطة (وسباطة الموز معروفة)وقيل للحَسَنَيْنِ سِبْطا رسول اللـه صلي الله عليه وسلم لانتشار ذرّيتهما ثم قيل لكل ابن بنت:سِبْط وقال الإمام القرطبي: والسِّبْطُ في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل وتجدر الإشارة إلى أن أبناء يعقوب أو الأسباط هم المعنيون بقوله تعالى {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} يعني فيهم الإثنا عشر فرداً دلائل إعجاز للسائلين وسبب ذلك أن اليهود أرسلوا للنبي صلي الله عليه وسلم من يسأله في مكة عن خبر نبي كان بالشام أُخرج ابنه إلى مصر فبكى عليه حتى عمي؟ ولم يكن بمكة وقتها من يعرف الجواب فأنزل الله سورة يوسف جملة واحدة فيها خبر التوراة وأكثر فأُفْحِمُوا وبُهتُوا وقيل أنهم سألوه صلي الله عليه وسلم لمَ نزل أبناء يعقوب مصر؟ فكانت هذه القصة دالة على نبوة رسول الله لأنه لم يقرأ الكتب المتقدمة ولم يجالس العلماء والأحبار ولم يأخذ عن أحد منهم شيئاً البتة فدلَّ ذلك على أن ما أتي به وحيٌّ سماويٌّ أوحاه الله إليه وأيده به[4] أما عن سبب تسميتهم بيهود فقد قيل إنهم سُمُّوا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل وقالوا لله: إنا هدنا إليك أي تبنا ورجعنا وأنبنا إليك يارب وفى لسان العرب: الهود: التوبة هاد يهود هودا: تاب ورجع إلى الحق فهو هائد وفى التنزيل العزيز{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ} أي تبنا ورجعنا إليك[5] ويهود اسم للقبيلة وقالوا (اليهود) فأدخلوا الألف واللام فيها على إرادة النسب يريدون اليهوديين وقد أورد الإمام ابن كثير أنهم سمُّوا باليهود لنسبتهم إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب وأورده القرطبي وأضاف قائلاً: فقلبت العرب الذال دالاً لأن الأعجمية إذا عُرِّبت غُيّرت عن لفظها ويقول الدكتور جواد على : ولفظ يهود أعم من لفظة عبرانيين وبني إسرائيل ذلك أن لفظ يهود تطلق على العبرانيين وعلى غيرهم ممن دخلوا في دين يهود وهو ليس منهم وقد أطلق الإسرائيليون وأهل يهوذا لفظة يهود على أنفسهم وعلى كل من دخل في ديانتهم وتمييزا لهم عن غيرهم ممن لم يكن على هذا الدين. يتبع إن شاء الله [1] ذكره هشام الكلبى ومحمد بن جرير فى معجم البلدان لياقوت الحموى وقيل إنما سمى ابراهيم عبرانياً لأن الله تعالى أنطقه بالعبرانية حين عبر النهر فارّاً من النمرود ببابل فأدركه الجنود بعد عبوره وكانوا لسانهم السريانية فلما كلموه حوّل الله لسانه عبرانيّاً فسمّيت العبرانية لذلك وقيل لما أُمر بالهجرة قال: إني مهاجر إلى ربي أنطقه الله بلسان لم يكن قبله وهو العبرانية فسمى به وقيل سمّي العبرانيَّ من أجل أنه عبر إلى طاعة الله فكان عبرانيّاً وذكر أيضاً أنَّ غربيّ الفرات إلى برّية العرب يسمّى العِبر وإليه ينسب العِبْرِيّون من اليهود لأنهم لم يكونوا عبروا الفرات حينئذ وقيل إن بختنَصّر لما سبى بني إسرائيل وعبر بهم الفرات قيل لبني إسرائيل العبرانيون ولسانهم العبرانية وروى ابن عباس أنَّ أول من تكلم بالعبرانية موسى وبنو إسرائيل حين عبروا البحر وأغرق فرعون تكلموا بالعبرانية فسُموا العبرانيين لعبورهم البحر المؤلف: فالتسمية على الأرجح جاءت من إبراهيم وقد لا يخالف هذا أن موسى وقومه لما عبروا البحر وا تكلموا بالعبرانية التى كانت فيهم من أيام إبراهيم ولكن سراً فيما بينهم فلما تحرروا وصار لهم كيان مستقل تكلم بها موسى أو أنطقه الله بها جهراً فتبعوه[2] وأخرج ابن جرير من طريق عمير عن ابن عباس الإتقان في علوم القرآن [3]وهم: رُوبِيل وهو أكبرهم، وشَمْعُون، ولاَوي، ويَهُوذَا (وفى مصادر هو أكبرهم وإليه ينسبون) وريالُون أو زيولول ويشجر وأمهم ليا وهى بنت خال يعقوب ليان بن ناهر بن آزر ووُلِدَ له من سُرِّيَّتَيْنِ أختلف فى اسمهما كثيراً كانت إحداهما لزوجته راحيل والأخرى كانت لأختها ليا فولدتا له ذان وتفثالا أو نفتالى وجاد واشر وبعد موت ليا زوجته تزوَّج أختها رَاحِيل فولَدَتْ له يوسُفَ وبِنْيَامِين وماتت فى نفاسه فمجموعهم كان إثنا عشر سبطا من الرجال ذكر ذلك بالعديد من المراجع مع إختلاف بالأسماء واخترنا أغلب ما اتفقوا عليه [4] تفسير القرطبي، وتفسير لباب التأويل في معالم التنزيل وكثير غيرها[5] قال بذلك مجاهد وسعيد بن جبير وإبراهيم التيمى والسدى وقتادة منقول من كتاب [بنو اسرائيل ووعد الأخرة] للشيخ فوزى محمد أبوزيد
  14. تنزُّل الرحمات والبركات مجالس الذكر فيها روضات الجنات لذلك تتنزل الرحمات على أهل البلد التى بها هذه المجالس تتنزل عليها فى زراعاتها وضروعها وتجاراتها وكذلك تتنزل عليها فى أقواتها وفى أجسادها وفى أولادها وفى كل شيء تتنزل البركات وتدخل فى قول الله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} ولذلك رأينا سلفنا الصالح كانوا حريصين على دخول المسجد قبل الفجر بساعة منهم جماعة يقرأون الأوراد القرآنية ومنهم من يتهجد ومنهم من يصلى على حضرة النبي ومنهم من يستغفر الله ليدخل فى قول الله {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} ومنهم من يذكر باسم من أسماء الله وكل واحد منهم يشتغل بطاعة الله وهؤلاء يقول فيهم النبي عن الله {إِنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ يَقُولُ:إِني لأَهُمُّ بِأَهْلِ الأَرْضِ عَذَابَاً فَإذَا نَظَرْتُ إِلَى عُمَّارِ بُيُوتِي، وَالْمُتَحَابينَ فِيَّ، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ صَرَفْتُ عَذَابِي عَنْهُمْ }[1] إذاً بسر طاعة هؤلاء كان الله يرفع ويصرف العذاب {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} هذا لأهل البلدة جميعاً أما الذين يُحيون هذه الأوقات بالطاعات والذين يصرف الله من أجلهم العذاب عن أهل البلدة فهؤلاء يكرمهم الله هم وأولادهم وذرياتهم إلى الطبقة السابعة كما ذُكر فى القرآن والسنة فقد أرسل الله نبياً كليماً وولياً كريماً وذهبوا فى سفر طويل إلى بلدة لأن هذه البلدة كان بها أطفال صغار كان جدهم السابع رجلٌ صالحٌ {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} فأرسلهما الله لكي يقيما جداراً فوق كنز لهؤلاء الأطفال تحت هذا الجدار حسبة لوجه الله حتى { يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} وذلك كله لصلاح جدهما السابع كما ورد بالحديث إذاً من يواظب على هذه الروضات الجنانية ياهناه فإنه يعيش فى الجنة وهو على ظهر الدنيا فيأخذ أوصاف أهل الجنة {أكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا} أى يتكفل الله بأرزاقه التى يحتاج إليها إن زادت زادها ولا يحوجه إلى أحد من خلق الله حتى يلقاه وإياك أن تقول من أين؟ {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} ويجعل الله هذا الإنسان فى روح وريحان يقول فيه النبي العدنان {إِنَّ لله ضَنَائِنُ مِنْ خَلْقِهِ يُحْيِيهِمْ فِي عَافِيَةٍ، فإذَا تَوَفـَّاهُمْ تَوَفـَّاهُمْ إِلى جَنَّتِهِ، أُولَئِكَ تَمُرُّ عَلَيْهِمُ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ وَهُمْ فِيهَا فِي عَافِيَةٍ}[2] وقوله {طُوبَىٰ لِلْمُخْلِصِينَ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَىٰ تَنْجَلِي عَنْهُمْ كُلُّ فِتْنَةٍ ظَلْمَاءَ}[3] والفتن هى أن الناس تشتكي منهم من يبكي ويولول ومنهم من يشكو الخالق إلى الخلق ومنهم من تأتيه شدات عصبية وأمراض نفسية وأحوال جسمانية لا عدَّ لها ويعجز الطب فى شأنها أما المخلصين فلا شأن لهم بكل ذلك لأنهم منها فى عافية لأنه كلما ضاقت عليهم الأمور يتولاهم اللطيف بلطفه فيزيل الشرور ويفرِّج عنهم هذه الأمور لأنهم عملوا بقول حبيب الله ومصطفاه {اِحْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ}[4] {تَعَرَّفْ إِلى الله فِي الرّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشّدَّة}[5] فلا يتخلى الله عنه أبداً وهو الربُّ الكريم فى أى شدة أو معضلة بعنايته وولايته لكن إن تكاسلت وتباطأت وقلت إننى مشغول بكل الأمور التى ذكرناها هل هذه حجَّةٌ تنفع عند الله؟لا لأن مثل هؤلاء الغير منضبطين فى الإيمان عندما ذهبوا إلى حضرة النبي وسألهم: لماذا لا تحضرون معنا روضات الجنان هذه التى تشمل حلقات العلم أو حلقات الذكر أو حلق القرآن؟ قالوا: أعذرنا لأنه قد {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} فقال الله له: لا لأنهم {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} فما الذي يشغلك أفضل من ذكر الله؟ مع أنَّ هذا الذكر هو الذي ينفِّس عنك كل كربات هذه الحياة؟ وما الذي يشغلك عن مجالس العلم التى تتنزل فيها الرحمات من الله جل فى علاه؟هذه المجالس يا إخوانى تجعل الإنسان دائماً فى عناية الرحمن ويظل إلى أن يلقى الله وقلبه شابٌ لا يهرم ولا يشيخ لماذا؟ لأنه أخذ وصف الجنان فإذا كان الجسم سيهرم فإن القلب لن يهرم أبداً لأنه أخذ وصف الجنان وسيظل يشتغل بذكر الله وبالمناجاة وبالأنس بالله وبالدعاء لله وبما لا يعدُّ ولا يحدُّ بالصلاة والصلات مع حضرة الله كيف ولماذا؟ لأنه أخذ أوصاف أهل الجنة وهو فى هذه الحياة الدنيا حتى الذي يحضر لحاجة يطلبها من أحد الحاضرين ولم يأت لمشاركتهم فى هذه الطاعات فإن الملائكة الذين يحضرون معنا بعد أن ينتهوا يذهبون إلى حضرة الله فيسألهم أين كنتم؟ واسمعوا للحديث الشريف عن أبي هريرة عن رسول اللَّه أنه قال {إنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً فُضُلا عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإذَا وَجَدُوا قَوْماً يَذْكُرُونَ اللَّهَ، تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُمْ، فَيَحُفُّونَ بِهِمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ - فَيَقُولُ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: يُكَبِّرُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ وَيُسَبِّحُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولونَ: لا، فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ، لَكَانُوا لَكَ أشَدَّ عِبَادَةً وَأَكْثَرَ تَسْبِيحاً وَتَحْمِيداً وَتَمْجِيداً. فَيَقُولُ: وَمَا يَسْأَلُوني؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: يَسْأَلونَكَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: فَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لا. وَاللَّهِ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ (فيقولون: لو رأوها) كَانُوا عَلَيْهَا أَشَدَّ حِرْصاً وَأَشَدَّ لَهَا طَلَباً، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، فَيَقُولُ: وَمِمَّ يَتَعوَّذُونَ؟ فَيَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا، لَكَانُوا مِنْهَا أَشَدَّ فِرَاراً وَأَشَدَّ هَرَباً وَأَشَدَّ خَوْفاً، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ مَلَكٌ مِنَ المَلَائِكَةِ: إنَّ فِيهِمْ فُلانَاً لَيْسَ مِنْهُمْ إنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: فَهُمُ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ»}[6] بالله عليكم كيف يترك الإنسان هذه المجالس ويتخلف عنها؟للجرى على الأرزاق كيف ذلك والله عند أمر الرزق قال:إياك أن تجرى {يا ابن آدم تركض كركض الوحوش فى البرية ولا تنال منها إلا ما كتب لك} ماذا نفعل إذاً يا رب كي نحصّل الرزق؟ {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} وإياك أن تظن أنك تأكل بمهارتك أو بسعيك وإنما من رزقه ولذلك قال النبي لأصحابه :هل سمعتم الآية؟ قالوا: نعم، قال إذاً {اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا} [7] فلا تحاول يا أخى أن تلف وتدور لكى تُحصِّل الأرزاق كأن ترتشي من هنا أو تخدع من هناك أو تغشُّ هذا أو تكذب على ذاك فالرزق لا يسوقه إليك حرصك ولا يمنعك عنه أحد، كل المسجَّل على بطاقة التموين الخاصة بك من الله فلن تموت حتى تحصل عليه من ربِّ البرية فى حياتك الدنيوية وعندما تحين لحظة السفر من الدنيا تأتى الملائكة التى معك الموكلة بالأرزاق وتبحث وتقول {يا عبدالله بحثنا لك عن لقمة واحدة فى السموات والأراضين فلم نجدها} كذلك الملك الموكل بالشراب يقول: {يا عبد الله بحثت لك عن شربة واحدة فى السموات والأراضين فلم أجد} ثم يأتى آخرهم ملك الهواء فيقول {يا عبد الله بحثت لك عن نفس واحد فى السموات والأرضين فلم أجد فاجب داعى الله } إذاً علينا فى الرزق أن نسعى ونمشى فحسب كما أمرنا الله ولا نترك الطريق المستقيم والمنهج القويم ونلف وندور كأهل الكفر وأهل الشرك وأهل المعاصى والخسران لكى نأخذ ما قدَّره لنا الرحمن إذاً فإلى أى أمر نجرى يا رب؟ قال: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } الشيء الذي به أو فيه مغفرة عليك أن تجرى وتسارع له وفيه ما هو؟ الصلوات الخمس لماذا فرضتها علينا يا رب؟قال {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم} هذه الطاعة تجرى لها وتسارع وكذلك روضات الجنات إن كانت مجالس الذكر أو مجالس القرآن أو مجالس العلم كل هذه أسارع لها لماذا؟ لكي أعيش فى الدنيا الحياة التى وعد الله بها المؤمنين والصالحين والتى قال فيها {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} أى لا بد وأن تكون الدنيا بالنسبة له طيِّبة أهذا واضحٌ بينٌ أم لا لابد أن يحيا حياة طيبة لابد وكلُّ من يعيش فى الدنيا حياة غير طيِّبة فإنه لم يعمل بهذه الآية هذا للدنيا أما فى الآخرة {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تم نقل الموضوع من كتاب [نوافل المقربين] للأستاذ فوزي محمد أبوزيد http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%E4%E6%C7%DD%E1%20%C7%E1%E3%DE%D1%C8%ED%E4&id=79&cat=5 [1] جامع الأحاديث والمراسيل والبيهقى فى الشعب عن أنس [2] رواه الطبراني فى الكبير والأوسط عن ابن عمر.[3] جامع الأحاديث والمراسيل ولأبى نعيم فى الحلية عن ثوبان.[4] رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس.[5] المستدرك للحاكم عن ابن عباس.[6] صحيح ابن حبان.[7]سنن البيهقى الكبرى وابن ماجة عن جابر بن عبدالله.
  15. طاعة الله والرسول كلُّ المشاكل حلُّها فى كلمتين من سرِّ هذه الآية المباركة {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وكلمة "لعل" فى القرآن إذا ذكرت فى آيات الرحمة ليست بمعناها اللغوى ( بمعنى الترجى وهو جواز أن ترحمون) لكن كلمة لعل فى القرآن هنا لتأكيد الرحمة- مثل قوله فى أية فرض الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أى لتتقون وليس لمجاز التقوى بالصيام ولكنه أمر محقق أن الصيام يثمر التقوى للصائمين- وكذلك هو أمرٌ محققٌ أن رحمة الله وعناية الله وتوفيق الله ورعاية الله تنزل على الطائعين لله ولرسول ربِّ العالمين ولذلك كان حرص حضرة النبي على تربية أصحابه على الطاعة التامة لله ولرسوله ولكننا نحن نطيع الله فيما أحبته النفس ونتكاسل عن الطاعة فييما لا تحب وبالطبع نتلمس لأنفسنا الأعذار ونبٍرِّر الإصرار على عدم طاعة الله وعلى مخالفة رسول الله بتبريرات نفسية وتأويلات هوائية ولذلك زادت مشاكلنا فى نفوسنا وفى بيوتنا و مجتمعنا ودولنا لأن طاعة الله ورسوله صارت مربوطة بأهوائنا بينما هى أمرٌ قاطعٌ لا مجال فيه للميل أوالهوى أمرٌ لابدَّ فيه من الجزم والحزم ولا يصحُّ أن يترك لتبرير التأويل ونوازع الهوى أوشطحات الفكر وانظر إلى طاعة الصحابة الكرام التى بلغوا بها فى الدنيا كلَّ مرام وبلغوا بها فى الآخرة عند الله أعلى مقام فكُّل ما كانوا يتمنونه فى الدنيا جاءهم صاغراً لماذا؟ لأنهم أطاعوا الله ورسوله فبعد أن كانوا فقراء لا يجدون من الدنيا شيئاً أصبحوا أغنياء وحكاماً وأمراء وعلماء وفقهاء ومعهم كل ما تطمع إليه النفس البشرية من هذه الدنيا وذلك لأنهم أطاعوا الله وأطاعوا رسوله وخذوا مثالا على طاعتهم المطلقة له صلى الله عليه وسلم فى حادثتين متشابهتين نوردهما معاً لتأكيد السلوك {لمَّا اسْتَوَى رسولُ الله يومَ الجُمُعَةِ على المِنْبَرِ قالَ: اجْلِسُوا فَسَمِعَ ابنُ مسعودٍ فَجَلَسَ على بابِ المسجِدِ فَرَآهُ فقالَ: تَعَالَ يا عبدَ الله بنَ مسعودٍ}[1] وورد {أن النبيَّ جلسَ يوم الجمعة على المِنبر فلما جلس قال: اجْلِسُوا فسمع عبد الله بن رواحة قول رسول الله اجْلِسُوا فجلس في بني غَنْم قيل: يا رسول الله ذاك ابن رواحة جالس في بني غَنْم سمعك وأنت تقول للناس اجْلِسُوا فجلس في مكانه}[2] وروى أنهم ذهبوا لإبن رواحة بعدها وسألوه لما هو جالس مكانه ولم يبرح؟قال متعجباً من سؤالهم :إنى سمعت أمر النبي أن إجلسوا ولم أسمعه يأمر بالقيام فكيف أقوم ولم أسمع الإذن من حضرته إنه حرص شديد بيّن الله به فضل هذه الأمة فى السمع والطاعة لله ورسوله وقد كانت الأمم السابقة على أمة نبينا يحاسبهم الله على الخاطرة التى تخطر على النفس وعلى الهمِّ بالفعل إن كان حسنة أو سيئة فنزل قول الله {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} فقال الصحابة المباركون:يا رسول الله كيف يحاسبنا الله على شيء هممنا به ولم نفعله؟فإذا بالحريص علينا "حريصٌ عليكم" و"الرؤوف الرحيم" صلى الله عليه وسلم يقول لهم {لاتَقُولُوا كما قال أهْلُ الكِتَابِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأطَعْنَا}[3] فقالوا كما قال الله عنهم {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فأنزل الله خصوصية لهذه الأمة المحمدية ومزية ليست لأى أمة سابقة فقال {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} فأصبحت خصوصية لأمة رسول الله فبشَّرهم الحبيب وقال لهم مبيناً لكلام الله {مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، كَتَبْتُ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلى سَبْعِمائَةٍ وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعمَلْهَا كَتَبْتُ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كَتَبْتُهَا عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً}[4] فانظروا إلى فضل الله على الأمة المحمدية ببركة الطاعة وقد كانت تحاسب الأمم السابقة على الهم بالمعصية وتُكتب عليهم سيئة أما الأمة المحمدية فصارت إلى:وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعمَلْهَا، كَتَبْتُ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا، كَتَبْتُهَا عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحدة، وهذا ببركة {سمعنا وأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} إذاً أدبهم النبي على السمع والطاعة لله ورسوله حتى أن سيدنا عبدالله بن مسعود قال: {كنا إذا سمعنا قول الله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} أصغينا بآذاننا وانتبهنا بعقولنا وأذهاننا لأن الله يريد أن يأمرنا بأمر وقلنا لبيك اللهم وسعديك – ولبيك تعنى إجابة لك يا رب – فإذا كان أمر سارعنا إلى تنفيذه وإذا كان نهى سارعنا فى تركه رغبة فى رضاء الله} فإذا مشينا على السمع والطاعة لله ولرسوله حُلَّت جميع المشاكل التى بيننا أو التى عندنا أو التى فى صدورنا أو التى فى بيوتنا أو التى فى مجتمعنا لأن الله لا يطلب منا غير السمع والطاعة لحضرته ولنبيه ثم يفتح الله لنا بعد ذلك باباً أعلى وأرقى وأغلى ليس فيه حلُّ المشاكل وفقط وإنما لمن يريد أن يعيش فى الدنيا وكأنه فى الجنة فمن يريد؟هل يستطيع الإنسان أن يعيش فى الجنة وهو فى دار الهمِّ والغمِّ والنكد والفقر والمرض؟ هل يمكن ذلك؟ نعم كيف؟ نعم المؤمن إذا استجاب لأمر الله جلَّ فى علاه: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وكلمة سارعوا أى سارعوا وأنتم فى الدنيا وذلك لأن الآخرة ليس فيها مسارعة إلى الجنة ولكن ترتيبٌ رباني وتقديرٌ رحمانى لأهل الجنة فمثلاً منهم من تأتيه الجنة وهو فى مكانه {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} وأزلفت أى تقربت ومشت وتحركت والجنة فى الآخرة تتحرك وتمشي وتفهم وتعلم ما يدور فى بال الإنسان وخاطره فلا تنتظر حركة اللسان لأنها تأتمر بما يدور فى القلب وفى الجنان بأمر الرحمن وهذا فى الآخرة فكيف بتفسير الآية فى الدنيا كيف بأزلفت ونحن فى الحياة الدنيا؟ وقد قال الحبيب {اشْتَاقَتِ الْجَنَّةُ إِلَى أَرْبَعَةٍ عَلِيَ وَسَلْمَانَ وَأَبِي ذَرَ وَعَمَّارَ بْنِ يَاسِرٍ }[5] وهؤلاء فى زمن النبوة وكذلك فى كل زمان هناك من تشتاق إليهم الجنة {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} هى أزلفت فى كل زمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إذاً فأين الجنة التى أزلفت وإلى أين أسارع إليها؟ إنها جنَّةٌ هنا فى الدنيا نسمعها فى قول الحبيب {إِذَا مَرَرْتُمْ - وأنتم هنا فى الدنيا - بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا –أى اجلسوا وأطيلوا الجلوس واستمتعوا ولا تسارعوا إلى الخروج وإلى الحركة – قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: حِلَقُ الذكْرِ - وفى رواية: قال: مَجَالِسُ الْعِلْمِ، وفى رواية:قال: حلق القرآن }[6] حلقات الذكر – حلقات القرآن – حلقات العلم – كل هذه رياض من رياض الجنة إذاً مجلس العلم هذا فى روضة من رياض الجنة ولسنا فى الدنيا ولذلك فإن هذا المجلس يقول فيه الحبيب {مَا اجَتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ }[7] هذه روضةٌ من رياض الجنَّـــة هنا فى دار الدنيا إن كانت مجلس ذكر وإن كانت مجلس علم فهو روضةٌ من رياض الجنة وإن كان مجلس قرآن فهو روضة من رياض الجنة وإن مجلس صلح أو أياً من هذه المجالس المباركة ولذلك دخل النبي مسجده المبارك فوجد فيه روضتين من رياض الجنة مجلس ذكر ... ومجلس علم أى أن جماعة من أصحابه يجلسون منهم جماعة يذكرون الله ومنهم جماعة يتدارسون العلم فلم يعترض أحدهما على الآخر ولم يُسيئوا إلى بعضهم البعض بالقول أو التلميح ولم يقل أحدهما للآخر نحن أفضل منكم ولم يقل أحدهما للآخر أيضاً ماذا تفعلون؟ ولا سألوهم ما الدليل والبرهان عل فعلكم؟ ولا خرجوا وتحدثوا عنهم بسوء ولا .. ..ولا .. أترون كيف كانوا كانوا كذلك لأنهم كانوا مسلِّمين للنبي العدنان روى سيدنا عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ {خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ بَعْضِ حُجَرِهِ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِحَلْقَتَيْنِ. إِحْدَاهُمَا يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ اللَّهَ. وَالأُخْرَى يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ. فَقَالَ النَّبِيُّ: كُلٌّ عَلَى خَيْرٍ، هؤُلاَءِ يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ وَيَدْعُونَ اللَّهَ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ وَهؤُلاَءِ يَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّماً، فَجَلَسَ مَعَهُمْ }[8] دخل النبي فوجد حلقة تذكر الله وحلقة تتدارس العلم الذين يتدارسون العلم فى محاضرة نظرية والذين فى حلقة الذكر فى محاضرة عملية تطبيقاً للعلم الذي سمعوه فى المحاضرة النظرية ولذلك قال حضرة النبي {كلا المجلسين على خير على خيرٍ} أى لا يعترض أحد على الآخر {وإنَّما بُعِثْتُ معلِّماً}[9] وجلس مع من هم فى حلقة العلم وذلك لأنه قال {بالتعليم أرسلت}[10] وهنا أوجِّهُ أنظاركم إلى سرٍّ عظيم من أسرار الراحة فى هذه الحياة وأرجو بكل شدة أن تنتبهوا لما سأقول وأن تفتحوا عيون القلوب فى الزمن القريب لما كانت مجالس العلم فى البلاد قائمة ودائمة ومجالس القرآن فى كل مكان ملازمة كانت الملائكة تتنزل فى كل مكان وزمان لكى تحضر هذه المجالس التى حبَّب فيها الرحمن وأسَّس قواعدها النبي العدنان وكما قلت فإن هؤلاء تغشاهم الرحمة وكانت رحمة الله تعالى تتنزل فى كل الأوقات وبجميع المحلات على أهل هذه الجلسات فكانت البركات تتنزل من السماء على الأرض وكانت أبواب السماء مفتوحة للسائلين وأبواب الإجابة مفتًّحة على مصراعيها للداعين ويرفع الله بهذه المجالس الهمَّ عن المهمومين والغمَّ عن المغمومين والكرب عن المكروبين فكانت مشاكل المسلمين والمؤمنين قليلة لأن الله كان يفرِّج بهذه المجالس عن المسلمين والمؤمنين بل كان المسلم حتى إذا انتابه همٌّ أو غمٌّ تسبب له بضيق فى النفس أو قلق فى الصدر او أزمة فى الجسم عندما يَحْضُر إلى هذه المجالس أو يأخذه إخوانه إليها وكلنا كان يعرف ذلك يُذهب الله عنه كلَّ عناء وكلَّ همٍّ ويجعله فى روح وريحان ورضا ورضوان ويعيش حياته فى أمان لماذا؟ لأن الله حفظه وأهله بحضور هذه المجالس المباركات من كل المشاكل التى نراها الآن من أمراض نفسية أوعصبية أوجسمانية والتى سببها البعد عن هذه المجالس النورانية الإلهية هل وضح هذا السرُّ ياإخوانى أعرفتم سبب الشقاء والبلاء وزيادة الوباء أو كما نقول فى مجالسنا سبب غضب السماء؟ للأسف فقد استبدل أهل هذا الزمان المجالس النورانية التى هى من رياض الجنة الربانية استبدلوها بمجالس السوء بمجالس اللهو واللعب بمجالس الطرب والمغنى ومجالس المخدرات والمسكرات ومجالس الغيبة والنميمة والقيل والقال ومجالس السبِّ والشتم واللعن والمهاترات فهل ينتظرون أن تنزل رحمة الله بعد ذلك على أهل هذه المجالس؟ كيف ياأيها القراء الكرام أتباع النبى عليه الصلاة والسلام إذا كان حبيبكم يحذِّر وينبِّه جميع الأنام إلى يوم الزحام ويقول {مَا اجْتَـمَعَ قَوْمٌ فَتَفَرَّقُوا عَنْ غَيْرِ ذِكْرِ الله؛ إِلاَّ كأَنَّـمَا تَفَرَّقُوا عَنْ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكانَ ذلِكَ الـمَـجْلِسُ عَلَـيْهِمْ حَسْرَةً}[11] أي أن أحداً فى المجلس لم يذكر حضرة الله – ولا حول ولا قوة إلا بالله- ولم يقرأ أحدٌ فيه آية من كتاب الله ولم ينبه أحدٌ الحاضرين بحديث من أحاديث رسول الله بل إن المجلس كله غيبة ونميمة وقيل وقال أو لهو وسفهٌ وشطط ناهيك عن المحرمات الأخرى المعروفة فهل مثل هذه المجالس تقربها الملائكة؟ أو تتنزل عليها الخيرات والبركات والرحمات كلا إذا كانت الملائكة كما يقول النبي {إنَّ الْعَبْدَ لَيَكْذِبُ الْكِذْبَةَ فَيَتَبَاعَدُ الْمَلَكُ عَنْهُ مَسِيرةَ مِيلٍ مِنْ نَتْنِ مَا جَاءَ بِهِ }[12] وهذا من كذبة واحدة إذاً فالملائكة التى معك ترغب دائماً فى الأماكن الطيبة والرائحة العطرة الطيبة لماذا لا يدخلون أماكن النجاسات؟ لأنهم يريدون دوماً شمَّ الروائح الطيبة بل وعندما ينتقل الإنسان إلى جوار الله فإن الملائكة تقول: اللهم ارحم فلاناً فإنه كان لا يُدخلنا إلا الأماكن الطيبة ولا يُسمعنا إلا الكلمات الطيبة ويشهدون له عند الله وورد {إِنَّ اللَّهَ تَعَالى وَكَّلَ بِعَبْدِهِ المُؤْمِنِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ فَإِذَا مَاتَ قَالَ المَلَكَانِ اللَّذَانِ وُكلاَ بِهِ: قَدْ مَاتَ فَأَذَنْ لَنَا أَنْ نَصْعَدَ إِلى السَّمَاءِ فَيَقُولُ اللَّهُ : سَمَائِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ مَلاَئِكَتِي يُسَبحُوني فَيَقُولاَنِ: أَفَنُقِيمُ فِي الأَرْضِ ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ: أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي يُسَبحُونِي، فَيَقُولاَنِ: فَأَيْنَ ؟فَيَقُولُ: قُومَا عَلى قَبْرِ عَبْدِي فَسَبحَانِي وَاحْمِدَانِي وَكَبرَانِي وَهَللاَنِي وَاكْتُبَا ذلِكَ لِعَبْدِي إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[13] وعندها فإن الملائكة هى التى تعمل عندك ولك تُسبح وتذكر وتحمد الله وهى قلوب طاهرة وأعين طاهرة يقول الله عنهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } فتسبيحهم لنا أفضل من تسبيحنا آلاف السنين وهم يجلسون عند قبورنا إلى يوم الدين وهو فضل الله لنا أجمعين . يتبع إن شاء الله [1] عطاءٍ عن جابرٍ سنن الكبرى للبيهقي[2] رواه الطبراني في الأوسط عن عائشة [3] صحيح مسلم وأحمد وابن حبان عن أبي هريرة.[4] صحيح مسلم وابن حبان عن أبي هريرة.[5] ابن عساكر عن حذيفة[6] رواه أحمد والترمذي والطبراني فى الكبير عن أنس بن مالك.[7] جامع الأحاديث والمراسيل (د) عن أبى هريرة.[8] سنن ابن ماجه وغيرها عن عبدالله بن عمرو [9] سنن الدارمي عن عبدالله بن عمرو.[10] الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادى ومفتاح دار السعادةلإبن القيم الجوزيه.[11] رواه أحمد عن أبي هريرة[12] الخرائطي فى مساوئ الأخلاق عن ابن عمر.[13] عن أنس بن مالك رواه المروزي فِي الْجَنَائز وأَبُو بكر الشَّافعِي فِي الْغَلاَنِيَّات وأَبو الشَّيخ فِي الْعَظَمَةِ وللبيهقي في شعب الإيمان والدَّيلمي، وأَوردهُ ابْنُ الْجُوزِي فِي الموضوعات فَلَمْ يُصِبْ (جامع المسانيد والمراسيل).
×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..