الورّاق
Members-
عدد المشاركات
10 -
انضم
-
تاريخ اخر زيارة
-
Days Won
1
كل منشورات العضو الورّاق
-
السلام عليكم الصراحة ليست مقترنة بالوقاحة مع أن الكثير من الناس يقرنهما ببعض , فالصراحة فن , والصراحة هي تسمية الأشياء بأسمائها والتوجه إلى المقصود بدون التفاف ولا تلميح ولا تعريض , فالتلميح والطريقة الغير مباشرة لا تقدم حواراً مفيداً لذلك الصراحة دائما تحتاج شجاعة وتحتاج تمكناً وتأكداً من المعرفة والمعلومات والمنطق بل تدفع إلى ذلك . الصراحة تعني القوة في الأخلاق وحتى الاعتذار والتراجع يحتاج إلى قوة , فالحوار الصريح المحترم الخالي من الالتفافات هو دليل على التوكل على الله والرضا بالنتائج , ومن فوائده العظيمة اختصار المجهود والوقت والكلام والطاقة والفهم أيضاً . أعمارنا تُضيّعها قلة الصراحة , فلا تغيير حقيقي يأتي بدون صراحة ووضوح وحوار صريح , الحوار الصريح يختصر السنة في ساعة ويجعل الكلام عالقاً في الذهن ويأخذ حقه من الدراسة حتى بعد الابتعاد , الكلام الصريح يقطع المجال على الشكوك التي تتوه عن الأصل , ويريح الطرف الآخر في موضوع التحديد والفهم ويوقفه على القرار فقط . الحوار الصريح إذا كان يتعلق بالشخص فهو يحتاج إلى كلمة (أنت) ، لا أن يلف ويدور ويشبه الحالة بحالة شخص آخر ..ومن ضمن هذا الحوار الصريح إذا كنت تخاف أن تكون قاسياً على الطرف الآخر , فهذا لن يكون، لأن هناك مشاعر جيدة له يجب أن تخرجها الصراحة من ضمن ما تخرج , فالصراحة لا تعني إبراز العيوب فقط دون المحاسن بل كليهما , حينها تقدم صورة واضحة عن رؤيتك للشخص , بل تقدم صورة واضحة ليس فقط عن الطرف الآخر بل وعنك أنت أيضا , فما أحوجنا للحوار الصريح الصادق المحترم الخالي من المداراة وتغيير الأشياء عن أسمائها وتحريف الكلام عن من يدور حوله . فكرة تكبير موضوع الشخصنة لا يسمح بتقديم حوار صريح ومفيد , الاكتفاء بالعيوب فقط يثير النرفزة والأعصاب ويشوش على الفهم , لأنه ناقص بصراحة , الحوار الصريح المتكامل لا يثير الغضب بل يدفع إلى التقارب دائما ويزرع المحبة لأنه معتمد على الفضيلة ، ففيه فضيلة الشجاعة وتحمل مسؤولية الكلام وفيه الصدق وفيه التراجع وفيه القدرة على اكتشاف محاسن الآخرين وكذلك القدرة على اكتشاف أخطائهم وفيه دعوة مستمرة للتقارب , إذا هو ما نحتاج إليه . صاحب هذا النوع من الحوار هو المريح دائما والجذاب دائما وهو الذي يترك أثراً في الآخرين وهو الأشجع والأصدق والأكثر احتراما للحقيقة والأكثر محافظة على وقت الآخرين أيضا , والأكثر توكلا على الله ورضا بما يأتيه والأبعد عن النفاق والمجاملة الزائدة , وقد يبدو خشناً لكنه هو الأنعم والأجمل , وقالوا قديما : (في الصراحة راحة) . أما البذاءة والوقاحة فليست من الصراحة , لأنها ليست هي حقيقة ما يحسه الشخص , وغالبا ما يفعلها المهزوم وفاقد الحيلة , ولو كان صريحاً لقال : إني مهزوم وفاقد الحيلة . إذاً الوقح غير صريح لأنه يستعير الوقاحة للتعويض عن انفعاله وضيق حيلته , الصريح هو من يعبر عما يحسه فعلاً بأدق تعبير (أو بأدق تعريف) والدقة بحد ذاتها ليست إلا جمالاً , ودائما نسمع عبارة (هات من الآخر) بعد الملل من التمهيدات غير المفيدة والمتوهة، فنحن في عصر السرعة ! والصراحة المحترمة هي سرعة وجودة في التواصل .
-
ليس المهم النية الخيرة بقدر ما هو خلوص و صفاء النية لله وحده ، مصداقاً لقوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) . ففساد النية يأتي من دخول أشياء أخرى إلى النية الطيبة ، ومن هنا تتكشف الأخطاء فيما بعد . فمن صفات النية الصافية : أن تكون خالصة لشيء واحد , و تكون غير مشروطة ، أي ليست على شرط السلامة ، و بغض النظر عن الطريق الذي تؤدي إليه ، حيث يكون الشخص غير معني بالنتائج بل بالنية . و من صفات النية الصافية : التثبت ، فلا يتبع الإنسان أي رأي يعجبه و ينسبه للنية الطيبة , إذ ينبغي أن يكون كل شيء طيب فيها , أفكارها وخطواتها وتطبيقاتها . وفي حالة عدم القدرة على التثبت ينبغي التوقف حتى يتم التأكد , فالمهم ليس إنجاز العمل بل النية الطيبة ، لأن التوفيق من الله , والله قادر على فعل كل شيء بدونك وبدون عملك.
-
كل شيء يمكن أن يبنى على مصلحة ، كالصداقة والجيرة ، إلا العلاقة مع الله فيجب ألا تكون مبنية على مصلحة في الحياة . و وجود المصلحة يدل على وجود الخلل في العلاقة الدينية بالله ، وعلى ذلك فقس . و قد توجد المصلحة في العمل الديني ، والمقياس هو : هل سيستمر الإنسان في العمل حتى لو فُقِدت المصلحة منه ؟ إذا كان يستطيع ذلك فلا أثر للمصلحة على الدين .
-
* عليك أن تبني عقلك على أساسات حقيقية, ولا تسمح بدخول معلومات غير حقيقية وخرافات إلى عقلك , لأن هذه المعلومات المدخلة سيشتغل عليها عقلك مادامت قد دخلت إليه ولن تترك سدى. ـــــــــــــــــــــــــــــــــ * التفكير المنفصل عن الشعور دائماً نتيجته خطأ , ويضيّع كثيراً من الناس , فالتفكير محكوم بعادات عقلية، ومن السهل أن تبتعد الحقيقة عنه , أما الشعور فلا يُخدَع، فيمكن أن يُحِب مجرماً ويَكْره شخصاً قيل عنه أنه فاضل .. فمن تبع عقله ضاع ومن تبع شعوره وأيّده بأدلة عقلية أصاب. ـــــــــــــــــــــــــــــــ * الشخص الذي رأيت إخلاصه ووفاءه، عليك أن تلاحقه ولا تتركه مهما حصل , فالتخلي عن الإنسان المخلص عار, وإذا أخلصت للكرام ملكتهم , (إن أنت أكرمت الكريم ملكته). ـــــــــــــــــــــــــــــــ * الصادق هو الصادق مع مبادئه في المنشط والمكره, وليس فقط من يساعدك وقت النشوة والمزاج، مثل الأطفال حين يتحمسون للعمل معك بقوة.. ثم إذا جاء التعب تركوك! ـــــــــــــــــــــــــــــــ * الناس على نوعين: نوع تشعر أنك مسؤول عنهم، ونوع لا تشعر معهم بذلك .. من رأيت إخلاصه وتأكدت منه فأنت مسؤول عنه, ويكون إخلاصه كأنه دين عليك لابد أن يسدَّد له. ومن يضغط على نفسه من أجلك فقد ملكك , وهذا للإنسان, فما بالك بمن يضغط على نفسه لله؟ فلن يتركه الله بالتأكيد! ---------------- المعرفة والفهم : هناك معرفة بدائية: وهي معرفة الشيء بلا ربط ، فهي مجرد جمع معلومات .. أما ربط هذه المعرفة بالأشياء الأخرى فهو الفهم .. والفهم على درجتين: أن تفهم الشيء كما هو، وهذا فهم بدائي .. والثاني هو أن تفهم علاقته مع ما حوله، وهذا فهم متقدم .. إذا لم يهتم الناس بالربط فلن يستطيعوا اكتشاف الأخطاء والتنافر . ــــــــــــــــــــــــــــــ الجمــــــــال : أي حقيقة هي جميلة (قانون) . والإنسان باحث عن الجمال . والجمال يؤثر فيه العيب الواحد . مثل أن يكون لامراة جسم جميل وشعر ناعم ولكن فيها بهاق ، فهنا ينخدش الجمال , لأن الجمال من أساساته التكامل .. العيب الواحد يقضي على التكامل . والعيب الواحد وجوده يؤثر على الكمال ، ولكن الكمال غير موجود ، بينما الناس تبحث عن الكمال!! فهذا من الخيوط التي تدل على وجود الله كامل الجمال والجلال..!
-
السلام عليكم الذي جعل العرب لا يميلون الى التفكير ولا يبدعون في هذا العصر هو محنة النموذج الغربي الجاهز ، والذي يحتاج فقط إلى التقليد .. ولكن التقليد لا يخلق التفكير ولا الابداع ، و صار الصراع هو على هذا التقليد و ما معوقات التقليد الغربي .. و كيف نقلد باسرع وقت ! الشخص إما أن يكون مقلدا أو مفكرا, والأمة كذلك إما مقلدة أو مفكرة, لأن التقليد ينافي التفكير, والتفكير يبعِد عن التقليد. تصوروا امة يـُطلب منها التقليد ولا يطلب منها التفكير ! فكيف سينشأ التفكير فيها؟ بل يـُحارَب التفكير بتهمة رفض النموذج الجاهز, سواء كان تراثيا أو ليبراليا مستوردا , بحيث تلتقي التقدمية مع الرجعية في كبت العقل, والأكثر اعتدالا -على حسب قولهم - يقدمون نموذجا توفيقيا -أو تلفيقيا إن شئت- ، فيأخذ من هذا الصندوق ومن ذاك الصندوق ليقدم صندوقا ثالثا للأفكار المعلبة, سواء في الأدب أو في السياسة أو في الاقتصاد او في الفن أو في الدين أو في الاجتماع...إلخ, و كلنا يعرف هذه الصناديق الثلاثة التي لا رابع لها مع الأسف , و هي صناديق العقل العربي المعلب المعاصر .. بضاعة تختلف مصادرها بين المحلي الخالص والمستورد الخالص و المركب من الاثنين, و المدارس الأدبية في الأدب العربي و في العصر الحديث تقدم صورة واضحة لهذه الصناديق الثلاثة - لأن الأدب صورة لواقع أي أمة - فمدرسة الإحياء و مدرسة التغريب و مدرسة توفيقية .. وهكذا في كل مجال , وما سوى هذه الصور الثلاث يعتبر تجديفا وليس تفكيرا , وتتآزر هذه القوى الثلاث على وأده ! كلٌ يقدم نموذجا جاهزا, على اعتبار ان ذلك النموذج كامل وغير قابل للنقاش ولا مراء في جودته. التقليد التقليد ، و سرعة التقليد .. و كل من اراد ان يناقش او يفكر فهو داعية للتخلف ، فالتفكير تخلف والتقليد ليس بتخلف!! العلم والتكنولوجيا لا تنطبق عليه كلمة تقليد ، لأن العلم واحد وأي مكتسب علمي هو مكتسب بشري وليس خاص بثقافة دون أخرى ، والحضارة وعلومها بنتها البشرية جميعاً ، والمقصود بالتقليد إذا هو التقليد في غير الأمور العلمية والصناعية التكنولوجيه ، وهي أمور ليست علمية ، فلماذا التقليد فيها؟ ، أقصد العادات والتقاليد والنظرة الى الحياة والإنسان والمجتمع واللباس والأكل وطريقة العادات والعلاقات ونمط الحياة والدين . وفكرة لكي تحصل على المنتَج (بفتح التاء) لابد أن تقبل المنتِج (بكسر التاء) فكرة خاطئة ، فالغرب أنفسهم أخذوا المنتَج (بفتح التاء) من الشعوب الأخرى ولم يأخذوا المنتِج (بكسر التاء) ،فليست الحضارة الغربية هي نهاية التاريخ حتى نكون ملزمين بها , فالإنسانية في تطور مستمر , وقد تتجاوز النمط الغربي في يوم من الأيام إلى نمط أفضل . والعالم العربي مليء بمقلدين الغرب في حياتهم وأسلوب تفكيرهم ، لكن لم نجدهم وصلوا السماء بعلومهم وتطورهم التكنولوجي ، بينما نجد الأكثر نجاحا هم الأكثر جدية في عملهم حتى لو كانوا من المحافظين ، فالعلم يعطيك بعضه إذا أعطيته كلك، ولا يسأل عن انتماءاتك الفكرية ، بل إن نسبة التفوق والنجاح نجدها ليست لصالح المتحررين والليبراليين وهذا دليل بين ظهرانينا - ويستطيع كل شخص أن يجمع الشواهد من مجتمعه المحيط - لأن الليبرالية انفلات ، والنجاح يحتاج الى انضباط . والغرب يروج لثقافته من خلال هذه الفكرة ، فكرة أن من أراد أن يكون مثل الغرب في تقدمه المادي عليه أن يكون مثله في حياته الاجتماعية والمعنوية على مبدأ ( خذني بالكامل أو اتركني بالكامل ) وهو شرط بلا مبرر ، إلا رغبتهم في تسويق أفكارهم الاجتماعية والخلقية والممجوجة من قبل الشعوب الأخرى على متن قطار العلم والتكنولوجيا ، فالكيمياء مثلا لا علاقة لهبأيدلوجية من يجري التجربة هل هو مسلم أم ملحد أو أفريقي أو صيني أو أمريكي ونظرته للمجتمع وهل هو يهتم بالموضة والهوايات الغربية أم لا؟ وهل يؤمن بالمساواة بين الجنسين أو لا حتى تنجح التجربة ، وقوانين الميكانيكا لا تسأل هل أنت متابع لأفلام هوليود أم لا ؟ ، فالعلم له قوانين من احترمها سوف يستفيد من العلم من خلال التكنولوجيا والعلوم التطبيقية ، إذا أخذ العلم لا يسمى تقليدا لأنه إذا كان هذا العلم ولم أقلد من سبقني فيه ، فهل سوف اكتشف علما جديدا مع أنه العلم واحد ، فإذا اكتشف العلم أن الأنسولين تفرزه غدة البنكرياس مثلا ، هل أرفض هذا العلم وأبحث عن غدة أخرى غيره تفرز الأنسولين ، لأنها هي الوحيدة المختصة بإنتاج الأنسولين في الجسم ، والحضارات منذ القدم تتلاقح ويأخذ بعضها من بعض ، فلماذا هذهالحضارة الغربية المغرورة تطالب الحضارات الأخرى بأن تأخذها بالكامل ، وهذا مالم يحدث في تاريخ الحضارات . وكأن الإعلام الغربي يأخذ مجهود الجادين وينسبه الى اللعابين .بينما رأينا الجادين والصابرين يتميزون ويحصلون على النجاح في كل مكان وليس في الغرب فقط ، وعبر التاريخ .الإبداع العلمي يحتاج الى الثقة بالنفس والتشجيع وليس الى الإنفلات الأخلاقي الذي ينتج الإدمان والأمراض النفسية ولا ينتج الإبداع .إذا فكرة أخذ الحضارة بالكامل أو تركها بالكامل هي فكرة خاطئة بالكامل . لا زلنا في الموضوع نفسه وهو التقليد ، فالتقليد على مبدأ ليس بالإمكان أفضل مما كان ، أو على مبدأ الحضارة الغربية هي نهاية التاريخ ، والصورة التي تقدم عن العرب والمسلمين في الماضي مع أن فيها صحة جزئية ، إلا أنها صورة قاتمة ، و ليست قاعدة عامه ، وليس كل إبداع يُحارب لأنه إبداع .. نعم كانت السياسة تتدخل أحيانا وتشوه بعض المبدعين ، لكن إذا لم يكن لها علاقة أو استفادة فإنها تشجع المبدعين .. كان الأمراء والخلفاء هم أكبر الحوافز للعلماء والمبدعين و الكتاب ، وبلاطاتهم تعج بالمثقفين والعلماء .. وكان الكثير من الكتاب يهدون كتبهم الى الأمراء والخلفاء . فالأرستقراطية كانت تدعم الإبداع ، و هذا ما حصل في عصر النهضة في اوروبا ، و في الخلافتين العباسية و الأموية .. من وجهة نظري ليست سبب أزمة الابداع عندنا هو القمع على طول الخط ، فهذه مبالغة لا شك ، في الماضي والحاضر . لا أتوقع أن أحدا سيقف في طريق من سيبدع في مجال علمي أو أدبي أو تكنولوجي ، لأنه سيخدم الجميع ، بمن فيهم القامعين . بل ويسجل له براءة اختراع إذا كان مخترعا .. المشكلة نفسية ، وهي الشعور بالنقص ، وفكرة أن الغرب أبدعوا وانتهى الأمر ، بل وفكرة أنه لا يمكن أن يبدع أحد إلا في تلك البلاد ، إذا تغيرت هذه الأفكار فسوف يكثر الإبداع في كل المجالات . وهناك قمع أشد من أي قمع ، وهو قمع المجتمع ، الذي يحبط و يثبط ويسخر من الموهوبين ، معتمدا على النموذج الأجنبي .. و هذا الموقف السلبي من الإبداع الذي يقدمه المجتمع ، هو نتيجة لانهزامه النفسي أمام المجتمع الغربي ، الذي لا يكاد أن يرى حتى عيوب ذلك المجتمع .. وغاية آمال مجتمعاتنا ان تكون مثل مجتمعات الغرب ، ومن سار إلى الغرب وصل .. و كل الطرق تؤدي إلى روما .. مع ان المفترض ان المجتمعات تسعى الى المثالية ، لا إلى مجتمع يرفض المثالية علنا ، ويستبدلها بالعلمانية والواقعية .. إذا كيف يصوّر المجتمع الغربي بأنه مجتمع مثالي ؟ وهو يرفض ان تحكمه الاخلاق ؟ بل يريد ان يحكمها هو ! بل ويرفض القيم كلها ، ولا قيمة عنده الا للسوق والواقع .. هل هذا المجتمع يصلح قدوة ؟ لن يكون قدوة الا لمن يفكر مثله فقط .. وحينها لا يحق له ان يدعي البحث عن الوضع المثالي .. العلم مكتسب بشري شارك فيه الجميع ، إذا على الغرب على مبدأ أن الإبداع يكون بعد الوصول لمكتسبات الغرب هذا أن يتخلى عن صفرنا وورقنا ويخترعوها من جديد وهذا كلام غير معقول ، التقليد الذي اقصده هو التقليد الاجتماعي والفكري ، أما العلم فلا تقليد فيه وتتناقله الحضارات والأمم كحق للجميع ، والغرب قلدوا فيه غيرهم ويقلدهم غيرهم فيما اكتشفوه من العلم ، والعلم أصلا لا تقليد فيه ، التقليد فيما يكون فيه خيارات ، والعلم خيار واحد ، إذا عرفوا أحد من البشر فهو ملك لبقية البشر وليس ملك له ، لأن الله الذي علم من خلال الطبيعة التي خلقها الله ، الغرب لم يخلق طبيعة جديدة حتى يستقلوا بها وبعلومها . أما عن التفكير يأتي بعد قبول التقليد فهذا سينتج اضافات على الأصل المقلّد ، وهذا نوع من التفكير وليس كل التفكير ، أحيانا يكون المقلَد ليس صحيحا أو فيه أخطاء ، إذا لابد من النقد وهو من وجهة نظري هو التفكير المفيد وليس التقليد ، حتى التلميذ المتلقي يستطيع أن يفكر ويناقش ويقيّم قبل أن يتبنى ، وهذا هو التلميذ الذي يستحق التعليم. التقليد بحد ذاته منافي للتفكير ، يجب أن يكون التفكير أولا ، فإذا حتّم التفكير التقليد ، وهذا لن يكون شاملا بكل حال ، حينها يكون التقليد مقبولاً – وإن كان في حقيقته تفكير – وبالتالي التفكير يعني ثقة في النفس والتقليد يعني انهزام واستسلام ، والمنهزم يقبل كل شيء مايضره وماينفعه . نريد أن تقلّد على بصيره ، ونبتكر على بصيره ، ومن كان هذا شأنه لا يسمى مقلداً ، العلم ليس مشكلتنا في التقليد ، مع أن التفكير يجب أن يكون له دور حتى في نقل العلم وتطويره وربماتغيير جزئي فيه وفي توجهاته ، المشكلة في تقليد الأنماط السلوكية والفكرية الفردية والاجتماعية والتي لا شأن لها بالعلم .
-
السلام عليكم في البداية كان الموضوع (اصلاح القلب قبل اصلاح الأفعال السيئة)،وبعد ذلك سؤال عن كيفية اصلاح القلب في هذا الرابط وهنا مثال لهذا الموضوع بعد سؤال من أحد القراء مثلا الإصلاح التربوي ، فأمامك طريقين ، إما عن طريق الإجبار والتهديد بالقوة واستعمالها ، أو طريق الإقناع والتفهيم، إذا نجحت الطريقة الثانية فالمعنى أنه صار عنده نوع من صلاح القلب وهكذا .. فكلما كان هدفنا الإصلاح من الداخل كانت النتيجة أفضل ، والإصلاح من الداخل يحتاج الى وضوح الرؤية ، وهذه تحتاج الى التفكير والأخذ والعطاء ، أي الى الحوار البناء والجدال بالتي هي أحسن ، كثير من الناس لا يهتمون باصلاح القلب لأنه يحتاج الى صبر ولأن نتائجه ليست بنفس الدرجة عند الجميع ، ويقبلون بالإصلاح الشكلي بحيث لا يرون مايزعجهم ولا يهتمون بالدواخل ، فهمهم إصلاح السلوك وليس إصلاح النية ، حتى التربية الحديثة وعلم النفس تدور حول السلوك أكثر من القلب ، صحيح أنه لا أحد يطلع بالكامل على نيات الناس ، لكن علينا أن يكون عملنا موجه لإصلاح النيات دون ارتباط بالنتائج ، فالمُصلح الحقيقي لا ينظر الى النتائج بينما التربية والتعليم تنظر الى النتائج ، فالمفروض هو نجاح الهدف والطريقة بغض النظر عن النتيجة . ومن الأخطاء الكبرى في التربيه هو جعل الكل هدفاً للإصلاح ، وقياس النتائج بالعدد وكأن الإنسان ليس مخيّر، واعتبار أن من الممكن اصلاح الناس جميعا على اعتبار أن البيئة تؤثر في الإنسان وهي وجهة نظر الماديين بينما القران قال لنبيه (انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) ، ولذلك الله يقول ( وذكر أنما أنت مذكر-لست عليهم بمسيطر) فلا أحد يلزم الا ليحصل على نتائج بائسة معنويا وان كانت تبدو جيدة ظاهريا ، على الأقل في قطاع كبير من العينة ، وعلم التربية والبرمجة اللغوية وعلم الاجتماع وعلم النفس كلها تعتمد على نتائج مادية - أي الحادية - في أساسها ونظرتها للإنسان .
-
هذا الموضوع يتبع الموضوع السابق ( اصلاح القلب قبل اصلاح الأفعال السيئة ) ، وورد سؤال من أحد القراء ( كيف أصلح قلبي ؟ ) إصلاح القلب يحتاج الى اختيار وقرار باختيار الخير والأفضل كلما تبين ولو على حساب المصلحة):الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) والأحسن يدل عليه جماله ، والتسليم وهو أن تسلم نفسك لله من خلال اتباع الفضيلة وعمل الصالحات وتتخلص من الدوران حول النفس وأن يكون بدلا من ذلك عبودية لله وليس للهوى حيث يكون الله هو الأول في اهتمامك قبل نفسك ولا تخلط بينهما ، وأن تدعو الله لذاته حباً فيه وطلباً لهدايته والقرب منه وإيقاظ المحبة في النفس للآخرين وتقديم المعنويات على الماديات ، والأخلاق على الأنانية قدر الإمكان ، حينها يشع النور في داخلك بإذن الله وتبدأ آثار صلاح القلب بالظهور في الأفعال والأقوال والاهتمامات وتشعر بالأمان الداخلي والطمأنينة وتنفر من المآثم والشرور نفوراً لم تكن تعرفه من قبل ولا تتكلف في مقاومة الآثام لأنك أصبحت تكرهها والشيء الكريه لا يجذبك ، قال تعالى ( وكرّه اليكم الكفر والفسوق والعصيان ) وتبدأ المشاكل الداخلية بالتلاشي ولا تعود تعاني منها وينعكس ذلك على الصحة النفسية والجسمية ايجاباً وتزداد محبة الآخرين لك واهتمامهم بك ولا تدري ما سبب هذا التغيّر في نظرتهم اليك ، أما المشاكل الخارجية فتخف أيضا لكنك لا تستطيع أن تمنعها أن تؤلمك أو تؤذيك لكن أثرها يخف عليك وتزداد قوة احتمالك مما يساهم في حلها لأنك تعلمت الصبر من تسليم النفس لله ، وكل هذا لأنك أصبحت في ذمة الله ، وهذا أكبر مكسب أن تتخلص من المتاعب الداخلية ( ألا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) طريق النور يبدأ بنية فاعقدها من الآن وسوف يعينك الله وسوف تشكرني ان شاء الله ، بل هو الذي سوف يعمل كل شيء وهو الذي سيصلح قلبك ، فقط سلِّم نفسك له واطلبه فلن يتخلى عنك والله لا يُخلف وعده لمن اتاه صادقا وهو منيب . أتمنى أن أكون قد وضحت الجزء الناقص من الموضوع ولو باختصار .
-
تغيير الإنسان وإصلاحه لا يأتي بملاحقة أخطائه وذنوبه ومطالبته بأن يغيرها , فهذا التغيير صعب و لا يأتي بنتيجة ، بل يأتي بنتائج عكسية , فيجعل الإنسان ينفر من أشياء لأن لها رصيد عنده في قلبه , فتطالبه بأن يكف عنها ، فيشعر بتعب وصعوبة ، ثم تقدم له قائمة أخرى بعيوبه وأخطائه ، فتسبب له الضجر والانتكاس ، و ربما اضطر للنفاق . لكن الإصلاح الحقيقي هو إصلاح القلب , فما الفائدة لو أن أحدهم ترك عيبا أو التزم بسنة و لكنه لا يزال طماعا و لم يترك الحقد والحسد و لم يرتبط بالله ؟ هذا سوف يؤدي للتناقض, و دائما الشعور هو الأقوى وهو المنتصر. وكما قال الرسول عليه الصلاة و السلام : ( إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ) . لا بأس من وجود الأخطاء والذنوب , لكن المهم إصلاح القلب ، و أن يكون القلب سليما طاهرا نقيا خالصا من حب التسلط و من الطمع و من أن تسيطر عليه العقد وأن يبحث عن الخير . فإذا اطمئن القلب بهذا ، يبدأ التغير تلقائيا من ذاته ، و يبدأ الإنسان ينفر من أشياء خاطئة هو يمارسها و يحس بأنها نشاز في حياته.
-
الشجرة مخلوق شريف لا تضرّ غيرها من الأحياء ، وليست عالة عليهم , فغذاؤها من الجماد ، وفوق ذلك هي التي تعول الأحياء في طعامهم وطاقتهم التي تأخذها من الشمس , وليست تتحرّك ولا تفترس ولا تخرّب ، بل تقدّم الأكسجين والدفء والمأوى والظلال والدواء والطعام لغيرها من الأحياء. " هي أمهم الكبرى " تفيدهم حتى بعد أن تموت , وتبقى رائحتها طيبة حتى بعد موتها , تعلّم منها الثبات في الأرض والوطن ، وتعلّم الهدوء والعطاء والبقاء حتى في أقسى الظروف ، فلا هي تغادر مكانها بل تتأقلم مع البيئة التي تنبت فيها ولا تهاجر , وتسخّر طاقاتها المحدودة حينئذ بإخراج الثمرة التي تحمل البذور ، فيأكلها الإنسان أو الحيوان جزاء نقله البذور." وكم رأيت ثمرة معلقة على غصن أجرد " ومن ناحية أخرى ، فالشجرة لا تهاجم بل تقاوم وتحني رأسها للريح حتى تمر ولا تعاندها ، ثم تعود لوضعها السابق , ورغم ذلك تموت واقفة , ومجهودها في حياتها موجّه لغاياتها فقط وهي " البقاء و العطاء " ويؤذيها الأحياء من إنسان وحيوان و تقاوم بالصبر والانتشار ، والشجرة تقدم الجمال والغذاء (الجمال مثل الوردة) (والغذاء مثل التمر) جزاء نقل بذورها لكي تنتشر لتعطيهم من جديد . وبسبب كل تلك الصفات ، صار وجودها هو الأهم للحياة من وجود غيرها ، وصار النبات من أكثر سكان الأرض عدداً وأحسنهم أخلاقاً وأكثرهم عطاءً .بلا شك أن ما قدمت لنا الشجرة أفضل مما نعطيها ، هذا الكرم وهذه السجايا من سمات الإنسان الخيِّر الذي يشبه الشجرة , الشجرة لا تتألم ولا تشتكي , والذي يريد الحب فليكن مثل الشجرة , والشجرة تستفيد وتفيد من أسوأ ما عند الأحياء وهو السماد ، وهو بقاياهم وجثثهم , فهم يعطون الشجرة أسوأ إنتاجهم ، وتعطيهم أحسن ما لديها , وإذا قُلّمت الشجرة تزيد أغصانها وتقوى جذوعها وتزداد قوة أكثر من قبل ، وتُوْرِق أكثر , وتُخْرِج البراعم من غير الأماكن التي قطعت منها , فهي لا تعرف اليأس أبداً .
-
إذا علقت سعادتك بأشياء مادية كبيت أو لباس أو أكل أو مكان أو سفر أو ثروة , أو بشيء شبه مادي ككثرة الأصدقاء , فتأكد بأن الملل سيطاردك .. لكن الذين يعيشون حياة روحية ونفسية سليمة بالرغم من أن وضعهم المادي قد يكون أقل من غيرهم إلا أنهم لا يحسون بالملل , فتجد المتصوف أو العابد يبقى سنين طويلة في صومعته ولا يشعر بالملل .. فالذي يعيش الحياة وتركيزه على الجوانب المعنوية من تفكير وتحليل وابتكار وروحانيات وعواطف ومشاعر وإنسانيات هم أقل مللاً من الذين يعيشون حياتهم على الجانب المرئي والمادي فقط , لأن المادة لا تقدم شيئا , فلو قمت بترتيب مكان الجلوس وتنظيفه.. ستجد نفسك تتساءل: وماذا بعد؟ وما الذي سيدور في ذلك المجلس حتى يستحق التنظيف والترتيب ؟؟.. هذا لأن الإنسان هو الأهم وروحه أهم من جسمه . والحضارة المادية الغربية مثلا يكثر بها الملل والإدمان والانتحار بينما لا تجد هذا في الدول المتخلفة ؛ السبب في ذلك أنهم وصلوا لتشبع من الماديات فهم يملكون المال والخدم والحريات التي كانوا يظنون بأنها سبب عدم سعادتهم, فتفككت عندهم الارتباطات وصار الشخص حُراً يفعل ما يشاء ويمارس الحب مع من يشاء ويعبر عما يريد , ومع ذلك يطاردهم الملل. والملل هو نعمة بشكل عام , لأنه دافع للإنسان يستحثه لعمل الأفضل , فالوضع الاجتماعي المادي العادي والذي كان الغموض يجمِّلُه , بعد أن وصلوا له وانكشف غموضه لم يكن فيه شيء حقيقي , لكن الذي يتعامل مع الثابت وهو الله سبحانه , لا ينتهي ؛ لأنه لا يمكن للإنسان أن يحيط بالله فلا يشعر بالملل لأنه يعيش حلاوة ومتعة الإيمان الدائمة . إن أول خطوة لعلاج الملل هو التوقف عن البحث في الأشياء الشكلية والمادية ويتجه للناحية العقلية والشعورية , فيكسر الحواجز بينه وبين نفسه , فيبدأ بالتحدث والتفكير والاهتمام بهذه الحالة حتى يضعف اهتمامه السابق , حتى يصل لدرجة أنه يستطيع الجلوس في مكان واحد لوقت طويل دون يشعر بالملل , صحيح بأن المكان واحد ..لكن الأفكار متجددة , فالذين لا يهتمون بالجوانب المعنوية تجدهم يحبون التجديد , فيحبون تغيير الملابس ومتابعة الموضات وتغيير الأماكن ؛ لأنهم يركزون على المادة, بينما لو يكون هناك مجموعة فلاسفة , ستجدهم يطوفون العالم وهم جالسين في أماكنهم . وبالمقابل تجد الناس يزورون أماكن سياحية ولكنهم لا يرون شيئا مهما إلا إذا كان شيئا بارزا , وتجدهم يشعرون بالملل من هذا المكان و لا يعودون له مرة أخرى , بينما الذي يجد متعة عقلية قد يقف عند معْلَم واحد ويتأمله لسنوات ويبحث فيه , وكما يقول أحد الفلاسفة : "يكفيني فقط الجزء الخلفي من حديقة منزلي لأقضي فيه بقية عمري" , لأنه يتأمل ويبحث ويراقب الزهور والحشرات , ولكن نظرة واحدة من أحد التافهين لهذه الحديقة تشعره بالملل و لا يعاود النظر إليها مرة أخرى . والتغيير عبارة عن دافع روحي ولكن العقل يترجم هذه الحاجة الشعورية بشكل خاطئ , فيربط ملله بشيء مادي ويبحث عن هذا الشيء ويتعب نفسه وربما يصل له وربما لا , قال تعالى : (الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) إن روح الإنسان تبحث عن السكينة وهذا ما يشعر به المؤمن بالرغم من أن نشاطاته قليلة , والمؤمن يستطيع أن يتحكم بنشاطاته بعكس الإنسان المادي الذي يشعر وكأنه مدفوع للعمل , والمؤمن لا يقوم بعمل شيء إلا إذا شعر بأنه مناسب فالأساس سلبي لأنه يعيش في سكينة ورضا بما قـدّره الله , ويؤدي ما يستطيع .. والنفس المطمئنة هي عكس النفس القلقة المتوثبة التي كلما ذهبت إلى مكان شعرت بالملل ورغبت في البحث عن مكان آخر ودائماً تبحث , أما النفس التي وصلت للإيمان فقد استقرت. يمكن للآلام الجسمية أن ينساها الإنسان بعكس الآلام النفسية التي لا تنسى , وحتى الأفراح تنسى لأنها هي الأصل فالأصل أن الإنسان سعيد . حينما يتكلم الناس عن المآسي تجدهم يتكلمون عنها من ناحية مادية كعدم وجود الكهرباء والطعام .. ولكن لو تنظر في السبب الحقيقي الذي يتعبهم ستجده الجانب النفسي , فلو كانوا مليئين بالمحبة والثقة بالنفس لهانت عليهم أشياء كثيرة وتحملوا , قال الشاعر : النفس من خيرها في خير عافية **** والنفس من شرها في مرتع وخم فالناس مصرون أن المادة هي كل شيء , فيسألون عن وضع المنزل والعمل والصحة والمال وكأن سعادتك هي بالأشياء المادية وهذا مقياس غير صحيح , بدليل أنه يوجد هناك أناس يعيشون بوسط النعيم ولكنهم تعساء بسبب الملل أو فقد أحد عزيز أو بسبب شعور بالكبت ..وتجد أناس من أثرياء العالم إلا أن المادة لم تضف لهم شيئا , وقد تجد أناس حالتهم المادية أقل منهم بكثير ولكنهم يعيشون سعادة أكثر منهم . فكل إنسان هو عبارة عن شخصين , الأول يطمح لأن يصل للثاني , وكلما اقتربت من الثاني كلما اقتربت للسعادة وكلما ابتعدت عنه كلما زاد توهانك ؛ لأنه هو الذي يملكها , فالأول أرضي والآخر سماوي . الإنسان مادة وروح وليس روحاً فقط ولا مادة فقط ، و الأصل هو الجانب الروحي ، فيا مرحبا بالمادة المنطلقة من الإشباع المعنوي والروحي ، أما أن نهين الجانب المعنوي لصالح المادة نكون قد ظلمنا المهم لصالح الأقل أهمية وظلمنا الأصل خدمة للفرع والجوهر لأجل العَرض ، حتى متعة المادة نفسها تتضرر إذا كنا لا نهتم بالجانب المعنوي ، أما الجانب المعنوي فلا يضره إذا لم ننجح في الجانب المادي . وإن قال أحد أن الصحة تعتبر من الجانب المادي ، فنقول أن الصحة لا تشترى بالمال ، وعلى كل حال صحة الجسم مع صحة الجانب المعنوي ، ويقال في المثل ( الجسم السليم في العقل السليم ) والعكس أحياناً ، هناك جوانب مادية لا دخل لنشاطنا ومجهودنا بها وهي هبة من الله ومنها الصحة في أساسها ، والصحة مرتبطة بالنفس أصلاً وليست شيئا مستقلاً عن الجانب المعنوي ، وكم هي الأمراض التي يحيلها الأطباء إلى مؤثرات نفسية ، نحن نتكلم عندما يبذل الإنسان مجهوداته على حساب جوانب أخرى . الإنسان الحكيم لو خيّر ماذا تريد: مالاً وفيرا وقصرا منيفاً أو عقلا سليماً وحكمة ورأياً سديداً وإيمانا منيراً .. أيهما سيختار ؟ العاقل سيختار الثانية لأنه كسب 2 في 1 ، فعقله السليم سيجعله ينجح في عمله ، وحكمته ستحميه من الأخطاء والأخطار والشرور ، وإيمانه سيحفظ له أخلاقه وثقة الناس به ، أما صاحب المال بلا حكمة ولا رشد فينطبق عليه المثل المصري ( يا واخذ القرد على ماله ، يروح المال ويبقى القرد على حاله ) فالحمق والنظرة المادية المفرطة والجهل وضعف الإيمان والتوكل كفيلاً بأن تُفقِد الأشياء لذتها بل ربما أفقدتها ذاتها بعد أن فقدت لذاتها ، وصدق اللي قال ( لقمه هنيه تكفي ميه ) ، ومن قال لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها *** ولكن أخلاق الرجال تضيق قد يظن أحد أن هذه دعوة إلى التزهد والتصوف والإعراض عن كل شيء مادي ، بينما أنا على العكس تماماً واعتبر أن هذا الإعراض خروجاً عن الحياة ، لكن يجب أن يكون المال في أيدينا وليس في قلوبنا ، يجب أن نكون أكبر من المال ، والمال يعيننا على الخير ويقربنا إلى الله . يجب أن نستغل طاقانا وإمكاناتنا لكي تتقدم حياتنا المادية ولا نكون متخلفين مادياً ولا معنويا أيضاً ، وألا نكون عالة على غيرنا ، بل نقدم العون لغيرنا ، وهذا لا يأتي إلا إذا عملنا وتعلمنا ليس شيئاً واحداً ، بل كل شيء نحاول أن نتعلمه ، ولا يجب أن تكون لنا مهارة واحدة ، بل يجب أن يكون لنا مهارات لا نستطيع أن نعدها وأن نعتمد على أنفسنا لا على التسوق من مجهودات الغير إلا في الضروريات ، فنزيد ثرائهم ونزيد فقرنا . أنا أريد أن نعيش الحياة بشكل شامل وليس بطريقة جزئية ، وأحب أن نكون منتجين ونكره أن نكون مستهلكين مسرفين أو بخلاء غير متوكلين ، فالنظرة المادية وحدها ستؤدي إلى طريقين إما البخل أو الإسراف، أو بالتناوب بينهما وهذا هو الغالب ، وجميعها خلق مذموم . وحتى في البحث عن شريك الحياة نجد البحث الزوجة الصالحة والزوج الصالح، والصلاح عباره عن مجموعة صفات ، ولكن هل كلها مادية؟ ، فكم من جميلة طلقت لأنها مغرورة ، فجمال جسمها لم يشفع لقبح أخلاقها ، بينما من النادر أن تطلق امرأة لأنها غير جميلة ، إذاً الأخلاق أهم من المال والماديات. النعمة ليست فقط مادية ، فلماذا تحصر بالجانب المادي فقط ؟ ، والشكر هو أهم أثر للنعمه { ولئن شكرتم لأزيدنكم } ، { وأما بنعمة ربك فحدث } ، هل المطلوب أن يحدِّث الرسول عن ماعون بيته؟ وهو الذي يمر عليها اليوم وأكثر لا يجد فيها ما يأكله أحياناً ، ومع ذلك فإن الرسول يتحدث عن نعمة الماء البارد الذي شربه كما في الحديث ، أم يتحدث عن رحمة ربه به وإنقاذه من عبادة الأصنام و رضا الله عنه والعلم الذي علمه ربه وإنقاذه من الكفار وهداية الناس ليصدقوا به ؟ ، هذه النعم أكبر من نعمة أن له بيت وثوب ، وكلها نِعم . ونحن نعلم أن قريشاً عرضت عليه أن يكون ملكاً على مكة (وهذا نعيم مادي) .. لكنه اختار أن يُطرد هو وأصحابه وأن يحصروا في شعب ابن عامر لمدة سنة لا يُكلَمون ولا يُباع عليهم ولا يُشترى منهم (حصار اقتصادي مادي) ، فماذا اختار الرسول؟ لقد اختار المعنوي ولم يختر المادي الذي سوف يضر بالمعنوي ، لكن لو قالوا له نجعلك ملكا علينا ونصدق برسالتك فإنه حينها لن يمانع ، إذاَ ليست القضية قضية كره التمتع بالمادة ،القضية أن يكون التمتع بالمادة على حساب الأخلاق والعقل والدين ، وهذه الأشياء لا يفرط بها المؤمن ولا العاقل ولا صاحب الأخلاق مقابل عرض مادي مهما بلغ . نعيم الجنة المادي ليس على حساب المعنوي ، لأن الآخرة دار عدل ، أما الدنيا فليست دار عدل ، كيف نتمتع بالثراء الفاحش والتبذير ونحن نعرف بوجود من لا يجدون ما يسد جوع أطفالهم ؟! من عنده أخلاق لا يستطيع أن يستلذ بهذا الترف الزائد عن حاجته وهناك من يتعذب ولا يجد طعاما ولا كساءً ، أما التنعم في الجنة فليس هناك فقراء يتم هذا التنعم على حسابهم ، إذاً نعيم الجنة نعيم أخلاقي ، وترف الدنيا والإسراف والتبذير فيها سلوك غير أخلاقي ولا تصلح المقارنة بينهما ، لأنه يكسر عيون الفقراء ويكسر نفسياتهم ويحسسهم بأنهم أدنى مع أن الله كرّم بني آدم . في الدنيا يتحقق جمال الجانب المعنوي بالانفاق من المادي {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا} إلا الضروري منها، وليس التمتع بجمال الماديات وتقليبها ، لأن الأخلاق مبنية على التضحية ، إذاً لا يمكن أن نكون ماديين ومعنويين في وقت واحد ، لأن الضدين لا يجتمعان في قلب واحد ، لابد أن يكون جانب هو المنتصر ، يجب أن نرى جمال الأشياء المادية ليس بذاتها ، بل من خلال مشاعرنا ومعنوياتنا ، فالإنسان المعنوي لا يستطيع أن يرى جمالاً في لباس وأناقة أحد متكبر ومغرور وظالم ، فسوف تتأثر تلك الأناقة بالجانب المعنوي رغماً عنه . لا يمكن أن ترى جمالاً في أداة قطعت أصبعك أو حشرة لدغتك لا سمح الله ، إلا أن نكون قد نسينا ذلك الوضع أو تغيرت الحالة، بحيث أصبح المغرور متواضعاً مثلاً ، حينها نستطيع أن نرى أناقته بوضوح ، وإذا أصبحت المرأة الحقودة متسامحة ، عندها تكون ابتسامتها عذبه ، وملامحها وضاءة . لو أن سيارة فارهة على أحدث طراز دهست شخصاً عزيزاً علينا لا سمح الله ، سنجد أنفسنا نكره هذا النوع من السيارات ، وبالتالي يتأثر جمالها وطرازها على الأقل عندنا . لاحظ كم هي جميلة التفاحة الحمراء في عين الجائع ، لكن هذا الجمال سيخف كثيرا عند من يعاني من التخمة ، وهذا هو الواقع ، إذاً كل شخص معنوياته تؤثر في نظرته إلى الماديات وعلى حسب سعة وعمق التأثير نقول عن الشخص أنه معنوي أكثر من مادي . لكن علينا أن ننتبه ولا نظن أن هذا الشخص المعنوي دائماً سيرى الأشياء المادية سيئة ، إنه وتبعاً لمعنوياته يرى جمالاً لا يراه الماديون في بعض الأشياء المادية ، فالطبيب المخلص يحب أدواته التي أنقذ بها أشخاصا كثر من الموت ، ويرى فيها جمالاً لا يراه غيره ، مثلما كان يعجب الفارس العربي بجواده وسيفه ، ولا يبيعها بأي سعر يقدم له .