-
عدد المشاركات
119 -
انضم
-
تاريخ اخر زيارة
السمعه بالموقع
1 Neutralعن العضو البرنسيسة وسام
-
الرتبه
عضو مؤسس
- تاريخ الميلاد 29 أغس, 1982
اخر الزوار
4,487 زياره للملف الشخصي
-
sa7er alex started following البرنسيسة وسام
-
وبشِّر الصابرين الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فلما كان الصبر نصف الإيمان، وخلقاً فاضلاً من أخلاق النفس، وقائداً للنفس إلى الطاعة الله، صارفاً لها عن معصيته، كان ضرورياً أن نبين حقيقته وفضله وأنواعه ومراتبه وحال الناس معه، والأمور التي تقدح فيه وتنافيه، في وقت كثرت فيه المصائب، وعمت الفتن، وزادت الشبهات، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر، وصارت حاجة الناس إلى الصبر لا تقل عن حاجتهم إلى الطعام والشراب. فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الصبر على طاعته، الصبر عن معصيته، والصبر على قضائه وقدره، إنه ولي ذلك والقادر عليه. حقيقة الصبر وحال الناس معه الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن الشكوى، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما. وهو خُلق فاضل من أخلاق النفس، يُمتنع به من فعل ما لا يُحسن ولا يَجْمُل. وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها. وقيل: ( هو المقام على البلاء بحسن الصحة كالمقام مع العافية ). ومعنى هذا أن لله على العبد عبودية في عافيته وفي بلائه، فعليه أن يحسن صحبة العافية بالشكر، وصحبة بلاء بالصبر وسئل عنه الجنيد فقال: ( هو تجرع المرارة من غير تعبس ). وقال ذو النون: ( هو التباعد عن المخلفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة ). والصبر للنفس بمنزلة الخطام والزمام، فهو الذي يقودها في سيرها إلى الجنة أو النار، فإن لم يكن للمطية خطام ولا زمام شردت في كل مذهب. وحُفظ عن بعض السلف قوله: ( اقدعوا هذه النفوس فإنها طلعة إلى كل سوء ) أي: كُفُوها عما تتطلع إليه من الشهوات. فرحم الله امرأً جعل لنفسه خطاماً وزماماً فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وصرفها بزمامها عن معاصي الله، فإن الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه. فحقيقة الصبر إذن أن يجعل العبد قوة إقدامه مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة إحجامة إمساكاً عما يضره. أما عن حال الناس مع الصبر: فمنهم من تكون قوة صبره على فعل ما ينتفع به أقوى من صبره عما يضره؛ فيصبر على مشقة الطاعة ولا صبر له عن دواعي هواه إلى ارتكاب ما نُهي عنه. ومنهم من تكون قوة صبره عن المخلفات والمعاصي أقوى من صبره على مشقة الطاعات. ومنهم من لا صبر له على هذا ولا على ذاك. فكثير من الناس يصبر على مشقة الصيام في الحر وفي مشقة قيام الليل في البرد، ولا يصبر عن نظرة محرمة. وكثير منهم يصبر عن النظر إلى المحرمات وعن الالتفات إلى الصور العارية، ولا صبر له على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين، بل هو أضعف شيء عن هذا. وأكثرهم لا صبر له على واحد من الأمرين، وأقلهم أصبرهم في الموضعين، ولهذا قيل: ( الصبر ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الهوى والشهوة ). فضل الصبر للصبر فضائل كثيرة منها: أن الله يضاعف أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب، فكل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر، قال تعالى: ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) [الزمر:10]. وأن الصابرين في معية الله، فهو معهم بهدايته ونصره وفتحه، قال تعالى: ( إن الله مع الصابرين )[البقرة:153]. قال أبو على الدقاق: ( فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معية). وأخبر سبحانه عن محبته لأهله فقال: ( والله يحب الصابرين )[آل عمران:146] وفي هذا أعظم ترغيب للراغبين. وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً ذلك باليمين فقال سبحانه ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) [النحل:126]. وجمع الله للصابرين أموراً ثلاثة لم يجمعها لغيرهم وهي: الصلاة منه عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى وبشِّر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) [البقرة:155-157]. وقال بعض السلف وقد عُزِي على مصيبة وقعت به: ( مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال، كل خصلة منها خير من الدنيا وما عليها ). ومنها أيضاً أن الله علق الفلاح في الدنيا والآخرة بالصبر، فقال يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا فى واتقوا الله لعلكم تفلحون ) [آل عمران:200] فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور. واستقصاء جميع فضائل الصبر يطول، وسيأتي مزيد عند الحديث عن الصبر في القرآن والسنة أنواع الصبر أنواع الصبر ثلاثة كما قال أهل العلم وهي: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله. ومرجع هذا أن العبد في هذه الدنيا بين ثلاثة أحوال: بين أمر يجب عليه امتثاله، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما، وهو لا ينفك عن هذه الثلاث ما دام مكلفاً، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منها. وهذه الثلاثة هي التي أوصى بها لقمان ابنه في قوله يا بنى أقِم الصلاة وأمُر بالمعروف وانهَ عن المنكر واصبِر على ما أصابَك ) [لقمان:17]. بالإضافة إلى أن الصبر في اللغة هو الحبس والمنع، فيكون معناه حبس النفس على طاعة الله، وحبس النفس ومنعها عن معصية الله، وحبس النفس إذا أصيبت بمصيبة عن التسخط وعن الجزع ومظاهره من شق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية. أما الصبر على الطاعات فهو صبر على الشدائد؛ لأن النفس بطبعها تنفر عن كثير من العبادات، فهي تكره الصلاة بسبب الكسل وإيثار الراحة، وتكره الزكاة بسبب الشح والبخل، وتكره الحج والجهاد للأمرين معاً، وتكره الصوم بسبب محبة الفطر وعدم الجوع، وعلى هذا فقِس. فالصبر على الطاعات صبر على الشدائد والعبد يحتاج إلى الصبر على طاعته في ثلاث أحوال الأولى: قبل الشروع في الطاعة بتصحيح النية والإخلاص وعقد العزم على الوفاء بالمأمور به نحوها، وتجنب دواعي الرياء والسمعة، ولهذا قدم الله تعالى الصبر على العمل فقال إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات) [هود:11]. الثانيه: الصبر حال العمل كي لا يغفل عن الله في أثناء عمله، ولا يتكاسل عن تحقيق آدابه وسننه وأركانه، فيلازم الصبر عند دواعي التقصير فيه والتفريط، وعلى استصحاب ذكر النية وحضور القلب بين يدي المعبود الثالثة: الصبر بعد الفراغ من العمل، إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للرياء والسمعة، والصبر عن النظر إلى العمل بعين العجب، والصبر عن الإتيان بما يبطل عمله ويحيط أثره كما قال تعالى لا تَبطِلوا صدقاتكم بالمَن والأذى ) [البقرة:264] فمن لا يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى فقد أبطل عمله فالطاعة إذن تحتاج إلى مجاهدة وصبر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( حُفَّت الجنة بالمكاره ....) (رواه مسلم ) أى بالأمور التى تشق على النفوس وأما الصبر عن المعاصى فأمره ظاهر، ويكون بحبس النفس عن متابعة الشهوات، وعن الوقوع فيما حرم الله. وأعظم ما يعين عليه ترك المألوف، ومفارقة كل ما يساعد على المعاصى، وقطع العادات، فإن العادة طبيعة خاصة، فإذا انضمت العادة إلى الشهوة تظاهر جندان من جند الشيطان على جند الله، فلا يقوى باعث الدين على قهرهما. ولهذا فقال النبى صلى الله عليه وسلم ... وحُفَّت النار بالشَّهَوات ) وذلك لأن النفوس تشتهيها وتريد أن تقتحم فيها، فإذا حبس الإنسان نفسه عنها وصبر على ذلك كان ذلك خيراً له وأما الصبر على البلاء فقد قال الله تعالى: وَلَنَبلُوَنّكُم بِشَىءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثّمَراتِ وَبَشِرِ الصّابِرينَ ( البقرة:155).ويكون هذا الصبر بحبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله تعالى، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها فالصبر من العبد عند وقوع البلاء به هو اعتراف منه لله بما أصاب منه واحتسابه عنده ورجاء ثوابه، فعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها، وأبدل لي بها خيراً منها } [رواه أبو داود]. فلما احتضر أبو سلمة قال: ( اللهم اخلفني في أهلي خيراً مني ). فلما قبض قالت أم سلمة: ( إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله أحتسب مصيبتي ). فانظر عاقبة الصبر والاسترجاع ومتابعة الرسول والرضا عن الله إلى ما آلت إليه. ونالت أم سلمه نكاح أكرم الخلق على الله محمد صلى الله عليه وسلم مراتب الصبر وهى ثلاثة كما ذكر ابن القيم رحمه الله الأولى: الصبر بالله، ومعناها الاستعانة به، ورؤيته أنه هو المصير، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إلا بِاللّهِ ) (النحل: 127) يعنى: إن لم يُصبرك الله لن تصبر الثانية: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث له على الصبر محبة الله، وإرادة وجهه والتقرب إليه، لا لإظهار قوة نفسه أو طلب الحمد من الخلق، أو غير ذلك من الأغراض الثالثة: الصبر مع الله، وهو دوران العبد مع مراد الله منه ومع أحكامه، صابرا نفسه معها، سائراً بسيرها، مقيماً بإقامتها، يتوجه معها أينما توجهت، وينزل معها أينما نزلت، جعل نفسه وقفاً على أوامر الله ومحابه، وهذا أشد أنواع الصبر وأصعبها، وهو صبر الصِّدِّيقين قال الجنيد المسير من الدنيا إلى الآخرة سهل هين على المؤمن، وهجران الخلق فى جنب الله شديد، والمسير من النفس إلى الله صعب شديد، والصبر مع الله أشد ) الصبر فى القرآن ذكر ابن القيم رحمه الله كثيراً من المواضع التى ورد بها الصبر فى القرآن الكريم، ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله قوله ذكر الله سبحانه الصبر فى القرآن الكريم فى نحو ستين موضعاً) ونحن نذكر بعضاً الأنواع التى سِيق فيها الصبر فى القرآن الكريم ومنها 1- الأمر به كقوله تعالىوَاصبِر وَمَا صَبُركَ إلا بِاللّهِ) ( النحل:127) وقوله وَاصبِر لِحُكِمِ رَبِكَ ) ( الطور:48) 2- النهى عن ضده وهو الاستعجال كقوله تعالى فَاصبِر كَمَا صَبَرَ أُولُوا العَزمِ مِنَ الرُسُلِ وَلاَتَستَعجِل لَهُم) ( الأحقاف:35). وقوله وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحُوُتِ ) (القلم:48) 3- الثناء على أهله، كقوله تعالىوَالصّابِرِينَ فِي البأسآء وَالضّرآء وَحِينَ البأسِ أُولَئِكَ الّّذَينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَقُونَ ) (البقرة:177) 4- تعليق النصر والمدد عليه وعلى التقوى، كقوله تعالىبَلَى إن تَصبِرُوا وَتَتَقُوا وَيَأتُوكُم مِن فَورِهِم هَذَا يُمدِدكُم بِخَمسَةٍ ءَالَفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِمِينَ ) ( آل عمران:125)، ولهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم:{ واعلم أن النصر مع الصبر } 5- الإخبار بأن الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المكروه المرهوب، ودخول الجنة وسلام الملائكة عليهم، إنما نالوه بالصبر، كما قالوالملائكة يدخلون عليهم من كل باب (23) سلام عليكم بما صَبَرتم فنِعم عُقبَى الدار(24) ) [الرعد:24،23]. 6- الإخبار أنه إنما ينتفع بآيات الله ويتعظ بها أهل الصبر، كقوله تعالى ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أَخرِج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن فى ذلك لآياتٍ لكل صبَّارٍ شكور) [إبراهيم:5]. 7- الإخبار أن خصال الخير والحظوظ العظيمة لا يلقاها إلا أهل الصبر كقوله تعالى ويلكم ثواب الله خيرٌ لمن آمن وعمل صالحاً ولا يُلقاها إلا الصابرون ) [القصص:80]، وقوله وما يُلقاها إلا الذين صبروا وما يُلقاها إلا ذو حظٍ عظيم) [فصلت:35]. 8- تعليق الإمامة في الدين بالصبر واليقين، كقوله تعالىوجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) [السجدة:24]. فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين 9- أن الله أثنى على عبده أيوب بأحسن الثناء على صبره فقال إنَّا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أوَّاب) [ص:44] فأطلق عليه نعم العبد بكونه وجده صابراً وهذا يدل على أن من لم يصبر إذا ابتلي فإنه بئس العبد 10- أنه سبحانه قرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان، فقرنه بالصلاة في قولهواستعينوا بالصبر والصلاة) [البقرة:45]، وبالتقوى في قولهإنه من يتقِّ ويصبر) [يوسف:90]، وبالشكر في قولهإن فى ذلك لآيات لكل صبَّارٍ شكور) [لقمان:31]، وبالرحمة في قوله: [(وتواصَوا بالصَّبر وتواصَوا بالمَرحَمَة)البلد:17]، وبالصدق في قوله: (والصَّادقِين والصَّادِقات والصَّابرين والصَّابِرات)[الأحزاب:35]. وجعل الله الصبر في آيات أخرى سبب محبته ومعيته ونصره وعونه وحسن جزائه، ويكفي بعض ذلك شرفاً وفضلاً الصبر في السنه لقد ورد في السنة النبوية أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بين فضل الصبر والحث عليه، وما أعد الله للصابرين من الثواب والأجر فى الدنيا والآخرة، ولقد بوَّب العلماء للصبر أبواباً عدة فى كتبهم، وذكروا تحتها من الأحاديث ما لا يحصى، ونحن نذكر هنا بعضها فى الصحيحين 1- عن أنس رضى الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلمبامرأة تبكى عند قبر فقالاتقى الله واصبرى) فقالت: إليك عنى فإنك لم تصب بمصيبتى - ولم تعرفه - فقيل لها: إنه النبى صلى الله عليه وسلم، فأخذها مثل الموت، فأتت باب النبى صلى الله عليه وسلم فلم تجد على بابه بوابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك، فقال صلى الله عليه وسلم:{ إنما الصبر عند الصدمة الأولى } فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها، فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر 2- وعن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {.. ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر } [رواه البخاري ومسلم]. 3- وعن أنس رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ـ أي عينيه ـ فصبر عوضته عنهما الجنة } [رواه البخاري]. 4- وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: { رحم الله موسى قد أوذى بأكثر من هذا فصبر } والأحاديث في فضل الصبر والحث عليه أكثر من أن تحصى، وما ذُكر يكفي من كلا م السلف في الصبر 1 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( وجدنا خير عيشنا بالصبر ) وقال أيضاً: ( أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريماً ). 2 - وقال علي رضي الله عنه: ( ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد ). ثم رفع صوته فقال: ( ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له ) وقال أيضاً: ( والصبر مطية لا تكبو ). 3 - وقال الحسن: ( الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده ). 4 - وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ( ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه فعوضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه ). 5 - وقال سليمان بن القاسم رحمه الله: ( كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر ). 6 - وقال ميمون بن مهران رحمه الله: ( الصبر صبران: فالصبر على المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعصية ) وقال أيضاً: ( ما نال أحد شيئاً من جسم الخير فما دونه إلا بالصبر ). أمور تقدح في الصبر وتنافيه لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب وخمش الوجوه، ونحو ذلك، كان ما يقع من العبد عكس ما ذكرته قادحاً في الصبر، منافياً له، ومن هذه الأمور 1 - الشكوى إلى المخلوق، فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق مثله فقد شكا من يرحمه ويلطف به ويعافيه وبيده ضره ونفعه إلى من لا يرحمه وليس بيده نفعه ولا ضره. وهذا من عدم المعرفة وضعف الإيمان. وقد رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى آخر فاقة وضرورة فقال: ( يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟ ) ثم أنشد وإذا عَرَتك بلية فاصبر لها صبر الكريـم فإنه بك أعـلمُ وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحمُ ولا ينافي الصبر الشكوى إلى الله، فقد شكا يعقوب عليه السلام إلى ربه مع أنه وعد بالصبر فقالإنما أشكو بثِّى وحزنى إلى الله)[يوسف:86]. ولا ينافي الصبر أيضاً إخبار المخلوق بحاله؛ كإخبار المريض الطبيب بحاله، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به، إذا كان ذلك للإستعانة بإرشاده أو معاونته على زوال الضر 2 - ومما ينافي الصبر ما يفعله أكثر الناس في زماننا عند نزول المصيبة من شق الثياب، ولطم الخدود، وخمش الوجوه، ونتف الشعر، والضرب بإحدى اليدين على الأخرى، والدعاء بالويل، ورفع الصوت عند المصيبة، ولهذا برىء النبي صلى الله علية وسلم ممن فعل ذلك ولا ينافي الصبر البكاء والحزن من غير صوت ولا كلام محرم، قال تعالى عن يعقوبوابيضَّت عيناهُ من الحزن فهو كظيم)[يوسف:84]. قال قتادة: ( كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً ) 3 - ومما يقدح في الصبر إظهار المصيبة والتحدث بها. وقد قيل: ( من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة ). وقيل أيضاً: ( كتمان المصائب رأس الصبر ). 4 - ومما ينافي الصبر الهلع، وهو الجزع عند ورود المصيبة والمنع عند ورود النعمة، قال تعالىإنَّ الإنسانَ خُلِق هَلُوعاً (19) إذا مسَّه الشَّرُ جَزوعاً (20) وإذا مسَّه الخيرُ مَنُوعاً (21))[المعارج:19-21]. قال عبيد بن عمير: ( ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع القول السيىء والظن السيىء ). وقال بعضهم: مات ابن لي نفيس، فقلت لأمه: اتقي الله واحتسبيه عند الله، واصبري. فقالت: مصيبتي به أعظم من أن أفسدها بالجزع وأخيراً أسأل الله تعالى أن يرزقنا الصبر، وأن يجعلنا من الصابرين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
-
أمى كعادة الناس دخل احد الشباب الى احد الاسواق الكبيرة لشراء حاجيات كثيرة لمنزله وبينما هو يتجول بين السوق الكبير لفت انتباهه امراة كبيرة في السن تنتقل وراءه من مكان إلى آخر ولم يقف الحال عند ذلك حتى اقتربت منه بشدة وهي تشخص ببصرها في وجهه التفت اليها وقال يا امي تريدين شي مني التفتت اليه وبكت وقالت يا امي اجمل كلمة اسمعها اسمع يا بني انت تشبه ابني شبها كبيرا وقد مات في حادث سيارة وقد افتقدت تلك الكلمة اللي تجبر قلبي وتعيد لي قواي وانهالت تبكي اخذ يصبرها ويقول اصبري يا امي واحتسبي هذا امر الله الله يعوضك خير قالت اريد منك طلب تسمعني هالكلمة انا اريد اروح بيتي لكن تكرم واسمعني هالكلمة كرررها على مسمعي امي امي امي اريد ان اسمعها امي حتى اخرج من السوق اسمعني اياها ذكرني بفقيدي وذهبت وهي تبكي وقلبه يتقطع من الالم والحسرة على هذا الموقف الانساني المؤلم وتمنى لو انه لم يشاهد هذه الام الحزينة وخرج من السوق بعد ان هدات العاصفه وربما نسي بعض الاغراض وتقدم للمحاسب وهو يتألم لبقايا المو قف كم الحساب؟ قال الحساب 450 ريال سعودي وحساب امك 1550 ريال سعودي امي وينها امي قال التي ذهبت من هنا وانت توا دعها قالت الحساب عند ولدي معقوله؟؟؟؟؟؟ قال الم تذهب امك من هنا وانت تو ادعها؟؟؟؟ يا امي مع السلامه قال بلى انا وادعت امراه مات ولدها وقلت لها يا امي قال المحاسب انا ما اعرف الا الحساب امك خرجت من هنا وانت توادعها وقالت الحساب عند ولدي هذا ولم يجد بدا من دفع الحساب ودفع الحساب وهو يقول حسبي الله ونعم الوكيل
-
أخرج عم عبد الواحد من جيبه مظروفا وقال فى صوت يبدو فيه الانفعال: شايف التلغراف ده؟ .. أنا جاى الوزارة النهاردة مخصوص علشان أحطه فى عين المدير العام فلسفة عم عبد الواحد اعتدت أن أراه مبتسماً راضياً قانعاً .. لا يشغله من أمر الدنيا شىء . يعيش وحيداً لا زوجة ولا ولد ولا أهل ولا أقرباء ولا صديق ولا رفيق . إذا شعر بالوحدة لجأ إلى أقرب مسجد وفى رحاب الله تطمئن نفسه ويهدأ باله ويرتاح قلبه ويصفو فؤاده . وفى أحيان كثيرة يغلبه النعاس وهو يقرأ القرآن فيختار ركناً هادئاً فى المسجد فينام فيه حتى تحين صلاة الفجر .. وبعد الصلاة يواصل قراءة القرآن إلى أن يأتى موعد عمله فيذهب إليه وعم عبد الواحد- وهذا هو اسمه - الذى اشتهر به عمله وبين سكان الحى الذى يقيم فيه ، موظف صغير فى أرشيف إحدى الوزارات ، ورغم ذلك فإن مكانته كبيرة بين زملائه وأهل حيه لتقواه وورعه وطيبة قلبه وسعة اطلاعه ، وكثيرا ما يستدعيه بعض كبار الموظفين من رؤسائه ليفسر لهم آية قرآنية أو حديثا شريفا وفلسفة عم عبد الواحد فى الحياة والقناعة والرضا والإيمان الشديد بالله .. لا يشكو ولا يتذمر أبداً .. تجده دائماً راضياً شاكراً حامداً ربه على ما قسمه له .. وإذا واجهته مشكلة وعجز عن حلها فإن الابتسامة تظل مرتسمة على وجهه لا تختفى أبداً . وتجد دائماً راضياً شاكراً لا يعاند القدر .. بل يسير دائماً فى الطريق الذى رسمه الله له ومنذ أيام التقيت به صدفة فى أحد الشوارع المؤدية إلى الوزارة ، وعندما رآنى بادرنى بقوله: انت فين يا بيه .. دى الوزارة كلها بتسأل عنك . ثم أطرق برأسه وواصل حديثه قائلاً: عارف انك بتحب لى الخير ، وعلشان كده حأقول لك حاجة عن عمك عبد الواحد تفرحك وهنا انفرجت أسارير وجهه ولمعت عيناه وهو يخبرنى فى سعادة غامرة أنه عثر على وظيفة بعد الظهر مرتبها خمسمائة جنيه فى الشهر ، قلت له مهنئاً: مبروك يا عم عبد الواحد قال لى: مبروك على ايه يا بيه .. هو أنا لسه عارف المدير العام بتاعنا حيوافق ولا لأ قلت: هل تريد أن أكلمه قال: لا يا بيه .. أنا واسطتى ربنا وهنا رفع رأسه إلى السماء وهو يقول بصوت مملوء بالثقة: سبحانك .. أنت وحدك المعين قلت: ولكنك لم تقل لى ما هى هذه الوظيفة الجديدة قال: كاتب فى محل مانيفاتورة وقلت: ولكن ماذا الذى جعلك تفكر فى العمل بعد الظهر؟ قال: ماخبيش عليك يا بيه .. أنا كبرت وداخل على الستين ، وصاحب مرض .. ولازم لى واحدة بنت حلال تكون جنبى وأنا بودع الدنيا تسند رأسى وتسبل عينيه قلت: هذا قرار حكيم يا عم عبد الواحد .. ولكن ماذا ستفعل إذا رفض المدير العام طلبك؟ قال: تبقى دى إرادة ربنا ويبقى ربنا سبحانه وتعالى عايز يحمينى من شر كان حيحصل من ورا الشغلانة دى وأمسك عم عبد الواحد بذراعى وضغط عليه بشدة وهو يقول: العبد عليه يسعى .. وبعد كده يسلم أمره للخالق وبعد أيام قابلت عم عبد الواحد . كان لقاؤنا هذه المرة على سلم الوزارة . كانت علامات الرضا تبدو على وجهه كالمعتاد ، وكنت مشتاقاً أن أعرف منه أخبار الوظيفة الجديدة فسألته فى لهفة ازى حالك يا عم عبد الواحد .. أخبار الوظيفة ايه؟ فرد على سؤالى فى استنكار قائلا وظيفة ايه يا بيه .. ربنا موجود قلت: يبدو ان الله فتح عليك من طريق آخر قال: دا اللى ربنا بعتهولى حاجة كبيرة قوى قلت: يا ترى ايه .. فرحنى يا عم عبد الواحد قال: القصة طويلة قوى .. تعالَ فى مكتبى وأنا أحكيهالك ونزلنا إلى بدروم الوزارة حيث يوجد مكتب عم عبد الواحد .. وطلب لى واحد شاى كشرى ، وجلست أستمع إلى قصته باهتمام شديد . قال: عندما ذهبت لمقابلة المدير العام وطلبت منه الموافقة على الوظيفة الجديدة بدأ يكلمنى بعنجهية وأسلوب لم أتعوده وأنا راجل كبير فى السن .. ومعروف إنى بتاع ربنا والناس كلها بتحترمنى .. وتعجبت لهذه المقابلة الغريبة .. لقد كان يحدثنى تارة من أنفه وتارة أخرى من تحت ضرسه .. وفجأة هب واقفاً وهو يصيح فى وجهى: انت يا راجل مش عارف انك فى وزارة محترمة .. ازاى تبقى موظف عندنا وعايز تشتغل فى محل مانيفاتورة .. مش عيب؟ لازم تعرف ان الحكومة لها كرامة قلت له مستعطفاً: أنا عارف يا سعادة البيه انى فى وزارة محترمة وطول عمرى بحافظ على كرامة الحكومة .. بس دا أنا حاشتغل فى عمل شريف علشان آكل منه عيش .. وشغلانة كاتب مش عيب وزاد هياج المدير العام وارتفع صياحه ، وأمسك بطلبى ومزقه وألقاه فى سلة المهملات وهو يقول: اتفضل شوف شغلك وبلاش مسخرة وكلام فارغ .. قال مانيفاتورة قال .. ناقص تقول لى عايز أشتغل زبال وهنا أخرج عم عبد الواحد منديله من جيبه وأخذ يجفف حبات العرق التى تناثرت على جبهته وبدأت تتساقط على وجهه من شدة الحرارة والانفعال والتأثر .. ثم واصل حديثه قائلا: وتركت المدير العام إلى مسجد الوزارة حيث أديت صلاة الظهر ثم قرأت ما تيسر من الآيات الكريمة ، فأحسست براحة وطمأنينة ، وشعرت أنى قريب إلى الله .. وزالت عن نفسى كل الهموم التى سببها لى المدير العام وسألت عم عبد الواحد وأنا متلهف لسماع باقى قصته: وماذا حدث بعد ذلك؟ قال: بعد أن صليت الظهر ذهبت إلى دارة شئون الأفراد وطلبت السماح لى بأجازة أسبوع قلت: ولماذا طلبت القيام بالأجازة؟ قال: لقد اعتدت فى شهر رمضان من كل عام أن أقضى أسبوعا متنقلا بين مساجد حى الحسين .. إنها متعة بالنسبة لى ما بعدها متعة وسكت قليلا وشعرت أنه يستعد لإعلان خبر هام ، ثم قال: بعد ذلك توجهت إلى منزلى فى حى الشرابية .. وهناك كانت تنتظرنى مفاجأة .. وجدت تلغرافاً ,, ولا أخفى عليك الخوف الذى أصابنى .. فقد ظننت أن المدير العام قرر فصلى ، وأمسكت بالتلغراف بيد مرتعشة وقرأته .. فإذا به تلغراف تعيين وليس فصلا .. لقد كان من وزارة الأوقاف تخطرنى فيه بتعيينى واعظاً غير متفرغ فى أحد مساجدها قلت: وكيف تم ذلك؟ .. هل سبق لك أن قدمت طلباً للوزارة؟ قال: نعم ، ولكنك لن تصدق إذا قلت لك أننى قدمته منذ أكثر من سنتين قلت: شىء غريب أن الوزارة افتكرتك بعد هذه المدة الطويلة قال: ما غريب الا الشيطان يا بيه .. دا ربنا أراد أن يؤدب هذا المدير العام ويعطيه درساً قاسياً ، فأرسل لى هذه الوظيفة المحترمة حتى لا يستطيع رفضها ثم توقف عم عبد الواحد فجأة عن الكلام ، وأخذ يتمتم بصوت مسموع ببعض الآيات والدعوات وهو يرفع يديه إلى السماء ثم يمسح بهما على وجهه متباركاً .. وقبل أن يستأنف حديثه سألته: ولكنك أخبرتنى أنك فى أجازة .. فما الذى جاء بك اليوم إلى الوزارة؟ قال: قطعت الأجازة قلت: ولماذا قطعتها؟ وقبل أن يجيب على سؤالى رمقنى بنظرة فيها شىء من الاستنكار ثم أخرج من جيبه مظروفاً وقال فى صوت يبدو عليه الانفعال: شايف التلغراف ده .. أنا جاى الوزارة النهاردة مخصوص علشان أحطه فى عين المدير العام
-
ماذا يخبىء لها القدر؟ .. هل سيعود زوجها يوماً ويسامحها .. وتعيش فى كنفه راضية .. أم أنه لن يعود أبداً؟ النظرة .. الأخيرة اليوم ثانى أيام العيد ، ولكن عفاف لم تفقد الأمل فى عودة زوجها .. لقد ترك المنزل منذ خمسة أشهر ثائراً حانقاً ، لاعناً كل شىء فى الدنيا .. قال لها قبل أن يخرج: أنه سيذهب بلا رجعة .. سيختفى تماماً من حياتها .. لن تعرف مكانه إلى الأبد . ولكنها كعادتها لم تصدق كلمة واحدة مما قاله .. لقد سمعت منه هذه التهديدات مرات عديدة .. ولكنه كان فى كل مرة لا ينفذها كان يخرج ثم يعود .. يصرخ وسرعان ما يهدأ .. يثور ثم يصبح كالحمل الوديع .. لقد ظنت عفاف أن هذه المرة ستكون مثل كل المرات السابقة .. ولكنه خاب ظنها عندما خرج رفعت ولم يعد ورغم غيابه هذه المدة الطويلة فإنها لم تستسلم لليأس ، كانت تنتظره فى شرفة منزلها كل يوم ، تحملق فى المارة وتفرزهم بنظراتها واحداً واحداً ، علها تجد بينهم زوجها الغائب . لقد بحثت عنه فى كل مكان . عند أقاربه وأصدقائه ومعارفه .. فى المستشفيات .. فى أقسام البوليس .. فى قهوة أم كلثوم التى اعتاد أحياناً أن يتردد عليها .. فى سيدنا الحسين حيث كان يصلى الجمعة كل أسبوع .. لقد تورمت قدماها من كثرة البحث والتحرى .. والوقوف بالساعات بالقرب من الأماكن التى كان يرتادها لعلها تقابله إنها تشعر بالخوف يملأ قلبها وبالوحدة تشتت كيانها والقلق يسيطر على نفسها .. إنها لا تعرف ماذا يخبىء لها القدر؟ .. هل سيعود زوجها يوماً إليها ويسامحها ، وتعيش فى كنفه راضية مرضية .. أم أنه لن يعود إليها أبداً .. فتصبح بلا رجل وبلا حماية وبلا سند؟ .. وإذا كان زوجها ينوى العودة إليها فمتى سيعود؟ وابنها الوحيد طارق الذى يبلغ من العمر السابعة من العمر ، ماذا تقول له؟ هل ستظل تكذب عليه .. وإلى متى سيستمر الكذب؟ إنه يسألها عشرين مرة فى اليوم: امتى هيرجع بابا من السفر يا ماما؟ - فتقول له: - بعد اسبوع يا حبيبى وكل يوم يسألها عشرين مرة أيضاً: - امتى حيخلص الاسبوع يا ماما؟ وحين ينتهى الاسبوع يعود فيسألها: - بابا مجاش ليه يا ماما؟ .. انتى بتكذبى علىَّ .. بابا مش راجع تانى .. ده وحشنى خالص وتبكى عفاف عند سماع هذه الكلمات البريئة القاسية ، إنها تخرج من فم طارق فتمزق نفسها وقلبها وكيانها .. ولا تملك عند سماعها الا الاستسلام للبكاء والنحيب لقد كان رفعت بالنسبة لها نعم الزوج والرفيق والصديق تزوجته وهى فى السابعة عشرة .. كانت طفلة لا تعى من أمور هذه الدنيا الكثير .. نضجت على يديه ، وخبرت الدنيا بفضل توجيهاته وارشاداته .. كان يفضلها على نفسه .. ويتمنى مطلبا واحدا منها حتى يسرع ويجيبه لها . كان يجد فى ذلك كل والسعادة والرضا . كان يعاملها كطفلة حتى بعد أن تجاوز عمرها الخمسة والعشرين عاما . كان يشترى لها الشيكولاتة والمصاصة والذرة المشوية والبطاطا والترمس لقد أحبت عفاف هذه الأشياء وتعودت على شرائها منذ أن كانت تلميذة فى المرحلة الإبتدائية .. لذلك كان رفعت يحرص على احضارها لها مهما كلفه ذلك .. فكم من الساعات قضاها فى البحث عن كوز ذرة مشوى فى غير أوانه ليدخل عليها الفرح والسرور وذات يوم وعفاف تجلس فى الشرفة كعادتها تراقب المارة بنظراتها الفاحصة .. إذا بها تلمح إحدى صديقاتها تتجه نحو منزلها مسرعة ، فهبت واقفة واقتربت من سور الشرفة .. وهى تتساءل: ترى ما هو سبب هذه الزيارة المفاجئة؟ إن صديقتها لم تتعود زيارتها فى هذه الساعة المبكرة من الصباح فلابد أن يكون فى الأمر شىء وما إن رأتها صديقتها حتى صاحت فيها بأعلى صوتها: مبروك يا عفاف .. رفعت بخير ولم تتمالك عفاف نفسها .. وانحنت على سور الشرفة حتى أصبح نصف جسمها معلقا فى الهواء . ولم تحاول دعوة صديقتها للصعود إلى الشقة اختصارا للوقت ، وسألتها فى لهفة وهى مازالت معلقة فى الهواء: هو فين؟ .. انتى عارفة عنوانه؟ ردت الصديقة وهى تلوح بصحيفة أمسكت بها فى يدها: إن عنوان رفعت هنا .. فى هذه الجريدة وفى لحظة كانت عفاف تقفز درجات السلم كل ثلاث درجات فى خطوة واحدة .. وجرت نحو صديقتها وخطفت منها الجريدة ، وأخذت تقلب صفحاتها فى عصبية وهى تقول: فين .. فين؟ ووضعت صديقتها اصبعها على الخبر .. إنه عن معرض للرسم يقيمه الفنان المعروف رفعت فهمى فى قاعة الثقافة الجماهيرية بالقاهرة فى أول الشهر .. ومع الخبر صورة لرفعت وبلا شعور وجدت عفاف نفسها تحتضن الجريدة وتضمها إلى صدرها بشدة والدموع تنحدر عن عينيها فتبلل أجزاء منها .. وأحست بهاتف فى داخلها يقول لها: لقد حان الوقت لإصلاح ما فات .. إن رفعت إنسان ذو قلب كبير .. قلب يمكن أن يسامح ويغفر وصعدت عفاف السلم فى خطوات بطيئة ، وفى كل خطوة كانت تستعيد فى ذاكرتها الأيام الجميلة التى قضتها مع رفعت فى بداية زواجهما ، فتبتسم تارة وتغمض عينيها تارة أخرى ، وكأنها تحاول أن تستجمع كل ما فى أعماقها من ذكريات حلوة . وعندما دخلت إلى شقتها لم تشأ أن تقطع حبل الذكريات فاستلقت على سريرها ووضعت الصحيفة تحت وسادتها ، وأطلقت لأفكارها العنان سألت نفسها لماذا فعلت برفعت كل هذا؟ إنها لم تكن بالنسبة له فى يوم من الأيام الزوجة الصالحة المتفانية التى ترعاه وتسهر على راحته وتدفعه إلى الأمام وتشجعه . كانت لا تهتم بأعماله كفنان ، ولم تفتح له يوماً صدرها وتشاركه مشاكله التى كانت تعترض طريقه وهو يصعد سلم الشهرة كأى فنان ناجح ، بل على العكس كانت تسخر من رسوماته ولوحاته ، وأيضاً من مشاكله . إنها مازالت تحبه .. تذكر اليوم الذى دخل فيه المنزل وفى يده مظروف كبير وقال لها وهو يضحك من أعماقه: قولى لى مبروك يا عفاف ، لقد فازت لوحاتى بالجائزة الأولى فى معرض وزارة الثقافة ، وحصلت على شهادة تقدير من الوزير فردت عليه ساخرة: حنعمل ايه إن شاء الله بالشهادة روح بلها واشرب ميتها .. مش كان الوزير اداك فلوس أحسن .. على الأقل كنا اشترينا بيها كسوة الشتا لقد شعرت عفاف يومها ان كلماتها كانت خنجرا أغمدته فى صدره ، ومن يومها وهو بعيد عنها بروحه ووجدانه ، يدخل إلى مرسمه ويغلق الباب عليه بالمفتاح ويجلس وحيداً بالساعات ، حتى فنجان القهوة كان يرفض أن يشربه من يدها ، إذا أراد القهوة دخل إلى المطبخ وصنعها بنفسه إن رفعت فنان مرهف الحس رقيق المشاعر . لقد أحبته عفاف من أول نظرة عندما التقت به عند إحدى صديقاتها وتعاهدا على الزواج .. إنها لم تشعر نحوه بالكراهية فى يوم من الأيام ، حتى بعد أن ترك لها المنزل . إنها لا تستطيع أن تنسى حنانه وعطفه ، وكل ما قدمه لها من تضحيات ، كان يسهر بجوار سريرها الليالى الطوال حتى يطلع الفجر وهى تتألم من شدة المرض عندما كانت حاملا فى طارق ، كان يرفض أن ينام ولو ساعة واحدة .. كان يخشى أن يفوته موعد إعطائها الدواء وهى ماذا قدمت له؟ إنها لم تقدم له شيئاً حتى الحنان ضنت به عليه ، كانت مشغولة طول الوقت باختيار الموديلات وتفصيل الفساتين وزيارة صديقاتها ، كانت لا تهتم ببيتها ولا حتى بابنها طارق ، كانت تتركه لزوجها وتغيب بالساعات تلهو عند صديقاتها أو تصفف شعرها عند الكوافير أو تتفرج فى الشارع على المحلات .. كانت ترفض مساعدته فى دروسه وتلقى بهذا العمل على زوجها الذى أصبح لا يجد وقتا كافيا لفنه ولوحاته إن كل ما قدمته لرفعت لا يتعدى السخرية والإهانات والشتائم . كانت أنانية كل شىء لنفسها ، إذا حصل رفعت على بعض المال كان لاحتياجاتها الأولوية ، ثم احتياجات ابنها ، أما رفعت فهو دائما "ممكن يستنى للمرة الجاية " على حد تعبيرها وامتلأت عينا عفاف بالدموع وكانت تريد أن تعبر عن إشفاقها على زوجها المسكين الذى لا يستحق منها كل هذه المعاملة السيئة . ونظرت فى الساعة فوجدتها قد قاربت الثالثة ، إن ابنها على وشك العودة من المدرسة فماذا تفعل؟ هل تصارحه بكل ما عرفته عن والده أن تكتم عنه الخبر؟ لقد اعتزمت أن تصحبه معها يوم افتتاح المعرض وتفاجئه برؤية والده ، ولهذا قررت ألا تقول له شيئا الآن وطرق الطفل الصغير الباب . وذعرت عفاف عندما رأت عيونه متورمة من كثرة البكاء .. وجهه مبلاً بالدموع . ولم ينتظر طارق حتى تسأله أمه عن سبب بكائه ، بل قال لها فى حزن وحسرة: - بابا مات يا ماما .. وانتى بتكذبى علىَّ ليه بتقول كده يا طارق .. بابا بخير والحمد لله - -فيه واحد صاحبى فى المدرسة مامته كانت بتكذب عليه وتقول له إن باباه مسافر .. لغاية ما عرفت من الشغالة انه مات .. لازم بابا مات كمان يا ماما جرت عفاف إلى غرفة نومها وانتزعت الصحيفة من تحت الوسادة ووضعتها بين يدى ابنها وقالت له: أنا لا أكذب عليك يا طارق .. هذا صورة والدك .. إنه رجل عظيم وفنان مشهور ومن حقك أن تفخر به .. لقد أقام معرضا كبيرا للوحاته وسيفتتحه وزير الثقافة بعد ثلاثة أيام فقط .. وسنذهب معاً يوم الافتتاح ونظر طارق إلى عينى أمه نظرة فاحصة وكأنه يريد أن يكتشف هل هى صادقة أم كاذبة .. وعندما تأكد من صدقها بأحاسيسه ومشاعره ارتمى فى أحضانها وأخذ يقبلها فى حنان شديد .. لم يترك مكانا فى وجهها إلا وقبله .. واختلطت دموعه بدموع أمه .. وامتزجت مشاعرهما وتناجت قلوبهما فى هدوء وصمت وجاء يوم الافتتاح وبدت عفاف فى أبهى زينتها ، وألبست طارق ثياب العيد .. ولكن الذى كان يقلقها أن شعورا غريبا بدأ يراودها .. لقد أحست لأول وهلة أن رفعت قد يرفض الصفح عنها ومسامحتها ، بعد أن كانت متأكدة منذ لحظات وواثقة أنه سيسامحها ويعود إليها . إنها لم تشعر بذلك ‘لا الآن فقط .. لماذا .. لماذا؟ وحاولت عفاف جاهدة أن تبعد عنها هذا الخاطر ، وكانت تداعب طارق وتلاعبه ، وجعلته بين ذراعيها ، رغم ثقل وزنه ، وهى تقول له: تعالَ ننزل بأه علشان نلحق الحفلة بتاعة بابا وعلى باب القاعة الكبيرة شاهدت زوجها رفعت وهو يستقبل الضيوف ويحييهم فى ثقة واعتزاز وبجانبه وقفت فتاة جميلة .. فارعة الطول ، وقد بدا من مظهرها وملبسها أنها فنانة .. ولم تستطع عفاف أن تبعد عنها الشكوك والهواجس التى بدأت تدور فى رأسها تساءلت: من تكون هذه الفتاة .. هل هى مجرد زميلة أم أنها بالنسبة لرفعت أكثر من ذلك؟ .. وأفاقت على صوت طارق الذى لم يتمالك نفسه عندما شاهد والده فصاح بأعلى صوته: بابا .. بابا وكأنه يخشى أن يفقده مرة أخرى وسط هذا الزحام ، وجرى نحو والده وأخذ يغمر وجهه بقبلاته ودموعه غير آبه بشعر ذقنه الخشن الذى كان يؤلمه كلما احتك بوجهه الناعم النضر أما رفعت فقد أخذته المفاجأة وأخذ يضم ابنه الوحيد إلى صدره بفيض من الحنان وهو يهمس فى أذنه بصوت يشوبه الحزن والفرح معاً: لن أتركك بعد الآن يا طارق .. حقك علىَّ يا ابنى .. حقك علىَّ وجرَّت عفاف نفسها إلى حيث يقف زوجها ، ومدت يدها إليه ، فصافحها ، ثم قدَّم إليها الفتاة الجميلة الواقفة إلى جواره قائلاً: مراتى سامية وشعرت عفاف بدوار شديد ، وتمنت فى ذلك الوقت لو انشقت الأرض وابتلعتها ، كانت تخشى أن تنهار وتنفجر فى البكاء أمام هذا الحشد الكبير من المدعوين .. ولكنها تمالكت نفسها واستطاعت أن تنسحب فى هدوء دون أن تنطق بكلمة واحدة . وذهبت إلى شقتها وكانت الدموع مازالت تبلل عيونها وبلوزتها الوردية الجميلة التى اشترتها خصيصاً لهذا اليوم لم تدخل هذه المرة إلى الشرفة كما اعتادت أن تفعل لانتظار زوجها ، ولكنها دخلت إلى غرفة نومها وجمعت ما استطاعت جمعه من ملابسها ، وقبل أن تخرج ألقت بنظرة أخيرة على شقتها الصغيرة وعلى عجلة ابنها طارق الموضوعة فى ركن الصالة ، ثم أغلقت خلفها الباب فى هدوء حتى لا يراها أو يسمعها أحد من الجيران فتتعرض لأسئلتهم المحرجة وعند باب العمارة كان البواب يجلس - كعادته - على أريكته المتهالكة ، وعندما رآها هرول نحوها وهو يفرك كفيه قائلا: مبروك يا ست عفاف .. حمد الله على سلامة رفعت بيه .. عايزين الحلاوة فأخرجت من حقيبة يدها خمسة جنيهات وأعطتها له ومضت فى طريقها
-
جميل اوى يا زورو بس ليه كل الحزن ده؟ مفيش حاجة مستاهلة زعلك
-
بعيدا عن كون القصة مش قصتى لكنها للكاتب الاستاذ سمير عبد القادر إلا انى سعيدة جدا بردك وسعيدة لكونها السبب فى متابعتك لكتاباتى بعد كده أشكرك
-
كانت نظراته أبلغ من أى كلام .. كانت تحمل لزوجته كل حنان وعطف .. وتطلب منها الصفح والمغفرة أبو البنات أحست هناء أن الحياة بدأت تدب فى جسدها المرهق مرة أخرى بعد أن ظلت خمس ساعات كاملة فاقدة الوعى تماما تحت تأثير جرعة المخدر الكبيرة التى حقنها بها الطبيب ، وبذلت بعض الجهد حتى استطاعت أن تحرك أطرافها بصعوبة ، ولكنها عندما حاولت أن تفتح عينيها وجدت أن جفونها مازالت ثقيلة ، وكررت المحاولة مرات عديدة ، وأخيرا أمكنها أن تفتحهما قليلا ولكن الأشياء بدت من حولها مهزوزة غير واضحة المعالم .. وفى يأس شديد استسلمت للأمر الواقع وأغمضتهما ثانية إن كل ما يقلقها ويؤرقها أنها مازالت تجهل نوع المولود الذى أنجبته ، ولهذا السبب تريد أن تفيق من البنج بسرعة لتعرف إذا كان ولدا أم بنتا .. إنها تتلهف على معرفة هذا الخبر الذى يعتبر بالنسبة لها أخطر خبر فى حياتها .. انه سيترتب عليه سعادتها أو تعاستها .. هناءها أو شقاءها .. تمسك زوجها بها أو هجره لها وازدحم رأسها بالهواجس والأفكار .. ترى ماذا سيكون شعور زوجها إذا كان المولود بنتا؟ .. إنها ستكون البنت رقم خمسة ، فقد أنجبت له من قبل أربع بنات ، وعقب كل ولادة كانت ترى فى عينيه علامات الأسى والحزن .. إنه يتمنى أن يرزق بولد يحمل اسمه واسم أسرته .. ولكن ما ذنبها؟ .. لو أن الأمر بيدها لأنجبت له عشرة أولاد حتى ترتاح على الأقل من سخريته وكلامه الجارح وتأنيبه المستمر .. لقد قال لها أكثر من مرة إنه يضج من زملائه فى العمل لأنهم يسمونه أبو البنات وسرحت هناء بذاكرتها ورجعت بها أربعة عشر عاما إلى الوراء ، وأخذت تتذكر عندما تقدم زوجها لها طالبا يدها من والدها .. كان شابا أنيقا مهذبا ، وعندما رأته للمرة الأولى أحبته وتعلقت به كان يحرص على رؤيتها كل يوم ، فإذا فرغ من عمله أسرع إلى منزلها حاملا لها الحلوى والشيكولاتة التى تحبها .. ويظل جالسا معها حتى يأتى المساء فيأخذها إلى المسرح أو السينما ، أو يدعوها إلى العشاء فى أحد المطاعم الفاخرة وذات يوم .. إنها مازالت تذكر هذا اليوم جيدا .. كانت تتناول العشاء معه فى أحد الكازينوهات الواقعة على النيل ، وفجأة أمسك بيدها وضغط عليها فى حنان وقال لها وهو يشير إلى المنضدة المجاورة لهما: شايفة الراجل والست اللى قاعدين على الترابيزة اللى جنبنا؟ فنظرت هناء حيث أشار زوجها فوجدت رجلا وزوجته ومعهما أربعة أطفال كلهم من البنات .. ثم واصل حديثه قائلا: نفسى يبقى عندنا أطفال كتير كده بس أولاد .. مش بنات وحدث فى يوم آخر بعد أن تزوجا ورزقا بثلاث بنات أن تأخر زوجها خارج المنزل على غير عادته إلى ما بعد منتصف الليل .. فظلت ساهرة تنتظره حتى عاد ، ولما سألته عن سبب تأخره قال لها إن أحد أصدقائه كان فى محنة واضطر أن يبقى معه فى المستشفى .. وعندما طلبت منه المزيد من الايضاح ، انتابه الغضب وصاح فى وجهها قائلا:أصل مراته كانت حامل وحالتها خطيرة وعملوا لها عملية .. وكان فى بطنها توأم .. عايزة تعرفى إيه كمان؟ ولم تسكت هناء بل عادت تسأله: الأولاد طلعوا بسلام والحمد لله؟ فزاد غضبه وصياحه وهو يقول: لا يا ستى .. ماتوا .. وما كانوش ولاد .. كانوا بنات .. ليه بس ربنا ما عملش كده معانا وريحنا منهم وأوت هناء فى هذه الليلة إلى فراشها باكية .. لم تستطع أن تنام لحظة واحدة .. وعندما جاء الصباح حاول زوجها أن يتودد إليها ويصالحها .. فأخذ يقبل جبينها ويديها ووجهها ورأسها .. وهو يؤكد لها أنه لم يقصد إيلامها .. وأنه لم يكن ثائرا بسبب ما حدث لصديقه أو لإنجابها الإناث ، بل كانت ثورته بسبب بعض المتاعب التى تعرض لها فى العمل صباح هذا اليوم .. لقد كان عليه الدور فى الترقية إلى درجة وكيل وزارة ولكنهم تخطوه ورقوا مديرا آخير غيره لا يستحق الترقية إلى هذا المنصب ، فذهب إلى الوزير وقدم استقالته ولكن الوزير رفضها ووعده بالسعى لترقيته ورق قلب هناء بعد أن استمعت إلى القصة التى رواها زوجها ، فقالت له محاولة التخفيف عنه: سلم أمرك لله .. وكل شىء حيتصلح .. وبكرة تبقى وكيل وزارة أد الدنيا وشعرت هناء بالمزيد من القلق بعد أن بدأ تأثير البنج يتلاشى شيئا فشيئا .. وأخذت تحرك أطرافها بجهد أقل واستطاعت أن تفتح عينيها فى سهولة ، فوجدت الممرضة جالسة بالقرب منها ، فسألتها فى لهفة شديدة عن مولودها .. فأجابتها الممرضة بكلمات غير واضحة جعلتها أكثر قلقا وحيرة وخوفا .. قالت لها: إنتِ مستعجلة على إيه .. ربنا يقومك بالسلامة الأول .. وبكرة تجيبى عشرة فعادت تسألها فى لهفة أكبر: هو حصل حاجة؟ وتجاهلت الممرضة سؤالها ، وقالت وهى تهرول بسرعة إلى خارج الغرفة: أنا رايحة أنده لك البيه جوزك وعادت الهواجس والأفكار السيئة تملأ رأس هناء .. ترى ماذا حدث؟ ماذا يخفون عنها؟ .. هل مات المولود؟ وماذا كان؟ هل كان ولدا أم بنتا؟ إذا كان بنتا فإن الله يكون قد استجاب لرغبة زوجى وأراحه منها .. وإذا كان ولدا ، فإن الله يكون قد أعطاه درسا قاسيا فحرمه منها حتى لا يعترض مرة أخرى على إرادته ودخل زوجها إلى غرفتها ، وجلس فى هدوء على طرف سريرها ، لم ينطق بكلمة واحدة ، بل أخذ ينظر إليها .. كانت نظراته أبلغ من الكلام .. كانت تعبيرا صادقا عن حبه .. كانت تحمل لها كل حنان وعطف .. وتطلب منها الصفح والمغفرة وعندما أرادت هناء أن تسأله عن مولودها .. وقفت الكلمات فى حلقها ، ولم تتمالك نفسها فدفنت رأسها بين ذراعيه وأخذت تجهش بالبكاء بصوت مرتفع .. فاقترب منها زوجها وقال لها وهو يداعب شعرها بأنامله فى رفق: هناء يا حبيبتى .. ربنا عاقبنى ، وأنا أستحق هذا العقاب .. لقد منحنى الولد الذى كنت أريده ولكنه استرده بعد ساعة واحدة من وصوله .. وأنا غير حزين على ما حدث .. بل قد يدهشك أننى أصبحت سعيدا .. سعيدا ببناتى الأربع .. لقد عاد الإيمان إلى قلبى .. ونعمت نفسى بالهدوء والطمأنينة .. إننى أعدك بأن أكون الزوج الحنون الراضى القانع .. إن كل ما يهمنى الآن هو صحتك .. لقد أخبرنى الطبيب أن العملية نجحت وأنك اجتزتِ مرحلة الخطر وستغادرين المستشفى بعد أسبوع وهنا وضع يده فى جيبه .. وأخرج ورقة فى حجم الفولسكاب ثم انحنى قليلا وطبع قبلة على جبينها ، وهمس فى أذنها قائلا: خدى الورقة دى اقريها ولم تكد عينى هناء تقع على السطور الأولى حتى صاحت بأعلى صوتها ودموع الفرح قد اختلطت فى عينيها بدموع الحزن: مبروك يا حبيبى .. يا أحسن وكيل وزارة فى الدنيا
-
شغل حموات أخبر شاب أمه أنه وقع في الحب ويريد أن يتزوج، وعلى سبيل المزاح قال لأمه: "سأحضر غداً ثلاث بنات لتعرفي بنفسك أيهن اخترت" ووافقت الأم في اليوم التالي أحضر الشاب ثلاث بنات جميلات وقدمهن لأمه وبعد ساعة من الدردشة سأل أمه: "هاه..هل عرفتي من اخترت لأتزوجها؟" قالت الأم: "نعم، البنت التي إلى اليمين" فتعجب الشاب وسأل أمه: "كيف عرفتي؟" قالت له: "ببساطه لأنها لم تعجبني"
-
كثيرا ما ساورتها الشكوك والهواجس .. وكثيرا ما سألت نفسها: هل هناك امرأة أخرى فى حياة زوجى .. أم أنه مازال لى وحدى؟ وعاد إليها تائباً وقفت روحية أمام المرآة وأخذت تدقق النظر إلى وجهها وتتحسس بيديها التجاعيد التى ظهرت حول عينيها وفمها .. والترهل الذى تدلى قليلا تحت ذقنها ، واقتربت من المرآة خطوة حتى كاد جسدها يلتصق بها وأخذت تشد وجهها بأصابعها فى كل اتجاه ، لعلها تستطيع إخفاء بعض هذه التجاعيد حتى ترى ما كان عليه وجهها وهى مازالت زهرة لم تمتد إليها يد ، ووردة متفتحة لم تعصف بها الريح لقد كانت روحية فتاة جميلة .. عيونها رمادية كعيون القطة .. وشعرها أصفر داكن فى لون قرص الشمس عند المغيب ، وقوامها فارع ممشوق ، إذا مشت دقت الأرض بقدميها كالمهر الجامح .. وإذا تكلمت شدت الجميع إليها بصوتها الناعم وحديثها الشائق . كانت - باختصار شديد - قطعة من الجمال وشعرت روحية فجأة وهى تقف أمام المرآة بصداع شديد يداهم رأسها فأغمضت عينيها ومدت يدها خلف ظهرها تبحث عن كرسى "التواليت" ولما اطمأنت إلى وجوده فى مكانه ألقت بجسدها عليه ووضعت رأسها بين كفيها واستسلمت لأفكارها وكانت فى بعض الأحيان تحاول أن تلتمس له الأعذار حتى تخفف من آلامها وهواجسها ، وأحيانا أخرى كانت لا تستطيع ذلك فتشعر بالفزع والحيرة والخوف من المستقبل وذات يوم استيقظت من نومها فلم تجد زوجها نائما بجوارها كما اعتادت ، فأصيبت بقلق شديد ، وأخذت الهواجس تدور فى رأسها .. ترى لماذا تأخر حتى هذه الساعة؟ .. إنه لم يعتد المبيت خارج المنزل .. هل حدث له مكروه؟ .. أم أنه قضى الليل عند عشيقته؟ ولم تمر دقائق حتى سمعت صوت باب الشقة وهو ينفتح ، ودخل زوجها يترنح ، وقد ظهرت على وجهه آثار لبعض الكدمات ، فأسرعت نحوه وأخذت بيده وحاولت أن تجعله يستند على كتفيها حتى لا يقع على الأرض .. كانت عيناه نصف مغمضتين .. تفوح من فمه رائحة الخمر .. ومن ملابسه رائحة عطر نسائى ، وهمست زوجته فى أذنه : بسرعة شوية علشان الولاد .. أنا خايفة يشوفوك وانت كده .. فأطاعها كالطفل الصغير وأسرع الخطا نحو غرفة النوم وخلع حذاءه ودلف إلى الفراش وهو مازال مرتديا بدلته وشد اللحاف حتى غطى رأسه وكأنه يريد أن يخفى خجله الشديد من نفسه .. ومن زوجته .. وتركته روحية وأعصابها منهارة لتعد الإفطار لأولادها ، ولم تنس أن تغلق عليه الباب بالمفتاح وبعد أن انصرف هشام ونجوى إلى المدرسة شعرت بالخوف الشديد والاضطراب والقلق واحتارت ماذا تفعل إزاء تصرفات زوجها . هاهوذا يستغل طيبتها وبراءتها وإخلاصها ويجرح أنوثتها ويدوس على كرامتها وكبريائها! لقد عاشت معه اثنى عشر عاما كاملة كانت فيها مثال الزوجة الطاهرة والأم الحانية والصديقة المخلصة .. لم تتوان خلالها لحظة عن الوقوف إلى جانبه وقت الشدة أو المرض كل وقتها كانت تقضيه فى رعاية أولادها والاستذكار لهم ، ومع كل هذه التضحيات التى قدمتها ، لم تذكر يوما أنه شكرها أو قال لها كلمة حلوة أو منحها لمسة من الحنان والعطف أو صارحها بحبه أو اعترف لها بمعزتها ومكانتها فى قلبه .. كان المال هو الشىء الوحيد الذى يستطيع أن يمنحه .. أما الأحاسيس والعواطف والمشاعر فلا قيمة لها عنده وبالرغم مما كانت تلاقيه روحية من زوجها إلا أنها لم تكرهه يوما ولم تفكر أبدا فى الانفصال عنه .. كان فى نظرها قسمتها ونصيبها ورجلها الذى منحها طفليها اللذين أصبحا المصدر الوحيد لسعادتها فى هذه الدنيا وفتحت باب الغرفة وهى حائرة مترددة لا تدرى ماذا ستفعل وماذا ستقول ، وعندما اقتربت منه شعرت بالغثيان وبرغبة شديدة فى القىء .. وقبل أن تنطق بكلمة التفت إليها قائلا: أنا عارف انتى حتقولى إيه .. وفرى الكلام على نفسك .. أنا قايم ماشى وسايب لك البيت .. ولما الولاد يرجعوا من المدرسة قولى لهم إنى سافرت لقد مر على هذا اليوم المشئوم أسبوعان وروحية لا تدرى متى سيعود زوجها .. إنه لم ينس أن يترك لها مبلغا من المال يكفى مصاريف البيت لمدة شهر كامل . فهل معنى هذا أنه سيغيب شهرا .. أم أقل أم أكثر .. إنها لا تدرى واستسلمت روحية للنوم مسلمة أمرها إلى الله داعية أن يجمع شمل الأسرة من جديد وأن يرد الأب إلى صوابه ويعيده إلى منزله وأولاده .. لقد كان هذا هو دعاؤها كل ليلة منذ أن تركها زوجها وعندما استيقظت فى الصباح كانت المفاجأة التى أذهلتها وأسعدتها فى نفس الوقت .. لقد وجدت زوجها نائما إلى جوارها فى الفراش .. ومن شدة فرحتها أخذت تهزه بكلتا يديها حتى توقظه ، وهى تقول له والدموع فى عينيها: حمد الله على السلامة يا محمود .. أنا كنت قلقانة عليك .. حمد الله على السلامة وعندما استيقظ محمود ، كانت المفاجأة الثانية ، فقد أمسك بيدها فى حنان وأخذ يقبلها وهو يقول لها: سامحينى يا روحية .. أنا ظلمتك معايا .. انتى ملاك طاهر ولا تستحقى كل هذا العذاب .. لقد كانت نزوة ودفعت ثمنها غاليا .. ومن اليوم سأكون الزوج المثالى .. سأكون محمود بتاع زمان ولم تتمالك روحية نفسها ولم تستطع أن تحبس عواطفها فأجهشت بالبكاء كالطفلة وهى تقول له: أنا مسامحاك يا محمود وأخذ محمود يجفف دموعها ويمسح أنفها بطرف بيجامته وهو يداعب خصلات شعرها بأصابعه وتذكرت روحية أنها لم توقظ الأولاد ، ولكن محمود قال لها: سيبى المهمة دى علىَّ أنا .. أنا اللى حصحيهم وذهب محمود إلى غرفة الأولاد وطبع قبلة على جبين نجوى وقبلة أخرى على جبين هشام ، كما تفعل أمهما كل صباح ، فصاحت نجوى محتجة: هو معاد المدرسة لحق ييجى يا ماما . فرد محمود ضاحكا: أنا مش ماما يا حبيبتى .. أنا بابا ولم يكد الأولاد يسمعون صوت أبيهما حتى قفزا من الفراش ، وأخذا يقبلانه فاحتواهما بين ذراعيه وضمهما بحنان شديد إلى صدره .. فقال هشام فى صوت كله حنان وتوسل: ياريت يا بابا تصحى بدرى كل يوم علشان نشوفك قبل ما نروح المدرسة .. انت بتوحشنا خالص وصاحت نجوى قائلة: أنا مستعدة أتنازل عن مصروفى كل يوم بس أشوفك يا بابا وتأثر محمود من كلامهما وضغط عليهما أكثر بكلتا ذراعيه وهو يقول: ابتداءً من النهاردة بابا هو اللى حيصحيكم من النوم .. وبابا هو اللى حيفطر معاكم كل يوم .. وبابا هو اللى حيوصلكم للمدرسة .. وبابا هو اللى حيرجعكم للبيت .. يعنى حتشوفوا بابا كل يوم وهنا نظر هشام إلى نجوى قائلا: مبسوطة يا ست نجوى .. أهو مصروفك راح عليكى أونطة
-
كان يريد أن يكون إنسانا مختلفا عن بقية البشر .. إذا رآه الناس أشاروا إليه وقالوا : هذا هو فلان إنسان مختلف ذهبت لزيارة زميلى فى الدراسة وهو يعمل مديرا عاما فى إحدى الوزارات ، وصعدت إلى مكتبه فى الدور الثالث ، وهو نفس الدور الذى يقع فيه مكتب الوزير .. وكما تعودت عند زيارته ، قصدت إلى غرفة السكرتيرة ، ولكنى لم أجدها فى مكانها ، ووجدت شخصا آخر لا أعرفه ، فقلت لنفسى لعلها مريضة أو فى أجازة أو لعله استبدل بها سكرتيرا آخر جديدا وعندما سألته: هل فلان بيه موجود؟ نظر إلى من تحت نظارته بدون اكتراث .. وقال بصوت فيه شىء من السخرية والتهكم - فلان بيه مكتبه مش هنا ... انتقل إلى الدور الثامن - ولكن الوزارة حسب معلوماتى سبعة أدوار فقط - أيوة ، الوزارة سبعة أدوار ، ولكنك نسيت السطوح - ولكن كيف يمكن أن يجلس مدير عام على السطوح؟ - أهو ده اللى حصل يا بيه .. أصل الناس مقامات وتجاهلت سخريته اللاذعة ، وسألته - كيف أستطيع الوصول إلى السطوح؟ تاخد الأسانسير للدور السابع وبعدين تطلع دور على السلم لغاية مكتب سعادة البيه المدير العام ولم أنتظر حتى يتمادى هذا الموظف الصغيرمن سخريته من زميلى صاحب المنصب الكبير ويضطرنى إلى الاصطدام به .. وأسرعت إلى الدور الثامن .. أقصد السطوح ، وأنا لا أصدق ما سمعته وعلى السطوح سألت أحد السعاة : فين سكرتارية فلان بيه؟ الله يرحم أيام زمان .. سيادتك تقدر تدخل له على طول قالها الرجل فى حسرة شديدة وهو يشير إلى غرفة فى أحد الأركان ودخلت على زميلى ، فوجدته يجلس فى مكتبه مستغرقا فى قراءة إحدى الصحف .. لا ملفات ولا أوراق أمامه .. لا زوار ولا أصحاب حاجات .. أثاث الغرفة متواضع جدا .. حتى السجادة المفروشة فى وسطها لا تكاد تخفى شيئا من بلاطها القديم المتهالك وعندما أحس بوجودى ترك مكتبه وأسرع نحوى مرحبا .. لقد مرت سنوات لم أره فيها ، انقطعت كل أخباره عنى .. كان يحلو لى بين الحين والآخر أن أمر عليه وأشرب معه القهوة وأحادثه فى شئون الوزارة .. كنت أجده دائما مشغولا .. عشرات الملفات أمامه .. الموظفون يلتفون حول مكتبه كل واحد يتسابق مع الآخر لكى يوقع منه قرارا .. أو مذكرة .. أو خطابا وأدركت ما يعانيه زميلى من حالة نفسية سيئة .. فسألته عن صحته وأحواله محاولا التخفيف عنه وفتح موضوع للحديث معه .. فقال فى تأثر واضح - نحمده .. زى ما انت شايف وسكت قليلا ، ثم أخرج سيجارة من درج مكتبه ، وأشعلها ، وقال فاكر مكتبى القديم المفتخر .. والسكرتارية .. الهلمة .. فين الأيام الحلوة دى؟ كل دا راح .. وأنا السبب وهنا دق جرس التليفون ، واستأذن صديقى للرد عليه .. وأخذت أتأمله وأدقق النظر فيه .. إنه لم يتخل عن أناقته المعهودة .. الشعيرات البيضاء قد تسللت إلى رأسه .. التجاعيد قد ملأت وجهه .. وتذكرت عندما كنا معا فى كلية الحقوق .. كان شابا طموحا لا يهدأ له بال دائما يتحرك .. يفكر .. يجرى هنا وهناك .. لا أقابله أبدا إلا وأجده مشغولا .. بماذا؟ لا أدرى .. المهم .. كان لابد أن يفعل شيئا .. أى شىء .. إذا أعلن مثلا عن فتح باب الترشيح فى عضوية الاتحاد ، رشح نفسه .. لا لأنه يريد أن يصبح عضوا فى الاتحاد ، ولكن لمجرد الدعاية .. والهمبكة .. إنه لم ينجح مرة واحدة فى الانتخابات ، ومع ذلك كان لا يفوته أبدا ترشيح نفسه كان يحرص على التعرف على الطالبات الجميلات .. ويتعمد الوقوف معهن بين المحاضرات وعند انتهائها حتى يراه أكبر عدد من زملائه .. لمجرد إغاظتهم فقط وليس حبا فى مصادقة الفتيات أو التقرب إليهن كان يشترك فى كل جمعية بالكلية .. وكل رحلة .. وكل نشاط .. لا يحضر المحاضرات إلا نادرا .. معظم الوقت يقضيه فى الجلوس على البوفيه مع شلته .. والغريب انه كان ينجح آخر السنة .. وذات مرة سألته كيف تنجح فى الامتحان رغم تخلفك عن حضور معظم المحاضرات؟ فقال لى فى سخرية يا أستاذ النجاح ده فن .. المحاضرات دى ولا لها فايدة ثم قال وهو يشير بإصبعه إلى رأسه هنا فيه مخ .. مش مهلبية باختصار شديد كان زميلى يريد أن يكون إنسانا مختلفا عن بقية البشر .. إنسان يتحدث عنه الآخرون . إنسان معروف ومرموق .. إذا رآه الناس أشاروا إليه وقالوا: هذا هو فلان وعندما تخرج فى كلية الحقوق عين فى إحدى الوزارات عن طريق مكتب القوى العاملة ، على الدرجة السادسة .. ولكنه لم يقتنع بالوظيفة ، كلما قابلته وجدته ساخطا .. غاضبا .. لاعنا حظه فى هذه الدنيا .. ذلك الحظ الذى وضعه فى هذه الوظيفة الميرى .. أو على حد تعبيره .. الوظيفة الفقرية .. هكذا كان تصوره لم يكن هدفه فى يوم من الأيام أن يصبح عمالة زايدة .. يجلس على مكتب يشرب الشاى والقهوة ويقرأ الصحف .. ولا يفعل شيئا سوى انتظار العلاوة الدورية كل سنة أو كل عدة سنوات ولم يرض زميلى الطموح بهذا الحال .. إنه لم يتعود الهدوء .. فبدأ يتحرك .. ويجرى كعادته هنا وهناك .. حتى عثر على المفتاح مفتاح باب الوصول إلى الترقية بالاختيار .. وإلى المناصب الكبيرة استطاع زميلى فى شهور قليلة أن يتقرب من المدير العام ويكسب ثقته .. لا أدرى كيف استطاع ذلك؟ لم يكن عن كفاءة وخبرة .. فأنا أعرف زميلى جيدا .. ولكن أغلب ظنى أن الطريق الذى سلكه كان طريقا غير مشروع .. استخدم فيه النفاق ومسح الجوخ .. تنازل عن بعض المبادىء والمثل .. ولكنه على أية حال استطاع أن ينجح وسرعان ما وصل إلى قلب وكيل الوزارة .. ثم أصبح بعد ذلك فى ركاب الوزير .. لقد خدعهم جميعا .. صور لهم أنه كفاءة نادرة .. فصدقوه ، وهم فى ذلك معذورون .. فإن مظهره يوحى بذلك ، ولكن جوهره كان فارغا وتمت ترقيته بالاختيار إلى مدير إدارة ، متخطيا كل زملائه فى الترقية ، فأثار بذلك حقدهم ، فقدموا ضده الشكاوى للوزير وللجهات العليا .. قالوا عنه أنه غير جدير بهذه الترقية .. طعنوا فى كفاءاته وفى ذمته أيضا ووصفوه بالكذب والنفاق واللف والدوران ، وأحيل إلى التحقيق ، ولكنه استطاع - ولا أدرى كيف تم هذا - أن يخرج كالشعرة من العجين ، دون أن يمسه أى اتهام أو تثبت إدانته وعندما انتهى زميلى من حديثه التليفونى سألته ماذا حدث؟ .. لقد تركتك آخر مرة وأنت فى مكتبك الأنيق بالدور الثالث فقال فى حزن ظاهر أنت تذكر كيف استطعت أن أواجه المحققين ، وأن أثبت براءتى من كل التهم التى وجهت إلىَّ . ولكننى بعد أن انتصرت لم أهدأ .. بل بدأت أخطط حتى أتقرب أكثر إلى الوزير لأحمى نفسى مما قد يكيده الحاقدون فى المستقبل .. وسعيت لديه وقلبى ملىء بالرغبة فى الانتقام ممن شكونى من الموظفون ، لكى يعيننى مديرا عاما للشئون المالية والإدارية ، ليصبح هؤلاء الموظفون فى قبضة يدى وتحت رحمتى .. فكان لى ما أردت .. لقد توفى المدير القديم .. وخلت الدرجة .. وعينت مكانه .. إن الله سبحانه وتعالى أراد أن يضعنى فى هذا المنصب حتى تكون نهايتى .. وحتى يلقننى درسا قاسيا وبدأت إعلان الحرب على هؤلاء الموظفون .. لفقت لهم التهم .. ووجهت إليهم الاتهامات الكاذبة .. وأحلتهم إلى التحقيق ظلما ، وأنزلت بهم أشد العقاب ولم يسكتوا على هذا الظلم .. لجأوا إلى القضاء فأنصفهم ورد إليهم حقوقهم وألغى ما صدر ضدهم من قرارات إدارية .. بل وحكم لهم بالتعويض عما أصابهم من أضرار وانكشف أمرى أمام الوزير وأمام وكلاء الوزارة .. فجردونى من اختصاصاتى ، وركنونى على الرف ونقلونى على السطوح ، وأصبحت بلا عمل روى لى زميلى هذه القصة وهو يقاوم الدموع حتى لا تنحدر من عينيه .. ثم أشعل سيجارة وأخذ منها نفسا عميقا ، ثم قال وهو يتصنع ضحكة ساخرة أنت تعرف جيدا أننى أحب أن أكون دائما إنسانا مختلفا .. وهأنذا رغم ما أصابنى من محن إنسان مختلف .. إن كل المديرين زملائى يجلسون فى الدور الثالث مع الوزير .. وأنا المدير الوحيد الذى يجلس على السطوح .. وأنا المدير الوحيد الذى لا اختصاص له وسكت قليلا ثم أطلق ضحكة هيستيرية لا معنى لها وقال أنا مدير عام .. عمالة زايدة واستمر فى الضحك ، وظلت ضحكاته ترن فى أذنى حتى غادرت الدور الثامن .. أقصد السطوح
-
كانت كلما داهمها الشعور بالوحدة تلجأ إلى كتاب الله ... فتهدأ نفسها ... وتزول همومها ... ويطمئن قلبها ... وتجد بين كلماته سلوتها وعزائها شعاع من الأمل أخذت نجوى تتأمل باهتمام شديد الرسالة التى تسلمتها لتوها من ساعى البريد ... إنها مختلفة تماما فى شكلها عن الرسائل التى اعتادت أن تراها والتى كان يتلقاها والدها من أصدقائه وأقاربه ... كان الظرف أزرق ... مصنوعا من الورق الفاخر ... وبيد مرتعشة أخذت تفض الرسالة ... وهى تتساءل : ترى من أين جاءت؟ ... ومن بعث بها؟ لقد مرت سنوات طويلة ، وهى تعيش فى هذه الشقة العتيقة بعد أن رحل عنها أبوها ثم أمها ... لم تتلق خلالها رسالة واحدة ... وأخذت الأفكار والهواجس تتزاحم فى رأسها ... لابد أن هذه الرسالة من عمتها المريضة فى طنطا ... ربما تكون حالتها قد ساءت ... ولكن إذا صح هذا فمن أين لها بهذا الظرف الأنيق؟ إذن لابه أنها من خالتها الأرملة الغنية التى تعيش فى العياط ... إن ابنها الصغير يعانى من مرض الربو ... وتداهمه أزمات كثيرة فى صدره ... ولعل مكروها حدث له وفجأة وجدت نفسها تضحك فى سخرية وهى تقول : يالى من حمقاء ... إن الرسالة بين يدى ... فلماذا كل هذا التكهنات ، وهذا القلق ... وفى استطاعتى أن أقرأ ما بداخلها ... وأعرف ما تحمله من أخبار وأقطع الشك باليقين وفضت نجوى الرسالة ... وبدأت فى قراءتها ... وما كادت عيناها تقع على أول كلمة فيها حتى وجدت نفسها - وبحركة لا إرادية - تطويها بسرعة شديدة وتخفيها بين يديها . لقد أفزعها ما قرأته ... ياله من شخص وقح هذا الذى بعث بها ... ماذا يريد منى ؟ وكيف عرف اسمى وعنوانى؟ كيف أتصرف يارب ... لقد عشت حياتى إنسانة طاهرة شريفة ... ولا أريد أن أنزلق نحو أى فعل يغضبك لقد كانت نجوى فتاة متدينة ... نعم إنها لم تتزوج حتى الآن رغم تجاوزها الثلاثين من عمرها ... ولكنها مع ذلك لم تستسلم لليأس ... كانت كلما داهمها الشعور بالوحدة تلجأ إلى كتاب الله فتهدأ نفسها ... وتزول همومها ... ويطمئن قلبها ... وتجد بين كلماته سلوتها وعزاءها ... ونظرت نجوى إلى الرسالة التى ما زالت تخفيها بين يدها فى تردد ... وأخذت تتساءل : هل تكمل قراءتها ... أم تمزقها وتلقى بها فى سلة المهملات؟ كيف يجرؤ هذا الوقح الذى كتبها أن يقول لها (يا حبيبتى) ... لابد أن يكون مصابا بالجنون وبدأ تعيد هذه الكلمة على مسامعها بصوت خافت ... وكلما نطق بها لسانها أحست برعشة تسرى فى جسدها ... إنها كلمة تكاد تكون غريبة عنها ... لقد حُرمت من سماعها منذ وفاة أمها ... لكن لم يسبق لها أن سمعتها من رجل ... إن لها وقعا خاصا لم تشعر به من قبل وحاولت نجوى أن تقاوم رغبتها فى معرفة ما تحمله لها الرسالة بين سطورها ... ولكنها لم تستطع ... ففتحتها ... وبدأت تقرأ كلماتها بصوت مسموع :" يا حبيبتى ... يا أجمل إنسانة فى الوجود " وما كادت تقرأ هذه العبارة حتى ذرفت الدموع من عينيها ... فتوقفت عن القراءة ... ونحت الرسالة جانبا ، وأخذت تجفف دموعها وهى تقول لنفسها : ياله من إنسان كاذب ... كيف يصفنى بأجمل إنسانة فى الوجود ... وهو يعرف أننى قبيحة ... يارب ... هل يمكن أن يرانى بهذا الجمال وأنا لم أحظ منه بأى نصيب؟! ... وأسرعت تهرول نحو المرآة ... وأخذت تدقق النظر فى وجهها وملامحها لعلها تهتدى إلى لمسة ولو بسيطة من الجمال نعم ... إنهم يقولون أن الحب أعمى ... ولكن كيف لصاحب هذه الرسالة أن يحبنى دون أن يرانى ويتحدث إلىَّ ... ويتعرف إلى شخصيتى؟ وشعرت بدوار خفيف ، فألقت بجسدها على مقعد فى ركن الغرفة وجلست فى استرخاء وأمسكت بالرسالة وأخذت تقرأ ما بقى فيها من سطور :" لقد وجدت فيكِ الإنسانة التى أبحث عنها ... وأتمنى أن تشاركنى ما بقى لى من عمر ... أعرف أنكِ تقاسين كثيرا من الوحدة ... ولكنى أعدك أننى سأعوضك عن كل ما قاسيته فى حياتك ... سأجعلك أسعد إنسانة فى الوجود ... وكل ما أطلبه منك أن تسمحى لى بالاستمرار فى الكتابة إليكِ ... فهى الخيط الذى يصلنى بكِ ... ويجعلك أكثر قربا منى وفى نهاية الرسالة كان هذا التوقيع ... "إنسان وهب لك حياته" ولم تطو نجوى الرسالة بعد أن فرغت من قراءتها ، كما فعلت فى المرات السابقة ... ولكنها أعادت قراءتها مرة أخرى ... ثم مرة ثالثة ... ورابعة ... وفى كل مرة كان يراودها شعور غريب ... فقد أحست لأول مرة منذ أن بدأت حياتها مع الوحدة أن الدنيا تبتسم لها ... ولاح لها المستقبل ... الذى كانت تخافه وتهرب من التفكير فيه ... مشرقا سعيدا وبدأت نجوى تبذل المحاولات لتعرف من هو صاحب الرسالة ... فعادت بذاكرتها إلى الوراء شهورا بل سنوات ... واستعرضت كل الأشخاص الذين قابلتهم ... أو تعرفت بهم ... أو تحدثت معهم ، لعلها تعثر بينهم عن شخص أبدى اهتماما خاصا بها ... أو أثنى عليها ... ولكنها لم تهتد إلى أحد استعرضت فى ذاكرتها زملاءها فى العمل ... فوجدت أن معظمهم متزوجون ... وأن غير المتزوجين منهم يصغرونها سناً ... فاستبعدتهم جميعا ... ثم بدأت تستعرض جيرانها واحدا واحدا ... وأشقاء صديقاتها ... فلم تجد بينهم من يحتمل أن يكون كاتب الرسالة!! وكاد عقلها يتوقف عن التفكير من كثرة الإجهاد وشعرت بحاجتها الشديدة إلى شىء من الهواء النقى ، حتى تستعيد نشاطها وحيويتها ، فخرجت إلى شرفة منزلها ... كان الليل على وشك أن ينتصف ... والهدوء يخيم على المكان ... لا يقطعه إلا صوت السيارات التى تمر فى الشارع بين الحين والحين ... الظلام الحالك كان يلف المنازل المحيطة بالسواد فيجعلها مخيفة كالأشباح ولفت نظرها نور خافت ينبعث من غرفة هناء جارتها وصديقة عمرها ... وتساءلت : ما الذى يجعلها مستيقظة حتى هذه الساعة المتأخرة؟ وسرحت بأفكارها قليلا ... وأخذت تستعرض علاقتها بصديقتها وفجأة طرأ على بالها خاطر غريب رفضت فى بادىء الأمر تصديقه ... بل واستنكرته بشدة ... وحاولت الابتعاد عن التفكير فيه ... ولكنه ألح عليها ... وفرض نفسه على عقلها ... وأسرعت إلى غرفتها ... وفتحت الرسالة مرة أخرى ... فإذا بها تجد ما توقعته ... إنها مكتوبة بالحبر الأخضر ... إنه الحبر الذى اعتادت هناء أن تستخدمه ... وأمعنت النظر فى الخط ... فوجدته يشبه إلى حد كبير خط صديقتها ... وحاولت مرة أخرى أن تبعد هذه الشكوك والهواجس عن رأسها ... ولكنها ظلت تلاحقها ... وتلح عليها وقررت أن تذهب إلى صديقتها فى الحال ... وتواجهها بما يدور فى رأسها من شكوك وهواجس حتى تتوصل إلى الحقيقة ... ويهدأ فؤادها ... ويرتاح بالها ... ودقت جرس الباب ... وكانت هذه الزيارة مفاجئة لصديقتها التى لم تستطع أن تخفى معالم الحيرة والدهشة التى بدت على وجهها عندما رأتها ... وواجهتها نجوى بما يدور فى خاطرها .. فانهارت هناء وخانتها دموعها ، واضطرت أن تصارحها بالحقيقة ... وتعترف لها بأنها صاحبة الرسالة ... وأن هدفها كان نبيلا ... لم تقصد أن تهزأ بها ... أو تسخر منها ... أو تسىء إليها ... إنما أرادت أن تملأ قلبها بالأمل ، وأن تعيد الثقة إلى نفسها إنها تكن لها حبا جما ، ولم تشأ أن تتركها تتعذب فى وحدتها ... فكتبت لها الرسالة الأولى .. وكانت تنوى أن تتبعها برسائل أخرى ... لعلها تجد فى رسائلها ما يؤنس وحدتها ... ويملأ عليها حياتها ... وطلبت منها أن تسامحها وتصفح عنها وهنا أمسكت نجوى بالرسالة وأخذت تمزقها فى هدوء ، وهى تقول بصوت يملؤه الحسرة ويغلفه الأسى : ياليتك لم تعترفى لى بالحقيقة ... ياليتك أنكرتى أنك صاحبة الرسالة ... لقد أحسست لأول مرة فى حياتى بشعاع من الأمل يضىء قلبى ... ويجعلنى أكثر تعلقا بالحياة ... وها هو ذا ينطفىء فى لحظات ... ياللخسارة
-
تفكير يهود في زمن مضى كان الـبابات ( بابات = جمع بابا ) يبيعون للناس أراضي في الجنة وكانت أسعارها غالية جداً ورغم غلائها إلا أن الناس مقبلون عليها بشكل كبير جدا , فـكان الشخص بشرائه أرضاً في الجنة يضمن دخوله الجنة مهما فعل من معاصي في الدنيا , ويأخذ الشخص صكاً ( عقداً ) مكتوب فيه أسمه وانه يملك أرضاً في الجنة ...!!!! كان ربح الكنيسة من هذه المبيعات عالياً جداً جداً ولكن في يوم من الأيام جاء أحد اليهود للبابا وقال له :" أريد شراء النار كاملةً " , فتعجب البابا من أمر هذا اليهودي واجتمع مسئولو الكنيسة كاملة وقرروا بينهم القرار التالي [ أراضي النار أراضٍ كاسدةٌ خاسره , ولن يأتينا غبي أخر غير هذا الغبي ويشتريها منا , إذا سنبيعها له بثمن عالي ونتخلص منها ] . وقرر الـبابا أن يبيع له النار وأشترى اليهودي النار كاملةً من الكنيسة واخذ عليها صكاً ( عقداً ) مكتوب فيه أنه أشترى النار كاملةً . وبعدها خرج اليهودي للناس جميعاً وقال لهم أنه اشترى النار كاملةً ورأى الجميع العقد المكتوب فيه ذلك وقال لهم :" إن كنت قد اشتريت النار كاملة فهي ملكي وقد أغلقتها ولن يدخلها أي أحد فـ ما حاجتكم لـ شراء أراضي في الجنة وقد ضمنتم عدم دخول النار لأني أغلقتها ؟ " وعندها لم يشتري أي شخص أرضاً في الجنة لأنه ضمن عدم دخول النار وعندها بدأت الكنيسة تخسر أموال تلك التجارة ولم تعد تدر لها شيئا وعندها عادت الكنيسة واشترت النار من هذا اليهودي ولكن بـأضعاف أضعاف أضعاف سعرها الأصلي
-
قصة فاطمة كانت فاطمة جالسة حين استقبلت والدتها جارتها التي قدمت لزيارتها ، كادت الأم تصعق ، وهي ترى ابنتها لاتتحرك من مقعدها فلا تقوم للترحيب معها بالجارة الطيبة الفاضلة التي بادرت – برغم – ذلك إلى بسط يدها لمصافحة فاطمة ، لكن فاطمة تجاهلتها ولم تبسط يدها للجارة الزائرة ، وتركتها لحظات واقفة باسطة يدها أمام ذهول أمها التي لم تملك إلا أن تصرخ فيها : قومي وسلمي على خالتك ، ردت فاطمة بنظرات لامبالية دون أن تتحرك من مقعدها ، كأنها لم تسمع كلمات أمها !. أحست الجارة بحرج شديد تجاه ما فعلته فاطمة ورأت فيها مسا مباشرا بكرامتها ، وإهانة لها ، فطوت يدها الممدودة ، والتفتت تريد العودة إلى بيتها وهي تقول : يبدو أنني زرتكم في وقت غير مناسب! هنا قفزت فاطمة من مقعدها ، وأمسكت بيد الجارة وقبلت رأسها وهي تقول : سامحيني يا خالة .. فوالله لم أكن أقصد الإساءة إليك ، وأخذت يدها بلطف ورفق ومودة واحترام ، ودعتها لتقعد وهي تقول لها : تعلمين يا خالتي كم أحبك وأحترمك ؟! نجحت فاطمة في تطييب خاطر الجارة ومسح الألم الذي سببته لها بموقفها الغريب ، غير المفهوم ، بينما أمها تمنع مشاعرها بالغضب من أن تنفجر في وجه ابنتها . قامت الجارة مودعة ، فقامت فاطمة على الفور ، وهي تمد يدها إليها ، وتمسك بيدها الأخرى يد جارتها اليمنى ، لتمنعها من أن تمتد إليها وهي تقول : ينبغي أن تبقى يدي ممدودة دون أن تمدي يدك إلي لأدرك قبح ما فعلته تجاهك . لكن الجارة ضمت فاطمة إلى صدرها ، وقبلت رأسها وهي تقول لها : ما عليك يابنتي .. لقد أقسمت إنك ما قصدت الإساءة . ما إن غادرت الجارة المنزل حتى قالت الأم لفاطمة في غضب مكتوم : مالذي دفعك إلى هذا التصرف ؟ قالت : أعلم أنني سببت لك الحرج يا أمي فسامحيني . ردت أمها : تمد إليك يدها وتبقين في مقعدك فلا تقفين لتمدي يدك وتصافحيها ؟! قالت فاطمة : أنت يا أمي تفعلين هذا أيضا ! صاحت أمها : أنا أفعل هذا يافاطمة ؟! قالت : نعم تفعلينه في الليل والنهار . ردت أمها في حدة : وماذا أفعل في الليل والنهار ؟ قالت فاطمة : يمد إليك يده فلا تمدين يدك إليه! صرخت أمها في غضب : من هذا الذي يمد يده إليّ ولا أمد يدي إليه ؟ قالت فاطمة : الله يا أمي .. الله سبحانه يبسط يده إليك في النهار لتتوبي .. ويبسط يده إليك في الليل لتتوبي .. وأنت لاتتوبين .. لاتمدين يدك إليه ، تعاهدينه على التوبه . صمتت الأم ، وقد أذهلها كلام ابنتها . واصلت فاطمة حديثها : أما حزنت يا أمي حينما لم أمد يدي لمصافحة جارتنا ، وخشيت من أن تهتز الصورة الحسنة التي تحملها عني ؟ أنا يا أمي أحزن كل يوم وأنا أجدك لاتمدين يدك بالتوبة إلى الله سبحانه الذي يبسط يده إليك بالليل والنهار . يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : (( إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )). رواه مسلم . فهل رأيت يا أمي : ربنا يبسط إليك يده في كل يوم مرتين ، وأنت تقبضين يدك عنه ، ولا تبسطينها إليه بالتوبة! اغرورقت عينا الأم بالدموع . واصلت فاطمة حديثها وقد زادت عذوبته : أخاف عليك يا أمي وأنت لاتصلين ، وأول ما تحاسبين عليه يوم القيامة الصلاة ، وأحزن وأنا أراك تخرجين من البيت دون الخمار الذي أمرك به الله سبحانه ، ألم تحرجي من تصرفي تجاه جارتنا .. أنا يا أمي أحرج أمام صديقاتي حين يسألنني عن سفورك ، وتبرجك ، بينما أنا محجبة !. سالت دموع التوبة مدرارا على خدي الأم ، وشاركتها ابنتها فاندفعت الدموع غزيرة من عينيها ثم قامت إلى أمها التي احتضنتها في حنو بالغ ، وهي تردد : (( تبت إليك يا رب .. تبت إليك يارب )) . قال تعالى ( ومن يغفر الذنوب إلا اللـــــه )) لقد رآك الله وأنت تقرأ هذه الكلمات ويرى ما يدور في قلبك الآن وينتظر توبتك فلا يراك حبيبك الله إلا تائبا
-
بعد زواج دام 60 سنة تكشف له السر وهى على فراش الموت ظلا متزوجين ستين سنة كانا خلالها يتصارحان حول كل شيء ، ويسعدان بقضاء كل الوقت في الكلام او خدمة أحدهما الآخر، ولم تكن بينهما أسرار ، ولكن الزوجة العجوز كانت تحتفظ بصندوق فوق أحد الأرفف ، وحذرت زوجها مرارا من فتحه او سؤالها عن محتواه ، ولأن الزوج كان يحترم رغبات زوجته فإنه لم يأبه بأمر الصندوق ، الى ان كان يوم أنهك فيه المرض الزوجة وقال الطبيب ان أيامها باتت معدودة ، وبدأ الزوج الحزين يتأهب لمرحلة الترمل ، ويضع حاجيات زوجته في حقائب ليحتفظ بها كذكريات ثم وقعت عينه على الصندوق فحمله وتوجه به الى السرير حيث ترقد زوجته المريضة ، التي ما ان رأت الصندوق حتى ابتسمت في حنو وقالت له: لا بأس بإمكانك فتح الصندوق .. فتح الرجل الصندوق ووجد بداخله دميتين من القماش وإبر النسج المعروفة بالكروشيه ، وتحت كل ذلك مبلغ 25 ألف دولار، فسألها عن تلك الأشياء فقالت العجوز هامسة : عندما تزوجتك أبلغتني جدتي ان سر الزواج الناجح يكمن في تفادي الجدل والناقر ونقير.. ونصحتني بأنه كلما غضبت منك أكتم غضبي وأقوم بصنع دمية من القماش مستخدمة الإبر.. هنا كاد الرجل ان يشرق بدموعه : دميتان فقط؟ يعني لم تغضب مني طوال ستين سنة سوى مرتين؟ ورغم حزنه على كون زوجته في فراش الموت فقد أحس بالسعادة لأنه فهم أنه لم يغضبها سوى مرتين ثم سألها: حسنا ، عرفنا سر الدميتين ولكن ماذا عن الخمسة والعشرين ألف؟ دولار؟ أجابته زوجته: هذا هو المبلغ الذي جمعته من بيع الدمى
-
بارك الله فيكم وجزاكم خير الجزاء وحمانا وإياكم من الطمع