اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب

m.helm

Members
  • عدد المشاركات

    25
  • انضم

  • تاريخ اخر زيارة

  • Days Won

    1

كل منشورات العضو m.helm

  1. الإمام البنا والمنهج الإصلاحي .. "الأسس والآليات" موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين) إعداد: محمد الصياد تمهيد قضية إصلاح المجتمع هي القضية المحورية والأساسية التي جاءت بها الرسالة الخاتمة ، رسالة محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم . لكن الإشكالية الكبرى التي واجهت المسلمين قديما وحديثا أن العلماء والمصلحين لم يعنوا كثيرا بالإصلاح الشامل المتكامل الذي يسوق الناس إلي باريهم باسم الله عز وجل ، الذي يبني نهضة ويؤسس حضارة باسم الله ، الذي يُرَشّد عمل العمال والجماهير والفلاحين –كلٌ في عمله- باسم الله .. نجد كثيرا من المصلحين قد عنوا بجوانب وأزقة بعينها من البنيان الإسلامي الكبير ، مع أن الشريعة الإسلامية ما جاءت إلا للإصلاح والتقويم والإرشاد .. وما مقاصد التشريع التي تحدث عنها الأصوليون وأفردوها بالتصانيف إلا دليل علي ما نزعم .. إصلاح العقيدة .. والشريعة .. والأخلاق .. فإذا ما تم الإصلاح في تلك المحاور الكبرى انسحب الإصلاح بداهة إلي دوائر العلوم ، والسياسة والاقتصاد ، لأن هذه الفروع والتفاصيل إنما هي منبثقة من المحاور الكبرى.. وإن الإنسان ليعجب عندما يجد إماما كبيرا مثل الإمام السيوطي –المتوفى سنة 911ه- يخوض معارك شرسة –يسمونها معارك علمية- مع الإمام المحدث الكبير الحافظ السخاوي –المتوفي سنة 902ه- حول أمور تافهة ، لا مجال للاستفاضة فيها الآن ، وكذلك أثيرت في عصر هؤلاء العلماء قضية ابن عربي ، فصنف السيوطي "تنبيه الغبي لتبرئة ابن عربي" ، و "قمع المعارض في نصرة ابن الفارض" ، وصنف الشيخ البقاعي –المتوفي سنة 885ه- كتابا يرد فيه علي السيوطي أسماه "مصرع التصوف أو تنبيه الغبي إلي تكفير ابن عربي" ، وقل مثل ذلك الخبل في عصور مختلفة وأجيال من العلماء متعاقبة . وكانت الصليبية تعمل في الخفاء والعلن لإزاحة الإسلام من الخارطة ، وتبديد معالمه ، وطمس هويته ، فسقطت الأندلس بأكملها سنة 897هـ في عصر هؤلاء الأئمة الكبار ولم نجد أحدهم ولا ممن ترجم لتك الفترة من المؤرخين الشرقيين استفاض في الحديث عن الأندلس وعن إلجام الإسلام هناك ، ومر الأمر وكان شيئا لم يحدث . إن فقه الأولويات اختل عند هؤلاء ، ومن ساروا علي هديهم في العصر الحاضر ممن لا زالوا يقيمون المعارك الطاحنة حول البرقع والجلباب والسواك ... ولم يمعنوا النظر في مقاصد الشريعة التي هي في الأساس حلقة من حلقات إصلاح المجتمع المسلم ومحيطه ، ثم تصدير النموذج الإسلامي الحضاري ليقود البشرية .. وظل العالم الإسلامي لا يبالي بالأولويات والمقاصد العظمى والمحاور الكبرى حتى جاء الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله ، الذي صاغ مشروعا إصلاحيا نهضويا متكاملا ووضع الأمور في نصابها وموازينها ، وأعطى كلا من الثغور الكائنة في جبين الأمة ، حقها من الدراسة والبحث والتأمل والتفتيش عن الداء ، وقام برصد السلبيات المجتمعية ، وعمل علي إيجاد الحلول لها داخل إطار الشريعة ، وتشرب التراث وفهم الواقع ، ودرس كتاب الكون .. واستقي من نبع النبوة مواريثها ، واستمد من القرآن إلهامه ، وقام ثائرا ليصلح باسم الله ، كل مُعوَّج في المجتمع يحتاج إلي إصلاح .. كانت مصر –بل والعالم الإسلامي كله- يوم نبتت هذه الدعوة المحددة لا تملك من أمر نفسها قليلا أو كثيرا ، يحكمها الغاصبون ، ويستبد بأمرها المستعمرون ، ولم يخل الجو من منازعات حربية ، وحزازات سياسية ، فلم يشأ الإخوان أن يزجوا بأنفسهم في هذا الميدان فيزيدوا الخلاف ، فانصرفوا إلي ميدان مثمر هو ميدان الإصلاح والتربية ، وتنبيه الشعب ، وتغيير العرف العام ، وإذاعة مبادئ الحق والجهاد والعمل والفضيلة بين الناس . وقد انجذب الناس لمشروع البنا الإصلاحي لصراحته ، واستقائه من نبع القرآن في وضوح لا يحتمل الشك ، وكان الإمام البنا رضي الله عنه يتخذ من السهولة الميسرة في الخطاب ما يجذب السامع المسلم إلي دعوته ، لأنه ليس بعيدا عنها ، وهي من صميم قرآنه ، فهو يوجز مثلا مبادئ "جماعة الإخوان" في قوله : (نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة ، تنظم شئون الناس في الدنيا والآخرة ، وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول العبادات –فقط- مخطئون ، فالإسلام عقيدة ، وعبادة ، ووطنٌ وجنسية ، ودين ودولة ، وروحانية وعمل ، ومصحف وسيف ، والقرآن الكريم ينطق بذلك كله) . فأنت تري أنه يركز علي الإصلاح المجتمعي الشامل الذي هو أشبه بثورة بيضاء كبرى لتنظيم شئون الناس في الدنيا والآخرة .. وهذا المشروع الإصلاحي للمجتمع يركن إلي شيء مهم جدا ربما تتغافل الفلسفات عنه ، ذلك أن الفلسفة تبقي –بمشروعها الإصلاحي- في حيز التنظير المجرد الذي لا يجد البيئة الملائمة لتطبيقه ، وإن وجدها فلا يجد الخضوع الذاتي للأفراد كقوة ، ولا يجد من المجتمع الحراك الذي يتخلل أي إصلاح ، هذا الشيء هو الاعتماد علي مصادر التشريع في إصلاح المجتمع . وبيان ذلك يحتاج إلي شيء التفصيل . الإمام البنا والإصلاح مآل جماعة "الإخوان المسلمون" وغايتها الكبرى هي إصلاح المجتمع بالمفهوم الكلي الشامل الذي عبرنا عنه آنفا ، وعندما فكر الإمام البنا رحمه الله في تكوين هذه الجماعة وبذر بذرتها ، كان هدفه الأوحد من وراء ذلك ، الإصلاح المجتمعي التام الشامل لكل أزقة المجتمع وشوارده . ولقد وقف الإمام البنا رضي الله عنه –وعن سائر علماء المسلمين- في وجه العواصف والأمواج من أجل تلك القضية .. قضية الإصلاح . وفي ذلك يقول الدكتور مصطفي السباعي: لقد كانت كل قوى الشر في الأرض تتحداه ؛ الاستعمار ، والملك ، والباشوات ، والأزهر ، والأحزاب ، والفساد والانحلال ، ثم جهل الجماهير بمصلحتها ، فمشي كالضوء لا يعبأ بالرياح ولا يبالي بالمعاول ، ولا يتراجع أمام العاصفة ، وإن كان ينحني لها حتى تأخذ طريقها ، ولا ينكص علي عقبيه رغم كل تهديد ووعيد ، ولا يضعف إيمانه بالنصر ، وإن أظلمت الدنيا حوله ، ولا ينهزم في المعركة مهما تكاثرت القوى وتألبت عليه ، وكان مع ذلك كله يتسع صدره لأعدائه كما يتسع لأصدقائه ، ولم يكن يكره أحدا من أعدائه كراهة حقد ، فالرجل العظيم لا يعرف الحقد إلي قلبه سبيلا . ولكنما كان يكره من أعدائه باطلهم وفسادهم ، وافترائهم وتفننهم في الشر ، وإضرارهم بمصالح الشعب ، كما كان يكره من بعض أنصاره لجاجهم وقلة تبصرهم ، وتمردهم علي الحق ، وإيذاءهم للدعوة بسلوكهم وأخلاقهم ، وما زال بأعدائه نُصحا وإشفاقا حتى قتلوه في الظلام وحيدا أعزل مجردا من كل قوة وجاه وأنصار ، قتلوه وهم الأقوياء ، وهو الضعيف ، وهم الحاكمون وهو المطارد ، وهم المسلحون وهو الأعزل ، وهم الأشقياء وهو السعيد ، ثم أصبحوا مطرودين من رحمة الشعب ، وهو مغفور برحمة الله . وهكذا كما يقول السباعي رحمه الله بأن البنا واصل مشروعه الإصلاحي ، لإصلاح المجتمع عقدياً وثقافياً ومنهجياً من غير أن يبالي بالعوائق والمثبطات وولج البنا سبلاً لتحقيق الإصلاح المجتمعي الذي ينشده ، ومن هذه السبل: 1- مخاطبة الكافة فقد أنشأ الإمام الشهيد حسن البنا رضي الله عنه خطابا جماهيريا موجها إلي كل فئام المجتمع .. الفلاح ، التاجر ، العامل ، المثقف ، .. وكابد الوهاد والنجاد في ذلك ، والقضية ليست في مخالطة هذه الجماهير فقط ، بل في احتوائهم واستقطابهم وإعمالهم في دائرة الفكرة ، وشحذ هممهم وطاقاتهم . وهذا المعني لمسه سيد قطب بقوله: والعبقرية في استخدام طاقة الأفراد ، طاقة المجموعات ، في نشاط لا يدعُ في نفوسهم ، ولا يدعُهم يتلفتون هنا أو هناك يبحثون عما يملؤون به الفراغ ، إن مجرد استثارة الوجدان الديني لا يكفي ، وإذا قصر الداعية همه علي هذه الاستثارة فإنه سينتهي بالشباب خاصة إلي نوع من الهوس الديني ، الذي لا يبني شيئا ، وإن مجرد الدراسة العلمية للعقيدة لا يكفي . وإذا قصر الداعية همه علي هذه الدراسة ، فإنه ينتهي إلي تجفيف الينابيع الروحية التي تكسب هذه الدراسة نداوتها وحرارتها وخصوبتها ، وإن مجرد استثارة الوجدان والدراسة معا لا يستغرقان الطاقة ، فستبقي هناك طاقة عضلية ، وطاقة عملية ، وطاقة فطرية أخري في الكسب والمتاع والشهرة والعمل والقتال ، وقد استطاع حسن البنا أن يفكر في هذا كله ، أو أن يلهم هذا كله ، فيجعل نشاط الأخ المسلم يمتد ، وهو يعمل في نطاق الجماعة ، إلي هذه المجالات كلها ، بحكم نظام الجماعة ذاته وأن يستنفذ الطاقات الفكرية كلها ، في أثناء العمل للجماعة ، وفي مجال بناء الجماعة استطاع ذلك في نظام الكتائب ، وفي نظام المعسكرات ، ونظام الشركات الإخوانية ، ونظام الدعاة ، ونظام الفدائيين الذين شهدوا معارك فلسطين ، ومعارك القتال نماذج من آثاره ، تشهد بعبقرية هذا النظام . ويمضي حسن البنا إلي جوار ربه ، يمضي وقد استكمل البناء من أساسه ، يمضي فيكون استشهاده علي النحو الذي أُريد له ، عملية جديدة من عمليات البناء ، عملية تعميق للأساس ، وتقوية للجدران وما كانت ألف خطبة وخطبة ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتُلهب الدعوة في نفوس الإخوان كما ألهبتها قطرات الدم الزكي المهراق . وكان البنا رحمه الله –كما يقول صالح عشماوي- قديراً علي أن يحدث كلا بلغته وفي ميدانه وعلي طريقته ، وفي حدود هواه ، وعلي الوتر الذي يحس به ، وعلي الجُرح الذي يثيره ، ويعرف لغات الأزهريين والجامعيين والأطباء والمهندسين والصوفية وأهل السنة ، ويعرف لهجات الأقاليم في الدلتا والصحراء ، وفي مصر العليا والوسطي وتقاليدها ، بل إنه يعرف لهجات الجزارين والفتوات وأهالي بعض أحياء القاهرة الذين تتمثل فيهم صفات بارزة ، وكان في أحاديثه إليهم يروي لهم من القصص ما يتفق مع ذوقهم ، بل كان يعرف لغة اللصوص وقاطعي الطريق والقتلة ، وقد ألقي إليهم مرة حديثا ، وهو يستمد موضوع حديثه أثناء سياحاته في الأقاليم ، وفي كل بلد من مشكلاتها ووقائعها وخلافاتها ، ويربطه في لباقة مع دعوته الكبرى فيجيء كلامه عجبا يأخذ الألباب . كان يقول للفلاحين في الريف: عندنا زرعتان إحداهما سريعة النماء كالقثاء ، والأخرى طويلة كالقطن ؛ لم يعتمد يوما علي الخطابة ، ولا تهويشها ولا إثارة العواطف عن طريق الصياح والهياج ، ولكنه يعتمد علي الحقائق ، وهو يستثير العاطفة بإقناع العقل ، ويلهب الروح بالمعنى لا باللفظ ، وبالهدوء لا بالثورة ، وبالحجة لا بالتهويش . ولم يُر في مصر زعيمٌ بعد سعد زغلول التف حوله العامّة التفافهم حول حسن البنا ، وهذا يدل علي مدى مثابرته في إنجاح خُططته الإصلاحية ، وهذا ما أزعج أعداءه ، فظنوه طالب منصب ، وسيرضي به لأنه في رأيهم مجرد مدرس للغة العربية بإحدى المدارس الابتدائية ، وقصارى أمله أن يكون مفتشا أو ناظر مدرسة ثانوية ! فليغروه بما هو أعظم وأرقي ، وسيتطلع إلي بريق المنصب المنتظر ، فيتخلي عن الشقاء الكارب في رحلاته الممتدة ، صيفا إلي أقاصي الصعيد في حره اللوح ، إنه بشرٌ ،، ولابد أنه سيلين تحت بوارق الإغراء . لأن هؤلاء الأعداء عرفوا مدى خطورة مشروع البنا الإصلاحي علي مشروعهم الاستعماري الانحلالي ، عرفوا مدى خطورة أن يستحيل الناس إلي العقيدة السليمة والدين الصحيح ، ماذا لو فهم المسلمون أولويات دينهم ، ومقاصد شريعتهم ، وروابط أخوتهم ، وحمل قضايا أمتهم !! هذا خطر وأي خطر علي الاستعمار العالمي وموارده التي يسلبها أو يسرقها من أولئك المغفلين .. وفي ذلك يقول البهي الخولي مصورا بعض نواحي الإغراء التي زينها له المغرضون: كان الناس يحيون في غمار الموجة المادية ، حين قام حسن البنا في إشراق هالة أخرى لها مبادؤها ومثلها العليا ، هالة الفكرة الإسلامية ، يحيا فيها بقلبه ، ويحيا بنفسه ، ويحيا فيها بوجدانه وشعوره وعصبه ، فكانت مبادؤها عنده هي الحق ، وما سواها الباطل ، وكانت مثلها هي النواميس الطبيعية الأصيلة ، وما سواها وهم خادع وسراب لا معول عليه . وكانت زهرة الحياة الدنيا تتضاءل وتتقلص أمام عينيه إلي جانب ما يفيض عليه في هالة من سعادة رزق الله ، فكان زهده في الدنيا المادة ، لا يعدله إلا زهد أهل المادة فيما لديه من مثل رفيعة ، وقد عرضت الدنيا نفسها عليه خاطبة ، وواته الظروف ، ولكن هيهات أن تروج هذه الأوهام في نفس مشغولة زاخرة بالحقائق النفيسة العليا . جاءه من يعرض عليه منصبا في فجر الدعوة سنة 1932م، ليلين عن بعض واجبه في منصب الداعي إلي الله ، وكانت نظرة رثاء وإشفاق وتبكيت دانت لها شخصية الداعي هوانا ودُحورا وخجلا ، ولو أنه أجاب ما عرُض عليه لكان لبنيه اليوم من مجد المنصب ونعمته ما يحسده عليه الكثيرون . وعرض عليه الإنجليز ذهبهم الوهّاج في مستهل الحرب الماضية ، ألوفا وعشرات الألوف ، ومن ورائها خزائن طوع أمره ، ورهن إشارته ، ولكن الرجل المصلح المتواضع السهل السمح أذلّ بكبريائه القاسية من جاء يُساومه في مثله وكرامته ، ونكس القومُ رؤوسهم ، مدركين أن الذهب والفضة لا يعالجان بما يحسم أمر الشيخ ويخفت صوته إلي الأبد ، ولو أنه ألان لهم الجانب ما كشف أحدٌ سره ، ولما تعرض لنقمة الناقمين ، وغيظ الحاقدين ، وكان لبنيه اليوم من الضياع والعمائر ما يسلكهم في أرباب الثروات . 2- الاندماج المؤثر والتفاعل في المجتمع فكان البنا رحمه الله يعرف أن إصلاح السلبيات في المجتمع لا تتم ولا يُكتب لها النجاح إلا بالاندماج التام فيه ، بعد ترشيد خطاب ولهجة عامة لكافة الفئات ، ولغة حوار لكل التيارات ، فالاندماج مهم جدا بعد مرحلة الخطاب ، لأن الإصلاح المجتمعي يقتضي معرفة سلبيات ذلك المجتمع ، والوقوف علي مواطن الداء ، لتشخيص الدواء ، بتؤدة وتمهل وحذَر ، وذلك لا يتأتي إلا بالتفاعل والاندماج التام في كل أركان المجتمع وجوانبه ، من قبل المصلحين والعقلاء ليعملوا علي تطبيبه وعلاج مشكلاته ، وكذلك فعل الإمام البنا رحمه الله . فكان يدخل بلدا من البلاد –كما يقول روبير جاكسون- أحيانا لا يعرف فيه أحدا ، فيقصد إلي المسجد ، فيصلي مع الناس ، ثم يتحدث بعد الصلاة عن الإسلام ، وأحيانا ينصرف الناس عنه فينام علي حصير المسجد ، وقد وضع حقيبته تحت رأسه ، والتف بعباءته .. وكان يعيش بعد استقالته من التعليم براتب لا يزيد عن راتبه المدرسي ، وبين يديه الأموال الضخمة المعروضة من أتباعه ، وحوله من العاملين من يصل دخله إلي أضعاف ما يحصل عليه ، كما كان في بيته مثال البساطة . كنت تلقاه في تلك الحجرة المتواضعة الفراش ، ذات السجادة العتيقة ، والمكتبة الضخمة ، فلا تراه يختلف عن أي إنسان عادي إلا في ذلك البريق اللامع ، الذي تبعثه عيناه والذي لا يقوي الكثيرون علي مواجهته ، فإذا تحدث سمعت من الكلمات القليلة المعدودة موجزا واضحا للقضايا التي تحويها المجلدات ، وكان مع هذه الثقافة الواسعة الضخمة قديرا علي فهم الأشخاص ، لا يفاجئك بالرأي المعارض ، ولا يصدمك بما يخالف مذهبك ، وإنما يحتال عليك حتى يصل إلي قلبك ، ويتصل بك فيما يتفق معك عليه ، ويعذرك فيما تختلفان فيه . وهكذا كان الإمام الشهيد رضي الله عنه ، مصلحا بالقول والعمل ، بالتنظير والتطبيق ، فنزل إلي الناس وإلي ساحاتهم ، ولم يكن مُنَظّرا في برج عاجي بعيدا عن الجماهير ، ولم يكن صاحب علاجات فلسفية هلامية فضفاضة ، أو عصية علي التنفيذ والتطبيق بل كان صاحب رؤية واقعية ، لأنه عايش الناس بنفسه ولمس داء المجتمع وشخصه وهو في أرض الميدان ، لا في برجه العاجي كعادة كثير من الفلاسفة . فالناحية الهامة التي ألمع إليها الكاتب الأمريكي –كما يقول الأديب محمد رجب البيومي- ، هي ثقافة الإمام الشهيد المحيطة ، وميزة هذه الثقافة التي تُسعفه في شتى المناسبات أنها ليست نصوصا جامدة محفوظة في الذاكرة فحسب ، بل لها روحها الحي الذي ينفخ فيها الحياة فتستحيل مخلوقات متحركة ذات نبض ، وقد يكون بعض هذه النصوص معلوما لكثير من الناس ، ولكنهم لا يبلغون منه معشار ما يبلغه الأستاذ ، لأنه يربط كل النصوص بالمدلول العام للدعوة الإسلامية ، وللخط العريض الذي تمثله الشريعة في قانونها السماوي العادل ، وهنا يصير النص المعروف وكأنه علي شفتيه نصٌ جديد ! . كذلك من ميزة تلك الثقافة المتشعبة أنها توجد له الحلول الإصلاحية التي ينشدها المجتمع وتبغيها الجماهير ، فالأستاذ البنا رحمه الله ، نزل بالثقافة وبالعلوم للواقع لتكون تلك العلوم مساهمة في حل المشكلات المجتمعية لأنه لا إصلاح إلا بعلم وعن بصيرة ، ولم يقتصر علي مكتبة ضخمة ، وعقل جامع ، من غير دربة علي أولويات العصر وما يريده الناس ، وهذا هو الفرق بين المصلح والفيلسوف . 3- الديناميكية والحركية الإمام حسن البنا يستقل قطار الصعيد خلال رحلاته بين المحافظات فالإمام البنا رحمه عرف أن مهمة المصلحين في التاريخ الإنساني العريق تتسم بالديناميكية / الحركية ، التي لا تعرف الملل ، والعزيمة التي لا تعانق اليأس ، والجد الذي يمج الفتور ، ولذلك كان يقول دائما رحمه الله بأن "الواجبات أكثر من الأوقات" ، وهذه لغة المصلحين الكبار ، والعباقرة الذين يتركون بصمة إبهامهم في التاريخ الإنساني الحضاري . لكن الفرق بين حسن البنا وبين غيره من الفلاسفة أن هؤلاء الفلاسفة قاموا بتشخيص حالات المرض المجتمعي لديهم وشخصوا الدواء من منظورهم ، ولكن لا نجد نظرية من تلك النظريات قد قبلت التطبيق بحذافيرها علي أرض الواقع أو حتى بنسبة مرضية ، لأنها ليست منبثقة من الوحي ، في حين أن فلسفة حسن البنا منبثقة من الوحي ، الذي يلقي القبول من قبل الجماهير بل والخضوع له بالضمير الذاتي من غير رقابة قانونية . وقد كان البنا رحمه الله مع ذلك سريع الحركة ، واثبا متألقا لا يهدأ ، لا يعرف الكلام بل يعرف العمل فقط ، وشُغل وقته ، لدرجة أنه لم يسجل أفكاره في المصنفات وعندما سُئل لماذا لا تؤلف كتبا ؟! قال لأنني أؤلف رجالا . ولنقف علي رحلة واحدة من رحلاته كي تقف علي كيف تكون حياة المصلحين ، وكيف أن الثمرة المرجوة أحق أن تُجني . جاء في "مذكرات الداعي والداعية" : الأستاذ المرشد في الوجه البحري والصعيد : * يوم الجمعة 28 ربيع آخر الموافق 17 يوليو ذهب الإمام إلي شبين الكوم وشبراخيت . * يوم السبت 29 ربيع آخر : المحمودية - البحيرة . * يوم الأحد 30 ربيع آخر : المحمودية - البحيرة . * يوم الاثنين غرة جمادي الأولي : كفر الدوار . * يوم الثلاثاء 2 جمادي أولي : الإسكندرية . * يوم الأربعاء 3 جمادي الأولي طنطا . * يوم الجمعة 5 جمادي الأولي ميت غمر . * يوم السبت 6 جمادي الأولي زفتي . * يوم الأحد 7 جمادي الأولي المنصورة . * يوم الاثنين 8 جمادي الأولي دكرنس . * يوم الثلاثاء 9 جمادي الأولي الزقازيق . * يوم الأربعاء 10 جمادي الأولي منيا القمح . * يوم الخميس 12 جمادي الأولي الموافق 31 يوليو : بنها . وتبدأ الرحلة الثانية إلي الصعيد من القاهرة يوم الاثنين 15 جمادي الأولي الموافق 3 أغسطس إلي أسوان ثم إلي عواصم الصعيد وشعب الجماعة بها إلي يوم 30 منه . فلك أن تتعجب من هذا الجهد الخارق الذي يفوق كل وصف ، ومن هذه الهمة التي لا مثيل لها ، مع الوضع في الاعتبار أن سبل السفر من مواصلات ونحوها في ذلك العصر لم تكن بالكفاءة المرجوة ولا بالسرعة المسعفة ، لكن البنا رحمه الله تغلب علي الإجهاد والتعب ، لأنه ببساطة عرف مهمة المصلحين وأدمن النظر فيها والتأمل . ولم يكن كلام البنا عن الإصلاح حديثا هلاميا بل كان محددا ومنضبطا ومقننا ، علاوة علي انه نزل بنفسه إلي الشوارع والطرقات والمقاهي ليخاطب الجمهور بنفسه ، ويلتمس العلل بلبه ويلمس المعوقات بيديه ، وهكذا اتسم الإمام البنا رحمه الله بالديناميكية والقدرة علي التغيير . وقد وضع الإمام البنا آليات وأسسا لمنهجه الإصلاحي ، وقد ساقه في "رسالة نحو النور" وقد أرسلها إلي مصطفي النحاس باشا ، وإلي ملوك ورؤساء جميع الدول العربية والإسلامية......................لمتابعة الموضوع كاملا
  2. الحج في فكر الشيخ محمد الغزالي إعداد: موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين مقدمة الحج هو الشعيرة الخامسة من شعائر الإسلام الكبرى، رحلة يطوي فيها المسلم بعده عن البيت العتيق؛ ليتفقد سيرة أبيه إبراهيم، ورسوله الكريم، يحدوه فيها الشوق والوجد، وتغمره خلالها مشاعر الرضا والفرحة، ويستشعر فيها ضعفه وحاجته، ويتجسد أمامه ضعف العبودية، ويرى بعين قلبه عظمة الربوبية، تاركا وطنه وأهله وماله، متوجها بقلبه وجسده وعقله إلى الله، طالبا منه العفو والصفح والقبول دون سواه. ولقد تحدث الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله عن هذه الشعيرة العظيمة حديثا لا تكاد تجده على هذا النحو عند أحد من علمائنا رضي الله عنهم وقدم فيه أفكارا جديدة، وأشار إلى لفتات إيمانية وروحية، ووضع أيدينا على جوانب اجتماعية وسياسية لا يسعنا إلا أن نقف أمامها نأخذ الموعظة البليغة والعبرة النافعة من هذه النظرة الفريدة التي تمثلت فيما يلي: أولا: الحج نداء قديم جديد في زحمة الحياة ومعركة الخبز التي تسود الأرجاء وترهق الأعصاب، وفي زحام الحياة والناس يلهثون وراء مآربهم القريبة والبعيدة، كان هناك أشخاص آخرون يخلصون بأنفسهم بعيدا، ويصغون إلى نداء آخر يجيء من وراء القرون، ويتردد صداه على اختلاف الليل والنهار، هو في نظر الشيخ نداء قديم جديد. قديم لأن أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام أول من أعلنه، وصدع بأمر الله حين قال له: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ". (الحج: 27) ،وجديد لأن خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ندب إليه وقاد قوافله ووضع مناسكه وبين ما رصد الله له من جوائز وربط به من منافع، وكان آخر عهده بالجماهير الحاشدة وهي تصيح إليه في حجة الوداع يزودهم بآخر وصاياه وأحفلها بالخير والبر..(1) ثانيا: الحج طاعة مطلقة وانقياد تام وتناغم كامل والحج في فكر الشيخ الغزالي يرحمه الله طاعة مطلقة لله تعالى، وانقياد لأمره، وتناغم بين الحجيج والملكوت والكائنات جميعا، فوفود الحج وهي تنطلق صوب البيت العتيق مخلفة وراءها مشاغل الدنيا، وهاتفة بأصواتها خاشعة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك إن هذه الوفود تؤكد ما يجب على الناس جميعا لله سبحانه وتعالى من طاعة مطلقة، وانقياد تام، وذكر وشكر، وتوحيد وتمجيد. ويتساءل الشيخ في هذا الصدد قائلا: هل العالم يتذوق هذه المعاني؟ ويستشعر حلاوتها؟ كلا، فما أكثر التائهين عن الله، والمتمردين على حقوقه، ما أكثر العابدين بغير ما شرع، والحاكمين بغير ما أنزل، إن هؤلاء العاصين نغمة شاذة في كون يسبح بحمد ربه: "أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" (آل عمران: 83) دع عنك هؤلاء التائهين، وارمق الوفود المنطلقة صوب مكة تجأر بالتلبية، ويسير بها البر والبحر والجو، إن جؤارها بالتلبية يصدقه كل شيء في البر والبحر والجو، فالمُلبِّي حين يرفع عقيرته مناجيا ربه ومصدقا أخاه، ومقررا أشرف حقيقة في الوجود يتجاوب معه الملكوت الساجد طوعا وكرها، أو يتجاوب معه الملكوت الذي يبارك رحلته ويحترم حجته، فلا عجب أن يتجانس الكون المسبح بحمد الله مع إنسان انخلع عن نفسه، وانطلق في سفر صالح يبتغي مرضاة الله. وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وها هنا"..(2) إنه هتاف ينفرد به أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وحملة راية التوحيد، أما غيرهم فهم بين معطل ومشرك وجاحد ومنحرف، إن لهم هتافا آخر يمثل عبوديتهم للتراب ولما فوق التراب من دنايا وخزعبلات..(3) ثالثا: أفعال الحج ترتبط بأحكأم لا ينكرها العقل وإذا كان الحج طاعة مطلقة وانقيادا تامًّا فليس معنى ذلك أن العقل ليس له مدخل في شعائره ومناسكه يتذوقها ويقف على الحِكَم المستفادة منها، فكثير من الناس يظن أن أفعال الحج ومناسكه مبهمة وغامضة، وأن الله جل شأنه اختبر الناس بما يعقلون فسمعوا وأطاعوا، فاختبرهم بما لا يعقلون حتى يتبين له كيف يسمعون وكيف يطيعون. ويؤكد الشيخ الغزالي أن هذا كلام بعيد عن الصحة؛ إذ الواقع أن أعمال الحج لها حكم معقولة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، وينبغي أن تدرس هذه الحكم بأناة، وأن تعرف حقائقها حتى يدرك الناس أن الإسلام ليس دين أوهام أو أضغاث أحلام، هذا دينٌ كلُّ شيء فيه له حكمته وله معناه. فمن مناسك الحج الطواف بالبيت، هل له حكم معقولة؟ ويذكر الشيخ الغزالي أربع نقاط في هذا المنسك توضح معقوليته والحكمة منه: * الأولى: أن هذا البيت هو أول بيت وضع للناس، وزاده الله تشريفا، فمن حق أول بيت أقيم ليكون قلعة التوحيد، ومثابة للموحدين، وملتقى للمؤمنين المخلصين، من حقه أن تكون له مكانة خاصة؛ ولهذا يجيئه الرواد من كل أفق، والحجاج من كل فج، يطيرون إليه كما تطير الحمائم إلى أوكارها، في أفئدتهم حنين، وفي قلوبهم مشاعر ملتاعة. * الثانية: أن المسلمين في المشارق والمغارب في الشمال والجنوب يولون وجوههم شطر هذا المسجد في كل صلاة تقام في القارات كلها، ومن حق الذين اتخذوا المسجد قبلة لهم أن يبعثوا كل عام منهم الوفد المستطيع لكي يرى قبلته، كي يحج إليها ويزورها. * الثالثة: أن هذه الأمة الإسلامية إنما ولدت في التاريخ إثر دعوة صالحة مستجابة للأنبياء الذين وضعوا حجر الأساس في هذا البيت العتيق ونهضوا به وأعلوا دعائمه: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ" (البقرة: 127-129) "وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ" هي أمتنا، "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ" هو رسولنا صلى الله عليه وسلم صاحب الإمامة العامة في محراب العبادة لخلق الله كلهم، فمن حقنا، ونبيِّنا وأمتنا وتاريخنا نتيجة دعوة في بناء هذا البيت، أن نزور هذا البيت، وإذا لم يحج المسلمون إلى البيت الذي بدأ عنده تاريخهم فأين يحجون؟ وإذا لم يقصدوا البيت الذي كان نبيهم دعوة مخبوءة في ضمير عند بنائه استجابها الله وباركها، فأين يقصدون؟. * الرابعة: أن الله عز وجل أراد أن يكرم الأمة العربية، فكرمه بأنه حمل الرسالة الخاتمة، وعندما أمر الناس أن يتوجهوا لهذا البيت العتيق قال لنا نحن الذين نقرأ القرآن وننطق باللغة العربية أنا فعلت هذا تشريفا لكم، وإتماما للنعمة عليكم، كما شرفناكم بابتعاث النبي الخاتم منكم عليه الصلاة والسلام..(4) وقد قال الله تعالى: "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ"(البقرة: 151) على أن من يزور البيت لا يعبد البيت إنما يعبد رب البيت، والطواف كما أجمع العلماء صلاة لابد لها من طهارة البدن، ولابد فيها من خلوص القلب لله، ومن زعم أن الكعبة كلها أو بعضها يضر أو ينفع فهو خارج عن الإسلام، ومن هنا نفهم ما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك..(5) وإذا كان بعض المغفلين يزعم أن تقبيل الحجر الأسود نوع من الوثنية فليكن تقبيل الملوك والرؤساء لأعلام دولهم نوعا أيضا من الوثنية ومن عبادة الأقمشة!! من قال هذا؟ إذا كان الأمر لا يعدو ترجمة لمشاعر الولاء لله فليس في هذا شيء، ونحن في هذا نلتزم ما ورد..(6) ومن حق رب البيت أن يضع طريقا لزيارة بيته، فإذا جعلها طوافا من سبعة أشواط فليس في الأمر ما يستغرب، ففي طول الدنيا وعرضها توضع طرائق شتى للاستقبالات والاستعراضات..(7) ومن مناسك الحج التي يظنها كثير من الناس غير معقولة: السعي بين الصفا والمروة وفي بيان الحكمة منه يقول الشيخ: إن الإنسان مادي حسي، والأسباب الحسية هي التي تملكه أو هي التي تحكمه، يوم يكون في يده مال يقول: مالي في يدي، فهو يعتز به، لكن يوم يكون المال وعدا في الغيوب، وأملا في المستقبل، ورجاء عند الله، فإن قلبه يضطرب، ويقول ليس معي شيء. والحق أن الرزق غيب، ولا يؤمن برزق الله إلا أصحاب الإيمان الراسخ، والنصر غيب، ولا يؤمن بنصر الله إلا أصحاب الإيمان الراسخ... هذا النوع من الإيمان قلما يوجد، لكنه عدة المصلحين، كلما أظلم الليل عليهم ولم يجدوا بصيصا من نور اطمأنوا إلى أن فجرا سيجيء فهم ينتظرون بريقه بثقة. يشير الشيخ بهذا إلى موقف هاجر عندما تركها زوجها إبراهيم صلوات الله عليه مع ابنها في وادي مكة المجدب والموحش حيث لا أنيس ولا جليس ولا زاد، وليس هناك إلا القدر المرهوب، وقالت له الزوجة الصالحة: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فقالت: إذن لا يضيعنا. وبدأ الرضيع يتلوى جوعا وعطشا، وبدأت الأم تهرول يمينا وشمالا، ثم جاء الملك وغمز بجناحه الأرض فتفجرت زمزم، وشرب الرضيع، وشربت الأم، وبدأ الخير. أكانت هذه المرأة تدرك أن ابنها هذا سيكون من ذريته نبي خاتم؟ سيكون من ذريته شعب كبير؟ سيكون من أثره حضارة تظلل الأرض برحمتها وسناها؟!! من هنا يجيء الاختبار، فإذا كُلِّف الناس أن يفعلوا ما فعلت أم إسماعيل فلكي تتجدد في مسالكهم عواطف الاتكال على الله، الثقة في الله، الإيمان بأن ما عنده أهم مما عندي، ما عندي قد يحرق، قد يسرق، لكن ما عنده لا حرق ولا سرق..(8) وقس على ذلك باقي المناسك، فالحج عبادة رقيقة محبوبة أساسها الوقوف بعرفة، والطواف حول البيت، وبعض شعائر أخرى يمكن استيعابها بيسر دون قلق أو حرج، وعند التأمل في أصل المنسك وما يتركه في القلب من مشاعر، وما يستودعه العقلَ من دلالات نقف على الحكم المتعددة التي تستفاد من كل منسك. رابعا: الحج وفاء وتلبية وإخلاص فالحج وفاء لنداء إبراهيم عليه السلام، وتلبية لأوامر الله تعالى، وتجرد وإخلاص لا شرك فيه، إنهم يجيئون ليترجموا عن وفائهم ويقينهم، ولتبقى دورات التاريخ متصلة المبنى والمعنى، لا يمر عام إلا أقبلت الوفود من كل فج كأنها الحمائم تنطلق من أوكارها، يحثها الشوق إلى مهاد التوحيد وحصنه: "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج: 32) وليس للطائفين نجوى إلا مع الله وحده، شغلهم الشاغل ترديد الباقيات الصالحات، والتقدم بضعف العبيد إلى القوي الكبير أن يجيب سؤالهم ويحقق رجاءهم، ماذا يقولون؟ سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يدعون: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (البقرة: 201). إن الوفود القادمة من القارات الخمس على اختلاف لغاتها وألوانها وأحوالها يجمعها شعور واحد، وتنتظمها عاطفة دينية مشبوبة، وهي تترجم عن ذات نفسها بتلبية تهز الأودية! ويتحول ما أضمرته من إخلاص إلى هتاف بسم الله وحده، لا ذكر هنا إلا لله، ولا جؤار إلا باسمه! ولا تعظيم إلا له! ولا أمل إلا فيه! ولا تعويل إلا عليه. إن المسافات تقاربت بل انعدمت، بين ذكر لله يمر بالفؤاد كأنه خاطرة عابرة، وبين ذكر لله يدوي كالرعد القاصف من أفواج تتدافع إلى غايتها لا تلوي على شيء، ولا يعنيها إلا إعلان ولائها لله الذي جاءت لتزور بيته..(9) إن الإنسانية واحدة من آدم إلى إبراهيم إلى محمد، شرفُها في معرفتها لله وولائها له وحده، وجَهْدُ الشيطان تعكيرُ هذه المعرفة وتقطيع ذلك الولاء، وقد كان إبراهيم نموذجا للنبوات الأولى في حرب الأوثان ومطاردة الشيطان، وقد بنى في مكة هذا البيت الخالد شعارا للتوحيد، ومنارا للعبادة المجردة، ثم جاء خاتم المرسلين فأرسى القواعد لألوف مؤلفة من المساجد التي تتبعه في الوسيلة والهدف، فلا غرابة إذا ارتبطت به وجاء أهلوها في كل عام يجددون العهد..(10) ولا يقال بحال من الأحوال إن بعض الطقوس والمناسك فيها نوع من الشرك أو الوثنية، كالطواف بالبيت، أو تقبيل الحجر، أو غير ذلك؛ لما تقدم، ولأننا نلتزم في ذلك كله أمر الله وأمر رسوله صلوات الله عليه، بل كل لمحة من لمحات الحج تشي بالتوجه الصادق والتوحيد الخالص والإخلاص الكامل. خامسا: الحج وحدة وتجرد ليست هنالك شعيرة من شعائر الإسلام يتمثل فيها معنى الوحدة كما يتمثل في شعيرة الحج، حيث القبلة الواحدة والزي الواحد والرب الواحد والهتاف الواحد، والتجمع الرهيب المهيب يوم عرفة. يقول الشيخ: إن مناسك الحج تنمية لعواطف المسلمين نحو ربهم ودينهم، وماضيهم وحاضرهم، ويكفي أنها تجمعهم من أطراف الأرض شعثا غبرا لا تفريق بين ملك وسوقة، ولا بين جنس وجنس، ليقفوا في ساحة عرفة في تظاهرة هائلةٍ، الهُتافُ فيها لله وحده، والرجاء في ذاته، والتكبير لاسمه، والضراعة بين يديه، فقر العبودية ظاهر، وغنى الربوبية باهر، ومن قبل الشروق إلى ما بعد الغروب لا ذكر إلا لله، ولا طلب إلا منه سبحانه..(11) إن هذه الحشود المتكاتفة يمكن أن تُكَون مظاهرة متلاطمة الأمواج، الهتاف فيها ليس لبشر، إنما الهتاف فيها لرب الأرض والسماء، لا يملأ أذنيك إلا طنينٌ ضخم من كل ناحية بين تلبية وتكبير وتقديس وتمجيد، الحناجر تنشق بالهتاف لله وحده طلبا لرضاه، وانتظارا لجداه، ورغبة في ثوابه، ورهبة من عقابه..(12) وفي موسم الحج تلتقي مكة بالوفود المقبلة من كل فج عميق، تلتقي بأفراد الإنسانية الموحدة المهتدية المحبة لله وللمسجد الأول أبي المساجد في القارات كلها تتصافح الوجوه وتتعارف النفوس على تلبية النداء الصادر بحج البيت، النداء الذي صدر من قديم، وزاده الإسلام قوة ووحدة..(13) ويوم عرفة فريد في معناه ومظهره، لا تسمع فيه إلا تأوهات التائبين، وأنين الخاشعين، وضراعة المفتقرين، إنها الإنسانية المستجيرة بربها، النازلة بساحته مؤملة في خزائن لا تنفد، وعطف لا يغيض..(14) وذلك أن الحاج إنسان متبتل إلى الله، متلهف على رضاه، متطلع إلى مثوبته، متخوف من عقوبته، يتحرك كل شيء في بدنه بمشاعر الشوق والرغبة والحب، ولا أعرف تجمعا أهلا لرحمة الله ومغفرته كهذا التجمع الكريم..(15) سادسا: الحج ثقة في الله وتوكل عليه اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي ملايين المسلمين في بيت الله الحرام يؤدون فريضة الحج إن التوكل شعور نفيس غريب، وهو أغلى من أن يخامر أي قلب، إنه ما يستطيعه إلا امرؤ وثيق العلاقة بالله، حساس بالاستناد إليه والاستمداد منه، وعندما ينقطع عون البشر، وتتلاشى الأسباب المرجوة، وتغزو الوحشة أقطار النفس، فهلا يردها إلا هذا الأمل الباقي في جنب الله، عندئذ ينهض التوكل يرد الوساوس وتسكين الهواجس..(16) وإن أبرز شيء في الحج نأخذ منه هذا الدرس هي قصة هاجر زوج إبراهيم وأم إسماعيل كما نقلنا عنها سابقا قولها لزوجها: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فقالت: إذن لا يضيعنا. يقول الشيخ معقبا على هذا القول: ماذا نفهم من هذا؟ نفهم من هذا أن الإنسان عندما يعتمد على ربه فإنه يعتمد على مصدر القوى ومنبع الخير وسائق الفضل، وأن الإنسان إذا صدق إيمانه ربا توكله، وازدادت بالله ثقته، وضعفت علاقاته بالماديات..(17) وليس معنى انقطاع الإنسان عن كل ما سوى الله أن يتواكل ويستكين، كلا. كلا، إن المرأة لما قالت: لا يضيعنا. ما استكانت ولا ركنت إلى غير الأخذ بالأسباب بل أخذت تهرول وتسعى حتى ساق الله لها الرزق، وأجرى لها الخير. فتدخلت السماء وتفجرت زمزم وغنى الوادي بعد وحشة، وصار الرضيع المحرج أمة كبيرة العدد عظيمة الغناء، ومن نسله صاحب الرسالة العظمى، ومن شعائر الله هذا التحرك بين الصفا والمروة تقليدا لأم إسماعيل، وهي ترمق الغيب بأمل لا يغيب. فما أحوج أصحاب المثل إلى عاطفة التوكل، إنها وحدها تكثرهم من قلة، وتعزهم من ذلة، وتجعل من تعلقهم بالله حقيقة محترمة..(18) وكذلك زوجها وهو رجل واحد توكل على الله فنصره وجعل قُوى الشر تتهاوى أمامه، وتتدحرج تحت أقدامه، فاستطاع أن يقيم دعوة التوحيد وينشر رسالته الكبرى. يقول الشيخ في نظرة إلى حال العرب معقبا على هذا المشهد: التوكل على الله شيء خطير، ولو أن العرب أهل إيمان، ولو أنهم فعلا يئسوا من الخلق واعتمدوا على الخالق لنصرهم كما نصر نبيهم صلى الله عليه وسلم ولسقاهم كما سقى امرأة في صحراء لا تجد هي ولا رضيعها شيئا. إن التوكل على الله شيء خطير، وعندما تساق الأمة إلى مكان نبع الماء فيه من صحراء لا ماء فيها ولا زرع ولا ضرع يعرف الناس أن الانقطاع عن الله جريمة، وأن الانقطاع إليه هو الاتصال كله وهو الخير كله............لمتابعة الموضوع كاملا
  3. الحج في فكر الشيخ محمد الغزالي إعداد: موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين مقدمة الحج هو الشعيرة الخامسة من شعائر الإسلام الكبرى، رحلة يطوي فيها المسلم بعده عن البيت العتيق؛ ليتفقد سيرة أبيه إبراهيم، ورسوله الكريم، يحدوه فيها الشوق والوجد، وتغمره خلالها مشاعر الرضا والفرحة، ويستشعر فيها ضعفه وحاجته، ويتجسد أمامه ضعف العبودية، ويرى بعين قلبه عظمة الربوبية، تاركا وطنه وأهله وماله، متوجها بقلبه وجسده وعقله إلى الله، طالبا منه العفو والصفح والقبول دون سواه. ولقد تحدث الداعية الكبير الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله عن هذه الشعيرة العظيمة حديثا لا تكاد تجده على هذا النحو عند أحد من علمائنا رضي الله عنهم وقدم فيه أفكارا جديدة، وأشار إلى لفتات إيمانية وروحية، ووضع أيدينا على جوانب اجتماعية وسياسية لا يسعنا إلا أن نقف أمامها نأخذ الموعظة البليغة والعبرة النافعة من هذه النظرة الفريدة التي تمثلت فيما يلي: أولا: الحج نداء قديم جديد في زحمة الحياة ومعركة الخبز التي تسود الأرجاء وترهق الأعصاب، وفي زحام الحياة والناس يلهثون وراء مآربهم القريبة والبعيدة، كان هناك أشخاص آخرون يخلصون بأنفسهم بعيدا، ويصغون إلى نداء آخر يجيء من وراء القرون، ويتردد صداه على اختلاف الليل والنهار، هو في نظر الشيخ نداء قديم جديد. قديم لأن أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام أول من أعلنه، وصدع بأمر الله حين قال له: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ". (الحج: 27) ،وجديد لأن خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ندب إليه وقاد قوافله ووضع مناسكه وبين ما رصد الله له من جوائز وربط به من منافع، وكان آخر عهده بالجماهير الحاشدة وهي تصيح إليه في حجة الوداع يزودهم بآخر وصاياه وأحفلها بالخير والبر..(1) ثانيا: الحج طاعة مطلقة وانقياد تام وتناغم كامل والحج في فكر الشيخ الغزالي يرحمه الله طاعة مطلقة لله تعالى، وانقياد لأمره، وتناغم بين الحجيج والملكوت والكائنات جميعا، فوفود الحج وهي تنطلق صوب البيت العتيق مخلفة وراءها مشاغل الدنيا، وهاتفة بأصواتها خاشعة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك إن هذه الوفود تؤكد ما يجب على الناس جميعا لله سبحانه وتعالى من طاعة مطلقة، وانقياد تام، وذكر وشكر، وتوحيد وتمجيد. ويتساءل الشيخ في هذا الصدد قائلا: هل العالم يتذوق هذه المعاني؟ ويستشعر حلاوتها؟ كلا، فما أكثر التائهين عن الله، والمتمردين على حقوقه، ما أكثر العابدين بغير ما شرع، والحاكمين بغير ما أنزل، إن هؤلاء العاصين نغمة شاذة في كون يسبح بحمد ربه: "أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ" (آل عمران: 83) دع عنك هؤلاء التائهين، وارمق الوفود المنطلقة صوب مكة تجأر بالتلبية، ويسير بها البر والبحر والجو، إن جؤارها بالتلبية يصدقه كل شيء في البر والبحر والجو، فالمُلبِّي حين يرفع عقيرته مناجيا ربه ومصدقا أخاه، ومقررا أشرف حقيقة في الوجود يتجاوب معه الملكوت الساجد طوعا وكرها، أو يتجاوب معه الملكوت الذي يبارك رحلته ويحترم حجته، فلا عجب أن يتجانس الكون المسبح بحمد الله مع إنسان انخلع عن نفسه، وانطلق في سفر صالح يبتغي مرضاة الله. وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا وها هنا"..(2) إنه هتاف ينفرد به أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وحملة راية التوحيد، أما غيرهم فهم بين معطل ومشرك وجاحد ومنحرف، إن لهم هتافا آخر يمثل عبوديتهم للتراب ولما فوق التراب من دنايا وخزعبلات..(3) ثالثا: أفعال الحج ترتبط بأحكأم لا ينكرها العقل وإذا كان الحج طاعة مطلقة وانقيادا تامًّا فليس معنى ذلك أن العقل ليس له مدخل في شعائره ومناسكه يتذوقها ويقف على الحِكَم المستفادة منها، فكثير من الناس يظن أن أفعال الحج ومناسكه مبهمة وغامضة، وأن الله جل شأنه اختبر الناس بما يعقلون فسمعوا وأطاعوا، فاختبرهم بما لا يعقلون حتى يتبين له كيف يسمعون وكيف يطيعون. ويؤكد الشيخ الغزالي أن هذا كلام بعيد عن الصحة؛ إذ الواقع أن أعمال الحج لها حكم معقولة، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها، وينبغي أن تدرس هذه الحكم بأناة، وأن تعرف حقائقها حتى يدرك الناس أن الإسلام ليس دين أوهام أو أضغاث أحلام، هذا دينٌ كلُّ شيء فيه له حكمته وله معناه. فمن مناسك الحج الطواف بالبيت، هل له حكم معقولة؟ ويذكر الشيخ الغزالي أربع نقاط في هذا المنسك توضح معقوليته والحكمة منه: * الأولى: أن هذا البيت هو أول بيت وضع للناس، وزاده الله تشريفا، فمن حق أول بيت أقيم ليكون قلعة التوحيد، ومثابة للموحدين، وملتقى للمؤمنين المخلصين، من حقه أن تكون له مكانة خاصة؛ ولهذا يجيئه الرواد من كل أفق، والحجاج من كل فج، يطيرون إليه كما تطير الحمائم إلى أوكارها، في أفئدتهم حنين، وفي قلوبهم مشاعر ملتاعة. * الثانية: أن المسلمين في المشارق والمغارب في الشمال والجنوب يولون وجوههم شطر هذا المسجد في كل صلاة تقام في القارات كلها، ومن حق الذين اتخذوا المسجد قبلة لهم أن يبعثوا كل عام منهم الوفد المستطيع لكي يرى قبلته، كي يحج إليها ويزورها. * الثالثة: أن هذه الأمة الإسلامية إنما ولدت في التاريخ إثر دعوة صالحة مستجابة للأنبياء الذين وضعوا حجر الأساس في هذا البيت العتيق ونهضوا به وأعلوا دعائمه: "وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ" (البقرة: 127-129) "وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ" هي أمتنا، "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ" هو رسولنا صلى الله عليه وسلم صاحب الإمامة العامة في محراب العبادة لخلق الله كلهم، فمن حقنا، ونبيِّنا وأمتنا وتاريخنا نتيجة دعوة في بناء هذا البيت، أن نزور هذا البيت، وإذا لم يحج المسلمون إلى البيت الذي بدأ عنده تاريخهم فأين يحجون؟ وإذا لم يقصدوا البيت الذي كان نبيهم دعوة مخبوءة في ضمير عند بنائه استجابها الله وباركها، فأين يقصدون؟. * الرابعة: أن الله عز وجل أراد أن يكرم الأمة العربية، فكرمه بأنه حمل الرسالة الخاتمة، وعندما أمر الناس أن يتوجهوا لهذا البيت العتيق قال لنا نحن الذين نقرأ القرآن وننطق باللغة العربية أنا فعلت هذا تشريفا لكم، وإتماما للنعمة عليكم، كما شرفناكم بابتعاث النبي الخاتم منكم عليه الصلاة والسلام..(4) وقد قال الله تعالى: "كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ"(البقرة: 151) على أن من يزور البيت لا يعبد البيت إنما يعبد رب البيت، والطواف كما أجمع العلماء صلاة لابد لها من طهارة البدن، ولابد فيها من خلوص القلب لله، ومن زعم أن الكعبة كلها أو بعضها يضر أو ينفع فهو خارج عن الإسلام، ومن هنا نفهم ما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك..(5) وإذا كان بعض المغفلين يزعم أن تقبيل الحجر الأسود نوع من الوثنية فليكن تقبيل الملوك والرؤساء لأعلام دولهم نوعا أيضا من الوثنية ومن عبادة الأقمشة!! من قال هذا؟ إذا كان الأمر لا يعدو ترجمة لمشاعر الولاء لله فليس في هذا شيء، ونحن في هذا نلتزم ما ورد..(6) ومن حق رب البيت أن يضع طريقا لزيارة بيته، فإذا جعلها طوافا من سبعة أشواط فليس في الأمر ما يستغرب، ففي طول الدنيا وعرضها توضع طرائق شتى للاستقبالات والاستعراضات..(7) ومن مناسك الحج التي يظنها كثير من الناس غير معقولة: السعي بين الصفا والمروة وفي بيان الحكمة منه يقول الشيخ: إن الإنسان مادي حسي، والأسباب الحسية هي التي تملكه أو هي التي تحكمه، يوم يكون في يده مال يقول: مالي في يدي، فهو يعتز به، لكن يوم يكون المال وعدا في الغيوب، وأملا في المستقبل، ورجاء عند الله، فإن قلبه يضطرب، ويقول ليس معي شيء. والحق أن الرزق غيب، ولا يؤمن برزق الله إلا أصحاب الإيمان الراسخ، والنصر غيب، ولا يؤمن بنصر الله إلا أصحاب الإيمان الراسخ... هذا النوع من الإيمان قلما يوجد، لكنه عدة المصلحين، كلما أظلم الليل عليهم ولم يجدوا بصيصا من نور اطمأنوا إلى أن فجرا سيجيء فهم ينتظرون بريقه بثقة. يشير الشيخ بهذا إلى موقف هاجر عندما تركها زوجها إبراهيم صلوات الله عليه مع ابنها في وادي مكة المجدب والموحش حيث لا أنيس ولا جليس ولا زاد، وليس هناك إلا القدر المرهوب، وقالت له الزوجة الصالحة: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فقالت: إذن لا يضيعنا. وبدأ الرضيع يتلوى جوعا وعطشا، وبدأت الأم تهرول يمينا وشمالا، ثم جاء الملك وغمز بجناحه الأرض فتفجرت زمزم، وشرب الرضيع، وشربت الأم، وبدأ الخير. أكانت هذه المرأة تدرك أن ابنها هذا سيكون من ذريته نبي خاتم؟ سيكون من ذريته شعب كبير؟ سيكون من أثره حضارة تظلل الأرض برحمتها وسناها؟!! من هنا يجيء الاختبار، فإذا كُلِّف الناس أن يفعلوا ما فعلت أم إسماعيل فلكي تتجدد في مسالكهم عواطف الاتكال على الله، الثقة في الله، الإيمان بأن ما عنده أهم مما عندي، ما عندي قد يحرق، قد يسرق، لكن ما عنده لا حرق ولا سرق..(8) وقس على ذلك باقي المناسك، فالحج عبادة رقيقة محبوبة أساسها الوقوف بعرفة، والطواف حول البيت، وبعض شعائر أخرى يمكن استيعابها بيسر دون قلق أو حرج، وعند التأمل في أصل المنسك وما يتركه في القلب من مشاعر، وما يستودعه العقلَ من دلالات نقف على الحكم المتعددة التي تستفاد من كل منسك. رابعا: الحج وفاء وتلبية وإخلاص فالحج وفاء لنداء إبراهيم عليه السلام، وتلبية لأوامر الله تعالى، وتجرد وإخلاص لا شرك فيه، إنهم يجيئون ليترجموا عن وفائهم ويقينهم، ولتبقى دورات التاريخ متصلة المبنى والمعنى، لا يمر عام إلا أقبلت الوفود من كل فج كأنها الحمائم تنطلق من أوكارها، يحثها الشوق إلى مهاد التوحيد وحصنه: "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" (الحج: 32) وليس للطائفين نجوى إلا مع الله وحده، شغلهم الشاغل ترديد الباقيات الصالحات، والتقدم بضعف العبيد إلى القوي الكبير أن يجيب سؤالهم ويحقق رجاءهم، ماذا يقولون؟ سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ثم يدعون: "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (البقرة: 201). إن الوفود القادمة من القارات الخمس على اختلاف لغاتها وألوانها وأحوالها يجمعها شعور واحد، وتنتظمها عاطفة دينية مشبوبة، وهي تترجم عن ذات نفسها بتلبية تهز الأودية! ويتحول ما أضمرته من إخلاص إلى هتاف بسم الله وحده، لا ذكر هنا إلا لله، ولا جؤار إلا باسمه! ولا تعظيم إلا له! ولا أمل إلا فيه! ولا تعويل إلا عليه. إن المسافات تقاربت بل انعدمت، بين ذكر لله يمر بالفؤاد كأنه خاطرة عابرة، وبين ذكر لله يدوي كالرعد القاصف من أفواج تتدافع إلى غايتها لا تلوي على شيء، ولا يعنيها إلا إعلان ولائها لله الذي جاءت لتزور بيته..(9) إن الإنسانية واحدة من آدم إلى إبراهيم إلى محمد، شرفُها في معرفتها لله وولائها له وحده، وجَهْدُ الشيطان تعكيرُ هذه المعرفة وتقطيع ذلك الولاء، وقد كان إبراهيم نموذجا للنبوات الأولى في حرب الأوثان ومطاردة الشيطان، وقد بنى في مكة هذا البيت الخالد شعارا للتوحيد، ومنارا للعبادة المجردة، ثم جاء خاتم المرسلين فأرسى القواعد لألوف مؤلفة من المساجد التي تتبعه في الوسيلة والهدف، فلا غرابة إذا ارتبطت به وجاء أهلوها في كل عام يجددون العهد..(10) ولا يقال بحال من الأحوال إن بعض الطقوس والمناسك فيها نوع من الشرك أو الوثنية، كالطواف بالبيت، أو تقبيل الحجر، أو غير ذلك؛ لما تقدم، ولأننا نلتزم في ذلك كله أمر الله وأمر رسوله صلوات الله عليه، بل كل لمحة من لمحات الحج تشي بالتوجه الصادق والتوحيد الخالص والإخلاص الكامل. خامسا: الحج وحدة وتجرد ليست هنالك شعيرة من شعائر الإسلام يتمثل فيها معنى الوحدة كما يتمثل في شعيرة الحج، حيث القبلة الواحدة والزي الواحد والرب الواحد والهتاف الواحد، والتجمع الرهيب المهيب يوم عرفة. يقول الشيخ: إن مناسك الحج تنمية لعواطف المسلمين نحو ربهم ودينهم، وماضيهم وحاضرهم، ويكفي أنها تجمعهم من أطراف الأرض شعثا غبرا لا تفريق بين ملك وسوقة، ولا بين جنس وجنس، ليقفوا في ساحة عرفة في تظاهرة هائلةٍ، الهُتافُ فيها لله وحده، والرجاء في ذاته، والتكبير لاسمه، والضراعة بين يديه، فقر العبودية ظاهر، وغنى الربوبية باهر، ومن قبل الشروق إلى ما بعد الغروب لا ذكر إلا لله، ولا طلب إلا منه سبحانه..(11) إن هذه الحشود المتكاتفة يمكن أن تُكَون مظاهرة متلاطمة الأمواج، الهتاف فيها ليس لبشر، إنما الهتاف فيها لرب الأرض والسماء، لا يملأ أذنيك إلا طنينٌ ضخم من كل ناحية بين تلبية وتكبير وتقديس وتمجيد، الحناجر تنشق بالهتاف لله وحده طلبا لرضاه، وانتظارا لجداه، ورغبة في ثوابه، ورهبة من عقابه..(12) وفي موسم الحج تلتقي مكة بالوفود المقبلة من كل فج عميق، تلتقي بأفراد الإنسانية الموحدة المهتدية المحبة لله وللمسجد الأول أبي المساجد في القارات كلها تتصافح الوجوه وتتعارف النفوس على تلبية النداء الصادر بحج البيت، النداء الذي صدر من قديم، وزاده الإسلام قوة ووحدة..(13) ويوم عرفة فريد في معناه ومظهره، لا تسمع فيه إلا تأوهات التائبين، وأنين الخاشعين، وضراعة المفتقرين، إنها الإنسانية المستجيرة بربها، النازلة بساحته مؤملة في خزائن لا تنفد، وعطف لا يغيض..(14) وذلك أن الحاج إنسان متبتل إلى الله، متلهف على رضاه، متطلع إلى مثوبته، متخوف من عقوبته، يتحرك كل شيء في بدنه بمشاعر الشوق والرغبة والحب، ولا أعرف تجمعا أهلا لرحمة الله ومغفرته كهذا التجمع الكريم..(15) سادسا: الحج ثقة في الله وتوكل عليه اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي اضغط على الصورة لرؤيتها بالحجم الطبيعي ملايين المسلمين في بيت الله الحرام يؤدون فريضة الحج إن التوكل شعور نفيس غريب، وهو أغلى من أن يخامر أي قلب، إنه ما يستطيعه إلا امرؤ وثيق العلاقة بالله، حساس بالاستناد إليه والاستمداد منه، وعندما ينقطع عون البشر، وتتلاشى الأسباب المرجوة، وتغزو الوحشة أقطار النفس، فهلا يردها إلا هذا الأمل الباقي في جنب الله، عندئذ ينهض التوكل يرد الوساوس وتسكين الهواجس..(16) وإن أبرز شيء في الحج نأخذ منه هذا الدرس هي قصة هاجر زوج إبراهيم وأم إسماعيل كما نقلنا عنها سابقا قولها لزوجها: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. فقالت: إذن لا يضيعنا. يقول الشيخ معقبا على هذا القول: ماذا نفهم من هذا؟ نفهم من هذا أن الإنسان عندما يعتمد على ربه فإنه يعتمد على مصدر القوى ومنبع الخير وسائق الفضل، وأن الإنسان إذا صدق إيمانه ربا توكله، وازدادت بالله ثقته، وضعفت علاقاته بالماديات..(17) وليس معنى انقطاع الإنسان عن كل ما سوى الله أن يتواكل ويستكين، كلا. كلا، إن المرأة لما قالت: لا يضيعنا. ما استكانت ولا ركنت إلى غير الأخذ بالأسباب بل أخذت تهرول وتسعى حتى ساق الله لها الرزق، وأجرى لها الخير. فتدخلت السماء وتفجرت زمزم وغنى الوادي بعد وحشة، وصار الرضيع المحرج أمة كبيرة العدد عظيمة الغناء، ومن نسله صاحب الرسالة العظمى، ومن شعائر الله هذا التحرك بين الصفا والمروة تقليدا لأم إسماعيل، وهي ترمق الغيب بأمل لا يغيب. فما أحوج أصحاب المثل إلى عاطفة التوكل، إنها وحدها تكثرهم من قلة، وتعزهم من ذلة، وتجعل من تعلقهم بالله حقيقة محترمة..(18) وكذلك زوجها وهو رجل واحد توكل على الله فنصره وجعل قُوى الشر تتهاوى أمامه، وتتدحرج تحت أقدامه، فاستطاع أن يقيم دعوة التوحيد وينشر رسالته الكبرى. يقول الشيخ في نظرة إلى حال العرب معقبا على هذا المشهد: التوكل على الله شيء خطير، ولو أن العرب أهل إيمان، ولو أنهم فعلا يئسوا من الخلق واعتمدوا على الخالق لنصرهم كما نصر نبيهم صلى الله عليه وسلم ولسقاهم كما سقى امرأة في صحراء لا تجد هي ولا رضيعها شيئا. إن التوكل على الله شيء خطير، وعندما تساق الأمة إلى مكان نبع الماء فيه من صحراء لا ماء فيها ولا زرع ولا ضرع يعرف الناس أن الانقطاع عن الله جريمة، وأن الانقطاع إليه هو الاتصال كله وهو الخير كله............لمتابعة الموضوع كاملا
  4. اذكروا فلسطين إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين بقلم / الأستاذ صالح عشماوي ... الوكيل العام لجماعة الإخوان المسلمين هل أتاك حديث القبلة الأولى ومقر المسجد الأقصى؟ هل سمعت أنباء البلاء الذي ينصب على عرب فلسطين المسلمين؟ هل قرأت ما يعانيه المجاهدون في فلسطين من فظائع وتعذيب وتنكيل؟ هل وصل إلى آذانك صوت القنابل يمزق أجساد المصلين والديناميت ينسف بيوت الآمنين؟ هل ترامى إليك خبر تمزيق القرآن الكريم وهتك أعراض المسلمات والمسلمين؟ هل علمت أن العربي في فلسطين يؤخذ إلى مكان أثبتت في أرضه قطع الزجاج ورءوس المسامير ويكرهونه على المشي والقفز فوقها فإذا تلكأ انهالت السياط عليه فلا يزال يقوم ويقع والدم ينزف من رجليه ويديه وسائر جسمه، حتى يرتمي آخر الأمر منهوكا أو مغمى عليه، وينزعون ثيابه ثم يضربونه بألواح من الخشب دقت فيها مسامير فيسيل دمه، ويركبونه على خشبة ويربطون في رجليه أثقالا من أكياس الرمل حتى يغمى عليه ويقرنون رجليه ويربطون إبهامه بسلك من الحديد ثم يشدونه حتى تكاد إبهامه تتقطع، ويلقون على ظهره ويربطون أعضائه التناسلية برباط متصل ببكرة في السقف ثم يجذبون الحبل شيئا فشيئا حتى يغمى عليه، ويقلعون أظافره بكلاليب خاصة، واحد بعد واحد، ويشدونه من شاربه ولحيته إذا كان ملتحيا وينتفون شعره ويصبون الماء في فمه بواسطة محقن خاص حتى يملأ جوفه وينتفخ كالقربة فيتألم أشد الألم، ويحمون أسياخ الحديد أمامه حتى تلتهب كالجمر ثم ينخسونه بأطرافها ويأتون بالمسامير المحماة بالنار ويغرزونها تحت أظافره! هل سمعت كل هذا أو قرأته، ووصل إلى علمك وترامى نبأه إليك؟! كم كنت أحب ألا تكون سمعت أو قرأت أو فهمت حتى أبرر جمودك وأفهم السبب في سكوتك ولكني أقول والأسف يملأ جوانبي، ما من مصري إلا وسمع هذا أو بعضه ومع ذلك فالمصريون جامدون والمسلمون ساكتون! لا وربي بل أنهم يرقصون ويطربون وينعمون أو يضحكون، أي ثأر بين مصر وفلسطين أي عداء قيم وجفاء دفين بين فلسطين المقدسة ومصر الزعيمة، أهو لجوار وذكريات الماضي أم الوحدة في اللغة والعادات والدين. في مصر عمارات عالية تشيد وتبنى وفي فلسطين بيوت قائمة تنسف وتمحى. في مصر رجال يتخمون من الأكل وفي فلسطين رجال وأطفال يبيتون على الطوى. في مصر رجال يتكئون على الأرائك ويركبون السيارات وفي فلسطين رجال يسيرون حفاة الأقدام يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء!. في مصر نساء يتزين بأبهج الملابس وأثمن الجواهر وفي فلسطين نساء يتشحن بالسواد! في مصر في كل بيت وحي فرح وطرب وفي فلسطين في كل بيت مأتم وحداد! أهكذا يكون موقف الجار من جاره والمسلم من أخيه "ومصر الزعيمة" من فلسطين الشقيقة! إن فلسطين ليست ملك العرب ولكنها للمسلمين جميعا، إن الأرض التي بارك الله حولها وأسرى رسوله الكريم صلوات الله عليه وسلامه إليها وقام فيها المسجد الأقصي ومنه عرج النبي الأمين إلى السموات العلى إلى سدرة المنتهى، لهي أرض عزيزة على نفس كل مسلم وتراث خالد لكل مؤمن يفتديه بالمال والنفس. إن قيام دولة يهودية على حدود مصر الشرقية لتهدنا في كياننا وفي استقلالنا وفي تجارتنا وفي أخلاقنا وفضائلنا، أليس اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا؟ أليسوا أصحاب المذاهب الهدامة من شيوعية وإباحية؟ فإلى الذين يؤمنون بأن مصر فرعونية نقول لهم إن استقلال مصر أمسى في خطر الزوال بقيام دولة اليهود في فلسطين وإلى الذين يؤمنون بالله ورسوله نقول لهم إن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأرض المقدسة واستخلاصها للمسلمين أضحى فرض عين على كل مسلم ومسلمة. إلى الذين لا يؤمنون بوطن ولا دين ولا يعبدون إلا الدينار ولا يسبحون إلا بحمد الله نقول له أن آمالكم وأطماعكم وشهواتكم مهددة جميعًا بإنشاء دولة الصهيون في فلسطين. أمام هذه الكارثة القومية والإسلامية وإزاء تلك الفاجعة التي اختلطت فيها المصلحة الوطنية بالواجبات الدينية ماذا فعلت مصر وماذا فعل المصريون؟‍! في مصر قرآن يتلى في الصباح والمساء وفي مصر مسلمون يسمعون قول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة الآية 111] وينصتون إلى آياته الكريمة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [سورة الحجرات الآية 15] ويقرع آذانهم قول الله (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [سورة التوبة الآية 24] ، وتصل إلى أعماق قلوبهم (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [سورة آل عمران الآية 169،170]. وفي مصر أزهر وللأزهر شيخ والأزهر معقل الإسلام والشيخ إمام المسلمين فماذا فعل الأزهر وماذا الشيخ فعل؟! أما الأزهر فقام بمظاهرة صامتة في عصر نطق فيه الحديد وتحرك الجماد؟ وأما الشيخ فأرسل احتجاجًا فاترًا إلى رئيس الوزراء لعله من باب "سد الخانة" ثم هدأ مستريحًا كأنه أرضى بذلك الله ورسوله، ثم جمع هيئة كبار العلماء فحبسنا أنفاسنا وانتظرنا القرارات، ثم تمخض الجبل فولد فارا فإذا بالأمر لم يخرج عن حد احتجاج لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به ثم قرار آخر خطير وهو الدعاء بنصرة عرب فلسطين! أيها الضعفاء هلا قرأتم ما قرر علماء بغداد من إعلان الجهاد المقدس؟ وفي مصر حكومة إسلامية بل وصلت إلى الحكم باسم الإسلام يعلن رئيسها أنه "رئيس وزراء مصر لا رئيس وزراء فلسطين". وفي مصر أحزاب سياسية وللأحزاب زعماء فماذا فعلت الأحزاب وماذا فعل الزعماء؟ منهم من نام نوم أهل الكهف ومنهم من يستغل القضية لشهوة حزبية ومنفعة شخصية فيلوح للإنكليز باليمين بالعداء ويلوح لهم بالشمال بغصن الزيتون إذا أعادوه إلى الحكم. وفي مصر جمعيات إسلامية تعمل للإسلام وتدافع عن الإسلام ماذا فعلت وماذا كان أثرها؟ لم تفعل إلا قليلا وما كان جهدا إلا ضعيفا. وفي مصر شباب ضحى في سنة 1919 باسم الوطنية، واستشهد في سنة 1935 في سبيل دستور وضعي يحلونه عامًا ويحرمونه أعوامًا. فهل هذا جهد مصر قائدة الشرق وزعيمة العالم الإسلامي؟ عندما أعلنت الحرب الإيطالية الحبشية رأينا لها جهدًا أكبر ونشاطا أغزر: رأينا أميرًا جليلا يتحرك ويرأس الاجتماعات ويجمع التبرعات ورأينا نبيلا يمتشق الحسام ويسافر إلى بلاد خط الاستواء على ما بها من أمراض ووباء.. فأروني أميرًا تحرك لفلسطين ودلوني على نبيل – أو نصف نبيل – ولى إلى القبلة الأولى مجاهدًا في سبيل الله والدين؟ في القضية الحبشية رأينا رئيسًا لجمعية إسلامية يشد الرحال إلى الحبشة على رأس بعثة طبية ليضمد الجرحى ويواسي أهل القتلى.. فأروني رئيس جمعية إسلامية شد الرحال إلى المسجد الأقصى؟ في أبان الحرب الحبشية رأينا الصحف تملأ صفحاتها بأخبار الحرب وتسجل كل صغيرة وكبيرة عنها، فأروني جريدة تفتح صفحاته لقضية فلسطين وتكتب عن أهم حوادثها لا عن أتفه أخبارها؟ في أثناء الغزو الإيطالي للحبشة رأينا اجتماعات تعقد وتبرعات تبلغ مئات الألوف تجمع، فأروني أي اجتماع عقد في مصر لفلسطين وكم مبلغ التبرعات التي جمعت؟ إن البوليس المصري ليطارد الإخوان المسلمين في الشوارع وفي المساجد ويقبض عليهم ويفتش دورهم ودار جمعيتهم لأنهم يجمعون القروش والدراهم من أجل منكوبي فلسطين! ظلموك يا مصر يوم نادوا بك قائدة للشرق وظلموك مرة أخرى يوم بايعوك لزعامة الإسلام. أيها الوزراء اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فكونوا كوزراء العراق البواسل الذين لم تمنعهم مجاملة من القيام بواجبهم أمام الغاصبين. أيها الزعماء اذكروا فلسطين فوحدوا الأحزاب وأعلنوها صرخة على اليهود والمستعمرين. أيها العلماء اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فاهجروا الصوامع وأعلنوا الجهاد في سبيل الله والدين. أيها الشباب اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فاتركوا اللهو واحملوا السلاح وسيروا إلى الأرض المقدسة مجاهدين. فإما يأتينكم نصر الله فترفعوا لواء الإسلام في أعلا عليين وإما يغيب عنكم النصر فحسبكم أن تلقوا الله شهداء مشكورين.
  5. تاريخ الإخوان المسلمون في اليمن إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين عبده مصطفى دسوقي كانت زيارة الإمام البنا للمملكة العربية السعودية في أول رحلة حج سنة 1354هـ / 1936م هو بمثابة اتصال مباشر بالشعوب الخارجية وتعريفهم بمفاهيم الدعوة ومبادئها الصحيحة وهي التي أجمع عليها وفود الدول التي شاركت في رحلة الحج في هذا العام بعد أن شرح لهم الإمام البنا وسطية الإسلام أثناء المؤتمر الذي دعا إليه الملك عبدالعزيز آل سعود. وإن كان هذا انطبق على الدول كلها إلا أن اليمن كان لها طبيعة خاصة في ذلك التوقيت حيث كانت تحت حكم الإمام يحيى بن الإمام المنصور بالله محمد بن يحيى حميد الدين، ومؤسس المملكة المتوكلية اليمنية وهو إمام اليمن من عام 1901م و حتى عام 1948م، غير أنه عزل البلد عن باقي بلاد العالم حتى عاشت فى طي النسيان، ورزخت في الجهل والتخلف حتى قامت ضد ثورة بزعامة ابن الوزير أدت في النهاية لمقتل الإمام يحيي وتولى ابن الوزير. كان أول اتصال للإمام البنا باليمن في حفل أقامته جمعية الشبان المسلمين في ذكرى الهجرة سنة 1348هـ الموافق يونيو سنة 1929م بعد المحاضرة التي ألقاها الإمام البنا بعنوان: "ذكرى يوم الهجرة والدعوة الإسلامية وأثرها"، حيث التقى مع السيد محمد زبارة الحسن اليمني أمير قصر السعيد في صنعاء حينذاك وتحدثا طويلاً عن مصر وعن اليمن، وعن انتشار الإلحادية والإباحية المستشري في ذلك الوقت ووجوب الوقوف أمامه بكل القوى. ثم توطدت الصداقة بينهما من ذلك العهد، وعرض السيد محمد زبارة على الإمام الشهيد العمل مدرسًا باليمن، ودارت مخاطبات بهذا الخصوص بين الإمام الشهيد وبين سيف الإسلام محمد ابن الإمام يحيى ملك اليمن في ذلك الوقت، لكن الفكرة لم تنفذ للعقبات الرسمية بين الحكومة المصرية والحكومة اليمنية. وزار السيد محمد زبارة الإمام الشهيد في الإسماعيلية، ومكث معه ثلاثة أيام وشاهد منشآت الإخوان ومؤسساتهم "معهد حراء الإسلامي، ومدرسة أمهات المؤمنين، وفرقة الرحلات، ورأى الإخوان في دروسهم ومحاضراتهم ولمس ما تفيض به نفوسهم من حب وإخاء وغيرة على الإسلام والمسلمين، فأعجب بذلك كله أيما إعجاب، واستمرت هذه الصلة بينه وبين الإمام الشهيد والإخوان بعد ذلك قوية ومتينة. ولقد اهتم الإخوان بالصدام الذي وقع بين الإمامين الإمام يحيي بن حميد إمام اليمن والملك عبدالعزيز آل سعود فعمل الإمام البنا على تهدأت الجو بينهما وكتب تحت عنوان (إلى الإمامين العربيين) يقول فيه: بين الملك ابن السعود وبين الإمام يحيى بن حميد الدين خلاف تتراءى أنباؤه الفينة بعد الفينة على صفحات الجرائد، ولسنا نعلم أنباء تهتز لها قلوب العالم الإسلامى إشفاقًا وفَرَقًا أعظم مما تهتز لهذه الأنباء. إنا نمسك بالجريدة فأول ما تبحث عنه العين ماذا فى جزيرة العرب، أو بين الملكين العربيين، أو الخلاف بين نجد واليمن، أو نحو ذلك من العناوين، فإذا وجدنا تحت العنوان ما يبشر بانفراج الأزمة وانتهاء أمد الخلاف تنفسنا الصعداء وحمدنا الله تعالى، ودعوناه كثيرًا أن يديم الوحدة والولاء بين زعماء المسلمين حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولاً، وإذا رأينا غير ذلك خفقت القلوب واحتبست الأنفاس وتصعدت الدعوات حارة إلى الهر تبارك وتعالى أن يدفع عن الإسلام والعرب بلاء التفرق والخلاف. ليس ذلك لصلة خاصة بيننا وبين الإمامين العظيمين، وليس ذلك لأننا نرجو مغنمًا شخصيًا من وراء الوحدة، أو نخشى مغرمًا شخصيًا كذلك من وراء الفرقة، ولكن ذلك لإحساسنا بالخطر العظيم الذى تستهدف له الجزيرة قلب الإسلام وقبلة المسلمين، إذا استحكم الخلاف بين إمام الجنوب وبين إمام الشمال. وعندما عقد مؤتمر فلسطين بلندن وحضره مندوبي الدول العربية وممثلي فلسطين بدعوة من الحكومة البريطانية سنة 1938م، كان يمثل اليمن فيه الأمير سيف الإسلام الحسين وقد مر بالقاهرة بعد عودته من اليابان وفي صحبته القاضي العمري والقاضي الشامي، فاتصل في مروره هذا بالإخوان، وطلب إلى المرشد العام أن يختار له من الإخوان (بهذا الوصف) سكرتيرًا خاصًّا إذ إنه سيكون له من الأعمال الخاصة ما يستدعي كفئًا أمينًا، فقدم له الأخ الأستاذ محمود أبو السعود أحد إخوان المركز العام الذي صحبه في رحلته إلى لندن وباريس، وقام بمهمته خير قيام مما كان له أجمل الأثر في نفس الأمير ، وتوثقت صلته بالإخوان منذ ذلك التاريخ. كما كان يكتب فى الصحف الإخوان كثير من كبار الإخوان أمثال الأستاذ عمر التلمساني الذي كتب مقال بعنوان خاطرة عن اليمن، وكتب الأستاذ محمد عوض عوضين: (اللهم بارك لنا في يمننا)، وكتب الإمام الشهيد مقالاً بعنوان: (لمحة من اليمن) أثنى فيه على الحكومة والشعب لكنه لم يخل من توجيه نصح قال فيه: ".... ورجاؤنا إلى حكومة الإمام أن تعمل ما استطاعت على نشر التعليم بين الشعب، وعلى التفكير في رفع مستواه الاقتصادي والفكري في خطوات واسعة. ويقول الأستاذ جمعة أمين: كما استقبل الإخوان في فبراير 1944 السيد حسين الكبسي وزير الأوقاف اليمنية ومبعوث الإمام يحيى بن حميد الدين للاشتراك في مشاورات الوحدة العربية، وقد أقام الإخوان له ولمرافقيه احتفالاً في دارها حضره رجال الصحافة، وممثلو الدول العربية، وأهل الرأي، وقد تحدث إلى الجمع الأستاذ المرشد، والأستاذ أحمد السكري، والأستاذ عبدالحكيم عابدين، والأستاذ الفضيل الورتلاني، وغيرهم، ورد تحيتهم الأستاذ حسين الكبسي، وكانت هذه أول زيارة للسيد الكبسي إلى مصر، وتعرف فيها على الإخوان وانبهر بهم، وكان أشد ما بهره الجانب الاقتصادي لدعوة الإخوان، فتعرف على الحاج محمد سالم الذي كان يشرف على كثير من شركات الأتوبيس والنقل المصرية، ويديرها، فاتفق مع الحاج محمد سالم على وجوب التعاون الاقتصادي من أجل نقل هذه النهضة إلى اليمن. "وكان الكثير من أبناء اليمن على اختلاف آرائهم وميولهم يتصلون بالمركز العام للإخوان المسلمين في مصر كغيرهم من شباب البلدان العربية والإسلامية الأخرى، فيجد هؤلاء اليمانيون من رجال الإخوان إخلاصًا لدعوة الإسلام وخير العروبة، وعطفًا على اليمن الذي يعزونه ويقدرونه ويشعرون بمدى صلتهم الوثيقة بشعبه وإمامه، فيأنسون بهم ويبثونهم ذات أنفسهم، وكان المركز العام يحرص كل الحرص على توجيه هؤلاء المتحمسين توجيهًا صالحًا إلى الحكمة والموعظة الحسنة، والتمسك بأهداب النظام، والبعد عن كل ما من شأنه المهاجمة والخصومة، مع الحرص على حسن الطاعة للإمام؛ حتى لا تنفر منهم قلوب المخلصين، أو تنقبض عنهم جهود العاملين، أو يفتح الثغرة أمام المستعمرين، وقد كانوا يتقبلون هذا التوجيه بصدر رحب، ويعملون على أساسه في معظم الأحيان". إلا أن الإخوان قد تأكدوا أن الأوضاع الاجتماعية متردية في اليمن، وأن هناك جمودًا في حكم الإمام يحيى، وأنه بعيد عن حقيقة الشريعة الإسلامية رغم ادعائه بتطبيقها. وقد نقل الوزير الكبسي والوفد الذي رافقه التقدم الحضاري والاقتصادي الذي رآه في جماعة الإخوان، وما اتفق عليه مع الحاج محمد سالم إلى الإمام يحيى، فأيد الإمام يحيى الفكرة، وفكر كثير من أعضاء الوفد إنشاء شركة مصرية يمنية للتجارة والنقل والمواصلات والمشروعات العمرانية المختلفة برأس مال قدره مليونان من الجنيهات المصرية، يكون معظمها لليمنيين وبعضها للمصريين، وبدأت الفكرة بعد ذلك تدخل حيز التنفيذ في خطوات وئيدة، تسرع حينًا وتبطئ أحيانًا، وهذا ما سنتحدث عنه في الفترة التالية -إن شاء الله. واستمرت علاقة الإخوان بالإمام يحيى وأبنائه على خير حال، وقد أجرت مجلة الإخوان المسلمين حديثًا مع أحد سيوف الإسلام من أبناء الإمام يحيى أثناء زيارته إلى مصر، وأثنى فيه على الإخوان ومواقفهم، وتمنى لمرشدهم وأعوانه التوفيق والسداد. وكانت علاقة الإخوان بالشعب اليمني وأبنائه علاقة حميمة، خاصة الذين يقيمون منهم في مصر للدراسة أو لأغراض أخرى، لكن مع ذلك وحتى نهاية الفترة محل الدراسة (1938-1945م) لم يكن لدعوة الإخوان منتسبون يمنيون ظاهرون، فضلاً عن أن يكون للإخوان شعبة في اليمن. وقد جاء في مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية العدد 207 السنة السادسة3 رمضان1367هـ الموافق10 يوليو 1948م، قال الأستاذ حسن البنا للرئيس القواتلي: إن اليمن أمانة في أعناقكم، وخاصة بعد هذا الانقلاب الأخير الذي ذهب ضحيته الإمام الراحل عليه رحمة الله. ذلك الانقلاب الذي أخرجها من عزلتها. وكشف للعالم عن الكثير من أحوالها. فانصحوا لإمامه وسددوا حكومته، وخذوا بأعنة شعبه إلى الحرية والنور والعرفان. وليس بمستصعب على الجامعة العربية أن تحمل هذه الرسالة وتؤدي هذه الأمانة. وفي حديث الأستاذ المرشد العام إلى السيد علي الحلبي وكيل الصحافة العربية ومندوب جريدتي الدفاع وفلسطين، حينما سأل عن تطور الموقف في القضية اليمنية؟ وما كنا نود أن تسير الأمور على هذا النحو، وكلنا نشجع الإصلاح في اليمن وفي غير اليمن من بلاد العروبة والإسلام ولكن لكل شيء عدته ووسيلته، وظرفه ووقته، ويجب أن تنصرف الجهود الآن إلى هدف واحد هو إقرار النظام والطمأنينة في هذا الوطن العزيز ومساعدته على النهوض والفصل في قضيته وفق إرادة الشعب اليمني نفسه فهو صاحب الكلمة في حاضره ومستقبله. ولقد حدثت الثورة في اليمن وقتل على إثرها الإمام يحيي بن حميد على يد حارثه الخاص بسبب سياسته الاستبدادية واتهم فيها الإخوان المسلمين وقد اخرج الإخوان بيانا وضحوا فيه القضية وابعادها وعلاقتهم باليمن والإمام يحيي وابن الوزير، الذي قاد الثورة وتولى الحكم وقد حكم عليه بالاعدام بعد سيطرة أحمد بن الامام يحيي على الحكم مرة أخرى، وبعد ذلك عاد الفضيل الورتلاني وعبدالحكيم عابدين من اليمن بعد تدخل جامعة الدول العربية. وأثناء فترة الخمسينات وانقسام اليمن نشط القوميين والماركسيين في الجنوب كما لم يكن للتيار الإسلامي وجود منظم في الجنوب أو الشمال، والإخوان المسلمون اكتفوا بالعمل من خلال الواجهات الموجودة على الساحة. فنشط عمر طرموم من خلال "الجمعية الإسلامية" ثم "الرابطة" ثم انصرف إلى العمل التربوي سيما في المعهد الإسلامي (أسسه الشيخ محمد سالم البيحاني عام 1957 ). يقول الأستاذ سعيد ثابت سعيد: يكاد يكون عام 1959م عام ميلاد فكرة العمل الإسلامي المنظم في أوساط الطلاب الدارسين في مصر، ولكن من دون رؤية متكاملة للمنهج والتنظيم والمسار. وهي خطوة جاءت طبيعية في سياق التحولات الفكرية للشباب اليمني المتأثر بتيارات الفكر والسياسة التي تموج في المجتمع العربي المصري. ففي ثنايا أحداث عاصفة شهدتها الأمة العربية واليمن في قلبها، بدأت تتبلور الفكرة كمشروع حركة من عناصر طلابية عرفت موجات صاخبة من تنظيمات وأيديولوجيات متباينة، واعتركت في خضم تلك الإطارات الحزبية، سيما حركة القوميين العرب التي يعد عام 1958م العهد الخصب لانتشارها وتوسعها، وتمدد شعبيتها في كثير من الأقطار العربية. بمعنى أن ميلاد فكرة العمل الإسلامي المنظم تبلورت في وعي مجموعة طلابية عائدة من قواعد حركة القوميين العرب، والبعث العربي الاشتراكي، أبرزهم عبد المجيد عزيز الزنداني، وعبد السلام العنسي، ومحمد قاسم عون، وعبد الرحمن المجاهد، وذلك عام 1959م. ولقد لقى الطلاب اليميين الموجودين بمصر التعنت من سياسة عبدالناصر ضدهم بسبب الخلاف بين البلدين فيروي الزبيري في رسالة لصديقه النعمان معاناته مع الطلبة الدارسين في مصر؛ فالأيام قد علمته سوء الظن بقدرة الناس على الكتمان، لذلك صمم على احتفاظه بهذه الأسرار مدة طويلة على أن يجتمع باليمنيين الموجودين في مصر، ويختار من بينهم مجموعة متميزة تقود سير العمل لتنفيذ الخطة. ولأنها عملية تقوم أساساً على الاعتماد على أسرار طواها في أعماق صدره، فإنه وجد نفسه في جهة، والآخرين في جهة أخرى . ومن أجل الخروج من هذا المأزق لجأ الزبيري إلى ما وصفه بـ"التحايل المعقول"، وهو الاتصال بعدد من الشباب في مصر، وأخذ يكوّن منهم خلايا وكل خلية تسمى "أسرة" وهو مصطلح تنظيمي خاص بحركة الإخوان المسلمين، مما يشير إلى تأثره الكبير بها، واقتناعه بصلاحية هيكلها التنظيمي كإطار ينظم الشباب اليمني بهدف تحقيق خطته المكونة من المراحل الثلاث. ونجح في تشكيل مجلس مؤلف من مجموع رؤساء "الأسر" على الرغم من العقبات التي واجهها نتيجة تنافر الطلاب واختلافاتهم. يقول في رسالته: "لجأت إلى التحايل المعقول، فاتصلت بالشبان هنا، وأخذت أكوِّن منهم خلايا، كل خلية تسمى أسرة، ووجدت عقبات كأداء في هذا السبيل. لكن عام 1961م تحول بعض الطلبة اليمين بعد تفكير من الفكر الماركسي والقومي إلى الفكر الإخواني كان على رأسهم الشيخ عبدالمجيد الزنداني، خاصة عندما التقى عبد المجيد الزنداني وعبده محمد المخلافي الطالب في مدينة البعوث الإسلامية، بعد جهد كبير. وكان لقاؤهما الأول دافعاً للشابين المتحمسين لخدمة الإسلام في التعجيل بإخراج الفكرة إلى حيز الوجود الطلابي، سيما أن شخصيتي الرجلين (الزنداني و المخلافي) كانتا تكملان بعضهما لشخصية قيادية فريدة ومؤثرة وفاعلة . ويروي الدكتور عبدالمجيد الزنداني قوله: أنه عندما علم بوجود أعداد من الطلاب اليمنيين في مدينة البعوث الإسلامية التابعة للأزهر بالقاهرة، قرر زيارتهم والعمل على استقطاب عناصر منهم إلى صف مجموعة الحياد. و في نهاية كانون ثاني (يناير)1961م قابل علي أحمد سعيد المخلافي، أحد الطلاب اليمنيين الدارسين في الأزهر، وطلب منه جمع زملائه للتعرف عليهم، ولما اجتمع عدد منهم ألقى على مسامعهم كلمة تضمنت دعوتهم للم شملهم والاهتمام بالواجبات الإسلامية كزاد للطالب الحريص على مصلحته ومصلحة وطنه، غير أن القوميين العرب عملوا على تفريق هذه الجبهة الإسلامية، ولما تغلبت الجبهة على الخلافات، وتصافى الزملاء فيما بينهم، كوَّنَّا مجلساً مؤلفاً من مجموع رؤساء الأسر. غير أن الزنداني واربعة من زملائه تعرضوا للمضايقات من حكومة اليمن بسبب توجههم الإسلامي والذي يخالف توجه الدولة الماركسي فقطعت عنهم رواتهم. التقت نخبة من طلاب "كتلة العمل الطلابي"، من بينهم: عبد المجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي، وعبد اللطيف الشيباني، وآخرون، في منزل أحمد الويسي مطلع عام 1962 وحضر الشهيد الزبيري اللقاء، وفاتحوه بأمرهم وعرضوا عليه قيادة نشاطهم. كان الطلاب الستة الذين التقوا في الشقة السكنية في حي "الهرم" في مصر، يدركون جيداً أنهم بصدد إخراج فكرة تأسيس النواة الحركية إلى حيز الواقع الطلابي، فقد أعدوا لأنفسهم "قسم العمل" وتعاهدوا على الالتزام بنصه ولم يكن الزبيري غريباً عن مدرسة الإخوان المسلمين، فالرجل ارتبط روحياً وفكرياً وعضوياً بها منذ لقائه الأول بالشهيد البنا، وظل يحتفظ بمشاعر ود وتقدير وإكبار لرموزها وقادتها. شارك الطلاب الإسلاميون اليمنيون، في ظل تلك الأجواء الملبدة والخانقة لأي صوت إسلامي حركي، في أول انتخابات طلابية توطئة لتأسيس رابطة طلاب اليمن الطبيعية، وهم يدركون محدودية وجودهم وضعف بنائهم التنظيمي، إذ أنهم في ذات الفترة هذه بدأوا العمل على تأسيس النواة الحركية الإسلامية من داخل مجموعة الحياد. أثر اتفاق النخبة الطلابية الإسلامية الأولى على العمل الإسلامي في إطار"كتلة العمل الطلابي"،وتحت غطاء "الحياد بين الأحزاب" ارتفعت أصوات حزبية كانت هامسة، تتهمها بمعاداة النظام المصري وتطلق على أفرادها عبارات تشهيرية وتحريضية مثل "الرجعيون" و"الإخوان المسلمين". وتنامت مشاعر القلق لدى بقية القطاعات الطلابية الحزبية جراء تزايد عدد الطلاب الرافعين للافتة الحياد بين الأحزاب إلى نحو 30 طالباً. يقول الزنداني في شهادته: "أثناء الحديث مع القاضي الزبيري ما كنت آتي له بدليل من الذي أعتقده حتى يأتيني بعشرة أدلة من الكتاب والسنة، وما كنت أفتح له موضوعاً حتى يستكمله بما كنت أريد قوله، وما كنت أفتح له باباً من أبواب الخير حتى يبادر إلى فتح عدة أبواب من أبواب الخير، فعدت أقول لإخواني وزملائي: لقد وجدنا الشيخ والزعيم المناسب لأن يكون قائداً لنا ولشعبنا اليمني، في مسيرة الخير والإصلاح". ثم التقى خمسة طلاب من المنتمين إلى كتلة العمل الإسلامي، النواة العاملة داخل مجموعة الحياد، بينهم عبد المجيد الزنداني، وعبده محمد المخلافي، والشهيد الزبيري فبادرهم بالقول: "لقد بذلنا كل ما نملك من جهد وعمر ومال من نحو 25 عاماً لنؤسس تنظيماً يقوم بمهمة تغيير أوضاعنا في اليمن إلى حال سليم وفاضل، وتقلبنا من مكان إلى آخر، فأسسنا جمعية الأمر بالمعروف ثم حزب الأحرار فالجمعية اليمنية الكبرى ثم الاتحاد اليمني، وها أنتم ترون ما صار إليه حال الاتحاد اليمني من انقسام وتنازع وصراع بعد أن تمكن الظالمون والمستبدون في اليمن وخارجها من غزوه والتغلغل فيه بزرع عناصر تعمل لصالح الإمام، وتقوم بتخريب كل جهد للمخلصين فيه بنشر الإشاعات ونسج الاتهامات ضدهم، وآمنت أن استئناف العمل للتغيير يبدأ من الصفر، وها أنا سأبدأ الآن من الصفر". و ظل الطلاب الإسلاميون يمارسون نشاطهم العلني تحت غطاء مجموعة "الحياد بين الأحزاب" منذ قرارهم خوض انتخابات رابطة طلبة اليمن الطبيعية في أيلول(سبتمبر) 1961، كتعبير عن تميزهم الفكري والسياسي عن بقية التيارات الطلابية اليمنية الملتزمة بالأحزاب القومية. ومن ذلك التاريخ وقد سار هؤلاء الطلبة على نشر دعوتهم داخل المجتمع اليمني خاصة انه مجتمع يتميز بالقبيلية ولقد اشتهر الشيخ عبد المجيد الزنداني في علم الطب وبرع فيه، وما زالت الحركة لها عطاءها............تابع القراءة
  6. محمود فهمي النقراشي باشا ولد بالإسكندرية عام 1888 م وبعد أن أتم تعليمه بمدرسة المعلمين بالقاهرة سافر إلى إنجلترا لتكملة دراسته في جامعة نوتنجهام ثم عاد إلى مصر واشتغل بمهنة التدريس. وظل بضع سنوات يعمل مدرسًا في مدرسة رأس التين الثانوية ثم عين ناظرًا لمدرسة الجمالية بالقاهرة عام 1914 م وظل في هذه الوظيفة خمسة أعوام. وقد أضاف إلى استعداده للتدريس استعدادًا آخر للإدارة. وقد انتفع من هذا الاستعداد بتعيينه في وظيفة مدير التعليم لمجلس مديرية أسيوط عام 1919 م. وإلتحق في العام التالي بوزارة الزراعة وكيلاً للإدارة. وقد رقي بعد بضعة أسابيع إلى مساعد سكرتير عام وزارة المعارف. وقد بدأ نشاطه السياسي عام 1919 م واشترك في الحركة الوطنية للاستقلال. ثم أصبح عضوًا في الحركة الوفدية الناشئة ونظم لجانها الفرعية في القاهرة و الإسكندرية والمدن الأخرى. وفي عام 1924 م رقي وكيلاً لمحافظة القاهرة ثم وكيلاً لوزارة الداخلية. وفي أواخر عام 1924 م، وبعد مقتل السردار السير لي ستاك باشا، قبض عليه وظل محبوسًا إلى فبراير التالي. ثم بعد ذلك بثلاثة أشهر قبض عليه ثانية واتهم هو وستة آخرون بالاشتراك في عدد من الجرائم السياسية وبرئ منها. وقد كانت أول وزارة تولاها هي وزارة المواصلات في الوزارة الوفدية الأولى عام 1930 م، وهي نفس الوزارة التي تولاها بعد ذلك في 1936 - 1937 م. وفي ذلك العام عندما عاد الوفد المصري من مؤتمر مونترو الذي ألغى الامتيازات فوجئ النقراشي بإخراجه من الوزارة الوفدية. وقد عرف فيما بعد بأنه اختلف مع زعيم الوفد بشأن نشاط هيئة القمصان الزرقاء الوفدية. وبعد ذلك بمدة قليلة استقال النقراشي هو والمغفور له أحمد ماهر باشا وأنصارهم من الوفد وكونوا الحزب السعدي. وعندما دخل السعديون الوزارة الائتلافية عام 1938 م عين النقراشي باشا وزيرًا للداخلية. وفي العام التالي تقلد وزارة المعارف ثم وزارة الداخلية مرة ثانية ثم عين في سبتمبر 1940 م وزيرًا للمالية. وقد حل في رئاسة الوزارة وزعامة الحزب السعدي بعد مقتل أحمد باشا ماهر عام 1945 م فيما خلا فترة قصيرة من عام 1946 م كان فيها إسماعيل صدقي باشا رئيسًا للوزارة وظل هو رئيسًا للحكومة منذ ذلك الحين بجانب تقلده وزارات الداخلية والمالية والخارجية. أقوال الصحف الإنجليزية ولعل من المفيد أن نتجزئ هنا بعض ما كتبته الصحف الإنجليزية عن مقتل النقراشي باشا وتعليقها على الحادث. فقد "قالت المانشستر جارديان": أن مقتل النقراشي باشا رئيس الوزارة المصرية السابق لهو عمل سوء. وقد حدث بعد سلسلة من الاعتداءات كانت أيدي جماعة الإخوان المسلمين واضحة فيها. فمنذ ثلاثة أسابيع قتل حكمدار بوليس القاهرة في أحد الشوارع، وفي 21 نوفمبر دمرت الدار التي تحوي مكاتب أكبر جريدتين فرنسية وإنجليزية في مصر، وفي الشهر نفسه وقع حادث الاعتداء الرابع في مدى عامين على النحاس باشا، وفي أول العام قتل أحد القضاة ممن حكموا على أفراد تلك الجماعة. وعندما نتذكر أن أحمد ماهر باشا رئيس الوزارة السابق للنقراشي باشا مباشرة قتل هو الآخر بيد واحد ممن كانوا يشايعون النازيين، فمن العسير أن لا نجزع للمستوى الذي سمح للحياة العامة في مصر أن تتدهور إليه. وقد لقي النقراشي باشا منيته، عقب قراره الذي تأخر كثيرًا بحل جماعة الإخوان على أساس أن وجودها يهدد الأمن والنظام... وكان ذلك هو جواب الإخوان عليه. وقالت "الديلي تلغراف": "وهذه الجريمة لن تحقق غرضًا، وستقابل بالسخط والاستنكار في جميع أنحاء العالم، وقد محت من سجل الوجود رجلاً برهن خلال حياته السياسية الطويلة على أنه أقوى رجل سياسي في مصر، ولكنها لم تغير بحال من نظام العهد الحاضر. ومن الجائز أنها قد تعطل من تركيز الجهود المبذولة في نواحي الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي، والتي مصر في مسيس الحاجة إليها، بعد أن أهملت وطرحت ظهريًّا طويلاً بسبب الأهواء السياسية والاستعمارية، كما أن القضاء على نشاط العناصر الهدامة والعابثة بالقانون بين أفراد الشعب المصري – وهو ما لا بد منه- سيترتب عليه بطء في سير عجلة الإدارة المصرية سيرتها المنتظمة بنظام مطرد. ولقد كان النقراشي باشا يتمتع بنوع من المزايا والسجايا تعينه على إحلال مصر مكان الزعامة والقيادة الفعلية بين الشعوب الإسلامية في الشرق الأوسط هذا لو كانت أتيحت له ظروف أفضل مما أتيح له". وإنا لنشكر للصديق الأستاذ محمود النجوري مدير المحفوظات بوزارة الداخلية. فقد زودنا بترجمة حياة المغفور له النقراشي باشا ومقالات الصحف البريطانية. رئيس المحكمة ... عين سعادة محمد مختار عبد الله بك عقب تخرجه عام 1920 م وكيلاً للنيابة، ثم نقل إلى السلك السياسي، وعين أمينًا للمحفوظات في مفوضية مصر في روما عام 1923، ثم نقل إلى مفوضية مصر في برلين، ورقي إلى وظيفة ملحق، ثم عاد إلى السلك القضائي عام 1927 م. وظل يتدرج في وظائف النيابة والقضاء إلى أن عين رئيسًا للنيابة المختلطة عام 1940 م ثم مديرًا لإدارة المحاكم المختلطة، ثم قاضيًا بمحكمة مصر المختلطة. وفي عام 1945 م عين مستشارًا بمحكمة استئناف أسيوط ثم محكمة استئناف مصر، وأخيرًا رأس دائرة العسكرية العليا. واشتهر سعادته بدماثة الخلق وسماحة النفس، وسداد الرأي، وطهارة الذمة، وهو شغوف بالاطلاع ليس في القانون فحسب بل في الأدب والاجتماع وهو يجيد أربع لغات وهي الإنجليزية، والألمانية، والفرنسية، والإيطالية... تقديم ... لا بد من كلمة نهيئ بها ذهن القارئ لما سيدور في جلسات المحاكمة في هذه القضية. ففي اليوم الثامن من شهر ديسمبر عام 1948 أصدر المغفور له محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الحكومة آنئذ قرارًا موفقًا بمذكرة تفسيرية وضعها عبد الرحمن عمار بك وكيل وزارة الداخلية وقتئذ يقضي بحل جماعة الإخوان المسلمين وذلك للحوادث الإرهابية التي وقعت في مختلف أنحاء البلاد واتهم بارتكابها جماعة الإخوان على نحو ما سرده عمار بك في مذكرته التفسيرية. وهكذا توقع الناس –بعد صدور هذا القرار – وقوع حدث ما ردًا على هذا القرار الذي أصر النقراشي باشا على الرغم من المحاولات الكثيرة التي بذلت على ألا يرجع فيه... ولم تمضي ثلاثة أسابيع على صدور قرار الحل، حتى هوى النقراشي باشا وخر صريعًا وسط فناء وزارة الداخلية ووسط عدد كبير من رجال البوليس المحيطين به وقد هوت معه أفئدة الملايين من المصريين وأصبحت مدينة القاهرة وهي أكثر المدن صخبًا وضجيجًا، صامتة ساكتة كأن على رؤوس أهلها الطير، فلقد كانت الفقيد –باعتراف خصومه- وطنيًّا صادق الإيمان نزيهًا مخلصًا ذا ماضٍ مجيد. كيف وقع الحادث ففي نحو الساعة العاشرة وخمس دقائق من صبيحة يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر ديسمبر عام 1948م، وبينما كان دولة النقراشي باشا يسير في فناء وزارة الداخلية ميممًا شطر المصعد في طريقه إلى مكتبه وحوله ضباطه، وجنوده من رجال الحرس، تقدم شاب في ميعة الصبا، شاحب الوجه، وكان مرتديًا ثياب ضابط برتبة ملازم أول، وصوب مسدسه نحو ظهر الفقيد، وأطلق رصاصتين أصابتا ظهر الفقيد، وسقط على ظهره يتضرج في دمائه، ولم تمضي دقائق حتى فارق الحياة وتمكن رجال البوليس الذين كانوا في حراسة الفقيد من اعتقال القاتل. وقد ارتكبت الجريمة بسرعة فائقة حتى أن ياور الفقيد الصاغ عبد المجيد خيرت قد أذهله وقوع الحادث على هذه الصورة المروعة، وعقدت الدهشة لسانه، وفجأت أفاق من ذهوله وارتمى ومن كان معه من الكونستبلات والجنود على القاتل، وانتزعوا المسدس من يده، بينما نقل الآخرون الجثة إلى حجرة الأستاذ صلاح الدين مرتجي وكيل إدارة الأمن العام، وكان الدكتور محمود حمدي سيف النصر قد سارع إلى مكان الحادث حينما سمع به أثناء وجوده في وزارة الصحة ولكن القضاء كان قد حم، وفاضت روح النقراشي باشا إلى بارئها. المسدس أما المسدس الذي استعمله القاتل فهو ماركة "برثا" طراز 1934 وقد كتب عليه باللغة الإفرنجية العبارة الآتية: P. Beretta Cal 9 Corto Md 1934 Brevette Gardonne 1941 X1X 872511 وبه مشط ذو الست طلقات وهو أوتوماتيكي سريع الطلقات، وقد وجد في نهاية المشط من الخارج رصاصة لم تنطلق وهي عيار 9 ملليمتر وبها الرصاصة المغلفة، وطلقة أخرى مطلوقة من نفس العيار ونفس الشكل الظاهري وبها فدغ. وقد أبلغ صابر طنطاوي بك مدير الأمن العام آنئذ الحادث تليفونيًّا إلى النائب العام –وكان محمود منصور باشا - فاستقل سعادته سيارته فورًا وقصد إلى مكان الحادث ولحق به الأستاذ محمود إبراهيم إسماعيل رئيس نيابة جنوب القاهرة وبعض حضرات وكلاء النيابة وحكمدار بوليس القاهرة وكبار ضباط القسم السياسي والحكمدارية والمباحث الجنائية، ومن ثم بدأ التحقيق مع القاتل. من هو القاتل؟ والقاتل شاب يناهز الواحد والعشرين عامًا ويدعى عبد المجيد أحمد حسن وهو طالب بكلية الطب البيطري بجامعة فؤاد الأول وتبين أنه من جماعة الإخوان المسلمين ورئيسًا لإحدى خلاياها بالجامعة. أقوال القاتل الأولى وقد تولى النائب العام نفسه التحقيق معه، ولما سئل القاتل عن جريمته اعترف بها قائلاً: "نعم أنا قتلته النهارده في الوزارة بالمسدس إللي ضبط معي وكنت بمفردي، وكنت لابس ملابس ضابط إللي هي علي الآن، وقتله لأنه خاين للوطن". وقد نوقش في تفصيلات الجريمة فقال: "أنا جيت الداخلية النهاردة الساعة 10.00 كده وكنت لابس ملابس ضابط ولما وصلت الوزارة دخلت من الباب العمومي وكان معي المسدس المضبوط ودخلت في وسط الصالة ووقفت شوية كده وقالوا إن النقراشي باشا جاي فلما شفته طالع متجه نحو مكان الأسانسير المجاور للسلم طلعت المسدس من جيبي اليمين للبنطلون ورحت ضاربه وكان وقتها تقدم لي شوية في طريقه إلى المصعد فأطلقت النار عليه من الجنب للخلف وأنا كنت ساعتها واقف على شماله وهو متجه إلى المصعد. وسئل –متى ظهر النقراشي باشا في الصالة؟ -بعد أن انتظرت خمس دقائق، ظهر النقراشي باشا. وأجاب عن سؤال آخر أنه كان يسير حول النقراشي باشا وخلفه أشخاص كثيرون يرتدون ملابس ملكية. -عندما دخلت الوزارة بزيك العسكري وقبل أن يصل النقراشي باشا. ألم يعترضك أحد؟ -لا. -وهل أنت تعرف شخص النقراشي باشا؟ -أعرف شكله من الصور. -متى صممت على قتل النقراشي باشا. -من حوالي جمعتين. -ما هي الظروف التي كونت فيها فكرة القتل. -نبتت هذه الفكرة عندي، وهي فكرة قتله، في جملة ظروف تجمعت عندي، وهي أولا موضوع السودان فإنه لم يقم بأي عمل إيجابي. وثانيا فلسطين فإنها ضاعت وأخذها اليهود وهذا يرجع إلى تهاون النقراشي باشا. والعامل الثالث أنه اعتدى على الإسلام وهو أنه شرد الطلبة من الكليات وحل جماعة المسلمين وما يتصل بها من شركات كانت جماعة الإخوان المسلمين قد أقامتها فهو أمر بحلها وأنا لما رحت كلية الطب البيطري علشان الدراسة قالوا لي أنك مبعد لنشاطك مع أن الكلية بتاعتنا لم تشترك في حوادث كلية الطب أو الجامعة فكل هذه العوامل جعلتني أفكر في الإقدام على هذا العمل وهو قتل النقراشي باشا أي أنه من أسبوعين أنا صممت على قتله. -كيف رتبت هذه الجريمة. -أنا كنت ماشي في وكالة البلح من سبعة أيام فلقيت واحد معه بدلة الضابط إللي أنا لابسها الآن ويقول عنها أنها جديدة وعارضها للبيع فلما وجدت البدلة لاحظت أن قماشها كويس فاشتريتها بثلاثة جنيه ونصف وكذلك اشتريت المسدس من مدة خمسة أيام من واحد في عين شمس وهو واحد عربي لا أعرفه وكذلك الطلقات اشتريتها منه باثنين جنيه وبعدين لبست البدلة النهارده وجيت النهارده وجيت هنا ومعي المسدس علشان أقتل النقراشي. -وهل ذهبت إلى سوق البلح كما تقول خصيصًا لمشتري بدلة الضابط. -أنا قصدي أقول سوق الكانتو الموجود في الفحامين وأنا رحت مصادفة هناك فوجدت الرجل إللي باع لي البدلة هناك فاشتريتها. -وما الذي جعلك أن تشتري هذه البدلة وهي بدلة ضابط إذا كنت لم تذهب خصيصًا لمشتراها. -البدلة صوف وجديدة ولما وجدت أن ثمنها ثلاثة جنيهات ونصف وده ثمن بسيط اشتريتها. -وهل كنت تنوي أن تلبسها وهي على هذه الصورة وبزيها الأصلي. -ده ما يمنعش أن الواحد يلبس بدلة ضابط. -ولكنها بدلة بزراير صفراء وعلى كتفها نجمتين ولا يلبسها إلى ضابط أو من يريد أن يتعمد التزيي بها لغرض خاص. -ده ما فيهاش تعمد. -وهل خرجت من منزلك في صباح اليوم ترتديها. -لا. -ما هي الملابس التي كانت عليك وقت خروجك من المنزل في هذا الصباح. -بنطلون جبردين وجرس. -وأين كانت بدلة الضابط. -كنت عاينها تحت سلم بيتنا. -وأين الجرس والبنطلون. -لما لبست بدلة الضابط رميت الجرس والبنطلون الجبردين في النيل. -ولم رميتها؟. -علشان أتخلص منها. -وكيف كنت تخفي بدلة الضابط من يوم أن اشتريتها. -كنت عاينها في الشنطة تحت السرير وفي الليلة الماضية أي ليلة أمس أخذتها ووضعتها تحت السلم. -ألم تطلع أحدًا من أهلك على أنك اشتريت بدلة ضابط؟ -لا. -ولم أخفيت ذلك على أهلك؟ -ما حدش يسألني من أهل البيت على أي حاجة أعملها. -من الذي يقيم معك في المنزل؟ -والدتي إقبال حسني وأخي محمد عيسى أحمد حسن وهو طالب في مدرسة فاروق الأول الثانوية ولي أختين إحداهما هدى والثانية فاطمة ولي أخ ضابط يقيم في الخارج في منزل بمفرده ويسمى حسن أحمد حسن وهو ضابط بسلاح المدفعية ومتزوج وله أولاد. -متى دخلت كلية الطب البيطري؟ -هذه رابع سنة وأنا في السنة الثالثة. -وهل تقبض الخمسين جنيه في يدك. -أنا أقبض الخمسين جنيه على دفعات وقبضت من هذا المبلغ مرة عشرة، ومرة عشرين، ووالدتي هي التي تتولى الصرف علينا من هذا المبلغ، وأنا باخد من هذا المبلغ مصاريف شخصية إلى حوالي جنيه أو اثنين جنيه ومن هذا المبلغ اشتريت المسدس والبدلة. -اذكر لنا أين ذهبت من وقت خروجك من المنزل في صباح هذا اليوم......... للمزيد عن مقتل انقراشي
  7. نجم الدين أربكان الزعيم نجم الدين أربكان من "هندسة" محركات الديزل.. إلى "هندسة" الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا : نجم الدين أربكان، اسمٌ أصبح جزءاً من تاريخ الحياة السياسية والحزبية في تركيا لا يمكن تجاهله رغم كل محاولات الإقصاء، والتهميش، والمحاصرة.. فرض ومازال يفرض بصماته المضيئة على مسار الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا.. لماذا حاولت قوى كثيرة داخل تركيا وخارجها، وما زالت تحاول إبعاده عن الساحة السياسية التركية..؟ومن المستفيد من إقصائه عن الساحة السياسية التركية..؟ في هذه الدراسة التي تنشر علي حلقات في المجتمع نسلِّط الأضواء مدعومة بالوقائع والحقائق على شخصية الأستاذ الدكتور المهندس نجم الدين أربكان أحد أبرز رجالات الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا. في وسائل الإعلام التركية، وفي الأوساط والمحافل السياسية التركية، وعلى امتداد الشارع التركي المسيَّس يطلقون على الزعيم الإسلامي التركي نجم الدين أربكان لقب "أبو السبعة أرواح"، وهو لقب يبدو أن أربكان يستحقه بجدارة من كثرة ما دخل وخرج من محاكم ومن سجون، ومن كثرة ما أسس أحزاباً بلغ عددها في فترة زمنية قصيرة قياساً بعمر الدول خمسة أحزاب، فلا يكاد يؤسس حزباً حتى يحاصره حماة العلمانية في تركيا وخاصة جنرالات المؤسسة العسكرية، فيحظروه ويختموا أبوابه بالشمع الأحمر، ليعود أربكان ليؤسس حزباً جديداً فيغلقه العلمانيون ويختمون أبوابه بالشمع الأحمر، ليعود أربكان ليؤسس حزباً جديداً باسم جديد بنفس نكهة الحزب المحظور الوطنية الإسلامية.. وهكذا حزباً بعد حزب و محاكمة بعد محاكمة، وسجناً بعد سجن..! فمن هو نجم الدين أربكان الذي اشغل وسائل الإعلام العالمية ومن قبلها أشغل دولاً وأنظمة وأجهزة مخابرات ومنظمات ترصد ما يجري في تركيا تحت مجاهر رقابتها على مدار الثانية والدقيقة...؟ ورث الزعامة كابراً عن كابرٍ ينحدر البروفيسور نجم الدين أربكان من نسل الأمراء السلاجقة الذين عرفوا في تاريخ تركيا باسم "بني أغوللري "، وكان جدُّه آخر وزراء ماليتهم، وكانت أسرة أربكان تلقَّب بناظر زاده أي ابن الوزير. ولد عام 1926م في مدينة سينوب بأقصى الشمال على ساحل البحر الأسود، وأنهى دراسته الثانوية في عام 1943 حيث التحق بجامعة الهندسة في استانبول وتخرج من كلية الهندسة الميكانيكية في عام 1948 ، وكان الأول على دفعته فتمَّ تعيينه معيداً في نفس الكلية. أوفد في بعثة إلى ألمانيا في عام 1951م، حيث نال في عام 1953م من جامعة آخن شهادة الدكتوراة في هندسة المحركات. وفي عام 1953م عاد إلى جامعة استانبول وحصل على درجة مساعد بروفيسور (دوشنت). وأثناء وجوده في ألمانيا عمل إلى جانب دراسته رئيساً لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات ( كلوفز هومبولدت دويتز )بمدينة كولن. في عام 1956م عمل ثانية في مصانع محركات دويتز وتوصَّل إلى عدة اكتشافات لتطوير صناعة محركات للدبابات تعمل بكل أنواع الوقود. في نهاية عام 1965م عاد إلى جامعة الهندسة في استانبول ليعمل أستاذاً مساعداً، وفي نفس العام حصل على درجة الأستاذية فأصبح بروفيسوراً في اختصاص المحركات. وأثناء تدريسه في جامعة الهندسة في استانبول، وعلى ضوء الخبرة التي حصل عليها أثناء عمله في مصانع المحركات الألمانية، قام البروفيسور نجم الدين أربكان في عام 1956 بتأسيس شركة مصانع "المحرك الفضي" وساهم معه في الشركة 300 من زملائه، وتخصصت الشركة في تصنيع محركات الديزل وبدأت إنتاجها في عام 1960، ولا تزال الشركة الرائدة في هذه الصناعة في تركيا وتنتج سنوياً حوالي 30 ألف محرك ديزل. رئيساً لاتحاد الغرف الصناعية تولى البروفيسور أربكان رئاسة مجلس إدارة شركة مصانع المحرك الفضي (1956 - 1963م )، إلى جانب منصب مديرها العام، ثم تولى منصب الأمين العام لاتحاد غرف التجارة والصناعة والبورصة التركية في عام 1967م، وفي عام 1968م أصبح رئيساً للاتحاد، وعندما تولى أربكان هذا المنصب ثارت ثائرة الدوائر العلمانية والماسونية، وشنَّت الصحافة العلمانية والمتصهينة حملة شعواء ضده. وكمثال على ما زخرت به تلك الصحف من هجوم على أربكان أنقل ما نشرته مجلة "آنت" العلمانية في عددها رقم 127 الصادر في 3/6/1969م حيث قالت بالحرف الواحد: "هناك صراع واضح في هذه الأيام في عالم التجارة الصناعة بين فئتين: فئة الرفاق الماسونيين الذين يعملون بحماية رئيس الوزراء سليمان ديميريل، وفئة الإخوان المسلمين الذين يعملون برئاسة نجم الدين أربكان ". لكأنَّ نجم الدين أربكان كان على موعدٍ مع قدره الذي أراده الله له، فينتقل من حلبة الصناعة إلى حلبة السياسة ليؤسس، ويقود، ويهندس حركة انبعاث مدِّ الصحوة الإسلامية الحديثة في تركيا. وكانت بداية التحوُّل في حياة أربكان من هندسة الصناعة إلى هندسة السياسة من مدينة قونيه التي كانت على امتداد تاريخ تركيا الإسلامي، و ما تزال معقلاً إسلامياً شامخاً، وهي قونيه موطن العالم الرباني جلال الدين الرومي، فمن مدينة قونيه خاض نجم الدين أربكان أول تجربة سياسية في حياته حين خاض الانتخابات النيابية التي جرت في عام 1969 كمرشح مستقل فأكرمته المدينة المتديِّنة إذ حملته أصوات ناخبيها وناخباتها بما يشبه الإجماع والاكتساح إلى مجلس النواب التركي ممثلاً للمدينة الوفية لإسلامها. تجربته الحزبية الأولى الزعيم نجم الدين أربكان في عام 1970 أسس البروفيسور أربكان مع عدد من المفكرين والناشطين الإسلاميين حزب النظام الوطني، وتسمِّيه بعض المراجع بحزب الخلاص الوطني، وفي المؤتمر الأول للحزب بمناسبة مرور عام على تأسيسه ( كانون ثاني 1971م) ألقى البروفيسور أربكان كلمة في المؤتمر أكد فيها البعد الإسلامي للحزب قائلاً: "إن أمتنا هي أمة الإيمان والإسلام، ولقد حاول الماسونيون والشيوعيون بأعمالهم المتواصلة أن يُخرِّبوا هذه الأمة ويفسدوها، ولقد نجحوا في ذلك إلى حد بعيد، فالتوجيه والإعلام بأيديهم، و التجارة بأيديهم، و الاقتصاد تحت سيطرتهم، وأمام هذا الطوفان، فليس أمامنا إلا العمل معاً يداً واحدة، و قلباً واحداً، حتى نستطيع أن نعيد تركيا إلى سيرتها الأولى، و نصل تاريخنا المجيد بحاضرنا الذي نريده مشرقاً.." عزل سياسي وفي شهر نيسان من عام 1971 أقامت الحكومة دعوى ضد الحزب، فأصدرت محكمة أمن الدولة العليا قراراً بحلِّ حزب النظام الوطني ومصادرة أمواله وممتلكاته بعد أن جرَّمته بتهمة انتهاك الدستور العلماني، والعمل على إلغاء العلمانية، وإقامة حكومة إسلامية في تركيا، و العمل ضد مبادئ أتاتورك، وحكمت المحكمة بمنع أي عضو في الحزب من العمل في حزب آخر، أو تأسيس حزب آخر، أو ترشيح نفسه للانتخابات ولو بشكل مستقل، وذلك طيلة خمس سنوات. وبعد صدور حكم محكمة أمن الدولة العليا بحلِّ حزب النظام الوطني وحرمان مؤسسه وأعضائه من العمل السياسي لمدة خمس سنوات غادر البروفيسور أربكان تركيا. في عام 1972م عاد البروفيسور أربكان إلى تركيا ليدفع ببعض الإسلاميين ممن لا ينطبق عليهم حكم محكمة أمن الدولة العليا لتشكيل حزب جديد أطلق عليه اسم حزب السلامة الوطني وتأسَّس الحزب في 11/10/1972م، وأصدر في 12/1/1973م صحيفته الرسمية "مللي غزته". في 14/10/1973م صدر عفو عام عن الجرائم السياسية، فخاض حزب السلامة الوطني بعد أن عاد أربكان إلى رئاسته الانتخابات وفاز بِ 48 مقعداً، وعندما احتدم الخلاف بين الحزبين الرئيسين، حزب العدالة (149 نائباً) بزعامة سليمان ديميريل، وحزب الشعب الجمهوري (186 نائباً) بزعامة بولنت أجاويد، اضطر أجاويد زعيم حزب الشعب الجمهوري للائتلاف مع حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان، وحصل حزب السلامة على سبع وزارات هامة منها الداخلية والعدل والتجارة والجمارك والزراعة والصناعة والتموين ووزارة دولة، وكان البروفيسور أربكان نائباً لرئيس الوزراء. ومثَّلت مشاركة حزب السلامة الوطنية في حكومة ائتلافية أول اختراق إسلامي للسلطة التنفيذية في الجمهورية العلمانية منذ تأسيسها على يد أتاتورك، وشكَّلت هذه المشاركة لطمة موجعة للعلمانيين وحلفائهم الماسونيين، فطفقوا يخططون للانتقام وتوجيه لطمة مضادة للإسلاميين، واستطاعت مكائد العلمانيين والماسونيين أن تفشل الحكومة الائتلافية وتضطرها إلى الاستقالة بعد تسعة أشهرونصف من تشكيلها. ولكن قدر الله كان بالمرصاد للعلمانيين والماسونيين، إذ لم يلبث حزب السلامة الوطني بزعامة أربكان أن عاد إلى الحكومة عندما وجد حزب العدالة نفسه مضطراً للائتلاف مع حزب السلامة الوطني لتشكيل الحكومة بيد أن عودة حزب السلامة الوطني للمشاركة في الحكومة الجديدة، وبنفس عدد وزرائه ومقاعدهم في الحكومة السابقة، لم تثن العلمانيين والماسونيين عن الكيد للحزب ولزعيمه، وانتهز هؤلاء الانتخابات النيابية التي كان مقرراً أن تجري في عام في عام 1977 فحشدوا كل إمكاناتهم، واستنفروا كل طاقاتهم العلنية والسرية من محافل ماسونية وصحافة متصهينة وعلمانية لشن حملة تشويه وافتراءات ضد مرشحي حزب السلامة العامة في تلك الانتخابات، ويبدو أن الحملة آتت أكلها فجاءت نتائج حزب السلامة الوطني في الانتخابات مخيِّبَةَ لطموحات الإسلاميين، ومفرحة للعلمانيين والماسونيين حيث انحسر عدد أعضاء الحزب في مجلس النواب التركي إلى (24) نائباً فقط، ولكن ورغم هذه الانتكاسة التي أصابت حزب السلامة الوطني فقد فرضته المعادلة السياسية آنذاك شريكاً في الائتلاف الحكومي الذي جمع حزب العدالة وحزب السلامة الوطني وحزب الحركة القومية (طوراني) في الحكومة التي تشكلت في 1/8/1977 ........للمزيد عن حياة الزعيم نجم الدين أربكان http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%86%D8%AC%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86_%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D9%83%D8%A7%D9%86
  8. الرئيس أنور السادات يكتب .. نحن والإخوان المسلمون إعداد: عبده مصطفى دسوقي الرئيس أنور السادات لقد كتب السادات هذا المقال في 19 / 1 / 1954م أي بعد قرار مجلس قيادة الثورة بحل جميع الأحزاب السياسية في ديسمبر 1953م واستثناء جماعة الإخوان المسلمين من الحل لأنها لا ينطبق عليها ما ينطبق على الأحزاب السياسية غير أن الجميع فوجئوا بعدها ودون سابق إنذار بقرار مجلس قيادة الثورة في 4/ 1 بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال ما يقرب من مائتين من قادتها، والزج بهم في السجون، وليس ذلك فحسب بل إعفاء محمد نجيب من مهامه بسبب التوتر بينه وبين جمال عبدالناصر وبعض قادة الثورة مما يدل على التخبط وعدم الاتزان في تحديد الهدف. إلا أنه وبعد مظاهرة عابدين في مارس عام 1954م قام مجلس قيادة الثورة بإعادة محمد نجيب لمنصبه مرة أخرى والإفراج عن قادة الإخوان وإعادة الجماعة لسابق نشاطها وإلغاء قرار الحل السابق في يناير، وأكثر من ذلك فقد ذهب عبدالناصر وصلاح سالم لزيارة المستشار حسن الهضيبي في منزله –كما جاء صورتهم في صحيفة الجمهورية- ومن المعروف أن السادات كان رئيس تحرير صحيفة الجمهورية فكتب يحاول يبرأ مجلس قيادة الثورة من تصرفه السابق بحل الإخوان بدون سبب، غير أنه لم يثبت كيف حادت هذه المجموعة عن منهج الإخوان، ولما هو تحدث عن هذه المجموعة خاصة وهم قادة الجماعة، والتاريخ شاهد أن الإخوان ما حادوا عن منهجهم ومبادئهم. يقــــــــــول السادات في مقاله يستطيع أي حاقد في هذه البلاد أن يرمي قادة الثورة بأية تهمة يزين له الحقد أن يرميهم بها، ويستطيع أي موتور أو أي مضلل أن يرمينا بسوء التصرف أو الجهل أو بالأنانية وأن يقلب محاسن أعمالنا إلى أضدادها .. ولكن تهمة واحدة لن يستطيع إنسان ما بالغا ما بلغ من الحقد أو الجرأة أو القحة أن يلصقها بنا أو يفتريها علينا .. تلك هى تهمة التنكر لديننا دين الإسلام المتغلغل في دمائنا المتأصل في أعماق نفوسنا وقلوبنا. ونحن كمسلمين نفهم ديننا على حقيقته وندرك حدود وتعاليمه، نرى الإسلام مجموعة من الفضائل لا يكمل الدين الحق إلا بها جميعا وتنطوي تحت لواء هذه المجموعة من الفضائل، الفدائية والصدق والاستقامة والوطنية والنأي بالوطن عما يفرق كلمة بنيه، ويعرضه لنيران الفتن. ولهذا كنا احرص الناس على بقاء جماعة الإخوان المسلمين لاعتقادنا أنها جماعة صالحة، تدعوا لدين الله ولما رسمه الإسلام من أخلاق كريمة ترفع شان المسلمين وتعزز مجدهم .. وهي نفس المبادئ التي اعتنقناها عن إيمان ويقين لا لأنها مبادئ الإخوان المسلمين بل لأنها مبادئ الإسلام نفسه التي يجب أن يتمسك بها كل مسلم، فإذا جاء اليوم هذا النفر الذي أراد أن ينحرف بهذه الجماعة الصالحة عن أهدافها الصالحة وزعم أننا نحارب الإسلام حين نحاربهم فلن يجدوا من يصدق زعمهم فلسنا نحن الذين نبيع ديننا بدنيانا ولسنا نحن الذين نحرص على جاه أو منصب بعد أن قدمنا رؤوسنا وأعناقنا نفتدي بها مصر. إن جماعة الإخوان المسلمين جماعة سامية الأهداف نبيلة الأغراض ولكنها ككل هيئة أو جماعة تضم بين صفوفها بعض من تنطوي نفوسهم على دخل .. وليس عجبا أن يظهر أمثال هؤلاء في هذه الجماعة الصالحة، فقد ابتلى بمثلهم الإسلام في مستهل دعوته وابتلى الرسول بأمثالهم من الموهنين وضعاف العزائم والناكصين على الأعقاب ومحبي الجاه والسلطان أمثال أبي سفيان .. فليس عجبا أن بين هذه الجماعة المؤمنة بعض ضعاف الإيمان أو بعض الساعين إلى الجاه والسلطان .. وحين يطغى الغرض الذاتي على الهدف النبيل فمن الواجب على كل مسلم أن يجنب المسلمين شر هذه الفتنة .. وهذا ما فعلناه لا لحماية أنفسنا.. بل لحماية الدعوة النبيلة والقصد الكريم .. بل ولحماية الإخوان المسلمين أنفسهم ممن فرضوا عليهم ” السمع والطاعة ” هذا هو رأينا فليجادلنا فيه من يؤمن بقوله تعالى : ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. وجادلهم بالتي هي أحسن. إن ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين”.أ هـ وبالرغم مما سبق من كلمات السادات والتي تعد شهادة طيبه في حق الإخوان وأهدافهم إلا أنه لم يكد يمر شهور حتى تم اعتقال آلاف الإخوان والزج بهم في السجون وإعدام بعضهم بحجة محاولة اغتيال عبدالناصر التي أثبتت الشواهد واعترافات بعض رجال الثورة أنفسهم أن هذا الحادث غير صحيح وأنه كان معد له
  9. الإستيطان الصهيوني في فلسطين حتى العام 1948 تمهيد الموستوطنات الإسرائيلية للإستيطان الصهيوني أهمية بالغة في الفكر الصهيوني، وقد هدف الكيان الصهيوني من وراء هذا الاستيطان على وضع حقائق على الأرض تفرض نفسها في أي مفاوضات مع أي طرف في النزاع العربي الإسرائيلي إضافة إلى الدوافع الاقتصادية، والمائية والأمنية، كانت الدوافع التاريخية والدينية المزعومة هدفا لإقامة المستوطنات. تميزت ظاهرة الاستيطان الصهيوني في فلسطين عن غيرها من التجارب الاستيطانية القديمة والحديثة من خلال ارتباط هذه الظاهرة بالعنف والاستيلاء على أراض مملوكة لأصحابها الشـرعيين بالقوة، مع التخطيط المسـبق لطرد هؤلاء السكان واستئصال حضارتهم والقضاء على وجودهم" ، فالاستعمار الاستيطاني اليهودي قام على أسس استعمارية وعنصرية تخالف مبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق والاتفاقات الدولية. في بادئ الأمر قامت الحركة الصهيونيه بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة ببناء القاعدة الديمغرافية اليهودية في فلسطين العربية، واتصف سلوك المستوطنين تجاه سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين بالإرهاب والعنصرية من أجل ترحيلهم والقضاء عليهم ودفعهم إلى الرحيل من وطنهم فلسطين إلى البلدان العربية المجاورة، حيث شكل الاستيطان عنصراً رئيسياً من عناصر إقامة دولة اليهود في فلسطين العربية، باعتباره وسيلة عملية تهدف إلى تهويد فلسطين وإقامة الكيان الاستيطاني فيها وتزويده باستمرار بالعنصر البشري لتقوية طاقاته العسكرية والاقتصادية والبشرية. وتبحث هذه الدراسة في موضوع الاستيطان الصهيوني والذي يعتبر ركنا أساسيا في السياسة الصهيونية والإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، فقد بذلت الحركة الصهيونية جهودا حثيثة لتطوير وزيادة الاستيطان الصهيوني قبل عام 1948 وبعده، وقد أقيمت نقاط ومراكز استيطانية على أجزاء من الأراضي التي استولت عليها المنظمات الصهيونية بمساعدة سلطات الانتداب، وقد كانت هذه المستوطنات بمثابة مواقع عسكرية وكيانات إرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين قبل وأثناء حرب 1948 ، وبالرغم من أن المقاومة الفلسطينية لهذا الاستيطان استمرت بعدة طرق وأساليب وعلى أكثر من جهة، إلا أنها لم تستطع كبح الهجرة اليهودية أو وقف الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية والتي كان هدفها التأسيس لإقامة دولة الكيان الصهيوني. تعني دارستنا بتاريخ الاستيطان الصهيوني حتى عام 1948 ، والذي دفعني لإعداد هذه الدراسة هو إدراكي لمخاطر الاستيطان الصهيوني الذي كان النواة الأولى للمشروع الصهيوني، حيث ساهم لاحقا وبشكل كبير في تأسيس دولة الكيان الصهيوني وتوسعها، وكما أن نقص الدراسات السابقة حول الاستيطان وتحديدا قبل عام 1948 شكل لنا دافعا أخرا لإنجازها. وانطلاقا مما سبق تأتي هذه الدراسة، والتي تعتمد على المنهج التاريخي لوصف نشأة وتطور ظاهرة الاستيطان الصهيوني قبل عام 1948 وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة مباحث يتناول الأول الاستيطان في الفكر الصهيوني، ويتناول الثاني مراحل الاستيطان الصهيوني في فلسطين ويختص تحديدا في دراسة الاستيطان في عهد الحكم العثماني والانتداب البريطاني، ويتناول الثالث الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، وردود الفعل الفلسطينية والعربية على الهجرة والاستيطان حتى عام 1948 ، ثمة خاتمة الدراسة. المبحث الأول أولا:- الاستيطان في الفكر الصهيوني بما أن موضوع الدراسة حول الاستيطان فلابد من العرض الموجز عن الاستيطان في الفكر الصهيوني، لإيضاح أهمية الاستيطان لدى بعض المفكرين والقادة الصهاينة والذين كان لهم دور ريادي في نشأة الاستيطان الصهيوني وتطوره، لتكون الصورة واضحة ومساعدة في تحليل تطور الاستيطان الصهيوني عبر الفترة التاريخية التي تتعرض لها هذه الدراسة . تتمثل أسطورة الاستيطان الصهيوني في زعم المفكرين والقادة الصهاينة أن فلسطين هي الكيان الصهيوني أو صهيون" وأن تاريخها قد توقف تماما برحيل اليهود عنها ، بل أن تاريخ اليهود أنفسهم قد توقف هو الآخر برحيلهم عنها ، ولن يستأنف هذا التاريخ إلا بعودتهم إليها فهو تاريخ مقدس" ، وقد جسدت الحركة الصهيونية في فلسطين العقدية التوراتية في طرحها للاستيطان ، حيث حولت ممارساتها العملية لاستعمارها الاستيطاني في فلسطين إلى مفهوم توراتي "عودة الشعب إلى أرض الميعاد " وبذلك يتم استقبال المهاجرين المستوطنين اليهود إلى فلسطين كمهاجرين إلى ارض الكيان الصهيوني . يمثل هؤلاء المهاجرون توطين استيطاني كولونيالي، بمعنى قيام جماعات اليهود الأجنبية باستيطان أرض فلسطين وممارستهم السلطة فوق تلك الأرض على من كان ولا يزال فيها من السكان الفلسطينيين"لأن الأيدلوجية الصهيونية في فلسفتها الخاصة قامت على أساس نفي الآخر واقتلاعه، لا التعايش مع أو القبول بوجوده، وعليه فإن غايتها في البدء أو النهاية هي الإجلاء والإحلال وإزاحة الفلسطيني لتوطين هؤلاء المهاجرين مكانهم" ، لقد واكب الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ البداية ظواهر التعالي القومي تجاه المواطنين المحليين حيث ساد بينهم الرأي القائل بان العربي يحترم الآخرين إذا فهم لغة واحدة هي القوة، فقد ارتبطت الصهيونية بالاستيطان باعتباره جزءا منها وأساسا مهما في مشروعها، إذ قامت على ثلاثة أسس متكاملة" ، الأول أن اليهود رغم انتمائهم للعديد من الدول والمجتمعات يمثلون قومية واحدة تتميز بصفات عرقية سامية ، والثاني أن علاقة اليهود مع الشعوب الأخرى تقوم على العداء والصراع تلخصها ظاهرة معاداة السامية ، والثالث إن مشكلة اليهودية لا حل لها إلا بإقامة دولة يهودية ، وإن هذه الدولة تتمثل في ارض الميعاد و الاستيطان فيها ، وأساس ذلك "إذا كان هناك من شعب مختار فثمة أيضا أرض مختارة ، فالأصل في استمرار الصهيونية لا يكون إلا من خلال استمرار الاستيطان في فلسطين" . فالبرامج الاستيطانية الصهيونية جاءت لإقامة المستعمرات اليهودية على الأراضي الفلسطينية تحت تبريرات دينية وتاريخية مفادها أن هناك حقوقاً تاريخية ودينية يهودية على أرض فلسطين ، وهذه الحقوق هي التي وعد بها الرب الشعب اليهودي، وقد تطور هذا المفهوم فيما بعد إلى جعل إقامة المستعمرات أداة لتعزيز أمن دولة الكيان الصهيوني بعد قيامها عام 1948 ، ولتأكيد ذلك يقول عضو الكنيست الإسرائيلي السابق يشعياهو بن فورت في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية"إن الحقيقة هي لا صهيونية بدون استيطان، ولا دولة يهودية بدون إخلاء العرب ومصادرة أراضي وتسييجها" . فالاستيطان الإسرائيلي هو التطبيق العملي للفكر الاستراتيجي الصهيوني الذي انتهج فلسفة أساسها الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، بعد طرد سكانها الفلسطينيين بشتى الوسائل بحجج ودعاوي دينية وتاريخية باطلة، وترويج مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وجلب أعداداً، كبيرة من اليهود من مختلف أنحاء العالم، وإحلالهم بدلاً من العرب الفلسطينيين، بهدف إقامة دولة يهودية في المنطقة العربية. ويتضح من كل ما سبق إن إقامة المستعمرات والاستيطان على الأرض الفلسطينية يمثل حجر الزاوية في الإيديولوجية الصهيونية وذلك للأهمية العظمى التي ينطوي عليها الاستيطان وتكمن هذه الأهمية في عدة جوانب ديمغرافية وأمنية وسياسية واقتصادية ومائية وطائفية، فإقامة المستعمرات يعمل على جلب المزيد من المهاجرين اليهود وبالتالي تهويد الأرض الفلسطينية، فمنذ أن جاءت حركة الاستعمار الاستيطاني في أواخر القرن التاسع عشر، تمكن المستوطنون اليهود من السيطرة على المناطق الإستراتيجية والموارد المائية، بالإضافة إلى السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة وبمساعدة المؤسسات الصهيونية من جهة، ودعم بريطانيا من جهة أخرى، أمكن للمهاجرين اليهود من السيطرة على المقدرات الاقتصادية لفلسطين، مثل شركات الكهرباء والماء والشركات الزراعية الصناعية وغيرها. ثانيا: بداية الاستيطان اليهودي في فلسطين بدأت فكرة الاستيطان في فلسطين ، تلوح في الأفق، بعد ظهور حركة الإصلاح الديني على يد مارتن لوثر في أوروبا، حيث بدأ أصحاب المذهب البروتستانتي الجديد بترويج فكرة تقضي بأن اليهود ليسوا جزءاً من النسيج الحضاري الغربي، وإنما هم شعب الله المختار، وطنهم المقدس فلسطين ، يجب أن يعودوا إليه ، وكانت أولى الدعوات لتحقيق هذه الفكرة ما قام به التاجر الدنماركي أوليغربولي عام 1695 ، الذي أعد خطة لتوطين اليهود في فلسطين ، وقام بتسليمها إلى ملوك أوروبا في ذلك الوقت، وفي عام 1799 ، و كان الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت أول زعيم دولة يقترح إنشاء دولة يهودية في فلسطين أثناء حملته الشهيرة على مصر و سوريا . واشتدت حملة الدعوات للمشروع الاستيطاني اليهودي في فلسطين في القرن التاسع عشر، حيث انطلقت هذه الدعوات من أوروبا مستغلة المناخ السياسي السائد حول الأطماع الاستعمارية الأوروبية في تقسيم ممتلكات الرجل المريض"الدولة العثمانية" والتي عرفت حينئذ بالمسألة الشرقية، وقد تولى أمر هذه الدعوات عدد من زعماء اليهود وغيرهم،أمثال:اللورد شاتسبوري، الذي دعا إلى حل المسالة الشرقيـة عن طريق استعمـار اليهـود لفلسطيـن ، بدعم من الدول العظمى ساعده في ذلك اللورد بالمرستون"1856-1784" ، الذي شغل عدة مناصب منها، وزير خارجية بريطانيا، ثم رئيس مجلس وزرائها حيث قام بتعيين أول قنصل بريطاني في القدس عام 1838 وتكليفه بمنح الحماية الرسمية لليهود في فلسطين ،كما طلب من السفير البريطاني في القسطنطينية بالتدخل لدى السلطان العثماني للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين . وبعد ظهور الحركة الصهيونية كحركة سياسية عملية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، سعت هذه الحركة إلى السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وكان من أبرز نشطائها لورنس أوليفانت 1888-1820 والذي كان عضواً في البرلمان الإنجليزي، وعمل أيضاً في السلك الدبلوماسي الإنجليزي، اعتقد بضرورة تخليص اليهود من الحضارة الغربية بتوطينهم في فلسطين ، وذلك بإدخالهم كعنصر لإنقاذ الدولة العثمانية من مشاكلها الاقتصادية، لما يتمتع به اليهود من ذكاء في الأعمال التجارية ومقدره على جمع الأموال، ومن أجل ذلك قام في عام 1880 م بنشر كتاب بعنوان أرض جلعاد اقترح فيه إنشاء مستوطنة يهودية شرقي الأردن شمال البحر الميت، لتكون تحت السيادة العثمانية بحماية بريطانية، وكذلك شجع استعمار اليهود في فلسطين والمناطق المجاورة عن طريق إقامة مستعمرات جديدة ومساعدة القائم منها . وبالإضافة إلى أوليفانت حاول العديد من زعماء اليهود في القرن التاسع عشر القيام بمشاريع لتوطين اليهود في فلسطين ،ومن بين هؤلاء مونتفيوري ( 1784 - 1885 ) الذي حاول استئجار 200 قرية في الجليل لمدة 50 عاماً مقابل 10%-20% من إنتاجها، إلا أن هذه المحاولة فشلت أمام رفض الحاكم المصري لبلاد الشام آنذاك،ثم نجح في الحصول على موافقة السلطان العثماني بشراء عدد من قطع الأراضي بالقرب من القدس ويافا، واسكن فيها مجموعة من العائلات اليهودية، إلا أن هذه الخطوة أخفقت أيضاً تحت تحفظ السلطات العثمانية لمشاريع الاستيطان في فلسطين ،كما بذل وليم هشلر جهوداً في جمع تبرعات مادية وإرسالها إلى الجمعيات الصهيونية لتشجيع الاستيطان في فلسطين تحت الحماية البريطانية" . أما المبشرون الأمريكيون فقد ساهموا في عودة اليهود إلي فلسطين ففي عام 1814 وقف القس جون ماكدونالد راعي الكنيسة المسيحية داعيا إلي أن اليهود يجب أن يعودا إلي أرض صهيون ، ولقد تبعه العشرات من المبشرين الذين دعوا إلي نفس الفكرة ففي النصف الأول من القرن التاسع قام أحد قادة البروتستانت بالهجرة إلي فلسطين وأنشأ هناك مستوطنة زراعية يهودية لتدريب المهاجرين اليهود علي الزراعة ، وكذلك قامت السيدة كلواندا مانيور زوجة أحد كبار التجار وهي من البروتستانت مجموعة من رجال الدين المسيحي للهجرة إلي فلسطين عام 1850 وملكت مساحات شاسعة من الأراضي وهبتها لإقامة المستوطنات اليهودية وهكذا ساعد البروتستانت اليهود في دخول فلسطين ، و قام الاتحاد الإسرائيلي العالمي (الاليانس) الذي تأسس عام 1860 باستئجار 2600 دونم لمدة 99 عاماً،أقيمت عليها مدرسة زراعية بدعم من البارون روتشيلد لتدريب اليهود المهاجرين على الزراعة. وفى عام 1870 تم تأسـيس مسـتوطنة (مكفا إسرائيل) وتعنى أمل الكيان الصهيوني في لواء القدس والتي أنشأت مدرسه كانت تهدف إلى تزويد المستوطنين اليهود بالخبرة الزراعية وتقـديم التسهيلات لهم. هذا ويعتبرها المؤرخون اليهود أول مستوطنه زراعية يهودية في فلسطين . في عام 1878 قامت مجموعة من اليهود بشراء 3375 دونم من أراضى قرية ملبس وتم تسجيلها باسم النمساوي سلومون، واستمرت المحاولات اليهودية للسيطرة على الأراضي الفلسطينية حتى عام 1881 الذي يعتبره المؤرخ اليهودي والترلاكور بداية التاريخ الرسمي للاستيطان اليهودي في فلسطين بعد أن وصل حوالي 3000 يهودي من أوروبا الشرقية، تمكنوا من إنشاء عدد من المستوطنات في الفترة من 1882 - 1884 ، وتوالت فيما بعد عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بشتى الوسائل منها الشراء أو الاستئجار لمدة طويلة ، وقد لعبت المؤسسات اليهودية التي أنشئت لهذا الغرض ومن بينها:منظمة بيكا التي أسسها روتشيلد، والوكالة اليهودية التي انبثقت من المؤتمر الصهيوني العالمي الأول عام 1897 ، والصندوق القومي اليهودي "الكيرن كايمت" وصندوق التأسيس اليهودي"الكيرن هايسود" والشركة الإنجليزية الفلسطينية. وبالرغم من إن المستوطنات لم تظهر بشكل منتظم خلال القرن التاسع عشر إلا في عام 1878 ،عندما تمكن مجموعة من يهود القدس من تأسيس مستوطنة بتاح تكفا، وفي عام 1882 ثم إنشاء ثلاث مستوطنات ،هي مستوطنة ريشون ليتسيون وزخرون يعقوب وروش يبنا،ثم مستوطنتي يسود همعليه وعفرون عام 1883 ، ومستوطنة جديرا عام 1884 ، وفي عام 1890 أقيمت مستوطنات رحوبوت ومشمار هيارون وبعد انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي الثاني عام 1898 أقر قانون المنظمة الصهيونية العالمية التي أخذت على عاتقها كافة الشؤون المتعلقة بالاستيطان بعد أن وصل عدد المستوطنات الإسرائيلية الزراعية إلى"22" مستوطنة، سيطرت على 200 ألف دونم ارتفعت إلى 418 ألف دونم . وساهم تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بزعامة هرتسل سنة 1897 ، بوضع حجر الأساس للمشروع الصهيوني، حيث كان الأساس الأيديولوجي الذي اعتمدته الحركة الصهيونية، منذ بـدء نشاطها أواخر القرن التاسع عشر- مقولة إن المشروع الصهيوني هو عودة شعب بلا أرض إلى أرض بلا شعب" . فعملت المؤتمرات الصهيونية العالمية بدءاً من المؤتمر الأول على تنفيذ برامجها التي تمحورت حول برنامج المؤتمر الأول عام 1897 ،" ويدعو هذا البرنامج إلى العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفق أسس مناسبة، وتغذية وتقوية المشاعر اليهودية والوعي القومي اليهودي، واتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية ، فقد سعت الحركة الصهيونية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى امتلاك أكبر مساحة ممكنة من الأراضي باعتبار ذلك إحدى الركائز الضرورية لإقامة دوله يهودية على أنقاض فلسطين العربية، ولقد ساعد نظام ملكية الأراضي الذي كان سائداً في فلسطين ومناطق أخرى من الإمبراطورية العثمانية آنذاك الصهاينة على تحقيق بعض مخططاتهم في امتلاك الأراضي الفلسطينية وتهويدها ........للمزيد من المتابعة http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%87%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A_%D9%81%D9%8A_%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86_%D8%AD%D8%AA%D9%89_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85_1948
  10. القدس تنادينا.. ألا من مجيب؟ بقلم الإمام حسن البنا أيها الفلسطينيون البواسل من شباب محمد وحماة بيت المقدس: صبر جميل ... ولقد ربحتم كثيرًا، ولو لم يكن من نتائج ثورتكم المباركة الحقة إلا أن كشفتم غشاوات الذلة وحجب الاستسلام عن النفوس الإسلامية، وأرشدتم شعوب الإسلام إلى ما في صناعة الموت من لذة وجمال وروعة وربح لكنتم الفائزين، ولكن أبشروا فليس ذلك ربحكم فقط، ولكنكم ربحتم معه إعجاب العالم وثواب الله، وستربحون النصر المؤزر في القريب إن شاء الله. والله معكم ولن يتركم أعمالكم. وأنتم أيها المسلمون في أقطار الأرض: اذكروا هذا الدرس جيدًا، واعلموا أنه جاءكم في أمس أوقاتكم حاجة إليه، وتلقيتموه والعالم على فوهة بركان، فإياكم أن ترجعوا بعد اليوم "غنمًا" يصرفها الذئب أنى شاء لتكون له في الحرب فداء وفي السلم غذاء، ولكن تجهزوا لتحرروا ولتدفعوا عن أنفسكم كل كافر خوان لا عهد له ولا ذمة ولا موثق له ولا أمان. أيها المسلمون في أقطار الأرض: إن فلسطين هي خط الدفاع الأول؛ والضربة الأولى نصف المعركة، فالمجاهدون فيها إنما يدافعون عن مستقبل بلادكم وأنفسكم وذراريكم كما يدفعون عن أنفسهم وبلادهم وذراريهم، وليس قضية فلسطين قضية قطر شرقي ولا قضية الأمة العربية وحدها، ولكن قضية الإسلام وأهل الإسلام جميعًا، ولا محل للتدليل على حقوق العرب فيها، ولا محل لإيضاح هذه الحقوق وبيانها، ولا محل للأقوال والخطب والمقالات. ولكن الساعة ساعة العمل. احتجوا بكل مناسبة وبكل طريق. قاطعوا خصوم القضية الإسلامية مهما كانت جنسياتهم أو نحلهم. تبرعوا بالأموال للأسر الفقيرة والبيوت المنكوبة والمجاهدين البواسل. تطوعوا إن استطعتم - لا عذر لمعتذر - فليس هناك ما يمنع من العمل إلا ضعف الإيمان. ولا يهلك على الله إلا هالك. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج: من الآية 40). مجلة النذير، العدد "18"، السنة الأولى، 2 شعبان 1357ﻫ- 26 سبتمبر 1938م، ص"3-5". وفي هذا المقام فإننا ندعو الأمة كلها إلى ما يلي: التحرك والضغط الفعَّال بالرأي العام والوسائل السلمية على الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية لكي تقوم بدورها ومسئوليتها لوقف هذه الكارثة، والتأكيد على أن القدس والمسجد الأقصى مسئولية كل العرب والمسلمين، ولا يجوز أن تكون محلاًّ للتفاوض. تحرك المنظمات الدولية والمحلية ومؤسسات المجتمع المدني لوقف المخططات الصهيونية، ونزع فتيل محاولات الصهاينة لإشعال حرب عالمية كما فعلوا قبل ذلك في التاريخ. ضرورة قطع العلاقات مع العدو الصهيوني سياسيًّا ودبلوماسيًّا واقتصاديًّا، وما يقتضيه ذلك من طرد سفرائه ووقف أعمال التطبيع معه، وتفعيل المقاطعة بكافة أشكالها. إلغاء الاتفاقيات التي أُبرمت للسلام المزعوم بين الصهاينة وبعض الدول العربية والإسلامية وإعلان كل المخالفات التي تقع الآن ضد هذه الاتفاقيات المزعومة. دعوة البرلمانيين في الدول العربية والإسلامية، بما في ذلك فلسطين لأن يكون لهم دور فاعل في التصدي لمخططات الصهاينة لتهويد القدس وهدم[المسجد الأقصى، وتفعيل لجنة القدس. إعلان يوم الجمعة 9/10/2009م يوم غضب عالمي لكل الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم؛ للوقوف صفًّا واحدًا ضد الصهاينة ومشروعهم وعدوانهم وضد كل من يساندهم أو يقف معهم. الدعوة المستمرة إلى تكرار مثل هذه الوقفات الغاضبة ضد الصهاينة كواجب أخلاقي وإنساني ووطني وشرعي وقومي للمزيد من المتابعة ........http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3_%D8%AA%D9%86%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A7_%D8%A3%D9%84%D8%A7_%D9%85%D9%86_%D9%85%D8%AC%D9%8A%D8%A8
  11. لقد شهدت البلاد موجة طاغية من الانحلال الأخلاقي تحت ظل الاحتلال الإنجليزي، الذي عمل على تجريد الأمة من هويتها الإسلامية، ولقد استهدف المحتل ضرب حصن الأمة المتمثل في المرأة؛ لأنه يدرك أنها الحصن الحصين لأية أمة، فعمل على نشر الانحلال وفلسفة تحرير المرأة، وعاونه على ذلك رجال ونساء حسبوا أنفسهم على الأمة الإسلامية، وبالرغم من شراسة الحملة ضد المرأة إلا أنه ظهرت نماذج للمرأة استطاعت التصدي للفكر الغربي والرد على أذنابه، ونشر الفضيلة وسط نساء الأمة. ولقد كان بين الأخوات المسلمات نماذج صدق فى القرن العشرين: أمهات وزوجات وبنات وأخوات تجسدت فيهن سيرة نساء السلف الصالح فهمًا وعملاً وصبرًا على المحن التي تعرضن لها. وهذه زهرة أخرى من بستان الأخوات المسلمات نقتطفها ونهديها لأبناء الأمة الإسلامية رجالاً ونساء، شيوخًا وشبابًا؛ ليتعرفوا على النماذج الصالحة للمرأة المسلمة في ظل التغريب ومحاولة طمس هوية الأمة. معنا زهرة عملت منذ تفتحها على نشر عبيرها وسط بنات الأمة وهى السيدة أمينة الجوهري. نشأتها نشأت أمينة علي –وهذا اسمها الحقيقي- في بيت حرص على تعلم القرآن الكريم، والسير على نهج رسول الله (ص) ، فبالرغم من كونها لم تحصل على شهادات دراسية إلا أن أباها عمل على تعليمها الكتابة والقراءة مما ساعدها كثيرًا على حفظ قدر كبير من القرآن الكريم، وترعرت الزهرة على حب الإسلام، وعملت على بث روح الإسلام الصحيح وسط صديقاتها وقريناتها. وفي عام 1935م تقدم الشاب محمود الجوهري ليحظى بهذه الزهرة المصونة، وتم الزواج ليجتمع هذان القلبان على حب الإسلام والعمل له، فكان سندًا لها، وكانت عونًا له على نشر مفاهيم الإسلام الصحيحة. على طريق الدعوة كان الشاب محمود الجوهري -الذي ولد عام 1913م- شابًّا يحب الإسلام والعمل له، وكان يدعو أن يرزقه الله الزوجة الصالحة التي تعينه على ذلك، واستجاب الله لدعائه فرزقه بفتاة على خلق ودين وهي السيدة أمينة علي، وتم الزفاف عام 1935م، ولم يدريا ما خبأه الله لهما من خير، ففي عام 1940م تعرف الزوج على دعوة الإخوان المسلمين، وعاد وقلبه يرقص فرحًا بهذا الخير يزفه لشريكة حياته، فما كان منها إلا أن شاركته الفرحة، وطلبت منه أن تعمل هي أيضًا تحت هذا اللواء، ويذكر الأستاذ الجوهري عن كيفية تعرفهما على دعوة الإخوان فيقول: "كان لي زميل في المدرسة، سكنه في حي (طولون)، وكان يسبقني في الانتساب إلى الإخوان المسلمين بفترة، وكان بحكم منزله في حي (طولون) قد طلب منه بعض السيدات أن يعطيهنّ درسًا في الدين في مكانٍ أثري وواسع كان بالقرب من مسجد (أحمد بن طولون)، وكان يرى نشاطي، ويرى أنني كنت أقوم في المدرسة بجمع الأولاد في فترة الظهر، وهي فترة بين الصباح والمساء، وكانت الساعة حوالي الواحدة ظهرًا، كنت أذهب إلى المنزل أتناول الغداء، ثم أرجع إلى المدرسة أجمع الأولاد وأعلمهم أولاً كيفية الوضوء، ثم أعلِّمُهم كيفية أداء الصلاة، وكانت الاستجابة من التلاميذ استجابةً طيبةً، وكان العدد كبيرًا، وفي هذه الأثناء طلب مني زميلي "الأستاذ هاشم العمري" أن ألقي درسًا للسيدات في هذا المكان الأثري الذي كان يلقي فيه هو درسًا للسيدات، وفعلاً ذهبتُ، ولكني أخذت معي زوجتي الحاجة "أمينة علي"، وعندما ذهبنا إلى المكان جعلتُ الحاجة "أمينة" تتكلم وتعطي الدرس، وكان ذلك في عام 1942م، وبعد إلقائها الدرس طلبت الحاضرات معاودة ترددها على المكان مرةً أخرى، وجاءت لي "أمينة" وقالت: يريدون درسًا في أماكن أخرى؟ فقلت لها: انتظري حتى أسأل، وذهبت إلى الإمام الشهيد "حسن البنا" وقلتُ له على الموضوع كله، وقلت له: هناك ثلاثة أو أربعة مساجد مفتوحة، ونريد وُعَّاظًا. فقال: الحمد لله.. هذا عظيم، وقال لي: لا ترد طلبًا.. فقلت: نريد وعاظًا، فكلَّم الشيخ "عبداللطيف الشعشاعي"، فكان يعطي الدروس الشيخ "عبد اللطيف الشعشاعي" و"محمود سعيد" و"زينب عبد المجيد" زوجة الشيخ "عبد اللطيف" و"أمينة علي" لكل واحد منهم درس. ولقد اعتنى الإمام الشهيد -عليه رحمة الله- بقسم الأخوات فأولاه اهتمامًا شديدًا، واتخذ هذا القسم له مقرًا في 17 شارع الخازن بالحلمية الجديدة، بجوار المركز العام، ولقد انتخب القسم لجنة تنفيذية من بعض الأخوات للإشراف على عمل الأخوات، وقد ضمت هذه اللجنة كلاًّ من: السيدة/ أمال عشماوي "رئيسة". والسيدة/ فاطمة عبد الهادي "وكيلة". والسيدة/ أمينة علي "أمينة الصندوق". وفاطمة توفيق "سكرتيرة أولى". ومنيرة محمد نصر "سكرتيرة ثانية". وزينب عبد المجيد. وهانم صالح. وسنية الوشاحي. وفاطمة عبيد. وزهرة السنانيري. ومحاسن بدر. وفاطمة البدري. وكان ذلك في 12 من ربيع الأول 1363ه الموافق 14 من أبريل 1944م، واتخذت لها مقرًّا بالمنزل رقم 17شارع سنجر الخازن بالحلمية الجديدة بالقاهرة، ثم تحول مقر القسم لمنزل المستشار منير دلة بشارع إسماعيل سري رقم 16، وفي انتخابات 1948 اختيرت السيدة أمينة علي سكرتيرة للقسم. وقد نشطت السيدة أمينة علي في نشر فكر الأخوات المسلمات بالاشتراك مع أخواتها، فكونّ لجنة لزيارة الشعب والأقاليم وتفقد أحوالها، وتكونت هذه اللجنة من أمينة الجوهري وزينب عبد المجيد زوجة الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي واعظ قسم الأخوات، وفاطمة عبد الهادي حرم الشهيد محمد يوسف هواش -الذي حكم عليه عبد الناصر مع الشهيد سيد قطب وعبد الفتاح إسماعيل بالإعدام عام 1965م- وقد زارت هذه اللجنة معظم فروع الأخوات في الوجه البحري والإسكندرية وبعض مدن الصعيد. نشاطها الدعوي لقد تولى الأستاذ محمود الجوهري مسئولية القسم منذ عام 1942 ومعه الحاجة أمينة زوجه والشيخ عبد اللطيف الشعشاعي وزوجه والأخ محمود سعيد وأخته وربما يعود ذلك إلى أن الأخوات لم يؤهلن بعد للمستوى الإداري المطلوب وإن كان منهن مجاهدات ضربن أروع الأمثلة في العمل الدعوي والثبات وقت المحن أذكر منهن الحاجة فاطمة عبد الباري (( أم صلاح )) وهي أمية وتقطن حي الجيارة بمصر القديمة وبالرغم من ذلك لم تكلف بشيء إلا أتمته على أكمل وجه. كانت أمينة علي أمينة الصندوق لقسم الأخوات، ثم انتخبت سكرتيرة للقسم، ولم يكن ذلك عملها فحسب بل كانت داعية في المقام الأول، فكتبت في صحف الإخوان المسلمين المختلفة تحث النساء على العمل للإسلام، وتوجه الأخوات لكيفية العمل، وكانت تكتب في ركن الأخوات في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية تحت عنوان: أخواتنا، وفي مجلة الإخوان اليومية تحت عنوان: إليك. أضف لذلك نشاطها في لجنة الزيارات التي كونها القسم، ولم يقتصر نشاطها على الجانب الدعوي وفقط، بل كان لها دورها في الجانب السياسي؛ حيث كانت ضمن المجموعة التي توجهت للوزراء والملك بمذكرة من الإمام البنا لدحض أسباب حل الجماعة عام 1948م، يقول الأستاذ الجوهري: "قامت مجموعة من (الأخوات) سلَّمهم الإمام الشهيد مذكرةً تفنِّد مبررات حل (الإخوان) للطواف بها على مكاتب الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشيوخ والقصر الملكي ورئاسة الوزراء، ومن ضمن المكاتب التي مرَّت عليها هذه المجموعة مكتب وزير من وزراء الوزارة السعدية في هذا الوقت، وهو "علي أيوب"، وقد كان شديد الكراهية كباقي أعضاء الوزارة السعدية لـ(الإخوان) وما يقوم به (الإخوان). فلمَّا عرف أن هذه العريضة من المرشد العام ومن (الأخوات) هاج هياج الثائر في الحرب، وهدَّد وصاح، ولكن (الأخوات) كُنَّ في ثبات، فردت عليه إحداهن: "هذا ما سلمناه لك هو رأي (الإخوان).. قبلته أم لم تقبله"، وانصرفن من عنده إلى القصر الملكي في (عابدين)، وأذكُر من هذه اللجنة "أمينة علي" و"فاطمة عبد الهادي" و"زينب عبد المجيد" و"فاطمة توفيق".. مجموعة مكونة من حوالي سبعة أو ثمانية، ودخلن القصر الملكي لتبليغ هذه العريضة للملك عن طريق لقائهن بالملكة، فاستقبلتهن كبيرةُ الوصيفات بكلام لطيف، فقالت الحاجة "أمينة علي" -وهن خارجات من القصر: ?كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ? [الدخان: 25-26]، وإن شاء الله نرث هذه الجنات. كما أنها اعتنت بالجانب الاجتماعي فأنشأت مع الأخوات مدرسة لليتيمات (مدرسة التربية الإسلامية للفتاة)، وكانت ناظرة المدرسة الأخت فاطمة عبد الهادي، وكان مقر المدرسة في شارع بستان الفاضل بالمنيرة، وظلت تعمل حتى أصابها ما أصاب ممتلكات الجماعة بعد الحل في 8 ديسمبر 1948م، حيث استولت الحكومة عليها، وتقول فاطمة خليل في ذلك: "وفي عصرنا الحاضر هناك نساء شاركن في تنمية الجانب الاجتماعي في المجتمع؛ فهذه أمينة علي زوجة محمود الجوهري تنشئ مدرسة لتعليم الفتيات اليتيمات، ومن خلالها تقيم المعارض للأشغال اليدوية، وتجعل ريعها لمساعدة أسر الشهداء والأسرى والمعتقلين . فعلى النساء الداعيات اتّباع الشريعة الربانية، وأن يكن أقوى عقيدةً وأعلى همةً مما هن عليه، فيعملن على استنهاض همم النساء ليقمن بأداء الأمانة العظمى التي أخذها الله على بني البشر، وهي التمكين لدين الله في الأرض، وتعيد الأجيال التائهة إلى الإسلام وواحته الغناء". وفي 1954م كان لها دور في مستوصف الإخوان بإمبابة في علاج الفقراء، ومحاولة حل المشاكل الأسرية التي تقع بين الأزواج والزوجات، يقول الأستاذ الجوهري: "وكان من ضمن نشاط قسم (الأخوات) حلُّ مشاكل الأسر، وكانت أي مشكلة يعرف بها الإمام الشهيد في بيت من بيوت (الإخوان) كان يرسل إليَّ، أو إذا كنت موجودًا كان يقول: روح أنت والحاجة "أمينة" بيت فلان في المكان الفلاني وحلُّوا المشكلة، وكنَّا نذهب، وكنَّا نسهر في بعض الأوقات مدةً طويلةً حتى تُحلَّ المشكلة". كما أقام الأخوات معرضًا للملابس والأدوات المنزلية وغيرها من المشاريع التي كانوا ينفقون عائدها على الفقراء. وبعد تعرض الإخوان للمحنة عام 1954م، ودخول كثير منهم السجن، أخذت السيدة أمينة على عاتقها رعاية أبناء الشهداء والإنفاق على بيوت المعتقلين من الإخوان، وشاركها كثير من الأخوات أمثال السيدة نعيمة خطاب زوجة المستشار الهضيبي وابنتها خالدة، والسيدة زينب الغزالي، والسيدة أم أحمد وغيرهن، فقد كون لجنتين اللجنة الأولى ومهمتها إعداد الطعام والملابس للإخوان بالسجون، وكانت مسئولة هذه اللجنة الأخت زهرة السنانيري -شقيقة الأستاذ كمال السنانيري- تعاونها الأخت أمينة علي وفاطمة عبد الهادي وسنية الوشاحي وغيرهن، واللجنة الثانية مهمتها زيارة أسر الإخوان المعتقلين بصفة مستمرة، وتقديم كل ما تحتاجه هذه الأسر ماديًّا وأدبيًّا. وبعد مذبحة طرة في أول يونيو 1957م، والتي أقدم عليها نظام عبد الناصر في حق واحد وعشرين من الإخوان قامت الأخوات برعاية أسرهم، تقول السيدة زينب الغزالي في ذلك: "علمت أن الوالدة الفاضلة المجاهدة الكبيرة حرم الأستاذ الهضيبي تبذل هي أيضًا مجهودًا كبيرًا مع بعض الفضليات الكريمات من الأخوات المسلمات مثل: المجاهدة آمال العشماوي حرم الأستاذ منير الدلة، وكانت هي بنفسها على رأس الأخوات المسلمات. ومثل خالدة حسن الهضيبي وأمينة قطب وحميدة قطب وفتحية بكر والمجاهدة أمينة الجوهري وعلية الهضيبي وتحية سليمان الجبيلي. واتسعت اتصالاتي رويدًا رويدًا فاتصلت بخالدة الهضيبي في سرية شديدة ثم بحميدة قطب وأمينة قطب. وكل ذلك من أجل المعذبين والأطفال واليتامى
  12. اذكروا فلسطين بقلم / الأستاذ صالح عشماوي ... الوكيل العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ صالح عشماوي هل أتاك حديث القبلة الأولى ومقر المسجد الأقصى؟ هل سمعت أنباء البلاء الذي ينصب على عرب فلسطين المسلمين؟ هل قرأت ما يعانيه المجاهدون في فلسطين من فظائع وتعذيب وتنكيل؟ هل وصل إلى آذانك صوت القنابل يمزق أجساد المصلين والديناميت ينسف بيوت الآمنين؟ هل ترامى إليك خبر تمزيق القرآن الكريم وهتك أعراض المسلمات والمسلمين؟ هل علمت أن العربي في فلسطين يؤخذ إلى مكان أثبتت في أرضه قطع الزجاج ورءوس المسامير ويكرهونه على المشي والقفز فوقها فإذا تلكأ انهالت السياط عليه فلا يزال يقوم ويقع والدم ينزف من رجليه ويديه وسائر جسمه، حتى يرتمي آخر الأمر منهوكا أو مغمى عليه، وينزعون ثيابه ثم يضربونه بألواح من الخشب دقت فيها مسامير فيسيل دمه، ويركبونه على خشبة ويربطون في رجليه أثقالا من أكياس الرمل حتى يغمى عليه ويقرنون رجليه ويربطون إبهامه بسلك من الحديد ثم يشدونه حتى تكاد إبهامه تتقطع، ويلقون على ظهره ويربطون أعضائه التناسلية برباط متصل ببكرة في السقف ثم يجذبون الحبل شيئا فشيئا حتى يغمى عليه، ويقلعون أظافره بكلاليب خاصة، واحد بعد واحد، ويشدونه من شاربه ولحيته إذا كان ملتحيا وينتفون شعره ويصبون الماء في فمه بواسطة محقن خاص حتى يملأ جوفه وينتفخ كالقربة فيتألم أشد الألم، ويحمون أسياخ الحديد أمامه حتى تلتهب كالجمر ثم ينخسونه بأطرافها ويأتون بالمسامير المحماة بالنار ويغرزونها تحت أظافره! هل سمعت كل هذا أو قرأته، ووصل إلى علمك وترامى نبأه إليك؟! كم كنت أحب ألا تكون سمعت أو قرأت أو فهمت حتى أبرر جمودك وأفهم السبب في سكوتك ولكني أقول والأسف يملأ جوانبي، ما من مصري إلا وسمع هذا أو بعضه ومع ذلك فالمصريون جامدون والمسلمون ساكتون! لا وربي بل أنهم يرقصون ويطربون وينعمون أو يضحكون، أي ثأر بين مصر وفلسطين أي عداء قيم وجفاء دفين بين فلسطين المقدسة ومصر الزعيمة، أهو لجوار وذكريات الماضي أم الوحدة في اللغة والعادات والدين. في مصر عمارات عالية تشيد وتبنى وفي فلسطين بيوت قائمة تنسف وتمحى. في مصر رجال يتخمون من الأكل وفي فلسطين رجال وأطفال يبيتون على الطوى. في مصر رجال يتكئون على الأرائك ويركبون السيارات وفي فلسطين رجال يسيرون حفاة الأقدام يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء!. في مصر نساء يتزين بأبهج الملابس وأثمن الجواهر وفي فلسطين نساء يتشحن بالسواد! في مصر في كل بيت وحي فرح وطرب وفي فلسطين في كل بيت مأتم وحداد! أهكذا يكون موقف الجار من جاره والمسلم من أخيه "ومصر الزعيمة" من فلسطين الشقيقة! إن فلسطين ليست ملك العرب ولكنها للمسلمين جميعا، إن الأرض التي بارك الله حولها وأسرى رسوله الكريم صلوات الله عليه وسلامه إليها وقام فيها المسجد الأقصي ومنه عرج النبي الأمين إلى السموات العلى إلى سدرة المنتهى، لهي أرض عزيزة على نفس كل مسلم وتراث خالد لكل مؤمن يفتديه بالمال والنفس. إن قيام دولة يهودية على حدود مصر الشرقية لتهدنا في كياننا وفي استقلالنا وفي تجارتنا وفي أخلاقنا وفضائلنا، أليس اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا؟ أليسوا أصحاب المذاهب الهدامة من شيوعية وإباحية؟ فإلى الذين يؤمنون بأن مصر فرعونية نقول لهم إن استقلال مصر أمسى في خطر الزوال بقيام دولة اليهود في فلسطين وإلى الذين يؤمنون بالله ورسوله نقول لهم إن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الأرض المقدسة واستخلاصها للمسلمين أضحى فرض عين على كل مسلم ومسلمة. إلى الذين لا يؤمنون بوطن ولا دين ولا يعبدون إلا الدينار ولا يسبحون إلا بحمد الله نقول له أن آمالكم وأطماعكم وشهواتكم مهددة جميعًا بإنشاء دولة الصهيون في فلسطين. أمام هذه الكارثة القومية والإسلامية وإزاء تلك الفاجعة التي اختلطت فيها المصلحة الوطنية بالواجبات الدينية ماذا فعلت مصر وماذا فعل المصريون؟‍! في مصر قرآن يتلى في الصباح والمساء وفي مصر مسلمون يسمعون قول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة الآية 111] وينصتون إلى آياته الكريمة (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [سورة الحجرات الآية 15] ويقرع آذانهم قول الله (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [سورة التوبة الآية 24] ، وتصل إلى أعماق قلوبهم (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [سورة آل عمران الآية 169،170]. وفي مصر أزهر وللأزهر شيخ والأزهر معقل الإسلام والشيخ إمام المسلمين فماذا فعل الأزهر وماذا الشيخ فعل؟! أما الأزهر فقام بمظاهرة صامتة في عصر نطق فيه الحديد وتحرك الجماد؟ وأما الشيخ فأرسل احتجاجًا فاترًا إلى رئيس الوزراء لعله من باب "سد الخانة" ثم هدأ مستريحًا كأنه أرضى بذلك الله ورسوله، ثم جمع هيئة كبار العلماء فحبسنا أنفاسنا وانتظرنا القرارات، ثم تمخض الجبل فولد فارا فإذا بالأمر لم يخرج عن حد احتجاج لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به ثم قرار آخر خطير وهو الدعاء بنصرة عرب فلسطين! أيها الضعفاء هلا قرأتم ما قرر علماء بغداد من إعلان الجهاد المقدس؟ وفي مصر حكومة إسلامية بل وصلت إلى الحكم باسم الإسلام يعلن رئيسها أنه "رئيس وزراء مصر لا رئيس وزراء فلسطين". وفي مصر أحزاب سياسية وللأحزاب زعماء فماذا فعلت الأحزاب وماذا فعل الزعماء؟ منهم من نام نوم أهل الكهف ومنهم من يستغل القضية لشهوة حزبية ومنفعة شخصية فيلوح للإنكليز باليمين بالعداء ويلوح لهم بالشمال بغصن الزيتون إذا أعادوه إلى الحكم. وفي مصر جمعيات إسلامية تعمل للإسلام وتدافع عن الإسلام ماذا فعلت وماذا كان أثرها؟ لم تفعل إلا قليلا وما كان جهدا إلا ضعيفا. وفي مصر شباب ضحى في سنة 1919 باسم الوطنية، واستشهد في سنة 1935 في سبيل دستور وضعي يحلونه عامًا ويحرمونه أعوامًا. فهل هذا جهد مصر قائدة الشرق وزعيمة العالم الإسلامي؟ عندما أعلنت الحرب الإيطالية الحبشية رأينا لها جهدًا أكبر ونشاطا أغزر: رأينا أميرًا جليلا يتحرك ويرأس الاجتماعات ويجمع التبرعات ورأينا نبيلا يمتشق الحسام ويسافر إلى بلاد خط الاستواء على ما بها من أمراض ووباء.. فأروني أميرًا تحرك لفلسطين ودلوني على نبيل – أو نصف نبيل – ولى إلى القبلة الأولى مجاهدًا في سبيل الله والدين؟ في القضية الحبشية رأينا رئيسًا لجمعية إسلامية يشد الرحال إلى الحبشة على رأس بعثة طبية ليضمد الجرحى ويواسي أهل القتلى.. فأروني رئيس جمعية إسلامية شد الرحال إلى المسجد الأقصى؟ في أبان الحرب الحبشية رأينا الصحف تملأ صفحاتها بأخبار الحرب وتسجل كل صغيرة وكبيرة عنها، فأروني جريدة تفتح صفحاته لقضية فلسطين وتكتب عن أهم حوادثها لا عن أتفه أخبارها؟ في أثناء الغزو الإيطالي للحبشة رأينا اجتماعات تعقد وتبرعات تبلغ مئات الألوف تجمع، فأروني أي اجتماع عقد في مصر لفلسطين وكم مبلغ التبرعات التي جمعت؟ إن البوليس المصري ليطارد الإخوان المسلمين في الشوارع وفي المساجد ويقبض عليهم ويفتش دورهم ودار جمعيتهم لأنهم يجمعون القروش والدراهم من أجل منكوبي فلسطين! ظلموك يا مصر يوم نادوا بك قائدة للشرق وظلموك مرة أخرى يوم بايعوك لزعامة الإسلام. أيها الوزراء اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فكونوا كوزراء العراق البواسل الذين لم تمنعهم مجاملة من القيام بواجبهم أمام الغاصبين. أيها الزعماء اذكروا فلسطين فوحدوا الأحزاب وأعلنوها صرخة على اليهود والمستعمرين. أيها العلماء اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فاهجروا الصوامع وأعلنوا الجهاد في سبيل الله والدين. أيها الشباب اذكروا فلسطين وإذا ذكرتم فلسطين فاتركوا اللهو واحملوا السلاح وسيروا إلى الأرض المقدسة مجاهدين. فإما يأتينكم نصر الله فترفعوا لواء الإسلام في أعلا عليين وإما يغيب عنكم النصر فحسبكم أن تلقوا الله شهداء مشكورين
  13. الحال العام و المناخ قبل نشأة الإخوان في مصر الإمام حسن البنا كان واقع الحال في مصر، وفيما حولها من الوطن العربي، والإسلامي ينادي بوجوب دعوة جديدة سماها الإمام الشهيد "حسن البنا" في "رسالة بين الأمس واليوم: دعوة البعث والإنقاذ" (حسن البنا، مجموعة رسائل الإمام الشهيد، رسالة بين الأمس واليوم، الإسكندرية: دار الدعوة، 1990م، ص 159)، وكما يقول الدكتور "يوسف القرضاوي": " كانت دعوة الإمام "حسن البنا" فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع (د. يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون، 70 عامًا في الدعوة والتربية والجهاد، القاهرة: مكتبة وهبة، 1999، ص 18) الدكتور "محمود أبو السعود": أيديولوجية الإخوان المسلمين واقع المجتمع المصري قبل ظهور الإخوان فيقول: 1- وطن باهت اقتطع من أصله بعد أن قطع الحلفاء المنتصرون أوصال الخلافة العثمانية، وبعد أن أطاح "أتاتورك" بالخلافة، وأعلن العلمانية، حينئذ طبق الإنجليز معاهدة سايكس- بيكو السرية التي عقدت في موسكو عام 1915م، وأصبحت مصر داخل نطاق الإمبراطورية البريطانية، ووجدت نفسها منعزلة عن دول العالم الإسلامي، وفي عنقها قيد ثقيل من الاستعمار الذي شجع النعرة الوطنية. 2- شعب مؤمن بالله .. ثم بالإسلام: عقيدة راسخة، لكنه جاهل، الأغلبية الساحقة فيه لا تقرأ، ولا تكتب. 3- مستعمر قوي لئيم ذو دهاء، ومكر شديد، درس أحوال البلاد عن كثب، ومكن لنفسه على أيدي بعض الحكام، كون منهم طبقة من (المستوزرين) ومهد لتطامن الحكم غيلة عن طريقين: الأول: الاستعمار الفكري حيث عمل على تنحية الشريعة الإسلامية من قانون القضاء، وحصرها في الأحوال الشخصية، وفصل المدارس المدنية عن المدارس الدينية.نتاج المادة الخام التي تنتجها الأرض الزراعية. 4- نظام حكم ظالم حيث فُرض ملك على شعبه، وصيغ دستور يحد من سلطة الحكومة المصرية، وسيادتها، ويعامل الأجنبي بقانون يختلف عن القانون الذي يسري على المواطنين. 5- طبقة حاكمة استصفاها الملك، ورضي عنها المستعمر، غالبيتها من سلالة ألبانية أو تركية، ورثت عن آبائها، وأجدادها القريبين مساحات واسعة من الأرض الزراعية التي أممتها الدولة في عهد "محمد على" الكبير، ووزعها "إسماعيل" على أقربائه وأصفيائه.( د. يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون، 70 عامًا في الدعوة والتربية والجهاد، مرجع سابق ، 1999، ص 21) في هذا الجو الغائم ولدت دعوة الإخوان المسلمين أحوج ما تكون مصر – والوطن العربي، والإسلامي الكبير– إليها؛ لتكون دعوة البعث والإنقاذ، كما عبر عنها الإمام "حسن البنا" مؤسس الجماعة. ويشير "محمد شوقي زكي" إلى ما يسميه "تضاريس الحقل"، وهي البيئة التي نشأت فيها جماعة الإخوان المسلمين، فيقول: كان ظهور الجماعة في وقت كان الاستعمار البريطاني يجثم على صدر مصر، وكانت الأحزاب في وادٍ، والشعب في واد آخر. أما القصر فكان دائمًا يسير حسب أهواء المندوب السامي البريطاني.( محمد شوقي زكي، الإخوان المسلمون والمجتمع المصري، القاهرة: دار الأنصار، ط2، و ص1980، ص من مقدمة الناشر). وفي هذه الدراسة نحاول أن نرصد الظروف الثقافية، والفكرية والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية التي أدت إلى نشأة الإخوان المسلمين، محاولين إثبات أنها خرجت من رحم كل تلك الظروف، فولدت ولادة طبيعية لا عسر فيها ولا ابتسار، فخرجت من بين فرث الاحتلال الأجنبي، ودم الاستبداد السياسي لبنًا سائغًا للعاملين لدين الله، والرافعين رايته. أولاً: في منهج التأريخ لجماعة الإخوان المسلمين: لم تكن نشأة جماعة الإخوان المسلمين في أواخر العقد الثالث من القرن العشرين حدثًا مفارقًا لطبيعة تلك المرحلة من مراحل التاريخ المصري في العصر الحديث. كما أنها لم تكن حدثًا مباينًا للظروف السياسية، والثقافية والاجتماعية التي مَرَّ بها المجتمع المصري في تلك الفترة، بل كانت هذه النشأة على موعد مع القدر الإلهي الذي أنشأها على عينه، فإن الله إذا أراد شيئًا، هيأ له الأسباب، فكانت دعوة في أوانها كما يقول الدكتور "يوسف القرضاوي" ( د . يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون، 70 عامًا في الدعوة والتربية والجهاد، مرجع سابق ، ص 12) وكما يرى المستشار "طارق البشري" في كتابه "الحركة السياسية في مصر 1945م- 1952م" فإن ظهور الحركة الإسلامية أواخر العشرينيات هو نوع من الاستمرارية التاريخية، وأن هذه الفترة – ما قبل ظهور جماعة الإخوان المسلمين- هي فترة توجه إسلامي عام، وإن صراع الإخوان ضد التغريب، وضد الوافد عمومًا هو جزء من الصراع الحضاري الذي يتضمن في جوهره الصراع ضد الاستعمار. ومن أجل الاستقلال والتحرر، يقول المستشار "طارق البشري": "إننا اليوم أكثر قدرةً على إدراك مدى التدمير الذي يلحقه تدفق موجات التغريب على هويتنا، وشعورنا الجماعي، وروح الانتماء فينا؛ مما من شأنه أن يسند قضية الاستقلال والتحرر بأعظم الخلل". ( طارق البشري، الحركة السياسية في مصر 1945- 1952،، القاهرة: دار الشروق، ص 41 -42) ولقد ظل الاتجاه الإسلامي يسود مسرح الحياة الفكرية، والسياسية في مصر، وبلا منازع منذ الفتح الإسلامي؛ حتى مجيء الحملة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر، حيث خلفت وراءها بذور الفكر القومي الذي أخذ صورة قومية نافست الاتجاه الإسلامي. وفي مجال التأريخ للحركة السياسية المصرية في أوائل القرن العشرين يخطئ كل من التيارين العلماني والإسلامي في البحث عن تفسير لظهور الحركات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، فالجديد والطارئ هو الذي يبحث في وجوده، أو حضوره عن تفسير، أو تبرير. أما الأصيل، والموروث، فوجوده هو الشيء العادي الذي لا يستغرب، وغيابه وانقطاعه هو الأمر الذي يبحث له عن تفسير أو تعليل. يُخطئ كثير من رموز التيار العلماني في كتابتهم للتاريخ السياسي المصري أوائل القرن العشرين عندما يبحثون عن أسباب تفسر ظهور جماعة الإخوان المسلمين، وربما كان هذا الخطأ مرده سيادة نوع من التحيز تجاه المختلف في التوجه الفكري والسياسي؛ حتى إن كثيرًا منهم يرى ظهور الجماعة مجرد رد فعل لغلبة تيار التغريب. ويُخطئ التيار الإسلامي حينما يود أن يضفي على نشأة جماعة الإخوان هالة أسطورية تخصم من رصيدها، ولا تضيف، فعظمة الفكرة الإخوانية هي في كونها استمرار، وتواصل لتيار الفكر الإسلامي التجديدي على مدى التاريخ الإسلامي، فهي استمرار لمسيرة أمة هدها الجمود، وإغلاق باب الاجتهاد وفت في عضدها الركون لما تركه الأقدمون. ويظن كثير ممن تصدوا للكتابة التاريخية عن تلك الفترة, أو ما يمكن تسميته إرهاصات نشأة الإخوان المسلمين- خاصةً من بعض دعاة الإخوان ورموزهم– أنه كلما كانت نشأة جماعة الإخوان المسلمين نشأة مفارقة، أو مباينة للظروف الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كلما أضفت على التاريخ الإخواني هالة من القداسة، أو ظلال نزعة أسطورية. وهذا المنهج في التأريخ لحركة بحجم الإخوان المسلمين، ربما قد يفيد في الحشد والتعبئة، وجمع الأنصار على الفكرة العامة، غير أنه لا يُفيد في إثارة وعي الأفراد، وشحذ هممهم بما يبقى، لا بما تخفت حدته مع مرور الوقت، وهذا التدافع بين منهجي العقل، والعاطفة، ففي المنهج الثاني تستطيع العاطفة إشعال جذوة الحماسة، خاصةً في الشباب، إلا أنه لا يمكن استمرار تلك الجذوة مشتعلة إلا بنور الفكر، وأشعة إعمال العقل، وهكذا دائمًا تملك نظرات العقول القدرة على إلجام نزوات العواطف. ولعل هذا المعلم في التأريخ للحركة الإسلامية- وعلى رأسها الإخوان المسلمين- من أهم معالم تأريخ الحركة السياسية في مصر منذ مجيء الحملة الفرنسية ( 1798م- 1801م)، فلا بد من تحديد أي الأفكار الأصيل الذي لا يحتاج وجوده إلى تبرير، أو تفسير، وأي الأفكار طارئ لابد من معرفة أسباب ظهوره أو كيفيات بزوغه. والذي يقرره الباحث بيقين أن الحركة الإسلامية – وعلى رأسها الإخوان المسلمين – لم تظهر أبدًا كرد فعل على سيادة التيار العلماني، كما يؤرخ كثير من العلمانيين عمدًا، وعن سوء قصد بدافع من التحيز الفكري، أو كما يكتب كثير من الإسلاميين خطأ، وعن حسن نية بدافع من إضفاء هالات أسطورية تخصم من رصيد حركة بحجم الإخوان المسلمين، ولا تضيف؟ إن جماعة الإخوان المسلمين لم تنشأ في مصر من فراغ، ولم تكن تعبيرًا عن انقطاع في مسيرة الأمة الإسلامية، بقدر ما كانت تواصلاً، واتصالاً؛ مصداقًا لحديث الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". ومن ثم فدعوة الإخوان هي العدسة المجمعة لكل ما تفرق من أشعة تجديد الفكر الإسلامي، ولكل ما تبدد من محاولات الإصلاح في مسيرة الأمة على مدى العقود التي سبقت ظهورها بلورة لكل ما سبقها من جهود في الإصلاح، والدفاع عن الذات الحضارية "ذاتية الأمة وهويتها". وكانت الفترة التي سبقت ظهور جماعة الإخوان المسلمين تحمل من الإرهاصات الشيء الكثير؛ أن مسيرة الإصلاح في الأمة حان وقت قطافها بوجود جماعة تحمل السلام، وتحوطه من جميع جوانبه، نعم كانت حالة الأمة قد وصلت درجة من السوء والانحطاط لم تعهدها من قبل، وربما ذكرتها بأوقات هجمة التتار على العالم الإسلامي، وسقوط بغداد تحت سنابك خيل التتار لكن مشاعل الهدى في الأمة لم تسقط بل ظلت، وإن خفتت حدتها فهذه الأمة تمرض ولا تموت، بل ربما تشيخ لكن تملك داخلها عناصر بعث الحيوية، وتظل قوافل المجددين تترى على مسيرة الأمة، فتحيي ما اندرس من معالم النبوة، وتجدد ما بلي من أركان الإسلام، مصداقًا لحديث الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها". وقد يكون هذا التجديد بأن يظهر عالم مجدد يجمع الأمة حوله ويحيي في نفوسها معالم الإيمان، وقد يكون التجديد على شكل مدرسة فكرية، وتربوية تُعيد معالم النهضة في أمة الإسلام
  14. أنا رأيت الجني الأبيض أ.د/جابر قميحة علي الهاتف دار الحديث بيني وبين الإعلامي اللامع الأستاذ راضي سعيد - مدير مكتب قناة «اقرأ» الفضائية ب القاهرة, ومقدم برنامج «فتاوي علي الهواء» - وكان موضوع حديثنا الحلقات الهادفة الناجحة التي تقدمها «بسمة وهبة» عن «الجن والسحر والشعوذة» في برنامجها الأسبوعي المتفوق " قبل أن تحاسبوا ", وقد شهدت ثلاث حلقات استضيف فيها عدد من علماء الدين والمفكرين والمشعوذين وضحاياهم, مما أضفي علي هذه الحلقات الواقعية والمصداقية, زيادة علي براعة العرض والمناقشة الجادة البعيدة عن الشطط والتهريج. سألني الأستاذ راضي: ولماذا لا تدلي بدلوك في هذا الموضوع? - سيكون ذلك - إن شاء اللّه - قريبًا , وهأنذا أفي بالوعد.. وفي إيجاز شديد أقول: إن هناك حقيقتين ترتبطان بمنطق الإيمان, وعلينا - نحن المسلمين - أن نؤمن بهما: الحقيقة الأولي: أن هناك عالمًا آخر غير مرئي هو عالم الجن, ويقطع بذلك القرآن الكريم في عدد من الآيات منها علي سبيل المثال: - فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جانً} [الرحمن: 39]. -ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه} [سبأ: 12]. - وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]. - ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرونّ} [الصافات: 158]. كما أن هناك أحاديث نبوية متعددة تقطع بوجود الجن ولا يتسع المقام للاستشهاد بها. أما الحقيقة الثابتة فهي أن هناك ركامًا من الخرافات والأساطير نسجت - علي مدار التاريخ - حول الجن, وهذا لا ينفي وجودها, بل يؤكده. نصيحة.. وتحذير وكنت من صغري أسمع أن فلانًا «ملبوس», وأن فلانة عليها «أسياد», وأسمع حكايات عن «شمهورش» ملك الجن الأحمر, كما كنت أسمع شهادات الناس بمقدرة الجن الأزرق, فيقال «فلان خبّأ فلوسه في مكان خفي لا يستطيع مخلوق أن يكشفه حتي الجن الأزرق». ولم أسمع أبدًا من يقول: الجن البني, أو الأخضر, أو الأصفر... ولم أدٍر حتي الآن السرّ في اختصاص الجن بهذين اللونين: الأحمر والأزرق. وفي «المنزلة» مسقط رأسي «كنا أسرة كبيرة العدد تعيش في بيت كبير", وكان والدي - من صغري - يحذرني دائمًا: - احذر يا ولدي... لا تمش أمام منزل " أبو سْلِمان " بعد منتصف الليل. - ليه.. يا والدي? - اسمع كلامي .. وخلاص. وسمعت بعد ذلك أن هذا البيت «مسكون», أي فيه عفاريت لا تظهر إلا بعد منتصف الليل. وعجبت كيف يقيم فيه أبو سلمان بمفرده.. فهو عزب.. لا زوجة, ولا أولاد, وهو «صائغ» يبيع المشغولات الذهبية في دكان صغير له وسط البلد. وكان من عادته أن يجمع بضاعته من المشغولات الذهبية, ويضعها في حقيبة, ويعود بها إلي بيته بعد كل غروب, ليحفظها فيه خوفًا من اللصوص. فلم تكن أبواب الدكاكين في قوة أبواب اليوم. ثم يحمل حقيبته كل صباح, ويذهب إلي دكانه ليعرضها من جديد. وبجانب بيت " أبو سلمان " ضريح أو مقام لولي من أولياء اللّه يردد الناس اسمه دائمًا «سيدي سلامة», ويتبركون به. وباسمه سُمي الشارع. وحتي أصل إلي بيتنا كان عليّ أن أسلك هذا الشارع حيث يقع بيتنا علي مسافة مائة متر تقريبًا, أو شارعًا أبعد هو «شارع القفاصين», وكنت أتفادي الشارع الأول ليلاً بسبب بيت " أبوسلمان " استجابة لتحذير الوالد. ورأيت الجني الأبيض!! وفي مساء «خميس» في شهر أغسطس .. في ليلة قمراء في منتصف شهر عربي, طال بنا المسار أنا وبعض زملائي في المدرسة الثانوية - في منطقة انحصر ماء بحيرة المنزلة عنها, وخلّف وراءه جُزرًا من الماء منفصلة, وكان البدر ينعكس علي مرآة هذه الرقع المائية, فكأنه عشرات من البدور لا بدرًا واحدًا. وسرقنا الوقت.. ياه.. الساعة الآن الواحدة من صباح الجمعة... وتفرقنا.. واتجه كل منا إلي منزله... كانت نزهة طيبة.. وشغلتني استعادة صورة البدر المنعكس علي الرقع المائية عن نفسي.. لأجدني أسلك «الطريق المحظور» وأجدني بمحاذاة ضريح "سيدي سلامة" وبجواره منزل «أبو سلمان » لا يبعد عني أكثر من خمسة أمتار. توقفت.. أخذتني رعشة خفيفة, وأنا أستيعد نصيحة والدي...: - احذر يا ولدي.. لا تمش أمام منزل "أبو سلمان " بعد منتصف الليل.. ماذا أفعل؟. هل أعود.. وأقطع مسافة طويلة لأسلك إلي بيتنا.. الشارع الآمن.. شارع القفاصين؟ دار هذا الخاطر, أو هذا التساؤل في نفسي.. وعينايَ علي باب المنزل الرهيب.. منزل "أبو سلمان" . وفجأة طار هذا الخاطر, وتسمرت قدماي, في الأرض, وشعرت أن جلدة رأسي قد شُدت بملاقط الحديد, حتي التصقت بعنقي, وأن كل شعرة في رأسي تحولت إلي شوكة حارقة.. لقد رأيت باب بيت " أبو سلمان " يُفتح ببطء شديد, وعلي ضوء البدر رأيت مخلوقًا غريبًا جدًا يخرج منه.. لم أر مثله من قبل.. المخلوق الغريب طوله قرابة مترين ونصف المتر, وعرضه قرابة مترين, ولونه أبيض ما عدا جنبيه, فلونهما داكن, ويخرج من كل جانب ذراع طويلة, وضعهما المخلوق خلف ظهره, والأغرب من ذلك أن له أربع أرجل.. رجلين في كل جنب, وكل رجل تمشي أمام الأخري. والأرجل الأربع تقطع الطريق المؤدي إلي بيتنا في بطء وانتظام. ولم أر له رأسًا أو وجهًا. شعرت برأسي أثقل من أن يحمله جسمي, وأن قدميّ قد تخلتا عني.. إنه جني.. جني أبيض.. وأعتقد أن أحدًا لم يره قبلي.. وحاولت أن أشعر نفسي بشيء من الطمأنينة والجني يبتعد عني في بطء شديد.. وبصعوبة بدأت أحرك لساني الذي جف عليه حلقي.. وأنادي بصوت خافت لا يسمعه غيري: -يا شاويش.. ياشاويش.. وبدأت أرفع صوتي شيئًا فشيئًا وأنا أري الجني يبتعد عني... فلما رأيته يبدأ اختفاءه مائلاً إلي شارع جانبي في اليسار... استجمعت كل قوايَ وصرخت بأعلي صوتي: - يا شاويش.. يا شاويش... يا شاويش. وفجأة سمعت فرقعة لم أسمع مثلها من قبل, فأخذتني نوبة من الرعب الشديد, وانطلقت أعدو في الاتجاه العكسي.. قاصدًا شارع القفاصين لأصل إلي بيتنا # * o وصلت إلي البيت.. بدأت أشعر بالطمأنينة والأمان.. وأخذت أسأل نفسي: ما هذه الفرقعة الشديدة ؟ آه.. تذكرت.. لقد قرأت ذات مرة أن الجني - أي جني - يحدث فرقعة هائلة في حالتين: حالة الظهور... وحالة الاختفاء و.... فهذه إذن فرقعة الاختفاء. عندما سمع الجني صراخي: يا شاويش.. يا شاويش ….. ألقيت نفسي علي سريري مثقلاً بالإعياء وخوف ممزوج بالشعور بالذنب لأنني خالفت نصيحة والدي. ولكني شعرت بشيء من الزهو؛ فأنا أول من رأي الجني الأبيض . ورحت في نوم عميق, وأنا أستعجل الصباح حتي أروي للناس ولزملائي السبق الذي خصني اللّه به, وهو رؤية الجني الأبيض.. ولم يوقظني إلا صوت أمي: - اللّه!! ضاعت منك صلاة الفجر, فهل ستضيّع منك صلاة الجمعة أيضًا?! توجهت إلي مسجد (أبو خُودة) القريب من بيتنا , لم أع كلمة واحدة من خطبة الجمعة.. فالصداع يكاد يحطم رأسي تحطيمًا.. وانتهت الصلاة, وأمام المسجد تجمع عدد كبير من الناس.. دفعني حب الاستطلاع أن أتجه إليهم.. وقلت في نفسي: «إنها فرصة لأتحدث عن السبق الذي حققته برؤية الجني الأبيض», ولكني سمعت أحدهم يقول: - لكن الحمد للّه.. الشاويش منصور قبض علي اللصين, الخطيرين.. إنهما فلان وفلان من أرباب السوابق. سألت صاحبنا: إيه الحكاية? ......لمتابعة باقى المقال http://ikhwanwiki.com/index.php?title=%D8%A3%D9%86%D8%A7_%D8%B1%D8%A3%D9%8A%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D9%8A%D8%B6
  15. يقول ريتشارد ميتشل في كتابه الاخوان المسلمين. "وافق وصول البنا إلى القاهرة فترة الغليان السياسي والفكري الشديد الذي ميز العشرينيات في مصر، فنظر إلى ذلك المشهد بعين القروي المتدين"، واستخلص ما اعتبره مشكلات جدية، وهي التنازع على حكم مصر بين حزبي الوفد والأحرار الدستوريين السياسيين، والجدل السياسي الصاخب وما نتج عنه من الفرقة التي أعقبت ثورة 1919 والدعوة إلى الإلحاد والإباحية التي كانت تحيط بالعالم الإسلامي، ومهاجمة الأعراف المستقرة والمعتقدات، التي ساندتها "الثورة الكمالية" بنبذها الخلافة والخط العربي، وهي مهاجمة تم انتظامها في حركة "التحرر الفكري والاجتماعي" لمصر ـ ثم التيارات غير الإسلامية بالجامعة المصرية التي أعيد تنظيمها آنذاك، والتي بدا أنها تستمد إلهامها من الفكرة القائلة إن "الجامعة لا يمكن أن تكون جامعة علمانية ما لم تثر ضد الدين، وما لم تحارب الأعراف الاجتماعية المستمدة منه"، يضاف إلى ذلك الدهريون والتحرريون من رواد الندوات الأدبية والاجتماعية، ثم الجمعيات والحفلات والكتب والصحف والمجلات التي روجت الأفكار التي كان هدفها الوحيد إضعاف أثر الدين. وكان رد فعل هذه الصورة على البنا ونظرائه في التفكير ما عبر عنه بقوله: ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة، وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل والأدواء، ونفكر في العلاج وحسم الداء. ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء. ويضيف: "وهكذا انبعثت خطوته التالية من مخاوفه تلك ومن اقتناعه المتزايد بأن "المسجد وحده لا يكفي" لنشر العقيدة بين الناس، وبالتالي قام بتنظيم مجموعة من طلبة الأزهر ودار العلوم الراغبين في التدرب على مهمة "الوعظ والإرشاد"، وبعد مدة وجيزة دخل هؤلاء المساجد واعظين، وأهم من ذلك أن طريقتهم في الوعظ قد لاقت نجاحاً كبيراً فيما بعد، إذ اتبعوا سبيل الاتصال المباشر بالناس، في أماكن اجتماعاتهم العامة، كالمقاهي والمجتمعات الشعبية الأخرى، قاصدين بذلك تعزيز الفكرة الإسلامية ونشرها من جديد". وعن أثر البنا نحو قضية فلسطين : "نادى البنا في المؤتمر العام الثالث المنعقد عام 1935م بجمع الأموال لمساندة قضية العرب، كما ألف لجنةً لتدعو لها عن طريق البرقيات والرسائل إلى السلطات المختصة، وعن طريق الصحافة والنشرات والخطب، وآزر هذه الوسائل قيام مظاهرات نيابية عن المضربين في فلسطين وإرسال المؤن والعتاد لهم. ويضيف: "وكان أعظم ما شهر عن كفاح الاخوان هو ما قدموه من عون للمصريين الذين حوصروا في جيب الفالوجا؛ نتيجة الزحف الإسرائيلي بعد فشل الهدنة الثانية في أكتوبر 1948؛ إذ ساعد الاخوان على إمداد القوات المحاصرة في الميدان.
  16. بسم الله الحمن الرحيم ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي) أكبر موسوعة توثيقية تاريخية عن تارخ جماعة الإخوان المسلمين منذ النشأة وحتى الأن على مستوى العالم وليس مصر فقط وقد أنشأت لأنه......... حافظت جماعة الإخوان المسلمين على وجودها التنظيمي منذ تأسيسها عام 1928 على يد الشيخ الراحل حسن البنا حيث تمكنت خلال ما يقرب من ثمانية عقود من البقاء كحركة دعوية ذات طابع ديني، وكتنظيم سياسي واجتماعي، أعطاها عناصر للقوة والتمايز مقارنة بالقوى السياسية الأخرى, وأحيانا ضعف وترهل. والحقيقة أن رحلة تنظيم الإخوان المسلمين هي أيضا مع النظم السياسية المصرية، فالإخوان نشأوا كتنظيم في ظل الملكية والحقبة شبه الليبرالية, واصطدموا بالسلطة الناصرية وتعايشوا مع نظام السادات, وتأرجحوا في علاقتهم بالرئيس مبارك, وإن ظلت قائمة على الاستبعاد الجزئي لا الشامل كما حدث في عهد عبد الناصر, وبقيت محظورة معظم تاريخها, وتحديدا منذ عام 1954 وحتى الآن, إي منذ ما يزيد عن نصف قرن. وظل الإخوان شاهدا وطرفا في الجدل السياسي والثقافي الدائر في مصر والعالم العربي، وعبر فترات تاريخية مختلفة – مصر الملكية ومصر الجمهورية بطبعاتها الثلاث- حول قضايا الهوية والانتماء الحضاري, وعلاقة الدين بالسياسة والغرب والشرق، والوافد والموروث. وامتلكت الجماعة مرجعية فكرية وسياسية مرنة لها أن تمتلك تصورا شاملا وعاما لإسلام، يسمح للإخوان أن يكونوا سياسيين إذا أرادوا, وأن يكونوا دعاة فقط للأخلاق الحميدة إذا أحبوا، وأن يكونوا شيوخا على منابر المساجد أو نوابا تحت قبة البرلمان، وأن يكونوا صوفيين، وأن يكونوا ثوارا، وأن يكون بين قادتهم المحافظ حسن الهضيبي والمناضل الراديكالي سيد قطب. هذا التنوع والثراء عرفه تاريخ الإخوان المسلمين المليء بالمحن أكثر من الانتصارات، سيدفعنا ألا نكتفي في هذه الدراسة برصد واقع الإخوان المسلمين، إنما أيضا أن نستشرف مستقبلها خاصة في ظل الجدل الدائر في مصر والعالم العربي حول إمكانية دمج الحركات الإسلامية السلمية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، في عملية الديمقراطية كما جرى في أكثر من بلد عربي ليس بينها مصر. والحقيقة أن الاقتراب من تجربة الإخوان المسلمين يثير مجموعة من التساؤلات التي تعطي أهمية مركبة لعملية تحليل واقع جماعة الإخوان المسلمين: السؤال الأول يتعلق بقضية الثبات والتغير في الخطاب السياسي الإسلامي، وهل يمكن الحديث عن بناء خاص واستثنائي للخطاب المقدس يضعه بمعزل عن تأثير البيئة الاجتماعية والواقع السياسي المحيطين به؟ ولعل خبرة الإخوان المسلمين أنفسهم, ومعهم باقي تيارات الحركة الإسلامية من المغرب حتى أفغانستان, ومن مصر إلى تركيا، يدل على أنه ليس خطابا مغلقا واستثنائيا, وأنه لا يعاني من عيوب "جينية" تحول دون تطور، وانفتاحه الديمقراطي، ولعل الخبرة التي قدمها الإخوان المسلمين منذ عام 1928 وحتى الآن قد دلت على حجم التغير الذي شهده الخطاب الإخواني، وأنه لم يكن أبدا خطابا ساكنا لا يتأثر بالسياق المحيط به...
  17. النشأة الشهيد كمال السنانيري زوج السيدة أمينة قطب يمكننا أن نختصر تعريفنا بالسيدة الأديبة "أمينة قطب" أنها أخت عملاقين من عمالقة الفكر الإسلامي الحديث، هما: الأستاذ الشهيد سيد قطب، والأستاذ محمد قطب، وقد جرى في دمها من الأدب ما جعلها قاصة وشاعرة متميزة، وهي كذلك زوجة الداعية المسلم الشهيد كمال السنانيري الذي استشهد في 8 نوفمبر 1981م بمصر داخل معتقله. ولدت "أمينة قطب" بقرية "موشة"، وهي من قرى محافظة أسيوط بصعيد مصر، ونشأت نشأة مباركة يحيطها الإيمان ويرعاها الرحمن برعايته، وكان للوالد الكريم الحاج "قطب إبراهيم" نصيب من التدين والمعرفة والوجاهة، انعكس على أولاده: "سيد"، و"محمد"، و"أمينة"، و"حميدة". وكانت الأم كذلك ذات دين وخلق وفضل، وقد أحاطت بيتها بأحسن رعاية، وانتقلت "أمينة" بعد وفاة الوالد الحاج "إبراهيم" مع باقي أفراد أسرتها من أسيوط إلى القاهرة؛ حيث بدأت فصول أخرى جديدة من حياتها. ملحمة الوفاء إنَّ قصة زواج "أمينة" من الشهيد "السنانيري" لتبعث على الإجلال والعجب معاً، فقد تمَّ الرباط بينهما حين كان الشهيد كمال السنانيري داخل السجن. تقول السيدة أمينة: كان هذا الرباط قمة التحدي للحاكم الفرد الطاغية الذي قرر أن يقضي على دعاة الإسلام بالقتل أو الإهلاك بقضاء الأعمار داخل السجون.. لقد سجن الداعية الشهيد الشهيد كمال السنانيري في عام 1954م، وقُدِّم إلى محاكمة صورية مع إخوانه لأنهم يقولون ربنا الله.. وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة (25 عاماً) ثم يعاد بعدها إلى المعتقل. بعد أن قضى خمس سنوات من المدة، وفي أثناء ذهابه إلى مستشفى سجن ليمان طرة للعلاج، التقى هناك أخاها الشهيد سيد قطب، وطلب منه يد أخته "أمينة"، وعرض الشهيد الأمر على أخته أمر ذلك العريس الذي يقضي عقوبة المؤبد، وباق منها عشرون سنة، فما كان من الأخت إلا أن وافقت بلا تردد، على هذه الخطبة التي ربما تمتد فترتها لتستمر عشرين عامًا، هي الفترة الباقية لهذا الخطيب المجاهد حتى يخرج من محبسه الظالم،وأخذت عنوان الأخ وزارته في السجن وتمت الرؤية ثم عقد الزواج. وقويت الرابطة بينها وبين من خطبها من وراء الأسوار، وكانت زيارتها ورسائلها له تقوي من أزره وأزر إخوانه. وتم العقد بعد ذلك، على الرغم من بقاء العريس خلف الأسوار المظلمة، وكأن "أمينة" بذلك تعلمنا معاني كثيرة؛ تعلمنا التضحية الفريدة، فقد كانت شابة ولم يفرض عليها أحد هذا الاختيار، إنها عشرون عامًا، ليست عشرين يومًا أو حتى عشرين شهرًا!! وكأنها كذلك تذكر أولئك المجاهدين المحبوسين عن نور الشمس بالأمل والثقة في وعد الله واختياره، فمعنى أنها توافق على مثل هذا الارتباط بهذه الكيفية أنها ترى من النور في نهاية الظلمة ما يعينها على الصبر والتحمل، ولا ضير في ذلك، فهي شاعرة وقبل ذلك مؤمنة بالله، ربما بنت في خيالاتها أحلامها، ورسمت شمسها ونجومها، وهواءها ونسيمها، ولحظات سعادتها، فملأت عليها نفسها في عالم الروح قبل عالم الحقيقة. وعندما زارته ذات مرة في سجن "قنا"، وكانت ترافقها شقيقته، حكت الشقيقة لأخيها ما تكبدتاه من عناء حتى وصلتا إليه منذ أن ركبتا القطار من القاهرة إلى "قنا" ثم إلى السجن، فقال لها: "لقد طال الأمد وأنا مشفق عليكم من هذا العناء، ومثل ما قلت لك في بدء ارتباطنا قد أخرج غداً وقد أمضي العشرين سنة الباقية، وقد ينقضي الأجل وأنا هنا، فلك الآن مطلق الحرية في أن تتخذي ما ترينه صالحاً في أمر مستقبلك.. ولا أريد ولا أرتضي لنفسي أن أكون عقبة في طريق سعادتك، إنهم يفاوضوننا في تأييد الطاغية ثمناً للإفراج عنا، ولن ينالوا مني بإذن الله ما يريدون حتى ولو مزقوني إرباً. فلكِ الخيار من الآن، واكتبي لي ما يستقر رأيك عليه، والله يوفقك لما فيه الخير. وأرادت أمينة أن تُجيب خطيبها المجاهد، إلا أنَّ السجَّان أمرها بالانصراف، فقد انتهى وقت الزيارة. وعادت إلى البيت لتكتب له رسالة كانت قصيدة نظمتها له لتعلن فيها أنها اختارت طريق الجهاد.. طريق الجنَّة.. وقالت له: "دعني أشاركك هذا الطريق" .. وقالت له في بدايتها: "لقد اخترت يا أملاً أرتقبه طريق الجهاد والجنة، والثبات والتضحية، والإصرار على ما تعاهدنا عليه بعقيدة راسخة ويقين دون تردد أو ندم"، فأي امتحان لصدق المودة والحب أكبر من هذا؟!. وكان لهذه القصيدة أثر كبير في نفس المجاهد. ومرت السنوات الطويلة سبعة عشر عامًا، خرج الزوج بعد أن أفرج عنه عام 1973م، ليواصل مع "أمينة" الأمينة رحلة الوفاء والكفاح، وتمَّ الزواج، وعاشت أمينة معه أحلى سنوات العمر. وفي الرابع من سبتمبر سنة 1981م اختُطف منها مرة أخرى ليودع في السجن، ويبقى فيه إلى أن يلقى الله شهيداً في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، وسُلِّمت جثته إلى ذويه شريطة أن يوارى التراب دون إقامة عزاء.. وأذاعت السلطات القاتلة الظالمة أنَّه انتحر!! ونشرت الصحف سبب استشهاده، فعزت ذلك إلى إسراف سلطات التحقيق في تعذيبه. رحلتها مع الشعر الموهبة أساس في أكثر الفنون، ولا سيما الشعر، وكما يقولون فالشاعر يولد ولا يصنع، وقد كانت "أمينة" من هذا النوع من الشعراء الذين يولدون ولا يصنعون، وبالإضافة إلى الموهبة الفطرية فقد كان لأحداث حياتها المختلفة انعكاسها على اهتمامها الأدبي، فنجدها قاصة متميزة، وإن غلبت كتابتها للقصة على كتابتها للشعر؛ حيث أبدعت أكثر من مجموعة قصصية، وقد نشرت عددًا من قصصها في المجلات المصرية، مثل: مجلة (الأديب)، ومجلة (العالم العربي)، ومجلة (الآداب)، وبالنسبة لإنتاجها الشعري فلها ديوانها: (رسائل إلى شهيد)، وقد كتبت أكثره في زوجها الشهيد "السنانيري"- رحمه الله. وكانت "أمينة" قد بدأت كتابة الشعر منذ سن مبكرة، وكان الناقد الكبير والشقيق الأكبر سيد قطب يوجهها ويقوِّم إنتاجها، غير أنها انشغلت بكتابة القصة أكثر إلى أن كان ارتباطها بالشهيد كمال السنانيري، فتفجرت قريحتها عن ينابيع من الرسائل الشاعرية والشعرية. أدبها مرآة لمأساتها قالوا: إن الأدب مرآة للحياة، وربما صدقوا في جانب من هذا القول؛ لأننا لن نطلب من الأديب أن يؤرخ لحياته ومجتمعه في أدبه، ولكن متناثرات هذه الحياة في الأدب والإبداع تساعدنا في الكشف عن عناصر الغياب أو الرموز التي هي عماد من أعمدة الاستمتاع بالعمل الأدبي؛ سواء كان رواية، أو قصة قصيره ، أو غير ذلك من أجناس الإبداع، وهذا الأمر في الشعر له أهميته الخاصة لما للشعر من سمات إذا فقدها فقد الكثير، مثل: التصوير والتكثيف والرمز، وغير ذلك من الأدوات الفنية الخاصة بجنس الشعر، و"أمينة قطب" لا ينفصل أدبها عن أحداث حياتها، لكن هذه الأحداث في شعرها لا تتراءى صورًا تسجيلية متتابعة، بل هي بمثابة الوقود الذي يؤجج المشاعر، فتفيض بما أراد الله لها أن تفيض به من إبداع، ولا تدعي الشاعرة "أمينة قطب" أنها بلغت منازل الشعراء المفلقين أو النابغين الملهمين في الشعر، بل تعتبر ديوانها الذي كتبته تعبيرًا عن مشاعرها ظهر في صورة قول منظوم. تقول: "ووجدتني فجأةً أعبر عن ابتلائي فيه- زوجها الشهيد كمال السنانيري- بهذه القصائد، بلا قصد ولا تدبير، ولم أملك في نفسي وسيلةً أخرى طوال عام كامل للتعبير عن فقده إلا بهذا القول المنظوم، هل لأن النثر لا يملك أن يواكب حرارة المشاعر وانطلاقها في مقابلة حادث شديد الوقع عميق الأثر في القلب والشعور؟ أم هي تلك الجذور للرغبة القديمة في أن أعبر عن مشاعري بكلام منظوم؟ أم هو ذلك الأثر الذي تركته في نفسه تلك القصيدة التي كتبتها له وهو في سجنه البعيد؟ أم هي محاولة ضعيفة للوفاء بوعدي له بأن أكتب وأبدأ بأي عطاء للطريق؟ لست أدري، ولكن هكذا كان .. وعلى أية حال، فأنا لا أعتبر هذه القصائد القليلة شعرًا في مجال الشعر الواسع المليء بالإبداع، ولكنها صورة من صور التعبير المنظوم أبت إلا أن تخرج على هذه الصورة ولونًا من ألوان المعاناة في حادث هائل في حياة قلب". كانت هذه كلماتها، ومن حقها أن ترى شعرها كما شاءت، ومن حقنا كذلك أن نتحدث عن هذا الشعر من وجهة نظرنا كوننا نجتهد في تقييمه وبيان مثالبه أو جمالياته، ونلحظ في شعرها أنه يدور في أكثره حول موضوع واحد أو إنسان واحد هو زوجها الذي سبق، وإن ذكرنا أنها ضحت من أجله بالكثير ولاسيما سنوات انتظارها له. حادث هائل في حياة قلب هكذا يمكننا أن نقتبس من كلامها في الحديث عن ديوانها وقصائده المتنوعة، والتي تدور حول زوجها الشهيد ومعاناته في سجنه هو وأهل الحق، وصبرهم على الإيذاء والتعذيب، والصراخ في وجه الظالمين المتجبرين الذين لا يعرفون للإنسان أي قيمة وينتهكون كرامته، ونلحظ أنها لا تستسلم أبدًا لليأس أو القنوط من رحمة الله؛ لأنها ترى في استشهاد زوجها مكسبًا تتمنى أن تنال مثله, وترى في ذلك قربانًا من أجل دعوة الله، وضريبة يجب دفعها حتى تشرق شمس الحرية. إن استشهاد زوجها لا يمثل قضية ذاتية فقط؛ لأنها هي التي فقدته، وقلبها هو الذي يحترق، لم يكن الأمر كذلك دائمًا، بل استشهاد زوجها هو قضية أمة؛ لأنه مات من أجل هذه الأمة تمامًا، مثلما استشهد أخوها الشهيد "سيد" من قبل، ومثلما استشهد الكثيرون من إخوانه في عهد مظلم متجبر. من نماذج شعرها المتميزة مراثيها لزوجها عرف الأدب العربي مراثي الأزواج لزوجاتهم، وهي تفيض ألمًا وحزنًا على فراق أحبتهم،غير أن رثاء الزوجات لأزواجهن نادر في الشعر العربي، وقد رثت "أمينة قطب" زوجها في أكثر من قصيدة في ديوانها"رسائل إلى شهيد" والذى يمثل صرخة استنهاض في وجه من تسميهم بـ"الخانغين" أو "القطيع"، أولئك الذين رضوا بالذلة والهوان .. وفيه مجموعة من القصائد جاءت كأنها رسائل وجهتها إلى الزوج الشهيد، وإلى السائرين على درب الحق رغم أشواك الطريق.. ففي قصيدة "في دجى الحادثات" تصف لقاء كيانين ألّفت بينهما العقيدة ووحَّد بينهما الإحساس المسؤول بثقل الرسالة وجسامتها ليتحركا في صبر الأباة المجاهدين صوب الهدف الذي أملاه الواجب الشرعي، تقول هل ترانا نلتـــــــــــــــــقي أم أنها كانت اللقيـــــــــــا على أرض السراب ثم ولت وتــــــــــــــــــــلاشى ظلها واستحالت ذكريــــــــــــــــات للعذاب هكذا يســـــــــــــــــــــــــأل قلبي كلما طالت الأيام من بعد الغيـــــــــــــــاب فإذا طيفك يرنو باســـــــــــــــــــماً وكأني في استمــــــــــــــــــاع للجواب أولم نمضي على الحق معاً كي يعود الخيــر للأرض اليباب فمضيـــــــــــــنا في طريق شائك نتخلى فيه عن كل الرغـــــــــــــــــــاب ودفنا الشوق في أعمـــــــــــاقنا ومضينا في رضــــــــاء واحتساب قد تعاهدنا على الســـــير معاً ثم آجلت مجيــــــــــــــــــباً للذهـــــــــــاب حين نادني رب منــــــــــــــــــــــــعم لي حياتي في جنــــــــــــان ورحاب ولقاء في نعيـــــــــــــــــــــــــــــم دائم بجنـــــود الله مرحا للصحــــــــــــاب قدموا الأرواح والعمـــــــــر فدا مستجيبين على غير ارتيـــــــــــــــاب فليعد قلبك من غفـــــــــــــــــــلاته فلقاء الخلد في تلك الرحــــــــــــــــاب أيها الراحل عذراً في شكاتي فإلى طيفــــــك أنات عتـــــــــــــــــــــــــــاب قد تركت القلب يدمي مثــــقلاً تائهاً في الليل في عمق الضباب وإذا أطوي وحيداً حائـــــــــــــراً أقطع الدرب طويـــــــلاً في اكتئاب وإذا الليـــــــــل خضم موحـــش تتــــــــــلاقى فيه أمــــــــــــــواج العذاب لم يعد يبرق في ليــــــلي سنا قد توارت كل أنـوار الشــــــــــــــــهاب غير أني سوف أمضي مثلما كنت تلقاني في وجه الصـــــــعاب سوف يمضي الرأس مرفوعاً فلا يرتضي ضعفاً بقول أو جـــوابي سوف تحدوني دماء عابقات قد أنــــــــارت كل فـــــج للذهـــــــــــــــاب ولنستمع إليها في مناجاتها لزوجها بعد استشهاده، وهي تقول: أنا في العذاب هنا وأنت بعالم فيه الجــــــــــــــــــــــــــــزاء بجنَّة الديَّان مارست من أجل الوصول عبادة فيها عجائـــــــــــــــــــب طاقة الإنسان كانت جهاداً في الطريق لدعوة هي للأنـــــــــــــــــام هدى وخير أمان إلى أن تقول: هلّا دعوت الله لي كي ألتــــــــقي بركابــــــــــــــــكم في جـــنَّة الرضوان هلّا دعوتم في سماء خلودكم عند المليــــــــــــــــــــــــــك القادر الرحمن أن يجعل الهمّ الثقيل بــــــــــراءة لي في الحساب فقد بقيت أعاني هل ترانا نلتقي أم أنها كانت اللقيا علي ارض السراب ؟؟!! بهذه الكلمات التي خضبتها الدموع ودعت زوجها وشريك حياتها تلك الدموع التي وصفتها بأنها"لم تكن قط دموع حسرة أو ندم، فحاشا لله أن تندم نفس مؤمنة على ما قدَّمت، أو على ما قدَّم الأحباب من عمل نال به صاحبه ـ بإذن الله ـ الكرامة بالشهادة في دين الله، ولكنه الفراق الطويل ومعاناة الخطو المفرد بقية الرحلة المكتوبة"). إنها امرأة مسلمة ، وهي مع إسلامها لا تخفي إنسانيتها بقوتها وضعفها ، ولا تكتم مشاعرها وأحاسيسها ، تستعلي على الواقع المؤلم حينا ، ويثقل كاهلها تحت الحمل المضني ، فتجأر بالشكوى ، ولكنها لا تسقط أرضا ، إذ تأتيها رافعةُ الإيمان التي تنتشلها من كبوة اليأس ، وتحصنها من عتمة القنوط . وقفت "أمينة" ديوانها على زوجها، فهو إذًا أشبه برثائية كبيرة؛ وهو ما يذكرنا بـ"الخنساء" في رثائها لأخيها "صخر"؛ حيث رثته بأكثر أشعارها التي أبدعتها... ولرثاء "أمينة قطب" لزوجها مذاقه الخاص الذي ينبع من كونها شاعرة وزوجة ومسلمة، ولها فكرتها التي تؤمن بها في الإصلاح والدعوة إلى الله فهو رثاء للحبيب الذي استأثر بقلبها: شاقني صوتك الحبيب على الها تف يدعو ألا يطول غيابي شاقني أن تقول لي: طال شوقي قد غدا البيت موحشًا كاليباب شاقني ذلك النـــداء حـنونًا فلتعودي لعالم الأحباب شاقني أن تقول: حبك بـعــدًا لا تعيدي بواعث الأسباب وهو الزوج المسلم الذي يعرف جيدًا كيف يعامل زوجته وفق منهج الله، فلا يخطئ في حقها أو يكدر عيشها، بل يفيض عليها من الود والرحمة: قلبت في صفحات عمرك علني ألقى من الأخطاء ما ينسيني إشراقة الوجه الحبيب على المدى منذ التقينا من عديد سنين فتشت على الذكريات تصدني عنها وتهجرني دموع أنيني فبحثت في عهد الشباب فلم أجد عملاً معيبًا مخجلاً لجبين عف اللسان وعن حديث هابط تنأى وتبعد مؤثرًا لسكون وهو المجاهد الذي بذل روحه من أجل مجد الدين الحنيف: ما تخيلت عالمي وحــياتي قد تغشاهما صقـيع المــنون غير أن الرحـيل كان سريعًا لا يبالي بما بـدا فـي ظنوني وإذا القلب والديــار خـواء يبعث الليل في دجـاها شجوني وطيوف الذكرى تروح وتغدو في حريق للقلـب يدمي جفوني أتعزى بالـذكــر أن "كمالاً" قد شرى بالحياة مجــدًا لديني لم يمت ميتة الضعيف فيمسي كل ذكـر لمــوته يخــزيني غير أن الفراغ من كل شـيء كان لابد ثـقـلـــه يـضنيني تلك نماذج من صفات الزوج الحبيب، وللشاعرة في ديوانها الكثير من الصفات الطيبة التي اتسم بها هذا الزوج الوفي، وتصب كلها في معاني الشجاعة والبسالة، والصبر والإيمان، والجهاد والتفاني. وإذا فتشنا في شعرها عن أثر فقدها لزوجها وجدنا منه الكثير، ويتراءى هذا الفقد في مخيلتها طوال الوقت، ويملأ جنبات نفسها كذلك، وأحيانًا ينعكس على ما حولها من موجودات، حتى الجمادات أحست مع الشاعرة وتأثرت بهذا الفقد؛ وهو ما يوحي بشدة الأثر الذي خلفه غياب الزوج الحبيب عن زوجته. فهي في عذاب بسبب بعد زوجها عنها، لقد كان معينها في رحلة الجهاد، وكان الأمل الذي يهون عليها مشاقها، لكنه الآن في عالم آخر: أنا في العذاب هنا وأنت بعالم فيه الجزاء بجنة الديان وتأتي ليلة القدر فتتذكر الشاعرة زوجها، وقد قلبت هذه الليلة المباركة عليها المواجع؛ وهو ما يوحي بذكريات كانت لهما معًا في طاعة الله، ثارت مشاعر الزوجة تحنانًا لها: ليلة القدر خبريني بمـــاذا سوف ألقاك.. كيف أخفي شجوني كيف أخفي الهموم والقلب باك وغـزير الـدمــوع ملء جفوني وطيوف الذكرى تُعيد الليـالي في خيـــالي وعالـمي المحزون وفي قصيدتها: "الباب المغلق" تتحدث الشاعرة عن باب بيته الذي أخذ منه ولم يعد: طـال شوق المفتاح والباب يرنو ويعاني صمتًا مـريرًا كئيبا في انتـظار قد طـال منذ شهور لم ير الطارق الـودود الحبيبا كلما طـاف بالمـكان أنــاس راح يرنو مـعذبـًا مكـروبا عل فيـهم ذاك الـذي كان يغدو أو يـرى ذلك الحـبيب مجيبا مراثيها لإخوها الشهيد سيد قطب أخوها الشهيد سيد قطب قالت تناجى أخاها الشهيد سيد قطب فى ذكرى استشهاده فقالت : فأهتف يا ليتنا نلتقي كما كان بالأمس قبل الأفول لأحكي إليك شجوني وهمي فكم من تباريح هم ثقيل ولكنها أمنيات الحنين فما عاد من عاد بعد الرحيل ولكنني رغم هذي الهموم ورغم التأرجح وسط العباب ورغم الطغاة وما يمكرون وما عندهم من صنوف العذاب فان المعالم تبدي الطريق وتكشف ما حوله من ضباب وألمح أضواء فجر جديد يزلزل أركان جمع الضلال وتوقظ أضواؤه النائمين وتنقذ أرواحهم من كلال وتورق أغصان نبت جديد يعم البطاح ندي الظلال فنم هانئا يا شقيقي الحبيب فلن يملك الظلم وقف المسير فرغم العناء سيمضي الجميع بدرب الكفاح الطويل العسير فعزم الأباة يزيح الطغاة بعون الإله العلي القدير رأي في ديوانها جاءت قصائد الديوان في موضوعاتها معبرة عن حالة من حالات الفقد المستمر الذي لم ينقطع طوال حياة الشاعرة؛ سواء فقد المعتقل أو الموت بعد ذلك، فهو- كما سبق- أشبه برثائية كبيرة لزوجها، والذي استأثر بأغلب قصائد الديوان. والشاعرة في أوزانها وقوافيها ملتزمة بالشكل التقليدي الأصيل، أو ما يطلق عليه "القصيدة العمودية"، ونرى لديها بعض القصائد التي تعتمد التنويع في القوافي بعد كل عدد معين من الأبيات. وفي الديوان العديد من الصور المتميزة، وتغلب عليه الروح الرومانسية، خاصةً في تدفق الأبحر وهدوئها؛ وهو ما يذكرنا بأشعار الشهيد سيد قطب عليه رحمة الله، ويبدو تأثرها به واضحًا في العديد من ألفاظ المعجم اللغوي الذي كان يستخدمه الشاعر الشهيد "سيد قطب"، ولا ضير في ذلك، فللشاعرة تميزها روحها الخاصة بها في شعرها. ويوجد في الديوان عدد من القصائد كذلك هي أشبه بقصائد البدايات؛ حيث لا نجد التصوير المتميز أو الروح الشاعرية المتدفقة المتوافرة في نماذج أخرى لدى الشاعرة، وربما يرجع هذا الأمر إلى أن الشاعرة لم تجعل الشعر اهتمامها الأول، كما نفهم من كلامها السابق. خاتمة كانت تسأل الله تعالى الثبات والمغفرة، وأن لا يطول عيشها في دنيا الفناء، فهناك نعيم الله أبقى، وهناك العيش السعيد مع الأتقياء والمجاهدين، فتقول: فاغفر الأمنيات يا ربّ عفواً وأعنّي دوماً ببــــرد العزاء لا تدعني للحزن يطمس قلبي لا تدعني أعيش دنيا الفناء واجعل الحبّ للبقـاء المرجّى في نعـــــــيم بعالم الأتقــياء برضــاء أناله مـــــنك يا ربّ وأحيا في فيضــــه بالسماء وقد استجاب الله دعائها فرحلت عن عالمنا إلى جنات الخلد إن شاء الله لتلتقي هناك بزوجها وأخيها الشهيد رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته ..........للمزيد على موقع إخوان ويكي الموسوعة الإخوانية
  18. توطئة "إن النظام لو استمر في حجز الأموال بل تطور الأمر إلى الأرواح فإن الإخوان لن يتراجعوا عمايؤمنون به وسيظلون جنودا لهذا الوطن يسعون لنهضته وإنه من المستحيل ان يسافروا أو يتركوا سفينة الوطن ليغرقها المفسدون".... محمدخيرت الشاطر 30/1/2007 البطاقة الشخصية • محمد خيرت الشاطر • من مواليد الدقهلية في 4/5/1950م • متزوج وله عشرة من الأولاد والبنات وعشرة من الأحفاد. الشهادات العلمية المهندس خيرت الشاطر • حاصل على بكالوريوس الهندسة- جامعة الإسكندرية عام 1974. • حاصل على ماجستير الهندسة- جامعة المنصورة. • حاصل على ليسانس الآداب جامعة عين شمس - قسم الاجتماع. • حاصل على دبلوم الدراسات الإسلامية معهد الدراسات الإسلامية. • حاصل على دبلوم المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة. • حاصل على دبلوم إدارة الأعمال- جامعة عين شمس. • حاصل على دبلوم التسويق الدولي- جامعة حلوان. • عمل بعد تخرجه معيدًا، ثم مدرسًا مساعدًا بكلية الهندسة جامعة المنصورة حتى عام 1981م حيث أصدر السادات قرارًا بنقله خارج الجامعة مع آخرين ضمن قرارات سبتمبر 1981م. الأعمال • يعمل حاليًا بالتجارة وإدارة الأعمال، وشارك في مجالس وإدرات الشركات والبنوك. النشاط الطلابي والدعوى • بدأ نشاطه العام الطلابي والسياسي في نهاية تعليمه الثانوي عام 1966م. • انخرط في العمل الإسلامي العام منذ عام 1967م. • شارك في تأسيس العمل الإسلامي العام في جامعة الإسكندرية منذ مطلع السبعينيات. • ارتبط بالإخوان المسلمين منذ عام 1974م. • تدرج في مستويات متعددة وأنشطة متنوعة في العمل الإسلامي، من أهمها مجالات العمل الطلابي والتربوي والإداري ويشغل حاليا منصب النائب الثاني للمرشد العام تعرض للسجن أربع مرات الأولى: في عام 1968م في عهد عبد الناصر؛ لاشتراكه في مظاهرات الطلاب في نوفمبر 1968م حيث سجن أربعة أشهر، وفُصل من الجامعة، وجُنِّد في القوات المسلحة في فترة حرب الاستنزاف قبل الموعد المقرر لخدمته العسكرية المقررة. الثانية : في عام 1992م ولمدة عام، فيما سمي بقضية سلسبيل. الثالثة : في 1995م حيث حُكم عليه بخمس سنوات في قضايا الإخوان أمام المحكمة العسكرية. الرابعة : في عام 2001م لمدة عام تقريبًا. • هذا بالإضافة إلى طلب القبض عليه عام 1981م، ولكنه كان خارج مصر آنذاك. • عضو مكتب الإرشاد لجماعةالإخوان المسلمين منذ عام 1995م. • أقام لفترات مختلفة في اليمن والسعودية والأردن وبريطانيا، وسافر إلى العديد من الدول العربية والأوروبية والأسيوية الشاطر تاجراً -ورث خيرت الشاطر النشاط الاقتصادي عن والده و أجداده وجرت التجارة في دمائه منذ صغره فقد مارس والده التجارة لاكثر من خمسين سنة وامتلك عددا من الاراضي الزراعيه وكان من أكبر التجار المشهورين في محافظة الدقهلية وكذلك جده من والده ووالدته أيضا وكان يساعد والده منذ طفولته جنبا الي جنب مع دراسته حيث تخرج من كلية الهندسة جامعة الإسكندرية وكان متفوقا فعين معيدا بالكليه وبعد تخرجه من الجامعة قام بعمل عدة مشروعات اقتصادية مثل التجارة الحرة والمقاولات والاستشارات الهندسية وكان ذلك منذ عام 1974 الي 1981 - بعدها سافر خيرت الشاطر . وكانت الفترة 1981 الي 1987 فترة تواجده في اوروبا والمنطقة العربية وكان سفره في البدايه لغرض الدراسات العليا الا ان العمل التجاري استهواه مرة اخري فمارس العديد من الانشطة التجارية في منطقة الخليج واوروبا - ثم عاد الي مصر عام 1986 ليؤسس مع حسن مالك الشركة الرائدة سلسبيل التي كانت وقتها من اكبر شركات لحاسب الآلي في مصر وكانت لها الريادة والسبق في في ادخال الحاسوب الي المنطقة العربية وعمل برمجيات باللغة العربية وكانت نواة لعدة أنشطة تجارية اخري ذات فروع في الوجه القبلي والبحري مثل تنظيم وارادة المعارض الكبري للسلع المعمرة - تمليك المشروعات الصغيرة للمهنيين بالتقسيط وتقديم الدعم الفني والتسويقي لهم. - انشاء سلاسل من محلات في المجالات التجارية المختلفة كما قام بتأسيس شركة لتصدير الخدمات للخارج (عقود صيانة - استشارات - تدريب ) والعمل في المجال الزراعي والثروة الحيوانية - تم اختياره في هذه الفترة عضوا في مجلس ادارة المصرف الاسلامي الدولي وكذلك مجلس ادارة بنك المهندسين وكذلك في العديد من الشركات المساهمة في مصر والمنطقة العربية - كما قام بالعديد من الرحلات التجارية في الدول الاوروبية والعربية (منطقة جنوب شرق اسيا ) وحضور الكثير من الدورات الاقتصادية والادارية في مصر والخارج. - وفي الوقت الذي كان خيرت الشاطر قد استورد التجهيزات اللازمة ليصنع الحاسب الالي بأيد مصرية في مصنع بالقاهرة وفي التوقيت الذي وصلت فيه المعدات في الميناء بالأسكندرية ألقت قوات الامن القبض عليه فيما عرف بقضية سلسبيل وأغلفت الشركة وتم مصادرة كل الاجهزة والمعدات في الشركة وفي الميناء وبعد 11 شهر مضاها في المعتقل تم الافراج عنه وتبرئته وأعلن وزير الداخليه في تصريح نشر بالجريدة ( أنه غير مهم ) وظلت الشركة مغلقة حتي اليوم ولايعرف احد مصير ما كان بداخلها. - وفي عام 1995 تم القبض عليه وحكم عليه بالخمس سنوات واستمرت العديد من هذه الانشطة في فترة محبسه ثم استأنف متابعتها بعد خروجه وقام بتطوير هذه الأعمال لإحداث مزيد من التنوع فيها كتأسيس كيان يقوم بتصدير الدواء المصري للمنطقة العربية ويصنع الدواء كاملا بايدي مصرية. ايضا في مجال تصدير المنتجات المصرية للخارج مثل المنسوجات كذلك العمل في ادارة المشروعات وجذب المستثمرين من الخارج ومن الشركات التي اسسها حياة للادوية والأنوار للأدوات الكهربائية ومالك ورواج وغيرها.. كيف كان خيرت الشاطر رجل أعمال شريف ؟؟ - لم يقم يوما بدفع رشاوٍِِِِ - كان يقوم بتسديد ماعليه من ضرائب وتأمينات لم يعرف يوما الطرق الملتوية التي يعتاد عليها الكثير من رجال الاعمال. - كأي رجل عمال ناجح فكر خيرت الشاطر في الربح والكسب ولكن لوطنيته الأصيلة كمسلم ظلت خدمة وطنه هي الهدف الاكثر اهمية له فركز في أعماله ونشاطاته علي البعد التنموي الذي يسعي ويهدف لتنمية المجتمع - - ولم يسر في اتجاه الاقتصاد الريعي الذي يهدف للربح فقط فلم نجده يتاجر في المواد المسرطنة او أكياس الدم الملوثة او الأسمنت المزيف أو يهرب أمواله للخارج بل كانت اعماله تحمل كل الخير لوطنه مثل : 1- ادخال الحاسوب للمنطقة العربية 2- عمل برمجيات للحاسب باللغة العربية 3- التركيز في مشروعات الزراعة والثروة الحيوانية 4- الاعمال الخدمية مثل معارض السلع المعمرة بالتقسيط لمساعدة الشباب علي الزواج 5- كان دائما يفضل أن يعمل في مجال التصدير لتشجيع الإنتاج بأيد مصرية (مثل تصنيع الدواء وتصنيع برمجيات الحاسوب ) وعندما عمل في مجال الإستيراد كان يصر دائما أن تكون مرحلة مؤقتة للتأهيل للتصنيع وذلك لايمانه بضرورة توفير فرص عمل لأبناء وطنه. 6- لم يعش في ترف ورفاهية مسرفة ولم يهرب امواله للخارج وكان يدخل امواله في مشروعات لاستثمارها نقاط مثيرة لاسئلة استفهام : 1- في عام 1992 وبعد ان قامت الشركة بتجهيز واستيراد كافة المعدات اللازمة لتصنيع الحاسب الآلي بايد مصرية وبعد أن قامت الشركة بتجهيز واستيراد كافة المعدات ؛ وكانت المعدات قد وصلت لميناء الاسكندربة تم القبض علي خيرت الشاطر وإغلاق الشركة مع مصادرة كل الأشياء ومازال الوضع قائما حتي اليوم. وهذا العام وقد تم شراء ارض ب 6 اكتوبر وتجهيزها لعمل مصنع للاثاث علي الطراز التركي بايدي مصرية تمت الهجمة الامنية المخزية مرة اخري لحساب من يحارب الاستثمار في مصر ولماذا تتحمل مصر هذا الخسائر من ضياع فرص للعمالة وضياع فرص جيدة للاستثمار تدر بارباح للوطن بشكل جيد 2- بعد القبض علي خيرت الشاطر وحسن مالك وغلق شركاتهم التي كانت تدير عدد من التوكيلات التي ذهب بعض رجال للاعمال المعروف علاقتهم بالحزب الوطني لمحاولة اخذ هذه التوكيلات لحسابهم وهناك تفسيرات تشير الي ان هذه الضربة قد تمت لحساب بعض رجال الاعمال القريبين من الحزب الوطني الحاكم 3- كان من الطبيعي ان يكون لدي الشاطر وشركائه مليارات الجنيهات لتناسب حجم اعمالهم وتاريخهم التجاري الطويل ولكن نتيجة الضربات الامنية المتلاحقة لم يتجاوز حجم الاموال التي يتعاملون بها 10 او 15 مليون جنيه برأس مال 4 مليون جنيه باعتبار ان راس المال يدور بمعدل 3 مرات في السنه تقريبا في الوقت ذاته الذي نجد فيه رجال اعمال مغمورين ليس لهم أي اسم في السوق ظهرو فجأة ويعملون في المليارات من دون ان يسألهم احد من اين حصلو علي تلك الاموال فهل هذا هو ذنب الشاطر انه لم يدخل في شبكة المصالح الخاصة؟؟؟ 4- لحساب من يتم التستر علي رجال الاعمال الفاسدين الذين اغرقو المصريين وادخلو المواد المسرطنة واكياس الدم الملوثة واللحوم الفاسدة لحساب من يتم تهريبهم وعدم محاكمتهم في الوقت الذي يحارب فيه رجال الاعمال المخلصيين الذين حملو الخير لاوطانهم ووفرو فرص العمالة لاهلهم ولم يهربو اموالهم للخارج فيكون مكانهم في الزنازين المغلقة واعتقالهم بعد تبرئة المحكمة لهم ثم تقديمهم للمحاكمات الاستثنائية ؟؟ سلسبيل 1992 وسلسبيل 2007 المهندس خيرت الشاطر والأستاذ رشاد نجم الدين في قضية سلسبيل - عبدالمجيد محمود هو المحامي العام وقتها الذي اصدر قرار غلق الشركة والان هو نفسه النائب العام الذي قرر التحفظ علي الاموال - قامت الداخليه في 92 بعمل قضية الجاسوس ديفيد وفارس المصراطي ثم قامت تسليمه في النهايه لليهود بدون أي عقوبة واليوم العطار هو بطل قصة الجاسوسية فهل تنتهي قصته نفس النهاية - في الحالتين تم اغلاق الشركات وتسريح العمالة ومصادرة كل الممتلكات لا نعرف لمن ولا لحساب من ؟؟؟ 6- أسرة المهندس خيرت الشاطر تنفي مانشر من أكاذيب من امتناع المهندس خيرت من الإجابة عن مصدر امواله فالحقيقة أنه أجاب بشكل واضح؛ وما امتنع عنه كان فقط مايخص التهم المستهلكه بقيادة جماعة محظورة. في حوار بين خيرت الشاطر وابناه عبر قضبان المحكمة أكد أنه يتحدي مناظرة أي مسؤل قانوني او اقتصادي موضوعي في التلفزيون ؛ولكنه علي يقين بأنه لن يسمحو له بذلك لأننا أمام قرار سياسي لايعرف منطقا ولا قانونا وليست لديه إلا العصا الأمنية والسياية القمعية. زهور في بستان : بقلم د أمير بسام لقد خلق الله سبحانه وتعالى البشر، وجعل لكل واحد مميِّزات وصفات تجعله مختلفًا عن غيره، فلا تكاد تجد فردَين متطابقَين تمامًا في طباعهما وأسلوب معيشتهما؛ وذلك للاختلاف في الموروثات التي تحدد خصائص الإنسان النفسية، والبدنية من فردٍ لآخر. ويأتي اختلاف الثقافات بين الأفراد عاملاً آخر ليجعل لكل فردٍ طبعَه وتفكيرَه الذي يميِّزه عن غيره، فإذا اختلفت البيئة التي ينشأ فيها الأفراد، واختلفت أيضًا الأعمار فالتباين في الطباع والسلوك يكون على أشدِّه. وقد تتباين مجموعة ما في موروثاتها وثقافتها وبيئاتها وأعمارها، ولكن يكون اجتماعهم لساعات معدودة على فترات متباعدة أو متقاربة، فلا تجد لاختلاف طباعهم أثرًا في علاقتهم، ولكن إذا عاشوا مع بعضهم أيامًا أو أسابيع فسرعان ما يؤدي تباين الطباع إلى مشاكل لا حصر لها!!. وحتى في العلاقات الزوجية، فإن الخبراء يقولون إن أول عام من الزواج تكون فيه بعض المشاكل؛ لاختلاف طبعَي الزوجين عن بعضهما. ولكن إذا وجدت مجموعةً من الناس مختلفي الثقافات والأعمار والبيئات، ويعيشون مع بعضهم أيامًا بل شهورًا عديدةً، ويكون مكان إقامتهم ليس متنزهًا أو مصيفًا، بل سجنًا يُظلمون فيه ويُحرمون أبسط حقوقهم، وهم الكرام في أهلهم؛ فإن هذه المجموعة بمنطق العقل، وخبرة الحياة حتمًا ستحدث بينهم من المشاكل، وتظهر بينهم من السلبيات ما يفوق الحصر. ولكن أن تجد هذه المجموعة على ما هي فيه كما ذُكرت؛ يعيشون حياةً هادئةً يملؤها الحب، ويرفرف عليها التفاهم، ويسلس انقياد بعضهم لبعض؛ فلا تكاد تحدث مشكلة، ولا يعكِّر صفوَ العلاقات الراقية عكرُ الخلافات الطارئة!!. حين تجد ذلك لا بد أن تفكِّر مليًّا وتسأل نفسك: من هؤلاء ولماذا هم كذلك؟!. والمحالون للمحكمة العسكرية هم مثالٌ لهذا النموذج الراقي؛ فهم ينتمون إلى بيئات مختلفة: بحري وقبلي، قروي ومدني، وأعمار مختلفة دون الأربعين حتى فوق الستين، وشهادات علمية مختلفة ومستويات اقتصادية متعددة، ومهن متباينة، ويعيشون تحت ظروف تدفع للتوتر، وتزرع الضيق في الأنفس، ومع ذلك تجدهم- ومع مرور عام على هذا الحال- لا تزيدهم الأيام إلا ألفةً، ويدفعهم ما يتعرَّضون له من ظلم إلى أن يصفح بعضهم عن بعض، ويرحم بعضهم بعضًا!!. تجد أرواحًا متآلفةً، وقلوبًا متآخيةً، وأنفسًا مؤْثرةً، وأخلاقًا هي المكارم بعينها؛ ينطبق عليهم قول الشعر: لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق فقد اتسعت أخلاقهم حتى جاوزت ضيق السجن، وضجر الظلم، ولا عجب في ذلك؛ فإن يد الله هي التي تزرع في هذه القلوب معانيَ الأخوة، فنبتت مظاهر الألفة، فتثمر علاقات السعادة ?لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ? (الأنفال: من الآية 63). وقد يتبادر أيضًا للذهن أن هذه المجموعة قد اتفقت في طباعها، وتوحَّدت في مشاربها؛ لذلك لم يحدث بينهم خلافٌ أو اختلافاتُ، ولكنهم ليسوا كذلك.. إنهم أيضًا مختلفو الطباع والمشارب، ولكنه الاختلاف الذي يؤدي إلى التكافل، وهو التنوع الذي يثري الحياة. وقد تجاوزت هذه الألفة أشخاصهم إلى أسرهم؛ فقد أحسَّت أسرهم أنهم أصحاب هدف واحد وأمل واحد، وقد ظهر ذلك على الأبناء، فاكتُشفت مواهبهم، ونمت قدراتهم، وصَلُح حالهم. ولا أقول إنهم ملائكة لا يخطئون، بل هم بشر يصيبون ويخطئون، ولكن حسن النية، والرغبة في الثواب جعل التغافر بينهم أكثر من العتاب، والصفح أعمَّ من العقاب، وكل واحد منهم إن وجد في نفسه خصلة من السوء اجتهد أن يتخلَّص منها، وإن وجد خصلة من الخير في أخيه اجتهد أن يتعلَّمها منه، وهذا مصداق حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ما التقى مؤمنان قط إلا أفاد الله أحدهما من صاحبه خيرًا”، والحديث القائل “المؤمن للمؤمن كاليدين؛ تغسل إحداهما الأخرى”، فكان تعايش هذه المجموعات مع بعضها كله إفادةً وخيرًا ونفيًا للشر. وإني أمثِّلهم ببستان عظيم تدخل إليه فينشرح صدرك، ويبهجك جمال ورده وحسن أزهاره. ورغم أن البستان كله يعجبك إلا أنك إذا اقتربت من كل زهرة على حدة فستجد لها لونًا يميزها وشذا يخصُّها وجمالاً تتفرد به عن زميلاتها. وهكذا من عاشرتهم عامًا كاملاً في السجن في هذه المحاكمة العسكرية المثيرة للجدل.. كل واحد منهم زهرة نسيج وحدها منفردة بمميزاتها، زهرة تبعث الراحة إلى النفس وتألف العين رؤيتها، كل واحد من هؤلاء الذين أراد لهم النظام البائس أن يعاقبهم بحبسهم، ولكن أراد الله أن يكونوا في محبسهم كباقة زهور في بستان، وأصبح كل منهم زهرةً في هذه الباقة؛ تشم منها أطيب ريح “مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير”. وأجدني مدفوعًا من حبي لهم وتقديري لأخلاقهم أن أقترب كل يوم من زهرةٍ من هذا البستان لأحدثكم عن أجمل ما فيها، وما يميزها عن غيرها وما تفيض به على من حولها لتشمُّوا معي عبيرَ هذه الزهور، فتسعدوا كما سعدت معهم. وكذلك أقصد بحديثي عن هؤلاء الذين عايشتهم أن أقدم نماذج مشرِّفةً لأجيالنا الصاعدة؛ حتى يعلموا أن رجال الحق موصولون ومتواصلون، وأنه في كل زمن توجد طائفة بالحق مستمسكة، وله ناصرة حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، ومع لقاء قادم أحدثكم عن أول زهرة رأيتها…. المهندس محمد خيرت الشاطر المهندس خيرت الشاطر خلف القضبان فى المحكمة العسكرية قابلته قليلاً قبل أن أرافقه في هذا السجن وفي هذه المحاكمة، ولا أخفيكم أنه كلما طالت أيام السجن كلما ازددت له حبًّا له وإعجابًا به.. إنه المهندس محمد خيرت الشاطر والمدَّعى عليه الأول في هذه المحاكمة الظالمة. والمهندس محمد خيرت الشاطر قد أتاه الله بسطةً في العلم والجسم، وكذلك بسطةً في المال والعيال. وقد أورد العقَّاد في كتابه “عبقرية عمر” أن هناك مدرسةً علميةً تقول إن العباقرة غالبًا ما يتميزون بصفات جسمانية مميزة؛ منها أن يكون العبقري طويلاً بيِّن الطول، أو قصيرًا بيِّن القصر، فلما رأيت م. خيرت وهو بيِّنُ الطول ورأيت فيه العبقرية بعينها أيقنت أن ما نقله العقاد صوابٌ إلى حد كبير، وأن هذا الرجل إنما اصطفاه الله لما أودعه فيه من عبقرية قلَّما تجدها بين البشر. وعبقرية المهندس خيرت يلمسها كل من يحادثه أو يناقشه؛ فهو يتميَّز بعقليةٍ مرتَّبةٍ ومنظَّمةٍ إلى حد كبير؛ فإذا تناولت معه موضوعًا عامًّا أو خاصًّا تجده يرتِّب لك الأحداث والأفكار والاستدلالات بتلقائيةٍ، حتى إنك تظنُّ أنه قد جلس ساعاتٍ طوالاً يتدارس ما سيقوله، ومع تكرار الأحاديث، وتنوعها تتأكد أن الأمر ليس مدارسةً بل هي سليقة أودعها الله إياه. وقد حباه الله أيضًا ذاكرةً حادَّةً- أسأل الله أن يحفظها له- فدقائق الأمور فضلاً عن كبارها تجده يذكرها لك حتى ولو بعد عدة أعوام، ولعل تنوع معلوماته، وكثرة معارفه وعِظَم قراءته وعمق تحليلاته للأحداث، والأمور تضيف إليك جانبًا من جوانب التقدير لهذا الأخ الكريم. والمهندس خيرت ابن الحاج سعد الشاطر- رحمه الله- وهو من تجَّار الدقهلية المشهورين، وقد ورث عن أبيه براعة التجارة، وورث أيضًا مالاً يتاجر به؛ ولذلك هو رجل أعمال ناجح فتح الله عليه مشاريع عديدة أقامها بحرِّ ماله، وكانت سببًا في فتح أبواب العمل لكثيرٍ من الشباب. أما أسرته فإنك تشعر أنها أسرةٌ مجاهدةٌ حقًّا، سواءٌ الأم أو بناته الثمانية، أو ولداه، وهما أصغر أبنائه؛ فكلهم يحملون رسالةً ويؤدون أمانةً، ويقفون وراء أبيهم يشدُّون من أزره. ولعل أهم ما يميز المهندس خيرت هو روح الأبوة التي تملأ قلبه؛ فهو يستشعر مسئوليته نحو الجميع، ويتتبَّع أحوالهم، ويؤثرهم على نفسه، ويراعي أدقَّ المشاعر لأصغر المتواجدين معه. تجده- رغم كثرتنا- يعرف أبناء كل واحدٍ منَّا، بل أحفاده إن وجدوا، ويسأل عنهم فردًا فردًا، ويعرف بدقة ملاحظته تواصلَ كل فرد مع أهله في الزيارات!!. رأيته يعاتب أخًا لنا ظلَّ يكتب خطابًا أثناء زيارة ابنته له قائلاً: “إن وقت الزيارة أولى به ابنتك”، وكان في عتابه رقيقًا مهذَّبًا؛ تجده يتصابى لأطفالنا وكأنه منهم، ويتعانق مع أبنائنا الكبار وكأنه أبوهم. ورغم ما تعرَّض له المهندس خيرت من مصادرةٍ للأموال وسجنٍ لفترات طويلةٍ تعدَّت ثمانيَ سنوات منذ عام 91 حتى الآن، ورغم ما يُشاع عن أنه المقصود الأول في هذه المحاكمة، إلا أن سَمَره مع إخوانه ومحاولته التخفيف عنهم والضحك معهم سمته دائمًا. يجلس أحيانًا في طرقة العنبر ليجالسه من أراد، فتجد مجلسه هو مجلس الحب والسمر واللطف والتلطف، ثم هو معاني الإيمان بالله والتسليم لقضائه وقدره، ولعل ما يحببك في المهندس خيرت هو تواضعه الشديد ورغبته في عدم التميُّز عمن حوله. أذكر أننا اجتمعنا تطوعيًّا لتنظيف مكان في فناء السجن مليءٍ بالأحجار؛ حتى يكون مكانًا لجلوسنا، فوجدناه وسطنا يحمل الأحجار، فلما طلبنا منه الراحة أصرَّ على أن يحمل معنا الأحجار رغم مرضه آنذاك. وهو شاعر يحب الشعر، ويقرضه، كتب قصيدةً في عقد ابنته- والذي عُقد في السجن- جمع فيها جميع أسماء أبناء وأحفاد المحالين للمحكمة العسكرية. ومن الأحداث التي تجعلك توقن أن قلب هذا الرجل يحمل إيمانًا عظيمًا بالله- سبحانه وتعالى- وتسليمًا لقدره، هو حينما جاءه خبر مرض زوجته، وقد كان مرضًا غامضًا؛ فقد أصيبت بغيبوبة، وكان الأمر صعبًا علينا، فما بالكم به؟!.. لقد فقد الرجل حريته وماله، ثم ها هو قد يفقد أنيسته وشقيقة روحه. ولكن أشُهد الله أنه ما خرجت منه كلمة شكوى ولا علامة ضجر، بل كان الدعاء والصبر حتى أزاح الله الغمة وشفاها بآية من عنده، وحار الأطباء في سبب الشفاء، كما احتاروا في سبب المرض!!. وقد دار بيني وبين آخرين معي حديثٌ بل أحاديث تطرَّقنا فيها عن المهندس خيرت الشاطر، فما وجدت من الجميع نحوه إلا إجماعًا على حبه وتقديره، وما لمسته أنا من برِّه وتواضعه وصبره وثباته أحسَّ به الجميع، فاستحق أن يتربَّع على عرش قلوبهم محبةً واحترامًا. وقد كان دائمًا يجول بخاطري: “ما حال الدعوة إذا ذهب عنها مؤسسوها الأوائل الذين عاشروا الإمام الشهيد حسن البنا وتربَّوا في أتون محنة سجون عبد الناصر؟!.. كان السؤال دائمًا ملحًّا على ذهني.. هل ستفرز هذه الدعوة أمثال هؤلاء يقودونها إلى بر الأمان؟!. وكانت الإجابة عن هذا السؤال حينما عاشرت المهندس خيرت الشاطر، وعلمت أن الله يختار قادةَ دعوته، وأن هذه الدعوة ولاَّدة برجال أطهار أمثال المهندس خيرت الشاطر وغيره. وإنني أسأل نفسي دائمًا: لماذا يضطهد نظامنا الفاشل أبناء الوطن المخلصين؟! لماذا مثل هذا الرجل يوضع في السجن؟! ولو استفادت الأمة من جهده وعلمه وعقله لكان الخير كل الخير.. هل مثل المهندس خيرت يكون مكانه السجن؟!. ولكن أرجع إلى نفسي، وأقول إن الله أدخل يوسف السجن ليكون بعدها الحفيظ الأمين الذي ينقذ مصر، فهل يا تُرى يتكرَّر الأمر مع المهندس خيرت الشاطر؟! أسأل الله أن يكون ذلك. ......... للمزيد موقع إخوان ويكي الموسوعة الإخوانية
  19. المولد : ولد الإمام الشهيد حسن أحمد عبد الرحمن البنا في ضحي يوم الأحد 25 شعبان 1324هـ الموافق أكتوبر 1906م ، بالمحمودية في محافظة البحيرة بمصر ، وكان الابن الأكبر لأبوين مصريين من قرية شمشيرة بندر فوه التابع لمديرية الغربية سابقاً ومحافظة كفر الشيخ حاليًا. الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا أبواه وأخوته : هو الابن الأكبر للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي ، وذلك نظرًا لعمله في إصلاح ، وكان الشيخ أحمد عالمًا بالسنة ، فقد رتب معظم أسانيد الأئمة الأربعة علي أبواب الفقه ، وله مؤلفات في السنة منها " بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن " كما شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل وسمى الشرح " بلوغ الأماني من أسرار الفتح الباني " ، وقد كان الشيخ يعتبر نفسه من تلامذة الإمام محمد عبده . ووالدة الإمام الشهيد هي السيدة الفضلى : أم سعد إبراهيم صقر , والدها تاجر مواش بقرية شمشيرة , وهي أيضًا من نفس قرية والد الإمام الشهيد وهي تواجه المحمودية علي الضفة الثانية للنيل . أم السعد صقر ...أم الإمام حسن البنا وكانت ذكية ومدبرة وواعية , كما كانت علي جانب كبير من العناد , فإذا انتهت إلي قرار فمن الصعب أن تتنازل عنه , وهي صفة ورثها – الإمام الشهيد – ابنها الأكبر كما ورث منها ملامح الوجه , ولكن العناد تحول إلي صورة سوية أصبح معه " قوة إرادة " ولم يشاركه في هذه الوراثة من إخوته سوي شقيقه عبد الباسط رحمه الله . إخوته : عبد الرحمن الذي أسس جمعية الحضارة الإسلامية في القاهرة التي اندمجت في الإخوان عند انتقال الإمام البنا إلي القاهرة وأصبح من الأعضاء البارزين في الإخوان . وفاطمة ( حرم الأستاذ عبد الحكيم عابدين ) , ومحمد توفي في مارس 1990م شعبان 1410هـ , وعبد الباسط ( وكان ضابطًا بالبوليس ورافق الإمام الشهيد حتى قبيل أيام من اغتياله ، واستقال من خدمة البوليس وعمل بالسعودية وتوفى بها ودفن بالبقيع بناء علي وصيته رحمه الله ) , وزينب التي توفيت وهي لم تتجاوز السنة من عمرها , والأستاذ أحمد جمال الدين ( الكاتب المعروف والمصنف والمشهور باسم جمال البنا ) , وفوزية ( حرم الأستاذ عبد الكريم منصور المحامي الذي كان مع الإمام الشهيد ليلة الاستشهاد وأصابه رشاش من رصاصات القتلة وتوفى سنة 1989 رحمه الله ) . وقد ولد كل هؤلاء الأولاد والبنات في بيت واحد وفي غرفة واحدة كان يطلق عليها " غرفة الدكة " أو " مسقط الرؤوس العظيمة " . ثانيًا : علاقة الإمام البنا العائلية الأمام البنا مع أسرته أ – الأسرة التي نشأ فيها وترعرع : كانالإمام الشهيد حسن البنا هو الابن الأكبر للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا ثم تلاه عبد الرحمن ثم فاطمة ثم محمد فعبد الباسط فزينب التي توفيت بعد عام تقريبًا من ميلادها , فجمال ثم الأخت الصغرى فوزية , وقد أحاط الأب وكذلك الأم ابنها حسن برعاية كاملة حتى أن الأم " تتمسك بأن يتم حسن تعليمه علي أعلي مستوى , وعندما ضاقت موارد الأسرة باعت ( كردانها ) الذهبي , وفي مرحلة لاحقة ولاستكمال التعليم أيضًا باعت سواريها وكانت مضفرة ثقيلة من الذهب البندقي- كما يقولون – أي أنها من الذهب الخالص عيار 24 " وعندما تجاوز الابن مرحلة الطفولة قام بمعاونة أبيه في إصلاح الساعات وقضاء بعض الأعمال نيابة عن الوالد , وكان والد الإمام الشهيد يكلفه بقضاء العديد من المصالح وتسوية بعض المشكلات بالبلد ( المحمودية ) بعد أن مضي علي انتقاله إلي القاهرة قرابة عامين , وظل والده يتعلق بهذه الأعمال حتى عام 1933م " وبعد تعيين الإمام بالإسماعيلية ظل يعاون أباه ولكن بطريقة أخري , فقد كان يمد أباه بربع أو ثلث مرتبه فضلاً عن استضافته لبعض إخوته , وذلك عندما ضاقت أحوال والده المادية يقول جمال البنا : " عندما بدأت الضائقة الاقتصادية تطبق عليه ( والد الإمام البنا ) أعانه ابنه الأكبر – الإمام الشهيد – بمبلغ أربعة أو خمسة جنيهات فضلاً عن أنه استقدم إليه بعض أشقائه لمدد طويلة " . ولم تقتصر مساعدة الإمام الشهيد لوالديه علي المساعدة المالية بل ساعد أيضًا فر تربية إخوته من الناحية الخلقية ومن الناحية العلمية . ولم يكتف بالاهتمام بمن يعيش معه من إخوته بل كان يقدم النصيحة للأب للعناية ببقية الأخوة فهو يقول في أحد خطاباته لوالده : " أما جمال فهو مسرور كل السرور وقد أدخلته مدرسة أولية فهو يتعلم بها ويحبه أساتذتها ويكرمونه جداً ، أما فاطمة فأنا أوصيها كلما سنحت الفرصة الوصايا التهذيبية وسأشرع معها في القراءة والكتابة بحول الله وقوته . وعبد الباسط كذلك أهتم بتهذيبه جداً ، وبالجملة فآمل بعون الله أن أوفق إلي أرشادهم خير الإرشاد إلي ما ينفعهم في المعاش والعبادة ولهم درسان في الأسبوع بعد العشاء يحفظون فيها الحديث ، وكم يكون سروركم عظيمًا إذ سمعتم جمال الدين وهو يقرأ الأحاديث التي حفظها بتجويد وإتقان مثلاً " يامعاذ أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك ولتبك علي خطيئتك " وحديث " صل من قطعك وأحسن إلي من أساء إليك وقل الحق ولو علي نفسك " الخ ، وكذلك الجميع ، ولنا جدول منظم يشمل الرياضة والمذاكرة والسمر والطعام ، فاطمئنوا من هذه الوجهة كل الاطمئنان . وزارنا بعض الإخوان المدرسين والموظفين فكان لتلك الزيارات أثر في نفس عبد الباسط جعله يتعلم كيف يتأدب ويقابل الناس وهكذا ، وقد فصلت لكل منهما جلبيتين من الياباني وضمنت عليها النظافة وعدم السير بالحفاء ودوام الصلاة والنظام والغسل ونحو ذلك فأصبح يسران الناظرين ، وأسأل الله التوفيق والإعانة ، والذي أرجوه أن تأدبوا محمداً وفوزية كما أؤدب أنا عبد الباسط وجمال " . وقد أرشد البنا والده لطريقة تحبب النظام إلي الأولاد وتجعل النظام هو سمت كل أعمالهم فيقول في خطاب لوالده " سيدي الوالد ... الآن عرفت أن الأولاد إذا شعروا بالنظام في المنزل نظموا كل أعمالهم ، ولذلك أرجو أن تنظموا المنزل نظامًا حسنًا ، فمثلاً تجعلون الصالة لسفرة الأكل وحجرة للجلوس والمذاكرة وحجرة لنومكم وحجرة لنوم محمد وعبد الرحمن وتضبطوا مواعيد الطعام والنوم بقدر الإمكان " . ولا يفعل البنا ذلك علي سبيل التفضل علي والديه بل يري أن ذلك حقهم ، ويري أن من حقهم متابعة كل تصرفاته المادية حتى أنه في خطاب من خطاباته يشرح له مصروفاته خلال ثلاثة أشهر ما تم صرفه وما تم استدانته من الأصدقاء ، ويتوقع منهم ألا يتقبلوا بعض التصرفات فيقدم لهم عذره عن هذه التصرفات ومبرراته لفعلها ويطلب من والده بعد شرح ظروفه أن يسكن غضب والدته عليه ويرضيها عنه بحكمته " . وقد كان البنا مثالاً لما يجب أن يكون الابن لوالديه ، فقد كان أسعد أيامه كما يقول يوم يرضي عنه والده فهو يقول في أحد خطاباته : " فقد ورد خطابكم الكريم وإن اليوم الذي استطيع فيه إرضاءكم هو أسعد أيامي حقاً ، وعقيدتي أنني ما خلقت إلا لأرضيكم ، وليس لي من الحق في كل ما يقدره الله لي بعض ما لكم ، ذلك ما اعتقده وأقوله بإخلاص ويقين . والذي أريده فقط أن تغتبطوا بذلك وتعلموه وأن تخفف سيدتي الوالدة من ألمها لعدم التوفير فإن هذه ضرورة لابد منها ستنفرج عما قليل ، والله إنني لأقضي ساعات طوالاً في ألم لتألم والدتي ، وفي تفكير كيف أرضيها وكيف أسعدها وكيف أجعلها هانئة مغتبطة . فهل يوفقني الله إلي هذه الأمنية " . ب – الأسرة التي أسسها : زواج الإمام البنا : كان ممن استجاب للدعوة من أهل الإسماعيلية أسرة كريمة من أسرها تدعي أسرة الصولي ، وهم تجار من متوسطي الحال ، وكانت هذه الأسرة من الأسر المتدينة بطبيعتها ومن يربون أولادهم علي الدين ، وكانت والدة ا؟لأستاذ تزور هذه الأسرة ، فسمعت في إحدى ليالي زيارتها صوتًا جميلاً يتلو القرآن فسألت عن مصدر ذلك الصوت فقيل لها إنها فلانة تصلي ، فلما رجعت الأم إلي منزلها أخبرت نجلها بما كان في زيارتها وأومأت إلي أن مثل هذه الفتاة الصالحة جديرة أن تكون زوجة له ، وكان ما أشارت به ، فقد تزوجها فكانت أم أبنائه وهي التي رافقته في السراء والضراء وكانت خير عون في دعوته حتى لقي ربه شهيداً مظلومًا . ومما تذكره الابنة ثناء في حق والدتها : والدتي رحمها الله كانت تقدم دائمًا مصلحة الدعوة علي مصلحة نفسها وبيتها ، وقد كانت تقوم علي رعايتنا حق الرعاية وتهيئ جو البيت لاستقبال الوالد المرهق من كثرة الأعباء والأعمال ، فيجد راحته في بيته لمدة سويعات قليلة ينطلق بعدها ثانياً إلي الدعوة ، ويذكر لوالدتي رحمها الله أنه عندما قام والدي بتأسيس المركز العام للإخوان المسلمين طلبت منه يأخذ كثيراً من أثاث البيت عن طيب نفس منها ليعمر بها المركز العام ، فنقل السجاجيد والستائر والمكتبات وكثيرًا من الأدوات وكانت سعيدة بذلك غاية السعادة , لقد كانت رحمها الله تعتبر أي فرد من أفراد الجماعة هو أحد أبنائها ، وأذكر أنه عندما كانت تأتي أخت من الأخوات لتشكو زوجها كانت أمي تناقشها وكأنها أمها ، وفي نفس الوقت حماتها ، وتبادرها بالسؤال ماذا فعلت في أبني فلان حتى تصرف معك هذا التصرف ؟ ! ولقد كانت تشارك الإخوان أفراحهم وأحزانهم ، فكانت فرحة أي بيت من بيوت الإخوان هي فرحة في بيتنا ، وكانت مصيبة أي بيت هي مصيبة بيتنا أيضًا . البنا وأولاده : كان البنا رب أسرة مثاليًا فلم يقصر في رعاية أبنائه والعناية بهم والاهتمام بكل شئونهم ، فقد كان لكل أبن من أبنائه دوسيه خاص يكتب فيه الإمام بخطه تاريخ ميلاده ورقم قيده وتواريخ تطعيمه ، ويحتفظ فيه بجميع الشهادات الطبية التي تمت معالجته علي أساسها ، وهل أكمل العلاج وكم أستغرق المرض إلي آخر هذه التفاصيل ، وكذلك الشهادات الدراسية ويدون عليها البنا ملاحظاته ، وتري أبنته الفاضلة ثناء " وكان عند عودته ليلاً إذا وجدنا نائمين يطوف علينا ويطمئن علي غطائنا ويقبلنا ، بل يصل الأمر أنه كان يوقظ أحدنا ويصطحبه إلي الحمام " ، وكان البنا كريماً مع أولاده وكان يعطي كل واحد منهم مصروفاً يوميًا ثلاثة قروش وكان يعطي أبنه سيف الإسلام مصروفًا شهريًا إضافيًا قدره نصف جنيه لشراء الكتب وتكوين مكتبة خاصة به ، وكان الإمام يتابع كل ما يقرأه أبناؤه رغم مشاغله الدعوية . وكان أسلوب البنا في تربية أبنائه هو التوجيه غير المباشر فقد عرض لابنه سيف الإسلام بأن دخول السينما أمر لا يليق بالمسلم فلم يدخلها سيف قط ، وكان يتابع تصرفاتهم فعندما اشتري سيف بعض الروايات الأجنبية عن المغامرات لم ينهه عن قراءتها ولكنه أبدله خيراً منها مثل قصة الأميرة ذات الهمة وسيرة عنترة بن شداد وسيف ابن ذي يزن ، وبعض روايات البطولة الإسلامية وسيرة عمر ابن عبد العزيز وكان في رمضان يجلس مع سيف الإسلام وابنته الكبرى وفاء قبل الإفطار لكي يسمعا له القرآن وكان ذلك بغرض تعليمهما ولكن ذلك تم في بعض الأحيان في غير رمضان . وتطبيقاً لسنة الرسول صلي الله عليه وسلم " إن الله يحب المؤمن المحترف " فقد دفع بابنه الوحيد سيف الإسلام إلي مدير مطبعة الإخوان ليعلمه فن الطباعة . وتروي أبنته ثناء عن رعاية الإمام له فتقول : " وفي شهور الإجازة الصيفية والتي كان يقضيها مع الإخوان في محافظات الصعيد والوجه البحري كان لا ينسانا أو يتركنا بلا رعاية ، بل كان يصطحبنا إلي بيت جدي وأخوالي بالإسماعيلية لنقضي إجازتنا هناك ونستمتع ونمرح حيث المزارع الخضراء والحدائق الغناء ، وكان أخي سيف يمارس رياضة ركوب الخيل " . إكرام البنا لأهل زوجته : عندما تزوج الإمام البنا حرص علي أن يتعرف علي كل أهل زوجته وأقاربها ، وكل من له صلة رحم بها ، وكان يزورهم جميعًا وكثيراً ما كان يفاجئ زوجته بأنه قد زار قريبها فلان اليوم . وكان رحمه الله يعامل خادمته كأنها من أهل البيت حيث كان للخادمة مثل أولاده سرير مستقل ودرج مستقر في دولاب واحد ، لكل واحد من أبنائه درج فيه . وكان يكلف أبنته الكبرى وفاء بتعليم الخادمة في المساء القراءة والكتابة وأن تعلمها الصلاة وكثيراً ما كان يزور الخادمة في بيت زوجها عند زواجها وبعد مدة من توقفها عن الخدمة في بيته " . وتقول ابنته ثناء : أذكر أنني ذات مرة عاملت الشغالة معاملة غير لائقة فأفهمني أن ما فعلته معها خطأ لأنها أختي في الإسلام ، وكان عقابه لي أن أمسك بقلم رصاص وضربني به علي يدي ، وكان هذا كافيًا جداً يشعرني بأنه غاضب علي وكان درسًا لي لم أنسه طوال حياتي . التكوين العلمي والثقافي أولاً : التكوين العلمي بدأ الإمام الشهيد دراسته بالقرآن الكريم والثقافة الإسلامية فقد تطابقت إرادة والديه علي هذه البداية . فقد أراد له أبوه رحمه الله أن ينشأ نشأة إسلامية حقيقية وأصر علي أن يحفظ القرآن ، واستكمل له الكثير من جوانب الثقافة الإسلامية في سن مبكرة ، ثم عهد به إلي الشيخ ( محمد زهران ) الذي كان أيضًا شيخه الأول وكان الشيخ زهران كفيفًا . يقول عبد الرحمن البنا عن طفولة الإمام الشهيد : " كنا نعود من المكتب فتتلقفنا يد الوالد الكريم ، فتعدنا وتصنعنا ، وتحفظنا دروس السيرة النبوية المطهرة وأصول الفقه والنحو ، وكان له منهاج يدرسه لنا الوالد الكريم ، وكانت مكتبة الوالد تفيض بالكتب وتمتلئ بالمجلدات ، وكنا ندور عليها بأعيننا الصغيرة ، فتلمع أسماؤها بالذهب ، فنقرأ : النيسابوري ، والقسطلاني ، ونيل الأوطار ، وكان يبيحها لنا ويشجعنا علي اقتحامها ، وكان أخي هو المجلي في الحلبة وفارس الميدان ، وكنت أحاول اللحاق به ، ولكنه كان غير عادي ، كان فرق السن بيننا سنتين ، ولكنه لم يكن الفرق الحقيقي ، بل فرق إرادة إلهية أعدته لأمر عظيم ، فكان طالب علم ولكنه مستقر موهبة ومستودع منحة ربانية ، وشتان بين المنزلتين ، وفرق بعيد بين المريد والمراد ! وكنا نسمع ما يدور في مجلس الوالد الكريم من مناقشات علمية ومساجلات ، ونصغي للمناظرات بينه وبين من يحضر مجلسه من جلة العلماء ، أمثال الشيخ محمد زهران والشيخ حامد محيسن ، فنسمعهم وهم يناقشون عشرات المسائل . وكانت مراحل دراسة الإمام الشهيد كما يلي : 1 – مدرسة الرشاد الدينية . 2 – المدرسة الإعدادية . 3 – مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور . 4 – دار العلوم بالقاهرة . مدرسة الرشاد وكانت مدرسة الرشاد هي أول مدرسة التحق بها الإمام الشهيد حيث التحق بهذه المدرسة وسنه حوالي ثمانية أعوام واستمر لمدة أربع سنوات ، وكانت هي الأساس والقاعدة الصلبة التي استند عليها في تجاوز مراحل تعليمه اللاحقة بجدارة وتوفيق ونجابة ، وقد تحدث الإمام الشهيد عن هذه المدرسة وهو يتكلم عن مؤسسها الشيخ محمد زهران فقال : " وأنشأ مع ذلك مدرسة الرشاد الدينية سنة 1915م تقريبًا لتعليم النشء علي صورة كتاتيب الإعانة الأهلية المنتشرة في ذلك العهد في القرى والريف ، ولكنها في منهج المعاهد الرائعة التي تعتبر دار علم ومعهد تربية علي السواء ، ممتازة في مادتها وطريقتها وتشتمل مواد الدراسة فيها – زيادة علي المواد المعروفة في أمثالها حينذاك – علي الأحاديث النبوية حفظًا وفهما ، فكان علي التلاميذ أن يدرسوا كل أسبوع في نهاية حصص يوم الخميس حديثاً جديداً يشرح لهم حتى يفقهوه ، ويكررونه حتى يحفظوه ثم يستعرضون معه ما سبق أن يدرسوه ، فلا ينتهي العام إلا وقد حصلوا ثروة لا بأس بها من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ، وأذكر أن معظم ما أحفظ من الأحاديث بنصه هو مما علق بالذهن منذ ذلك الحين ، كما كانت تشتمل كذلك علي الإنشاء والقواعد والتطبيق ، وطرف من الأدب في المطالعة أو الإملاء ، ومحفوظات ممتازة من جيد النظم أو النثر ، ولم يكن شيء من هذه المواد معروفًا في الكتاتيب المماثلة . وقالالإمام الشهيد عن شيخه : " وكان للرجل أسلوب في التدريب والتربية مؤثر منتج ، رغم أنه لم يدرس علوم التربية ولم يتلق قواعد علم النفس ، فكان يعتمد أكثر ما يعتمد علي المشاركة الوجدانية بينه وبين تلامذته ، وكان يحاسبهم علي تصرفاتهم حسابًا دقيقاً مشربًا بإشعارهم الثقة بهم والاعتماد عليهم ، ويجازيهم علي الإحسان أو الإساءة جزاء أدبيًا يبعث في النفس نشوة الرضا والسرور مع الإحسان ، كما يذيقها قوارص الألم والحزن مع الإساءة ، وكثيراً ما يكون في صورة نكتة لاذعة أو دعوة صالحة أو بيت من الشعر – إذ كان الأستاذ يقرضه علي قلة – ولا أزال أذكر بيتا من الشعر كان مكافأة علي إجابة في التطبيق أعجبته فأمرني أن أكتب تحت درجة الموضوع : حسن أجاب وفي الجواب أجادا فالله يمنحه رضا ورشادادرجته : يا غارة الله جدي السير مسرعة في أخذ هذا الفتي يا غارة الله ولقد ذهبت مثلاً وأطلقت علي هذا الزميل اسمًا فكنا كثيراً ما نناديه إذا أردنا أن نغيظه "يا غارة الله " ، وإنما كان الأستاذ يوصي بكراسة بأن يكتب بنفسه ما يمليه عليه لأنه رحمه الله كان كفيفاً ولكن في بصيرته نور كثير عن المبصرين ولعلي أدركت منذ تلك اللحظة – وإن لم أشعر بهذا الإدراك – أثر التجاوب الروحي والمشاركة العاطفية بين التلميذ والأستاذ ، فلقد كنا نحب أستاذنا حبًا جمًا رغم ما كان يكلفنا به من مرهقات الأعمال " وكذلك استفاد الإمام البنا من شيخه حب الاطلاع والقراءة ومجالسة العلماء والانتفاع بعلمهم فيقول الإمام البنا : " ولعلي أفدت منه – رحمه الله – مع تلك العاطفة الروحية حب الاطلاع وكثرة القراءة ، إذ كثيراً ما كان يصطحبني إلي مكتبته وفيها الكثير من المؤلفات النافعة لأراجع له وأقرأ عليه ما يحتاج إليه من مسائل ، وكثيراً ما يكون معه بعض جلسائه من أهل العلم فيتناولون الموضوع بالبحث والنظر والنقاش وأناأسمع". المدرسة الإعدادية " تغير الحال في مدرسة الرشاد المباركة لما تركها مؤسسها الشيخ محمد زهران ، وعهد بها إلي غيره من العرفاء الذين ليسوا مثل الشيخ في صفاته وجلاله ، وبالرغم من أن الإمام الشهيد لم يتم حفظ القرآن ، ولم يحقق رغبة والده الشيخ أحمد عبد الرحمن فهو لم يتجاوز بعد سورة الإسراء ابتداء من البقرة ، وبالرغم من إلحاح الوالد علي إتمام حفظ القرآن إلا أن الإمام الشهيد صارحه فجأة وفي تصميم عجيب أنه لم يعد يطيق أن يستمر بهذه الكتاتيب ، وأنه لابد أن يلتحق بالمدرسة الإعدادية فوافق الوالد بعد عنت شديد بشرط أن يتم الإمام الشهيد حفظ القرآن من منزله " . " وما حاء أول أسبوع حتى كان الغلام ( حسن البنا ) طالبًا بالمدرسة الإعدادية يقسم وقته بين الدرس نهاراً وتعلم حرفة الساعات التي ألم بها بعد الانصراف من المدرسة إلي العشاء ، ويستذكر هذه الدروس بعد ذلك إلي النوم ويحفظ حصة من القرآن الكريم بعد صلاة الصبح حتى يذهب إلي المدرسة " . وقد شارك الإمام الشهيد أثناء دراسته بالمدرسة الإعدادية في جمعية منع المحرمات ، كما كان رئيسًا لمجلس إدارة جمعية الأخلاق الأدبية وكانت تحت إشراف أحد أساتذة المدرسة ، واستمر الإمام البنا في هذه المدرسة لمدة سنتين حتى ألغيت المدارس الإعدادية واستبدلت بنظام المدارس الابتدائية . مدرسة المعلمين الأولية يقول الإمام الشهيد عن كيفية التحاقه بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور : " وكان هذا الطالب ( حسن البنا ) قد وفي بعهده فاستمر بحفظ القرآن الذي خرج به من مدرسة الرشاد وأضاف إليه ربعا آخر إلي سورة " يس " ، وقرر مجلس مديرية البحيرة إلغاء نظام المدارس الإعدادية وتعديلها إلي مدارس ابتدائية ، فلم بكن أمام الطالب إلا أن يختار بين أن يتقدم إلي المعهد الديني بالإسكندرية ليكون أزهريًا أو مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ليختصر الطريق ويكون بعد ثلاث سنوات معلمًا ، ورجحت كفة الرأي الثاني في النهاية وجاء موعد تقديم الطلبات وتقدم بطلبه فعلاً ، ولكنه كان أما عقبتين : عقبة السن فهو ما يزال في منتصف الرابعة عشرة وأقل سن القبول في الدخول ولابد من أداء امتحان شفهي في القرآن الكريم ، ولقد كان ناظر المدرسة حينذاك ، وهو الأستاذ " بشير الدسوقي موسي " كريماً متلطفًا ، فتلطف بالطالب وتجاوز عن شرط السن وقبل منه التعهد بحفظ ربع القرآن الباقي ، وصرح له بأداء الامتحان التحريري والشفهي فأداهما بنجاح ، ومنذ ذلك الوقت أصبح طالبًا بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ، وكان للإمام الشهيد في هذه الفترة نظام حياة لا يكاد يتبدل إلا في الطارئ الشديد فيقول : " كنت أمضي الأسبوع المدرسي في دمنهور ، وأعود ظهر الخميس إلي المحمودية حيث أمضي ليلة الجمعة وليلة السبت ، ثم أعود صباح السبت إلي المدرسة فأدرك الدرس الأول في موعده . وكان لي في المحمودية مآرب كثيرة تقضي في هذه الفترة غير زيارة الأهل وقضاء الوقت معهم ، فقد كانت الصداقة بيني وبين الأخأحمد أفندي السكري قد توثقت أواصرها إلي درجة أن أحدنا ما كان يصبر أن يغيب عن الآخر طوال هذه الفترة أسبوعًا كاملاً دون لقاء ، يضاف إلي ذلك أن ليلة الجمعة في منزل الشيخ شلبي الرجٌَال بعد الحضرة ( حيث كنا نتدارس فيها كتب التصوف من الإحياء والياقوت والجواهر وغيرها ، ونسمع أحوال الأولياء ، ونذكر الله إلي الصباح ) كانت من أقدس مناهج حياتنا ، وكنت قد تقدمت في صناعة الساعات وفي صناعة التجليد أيضاً ، أقضي فترة النهار في الدكان صانعًا وفترة الليل مع الإخوان الحصافية ذاكراً . ولهذه المآرب جميعًا لم أكن أستطيع أن أتخلف عن الحضور يوم الخميس إلا لضرورة قاهرة ، وكنت أنزل من قطار الدلتا إلي الدكان مباشرة ، فأزاول عملي في الساعات إلي قبيل المغرب حيث أذهب إلي المنزل لأفطر إذ كان من عادتنا صوم الخميس والاثنين ثم إلي المسجد الصغير بعد ذلك للدرس والحضرة ثم إلي منزل الشيخ شلبي الرجال أو منزل أحمد أفندي السكري للمدارسة والذكر ثم إلي المسجد لصلاة الفجر ، وبعد ذلك استراحة يعقبها الذهاب إلي الدكان وصلاة الجمعة والغداء والدكان إلي المغرب فالمسجد فالمنزل وفي الصباح إلي المدرسة ، وهكذا دواليك في ترتيب لا أذكر أنه تخلف أسبوعًا إلا لضرورة طارئة " . وكانت هذه المرحلة مرحلة تحول في حياة الإمام البنا من الناحية العلمية والثقافية " فقد كانت أيام مدرسة المعلمين في سنواتها الثلاث أيام استغراق في التصوف والتعبد ، ولكنها مع ذلك لم تخل من إقبال علي الدروس وتحصيل العلم خارج حدود المناهج المدرسية ، ومرد ذلك إلي أمرين ، أولهما : مكتبة الوالد وتشجيعه له بالقراءة وإهدائه إياه كتبا كان لها أبلغ الأثر في نفسه ومن أمثلتها : ( الأنوار المحمدية للنبهاني ) و ( مختصر المواهب اللدنية للقسطلاني ) و ( نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري ) ، وقد صارت له – بناء علي هذا التوجيه وما تولد منه من شغف بالمطالعة وإقبال عليها – مكتبة خاصة فيها مجلات قديمة وكتب متنوعة " . أما الأمر الثاني : فهو تشجيع المدرسين المخلصين للإمام الشهيد وصلته الروحية بهم أمثال الأستاذ عبد العزيز عطية ناظر مدرسة المعلمين حينذاك والأستاذ فرحات سليم ، والأستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو علام والأستاذ الحاج علي سليمان والأستاذ الشيخ البسيوني . ومن الأمثلة أن الأستاذ عبد العزيز عطية ذات مرة اختبر الطلاب في مادة التربية العملية اختبار شهريًا وأعجبته إجابة الإمام الشهيد فكتب علي ورقته : أحسنت جداً ولو كان هناك زيادة علي النهاية لأعطيتك . وحجز الورقة بيده عند التوزيع ثم طلب الإمام الشهيد وسلمه ورقته وزوده بكثير من عبارات النصح والتشجيع والحث علي القراءة والدرس والمطالعة ، كما اختصه بتصحيح بعض " بروفات " كتابه " المعلم " في التربية الذي يطبع إذ ذاك بمطبعة المستقبل بدمنهور . وأدي الإمام الشهيد امتحان كفاءة التعليم فكان الأول في المدرسة والخامس في القطر ، وكانت هذه النتيجة مفاجأة للإمام الشهيد وكان نجاحه في دخول دار العلوم مفاجأة ثانية ، وكانت مفاجأة ثالثة – كما يقول هو - : " أن مجلس مديرية البحيرة قرر تعييني فعلاً مدرسًا بمدرسة خربتا الأولية ، ودعيت إلي تسليم عملي عقب الإجازة الصيفية مباشرة ، فكان علي – بناء علي هذا – أن أختار بين الوظيفة أو العودة إلي طلب العلم بدار العلوم ولكني في النهاية فضلت أن أستمر في سلك التعلم ، وأن أشد الرحال إلي القاهرة ، حيث دار العلوم . دار العلوم الإمام-الشهيد-حسن-البنا-عند-تخرجه.jpg القدر يدخل البنا دار العلوم : نظراً لما كان عليه الإمام الشهيد من علي غزير عرض عليه بعض زملائه المذاكرة معًا للتقدم إلي دار العلوم العليا ، ويقول الإمام الشهيد في ذلك : " هذه الثروة العلمية وجهت نظر بعض إخواننا الذين كانوا يعدون أنفسهم للتقدم إلي دار العلوم العليا في ذلك الوقت من مدرسي المدرسة الأولية الملحقة بالمعلمين إلي أن يعرضوا علي أن نذاكر معًا ونتقدم معًا إلي دار العلوم العليا وكانت دار العلوم حينئذ قسمين : القسم التجهيزي ، وهذا يتقدم إليه من شاء من طلابالأزهر ومدارس المعلمين ، والقسم العالي المؤقت ويتقدم إليه من شاء كذلك من هؤلاء الطلاب ، ويكونون غالبًا قد حصلوا علي الشهادة الثانوية الأزهرية ، وكان القسم العالي هذا لم يبق للتقدم إليه إلا هذا العام ( عام 23-24 الدراسي ) ثم يلغي ليحل محله القسم العالي الذي يستمد من التجهيزي وكثرة الإقبال علي القسم العالي المؤقت علي اعتبار أنها الفرصة الوحيدة لمن يريدون اللحاق به . " وأراد الأستاذ الشيخ علي نوفل أن نذاكر معًا ، وكنت في السنة الثانية أي في السنة التي سأؤدي فيها امتحان شهادة الكفاءة للتعليم الأولي ، وكان هو مدرسًا بالملحقة للمعلمين ، فاعتذرت عن المذاكرة معه ولكنه دخل علي من باب حقوق الأخوة ووجوب معاونة الإخوان والاستماع لرأيهم ، فلم أر بداً من الإصغاء إليه " ، وكان للإمام البنا رأي في العلم تأثراً برأي الإمام الغزالي في أن العلم الواجب هم العلم المحتاج إليه في أداء الفرائض وكسب العيش ثم الانصراف بعد ذلك إلي العمل ، وظل يتساءل بينه وبين نفسه لماذا يريد دخول دار العلوم ، هل للاستزادة من العلم ، فالعلم موجود في الكتب وعند العلماء ، أما إذا كان للدنيا فهذا شر ما يعمل له إنسان وتغلبت عليه الفلسفة علي نفسه حتى استطاع أحد أساتذته أن يقنعه بخلاف ذلك ، يقول الإمام الشهيد : كادت هذه الفلسفة تغلب علي نفسي بل هي تغلبت فعلاً ، فلم أذاكر مع الأخ الأستاذ نوفل تذممًا ، ولكن أستاذنا الشيخ فرحات سليم – رحمه الله – وكان يحبني حبًا جمًا ويظهر عطفه علي في كل مناسبة ، وينزل من نفسي منزلة كريمة ، استطاع بلباقة ولطف أن يدفعني إلي المذاكرة بجد ، وإلي التقدم إلي دار العلوم فعلاً ، وكان من قوله : إنك الآن علي أبواب شهادة الكفاءة والعلم لا يضر ، وتقدمك في امتحان دار العلوم تجربة للامتحانات الكبيرة ، وهذه فرصة لا تعوض ، فتقدم لتحفظ لنفسك حقها ، وأنا واثق من نجاحك إن شاء الله ، ثم أمامنا بعد ذلك مجال نفكر فيه كما تشاء ولك أن ترفض أو تدخل ، وهكذا استطاع بتأثيره القوى أن يدفعني دفعًا إلي التقدم بطلبي مع المتقدمين فتقدمت ، وكان الامتحان قبل امتحان شهادة الكفاءة بفترة قليلة . دخول دار العلوم : تقدم الإمام البنا لدخول دار العلوم وأخطر بميعاد الكشف الطبي والامتحان وكان ذلك في رمضان ، وكان أبوه قد أرسله إلي أحد أصدقائه من تجار الكتب الميسورين بالقاهرة ليعاونه ولكن هذا الرجل لم يعاونه في شيء ، ثم ذهب الإمام الشهيد لأحد أصدقائه الذين سبقوه إلي دار العلوم بعام وهو الأستاذ محمد شرف حجاج لسؤاله عن طريقة الكشف الطبي والامتحان ، وقد نصحه بعمل نظارة طبية ، وأثناء زيارته للأزهر قابل بعض الطلاب الراغبين في دخول دار العلوم ، يقول الإمام عن ذلك : نحو عشرة أيام ، وللكشف الذي سيتم بعد ثلاثة أيام تقريبًا فاندمجت فيهم ، وتحدثت إليهم عن رغبتي وعن " كان عملي في اليوم الثاني منذ الصباح أن قصدت إلي ذلك التاجر الكتبي ، بعد أن ذهبت إلي صديقي في المدرسة ، ليدلني علي صانع نظرات ليصنع لي نظارة طبية استعدادً للكشف ، ولكنه أعرض كعادته فلم أشأ أن أضيع الوقت ، وذهبت من فوري إلي الأزهر ودخلته لأول مرة وراعني ما رأيت من سعة وبساطة ، وحلق الطلاب فيه يدرسون ويذاكرون ووقفت علي الحلق واحدة فواحدة ، ثم رأيت حلقة يتحدثون أهلها عن دخول دار العلوم ، وفهمت أنهم متقدمون لامتحانها الذي سيكون بعد حاجتي إلي من يرشدني إلي طبيب لأصنع نظارة طبية ، فتطوع معي أحدهم وقام من فوره إلي عيادة دكتورة يونانية – فيما أظن – ولكنها متمصرة ، وصفها بالحذق والمهارة ، وأنها صنعت له نظارة مناسبة مع اعتدال القيمة ، وعندما وصلنا إليها بدأت عملها وأخذت في نظير الكشف خمسين قرشاًَ ، ودلتنا علي محل النظارات الذي أخذ بدوره ثمنًا للنظارة مائة وخمسون قرشاً وأنجز النظارة فوراً ، وبذلك لم يبق أمامي إلا انتظار الكشف بعد يومين " . صورة الإمام عند التخرج الكشف الطبي لدخول دار العلوم : يقول الإمام الشهيد : " ولست أبالغ حين أقول إن التوفيق حالفني في هذا الكشف محالفة عجيبة في الوقت الذي رأيت بعض من أعرف يخونهم الحظ " سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة " لقد كان الأطباء ثلاثة ، وكنت آخر اسم في الكشف من نصيب أولهم وهو أطيبهم وأيسرهم كشفًا ، وكان الأخ علي نوفل من نصيب ثالثهم ، وهو أقساهم قلبًا وكشفا ، وبقدر ما كانت نسبة النجاح عند طبيبي عالية ، كانت نسبة الرسوب عند هذا الآخر أعلي ، فنجحت مع شكي التام في النجاح ، ورسب هو مع تأكده التام من سلامة بصره وبدنه ومع استعداده الكامل لهذا النجاح " . النجاح في امتحان القبول : يقول الإمام البنا عن ذلك : " ظهرت نتيجة الكشف وكانت في الحقيقة مفاجأة لي أن أكتب من الناجحين ، ولذلك واجهت مهمة الامتحان في جد لا هزل معه ، فلم يكن إلا الجد ولم يبق إلا أسبوع واحد فلا ينفع إلا التبتل ، وقد كان ، فقد حملت أمتعتي وكتبي ويممت شطر الأزهر المعمور ، وهناك ، وفي القبلة القديمة بالضبط حططت رحالي ، وتعرفت إلي بعض الزملاء المتقدمين إلي دار العلوم ، ونوينا الاعتكاف هذا الأسبوع للعلم وللبركة معًا نتناوب الخروج لإحضار طعام الإفطار والسحور ، ونتناوب الحراسة في النوم فلا ننام إلا غراراً ، وقاتل الله علم العروض فلم أكن أفقه شيئاً من زحافة وعلله وضروبه وقوافيه وكان جديداً علي بكل معني الكلمة ، ولكني أخذت أستذكر والسلام ، وكنت أخشي النحو والصرف إذ كنت أتصور أنني لا أشق فيهما غبار الطلاب المتقدمين من الأزهريين الذين جاوزوا الشهادة الأهلية ودرسوا في السنوات العالية ، نعم إنني أحفظ الألفية ، وقرأت شرح ابن عقيل عليها ، وشاركني الوالد في بعض هذه الشئون ، ولكنها لم تكن الدراسة المنظمة التي تهدأ معها النفس ، ويسكن لها القلب ، وجاءت أيام الامتحان ومرت بسلام ، ولازلت أذكر بيت العروض الذي امتحنا فيه وأذكر أنه طلب إلينا أن نقطعه ونذكر ما فيه من علل وزحاف ومن أي بحر هو : لـو كنـت من شــيء ســوي بشــر كـنت المــنور ليلــة البـــدر وقد كانت عناية الله تلحظ الإمام الشهيد فقد روي الأستاذ محمود عبد الحليم أن الإمام الشهيدحدثه عن قبوله في دار العلوم فقال : " ولما حان موعد الامتحان للالتحاق بدار العلوم نفسها وجد أن مطالب الحياة الضرورية لم تدع له وقتًا تؤهله مذاكرته فيه أن يدخل الامتحان ، فشكا إلي الله الذي يعلم أنه لم يقصر لحظة واحدة .. يقول رحمه الله : " ونمت ليلة الامتحان فإذا بي أري فيما يري النائم رجلاً يواسيني ويقول لي : التفت إلي فالتفت إليه فإذا بيده كتاب المادة التي سأمتحن فيها في الصباح ، فيفتح الكتاب عند صفحة معينة ويشير إلي أن أقرأ حتى إذا قرأت الصفحة فتح الكتاب عند صفحة أخري فأقرأها ، وهكذا حتى أنهي الكتاب فأغلقه وتركني ، فلما أصبحت وجدتني حافظاً كل ما قرأت – وكانت هذه طبيعتي أن أحفظ ما أقرأه – ودخلت الامتحان فإذا الأسئلة كلها هي نفس ما قرأته في الرؤيا .. وهكذا مرت ليالي الامتحان وأيامه علي هذا النحو وظهرت النتيجة وكنت الأول والحمد لله " . ويحكي الإمام الشهيد هذا الأمر في كتابه مذكرات الدعوة والداعية وبخاصة ليلة امتحان النحو والصرف فيقول : " وإن من فضل الله تبارك وتعالي أنه يطمئن ويسكن نفوس عباده ، وإذا أراد أمراً هيأ له الأسباب . فلا زلت أذكر ليلة امتحان النحو والصرف ( وليس الجبر كما جاء في بعض القول )رأيت فيما يري النائم : أنني أركب زورقاً لطيفاً مع بعض العلماء الفضلاء الأجلاء يسير بنا الهويني في نسيم ورخاء علي صفحة النيل الجميلة ، فتقدم أحد هؤلاء الفضلاء ، وكان في زى علماء الصعيد ، وقال لي : أين شرح الألفية لابن عقيل ؟ فقلت ها هو ذا ، فقال : تعال نراجع فيه بعض الموضوعات ، هات صفحة كذا وصفحة كذا لصفحات بعينها ، وأخذت أراجع موضوعاتها حتى استيقظت منشرحًا مسروراً . وفي الصباح جاء الكثير من الأسئلة حول هذه الموضوعات ، فكان ذلك تيسيراً من الله تبارك وتعالي ، والرؤيا الصالحة عجل بشري المؤمن والحمد لله رب العالمين . يقول الإمام رحمه الله : " وغدوت يوم افتتاح الدراسة إلي دار العلوم وكلي شوق إلي العلم ، وقد وجهني الله إلي الدرس توجيهاً حميداً ، ولا أنسي الحصة الأولي ولم نكن قد تسلمنا الكتب والأدوات بعد ، وقد وقف أستاذنا الشاعر البدوي الشيخ محمد عبد المطلب – أغدق الله عليه شآبيب الرحمة والرضوان – أمام السبورة علي المنصة بقامته المديدة يحيي الطلبة الجدد ، ويتمني لهم النجاح والتوفيق ، ثم كتب علي السبورة ، قال عبيد بن الأبرص : ولـنـا دار ورثـنا مــجــدها الـــ أقـدم القـدمـوس عن عـم وخـال مـنـزل مـنـه آبـاء ورثــونــــا المجـــد فـي أولـي الليــالـي ثم أمسك جبته الأعلى ، علي عادته – رحمه الله – وقرأها في جرس يحمل معني الفخار والاعتزاز ، ثم طالبنا بإعرابهما ، فقلت في نفسي " بدأنا الجد من أول يوم " وأخذت أتساءل : ما هذا القدموس ؟ ولماذا قال " منه " وكان في وسعه أن يقول أسسه ؟ ومازلنا ننحت في إعراب البيتين حتى نقلنا الحوار إلي الكلام عن عبيد ابن الأبرص والحياة العربية وما فيها من خشونة ولين وأيام العرب وأوابدها وأدواتها في حربها وسلمها ، وأنواع الرماح والسيوف والسهام وإلي السهم الريش والذي لا ريش له واستشهد الأستاذ بالبيت المعروف : رمــتني بـسـهم ريشه الكحـل لم يضر ظاهـر جلـدي وهو للقلــب جـارح وأخذ يرسم علي السبورة السهام بأنواعها ، وأنا مأخوذ بهذا النوع من الاستطراد والتوسع في البحث ، أتابعه بشغف وشوق ، وزادني هذا الأسلوب للعلم حبًا ، ولدار العلوم وأساتذتها احترامًا وعجبًا " . وتفوق الإمام الشهيد من السنة الأولي لدراسته في دار العلوم وكان الثالث علي دفعته . ولم يكتف الإمام الشهيد بما كان يدرسه في دار العلوم ، ولكنه كان محبًا للعلم وتحصيله بشتى الطرق ، فقد كان يتردد علي المكتبات وكبار المفكرين والعلماء في ذلك العصر . ولم يكتف الإمام الشهيد بكل ذلك بل جعل المكافأة الشهرية التي كانت تمنحها له دار العلوم لشراء الكتب النافعة ، وقد قرأ الإمام الشهيد في شتى مجالات المعرفة ، وتشكلت ثقافته من كل أصناف ميراث الحضارة الإسلامية والتاريخ . فقرأ للغزالي المتصوف والزمخشري وفخر الدين الرازي الفيلسوف وأبي الحسن الأشعري ( مؤسس المدرسة الشعرية ) بالإضافة إلي كتابات السلف والأئمة الصوفية ، كما قرأ لديكارت وإسحق نيوتن وميشال الفلكي الإنجليزي وهربرت اسبنسر واستشهد بهم " . وقد كان الإمام الشهيد لا يكتفي بمجرد القراءة في المجالات المختلفة فيعرف شيئاً عن شيء بل كانت ثقافته موسوعية ، فقد كان يعرف التطور التاريخي لكل علم وأصوله لا سيما في اللغة والشرع ، حتى أنه كتب في كثير من علوم اللغة والشرع . ويروي الأستاذ محمود عبد الحليم عن امتحانه في دبلوم العلوم فيقول نقلاً عن الإمام الشهيد : " وكان امتحان الأدب العربي هو الامتحان الرئيس في الدار وكان الامتحان فيه تحريريًا وشفويًا ، فلما مثلت بين يدي لجنة الامتحان الشفوي في امتحان الدبلوم النهائي لدار العلوم سألني رئيس اللجنة عما أحفظ من الشعر فقدمت إليه الكراريس فقال لي : ما هذه الكراريس ؟ قلت أن ما فيها هو ما أحفظه ! فتعجب الرجل وقال : هل أنت علي استعداد أن اسمع منك أية قصيدة أختارها من هذه الكراريس ؟ فأجبته بالإيجاب ، فطفق يطلب إلي أن أقرأ فأقرأ حتى اطمئن إلي أنني أحفظ ما فيها جميعًا . ثم قال لي : أني أسألك السؤال الأخير : ما أحسن بيت أعجبك في الشعر العربي ؟ قلت : أحسن بيت أعجبني هو قول طرفة بن عبد في معلقته : إذا القـوم قـالـوا من فتـى خـلت أنـني عُنـيت فـلـم أكســل ولم أتـبلـد قال : قم يا بني هذا السؤال يسأل للنابهين من الطلبة في كل عام هنا ، وفي الأزهر فلم يجب أحد بمثل ما أجبت إلا الشيخ محمد عبده .. إنني أتنبأ لك يا بني بمستقبل عظيم " . ويقول الإمام الشهيد في مذكراته : " ولا أنسي الامتحان الشفهي وقد تقدمت فيه إلي اللجنة وكانت مؤلفة من الأستاذ أبو الفتح الفقي رحمه الله ، والأستاذ نجاتي ، بمجموعة من المحفوظات بلغت ثمانية عشر ألف بيت ومثلها من المنشور ومنها معلقة طرفة ، فلم أسأل إلا في بيت من المعلقة ، وأربعة أبيات من قصيدة شوقي في نابليون ومناقشة حول عمر الخيام ، وقضي الأمر ولم آسف علي هذا المجهود ، إذ كنت أبذله من أول يوم للعلم لا للامتحان " . ثانيًا : التكوين الثقافي الإمام مع أحد الصحفيين مرت ثقافة الإمام البنا بمرحلتين : المرحلة الأولي وهي الثقافة الدينية الخالصة مع علوم اللغة وهي مرحلة ما قبل دار العلوم ،ثم تنوعت مصادر ثقافته فشملت كل أنواع الثقافة سواء تاريخية أو اجتماعية أو غيرها من أنواع الثقافات . وتمثلت ثقافته الدينية في القرآن وعلومه والسنة وعلومها ، بالإضافة إلي علوم اللغة وآدابها وعلوم التصوف والتاريخ والسير والمغازي ، وكان في كل هذه العلوم لا يأخذها من جانب واحد ولكن كان يقرأ للمتخلفين في وجهات النظر لا سيما في المسائل الخلافية وقد كتب البنا بخط يده قصاصة من الورق موضوعة في طيات كتاب " هذه هي الأغلال " ومن بين ما كتبه بخط يده فيها " ويل للذين ينظرون إلي الأشياء من جانب واحد ، ويل وويل للإنسان منهم ، ولن تجد علي الأرض أشد منهم ظلمًا ولا أسقم فهمًا " . مرحلة الثقافة الدينية : كانت بداية حبه للاطلاع وكثرة المطالعة في الكتب الدينية عن طريق الشيخ زهران ، فقد كان يصطحبه معه إلي مكتبته التي فيها الكثير من المؤلفات لقراءة بعض المسائل ومراجعتها ، وكثيراً ما كان يحضر لقاءات الشيخ مع أهل العلم الذين يتناولون المسائل المختلفة بالبحث والنظر والنقاش . كما كان لوالد البنا أثر كبير في ثقافته حيث كان يشجعه علي القراءة في مكتبته الخاصة ويهديه بعض الكتب مثل ( الأنوار المحمدية للنبهاني ) و ( مختصر المواهب اللدنية للقسطلاني ) و ( نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري ) ، وغيرها من الكتب بل إن والده ساعده علي تكوين مكتبة خاصة به وهو في المرحلة الإعدادية ، ومن شغف البنا بالقراءة كان يترقب الشيخ حسن الكتبي يوم السوق بفارغ الصبر ليستأجر كتبًا بالأسبوع لقاء مليمات ثم يردها ليأخذ غيرها وكان من أهم الكتب وأعظمها أثراً في نفسه قصة الأميرة ذات الهمة وقصص الشجاعة والبطولة والاستمساك بالدين والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق . وكان لرعاية أساتذته له في مدرسة المعلمين ومناقشته المستمرة ، وحسن توجيههم له الأثر في دفعه إلي القراءة والتحصيل خارج نطاق الدراسة ، فحفظ خارج مناهج الدراسة كثيراً من المتون في العلوم المختلفة ومن أمثلتها (ملحمة الإعراب للحريري) و(ألفية ابن مالك ) و( الياقوتة في المصطلح) و(الجوهرة في التوحيد) و(الرجبية في الميراث) وبعض متن (الغاية والتقريب لأبي شجاع في فقه الشافعية) وبعض منطوق (ابن عامر في مذهب المالكية) ، وكانت لعبارة والده المأثورة " من حفظ المتون حاز الفنون " كذلك الأثر الطيب في حفظه هذه المتون حتى أنه حاول حفظ متن (الشاطبية في القراءات) مع جهله التام بمصطلحاتها. وكان لعلاقة البنا بالطريقة الحصافية أثر في ثقافته حيث درس كتب الصوفية علي يد بعض المشايخ وكذلك درس الإحياء علي يد الشيخ حسن خزبك وكذلك سمع أحوال الأولياء والياقوت وغيرها . وكان لهذه الثقافات المتنوعة الأثر في نفس البنا حتى أنه كتب بعض الشعر الوطني ، وقد جمع ديوانًا كبيراً من هذا الشعر الوطني ، كما ألف بعض المؤلفات في الفقه علي المذاهب الأربعة . وكذلك كتب هو وصديقه الأستاذ محمد علي بدير قصة تودد الجارية . كما حاول تقليد أستاذه وشيخه الشيخ زهران فأصدر مجلة شهرية سماها الشمس وكتب منها عددين ثم توقف وذلك تقليداً للشيخ في إصداره مجلة الإسعاد الشهرية وتشبهًا بمجلة المنار التي كان يكثر من مطالعتها . مرحلة تنوع الثقافة : كانت المرحلة الثانية ( مرحلة دار العلوم ) هي مرحلة تنوع الثقافة فلم تكن الدراسة جامدة ، بل كان الطلاب والأساتذة يتناولون كثيراً من الأمور العامة سياسية كانت أو اجتماعية ، وكانت المواد التي تدرس في دار العلوم تتضمن علوم اللغة والأدب والشريعة والجغرافيا والتاريخ ومناهج التربية العلمية والعملية والاقتصاد السياسي ، وكان للبنا لقاءات متعددة مع أعلام الفكر والثقافة في عصره فكانت له لقاءات كثيرة مع السيد محب الدين الخطيب ، والأستاذ الكبير محمد الخضر حسين ، والأستاذ محمد أحمد الغمراوي ، وأحمد باشا تيمور ، وعبد العزيز باشا محمد ، كما كان يلتقي والشيخ رشيد رضا ، والشيخ عبد العزيز الخولي ، والشيخ محمد العدوى ، كان يلتقي بهم ويستفيد من علمهم وثقافتهم . كما كان البنا يغشي مجالس الشيخ يوسف الدجوي ويلتقي به ومن يجالسه من العلماء ويشارك في لقاءاتهم وكذلك كان كثير اللقاء بالأستاذ محمد فريد وجدي حيث يغشي داره ويجلس للاستفادة من المناقشات التي كانت تتم بينه وبين العلماء من ضيوفه حيث يتدارسون علومًا في شتي مناحي الحياة وكان البنا من محبي قراءة مجلة الحياة وكان من عشاق دائرة معارفه . وتجلت ثقافة البنا في رسائله وكتبه ، وكثيراً ما تعرض لمواقف شتى تخلص منها بلباقته وسعة ثقافته . ففي بداية عهدالإسماعيلية تعرض له أحد المشايخ بسؤال أحرجه عن اسم والد سيدنا إبراهيم فقال البنا : إن اسمه تارخ ثم فسر له قول القائل بسؤال بأن آزر عمه وليس أباه . ويدل ذلك علي إلمام البنا بما في حواشي الكتب فضلاً عما تحتويه هذه الكتب من معلومات أساسية ، وهناك موقف للبنا يدل علي معرفته بأساليب ولغة أهل المهن المختلفة فضلاً عن إلمامه بالثقافات المختلفة فيروي لأبيه أحد خطاباته عن رحلة إلي بورسعيد قام بها مع ناظر المدرسة وبعض الزملاء فيقول : " أما الرحلة فقد أنتجت نتاجًا حسنًا بالنسبة لصلتي مع الناظر ، وقد كانت مصادفات نتج عنها تقدير الرجل ، فمن ذلك أنه بعد الغداء قام خطيبان من بورسعيد يحيياننا ، وكان الناظر تجاهي ولم يكن أحدنا محضراً شيئاً ، فنظر إلي رأسه كالمستفهم فنظرت إليه مطمئن ، وقمت بعدها فارتجلت كلمة كان لها وقع جميل جداً في نفوس الجميع . ومن الطرائف أن أحد المحامين الأهليين كان حاضراً ونسيت عند الخطبة فقمت وعلي صدري فوطة الطعام فقال ذلك المحامي : أنزل الفوطة أولا ، فضحك القوم ، ولكنني رددت عليه تواً بقولي : علها مقصودة أن أقوم ومعي شاهد إثبات علي كرم الزملاء وأفضالهم فلا يتوجه إلي دفع الأستاذ ، فكانت هذه أطرف من الأولي ، وكذلك طلب إلي أن أتكلم في الثورة الفرنساوية بمناسبة رواية سينمائية فشرحتها بإيضاح وبسط أدهش الإخوان المتخصصين في التاريخ ، وكان الناظر ذلك يتيه سروراً . ........ موسوعة الإخوان المسلمين إخوان ويكي
  20. '''أيـام من حيـاتي''' '''مذكرات الحاجة / زينب الغـزالى''' ==إهداء== [[ملف:الحاجة زينب الغزالي.jpg|تصغير|210بك|'''الحاجة زينب الغزالي ''']] * إلى الأرواح الطاهرة الزكية التي صعدت إلى بارئها ، فرحة بفضل الله عليها ورضوانه . * إلى النفوس النقية التي أزهقت في سبيل ربها ، وذهبت إليه تشكو ظلم البشرية وطغيانها. . * إلى الدماء التي سالت لتكون موجا هادرا يدفع الأجيال عبر التاريخ الى طريق ربها . * إلى الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله وفى سبيل [[الإسلام]] فضحوا وفدوا فكانوا في الأرض الأوفياء ، وفى الآخرة الخالدين الفائزين . * إلى الذين قال لهم الناس : ( إن الناس قد جمعوا لكم وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) . * إلى الذين عذبوا في سبيل الله تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا. * لكل هؤلاء وللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أقدم هذا الكتاب . وأسالك اللهم أن تتقبله وتنفع به . . ( ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبتت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) . '''[[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]]''' == مقدمة == بسم اله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. نازعتني فكرة الكتابة عن "أيام من حياتي " وترددت كثيراً . غير أن الكثرة ممن أثق في إيمانهم بالقضية الإسلامية وهم من أبنائي وأخواني رواد الدعوة وبناة فكرها الذين عاشوا معي تلك الأيام ، رأوا أنه من حق [[الإسلام]] علينا أن نسجل تلك الحقبة من الأيام التي عاشت فيها الدعوة الإسلامية محاربة من قوى الإلحاد والباطل في الشرق والغرب ، التي قامت لتقتل كلمة الحق ورافعي لوائها وكل دعاتها الفاهمين الفاقهين المصارحين بشجاعة وصدق بأن كتاب الله وسنة رسوله معطلان ولابد من قيام الكتاب والسنة . ولابد من عودة الأمة الإسلامية بكل مقوماتها إلى أرض [[الإسلام]] لتحقق الصورة العملية العملاقة بعودة مجتمع التوحيد والعلم والمعرفة والصلة الحقيقية بالله سبحانه وتعالى ، فتنطوي مجتمعات الجاهلية التي أعمت البشرية عن طريقها السوي وشغلتها بغثائها عن طريق الله .. طريق الحق ، فيعملوا على تطهير الأرض من تأليه البشر ، وعبادة طواغيت الأرض بإتباع تشريعاتهم وتعطيل شريعة الله ، وتعود الحياة بنبضات الوجود الحقيقي الذي كانت به الأمة في عصر النبوة وصحبه المباركين رضوان الله عليهم جميعاً خير أمة أخرجت للناس . لا صلاح لأمة ولا لهذا العالم إلا بالدعوة إلي [[الإسلام]] . إن غياهب السجون ومقاصل التعذيب وشراسة حملة السياط لم تزد المخلصين من أبناء الدعوة وبناة فكرها إلا قوة وثباتاً وصبراً على دفع الباطل ونحن نترصد منابته . كذلك كان عهد الذين سلكوا طريق الحق قبلنا فاعتقدوه . فليس بالسياط يضيع الطريق ! ! ولكن الحجة بالحجة والرأي بالرأي، والكلمة تجابهها الكلمة . سهل أن تضع القوة الباطشة العمياء السياط في أيدي المجانين ، ولكن الصعب هو أن تصرف المخدوعين بالباطل والمقتنعين بحمل السياط والمتألهين في الأرض ، عن طريق غوايتهم وجهلهم فتهديهم إلى طريق مستقيم . والطريق إلى الحق واحد وهو طريق الله وأنبيائه ورسله وورثتهم . أما الباطل فطرقه وسبله متفرقة. وعلى كل سبيل من سبله شيطان يزين للمغمورين منهم في ظلمة الباطل غوايته ويقودهم إلى سبيله. ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) الأنعام : 153 . وليس أمام البشرية اليوم للخلاص من ذلك الضلال وهؤلاء الطغاة من البشر إلا أن ينتهجوا منهج الحق ، ومنهج الله ، المنهج المحمدي الموحى به "القرآن الكريم " والملهم به من السنة الصحيحة . وإني لأرى بوادر النصر وإرهاصاته -إن شاء الله - بقيام الأمة وعودة المجتمع الذي سيعلو بتوحيده فوق توليفات البشر مما يغزو بلادنا اليوم من تيارات الإلحاد، نعم إني لأحسها قريبة وأرى أعلامها ترمى بهذا الغثاء من فكر البشرية الضال في ركام الجاهلية . إني لأكاد أشاهد أعلام الالتزام بما كلفت به خير أمة أخرجت للناس . . وأعلام الالتزام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . نعم إننا لا نستعجل الزمن . فالسنون ، عشراتها ومئاتها، ليست بذات قيمة في عمر الدعوات والأمم . ولكن العبرة أننا ثابتون على الطريق ، مؤمنون بسلامة الخطى ووضوح الرؤية . إننا على يقين أننا على حق . وكل الذي يعنينا أن نضيف لبنات جديدة للبناء. المهم ألا نتقاعس ولا نتخاذل ولا نتقهقر عن عقيدتنا: عقيدة التوحيد، عقيدة العمل ، عقيدة البيان ، بيان الحق للناس جميعا، بيان عقيدتنا لكل البشر. وإيمانا منا بأن فترة سجننا وتعذيبنا هي من حق التاريخ ، ومن حق الذين على الطريق أن يعوها ويدرسوها حتى يبقوا على طريق [[الجهاد]]، ولا تتحول قضيتهم إلى سفسطة كلامية، وحديث ترف وقصة تاريخ ، إيمانا بهذا كله نزلت على رأى المخلصين من أبنائي وإخواني، واستعنت بالله سبحانه وتعالى في جمع ما احتوته ذاكرتي مما كان . وان كان من الصعب أن يستعاد بوصفه ونمطه .. ويكفى دلالة عليه أن أشير إلى أن حاملي السياط وخبراء التعذيب بألوانه وأشكاله ، قد سموه : جهنم !! إن جهنم هذه كانت بوتقة لصهر معادن الرجال فنقتها ، وانجلت مهزلة التعذيب عن رجال محصتهم الفتنة فقالوا بأعلى صوت : "يا أيها الناس : [[الإسلام]] ليس انتماء بل التزام واتباع " . وأرجو الله أن يعينني على استعادة الصورة أو بعضها، وأن تكون للمخلصين مشعل حق ونور وهداية . فلنشق لخطانا صراطا مستقيما، وإني لأعيدها وأصر عليها : "إنها رسالة الرسل والأنبياء، هيمنت عليها وأكملتها رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فبشريعته أتم الحق تكاليفه لعباده ونسخ بها ما سبقها وأقامها حقيقة زكية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف : 129 . إن الذين تجشموا وعورة الطريق وعرفوا بمشيئة الله مقاصد الكتاب والسنة، لن يحيدوا عن الحق والخير والدعوة إليه حتى تقوم الأمة وتستقر البشرية تحت أعلام كتاب الله وسنة رسوله . وإننا لعلى الطريق مثابرون محتسبون ما نلاقى غد الله . . و( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ) التوبة . فإلى أرواح الشهداء الذين سبقونا : تحية حب وعرفان ووعدا بأننا على الطريق . إلى كل من كان في قلبه مثقال ذرة من خير. . لعل الله أن ينفع به ويهدي . . وما تشاءون إلا أن يشاء الله . [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]] == الباب الأول : [[عبد الناصر]] يكرهني شخصيا ! == في مساء يوم من أيام الشتاء، وفى أوائل شهر [[فبراير]] عام [[1964]] م كنت عائدة إلى بيتي، حين انقلبت بي عربتي إثر اصطدامها بعربة أخرى، كانت الصدمة قاسية فذهبت في شبه إغماءة، كانت الآلام الشديدة توقظني منها. ولم أتبين من كل ما حدث حولي إلا صوت إنسان ينادى اسمى في فزع ، وغبت عن الوعي، وحين تنبهت وجدت نفسي في مستشفى هليوبوليس وبجانبي زوجي وأشقائي وشقيقاتي وبعض زملائي في الدعوة وزميلاتي . كان الكل في فزع وألم شديدين تحكيهما تعبيرات الوجوه التي تصفحتها وأنا أفتح عيني لأول مرة وشفتاي تتمتمان "الحمد لله . . الحمد لله ، وكأني بالتمتمة أسألهم عما حدث ؟ إلا أنني ما لبثت أن غبت ثانية عن الوعي، ولم أتنبه إلا بدخول إحدى الحكيمات بالمستشفى مع ممرضين وممرضتين لحملي إلى حجرة الأشعة . وتذكرت ما حدث وسمعت زوجي يقول : الحمد لله سلمها الله ، احمدي الله يا حاجة . وسألت عن سائق عربتي فعلمت أنه –بحمد الله – بخير، وأنه يعالج في المستشفى، وعلمت فيما بعد أنه أصيب بارتجاج في المخ . وحملت إلى غرفة الأشعة، ولما تبين وجود كسر في عظمة الفخذ، وضع ساقي في قفص حديدي وتقرر إجراء عملية جراحية. ونقلت إلى مستشفى [[مظهر عاشور]] ليجريها لي جراح العظام الدكتور [[محمد عبد الله]] ، واستغرق إجراء العملية -تعاد بعد التحضير والتخدير- ثلاث ساعات ونصف الساعة . . عشت بعدها فترة، ونذر الخطر تحيط بي . ثم زالت أيام الخطر وبدأت ألتقط ما يقال وما ينقل ، مما يوضح أن الحادث كان مدبرا من مخابرات [[جمال عبد الناصر]] لاغتيالي، وتواترت الأخبار تؤكد ذلك . وكان لفيف من الشباب المسلم يزورني يوميا للاطمئنان ، وعلى رأسهم الأخ الشهيد [[عبد الفتاح عبده إسماعيل]] . فلما بلغتني تلك الأخبار، طلبت منه أن يقلل الشباب من زيارتي . وكان رده أنه قد حاول هذا فعلا، ولكنهم رفضوا وأصروا على زيارتي . . وفى أحد الأيام التالية دخل السكرتير الإداري لجماعة السيدات المسلمات وبيده ملف أوراق ، يعرضها على بصفتي رئيسة الجماعة، وكان في الغرفة زوجي والسيدة حرم الأستاذ [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] [[المرشد العام]] ل[[لإخوان المسلمين]] ، ورأيت زوجي يسرع إلى السكرتير قبل أن تتاح له فرصة تقديم الملف لي فيأخذه منه ويخرج معه من الحجرة، وهو يحدثه حديثا فهمت منه أنه نهاه مرة قبل ذلك عن تقديم هذه الأوراق لي، ودهشت لذلك وسألت زوجي عن السبب فتعلل بأنني محتاجة إلى موافقة الدكتور عبد الله المشرف على علاجي . وذهب زوجي إلى الدكتور الذي ما لبث أن جاء ليكشف على ساقي وليحرم على القيام بأي عمل ، ليؤكد لي أنه منع دخول الأوراق أو وصول الأخبار عن الجمعية إلى . ولما احتججت بأن الأمر بسيط لن يتعدى التوقيعات أصر على موقفه . ومضت أيام رجوت الطبيب بعدها السماح بمزاولة بعض أعمال الجماعة من فراشي فرفض ، وازددت يقينا بان هناك شيئا ما، يتعمد الجميع إخفاءه عنى : زوجي والسكرتير والزائرون ، بل حتى سكرتيرة مجلس إدارة جماعة السيدات المسلمات التي كانت تزورني دائما، وكنت أحس من إجابتها المقتضبة على أسئلتي عن الجماعة بأنها تخفى عنى شيئا. وجاءتني السكرتيرة في أمسية استجمعت فيها شجاعتها لتنقل إلى ما أخفوه عنى . كان الأمر خطيرا على ما بدا من موقف زوجي ا! بشجاعتي والمشجع على الصبر والاحتمال وقوة الإرادة . وأخذت الأوراق السيدة فإذا هي قرار "بحل المركز العام لجماعة السيدات المسلمات "، وأخذت السكرتيرة تتحدث إلى قائلة : "طبعا يا حاجة الأمر شديد بالنسبة إليك " . قلت "الحمد لله ، ولكن ليس من حق الحكومة أن تحل الجماعة، إنها جماعه إسلامية" أجابتني : "لا أحد يقدر أن يقول للحكومة هذا، لقد بذلنا مجهود كبيرا جدا، ولكن [[عبد الناصر]] مصر على حل الجماعة، هو يكرهك شخصيا حاجة زينب ! ! لا يطيق أن يسمع اسمك على لسان أي إنسان . عندما يذكر اسمك يثور ويغضب وينهى المقابلة! قلت : "الحمد لله الذي جعله يخافني ويبغضني، وأنا أبغضه لوجه الله ولن يزيدنا طغيانه ، نحن معاشر المجاهدين ، إلا إصرارا على أن نرضي ضمائرنا ونعيش لدعوتنا ، إنها دعوة التوحيد وسننتصر بإذن الله ، وأرخص ما نبذله لها أن نستشهد في سبيلها". "ليس ل[[عبد الناصر]] الحق في أن يحل جماعة السيدات المسلمات . إن الله تبارك وتعالى هو الذي يعقد للمسلمين راياتهم ، والذي يعقده الله لا البشر". قالت والدموع في عينيها : "يا حاجة . . المسألة خطيرة، ونرجو الله أن لا تنتهي بحل الجماعة، ربما كانت كلماتك هذه تسجل ، أو أنها قد سجلت فعلا ربما كان هنا جهاز تسجيل " . واستمرت تسر إلى : "يا حاجة : أنا أطلب منك شيئا صغيرا وهو التوقيع على هذه الورقة، فإذا وقعتها سيلغى قرار الحل " . فسألتها أن تطلعني على الورقة فإذا هي استمارة انتساب للاتحاد الاشتراكي، فقلت لها : "لا والله ، شلت يدي إذا وقعت يوما على ما يدينني أمام الله بأنني اعترفت بحكم الطاغوت [[جمال عبد الناصر]] الذي قتل [[عبد القادر عوده]] وزملاءه . إن الذين غمسوا أيديهم في دم الموحدين خصوم لله وللمؤمنين . الأشرف لنا أن يحل المركز العام للسيدات المسلمات " . قبلت رأسي وهى تبكى وتقول : - أتثقين بأنني ابنتك ؟ قلت : نعم . . قالت : فاتركي هذا الموضوع . . قلت : سنترك الأمر، ولن أوقع هذه الورقة . إن فيها ولاء للطاغية، وهذا أمر مستحيل إتيانه ، والله يفعل ما يختاره لعباده . ومرت أيام المستشفى وتقرر خروجي مع استمرار العلاج . === أنا والاتحاد الاشتراكي === وفى البيت كانت السيدة السكرتيرة تزورني يوميا وأخبرتني بان قرار الحل أوقف . ودهشت لذلك وسألت كيف ذلك فقالت : "لا أدرى . ربما يكون فتح باب للاتصال بك " . وأخذ السكرتير الإداري يحضر لي ما يحتاج للاطلاع والتوقيع ، وأخذت أزاول نشاطي في تسيير أعمال المركز العام للسيدات المسلمات من بيتي. ولكنى عدت إلى المستشفى مرة أخرى لإجراء عملية جراحية لرفع المسامير من الفخذ، وكان قد أفرج عن الشهيد الإمام [[سيد قطب]] وزارني في المستشفى وجمع من [[الإخوان]] . وذات يوم فوجئت بخطاب مرسل! عن طريق البريد ببطاقة كتبت فيها هذه البيانات : "ا لاتحاد الاشتراكي العربي" حرية - اشتراكية - وحدة الاسم والشهرة : [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]] ، وشهرتها : [[زينب الغزالي]] . الوظيفة أو المهنة : رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات . وحدة : البساتين - الماطة . قسم : [[مصر]] الجديدة. محافظة : [[القاهرة]]. جاءتني هذه البطاقة بالبريد ومعها ما يثبت سداد اشتراكي عن عام [[1964]] فضحكت ضحكة مريرة بما صار إليه حال "[[مصر]]" وتذكرت كيف كنا نعيش في حرية لعنوها بعد انقلابهم العسكري . وبعد استكمال العلاج بالمستشفى عدت إلى المنزل وأخذت دعوات الاتحاد الاشتراكي تتوالى بالبريد لحضور اجتماعات الاتحاد الاشتراكي، ولكنني قررت أن أتخذ موقفا سلبيا ، وبعد أيام صرح الدكتور بالخروج ومزاولة نشاطي تدريجيا في المركز العام للسيدات المسلمات ، وكنت لا أزال أستعين بالعكاز في المشي . وفى صبيحة أحد الأيام ، وبينما أنا بالمركز العام للسيدات المسلمات ، دق جرس الهاتف ، وطلب منى السكرتير أن أرد على من يطلبني من الاتحاد الاشتراكي ، أمسكت بالسماعة قائلة لمحدثي : "السلام عليكم " ورد السلام من الجهة الأخرى، ثم قلت : "نعم ، ماذا تريد؟" فسألني إن كنت أنا [[زينب الغزالي]] ، ولما أجبت بالإيجاب قال : "نحن هنا الاتحاد الاشتراكي، إن شاء الله أعضاء مجلس إدارة السيدات المسلمات وحضرتك على رأسهم تشرفي وتنوري ، تأخذون علم السيدات المسلمات وتذهبون لاستقبال [[عبد الناصر]] في المطار" . فأجبته : "إن شاء الله ، يفعل الله ما يشاء ويختار". قال : "عشمنا كده ، مجلس الإدارة وعدد كبير من أعضاء الجمعية العمومية، وإذا أمرت أرسلنا لك عربة تكون تحت تصرفكم " . قلت : "شكرا" . وانتهت المكالمة . وبعد يومين أو ثلاثة جاءت مكالمة أخرى من الاتحاد الاشتراكي، كانت سيدة تسأل عن سبب عدم حضورنا لاستقبال الرئيس في المطار. قلت : "إن أعضاء مجلس إدارة السيدات المسلمات والجمعية العمومية ملتزمات بالسلوك الإسلامي، ولا يستطعن يا ابنتي الحضور في مثل هذه الاستقبالات المزدحمة" . قالت : "إزاى الكلام ده يا ست زينب ؟ يبدو إنك مش عاوزة تتعاوني معنا ، هل بلغت العضوات وهن رفضن ؟" . قلت : "مادمت أنا غير مقتنعة بهذا العمل لأنه يخالف تعاليم [[الإسلام]] فكيف أبلغهن ؟" . قالت : "إنتي غير متعاونة معنا" . قلت : نحن مرتبطات بتعاليم القران والسنة، عهدنا مع الله ، وتعاوننا على البر والتقوى كما أمرنا الله ، والهاتف لا يصلح لمثل هذه المناقشة، . قالت : "تفضلي، سننتظرك في مركز الاتحاد الاشتراكي بميدان عابدين لنتفاهم ا. قلت : أنا مريضة، حركتي قليلة بسبب علاج رجلي، فإذا شئت تفضلي وشرفينا في المركز العام للسيدات المسلمات . قالت : وأنت نازلة من البيت مري علينا، ألست عضوة في الاتحاد الاشتراكي؟ ! . قلت : "أنا عضوة في المركز العام لجماعة السيدات المسلمات ، والسلام عليك يا ابنتى ورحمة الله ،. وأنهيت المكالمة ولم أذهب إليها . وبعد أسبوع من هذه المكالمات التليفونية عرض على سكرتير الجماعة خطاب مسجلا يحمل تاريخ 15/ 9/ [[1964]] بقرار وزاري رقم 32 1 بتاريخ 6/ 9/ [[1964]] م . والقرار ينهى إلينا حل المركز العام للسيدات المسلمات مره أخرى ! ! === لا . . لا . . للطاغية === وعقد مجلس إدارة السيدات المسلمات اجتماعا عاجلا في 9 جمادى 1384هـ الموافق 15/ 9/ [[1964]] ، وهو نفس اليوم الذي وصل فيه قرار الحل ، وقرر المجلس رفض قرار الحل وتسليم الجماعة وأموالها وممتلكاتها لجماعة أخرى كانت قد انفصلت عنا بإيعاز من المباحث العامة قبل انقلاب [[عبد الناصر]]، ! هذه الفئة المنشقة بعد الانقلاب إلى جند لعبد الناصر، كما قرر المجلس دعوة الجمعية العمومية لجلسة طارئة استثنائية في مدة لا تتجاور 24 ساعة، واجتمعت الجمعية العمومية ، وقررت رفض قرار الحل وعرض الأمر على القضاء. ووكلنا الدكتور [[عبد الله رشوان]] المحامى ليمثلنا في القضية ، وأرسلت الجماعة خطابات مسجلة وبرقيات إلى رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية والشئون الاجتماعية والنائب العام وصورا منها للصحف ، نخطرها برفض قرار الحل ، وبان المركز العام للسيدات المسلمات تأسس 57 3 1 هـ – [[1936 ]] م لنشر الدعوة الإسلامية والعودة بالمسلمين إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ، وليس لوزارة الشئون أو الداخلية ولاية علينا ، والولاية لله وحده ، ولمن يقيم دينه ، ويحكم بشرعه . وعند ذلك تعجل [[عبد الناصر]] قرار الحل والإدماج كما سبق أن أصدر من قبل – وللانتقام الشخصي من [[زينب الغزالي]]؟ لتعطيل دعوة الله ولوجه الشيطان - أمرا عسكريا بوقف صدور مجلة (السيدات المسلمات ) لأجل غير مسمى ، وكنت صاحبة امتيازها ورئيسة تحريرها . واقتحم زبانية الطاغوت دار المركز العام لجماعة السيدات المسلمات واستولوا على محتوياته ، وشردوا مائة وعشرين فتاة وطفلة يتيمات كانت جماعة السيدات المسلمات تؤويهن وتكفل جميع احتياجاتهن من إيواء وتعليم ، بكل مراحله من الروضة إلى الجامعة . وأحب أن أسجل هنا بكل فخر أن زبانية الطاغوت لم يجدوا سيدة واحدة في انتظارهم من أعضاء المركز العام للسيدات المسلمات ، سواء من مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية أو هيئة الواعظات ، وكانوا قد طلبوا منى الحضور لتسليمهم الدار فرفضت ، وكذلك كان موقف جميع عضوات الدار فاستلموا من السكرتير الإداري، وهو موظف وليس له هذا الحق . ويشرفني أن أسجل هنا بعض العبارات التي سجلتها الجمعية العمومية جلستها ، وأرسلتها ترد بها على قرار الحل إلى رئيس الجمهورية والنائب العام ووزير الداخلية والصحف : "إن جماعة السيدات المسلمات أسست 57 3 1 هـ – [[1936]] م لنشر دعوة الله والعمل على إيجاد الأمة المسلمة التي تعيد ل[[لإسلام]] عزته ودولته ، وكانت لله وستظل لله ، وليس لأي حاكم علماني حق الولاية على المسلمين ". " فجماعة السيدات المسلمات ، رسالتها الدعوة إلى [[الإسلام]] وتجنيد الرجال والنساء شبابا وشيبا لاعتقاد رسالته وإقامة دولته الحاكمة بما أنزل الله " . ونحن –السيدات المسلمات – نرفض قرار الحل ، وليس لرئيس الجمهورية –وهو ينادى صراحة بعلمانية الدولة - حق الولاء علينا، ولا لوزارة الشئون الاجتماعية كذلك . وليست الدعوة أموالاً أو حطاما تصادره حكومة العلمانيين المحاربين لله ولرسوله وللأمة المسلمة . "فلتصادر الحكومة الأموال والحطام ولكنها لا تستطيع أن تصادر عقيدتنا . إن رسالتنا رسالة دعوة ودعاة، إننا نقف تحت مظلة لا إله إلا الله وحده ، وهذا الاعتقاد بأنه لا إله إلا الله يلزمنا بالعمل المستمر المتواصل غير المنقطع ، حق تقوم دولة [[الإسلام]] بأمة [[الإسلام]] الواعية لدينها الحاكمة بشرعه ، المجاهدة في سبيل نشره " . === ماذا نفعل بعد ذلك ؟ === أخذت سيدات الجماعة يتوافدن إلى بيتي بعد ذلك متسائلات : ماذا نفعل ؟ ؟ كان هذا الموقف الشامخ من السيدات المسلمات سنة [[1964]] في قمة عناد السلطة الناصرية، في الوقت الذي كان فيه الكثيرون يقفون موقف التقية ويقرون الطاغوت على فعله بل يصدرون الفتاوى المؤيدة لأفعاله . . ويصبغون عليه صبغة ترفعه إلى مكان الألوهية! وما كانت التقية كذلك يوما ما في [[الإسلام]] لضياع العقيدة والتمويه على المسلمين ، ولقد رأينا بعض المجلات الإسلامية تتسابق في إرضاء الطاغوت . حتى مجلة الأزهر نفسه العزيزة علينا معزته ، تخلط بعض سطورها بنبضات هامدة لكتاب منافقين يتسابقون في إرضاء الباطل وأهله . . وأخذت الفتاوى تتوالى في تجريح المجاهدين الذين أخذوا بالعزيمة ولم يأخذوا بالضلال ، الذي سماه من أخذ به رخصة، جرحوا المجاهدين الذين انعم الله عليهم بالتزام [[الإسلام]] لا بالانتماء إليه ، والالتزام هو [[الإسلام]] ، أما الانتماء بغير التزام فشيء آخر. وقد أبت جماعة السيدات المسلمات أن تأخذ بما سموه رخصة، أو أن تكتفي بالانتماء، فرفعت لواء الحق وقالت كلمة الصدق في وقت تخلى فيه كثير من الناس عن الحق والصدق خوفا على مناصبهم وضياع دنياهم ، ولم تقف موقف المتفرج كما فعل كثير من الناس ، ولكنها قالت رأيها بصراحة - في الأوضاع التي كانت سائدة يومئذ - لا تبتغى إلا وجه الله وان غضب الناس جميعا . وكانت عضوات الجماعة لا يصبرن على عدم لقائي فأخذن يتوافدن على بيتي يواسينني في الأمر. فقد كانت جماعة السيدات المسلمات حياتي ووجودي ، عاهدت الله يوم تأسيسها أن لا أعيش لغيره سبحانه . وأخذت أعداد السيدات المسلمات الكبيرة المتوافدة على دارى يعاهدن الله من جديد ألا يعشن إلا لكلمة الحق وتبليغها، واتفقن معي على عقد اجتماعات بمنازلهن تتولى الواعظات فيها إرشاد السيدات إلى مبادئ [[الإسلام]] ، ولكن حكومة الطاغية التي كانت تتعقب الدعاة إلى الله في كل مكان بهذه الاجتماعات ، أرسلت إلى السيدات اللائى يتم الوعظ في منازلهن وقامت بتهديدهن وأخذ التعهد ألا يعقدن اجتماعا للوعظ في بيوتهن . واقتصر النشاط بعد ذلك على النشاط الفردي . === المساومة ثم المخادعة === أخذ رجال المباحث والمخابرات الناصرية يطلبون مقابلتي ويعرضون عروضا لإعادة المركز العام للسيدات المسلمات . وكانت هذه العروض تكلفني أن أشترى الدنيا بالآخرة . وعلى سبيل المثال عرضوا على إعادة إصدار مجلة السيدات المسلمات باسمي كرئيسة للتحرير وصاحبة الامتياز مقابل 300 جنيه شهريا، على أن لا يكون لي شأن بما يكتب في المجلة . وكان جوابي : مستحيل أن تصدر مجلة السيدات المسلمات من مكاتب المخابرات لتنشر علمانية [[عبد الناصر]] فأنا لم أعتد إلا أن أكون مسئولة مسئولية فعلية . كذلك عرضوا على إعادة المركز العام وصرف إعانة قدرها عشرون ألف جنيه سنويا، على أن يكون من مؤسسات الاتحاد الاشتراكي . . وكانت إجابتي: إن شاء الله ، لن يكون عملنا إلا ل[[لإسلام]]. إن الذين يتكسبون ب[[الإسلام]] لا يستطيعون خدمته ، وكان هذا الرد يغضبهم . ولكنهم يحاولون إغرائي المرة بعد المرة . وكنت أتعجب من الطريقة ومن إصرارهم على هذه المحاولات الفاشلة، ولكنني اكتشفت بعد ذلك وعرفت لماذا هم حريصون على مخادعتي . === خفافيش الليل === ففي إحدى الأمسيات ، وأنا في منزلي، استأذن ثلاثة رجال لمقابلتي، ، وبعد دخولهم إلى حجرة الصالون ذهبت إليهم فوجدتهم يلبسون (غتراً) عربية ، ولما سلمت عليهم قدموا لي أنفسهم على أنهم من [[سوريا]]، قادمون من [[السعودية]] للفسحة في [[القاهرة]] لمدة عشرة أيام وأنهم قابلوا في [[السعودية]] الأستاذ [[سعيد رمضان]] والشيخ [[مصطفى العالم]] و [[كامل الشريف]] و [[محمد العشماوي]] و [[فتحي .....ي]] (هؤلاء من [[الإخوان]] الذين فروا من الطاغوت وظلمه )، وهم يسلمون على [[الإخوان]] في [[مصر]] ويريدون أن يطمئنوا عليهم وعلى تنظيمهم ، وقد أمرونا بالانضمام إلى هذا التنظيم ونحن مستعدون لتنفيذ الأوامر والبقاء في [[مصر]] لمعاونة التنظيم . ثم أخذوا يتحدثون عن [[الإخوان]] وعن [[عبد الناصر]] وكيف أنه يضطهد [[الإخوان المسلمين]] ثم تكلموا عن أحداث سنة [[1954]] وعن حل جماعة الإخوان المسلمين واستشهاد [[عبد القادر عودة]] وزملائه ، وكيف أنهم مستعدون للأخذ بالثأر وقتل [[عبد الناصر]]، وأن هذا هو رأى [[كامل الشريف]] والعشماوي و رمضان و .....ي و العالم . ولما كنت أسمع لهم فقط ، طلبوا منى الإجابة، فقلت : "أنا أسمع إلى أشياء جديدة على ومصطلحات لا أدرى عنها شيئا". قالوا: "سنرجع لك يا أخت زينب مرة أخرى لنعرف رأى المرشد ورأى التنظيم في هذا . . . " . فأجبتهم باقتضاب : "أولاً : أنا لا أعرف شيئا يسمى التنظيم في [[الإخوان]] . وأسمع أن [[الإخوان]] كجماعة قد حلت كما تقول الحكومة. ثانيا : أنا لا أحدث المرشد في مثل هذه الأمور، فصداقتي به وصلتي : إخوة !سلامية ومحبة عائلية . ثالثا : إن قتل [[عبد الناصر]] شيء غير وارد عند المسلمين كما أتصور، وأنا أنصحكم بالعودة إلى بلدكم والاشتغال بتربية أنفسكم إسلاميا" . وبعد أن كانوا يستمعون إلي وهم وقوف جلسوا وقال أحدهم : "الظاهر الأخت زينب غير مقتنعة . من الذي خرب بلاد المسلمين غير [[عبد الناصر]]؟" . قلت : ليس من رسالة [[الإخوان المسلمين]] قتل [[عبد الناصر]] وسألتهم أن يعطوني أسماءهم فأعطوني أسماء تلعثموا كثيرا وهم ينطقوا بها، وكانت : [[عبد الشافي عبد الحق]] ، [[عبد الجليل عيسى]]، [[عبد الرحمن خليل]] . ضحكت لمصادفة وجود كلمة "عبد في الأسماء الثلاثة، وكان واحد فقط هو الذي ذكر أسماء الثلاثة. وقلت لهم : خير لكم أن ترجعوا إلى بلدكم قبل أن تمسك بكم مخابرات [[عبد الناصر]] إن كنتم لا تعرفونها، وليس لكم بها صلة فعلا وأنا أعتقد ذلك وأجاب أحدهم : على كل حال لك الحق في أن تشكى يا حاجة فينا، ستريننا مرة أخرى وستعرفين من نحن . وانصرفوا. وزارني الأخ [[عبد الفتاح إسماعيل]] فذكرت له قصة الزوار السوريين( المزعومين ) . === كلهم [[أحمد راسخ]] ! === لم يمض أسبوعان على الزيارة الأولى حتى فوجئت بزيارة رجل يدعى [[أحمد راسخ]] قدم لي نفسه على أنه من المباحث العامة . وأخذ يسألني عما بيني وبين السوريين الذين زاروني . . . فوضحت له أنني مدركة تماما أنهم جواسيس وليسوا [[إخوان]]ا سوريين ، وأنهم في المباحث قد أرسلوهم ، وأن هذه أعمال صبيانية سخيفة، فقد فعلوا كل ما يريدون ، صادروا المجلة والمركز العام فما الذي يريدونه بعد ذلك ؟ ! وكان أغرب ما سألني عنه ما أعنيه في أحاديثي عن جمالوف وجمالفة . فقلت له : إن هؤلاء ملاحدة يفخرون بالانتماء إلى الباطل وأهله . وغير الحديث قائلا : "إننا مسلمون يا حاجة" قلت : "إن المسلمين غير ذلك ؟ قال : "لو تفاهمت معنا لأصبحت من الغد وزيرة للشئون الاجتماعية" . فضحكت ساخرة وقلت : "المسلمون لا تغريهم المناصب ، ولا يشتركون في حكومات علمانية إلحادية . ومركز المرأة المسلمة يوم تقوم حكومة [[الإسلام]] ستقرره الحكومة الإسلامية . ماذا تريدون منى؟" قال : "نريد أن نتفاهم معا" قلت : "هذا مستحيل ، أناس يدعون للكفر ويرفعون شعارات الضلال . . وأناس يدعون لتوحيد الله والإيمان به . . فكيف يتفق هذا؟" . ثم أردفت قائلة "توبوا إلى الله واستغفروه وارجعوا إليه . . . أرجو إنهاء المقابلة" . وكان قد فرغ من القهوة التي قدمت له فقام منصرفا وهو يقول : "والله نحن نريد أن نتفاهم معك . ويوم نتفاهم معك ، ستكونين أنت التي ستصدرين قرارا بإعادة جماعة السيدات المسلمات وكذلك المجلة" ، قلت له : شكرا . . [[الإسلام]] في غنى عن الهيئات والجماعات التي ترضى بالعمالة لأعداء [[الإسلام]] ، ربنا يهديكم ويتوب عليكم " . وبعد يومين من هذه الزيارة وقفت عربة حكومية على باب منزلي ونزل منها شاب يرتدى ملابس كحلية اللون وكنت أجلس في شرفة المنزل فدخل وقال : "السلام عليكم يا حاجة زينب " . فرددت السلام ودعوته لدخول المنزل ، ودخل حجرة الضيوف وقدم لي نفسه . . [[أحمد راسخ]] ضابط من المباحث العامة ، ونظرت إليه بتدقيق وكآني أبحث طوله وعرضه ، فقد دعيت مرة إلى وزارة الداخلية لمقابلة شخص يسمى [[أحمد راسخ]] ! . . . وذهبت إلى هناك وكان فوق مكتبه لوحة مكتوبا عليها [[أحمد راسخ]] ، ثم حدث أن زارني قبل يومين الشخص الذي يسمى نفسه : [[أحمد راسخ]] ، وها هو شخص ثالث يدعى [[أحمد راسخ]] يزورني ! ! اسم واحد لثلاث شخصيات مختلفة. . . أخذت أنظر إليه وأنا لا أصدق ما أرى . . فمن غير المعقول أن يكون كل رجال المباحث العامة باسم [[أحمد راسخ]] ! . . . وشعر بنظرتي الفاحصة فسألني : "مم تتعجبين يا حاجة زينب ؟ من زيارتي ؟ " . عجبت من هذا الأمر، وأجبت ساخرة : " لا . . إن هذا البيت يستقبل ضيوفه دائما -سواء كانوا على موعد أو غير موعد- بترحيب وتكريم . ولكنى سأحكي حكاية قرأتها في جريدة الأهرام على ما أذكر. " كانت ملكة هولندا وزوجها في ضيافة ملك إنجلترا منذ مائتي عام ولفت نظر ملك إنجلترا اهتمام ملكة هولندا بكلب كان يجرى في الاستقبال ، هرولت إليه في لهفة وكأنها فقدت الوعي، وحملته إلى صدرها وأخذت تقبله بشغف وحنان ، ثم أعطته لزوجها وهى تسر له ببعض الكلمات وتشير إلى عيني الكلب ووجهه فأخذ الملك الكلب وأخذ يقبله كذلك . . . تعجبت ملكة إنجلترا وزوجها مما رأيا وبخاصة بعد أن عادت ملكة هولندا وأخذت الكلب من زوجها وهما يجففان الدموع المنهمرة من أعينهما، وضمته إلى صدرها كطفل عزيز عليهما . ولما دعيا إلى مائدة الطعام الملكية أخذت ملكة هولندا الكلب معها وأخذت تطعمه وقالت ملكة إنجلترا: إن الكلب لابنتها الأميرة. أما الملك فقد سأل ضيوفه عن سر هذا التعلق بالكلب وقال وكأنه يعتذر: "لولا أن الأميرة متعلقة بهذا الكلب لأهديته لكم ا . فقالت ملكة هولندا التي كانت تؤمن بتناسخ الأرواح ، إن لها ابنا مات وقد انتقلت روحه إلى هذا الكلب وأخذت تحاول إقناع ملكي إنجلترا بأن عيني الكلب هما عينا ابنها تماما. . . وأقنع ملك إنجلترا ابنته بإهداء الكلب لملكة هولندا فأهدته لها فقد كانت تسمع القصة مع والديها". ثم قلت له : "يا أستاذ راسخ ، إن الذين يقولون بتناسخ الأرواح يدعون بعض الشبه بين الشخص المتوفى وبين الذي حلت فيه الروح بعد ذلك . ولكنى التقيت بثلاثة من المباحث كلهم يدعى أنه [[أحمد راسخ]] ، ومع ذلك فهم مختلفون في الطول والعرض واللون ولا يوجد تشابه بينهم . . . فهل قرر رئيس جمهوريتكم اعتناق مذهب جديد في تناسخ الأرواح وأمركم باعتناقه ؟ ! فارتسمت على وجهه دهشة شديدة وحيرة بالغة . وقال : "نحن ناس طيبون يا حاجة ونريد أن نتفاهم معك ، أنا صحيح [[أحمد راسخ]] " . قلت : "وهذا الأمر ليس له من الأهمية نصيب ". وسالت : "ماذا تريد؟ ". قال : "إن الحكومة ترغب رغبة شديدة في التفاهم معك ، ونحن نعلم أن [[الإخوان المسلمين]] خدعوك وأقنعوك بمبادئهم ، والذي حدث لجماعة السيدات المسلمات وحل مركزها العام كان سببه [[الإخوان]] . هؤلاء ناس مشاغبون . ونحن نريد أن تتفاهمي معنا . وما نريده بسيط جدا هو أن نعرف الأفراد القائمون بنشاط من [[الإخوان المسلمين]] ، والله يا حاجة الريس سيحفظ لك هذه الخدمة وفى أيام قليلة ستلمسين نتيجة تعاونك معنا. وأنت سيدة طيبة طول عمرك لا شأن لك بشغب [[الإخوان المسلمين]] وكفى ما سببوه لك مع الحكومة". وأخذ يدعى أن الأستاذ الإمام [[الهضيبي]] والإمام [[سيد قطب]] . . يعملان جهدهما ليتفاهما مع الرئيس ، ولكن الرئيس يرفض التعاون معهما لأنه لا يأمن لهما. وأضاف : ولو كنت تعرفين ما يقوله [[الإخوان]] عنك لتفاهمت معنا . . . وضحكت . . . ثم قلت : "سأتكلم معك على أنك رجل من رجال المباحث لا يهمني الآن اسمه ولا رسمه : أولاً: إني أعتقد أن المسلمين الذين لا يعلمون من [[الإسلام]] إلا ظواهره يعرفون ويعتقدون أنكم بعيدون عن [[الإسلام]] ومحاربون له . أتريدون أن تتفاهمون مع الحق وأنتم على الباطل ؟ ! تستوردون عقائدكم من الشرق والغرب وترفعون شعارات الإلحاد الشيوعي ، وتارة تتمسحون بآلهة الرأسمالية وضائعون بين الشعارين . . ومن هذا الضياع تستمدون تشريعاتكم وأحكامكم لا أظنني صريحة معك وكلامي واضح لا يحتاج إلى تأويل . [[الإسلام]] شيء غير ما تريدون ا . قال : "والله يا حاجة أنا أصلى الجمعة" . قلت : "وبقية الفرائض ؟ا . قال : "تعودت أن أصلى الجمعة لأن والدي كان يفعل ذلك وكان يأخذني معه إلى المسجد يوم الجمعة . . .". قلت له : "ألم تسأل والدك لماذا يصلى الجمعة فقط ؟" . قال : "قلوبنا مسلمة يا حاجة مادمنا نقول : لا إله إلا الله قلت له كفاية ذلك " إن كلمة (لا إله إلا الله ) بغير التزامكم بها ستكون حجة عليكم عند الله ، لا حجة لكم ". قال : "الناس على دين ملوكهم " . قلت : "إن شاء الله تحشرون على دين ملوككم ". قال : "عشمي أن نتفاهم " . قلت : "إن رسالات الأنبياء على مدى التاريخ لم تلتق أبدا بالباطل وأهله إلا لتدعوهم ليسلموا وجوههم لله سبحانه !. فانصرف وهو يقول في لهجة غاضبة : "طبعا. . أنا لن أجيء لك ثانية وإذا أردت الاتصال بي فها هو رقم تليفوني" . قلت له : "متشكرة، لا أريده " . وفى أواخر شهر [[يوليه]] [[1965]] علمت أن هناك عمليات اعتقال في صفوف [[الإخوان المسلمين]] وكان لي بهذه الجماعة صلة وثيقة قديمة . == الباب الثاني: وكانت بيعة == لم تكن صلتي بجماعة [[الإخوان المسلمين]] حديثة كما توهمها العابثون إذ كانت تعود بتاريخها إلى سنة 1357 هـ [[1937]] م . في ذلك اليوم البعيد المبارك من 1358 هـ تقريباً وبعد ما يقرب من ستة أشهر على تأسيس جماعة السيدات المسلمات كان أول لقاء لي مع [[الإمام الشهيد]] [[حسن البنا]] . كان ذلك عقب محاضرة ألقيتها على الإخوات المسلمات في دار [[الإخوان المسلمين]] وكانت يومئذ في العتبة . كان الإمام المرشد في سبيله لتكوين قسم للأخوات المسلمات ، وبعد مقدمة عن ضرورة وحدة صفوف المسلمين واتفاق كلمتهم دعاني إلى رئاسة قسم الأخوات المسلمات . وكان هذا يعنى دمج الوليد الجديد الذي أعتز به " جماعة السيدات المسلمات " واعتباره جزء من حركة [[الإخوان المسلمين]] ، ولم أعد بأكثر من مناقشة الأمر مع الجمعية العمومية للسيدات المسلمات ، التي رفضت الاقتراح وإن حبذت وجود تعاون وثيق بين الهيئتين . وتكررت اللقاءات مع تمسك كل منا برأيه وتأسست الأخوات المسلمات ولم يغير ذلك من علاقتنا الإسلامية شيئاً . وحاولت في أخر لقاء لنا في دار السيدات المسلمات أن أخفف من غضبه بعهد آخذه على نفسي أن تكون السيدات المسلمات لبنة من لبنات [[الإخوان المسلمين]] على أن تظل باسمها واستقلالها بما يعود على الدعوة بفائدة أكبر . على أن هذا أيضاً لم يرضه عن الاندماج بديلاً ودارت الأحداث بسرعة ووقعت حوادث سنة [[1948]] وصدر قرار حل [[الإخوان]] ومصادرة أملاكهم وإغلاق شعبها ، والزج بالآلاف في المعتقلات وقامت الأخوات المسلمات بنشاط يشكرن عليه وكانت إحداهن السيدة [[تحية الجبيلي]] زوجة أخي وابنة عمى ومنها عرفت الكثير من التفاصيل ، ولأول مرة وجدت نفسي مشتاقة إلى مراجعة كل آراء الأستاذ [[البنا]] وإصراره على الاندماج الكلي . وفي صبيحة اليوم التالي لحل جماعة [[الإخوان]] كنت بمكتبي في دار السيدات المسلمات وفي نفس الحجرة التي كان بها آخر اجتماع لي بالمرشد الإمام ، ووجدت نفسي أجلس إلي مكتبي وأضع رأسي بين يدي وأبكي بكاءً شديداً ، فقد أحسست أن [[حسن البنا]] كان على حق فهو الإمام الذي يجب أن يبايع من المسلمين جميعاً على [[الجهاد]] لعودة المسلمين إلي مقعد مسئوليتهم ، وإلي وجودهم الحقيقي الذي يجب أن يكونوا فيه ، وهو مكان الذروة في العالم يقودونه إلي حيث أراد الله ويحكمونه بما أنزل الله . وأحسست أن [[حسن البنا]] كان أقوى مني وأكثر صراحة في نشر الحقيقة وإعلانها . وإن هذه الشجاعة والجرأة هي الرداء الذي يجب أن يرتديه كل مسلم . وقد ارتداه [[البنا]] ودعا إليه . ثم وجدت نفسي أهتف بالسكرتير ليوصلني بالأخ [[عبد الحفيظ الصيفي]] الذي كلفته بنقل رسالة شفوية للإمام [[البنا]] يذكره فيها بعهدي في آخر لقاء لنا … وحين عاد بتحيته ودعائه استدعيت أخي [[محمد الغزالي الجبيلي]] وكلفته بإيصال وريقة صغيرة بواسطته أو بواسطة زوجته إلي [[الإمام المرشد]] وكان في الوريقة : " سيدي الإمام [[حسن البنا]] … [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]] تتقدم إليك اليوم وهي أمة عارية من كل شي إلا عبوديتها لله وتعبيد نفسها لخدمة دعوة الله ، وأنت اليوم الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن يبيع هذه الأمة بالثمن الذي يرضيه لدعوة الله تعالى . في انتظار أوامرك وتعليماتك سيدي الإمام … " . وعاد شقيقي ليحدد لي لقاءً سريعاً في دار الشبان المسلمين ، كان المفروض أن يحدث وكأنه مصادفة . ولم أكن أعدم مبرراً لتواجدي هناك ، فقد كنت ذاهبة إلي صالة دار الشبان لإلقاء محاضرة ، والتقيت بالأستاذ [[البنا]] فقلت له ونحن نصعد الدرج : " اللهم إني أبايعك على العمل لقيام دولة [[الإسلام]] وأرخص ما أقدم في سبيلها دمي ، والسيدات المسلمات بشهرتها " فقال : " وأنا قبلت البيعة وتظل السيدات المسلمات على ما هي عليه " . وافترقنا على أن يكون اتصالنا بواسطة منزل أخي وكانت أول رسالة من [[الإمام الشهيد]] تكليفاً بالوساطة بين النحاس و [[الإخوان]] ، وكان رفعة [[مصطفى باشا النحاس]] خارج الحكم حينذاك وحدد النحاس المرحوم [[أمين خليل]] للقيام بإزالة سوء التفاهم ورضى به [[الإمام الشهيد]] وكنت حلقة الاتصال . وفي ليلة من ليالي [[فبراير]] سنة [[1949]] جاءني [[أمين خليل]] ليقول لي " يجب اتخاذ إجراءات ليسافر [[البنا]] من [[القاهرة]] فالمجرمون يأتمرون به ليقتلوه . ولم أجد وسيلة للاتصال به مباشرة فقد اعتقل أخي ، فحاولت الاتصال ب[[الإمام الشهيد]] شخصياً ، وأنا في طريقي للاتصال بلغني خبر الاغتيال ونقله إلى المستشفى ثم تواترت الأخبار بسرعة بسوء حالته وذهب شهيداً إلى ربه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . وكان ألمي كبيراً وكانت نقمتي على المجرمين مرة لم أحاول كتمها . وجاءت حكومة اتحاد الأحزاب وأصدرت أمراً بحل جماعة السيدات المسلمات واعترضت أمام القضاء الذي حكم لنا في عهد حكومة [[حسين سري باشا]] سنة [[1950]] بالعودة للنشاط . وكان المحامي في هذه القضية الأستاذ [[عبد الفتاح حسن]] "باشا" وجاءت حكومة الوفد وعاد [[الإخوان]] إلي نشاطهم وهم على بيعتهم للإمام المرشد [[حسن الهضيبي]] ، وأحببت في اليوم الأول لافتتاح المركز العام ل[[لإخوان المسلمين]] أن أعلن ولائي للدعوة بطريق غير مباشر إلي أن يقضي الله في الأمر بما يريد ، فتبرعت بأغلى شئ كنت أعتز به في أثاث منزلي وهو طاقم صالون أرابيسك مطعم بالصدف ليؤثث به مكتب [[المرشد العام]] . وسارت الأمور هادئة مطمئنة ، وزارني الشهيد [[عبد القادر عودة]] وشكرني على التبرع وقال : " يسعدنا إذا أصبحت [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]] من [[الإخوان المسلمين]] ." قلت : " أرجو أن أكونها بإذن الله . " فقال : " قد كانت والحمد لله . " وصارت الأمور في هدوء ومودة بيني وبين كثيرة من أعضاء الجماعة حتى حكومة الانقلاب العسكري بقيادة اللواء [[محمد نجيب]] الذي كان قد زارني قبل الانقلاب بأيام بصحبة الأمير [[عبد الله الفيصل]] وليس [[سراج الدين]] والشيخ [[الباقوري]] وشقيقي [[علي الغزالي]] بمناسبة وجود الأمير [[عبد الله الفيصل]] في [[مصر]] ، وقد تعاطف [[الإخوان]] مع الانقلاب وكذلك السيدات المسلمات لفترة أحسست بعدها أن الأمور لا تسير كما كنا نأمل وأنها ليست الثورة المنتظرة تتويجاً لجهود سبقت على أيدي العاملين لإنقاذ هذا البلد … وأخذت أنقل رأيي لمن ألقاه من [[الإخوان]] . وحين عرضت منا مناصب وزارية على بعض [[الإخوان]] ، وضحت رأيي في مجلة السيدات المسلمات ، فما كان لأحد من [[الإخوان]] أن يقسم يمين ولاء لحكومة لا تحكم بما أنزل الله .. ومن يفعل منهم ذلك يجب فصلهم من [[الإخوان]] وواجب [[الإخوان]] أن يحددوا موقفهم بعد أن اتضحت نوايا الحكومة . وزارني الشهيد [[عبد القادر عودة]] طالباً مني تأجيل الكتابة في هذا الموضوع ، وأمسكت عددين ، ثم عدت إلى الكتابة إلى أن زارني الشهيد [[عبد القادر عودة]] للمرة الثانية حاملاً في هذه المرة أمراً من [[المرشد العام]] بعدم الكتابة في هذا الموضوع ، وتذكرت بيعتي ل[[لبنا]] - رحمه الله - واعتقدت أن الولاء قائم بها ل[[حسن الهضيبي|لهضيبي]] ، وامتثلت للأمر . ومنذ ذلك الوقت والبيعة تحكم تصرفاتي حتى ما يبدو منها خاصاً كرحلة مؤتمر السلام في فيينا التي لم أقم بها إلا بعد أن حصلت على لإذن الإمام المرشد [[حسن الهضيبي|الهضيبي ]] … === وسقط القناع === ومرت الأيام وجاءت أحداث [[1954]] ونكباتها ومخا زيها التي أسقطت القناع عن وجه [[جمال عبد الناصر]] لتظهر عدائه ل[[لإسلام]]ومحاربته له في شخوص دعاته وقيادات نهضته ، وصدرت أحكام الإعدام البشعة على قمم القيادات الإسلامية : الشهيد المستشار [[عبد القادر عودة]] ، صاحب الفضيلة العالم الأزهري الورع الذي رصدت القيادة البريطانية في القنال عام [[1951]] عشرة آلاف جنيه لمن يأتي به حياً أو ميتاً : الشيخ [[محمد فرغلي]] الذي أُهدي للاستعمار ميتاً دون أن تخسر الخزينة البريطانية مبلغ المكافأة ، وباقي الشهداء الكرام . حتى المجاهد الكبير الإمام [[حسن الهضيبي]] حكموا عليه بالإعدام ، ولم ينفذ ، فقد أصيب فجأة بذبحة شديدة بالقلب نقل على أثرها للمنزل وقرر الأطباء أنه لن يعيش إلا ساعات ، وهنا ظهر [[عبد الناصر]] فأصدر عنه عفواً ، متوقعاً أن يقرأ نعيه في الصحف صباح اليوم التالي . ولكن قدرة الله أحبطت كيده ، وعاش الإمام . فلكل أجل كتاب ، نعم عاش ، ليؤدي بعد ذلك خدمات للمسلمين ويقود الدعوة الإسلامية في أحلك أيام شهدتها الدعوة ، وقد أظهر قوة الصلابة في الحق وهو المريض بعدة أمراض مما أذهل الجلادين وجعلهم يقودونه إلى السجن الحربي مرة أخرى ويعذبونه بأبشع أنواع التعذيب ، ولكنه ظل متمسكاً بالحق سائراً على طريق أصحاب الدعوات إلى أن شهد هو نهاية [[عبد الناصر]] وزبانيته وهو صامد ، رافع أعلام الحق والتوحيد الذي أعتقده ، متلبس بكل حبات وجوده ، وأخذ بالعزيمة ولم يتسرب إلى نفسه ضعف أو وهن في دين الله ورفض أن يأخذ بالرخص فيقيم في بيته وينكر بقلبه كما يفتي ويأخذ بذلك بعض العلماء . بل أني لأذكر له هذا الموقف الكريم الشجاع حينما أراد بعض من طالت عليهم المدة واعتراهم بعض الضعف أن يأخذوا بالرخصة ويكتبوا للطاغية مؤيدين وملتمسين العفو منه ، وسألوا الإمام [[حسن الهضيبي]] أن يأذن لهم في ذلك فقال قولته المشهورة : " أنا لا أكره أحد على الأخذ بالعزيمة والوقوف معنا ، ولكنى أقول لكم : إن الدعوات لم تقم يوماً بالذين يأخذون بالرخص " . قال ذلك وهو الشيخ الكبير ذو الثمانين عاماً ، وظل بسجن مزرعة طره إلى آخر الأفواج التي أفرج عنها بعد موت [[عبد الناصر]] … ولنا عودة أخرى إلى تفاصيل أحداث [[1965]] . صرخات تنادى للواجب وفي عام [[1955]] رأيت نفسي مجندة لخدمة الدعوة الإسلامية بغير دعوة من أحد فقد كانت صرخات اليتامى الذين فقدوا آباءهم بالتعذيب ودموع النساء اللاتي ترملن وأزواجهن خلف قضبان السجون . والآباء والأمهات من الشيوخ الذين فقدوا فلذات أكبادهم . كانت هذه الصرخات والدموع تنفذ إلى أعماقي . ووجدت نفسي وكأني من المسئولين عن ضياع الجياع وجراح المعذبين . وأخذت أقدم القليل . ولكن أعداد الجياع تزداد يوماً بعد يوم . وأعداد العرايا كذلك . وأخبار الشهداء الذين يقضى عليهم تحت سياط الفجرة المارقين القساة الجاحدين . والمدارس والجامعات تتطلب مصاريف وأدوات وملابس . وأصحاب المنازل يطالبون بإيجار منازلهم . وزادت المشكلة تعقيداً وثقل الحمل على حامله . واتسع الخرق على الراقع وبخاصة بعد عام ونصف . وبالتحديد في منتصف [[1956]] حينما خرج بعض أعداد من المعتقلين الذين لم يحكم عليهم . كان البعض منهم في اشد الحاجة لمن يزوده بالمال والطعام والملابس والمأوى . كل هذا والمسلمون في هذا البلد الطيب في [[مصر]] التي نكبت بمن قاد الانقلاب ليس فيهم من يعي واجبه . بل على العكس من ذلك وجدنا كثيراً من علماء وشيوخ الدين يتبرءون من المجاهدين … كان الجميع من المتفرجين على ما يحدث . حتى الذين يبكون للمأساة ويتألمون كانوا يكتمون آلامهم ويخفون دموعهم خشية أن يتهمهم الطاغية بأنهم مسلمون . ولما اشتد بي الألم على ما وصلت إليه الأمور . ولم أجد لنفسي مخرجاً . ذهبت لزيارة أستاذي الجليل صاحب الفضيلة الشيخ [[محمد الأودن]] . وهو من القلة القليلة التقية النقية من رجال الأزهر . وكنت أستشيره في كل ما يعرض لي من أمور الدعوة وعلوم [[الإسلام]] . وكان يعتقد معي أن عدم اندماج السيدات المسلمات ربما يخدم [[الإخوان]] في فترة مقبلة . وقد كان يعلم ببيعتي ل[[لبنا]] ويباركها ويؤيدها كما كان يعلم ولائي للدعوة بعد استشهاد [[البنا]] وقبله . وجلست إليه أحدثه عن مأساة الأسر . كان يستمع إليّ في ألم شديد . وأنهيت حديثي بعرض ما فكرت في عمله في حدود إمكانياتي . وكنت أرى أنه لا يكفي أن نتألم وجراح الجوع وجراح السياط وجراح العرايا وتشرد النساء والأطفال يجرى بقسوة وشدة في دوائر حياة الدعاة والملبين والمجاهدين لتكون كلمة الله هي العليا . وأرى أني أستطيع كرئيسة للسيدات المسلمات أن أقدم العون إن شاء الله لأسر [[الإخوان]] بما يمكني الله فيه . فقبل فضيلته رأسي وهو يبكي قائلاً لي : لا تترددي في أي عون . والله هو المبارك للخطى . وعدت لأوضح له موقفي في الجماعة والثقة المطلقة في شخصي من السيدات المسلمات أعضاء الجماعة فقال لي فضيلته : قد أصبح فرضاً حتمياً عليك أن لا تبخلي بجهد في هذا الطريق وما تقومين به اجعليه بينك وبين الله تبارك وتعالى ثم أضاف : إن المنقذ الوحيد بأمر الله ل[[لإسلام]] هم هؤلاء المعذبون " [[الإخوان المسلمون]] " لا أمل لنا إلا في الله ثم في إخلاصهم وما يبذلون في سبيل الدعوة . اعملي يا زينب كل ما تستطيعين عمله . وعملت فعلاً ما أستطيع . وبذلت جهدي في أن أقدم شيئاً ولم يشعر أحد أني أفعل شيئاً . فقد كان فرد أو فردان هما اللذان أُسلمهما ما أستطيع على أنها أشياء مرسلة لي وأنا مكلفة بنقلها إليهم فقط . ثم علمت أن الوالدة الفاضلة المجاهدة الكبيرة حرم الأستاذ [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] تبذل هي أيضاً مجهوداً كبيراً مع بعض الفضليات الكريمات من الأخوات المسلمات مثل : المجاهدة [[آمال العشماوي]] حرم الأستاذ [[منير الدلة]] وكانت هي بنفسها على رأس الأخوات المسلمات . ومثل [[خالدة حسن الهضيبي]] و [[أمينة قطب]] و [[حميدة قطب]] و [[فتحية بكر]] والمجاهدة [[أمينة الجوهري]] و [[علية الهضيبي]] و [[تحية سليمان الجبيلي]] . واتسعت اتصالاتي رويداً رويداً فاتصلت ب[[خالدة الهضيبي]] في سرية شديدة ثم ب[[حميدة قطب]] و [[أمينة قطب]] . وكل ذلك من أجل المعذبين والأطفال واليتامى . === على الطريق مع [[عبد الفتاح إسماعيل]] === كان أول لقاء لي به في عام [[1957]] وفي موسم الحج . كنت في ميناء السويس على رأس بعثة الحج لجماعة السيدات المسلمات ، وكان معي في المودعين شقيقي [[محمد الغزالي]] الجبيلي فوجدته مقبلاً عليّ في صحبة إنسان يكسو وجهه نور ومهابة يغض بصره ، قدمه لي أخي قائلاً : الأخ [[عبد الفتاح إسماعيل]] ، كان من أحب شباب [[الإخوان]] إلى [[الإمام الشهيد]] [[حسن البنا]] ، كان فضيلة المرشد يحبه ويؤثره وله فيه ثقة مطلقة ، وقد طلب مني أن أقدمه لك بهذه الصورة حتى تعرفيه ، وحياني الأخ وهو يقول سأكون إنشاء الله معكم في الباخرة ، فرحبت به وانصرف ، وصعدنا إلى الباخرة وتحركت بعيداً عن الشاطئ وانشغلت بمطالب البعثة ، بعثة حج السيدات المسلمات. وعندما ذهبت إلى حجرتي بعد تناول الغداء ، سمعت طرقات على الباب ، أذنت بالدخول فتكرر الطرق ثانية ولكن الطارق كان يذهب بعيداً عن فتحة الباب ، ولما سمع صوتي يأذن بالدخول للمرة الثالثة . دخل فوجدته الأخ الذي قدمه لي شقيقي على رصيف الميناء .. قال في إخبات وهو يطرق إلى الأرض بعد أن ألقى عليّ السلام .. أنا أعلم بحمد الله أن بينك وبين [[الإمام الشهيد]] [[حسن البنا]] بيعة بعد طول خلاف ، ولما سألته عن مصدر معلوماته أجاب : [[الإمام الشهيد]] نفسه طيب الله ثراه .. فسألته عما يريد ، أجاب : أن نلتقي في مكة لوجه الله نتحدث فيما كان [[البنا]] يريده منك إن شاء الله . كانت كلمات سهلة العبارات طيبة النوايا لينة ، لكنها مع بساطتها قوية صادقة ثقيلة التكاليف تحمل معنى الأمر ولا تترك مجالاً للتفكير . قلت إنشاء الله في دار بعثة السيدات المسلمات بمكة أو بجدة ، ولما سأل عن العناوين حدثته عن أخوين في جدة قال إنه يعرفهما وهما الشيخ [[العشماوي]] و [[مصطفى العالم]] وكلاهما يستطيع أن يرشده إلى مكان إقامتي بمكة وجدة . حياني الأخ وانصرف . وفي ليلة من ليالي ذي الحجة كنت على موعد بعد صلاة العشاء مع فضيلة المرحوم الشيخ الإمام [[محمد بن إبراهيم]] المفتي الأكبر ل[[لمملكة العربية السعودية]] حينذاك .. وكنا نبحث معاً مذكرة قدمتها لجلالة الملك أشرح له فيها ضرورة تعليم البنات في المملكة ، وأطلب منه الإسراع في تنفيذ هذا المشروع ، مبينة مصلحة المملكة في ذلك ، وحولت المذكرة على فضيلة المفتي الذي طلب مقابلتي . وقضيت ساعتين أبحث المشروع معه . وعند انصرافي من مجلسه ، أخذت طريقي إلى باب السلام وكان في نيتي أن أطوف حين أوقفني صوت يناديني باسمي محييا بتحية [[الإسلام]] ، والتفت فإذا به [[عبد الفتاح إسماعيل]] وسألني عن وجهتي ولما عرف أنها الطواف ثم دار البعثة صحبني إلى المسجد وطفنا بالبيت معاً وبعد صلاة سنة الطواف جلسنا تجاه الملتزم وأخذ يتحدث فيما يريد . سألني عن رأيي في قرار حل [[الإخوان]] . أجبت أنه قرار باطل شرعاً . قال : هذا الأمر الذي أريد بحثه معك .. ولما سألته أن يزورني في دار البعثة استبعدها كمكان لمثل هذه الأمور خوفاً من أجهزة التجسس الناصرية ، واتفقنا على أن نجتمع في مكتب عمارة الحرم المكي .. في مكتب معالي الرجل الصالح الشيخ [[صالح القزاز]] ، واجتمعنا هناك ولكنه أسر إليّ أن الأفضل أن نلتقي في الحرم وانصرف هو على أن نلتقي خلف مقام إبراهيم . وبعد ركعتي الطواف جلسنا خلف مبنى زمزم بالقرب من مقام إبراهيم ، وأخذ يتحدث عن بطلان قرار حل جماعة [[الإخوان المسلمين]] ووجوب تنظيم صفوف الجماعة وإعادة نشاطها ، واتفقنا على أن نتصل بعد العودة من الأرض المقدسة بالإمام [[حسن الهضيبي]] [[المرشد العام]] لنستأذنه في العمل . وقال عندما هممنا بالانصراف : يجب أن نرتبط هنا ببيعة مع الله على أن نجاهد في سبيله ، لا نتقاعس حتى نجمع صفوف [[الإخوان]] ونفاصل بيننا وبين الذين لا يرغبون في العمل أيا كان وضعهم ومقامهم ، وبايعنا الله على [[الجهاد ]] والموت في سبيل دعوته . وعدت إلي [[مصر]] … === الإذن بالعمل === ومع أوائل [[1958]] كانت لقاءاتي قد تعددت ب[[عبد الفتاح إسماعيل]] في منزلي وفي دار المركز العام للسيدات المسلمات . كنا نبحث في أمور المسلمين محاولين بكل جهدنا أن نفعل شيئاً ل[[لإسلام]] يعيد لهذه الأمة مجدها وعقيدتها ، مبتدئين بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح ومن بعدهم ، جاعلين منهجنا مستمداً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وكانت خطة العمل تستهدف تجميع كل من يريد العمل ل[[لإسلام]] لينضم إلينا .. كان ذلك كله مجرد بحوث ووضع خطط حتى نعرف طريقنا ، فلما أردنا أن نبدأ العمل كان لابد من استئذان الأستاذ [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] باعتباره مرشداً عاماً لجماعة [[الإخوان]] ، لأن دراساتنا الفقهية حول قرار الحل انتهت إلى أنه باطل لأن [[عبد الناصر]] ليس له ولاء ولا تجب له طاعة على المسلمين حيث أنه يحارب [[الإسلام]] ولا يحكم بكتاب الله تعالى .. والتقيت بالأستاذ [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] لأستأذنه في العمل باسمي وباسم [[عبد الفتاح إسماعيل]] ، وأذن لنا في العمل بعد لقاءات عديدة شرحت له فيها الغاية وتفاصيل الدراسات التي قمت بها وعبد الفتاح . وكان أول قرار لبدء العمل هو أن يقوم الأخ [[عبد الفتاح عبده إسماعيل]] بعملية استكشاف على امتداد [[مصر]] كلها . على مستوى المحافظة والمركز والقرية ، والمقصود من هذا أن نتبين من يرغب في العمل من المسلمين ومن يصلح للعمل معنا ، مبتدئين ب[[الإخوان المسلمين]] لجعلهم هم النواة الأولى لهذا التجمع .. وبدأ الأخ عبد الفتاح إسماعيل جولته بادئاً بالذين خرجوا من السجون من [[الإخوان]] والذين لم يدخلوا لتختبر معادنهم وهل أثرت المحنة في عزيمتهم ، وهل دخول من دخل السجن جعلهم يبتعدون عما يعرضهم للسجن مرة أخرى أم أنهم لا يزالون على ولائهم للدعوة مستعدين للتضحية بكل غال ورخيص في سبيل الله ونصرة دينه . كانت عملية استكشاف لابد منها حتى نبدأ العمل على أرض صلبة ، وحتى نعرف من يصلح فعلاً ، وكنا ندرس معاً التقارير التي يقدمها [[عبد الفتاح إسماعيل]] عن كل منطقة ، وكنت أزور [[المرشد العام]] وأبلغه مجمل ما اتفقنا عليه وما وصلنا إليه .. وكنا إذا عرضنا عليه صوراً من الصعوبات التي نلاقيها ، قال : استمروا في سيركم ولا تلتفتوا إلى الوراء ، لا تغتروا بعناوين الرجال وشهرتهم . أنتم تبنون بناء جديداً من أساسه . وكان تارة يقر ما يعرض عليه وتارة يعطي بعض التوجيهات . ومن هذه التوجيهات أنه أوصانا بأن نضمك إلى مراجع بحوثنا " المحلي لابن حزم " . وفي سنة [[1959]] انتهت بحوثنا إلى وضع برنامج للتربية الإسلامية ، وأشهد الله على أنه لم يكن في برنامجنا غير تربية الفرد المسلم الذي يعرف واجبه تجاه ربه وتكوين المجتمع المسلم الذي سيجد نفسه بالضرورة مفاصلاً للمجتمع الجاهلي . ولما كانت جماعة [[الإخوان المسلمين]] معطلاً نشاطها بسبب قرار الحل الجاهلي لسنة [[1954]] كان ضرورياً أن يكون النشاط سرياً . === وقفة مع زوجي === لم يكن عملي في هذا النشاط يعطلني عن تأدية رسالتي في المركز العام لجماعة السيدات المسلمات ولا يجعلني أقصر في واجبي الأسري ، غير أن زوجي الفاضل المرحوم [[محمد سالم سالم]] لاحظ تردد الأخ [[عبد الفتاح إسماعيل]] وبعض لبنات طاهرة زكيه من الشباب المسلم على منزلنا . فسألني زوجـي : هل هناك نشاط ل[[لإخـوان المسلمين]] ؟ أجبت : نعم . . فسألني عن مدى النشاط ونوعيته . . قلت : إعادة تنظيم جماعة [[الإخوان]] .. ولما أخذ يبحث الأمر معي قلت له : هل تذكر يا زوجي العزيز عندما اتفقنا على الزواج .. ماذا قلت لك ؟ قال : نعم اشترطت شروطاً ، ولكني أخاف عليك اليوم من تعرضك للجبابرة . ثم صمت وأطرق برأسه فقلت له : أنا أذكر جيداً ما قلت لك : لقد قلت لك يومها : إن هناك شيئاً في حياتي يجب عليك أن تعلمه أنت لأنك ستصبح زوجي ، ومادمت قد وافقت على الزواج فيجب أن أطلعك عليه على ألاّ تسألني عنه بعد ذلك ، وشروطي بخصوص هذا الأمر لا أتنازل عنها . . أنا رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات .. وهذا حق ، ولكن الناس في أغلبهم يعتقدون أني أدين بمبادئ الوفد السياسية ، وهذا غير صحيح .. الأمر الذي أومن به وأعتقده هو رسالة [[الإخوان المسلمين]] .. ما يربطني ب[[مصطفى النحاس]] هو الصداقة الشخصية ، لكني على بيعة مع [[حسن البنا]] على الموت في سبيل الله ، غير أني لم أخط خطوة واحدة توقفني داخل دائرة هذا الشرف الرباني ، ولكني أعتقد أني سأخطو هذه الخطوة يوماً ما بل وأحلم بها وأرجوها ، ويومها إذا تعارضت مصلحتك الشخصية وعملك الاقتصادي مع عملي الإسلامي ووجدت أن حياتي الزوجية ستكون عقبة في طريق الدعوة وقيام دولة [[الإسلام]] فسنكون على مفرق طريق ، ويومها أطرقت إلى الأرض ثم رفعت رأسك والدموع محبوسة في عينيك لتقول : أنا أسألك لتقول : أنا أسألك ماذا يرضيك من المطالب المادية فلا تسألين ولا تطلبين أي شئ من مهر أو مطالب زواج ، وتشترطين عليّ ألا أمنعك عن طريق الله .. أنا لا أعلم أن لك صلة بالأستاذ [[البنا]] ، والذي أعلمه أنك اختلفت معه بشأن انضمام جماعة السيدات المسلمات إلي [[الإخوان المسلمين]] . قلت : الحمد لله ، اتفقنا أثناء محنة [[الإخوان]] سنة [[1948]] قبل استشهاد [[البنا]] ، وكنت قررت أن ألغي أمر الزواج من حياتي ، وأنقطع للدعوة انقطاعاً كلياً .. وأنا لا أستطيع أن أطلب منك اليوم أن تشاركني هذا [[الجهاد]] ، ولكن من حقي أن اشترط عليك ألا تمنعني جهادي في سبيل الله ، ويوم تضعني المسئولية في صفوف المجاهدين فلا تسألني ماذا أفعل ولتكن الثقة بيننا تامة ، بين رجل يريد الزواج من امرأة وهبت نفسها ل[[لجهاد]] في سبيل الله وقيام الدولة الإسلامية وهي في سن الثامنة عشرة ، وإذا تعارض صالح الزواج والدعوة إلى الله ، فسينتهي الزواج وتبقى الدعوة في كل كياني . . ثم توقفت عن الكلام برهة ونظرت إليه قائلة : هل تذكرت ؟ قال : نعم . قلت : اليوم أطلب منك أن تفي بوعدك .. لا تسألني بمن ألتقي . وأدعو الله أن يجعل أجر جهادي قسمة بيننا فضلاً منه سبحانه إذا تقبل عملي . . أنا أعلم أن من حقك أن تأمرني ومن واجبي أن أطيعك ولكن الله أكبر في نفوسنا من أنفسنا ، ودعوته أغلى علينا من ذواتنا . ونحن في مرحلة خطيرة من مراحل الدعوة . . قال : سامحيني ، أعملي على بركة الله . يا ليتني أعيش وأرى غاية [[الإخوان]]قد تحققت ، وقامت دولة [[الإسلام]] .. يا ليتني كنت في شبابي فأعمل معكم …. وكثر العمل ، والنشاط وتدفق الشباب على بيتي ليلاً و نهار ، وكان الزوج المؤمن يسمع طرقات الباب في جوف الليل فيقوم من نومه ويفتح للطارقين ويدخلهم إلي حجرة المكتب ، ويذهب إلي حجرة السيدة التي تدير أعمال البيت فيوقظها ويطلب منها أن تعد للزائرين بعض الطعام والشاي ، ثم يأتي إليّ فيوقظني في إشفاق وهو يقول : بعض أولادك في المكتب وعليهم علامات جهد أو سفر ، وأرتدي ملابسي وأذهب إليهم ويأخذ هو طريقه إلى مكان نومه وهو يقول لي : إذا صليتم الفجر جماعة فأيقظيني لأصلي معكم إن كان ذلك لا يضر ، فأجيب إنشاء الله . فإن صلينا الفجر أيقظته ليصلي معنا ثم ينصرف ، وهو يحيي الموجودين تحية أبوية مملوءة بالشفقة والحب والحنان . === الاتصال بالإمام الشهيد [[سيد قطب]] === في عام [[1962]] التقيت بشقيقات الإمام الفقيه والمجاهد الكبير الشهيد سيد قطب بالاتفاق مع الأخ عبد الفتاح إسماعيل وبإذن من الأستاذ حسن الهضيبي ، المرشد العام للإخوان المسلمين ، للاتصال بالإمام سيد قطب في السجن لأخذ رأيه في بعض بحوثنا والاسترشاد بتوجيهاته . طلبت من حميدة قطب أن تبلغ الأخ سيد قطب تحياتنا ورغبة الجماعة المجتمعة لدراسة منهج إسلامي في الاسترشاد بآرائه .. وأعطيتها قائمة بالمراجع التي ندرسها وكان فيها تفسير ابن كثير ، والمحلي لابن حزم ، والأم للشافعي وكتب في التوحيد لابن عبد الوهاب وفي ظلال القرآن لسيد قطب ، وبعد فترة رجعت إلي حميدة وأوصت بدراسة مقدمة سورة الأنعام .. الطبعة الثانية وأعطتني ملزمة من كتاب قالت : إن سيد يعده للطبع واسمه معالم في الطريق .. وكان سيد قطب قد ألفه في السجن وقالت لي شقيقته ، إذا فرغتم من قراءة هذه الصفحات سآتيكم بغيرها . وعلمت أن المرشد اطلع على ملازم هذا الكتاب وصرح للشهيد [[سيد قطب]] بطبعه .. وحين سألته قال لي : على بركة الله .. إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد ، ربنا يحفظه ، لقد قرأته وأعدت قراءته وأعدت قراءته ، إن [[سيد قطب]] هو الأمل المرتجى للدعوة الآن ، إن شاء الله وأعطاني المرشد ملازم الكتاب فقرأتها فقد كانت عنده لأخذ الإذن بطبعها وقد حبست نفسي في حجرة بيت المرشد حتى فرغت من قراءة " معالم في الطريق " . وأخذنا نعيد الدراسة والبحث من جديد في صورة نشرات قصيرة توزع على الشباب ليدرسوها ثم تدرس بتوسع في حلقات ، وكانت الأفكار متفقة والغايات غير مختلفة فانسجمت الدراسة مع الوصايا والصفحات التي كانت تأتينا من الإمام الشهيد [[سيد قطب]] رحمه الله وهو داخل السجن ، وكانت ليالي طيبة وأياماً خالدة ولحظات قدس مع الله ، يجتمع عشرة أو خمسة من الشباب ويقرءون عشر آيات تراجع أحكامها وأوامر السلوك فيها وكل غاياتها ومقاصدها في حياة العبد المسلم . وبعد تفهمها واستيعابها يتقرر الانتقال إلي عشر آيات أخرى إقتداء بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . ومرت أيام حلوة طيبة ونعمة من الله تحتوينا ونحن ندرس وندرس ونربي أنفسنا ونهيئ للدعوة رجالها بشباب اقتنع بضرورة الإعداد لقيام دعوة الحق العادل .. وقرر وجوب حتمية إعداد أجيال في شخوص هذا الشباب الذي نرجوه أساتذة في التوجيه والإعداد للأجيال المقبلة . قررنا فيما قررنا ـ بتعليمات من الإمام [[سيد قطب]] وبإذن [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] ـ أن تستمر مدة التربية والتكوين والإعداد والغرس لعقيدة التوحيد في النفوس . والقناعة بأنه لا إسلام إلا بعودة الشريعة الإسلامية وبالحكم بكتاب الله وسنة رسوله لتصبح شريعة القرآن مهيمنة على كل حياة المسلمين ، قررنا أن يستغرق برنامجنا التربوي ثلاثة عشر عاماً ، عمر الدعوة في مكة ، على أن قاعدة الأمة الإسلامية الآن هم [[الإخوان]] الملتزمون بشريعة الله وأحكامه فنحن ملزمون بإقامة كل الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنة في داخل دائرتنا الإسلامية .. والطاعة واجبة علينا لإمامنا المبايع ، على أن إقامة الحدود مؤجلة ـ مع اعتقادها والذود عنها ـ حتى تقوم الدولة .. وكنا على قناعة كذلك بأن الأرض اليوم خالية من القاعدة التي تتوفر فيها صفات الأمة الإسلامية الملتزمة التزاماً كاملاً .. كما كان الأمر في عهد النبوة والخلافات الراشدة ، ولذلك وجب [[الجهاد]] على الجماعة المسلمة التي حكم الله والتمكين لدينه في الأرض حتى يعود جميع المسلمين ل[[لإسلام]] فيقوم الدين القيم ، لا شعارات ولكن حقيقة عملية واقعة . ودرسنا كذلك وضع العالم الإسلامي كله بحثاً عن أمثلة لما كان قائماً من قبل بخلافة الراشدين والتي نريدها نحن في جماعة الله الآن ، فقررنا بعد دراسة واسعة للواقع القائم المؤلم ، أن ليس هناك دولة واحدة ينطبق عليها ذلك ، واستثنينا [[المملكة العربية السعودية]] مع تحفظات وملاحظات يجب أن تستدركها المملكة وتصححها ، وكانت الدراسات كلها تؤكد أن أمة [[الإسلام]] ليست قائمة ، وإن كانت الدولة ترفع الشعارات بأنها تقيم شريعة الله ‍‍! …. وكان فيما قررناه بعد تلك الدراسة الواسعة ، أنه بعد مضي ثلاثة عشر عاماً من التربية الإسلامية للشباب والشيوخ والنساء والفتيات ، نقوم بمسح شامل في الدولة فإذا وجدنا أن الحصاد من أتباع الدعوة الإسلامية المعتقدين بأن [[الإسلام]] دين ودولة ، والمقتنعين بقيام الحكم الإسلامي قد بلغ 75% من أفراد الأمة رجالاً ونساءً ، نادينا بقيام الدولة الإسلامية ، وطالبنا الدولة بقيام حكم إسلامي ، فإذا وجدنا الحصاد 25 % جددنا التربية والدراسة لمدة ثلاثة عشر عاماً أخرى وهلم جرا ، حتى نجد أن الأمة فد نضجت لتقبل الحكم ب[[الإسلام]] . وما علينا أن تنتهي ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍أج يال وتأتي أجيال ، المهم أن الإعداد مستمر ، المهم أن نظل نعمل حتى تنتهي آجالنا ثم نسلم الراية مرفوعة " بلا إله إلا الله ، محمد رسول الله " إلى الأبناء الكرام الذين يأتون من بعدنا . وكنا على اتصال بالأستاذ [[محمد قطب]] ، بإذن من [[المرشد العام]] ، كان يزورنا في بيتي بمص الجديدة ليوضح للشباب ما غمض عليهم فهمه وكان الشباب يستوضحونه ويسألونه أسئلة كثيرة يجيب عليها . == الباب الثالث : المؤامرة == وخرج الأستاذ الشهيد [[سيد قطب]] من السجن ، وسبق خروجه بشهور عملية محاولة اغتيالي التي لم تنجح ، والتي تحدثنا عنها في أول هذه المذكرات ، وانتقلت إلينا أخبار بان إخراج الشهيد [[سيد قطب]] من السجن تخطيط من المخابرات ليسهل اغتياله ، وأن في خطة الاغتيالات القضاء على [[عبد الفتاح عبده إسماعيل]] . . وعشنا متوكلين على الله نعمل وخلف ظهورنا ما يدبر الفجار، غير أننا أخذنا ندرس ما وصلنا من أخبار عن رعب الفجار الحاكمين ، فقد أصبحوا يتوهمون أن هناك حركة فكرية يقودها سيد قطب من داخل السجن ، وتقودها وتعمل على تنفيذها جماعة من [[الإخوان المسلمين]] ، على رأسها الشهيد [[عبد الفتاح إسماعيل]] و [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]] خارج السجن . . وقد تأكدت لدينا الأخبار بان المخابرات الأمريكية والمخابرات الروسية ووليتهم الصهيونية العالمية قد قدموا تقارير مشفوعة بتعليمات ل[[عبد الناصر]] بأخذ الأمر منتهى الجد للقضاء على هذه الحركة الإسلامية ، ولا فسينتهي كل ما فعله [[عبد الناصر]] في المنطقة من تحويل عن الفكر الإسلامي وبث اليأس في النفوس من إمكان أي إصلاح أو بعث عن طريق [[الإسلام]] . . وخلاصة المخاوف : أن هذه الحركة الإسلامية ستقضي على كل فكر مغاير ل[[لإسلام]] . هذا ما وصلنا إجمالا عما تحويه تقارير المخابرات الأمريكية والروسية ل[[عبد الناصر]]، ومن ناحية أخرى فان [[عبد الناصر]] اعتبر أن البعث الإسلامي بمثابة قضاء تام على حكمه الدكتاتوري الغاشم . . وفى أوائل [[أغسطس]] [[1965]] وصلتني أخبار عن إعداد قائمة من المطلوب اعتقالهم من رعيل رسالة التربية الجديدة والفكر الذي أقام من الشباب جواهر نورانية تتحرك ب[[الإسلام]] . كما كان يتحرك به رجال من الصدر الأول في فجر الرسالة إلى دار ابن أبى الأرقم ، ويتصدر القائمة الأستاذ الشهيد [[سيد قطب]] ، [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]]، [[عبد الفتاح عبده إسماعيل]] ، [[محمد يوسف هواش]] . وفى الخامس من [[أغسطس]] وصلتني أخبار اعتقال الشهيد [[سيد قطب]] . كنت مجتمعة مع بعض الأخوات حين جاءتني مكالمة هاتفية قيل لي فيها: إن منزل [[سيد قطب]] قد فتش وبحث فيه عنه . وكان شقيقة الأستاذ محمد قد اعتقل في [[مرسي مطروح]] قبل أيام ، فطلبت زوجي في رأس البر ورجوته أن يطمئننى على [[سيد قطب]] وجاءت مكالمة زوجي بعد ساعة تؤكد اعتقاله . وقررنا تأجيل الاجتماع بالأخوات حتى نرى ماذا بعد الاعتقالات ، وكان اعتقال [[سيد قطب]] كالصاعقة بالنسبة لجميع الشباب ، فضلا عنا نحن ، فقد كان [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] قد أوكل كل المسئوليات لسيد قطب ، وكانت اتصالاتنا كلها به حسب أمر [[حسن الهضيبي|الهضيبي]]، وكان علينا بعد اعتقاله أن نرجع إلى [[المرشد العام]] ، نستأذنه فيمن يتولى المسئولية بدلا من سيد. كنت أنا وعبد الفتاح ، نفكر فيما حدث قبل أن يحدث بخمسة أيام ، فلما حدث ، زارني عبد الفتاح وكلفني بالسفر لرؤية المرشد في [[الإسكندرية]] وقدم لي أحد أبنائنا من الشباب على أنه سيكون حلقة الاتصال بيننا إذا اعتقل هو . . ولكن بعد ساعات أرسل إلى يطلب منى أن ألزم بيتي، وألغى سفري ل[[الإسكندرية]] - غير أنى كنت قد اتصلت بالمرشد، وجاءت السيدة حرمه من [[الإسكندرية]] - ورتب الأمر على أن نكون على اتصال دائم ب[[حسن الهضيبي|الهضيبي]]، هذه المرة قدم لي أخا كريما ليكون حلقة الاتصال بيننا. . [[مرسي مصطفى مرسي]] . واتصلت ب[[المرشد العام]] وأخبرته بواقع الأمر، وأقرنا على ما اتفقنا عليه وتأثر تأثرا عميقا لأخبار الاعتقالات وبخاصة اعتقال [[سيد قطب]] . وأخذت الأخبار تتوالى بالقبض على العشرات والمئات ، وارتفع إلى الآلاف ، وقد أقسم لي [[شمس بدران]] بعد اعتقالي برأس [[عبد الناصر]] اعتقلوا مائة ألف من [[الإخوان]] في عشرين يوما، ملئوا بهم السجن الحربي وسجن القلعة وسجن أبي زعبل وسجن الفيوم و [[الإسكندرية]] وطنطا وسجوناً أخرى . وفى يوم الخميس 19 [[أغسطس]] ، علمت أن سيدة فاضلة تناهز الخامسة والثمانين تدعى أم أحمد من شبرا قد قبضوا عليها، وهى من المناصرين للدعوة من يومها الأول ، وسارت في الطريق مع [[الإمام الشهيد]] [[حسن البنا]] خطوة خطوة، وكان لها جهد كبير مبارك في مساعدة الأسر التي فقدت العائل بالسجن والمعتقلات الناصرية . . وكانت على اتصال دائم بنا . . كان خبر اعتقالها مفزعا ومؤثرا بالنسبة لي، ولكنى قلت لابن أختها بعد دقائق صمت أغرقتني بالألم : "إنه شيء جميل . . ما دام في الأرض التي ضاعت معالمها امرأة مؤمنة تعتقل في سبيل الله ، وفى سبيل دولة القران ، وهي في الخامسة والثمانين ، فمرحى مرحى يا جنود الله " . . ! وأرسلت لابنتي في [[الإسلام]] غادة عمار وقلت لها : "اليوم اعتقلت مجاهدة جليلة فاضلة تدعى الست أم أحمد، وتقطن بناحية شبرا ولدى أموال لحساب أسر المسجونين وشؤون الدعوة فها هي إليك يا غادة، فإذا اعتقلت فسلميها للمرشد أو لآل قطب ، وسلمتها مظروفا فيه أموال الجماعة التي كانت أمانة عندي، وهى اشتراكات من [[الإخوان المسلمين]] . وعلمت بعد ذلك وأنا في السجن أن هذا المبلغ أودعته غادة عند ابنتي في [[الإسلام]] [[فاطمة عيسى]] وعندما قبض عليها الطغاة استولوا على هذا المال الذي كان ثمن الطعام وأجر المساكن ومصاريف التعليم والعلاج لأبناء المسجونين وأسرهم ، تلك الأسر التي لا ذنب لها ولا جريمة، وما قررت دولة الانقلاب العسكري لتبيدهم إلا لأنهم من القاعدة الخالدة على التاريخ لتجديد أمر الأمة الإسلامية . علمت بذلك عندما جيء بغادة عمار وعلية [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] إلى زنزانتي في السجن الحربي فقلت : "حسبنا الله ونعم الوكيل ، الدنيا ساعة ، أما الآخرة فهي دارنا والحساب هناك " . ومرت ساعات رهيبة تحمل لي أخبار اعتقالات جديدة، ومرة أخرى جاءني رسول طلب منى أن أسافر إلى [[الإسكندرية]] لمقابلة المرشد. كان ذلك في مساء الخميس 19 [[أغسطس]] ، وبينما كنت أستعد للسفر جاء آخر وطلب منى تأجيل السفر لحين صدور أوامر أخرى . === وجاء دوري === وفى فجر الجمعة 20 [[أغسطس]] [[1965]] اقتحم رجال الطاغوت منزلي، ولما طلبت منهم إذنا بالتفتيش ، قالوا: إذن ! أي إذن يا مجانين ؟ نحن في عهد [[عبد الناصر]]، نفعل ما نشاء معكم يا كلاب . . ! وأخذوا يقهقهون في صورة هستيرية وهم يقولون : [[الإخوان المسلمون]] مجانين ، قال إيه ، يريدون إذن تفتيش في حكم [[عبد الناصر]]! ودخلوا البيت وأتلفوا ما فيه بالتمزيق تارة وبالتكسير تارة أخرى حتى لم يتركوا شيئا سليما . وكنت أنظر إليهم باحتقار وهم يمزقون فراش المنزل . وأخيرا قبضوا على ابن أخي الطالب في كلية المعلمين [[محمد محمد الغزالي]]، وكان يقيم معي كابني وقالوا لي : لا تغادري البيت . قلت : أفهم من ذلك أن إقامتي محددة . قالوا : إلى حين صدور أوامر أخرى، واعلمي أن البيت تحت الحراسة فإذا تحركت فسيقبض عليك . وظننت أن الأمر سيقف عند تحديد الإقامة، وجاء لزيارتي شقيقتي وأولادها وزوجها، وكنت أعد حقيبتي استعدادا للقبض على . ورجوت زوج شقيقتي مغادرة المنزل حتى لا يقبضوا عليه إن عادوا ووجدوه كما فعلوا مع ابن أخي. ولكنه أصر على البقاء رغم محاولاتي المتكررة في إفهامه أن الوقت ليس وقت مجاملة أو نحوه . وبينما كنا نتناول الغداء اقتحم المنزل زبانية الطاغوت وأتوا على البقية الباقية واستولوا على ما في الخزانة . واستولوا على ما يزيد على نصف مكتبتي، ولم تفلح محاولاتي في إنقاذ بعض المؤلفات القديمة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ مما يعود تاريخ طبعه إلى أكثر من مائة عام ، كما لم تفلح محاولاتي في الاحتفاظ بمجموعات ثلاث من مجلة السيدات المسلمات التي أوقفت بأمر عسكري سنة [[1958]] ، فقد صادروا كل ما أرادوا وللخزانة وقتها قصة عجيبة . فقد كانت الخزانة لزوجي إلا أن بها أشياء تخصني أيضا. فلما طلبوا المفتاح قلت لهم : إنه مع زوجي وهو مسافر في مصيفه ، فإذا بهم يهتفون برجل منهم يأمرونه بفتح الخزانة ، وتقدم هذا الرجل وفتح الخزانة بآلات ومفاتيح كانت معه ، كأي لص متمرس ! ! ولما طلبت منهم إيصالا بما أخذوه قالوا في سخرية : "أنت مجنونة . أنت فاكرة نفسك شاطرة، إخرسي بلاش دوشة" . وقبضوا على وأدخلوني عربة وجدت فيها ابن أخي الذي قبضوا عليه في الفجر، وشابا من شباب الدعوة، سألت ابن أخي : إيه يا محمد؟ فلم يجبني ففهمت أن التعليمات إليه أن لا يتكلم ، وكانوا قد أتوا به ليرشدهم إلى المنزل لأن هؤلاء كانوا غير زوار الفجر. . وأخذت العربة تنهب بنا الطريق حتى وصلت إلى السجن الحربي، عرفت ذلك من اللوحة الموجودة على بوابته ، واقتحمت السيارة البوابة المرعبة ، وبعدما ابتلعت البوابة السيارة ومن فيها . أنزلت منها واتجه بي وغد غليظ إلى حجرة استجوبني فيها وغد آخر، وأدخلت منها إلى حجرة أخرى . ووقفت أمام رجل ضخم الجثة مظلم الوجه قبيح اللفظ ، فسأل الذي يمسك ذراعي عنى فأجابني بسباب غلف فيه أسمي، ومع ذلك التفت هو إلى في غلظة وسألني من أنت ! . قلت : "[[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]]" . فانطلق يسب ويلعن بما لا يعقل ولا يتصور. وصرخ الذي يمسك بذراعي قائلا : "دا رئيس النيابة يا بنت الــ . . . ردى على سعادته "، وكان الآخر قد صمت قلت : لقد اعتقلوني أنا وكتبي وكل ما في الخزانة، فأرجو حصر هذه الأشياء وتسجيلها فمن حقي أن تعاد إلى . أجاب رئيس النيابة المزعوم الذي وضح فيما بعد أنه [[شمس بدران]] ، أجاب في فجور وجاهلية متغطرسة: "يا بنت الـــ . . . نحن سنقتلك بعد ساعة، كتب إيه ؟ وخزنة إيه ؟ ومصاغ إيه ؟ أنت ستعدمين بعد قليل ، كتب إيه وحاجات إيه اللي بتسألي عليها يا بنت الـــ . . . ، إحنا سندفنك كما دفنا عشرات منكم يا كلاب هنا في السجن الحربي" لم أستطع أن أجيب ، لأن الكلمات كانت بذيئة الألفاظ سافلة، والسباب والشتائم منحطة إلى الحد الذي لا يستطيع فيه الإنسان أن يسمعها فضلا عن أن يجيب عنها. وقال هذا المتغطرس للذي يمسك ذراعي : خذها . . . قال : إلى أين ؟ أجاب ؟ هم عارفون . وجذبني الفاجر في وحشية وهو يقول : يا بنت الـ . . . وعند الباب نادى صاحب الجثة الغليظة المظلمة على الشيطان الممسك بذراعي فالتفت إليه ، فكأني أرى ظلمة من دخان غليظ أسود تغرقه ، قلت في سرى : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم تضرعت إلى الله قائلة: اللهم أنزل على سكينتك وثبت قدمي في دوائر أهل الحق ، واربط على قلبي بذكرك وارزقني الرضا بما يرضيك . وقال الممسك بذراعي للشيطان : نعم يا معالي الباشا . قال له : تروح رقم 24 وبعد ذلك تأتوني . وانصرف بي الشيطان الشقي الممسك بذراعي وأدخلني حجرة ، فرأيت رجلين يجلسان إلى مكتب في يد أحدهما مفكرة كنت أعرفها، وهى خاصة بالأخ الشهيد [[عبد الفتاح إسماعيل]] ، كان يخرجها في حلقات القران ونحن نتدارس ويدون بها بعض ملاحظاته ، فعرفت أنه اعتقل وبعض [[الإخوان]] إذ كان عنده اجتماع بهم في ذلك الوقت ، وأحدث ذلك رعدة في نفسي خشيت أن يلاحظها بعض الشياطين ، وكان أذان العصر يخترق سمعي، وترك الشيطان رقبتي ولكن ظللت في مكاني فصليت إلى الله ،وما أن انتهيت من الصلاة حتى انكب الشيطان على في وحشية، قيل له : اذهب بها إلى 24 . .....لمتابعة قراءة الكتاب
  21. السلام عليكم يلا نبنى بلدنا يلا نخليها أحلى إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو عليه على الأقل إلي قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ووفاء ثابت لا يعدو عليه سكون ولا غدر وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه....حسن البنا................من إخوان ويكى
  22. بســم الله الـرحمــن الرحيــم السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،، من..........(إخوان ويكي) لقد كنت حاضراً في ميدان التحرير يوم 25 يناير وما أثير كان أقل بكثير مما حدث هناك لقد أطلقوا علينا الرصاص والقنابل المسيلة للدموع فضلاً عن الضرب المباشر من عناصر الأمن وليس هذا فقط ،بل لقد حاصرونا من كل مكان وطاردونا بالغاز والرصاص في جميع الشوارع بشكل مكثف جعلني أوقن أنها إبادة جماعية لأكثر من 50 ألف متظاهر. يا إخوة .. أقسم بالله لقد كدت أختنق وأسقط تحت العربات المصفحة لولا أن قواني الله لأجري وأحتمي بشارع جانبي ، ولقد شاهدت حولى الشباب يتساقطون إما بسبب الغاز أو بسبب الإصابات المباشرة بالرصاص المطاطي. لقد ظننت أنها نهايتي .. ولكن قدر الله لى فى العمر بقية لأستمر .. نعم سأستمر بإذن الله حتي تتحرر مصر من كل خائن وعميل .. يا إخوة نحن تحت الإستعمار بالفعل .. الإستعمار الوطني .. وقد جائت اللحظة التي ينتظرها كل حر وكل مصلح للإنتفاض والتحرر وإني أحمل مسئولية ما حدث لى ولإخواني يوم 25 يناير فى ميدان التحرير الساعة الواحد بعد منتصف الليل ليس فقط للنظام وجلاديه بل لكل سلبي عاش حياته فى ذلك اليوم آمناً مطمئناً فى بيته ،لأنه لو كان العدد أكثر من ذلك لما استطاعوا أن يفعلوا ذلك... ولكن الفرصة لا تزال مستمرة وإني أوقن أن نصر الله قد اقترب. تسلسل الأحداث كما عايشتها من تصويري: المظاهرة أثناء سيرها من جامعة الدول إلى التحرير قدمت من محافظة القليوبية مع أربعة شباب من أصدقائي إلى شارع جامعة الدول العربية حيث مكان تجمع إحدى المظاهرات كانت الساعة الواحدة والنصف ظهراً وكان مقرر أن تكون المظاهرة فى تمام الثانية ظهراً لذلك قمنا بالإنتظار في شارع جانبي حتى الثانية ظهراً ولفت إنتباهنا تواجد مكثف لعناصر الأمن وما أن جائت الساعة الثانية ظهراً حتى ظهرت المظاهرات من كل مكان فإنضممنا إليها وتوجهت المظاهرات صوب ميدان التحرير. إستغرقت المظاهرة ساعة تقريباً حتي إستقرت في ميدان التحرير ، كان الأمن طوال الطريق مسالم للغاية ولم يتعرض لأحد منا سوى بعض المحاولات لتشتين المظاهرة وفصل أجزاء منها لكنها لم تنجح . لفت إنتباهنا تعاطف عدد كبير من عساكر الأمن المركزي معنا حيث كانوا يشيرون إلينا بعلامة النصر من داخل عربات الأمن المركزي. من تصويري: المظاهرة أثناء سيرها من جامعة الدول إلى التحرير فور وصولنا إلى ميدان التحرير شرعنا فى صلاة العصر في الشارع وكنت قد صليت أنا وأصدقائي الظهر والعصر مسبقاً جمع تقديم في محطة المترو لذلك شاهدت جيداً التالي: أثناء إنشغال جزء كبير من المظاهرة فى الصلاة توجهت نحونا عربة مطافي مصفحة ترش الماء علي الناس بغرض تشتيتهم ولقد كادت العربة أن تسحق أمامها عدد كبير من الشباب لولا ستر الله عز وجل ، صعد فوق العربة عدد من الشباب يحاولون سد نافورة المياة ونجحوا بالفعل غير أن سقطوا من فوق العربة بسبب دفع عناصر الامن لهم فكانت هذه أول إصابات ، وصورت بنفسي إصابة أخري لإحدى الأخوات في رأسها. كانت هذ الشرارة الأول تحول بعدها هدوء الأمن إلى الوجه الأخر وتوالت الأحداث كالتالي: * حاولنا التوجه نحو مجلس الشعب حيث أنه قريب جداً من ميدان التحرير وعند تحركنا فوجئنا بتعدي الامن علينا بالضرب المباشر بالعصى أولاً ثم بعد ذلك الضرب بالقنابل المسيلة للدموع حتى كدت ان أختنق أكثر من مرة بسبب كثافة الغاز المفرطة ورغم ذلك لم نقابلهم بالعنف بل هتفنا "سلمية سلمية" حتى نعلمهم اننا ما جئنا إلا في مظاهرة سلمية نطالب بحقنا الذى يقره القانون فلم يلقوا بالااً بذلك واستمروا فى الضرب وإطلاق القنابل. * بعد قلبل إنضم إلينا المزيد من الشباب وإستطعنا السيطرة على ميدان التحرير بالكامل وانحصر الأمن في الشوارع الجانبية للميدان لكنه استمر فى إطلاق القنابل المسيلة للدموع من حدب وصوب لكننا صمدنا أمام القنابل بحمد الله وتوفيقه. * استمر الوضع على هذه الحالة ما بين الساعة الثالثة و السادسة مساءاً انحصر فيها الأمن فى شارع مجلس الشعب وكانوا يهاجموننا على قترات بجري الجنود نحونا بالعصى وكذلك القنابل المسيلة للدموع فكنا نمتص هجومهم ثم بعد ذلك نجري ورائهم صائحين " الله أكبر" فكانوا يفرون أمامنا . حديث صحفي مع قناة أجنبية في ظل تلك الاحداث استوقفني أحد الصحفيين لتابعين لقناة أجنبية على حد تعبيره ليأخذ مني تصريح صحفي فسألني عن الإسم والسن والعمل ثم سألني ماذا تريدون ؟ فأجبته نريد إسقاط النظام فلقد شبعنا من الوعود والأوهام التى لا تتحق ولم أكمل كلامي حت أطلقت نحونا عدة قنابل مسيلة للدموع فتفرقنا ولم نكمل الحوار. موقف حضاري حدثت عدة مواقف أرد بها على كل من إدعى ن مظاهرتنا كانت لإحداث فوضي وتعدي على الأمن أذكر منها: ذكرت أن الأمن كان يهجم من حين لأخر ويجري نحونا ثم يرتد أمام زحفنا نحوه وفى أحد الهجمات تعرقل أحد أفراد الأمن ووقع في يد المتظاهرين فأراد أحدهم أن يضربه ولكن جميع الحاضرين منعوه من ذلك وصاح الجميع "سيبوه سيبوه" "سلمية سلمية" فتركه الشباب . كما أنه أفراد الامن كانوا يمرون بيننا للذهاب لإحضار الطعام حيث أننا كنا محتلين الميدان كما ذكرت فلم يتعرض لهم أحد بالمرة بل كان الشباب يمازحوهم ومن أحد المواقف المضحكة في ذلك: " أن أحد أفراد الأمن كان ماراً من بيننا فسأله أحد الشباب مازحنا انت معانا وإلا معاهم فقال: معاكم لحد ما أعدى من هنا " موقف مؤثر أثناء إجراء حديث صحفي مع أحد المتظاهرين وكان رجل كبير السن إنهار الرجل مشتكياً ظروفه الإجتماعية قائلأ : "أن ضابط حيش على المعاش مرتبى لا يكفي كل شوية بستلف من الناس بقيت مديون لطوب الأرض ولما سمعت عن المظاهرة دي فرحت وخرجت لأول مرة ومش عايزها تفشل مش عايز أرجع أستلف تاني مش عايز أرجع أستلف تاي" ثم سقط الرجل على الأرض مغشياً عليه واندفعنا نحوه نسعفه حتى أفاق وردد نفس الكلمات فشعرنا بالأسى وإذددنا إصراراً علي الإستمرار قائلين له: " لا تقلق لن نمشي من هنا حتي نحقق لك ولنا كل مطالبنا ". وهذه صورة للرجل إلتقطها بموبايلي: الرجل في المنتصف صلاة المغرب تحت القصف المتظاهرون يصلون المغرب في ميدان التحرير أذن المغرب حوالى الساعة الخامسة والنصف فتوقف الكثر منا وصلينا المغرب فى الساحة أمام شارع مجلس الشعب حيث يتمركز الأمن وأثناء صلاتنا هجم أفراد الأمن هجمة أخرى فنصحنا بعض الشباب أن نسلم ونترك الصلاة لكننا أبينا إلا ان نكمل وقلنا في أنفسنا فليقتلونا ونحن نصلي. ما بعد السادسة مساءاً عم الهدوء النسبي بعد الساعة السادسة مساءاً هدئت الأمور نسبيا ما بين الساعة السادسة مساءاً وحتى منتصف الليل وأكتفى الأمن فى التمركز فى مقدمة الشوارع الجانبية وأثناء تلك الفترة حدث التالي: * تناولنا بعض الطعام المتمثل فى بعض المخبوزات التى كان يبيعها شابين لا أعلم كيف وصلوا إلينا .. لعلها عناية السماء. * صلينا العشاء في الميدان مع الدعاء فى الركعة الأخيرة أن ينصرنا الله ويثبتنا. * توالى إنضمام الشباب إلينا عبر كوبري قصر النيل حيث كان تمركز الأمن به ضعيف فأستطاعت بعض المظاهرات الأخري الإنضمام إلينا حتى وصل عددنا ما بين 30- 50 ألف .. لا أستطيع ان أحدد بالضبط. وصل إلينا الأستاذ إراهيم عيسي رئيس تحرير جريدة الدستور وتحدث حديثا ملخصة أن لنا مطلب واحد فقط وهو إسقاط النظام وأن هذا لن يتحقق إلا بثبات الشباب. * بعد قليل وصل الدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد وتحدث حديثاً أيضا لكني لم أحضره كما كانت زوجته متواجده معنا . * وصلت إلينا تحذيرات أن الأمن يخطط لعملية هجوم بعد منتصف الليل. مذبحة في ميدان التحرير عند إقتراب الساعة من الواحدة بعد منتصف الليل لاحظنا تحركات فى عناصر الأمن وحشد لعربات مصفحة من كل مكان وفجأة انطلقت صفرات الإنظار وكأنها إشارة بالهجوم . كنت فى مقدمة المظاهرة اما مجمع التحرير بالضبط حيث كانت بداية التحك من الشارع الجاور للمجمع فبدأت العربات المصفحة يفتح سقفها ويخرج منها أفراد يطلقون القنابل المسيلة للدموع فى مؤخرة المظاهرة فأنتبهت لذلك وأخذت أصيح توجهوا لمقدمة المظاهرة لأنه لن يضربون في أنفسهم وقام بعض الشباب فى المقدمة بالتصدي للعربات وحاول أحدهم الصعود على إحداها لكن تم إسقاطه من جانب الأمن. ثم توالى قذف القنابل من كل حدب وصوب وأخذ الجنود المشاة أيضاً يضربون القنابل بل وشاهدت بنفسى أحد الجنود فى عربة مصفحة أطلق النار مباشرة على جموع الشباب وتالى بعدها إطلاق القنابل والرصاص علينا قتمسكت وبعض الشباب (حوالي مائتين شاب ) بوجودنا فى المقدمة لأن مؤخرة المظاهرة الغاز بها كثيف ولمحاولة لصد العربات والقوات المتقدمة لكني عندما نظرت للخلف وجدت الجميع قد هرب من الإختناق بسبب الغاز الكثيف ولم نجد انا وبعض الشباب الذين بقوا سوى قوات الأمن أمامنا تتقدم نحونا قمت بالجري بعيدا ولكن لا أعلم أين أذهب فقوات الأمن في كل مكان وتضرب من كل الإتجاهات والغاز يتسرب إلى صدرى وعيني أصبحت غير قادر على الرؤية وأصبت بالإختناق عندها أدركت أنها النهاية وهمت أن أسقط ولكن أعانني الله أن أستمر بالجري وأنا أقتح عيني فقط لأعلم هل الطريق أمامي فاضى أم لا ثم أكمل الجري وأنا مغمض عيناي حتى أحتميت بشارع جانبي لأتنفس هواء نقي غير مسمم بالغز. شاهدت الكثير من الشباب يتساقط أمامي إما بسبب الإختناق من الغاز الكثيف أو بسبب الإصابات المباشرة بالرصاص المطاطي عندها أدركت أنها ليست مجرد حركة لتشتيت الناس بل إنها محاولة إبادة جماعية بكل معني الكلمة. من المسئول المسئول المباشر عن ما حدث هو النظام بالكامل بداية من رئيس الجهورية المزعوم مرورا بوزير الداخلية وصولا إلى جميع الظباط وأفراد الأمن الذين نفذوا المذبحة. ولكن توجد مسئولية غير مباشرة أحملها لجميع السلبيين في مصر الذين فضوا المكوث في بيوتهم راضيين بالذل والقهر رغم إتاحة الفرصة لهم ليتحرروا من قيودهم ، حيث أنه لو كان العدد أكثر من ذلك لما استطاع النظام وجلاديه أن يقدموا على مثل هذا التصرف الذى أقل ما يوصف أنه دموي. الثورة مستمرة وإني لأحمد الله الذي قدر لي الحياة بعد هذه المذبحة لكي أستمر حتى تتحرر مصرنا الحبية بل وكل بلادنا العربية والإسلامية من الظلم والقهر والطغيان . فآن الأوان يا إخوتي أن ننهض وننتفض من أجل ديننا وحريتنا وكرامتنا فالفرصة مازات مستمرة وغن غداً لناظره قريب "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون" صدق الله العظيم.........للمزيدمن الصور والتوضيح ويكيبيديا الإخوان المسلمين
  23. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مفهوم الإسلام........من إخوان ويكي مفهوم كلمة الإسلام بمعناه الشامل يعنى:الاستسلام والانقياد للخالق جل وعلا، فهو بهذا اسم للدين الذى جاء به جميع الأنبياء والمرسلين. فنوح عليه السلام قال لقومه:{وأمرت أن أكون من المسلمين}يونس:72. ويعقوب يوصى أولاده {يابنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون. أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله أبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون}البقرة:132،133. وموسى يقول لقومه {ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}يونس:84. أما المعنى الخاص لكلمة الإسلام فهو يعنى: تلك الشريعة التى جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين إلى العالمين ، والتى لا تقتصر على جنس أو قوم ولكن إلى الناس كافة، وهى بهذا شريعة عالمية كاملة. للمزيدمفهوم الإسلام
  24. الكتاب فعلا قيم جدا والشيخ سيد قطب ألفة من منطلق أدبي وليس كعالم فى التفاسير أو فقية ولا ننسى أبدا لسيد قطب جهوده الدعوية وكتاباتة التى خاف منها الحكومات والغرب وأطرح سؤال معه إجابتةه ليحدث كلا منا نفسه... لماذا أعدم سيد قطب وإخوانه؟ للإجابة ......لماذا أعدم سيد قطب وإخوانه
  25. موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمون عبده مصطفى دسوقي لقد شهدت دولة تونس الشقيقة خلال الشهر الماضي انتفاضة قادها الشعب التونسي الأبي الذي رفض كثرة الطغيان وتربع الفساد على صدره منذ ما يقرب من 24 عاما، فجاءت انتفاضة مصحوبة باهتمام الشارع العربي كلها والذي ناصر هذه الانتفاضة سواء بالقول أو بتسيير المظاهرات أو بالقلب المناصر لتونس. وذلك لما يعيش فيه كثير من دول العالم العربي لنفس الظروف التي عاش فيها الشعب التونسي من ظلم واستبداد وقهر وفقر. لقد تحركت إرادة الأمة فعبرت عما بداخلها من قهر، وكان المشهد البارز هو عدم صمود هذا الطغيان بكل جبروته أمام انتفاضة هذا الشعب المقهور، فقد كان زين العابدين بن علي يظن أن جيوشه ونظامه سيدفع عنه كل محاولة انقلابيه لكن الواضح أن الجيش انحاز لانتفاضة الشعب المقهور وليس بطبيعته على حماية النظام وترك بن على يواجه مصيره كأي طاغية. وينتظر الجيش ما يقرره الشعب فكان من الذكاء أن لا يعادي الشعب في هذه الفترة وإلا تحولت تونس إلى حرب أهلية. لكن طاغية تونس الذى أزاحته انتفاضة شعب وتحرر أمة ما هي إلا درس لباقي الشعوب العربية خاصة التي يقبع على صدرها نظام فاسد مستبد. درس عملي يقول لها إن الفساد والاستبداد لا يستطيع أن يصمد بجيوشه وأمن مركزه أمام مثل هذه الانتفاضة الشعبية التي لا يستطيع أحد أن يوقف هذا الطوفان إذا تحرك. لقد ارتعدت فرائص كل مستبد وسكت فلم يبح بكلمة أو تصريح خشية أن يصيبه وأهله ما أصاب طاغية تونس، لكن الجميع ينتظر مثل هذه الانتفاضة... ولن يتحرر شعب إلا بالانتفاضة على حاكمه المستبد والتضحيات مهما بلغت. نحن جميعا نحي هذه الانتفاضة الأبية التي حركها بائع جائل ظلم في لقمة عيشه ونتمنى أن تتحرك شعوب ظلمت بأجمعها لتنفض عنها غبار هذا الظلم. .............للمزيد عن أخبار نونس تونس انتفاضة شعب ...وتحرر أمة
×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..