دندون و التكسي ..!!

[mahmoudfotoh 2]

في زحمة السير في عز الحر في وقت الظهر

وقف دندون بسيارته في طابور طويل بإشارة المرور و قد ارتفعت أصوات منبهات السيارات و ضجيج الشاحنات

ثم انخفضت ألأصوات تدريجياً و ساد سكون و استرخى دندون

 

فجأة .. صرخ أحدهم في إذني دندون

تكسيييييييييي ... فاضي يا أسطة ؟!

 

تلفت دندون حوله فزعاً

فلم يجد أحد !!

 

عاد الصوت

أنت يا تكس !!

 

دندون: الله يقطع سوالفك هذا إنت ياللاواعي ... والله زماااان عنك و عن سوالفك ..وين الناس؟

 

لاواعي دندون: انا معك علي طول .. بس انت اللي مو معطيني وجه .. مشغول عن نفسك علي طول .. حتي قبل النوم ماني ملحق عليك طول الوقت مشغل نفسك في التفكير في كل شي و كل أحد الا نفسك .. ولا تقدر تسترخي ..فأضطر أسفاً كل يوم أن أفصل عنك التيار و أخليك تتخمد تنام نومة اشبة بالإغمائة .. حتي ترتاح شوي..

 

دندون: إيه والله مشاغلي كثيرة شوي هاليومين.. بس وش حكاية التكسي اللي طالع بها اليوم .. بالله قد شفت سيارة مثل سيارتي تشتغل تاكسي بهالبلد؟

 

لاواعي دندون: ما هي مشكلة لو سيارتك كانت تكسي .. المشكلة ان انت التكسي !!

 

دندون: قصدك عشان وجهي أصفر و مخطوف شوي ..ههههه.. الله يقطع سوالفك جد عليك تعليقات حلوة .. هذا من زود الشغل والله.. أشتغل شغلات بالدوام و برى الدوام تكفي أربعة أشخاص .. يعني تكسي أربعة راكب ؟

 

لاواعي دندون: تخب عليك هالكشخة .. أنت تكسي بس بس لساك بأول المشوار ..أحمد ربك انك لسا ما صر تكسي أربعة راكب !!

 

دندون: يعني لساني صغيرون .. تكسي بمقعدين ..

 

لا واعي دندون:ماهو مهم الشكل .. ولا عدد الركاب .. أهم شي المبدأ يا صاحب المنطق؟ المشكلة أنه تكسي مجااااني .. و لو كان براكب واحد؟

 

دندون: العادة انت تمزح و انا أتكلم جد .. بس المرة ذي انقلبت المواقع .. بجد .. وش يعني تكسي براكب واحد؟؟ و مجااااني؟؟

 

لاواعي دندون: التكس يوصل كل الناس .. لغاياتهم و هو الوحيد بينهم اللي يبدأ يومه كل يوم و لا له وجهة معينة ..و يضل داااااير طول يومه و يرجع أخر النهار من حيث بدأ و كل يوم علي هالحال.. الفرق بينك و بين صاحب التكسي الحقيقي انه خرج من بيته حتي يوصل الناس و يحصل علي المال .. و يرجع و معه مبتغاه لكن انت وش حصلت ؟؟

 

دندون: ما فهمت .. فهمني وش بتقول ..؟؟؟

 

لاواعي دندون: أحسنت انك تبي تسمع .. منت ملاحظ ان من فترة صاير مثل التكسي المجاني .. الكل يستخدمك حتي من تحب أحياناً و بحسن نية .. أو بلأصح يصعد علي أكتافك .. حتي يوصل للمكان اللي يبيه بدون مقابل .. ونت .. و تلف مع الجميع و مالك وجهة ولا انت عارف وين رايح ..و لا أنت متجة الي أهداف حياتك ولا لك وجهة تصر عليها .. عشان كذا عمرك ما حتوصل لأي مكان أنت تبيه ..

 

دندون: قصدك اني ضايع ..

 

لاواعي دندون: أعرف ان كلامي قاسي و جارح .. لكنه خارج من نفسك .. في لحظة صدق .. و كونك تحاسب نفسك و لو بقسوة أفضل بكثير و أكرم لك من أنك تعيش هالواقع المرير أو تسمع هالكلام من غيري .. بعدين انت عارف هو كذا دايم حساب النفس .. لازم يكون فيه شجاعة و صراحة و وضوح ومصداقية .. و أنك تسمي الأمور بمسمياتها و تصور الأمور بشكلها الحقيقي .. غير اننا متفقين من أول ان مافيه كرامه بيني وبينك في أنك تقومني و تعدل عاداتي أو أني أذكرك حتي ترجع عن أخطائك .. بالعكس حسابك لنفسك بصراحة في وقفة مثل هذي.. هو قمة الفضيلة ..ولا لك راي ثاني؟

دندون: لو هو غيرك ياللاواعي كان ما عديتها له .. بس أنت أفحمتني بكلامك .. ولاني قادر أزعل منك لأنك منت راضي تزعلني و قدرت تقنعني .. صحيح انا ماني مركز علي أهدافي .. و هذي غلطتي .. لكني أحب الخير للناس و لا يمكن أبداً أترك مساعدة أي انسان و أني أوصل أي انسان لغايته بالمجااااااان و لوجه الله .. فهذا خلق كل مسلم ....و أنا لايمكن أعيش اناني و لنفسي بس و ما افكر الا في أهدافي !!

 

لاواعي دندون: ذبحتني بهالمنطق حقك .. ما قصدت الثمن كمردود مادي فقط.. اقصد بالمجان يعني بدون نفع لك لأهدافك سواء أهداف حياتك أو ما بعد مماتك..

أما أي خدمة تأديها لأحد لوجه الله فهذي جزاءها كبييييييييييييييييييييير جداً و أجرها أفضل من أي أجرة.

انت لو سامع كلامي و حاط كل تركيزك بحياتك تجاه أهدافك من أول .. كان عرفت ان عمل الخير و مساعدة الناس و قضاء حوائجهم أو نشر علم أو .. أو.. الخ من أهم و أقصر الطرق الي رضاء الله سبحانه و هو الهدف الأسمى لك بحياتك ..

أما الأمور اللي تخليك تكسي مجاني هي انك تُستغل و تعمل لغيرك و أنت منت قادر تسيطر علي حياتك و تصيرها في اتجاه أهدافك و تقولهم "لا"..

منت قادر تقول "لا" لإهدار الوقت و الجهد و تشتيت التركيز فيما لاينفع ..

منت قادر تقول "لا" لإهدار المال و الصحة ...

و الأخطر من ذلك كله إنك منت قادر تقول "لا يا نفسي " ..

فتصبحت إمعة مع هؤلاء أو مطية للأهواء تسير كيفما إتفق علي غير هدي الي حيث ينتهى بك الأمر ..

و تنسى أنك مسؤول عن مستقبل حياتك و تحقيق أهدافك و كل أفعالك!

هل تذكر متى أخر مرة راجعت فيها أهدافك و قيمت فيها أدائك ..

 

دندون: أيه والله أنك صادق انا نسيت نفسي مع الناس .. و بعدت كثير عن أهدافي .. طيب وش الحل .. يا حكيم الزمان؟؟

 

لاواعي دندون: تغييير بسييييييط .. طالما اتفقنا انك تكسي .. فأقترح إنك تغير نوع تكسيك الي أقدم و أأصل و أفضل تكسي عرفته البشرية ..و هو خيل السبوق !!

 

دندون: أصير خيل بدل ما أكون تكس ؟؟ كلها تحمل الناس و تستخدم لنفس الغرض فيستخدمونها الناس لبلوغ غاياتهم ؟؟ ما ني شايف فرق كبير .. وش الفرق؟؟

 

لاواعي دندون: الفرق كبير .. مثل الفرق بين من يقدم تضحية و من يصبح ضحية ..

فالإثنان ظاهراً قد يدفعا نفس الثمن أو يفعلا نفس الفعل .. و لكن مع فارق كبير..

أن الأول يوصف بالشهم الأصيل و الفارس النبيل صاحب الأهداف السامية و المبادئ الراسخة و الهمة العالية.. و الأخر هو البليد الساذج الذي يستحق ما حل به من استغلال لغبائة فقانون الحياة لايحمي المغفلين ..

الفرق بينهما كالفرق بين الفارس المقدام الذي يقود حياته بحزم من المقدمة .. و من يقف في حياته علي بغلة في الساقة و يسير فيها خلف الركب يذهبون به أينما ذهبوا ..

هو الفرق بين من يحمل علي صدره نياشين العز و النجاح و يحيا مع السعداء ..و من يحمل علي ظهره أثقال العجز و الفشل مع جهد البلاء ..

هذا هو الفرق بين من يعيش حياته كجواد أصيل لا يشق له غبار .. و من يعيش كحال صاحبنا حامل الأسفار ..!!

فهمت ؟؟؟

 

دندون: إيه والله فهمت .. التغيير بسيط و لكن الفارق كبير .. فقط تغيير بسيط في أولويات الحياة في اتجاه الأهداف هو ما يصنع الفارق ..

 

طاااااااااااااااااااااااط

انتبه دندون علي صوت منبه سيارة و استفاق من أحلامه بإحساس جميل من الإرتياح و السعادة و الاعتزاز بالنفس لم يمر به منذ زمن ...

كان دندون غافياً يقف بسيارته بعيداً عن إشارة المرور و قد اختفت كل السيارات من أمامه و ما زال يحتجز من ورائه عدد من السيارات

 

م ن ق و ل

[رجل من الصحراء 36]

جزيت خيرا

[الرّام 173]

بارك الله فيك اخي الكريم

 

 

ربي يعينك عالخير ان شاء الله