اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
خلادالحوتي

تغيير القبلة ---دروس وعبر

Recommended Posts

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:

 

أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل على أجداده، أو قال: أخواله من الأنصار، وأنه صلَّى قِبَل بيت المقدس ستةَ عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلوا معه، فمرَّ على أهل المسجد وهم راكعون فقال:

 

أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل الكعبة، فداروا كما هم قِبَل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم، إذ كان يصلى قِبَل بيت المقدس، فلما ولى وجهه قِبَل البيت أنكروا ذلك، فنزلت:

 

﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ (البقرة: من الآية 144)، فقال السفهاء- وهم اليهود- ﴿مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهُمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ (البقرة: من الآية 142).

 

 

ولقد لفت نظري في تحويل القبلة عدة أمور سوف أشير إلى بعض منها بالتفصيل:

 

الأمر الأول: أن اليهود استكبروا لمّا وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين يستقبلون قبلتهم، ولم يقفوا عند حد الاستكبار، بل إنهم أطلقوا في المدينة ألسنتهم بالقول، بأن دينهم هو الدين الحق، وأن قبلتهم هي القبلة الصحيحة، ولولا أن الأمر كذلك ما توجَّه محمد صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم، والأولى بمحمد ومن معه أن يعتنق دينهم لا أن يدعوهم إلى الإسلام.

 

 

 

وفي الوقت نفسه كان الأمر شاقًّا على المسلمين أن يتركوا قبلتهم التي هي مجدهم ومجد آبائهم من قبل، وأن يتوجهوا إلى بيت المقدس، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يرجو من ربه أن يحقق له هذه الأمنية الغالية.

 

 

 

 

 

ولقد استجاب الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ﴾ (البقرة: من الآية 144).

 

 

الأمر الثاني: أن الله تعالى وصف اليهود بأنهم سفهاء، أي إنهم ليسوا عقلاء؛ لأنهم لو كانوا عقلاء لاتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وهم متأكدون من كونه نبيًّا ورسولاً؛ لكنهم بمجرد أن تحول الرسول عن قبلتهم إلا وقد انطلقت أبواقهم تشكِّك المسلمين في دينهم ورسولهم وهذا هو دأبهم، فهم أهل الفتن، وهم الذين يثيرون القلاقل في كل مكان، وما من مشكلة في العالم كله إلا والسبب فيها هم اليهود، فهم من أجل تكوين الحكومة اليهودية يرون ضرورة تمزيق الأوطان، والقضاء على القوميات والأديان، وإفساد نظام الحكم في كل الأقطار بإغراء الملوك وسائر الحكام باضطهاد الشعوب، وإغراء الشعوب بالتمرد على سلطة الحكام ونصوص القانون.. إلخ، كما أني أقرر أيضًا بناءً على ذلك بأن كل من يشكِّك المسلمين في شريعتهم وعقيدتهم وأخلاقهم ومبادئهم؛ لهو سفيه لا عقل له، وعدو لله عزَّ وجلَّ كما أن اليهود أعداء الله تعالى.

 

 

وإذا كان اليهود قد أثاروا الفتنة بين المسلمين وشككوهم في قدوتهم عليه الصلاة والسلام يوم أن تحولت القبلة، فهم ما زالوا يشكِّكون المسلمين إلى اليوم حتى اقتنع بهم بعض السفهاء من المسلمين، فصاروا يرددون ما يراه اليهود وأذنابهم من أن شريعة الله لا تصلح للتطبيق، وأن الإسلام رجعي، وأنه سبب لتخلف المسلمين، وقد عبَّر عن ذلك بعض الشعراء فقال على لسان أذناب اليهود السفهاء:

 

 

وهكذا يكون السفهاء في كل عصر من العصور، وفي كل مكان من الأمكنة لا يكفون عن سفهاتهم فإلى الله المشتكى.

 

 

الأمر الثالث: أن الله تعالى أراد لهذه الأمة المحمدية أن تكون لها شخصية مستقلة لا تتبع شرقًا ولا غربًا إلا بتوجيهات مالكها وخالقها؛ حيث إن الجهات كلها ملك لله رب العالمين ﴿قُل لِّلَّهِ المَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (البقرة: من الآية 142).

 

 

ولقد أبرز الله تعالى شخصية هذه الأمة، وميَّزها عن سائر الأمم بما يتناسب مع مكانتها ومكانة رسولها الأمين محمد صلى الله عليه وسلم, وكان تميزها وإعلان هويتها بالأمور التالية:

 

1- أنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعًا، فتقيم بينهم العدل والقسط وتضع لهم الموازين والقيم وتبدي فيهم رأيها فيكون رأيهم هو الرأي المعتمد، وتزن قيمهم وتصوراتهم، وتقاليدهم وشعاراتهم، فتفصل بينهم، وتقول: هذا حق وهذا باطل. وأنها الأمة الوسط بكل معاني الوسط، سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل، أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد، أو من الوسط بمعناه.

 

 

2- وأنها الأمة الوسط في التصور والاعتقاد، والتفكير والشعور، والتنظيم والتنسيق، والارتباطات والعلاقات والزمان والمكان.

 

 

وأن أمة تلك وظيفتها، وذلك دورها، خليقة بأن تحتمل التبعة، وتبذل التضحية؛ فللقيادة تكاليفها، وللقوامة تبعاتها، ولابد أن تفتن قبل ذلك وتبتلى، ليتأكد خلوصها لله وتجردها، واستعدادها للطاعة المطلقة للقيادة الراشدة بين الأمم، وإليه تشكو الأمة ظلم حكامها وطواغيتها فإلى الله المشتكى، وعليه فليتوكل المتوكلون.

 

 

أما أهداف هذه الأمة فلقد لخصها ربعي بن عامر؛ حين وقف بين يدي رستم قائد الفرس قائلاً:

لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نقضي إلى موعود الله.

 

 

هذا هو هدف الأمة النبيل؛ إخراج الناس من عبادة العباد ليكونوا عبيدًا لله وحده، وليخضعوا لحكم الله تعالى وشرعه، وليكون ولاؤهم لله ورسوله والمؤمنين الذين يوالون الله ورسوله.

 

 

3- أنها أمة لا تتأسى إلا بقائد واحد؛ وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو قائد هذه الأمة وزعيمها وقدوتها وأسوتها، فإذا تأست الأمة بغيره ضلت وخابت وخسرت، وكيف تتأسى الأمة بغيره وقد أمرها الله بالتأسي به فقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ (الأحزاب).

 

 

4- أنها أمة ذات منهاج رباني وهو القرآن الكريم، الدستور الخالد، والهدي القويم، والصراط المستقيم، فلا ينبغي للأمة أن ترضى بغيره بديلاً، ولا ينبغي للأمة أن تتمرد على عزها وشرفها ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)﴾ (الزخرف).

 

إن القرآن الكريم منهاج هذه الأمة وقانونها ودستورها، فمن كان له اعتراض على ذلك؛ فليبحث له عن راية غير راية الإسلام (فماذا بعد الحق إلا الضلال)؟

 

 

5- أنها أمةٌ تعرف كيف تحمي دينها ومنهاجها، وتعرف كيف تحمي أرضها وعِرضَها، وتعرف كيف تردع عدوها إذا اعتدى عليها، أو حاول؟! وهي أمة تعرف كيف توفر لنفسها العزة والسيادة؟ وذلك من خلال ما فرضه عليها دينها من الجهاد في سبيل الله تعالى، فالجهاد سبيل هذه الأمة لتحقيق ما تصبو إليه.

 

 

6- أنها أمة أسمى أمانيها أن يمن الله عليها بالشهادة في سبيله؛ فهي أمة تعرف فن صناعة الموت في سبيل تحقيق غايتها وأهدافها، فالموت لا يرعبها والسجن لا يثنيها ما دام كل ذلك في سبيل الله تعالى.

 

 

ولا أدل على ذلك من فعل عمرو بن الجموح رضي الله عنه؛ حين ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يتوسل إليه أن يأذن له في الخروج إلى الجهاد في غزوة أحد، وقال: (يا رسول الله إن بَني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك إلى الجهاد، والله إني لأرجو أن أخطو بعرجتي هذه في الجنة)، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق يخطو في حبور وغبطة، داعيًا ربه بصوت ضارع: (اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك ولا تردني إلى أهلي).

 

 

وبذلك تتميز شخصية هذه الأمة، وتبرز معالمها، وتتضح أهدافها ومبادئها، وتسمو على كل العالم بما حباها الله به من وسطية ومنهج وقيادة.

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..