جامعات الجنوب.. وجامعات الشمال!

[ali desoky 391]

جامعات الجنوب.. وجامعات الشمال!

 

 

مثل التقسيم الذي يسود العالم ما بين الشمال الغني المتقدم والجنوب الفقير النامي أو المتخلف فإن التعليم الجامعي في بلادنا يشهد حاليا جامعات حكومية لأهل الجنوب تتيح الفرصة لأكبر عدد من الطلاب لأن يحملوا الشهادة الجامعية وأن يكافحوا بعدها وحدهم للحصول علي وظيفة تمثل الحق في الحياة وجامعات لأهل الشمال تضم الجامعات الأجنبية والخاصة والتي تضم أعدادا أقل لكنهم يتمتعون بكل الحقوق والامتيازات ويملكون مفاتيح للأبواب الملكية للوظائف والتمتع بالحياة!

ومن يقم بجولة في الجامعات المصرية الحكومية والجامعات الأجنبية الخاصة سوف يكتشف علي الفور الفارق الكبير بين عالمين وسوف يري ترجمة عملية واقعية للفجوةپالكبيرة المتزايدة ما بين الأغنياء والفقراء وسوف يقرأ علي الفور قصة مصر الحديثة وحيث يوجد فيها من ينتمون إلي القرن الحادي والعشرين ومن مازالوا في ظلال القرون الوسطي ينتظرون أن يمر عليهم أي قطار ينقلهم إلي العالم الجديد!

وفي جامعات الشمال الغني حيث الجامعات الأجنبية والخاصة فإن الطلاب يذهبون بسياراتهم الخاصة الحديثة وذات القيمة المرتفعة ومن لا يذهب بسيارته تنقله اتوبيسات هذه الجامعات وهي أتوبيسات خاصة مكيفة تأخذه من باب الجامعة إلي باب المنزل وحيث لا عناء في الذهاب ولا متاعب في العودة!

وفي جامعات الجنوب الفقير فحدث ولا حرج عن الذين يقطعون البراري والقفار ويأتون من كافة محافظات الجمهورية متنقلين بكافة أنواع المواصلات بدءا من التوك توك عبورا بالميكروباصات وصولا إلي القطارات حتي يصلوا إلي قاعات التعليم سالمين ان وصلوا!

وفي جامعات الشمال الغني فإن السكن الجامعي للطلاب يكون في مدن الخمس نجوم وفي عمارات فخمة في الرحاب والتجمع الخامس وأكتوبر والشروق ولهم مطاعم خاصة فاخرة تقدم الوجبات الساخنة وكل طالب أو طالبة له غرفته الخاصة وفي بعض الأحيان يكون في الغرفة طالبان فقط وهناك حمام لكل طالب أو حمامان بالشقة الواحدة التي يوجد بها ثلاث حجرات وهناك توصيل للطلبات من كل مطاعم الوجبات السريعة تلبية لأوامر الباشوات الصغار!

وفي جامعات الجنوب الفقير فإن من يجد مكانا في السكن الطلابي الجامعي يعتبر من المحظوظين حتي لو كان هذا المكان سريرا في غرفة بها عشرة طلاب وحدث ولا حرج بعد ذلك عن الحمامات المشتركة وعن المعاناة في دخولها وعن مستوي النظافة والخدمات وفي هذه المدن الجامعية الحكومية لا يوجد توصيل للطلبات ولا الطلبة أنفسهم لهم المقدرة علي الاتصال بمحلات البيتزا والهامبورجر وطلب توصيل الوجبات إليهم.

وفي جامعات الشمال الغني فإن التدريس يتم بالاحترام والتدليل للطلاب فهم أصحاب المحل وهم الذين يدفعون مرتبات الأساتذة المرتفعة وهم أصحاب الجاه والسلطان والمعارف والاتصالات وإذا فشل الواحد منهم في الامتحان مرة فإن الفرصة مواتية لكي يكرر المحاولة مرات ومرات وفي كل مرة عليه أن يسدد رسوما لأداء الامتحان ومادام مستمرا في الدفع فإن النجاح قادم لا محالة والحصول علي الشهادة الجامعية مسألة وقت وما أحلي الوقت في هذه الجامعات فكله حفلات ورحلات وانشطة وعزومات والحياة لونها بمبي وبمبي فاقع كمان!

وفي جامعات الجنوب فالأستاذ الجامعي ان حضر وألقي محاضرة فإن ذلك يعتبر حدثا جديرا بالتسجيل لأن معظمهم الآن يترك هذه المهمة للمعيدين والمدرسين المساعدين ولا يأتي للجامعة إلا في المناسبات لاثبات الوجود وتوزيع الكتب والمذكرات فأغلبهم أصبح مشغولا بالتدريس في الجامعات الأجنبية والخاصة وحيث لا قانون ولا قيود تمنع الأستاذ من التدريس في أكثر من جامعة!

في جامعاتنا صورة لمجتمعنا وما أخطر الصورة التي نشاهدها.. والتي تقول صراحة ان التعليم الجامعي يتجه بسرعة نحو الخصخصة وان من كان قادرا علي الدفع هو من سيجد الفرصة ومن لم يكن قادرا فسيكتفي بالمشاهدة ويكفيه أن يتواجد في الاستاد لتشجيع منتخب مصر وحتي بين جمهور المتفرجين وفي طريقة التشجيع.. هناك شمال وجنوب!