اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
فارس النجع

فــنجــن القـــهوة

Recommended Posts

جلست وهي تتأمل فنجان القهوة .. فنجان عاش معها بقهوته المتحجرة .. منذ سنين .. ولا زالت كلمات جدتها التي بلغتها بها ترن في إذنها .. وهي تقرأ لها ما بفنجانها .. : { حظك يكسر الرشاد .. نصيبك قدام الباب .. قريب يخبط .. ويطير بيك .. لحوش السعد ... } ..

 

كلمات بسيطة .. نطقت بها جدتها الحنون .. منذ سنوات مضت .. جعلتها .. تعيش حلم جميل .. وتسرق السمع والنظر .. لكل طارق علي الباب .. عاشت تبني بيت الأحلام .. وتفرشه بالأماني .. وهي تحلم بشقاوة أطفالها .. وطلبات زوجها .. وتغرس في ربوعه أزهار .. المحبة .. ورياحين .. الوفاء .. وتغاريد الهـناء .

 

حتي أنها .. أختارت لأبناءها .. أجمل الأسماء .. وخيطت في المفارش .. أحرف لأسرتها الصغيرة .. وكيف جعلت حرفها وحرف زوجها المرتقب .. في المركز .. وحولها تدور أحرف الصبيان والبنات .

 

ولم تنسي أن ترسم .. علي الورق .. شكل بيتها .. وتفاصيله من حجرات وممرات .. فقسمت المكان .. علي أسرتها الصغيرة .. هنا مكان البنات .. وهنا مكان الصبيان .. أما هي وزوجها .. فجناحهم مفصول .. ولونت الجدران .. ونوع الأثاث والوانه .. مع التركيز علي التناسق .. بين الجدران وأثاثه .. وحول البيت .. حديقة غناء .. بها العاب للأطفال .. وحوض سباحة .. ومناطق خضراء .. وزهور من جميع الأنواع .. فهي تعشق .. الزهور والخضرة .. وأكيد أن زوجها .. المنتظر .. سيكون مثلها محباً .. لجمال الطبيعة .. عاشق للمروج .. والورود .. ألم تقل لها جدتها { أن حظها يكسر الرشاد .. } .. فحظها لا بد أنه سيحضر لها .. الزوج الحنون .. والأب العطوف .. والقلب المحب .. أحلام وردية .. تعيشها وهي تطير بها أجنحة الخيال .. علي حدائق الأماني .. فتحصد .. حياتها الزوجية .. كما ترغب أن تعيشها .. بسعادة .. في جو عائلي رائع .. مفعم بالحب والهناء .

 

هكذا .. كانت تعيش .. وعلي نغمات كلمات جدتها .. تغزل أروع وأجمل .. قصص فارس أحلامها .. الذي يخطفها .. من هذه الحياة الرتيبة .. لحياة زاخرة بكل جديد .. حياة زوجية .. مفعمة بحيوية الطفولة .. وعنفوان الشباب .. فمن حلم .. إلي أخر .. اجمل وأروع .. تعيش .. وتنام .. وتستيقظ .. وهي في الأنتظار .. وتجد لفارسها الأعذار .. فهو لن يخذلها .. فنبؤة .. جدتها .. حقيقة وليست .. خيال .. هكذا ترسخت .. في أعماقها .. وأصبحت واقع .. غير قابل للشك أو الزوال .

 

مضت السنين .. تحمل معها .. عبق ذكريات الزمان .. وأصبح صدي كلمات جدتها .. يخف .. ويختفي .. ووهج نبؤتها الفرحة .. يخبو ويضمحل .. مع غزو الشيب .. لشعرها الطويل .. وخطوط التجاعيد وجدت طريقها .. لوجهها .. ووميض عيناها .. تلاشي .. وعنفوان الشباب .. أصبح من علامات الماضي البعيد .. حتي أحلامها .. غمرتها الشيخوخة .. فأصبح فارس الأحلام .. من كبار السن .. خط الشيب شعره .. وتثأقلت خطواته .. وحصانه الأبيض .. ترهل جسمه .. وفقد الكثير من رشاقته .. أما بيت الأحلام .. أصبح أقل حجماً .. وحديقته تضاءلت في حجمها .. وأشجارها تساقطت أوراقها .. وأزهارها ذبلت أكثرها .. والأطفال أصبحوا أقل عدداً .. فالعمر له حكمه وقوانينه .. فعمرها كبر .. عن تربية عدد كبير من الأطفال .. وهكذا أنكمشت الأحلام وشـاخت .

 

وبيد دبت فيها الرعشة والوهن .. أخذت تقلب الفنجان .. الذي عاش معها ومع ذكرياتها الجميلة .. ســنين طويلة .. كان يحمل لها عبق الماضي .. وأحلام المستقبل .. ومع دمعة أبت إلا أن تنزل .. أخدت يدها المرتعشة .. تجهز الفنجان لتغلفه من جديد .. في كيسه .. وليرجع لمخبأه لحين أن تحتاجه .. لتعيد أسطوانة النبؤة وأطياف أحلامها .. التي لم تتحقق .

 

وفجأة .. تجمدت اليد .. ووجم الوجه .. وهي تتفحص الفنجان .. فقد أصبح رمزاً .. لليأس والأحباط .. وعلامة وهم وخيال .. بعد أن كان عنوان أمل .. وجسر إلي حياة مفعمة بالطموحات والأمال .. وما أن وصلت بتفكيرها .. إلي هذا الحد .. حتي أمسكت بالفنجان .. بكامل كفها .. ورمت به بكل قوتها .. علي حائط حجرتها .. فأصبح هشيماً .. وتناثرت أجزاءه في كل مكان .. كما تناثرت أحلامها .. وأصبحت كأنها لم تكن .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..