اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
البرنسيسة وسام

إنسان مختلف

Recommended Posts

 

 

 

كان يريد أن يكون إنسانا مختلفا عن بقية البشر .. إذا رآه الناس أشاروا إليه وقالوا : هذا هو فلان

 

 

 

إنسان مختلف

 

ذهبت لزيارة زميلى فى الدراسة وهو يعمل مديرا عاما فى إحدى الوزارات ، وصعدت إلى مكتبه فى الدور الثالث ، وهو نفس الدور الذى يقع فيه مكتب الوزير .. وكما تعودت عند زيارته ، قصدت إلى غرفة السكرتيرة ، ولكنى لم أجدها فى مكانها ، ووجدت شخصا آخر لا أعرفه ، فقلت لنفسى لعلها مريضة أو فى أجازة أو لعله استبدل بها سكرتيرا آخر جديدا

وعندما سألته: هل فلان بيه موجود؟ نظر إلى من تحت نظارته بدون اكتراث .. وقال بصوت فيه شىء من السخرية والتهكم

- فلان بيه مكتبه مش هنا ... انتقل إلى الدور الثامن

- ولكن الوزارة حسب معلوماتى سبعة أدوار فقط

- أيوة ، الوزارة سبعة أدوار ، ولكنك نسيت السطوح

- ولكن كيف يمكن أن يجلس مدير عام على السطوح؟

- أهو ده اللى حصل يا بيه .. أصل الناس مقامات

وتجاهلت سخريته اللاذعة ، وسألته

- كيف أستطيع الوصول إلى السطوح؟

تاخد الأسانسير للدور السابع وبعدين تطلع دور على السلم لغاية مكتب سعادة البيه المدير العام

 

ولم أنتظر حتى يتمادى هذا الموظف الصغيرمن سخريته من زميلى صاحب المنصب الكبير ويضطرنى إلى الاصطدام به .. وأسرعت إلى الدور الثامن .. أقصد السطوح ، وأنا لا أصدق ما سمعته

 

وعلى السطوح سألت أحد السعاة : فين سكرتارية فلان بيه؟

الله يرحم أيام زمان .. سيادتك تقدر تدخل له على طول

قالها الرجل فى حسرة شديدة وهو يشير إلى غرفة فى أحد الأركان

 

ودخلت على زميلى ، فوجدته يجلس فى مكتبه مستغرقا فى قراءة إحدى الصحف .. لا ملفات ولا أوراق أمامه .. لا زوار ولا أصحاب حاجات .. أثاث الغرفة متواضع جدا .. حتى السجادة المفروشة فى وسطها لا تكاد تخفى شيئا من بلاطها القديم المتهالك

 

وعندما أحس بوجودى ترك مكتبه وأسرع نحوى مرحبا .. لقد مرت سنوات لم أره فيها ، انقطعت كل أخباره عنى .. كان يحلو لى بين الحين والآخر أن أمر عليه وأشرب معه القهوة وأحادثه فى شئون الوزارة .. كنت أجده دائما مشغولا .. عشرات الملفات أمامه .. الموظفون يلتفون حول مكتبه كل واحد يتسابق مع الآخر لكى يوقع منه قرارا .. أو مذكرة .. أو خطابا

 

وأدركت ما يعانيه زميلى من حالة نفسية سيئة .. فسألته عن صحته وأحواله محاولا التخفيف عنه وفتح موضوع للحديث معه .. فقال فى تأثر واضح

- نحمده .. زى ما انت شايف

 

وسكت قليلا ، ثم أخرج سيجارة من درج مكتبه ، وأشعلها ، وقال

فاكر مكتبى القديم المفتخر .. والسكرتارية .. الهلمة .. فين الأيام الحلوة دى؟ كل دا راح .. وأنا السبب

 

وهنا دق جرس التليفون ، واستأذن صديقى للرد عليه .. وأخذت أتأمله وأدقق النظر فيه .. إنه لم يتخل عن أناقته المعهودة .. الشعيرات البيضاء قد تسللت إلى رأسه .. التجاعيد قد ملأت وجهه .. وتذكرت عندما كنا معا فى كلية الحقوق .. كان شابا طموحا لا يهدأ له بال

 

دائما يتحرك .. يفكر .. يجرى هنا وهناك .. لا أقابله أبدا إلا وأجده مشغولا .. بماذا؟ لا أدرى .. المهم .. كان لابد أن يفعل شيئا .. أى شىء .. إذا أعلن مثلا عن فتح باب الترشيح فى عضوية الاتحاد ، رشح نفسه .. لا لأنه يريد أن يصبح عضوا فى الاتحاد ، ولكن لمجرد الدعاية .. والهمبكة .. إنه لم ينجح مرة واحدة فى الانتخابات ، ومع ذلك كان لا يفوته أبدا ترشيح نفسه

 

كان يحرص على التعرف على الطالبات الجميلات .. ويتعمد الوقوف معهن بين المحاضرات وعند انتهائها حتى يراه أكبر عدد من زملائه .. لمجرد إغاظتهم فقط وليس حبا فى مصادقة الفتيات أو التقرب إليهن

 

كان يشترك فى كل جمعية بالكلية .. وكل رحلة .. وكل نشاط .. لا يحضر المحاضرات إلا نادرا .. معظم الوقت يقضيه فى الجلوس على البوفيه مع شلته .. والغريب انه كان ينجح آخر السنة .. وذات مرة سألته

كيف تنجح فى الامتحان رغم تخلفك عن حضور معظم المحاضرات؟

فقال لى فى سخرية

يا أستاذ النجاح ده فن .. المحاضرات دى ولا لها فايدة

ثم قال وهو يشير بإصبعه إلى رأسه

هنا فيه مخ .. مش مهلبية

 

باختصار شديد كان زميلى يريد أن يكون إنسانا مختلفا عن بقية البشر .. إنسان يتحدث عنه الآخرون . إنسان معروف ومرموق .. إذا رآه الناس أشاروا إليه وقالوا: هذا هو فلان

 

وعندما تخرج فى كلية الحقوق عين فى إحدى الوزارات عن طريق مكتب القوى العاملة ، على الدرجة السادسة .. ولكنه لم يقتنع بالوظيفة ، كلما قابلته وجدته ساخطا .. غاضبا .. لاعنا حظه فى هذه الدنيا .. ذلك الحظ الذى وضعه فى هذه الوظيفة الميرى .. أو على حد تعبيره .. الوظيفة الفقرية .. هكذا كان تصوره

 

لم يكن هدفه فى يوم من الأيام أن يصبح عمالة زايدة .. يجلس على مكتب يشرب الشاى والقهوة ويقرأ الصحف .. ولا يفعل شيئا سوى انتظار العلاوة الدورية كل سنة أو كل عدة سنوات

 

ولم يرض زميلى الطموح بهذا الحال .. إنه لم يتعود الهدوء .. فبدأ يتحرك .. ويجرى كعادته هنا وهناك .. حتى عثر على المفتاح مفتاح باب الوصول إلى الترقية بالاختيار .. وإلى المناصب الكبيرة

استطاع زميلى فى شهور قليلة أن يتقرب من المدير العام ويكسب ثقته .. لا أدرى كيف استطاع ذلك؟ لم يكن عن كفاءة وخبرة .. فأنا أعرف زميلى جيدا .. ولكن أغلب ظنى أن الطريق الذى سلكه كان طريقا غير مشروع .. استخدم فيه النفاق ومسح الجوخ .. تنازل عن بعض المبادىء والمثل .. ولكنه على أية حال استطاع أن ينجح

 

وسرعان ما وصل إلى قلب وكيل الوزارة .. ثم أصبح بعد ذلك فى ركاب الوزير .. لقد خدعهم جميعا .. صور لهم أنه كفاءة نادرة .. فصدقوه ، وهم فى ذلك معذورون .. فإن مظهره يوحى بذلك ، ولكن جوهره كان فارغا

 

وتمت ترقيته بالاختيار إلى مدير إدارة ، متخطيا كل زملائه فى الترقية ، فأثار بذلك حقدهم ، فقدموا ضده الشكاوى للوزير وللجهات العليا .. قالوا عنه أنه غير جدير بهذه الترقية .. طعنوا فى كفاءاته وفى ذمته أيضا ووصفوه بالكذب والنفاق واللف والدوران ، وأحيل إلى التحقيق ، ولكنه استطاع - ولا أدرى كيف تم هذا - أن يخرج كالشعرة من العجين ، دون أن يمسه أى اتهام أو تثبت إدانته

وعندما انتهى زميلى من حديثه التليفونى سألته

ماذا حدث؟ .. لقد تركتك آخر مرة وأنت فى مكتبك الأنيق بالدور الثالث

فقال فى حزن ظاهر

أنت تذكر كيف استطعت أن أواجه المحققين ، وأن أثبت براءتى من كل التهم التى وجهت إلىَّ . ولكننى بعد أن انتصرت لم أهدأ .. بل بدأت أخطط حتى أتقرب أكثر إلى الوزير لأحمى نفسى مما قد يكيده الحاقدون فى المستقبل .. وسعيت لديه وقلبى ملىء بالرغبة فى الانتقام ممن شكونى من الموظفون ، لكى يعيننى مديرا عاما للشئون المالية والإدارية ، ليصبح هؤلاء الموظفون فى قبضة يدى وتحت رحمتى .. فكان لى ما أردت .. لقد توفى المدير القديم .. وخلت الدرجة .. وعينت مكانه .. إن الله سبحانه وتعالى أراد أن يضعنى فى هذا المنصب حتى تكون نهايتى .. وحتى يلقننى درسا قاسيا

وبدأت إعلان الحرب على هؤلاء الموظفون .. لفقت لهم التهم .. ووجهت إليهم الاتهامات الكاذبة .. وأحلتهم إلى التحقيق ظلما ، وأنزلت بهم أشد العقاب

ولم يسكتوا على هذا الظلم .. لجأوا إلى القضاء فأنصفهم ورد إليهم حقوقهم وألغى ما صدر ضدهم من قرارات إدارية .. بل وحكم لهم بالتعويض عما أصابهم من أضرار

وانكشف أمرى أمام الوزير وأمام وكلاء الوزارة .. فجردونى من اختصاصاتى ، وركنونى على الرف ونقلونى على السطوح ، وأصبحت بلا عمل

 

 

روى لى زميلى هذه القصة وهو يقاوم الدموع حتى لا تنحدر من عينيه .. ثم أشعل سيجارة وأخذ منها نفسا عميقا ، ثم قال وهو يتصنع ضحكة ساخرة

أنت تعرف جيدا أننى أحب أن أكون دائما إنسانا مختلفا .. وهأنذا رغم ما أصابنى من محن إنسان مختلف .. إن كل المديرين زملائى يجلسون فى الدور الثالث مع الوزير .. وأنا المدير الوحيد الذى يجلس على السطوح .. وأنا المدير الوحيد الذى لا اختصاص له

وسكت قليلا ثم أطلق ضحكة هيستيرية لا معنى لها وقال

أنا مدير عام .. عمالة زايدة

واستمر فى الضحك ، وظلت ضحكاته ترن فى أذنى حتى غادرت الدور الثامن .. أقصد السطوح

 

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..