صبحى احمد 1 قام بنشر August 5, 2010 الجنة العاجلة والجنة الآجلة أراد رجل من أهل العراق أن يحج فركب البحر مع رفقة قاموا له بالخدمة طيلة أيام سفره، ولما أوغل في الأقيانوس الهندى، عصفت الريح بالسفين فلم تبق عليها شيئًا، وضل الربان الطريق، وتجهم الزمان، واكفهر جو المكان، وتلبدت الغيوم، فارتطمت السفين، بالصخور فغرقت السفين وهلك كل من فيها إلا هذا العراقي الذي كانت له دراية في السباحة، وقدرة على مقاومة الموج بالصبر الجميل. وقذفته أمواج البحر العجاج اللجاج على شاطئ جزيرة وجد عليه أقومًا فرحين مهللين مكبرين...جاءوا معهم بالطبول والمزامير والعيش الكثير والهوادج ذوات الأثاث الوثير. وخرج الرجل من البحر عاريًا فلا رداء عليه، وجوعانًا لا يقوى على المشى، فسرعان ما ألبسوه قميصًا موشى بالذهب الإبريز وجُبَّة في أحسن تطريز، وجىء بأخزنة من الطعام عليها ما لذ وطاب، فأكل وشرب ونام، فاستيقظ والقوم بين تهليل وتكبير، وفرح ومرح ما له من نظير، حتى كان اليوم السابع لقدومه عليهم فتجمع حوله القوم وألبسوه تاجًا موشى بأغلى الجواهر الحسان، واللآلي فوق الجمان، ونادوا به ملكًا على هذه الجزيرة، الأمر الذي كان لا يحلم في سالف العصر والزمان. وفكَّر الرجل وقدَّر في ما آتاه الله من هذا الحظ الكثير والملك الكبير، فاستوزر لديه بعض الحكماء من رجالات القوم المعدود برأيهم، بعد أن مكث طويلاً في تعلم لغتهم، فلما تم له تعلم هذا اللسان، وأمكنه أن يخاطبهم بما في الجنان، جمعهم ذات يوم وسألهم عن هذا الحال الذي لاقاه، والحظ الذي وافاه، وهم يكتمون عنه أمرهم فيه، وحرصهم على أن يوافيه، ولكن لما تودد إليهم، ووجدوا أن فضله دائمًا واصل لديهم، وأنه أغرقهم بنعماه، واستطابوا العيش معه قالوا له: أيها الملك العزيز والذهب الإبريز، إننا كل عام نقود ملك هذه الجزيرة إلى الهاوية، قال: وما الهاوية ؟ قالوا: بئر أعددناه لأمثالك، سحيقة القاع، سيئة المتاع، لها في كل مكان منها أمشاط من الصلب مسنونة، إذا هوى فيها إنسان لا يصل إلى القاع، حتى يتبعثر جسمه في كل مكان، ثم بعد أن نفرغ من هذا العمل الوبيل، نسرع إلى الشاطئ في فرح ومرح لنستقبل من يلقيه البحر إلينا، ليكون ذلك الملك الجليل. فلما أن أخبروه الخبر، وأراد أن يكون منه على حذر، قال لهم: وكيف إذًا المفر ؟ فقال له أكبرهم سِنًّا وأعظمهم قدرًا: إن الله جلت قدرته قد جعل لكل ضيق فرجًا، ولكل هَمٍّ مخرجًا، سبحانه، جعل لكل شيء قدرًا، وأرى أنه إذا طابت نفس المليك للبقاء، فما عليه إلا أن يأمر بإصلاح هذه البلقاء، قال: وما هذه البلقاء ؟ قالوا: جزيرة تبعد عَنَّا مسيرة يومين فليعمرها ويستثمرها، فتكون له مأوى أمين وحصن حصين، بعيدًا عن غوغاء هذه الجزيرة، وهوجاء هذه الفئة الشريرة، التي لا تعرف قدر الملوك، بل هي تملك كل من جاءها من منبوذ مفلوك. وصحت عزيمة هذا الملك على استصلاح هذه الجزيرة فأرسل إليها العمال والبناة، فشيدوا له قصرًا عظيمًا، وأرصد لهذا العمل الجليل أموال الدولة، فما أن قرب انتهاء العام حتى هرول إلى هذه الجزيرة فوجدها جنة عالية، قطوفها دانية، تجري من تحتها الأنهار، وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها العزيز الغفار. فمن يكون إذًا هذا الإنسان ؟ وبماذا ينطق هذا المثل يا أهل العرفان؟، إن هذا المثل ليصور لكم حياة الإنسان في دائرة هذا الإمكان، فالسفينة: بطن الأم، وتحطيمها على الشاطئ: حالة الوضع، والملك: المولود الجديد، ألا ترى النساء يزغردن ويضربن بالدفوف، والرجال من ورائهن يرقبون البشرى وعلى قدم الاشتياق إلى سماعها في صفوف؟، ثم يخرج الطفل عريانًا فيكسونه بكل نفيس وغال، ويطعمونه أشهى ما يكون من الرزق الحلال، ثم ما زالوا يكرمونه حتى يبلغ الرشد ويتم له حسن المآل، فإن كان شريرًا ألقته ذنوبه وآثامه في الهاوية، وإن نشب مفطورًا على الخير أنجاه الله من هذه الداهية، فحمد آخرته بعمل صالح في دنياه، ليطيب له العيش فيها ولا ينفك طول وقته ذاكرًا شاكرًا الله، الذي لا يسأله غير رضاه، وحسن لقاه شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر