Mr Hamdy Ahmad 36 قام بنشر August 24, 2010 (تعديل) رمضان شهر البر (1) في رحاب رمضان - سلسلة الدروس الرمضانية الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فإن رمضانَ شهرُ البرِّ، وموسمُ الخير ، وميدان التنافس. وإن من أعظم البرِّ وأجل القربات برَّ الوالدين، ذلكم أن حقَّ الوالدين عظيم، ومنزلتهما عالية في الدين؛ فَبِرُّهما قرينُ التوحيد، وهو من أعظم أسباب دخول الجنة، وهو مما أقرته الفطر السوية، واتفقت عليه الشرائع السماوية. وهو خلق الأنبياء، ودأب الصالحين، وهو سبب في زيادة العمر، وسعة الرزق، وتفريج الكربات، وإجابة الدعوات، وانشراح الصدر، وطيب الحياة. وهو -أيضًا- دليل صدق الإيمان، وعلامة حسن الوفاء، وسبب البر من الأبناء. وفي مقابل ذلك فإن عقوق الوالدين ذنب عظيم، وكبيرة من الكبائر، فهو قرين للشرك، وموجب للعقوبة في الدنيا، وسبب لرد العمل، ودخول النار في الأخرى. وهو جحودٌ للفضل، ونكرانٌ للجميل، ودليلٌ على الحمق والجهل، وعنوانٌ على الخسة، والدناءة، وأمارةٌ على حقارة الشأن وصِغَرِ النفس. ولعظم حق الوالدين تظاهرت نصوص الشرع آمرةً ببرهما والإحسان إليهما، ناهيةً عن عقوقهما والتقصير في حقهما، قارنة حقوقهما بحق الله -تعالى-. قال الله -عز وجل- : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (النساء: من الآية 36). وقال: { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } (الأنعام: من الآية 151). وقال: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } (الإسراء: 23-24) وفي الصحيحين « عن ابن مسعود أنه قال: سألت رسول الله " أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثمَّ أي؟ قال: بر الوالدين » وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن النبي " قال: « الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس » رواه البخاري . ومع عظم تلك المكانة للوالدين إلا أننا نرى عقوقهما قد تفشّى، وأخذ صورًا عديدةً، ومظاهر شتى؛ فمن ذلك إبكاؤهما وتحزينُهما، ونهرُهما وزجرُهما، والتأففُ والتضجر من أوامرهما، والعبوسُ وتقطيبُ الجبينِ أمامهما. ومن صور العقوق احتقارُ الوالدين، والنظر إليهما شزرًا، والإشاحةُ بالوجه عنهما إذا تحدثا، وقلةُ الاعتداد برأيهما، وإثارةُ المشكلات أمامهما. ومن ذلك - عياذًا بالله - شتمُ الوالدين، وذمُّهما عند الناس، والتخلي عنهما وقت الحاجة أو الكبر، والتبرؤُ منهما، والحياءُ من ذكرهما والنسبة إليهما. ومن صور العقوق الإثقالُ على الوالدين بكثرة الطلبات، والمكثُ طويلًا خارجَ المنزل إلى ساعات متأخرة من الليل، أو النوم خارج المنزل دون علم الوالدين بمكان الولد، خصوصًا إذا كان صغيرًا. ومن صور العقوق المتناهية بالقبح لعنُ الوالدين، والتعدي عليهما بالضرب، وإيداعُهما دورَ الملاحظة. ومن صور العقوق هجرُ الوالدين، والبخلُ عليهما، وتركُ نصحهما، والسرقةُ من أموالهما، والأنينُ وإظهارُ التوجُّع أمامهما. ومن أقبح صور العقوق -إن لم تكن أقبحها- تمني زوالِهما، وقَتْلُهما، والتخلصُ منهما، رغبةً في الميراث، أو رغبة في التحرُّر من أوامر الوالدين؛ فيا لشؤم هذا، ويا لَسوادِ وجهه، ويا لَسوءِ سوء مصيره إن لم يتداركه الله برحمته. هذه بعض صور العقوق، وتلك بعض مظاهره؛ فما أبعد الخير عن عاق والديه، وما أقرب العقوبة منه، وما أسرع الشر إليه. وهذا أمر مشاهد محسوس يعرفه كثير من الناس، ويرون بأم أعينهم، ويسمعون قصصًا متواترة لأناس خذلوا وعوقبوا بسبب عقوقهم لوالديهم. قال الأصمعي : أخبرني بعض العرب أن رجلًا كان في زمن عبد الملك بن مروان ، وكان له أب كبير، وكان الشابُّ عاقًّا بأبيه، وكان يقال للشاب منازل فقال الأب الشيخ الكبير: جَزَتْ رحمٌ بيني وبينَ منازلٍ ... جزاءً كما يستنجزُ الدَّينَ طالبُه تَرَبَّت حتى صار جعدًا شمردلًا ... إذا قام ساوى غاربَ الفحلِ غاربُه تظلَّمني مالي كذا ولوى يدي ... لوى يدَه اللهُ الذي لا يغالبُه وإني لداعٍ دعوةً لو دعوتُها ... على جبل الريان لانْهَدَّ جانِبُه فبلغ ذلك أميرًا كان عليهم، فأرسل إلى الفتى؛ ليأخذه، فقال له أبوه الشيخ: اخْرُجْ من خلف البيت، فسبق رُسُلَ الأمير، ثم ابتلي الفتى بابن عقَّه في آخر حياته، واسم الولد خليج فقال منازل فيه: تظلمني مالي خليجٌ وعقني ... على حين كانت كالحَنيِّ عظامي تخيَّرتُه وازددته ليزيدني ... وما بعضُ ما يزدادُ غيرُ عرامِ لعمري لقد ربَّيته فرحًا به ... فلا يفرحنْ بعدي امرؤٌ بغلامِ فأراد الوالي ضرب الابن، فقال للوالي: لا تعجل هذا أبي منازل بن فرعان الذي يقول فيه أبوه: جزت رحمٌ بيني وبينَ منازلٍ ... جزاءً كما يستنجز الدَّينَ طالبُه فقال الوالي: يا هذا عَقَقْتَ وعُقِقْتَ . وقال الأصمعي : حدثني رجلٌ من الأعراب، وقال: خرجت أطلب أعقَّ الناس؛ فكنت أطوف بالأحياء، حتى انتهيت إلى شيخٍ في عنقه حبلٌ يستقي بدلو لا تطيقه الإبلُ في الهاجرة والحرِّ الشديد، وخلفه شابٌّ في يده رُشاءٌ - أي حبل - من قِدٍّ ملوي (والقِدُّ هو السوط) وهو يضرب الشيخ الكبير بالقدِّ، وقد شقَّ ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله بهذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه مِنْ مَدِّ هذا الحبل حتى تضربه؟ . قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيرًا. قال: اسكت؛ فهكذا كان يصنع بأبيه، وكذا كان أبوه يصنع بجده، فقلت: هذا أعقُّ الناس. ثم جُلت حتى انتهيت إلى شاب وفي عنقه زبيلٌ فيه شيخٌ كأنه فَرْخٌ، فكان يضعه بين يديه في كل ساعة، فيطعمه كما يُطعَمُ الفرخ، فقلت من هذا؟ قال: أبي وقد خرف وأنا أكفله، قلت: هذا أبر الناس. أيها الصائمون: للحديث بقيةٌ غدًا - إن شاء الله تعالى - وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. لمتابعة باقي دروس السلسلة من هنا تم تعديل August 29, 2010 بواسطه Mr Hamdy Ahmad شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر