Mr Hamdy Ahmad 36 قام بنشر August 25, 2010 (تعديل) شهر الصيام آثاره وأسراره (1) الحمدُ للهِ المُوفِقِ الْمُعِينِ، إياهُ نعبدُ وإياهُ نستعينُ، منجزِ الوعدِ بالنصرِ لعبادهِ المؤمنين، منزلِ السكينةِ على الصابرين المخلصين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لآثارهم في نُصْرَة الدين إلى يوم الدين، أما بعد: فإن لكل عبادة في الإسلام حِكمةً أو حِكَمًا يظهر بعضها بالنص عليه، أو بأدنى عملٍ عقلي، وقد يخفى بعضُها إلا على المتأملين المتعمقين في التفكر والتدبر، والموفقين في الاستجلاء، والاستنباط. والحكمةُ الجامعةُ في العباداتِ كلِّها هي تزكيةُ النفوسِ، وتطهيرُها من النقائص، وتصفيتُها من الكُدُراتِ وإعدادُها للكمال الإنساني، وتقريبُها للملأ الأعلى، وتلطيفُ كثافَتِها الحيوانيةِ اللازمةِ لها من أصل الجِبِلَّة، وتغذيتُها بالمعاني السماوية الطاهرة؛ فالإسلام ينظر للإنسان على أنه كائنٌ وسطٌ ذو قابليةٍ للصفاء الملكي، والكدرِ الحيواني، وذو تركيبٍ يَجْمَعُ حَمَأ الأرضِ، وإشراقَ السماء، وقد أوتي العقل والإرادة والتمييز؛ ليسعد في الحياتين المنظورة والمذخورة، أو يشقى بهما. ولكل عبادة في الإسلام تُؤدَّى على وجهِها المشروعِ، أو بمعناها الحقيقي آثارٌ في النفوس، تختلف باختلاف العابدين في صدق التوجه، واستجماع الخواطر، واستحضار العلاقة بالمعبود. والعباداتُ إذا لم تعطِ آثارَها في أعمالِ الإنسان الظاهرة فهي عبادة مدخولة أو جسم بلا روح. وما قست قلوبُ المسلمين، ولا تقاعسوا عن أداء واجبهم، فكانوا عرضة لغزو أعدائهم في شتى الميادين إلا بسبب بعدهم عن هِدَاية دينهم، وقلةِ تأثرهم بما يكررون قَوْلَه وفِعْلَه من أركان الإسلام، وشعائره، مما جعلها عند كثير منهم بمثابة العادات. ولو أنهم تأثروا بما يقولون ويفعلون تأثرًا صحيحًا لتغير وجه الأرض، ولملأوها بجمال الحق بدلًا من شغب الباطل. هذا وإن للصوم حكمًا باهرة وأسرارًا بديعة، وآثارًا عظيمة على الفرد والجماعة. وقد كان يكفي في الحث على الصيام، والدعوة إليه أن يقال للمسلم: إن الله يأمرك بالصيام دون ذكرٍ لفوائد الصيام، وآثاره، وحكمه، وأسراره؛ ذلك أن الصومَ تشريعٌ ربانيٌّ إلهيٌّ، صادرٌ عن الرب بمقتضى ربوبيته، وألوهيته، فله-عز وجل-أن يكلِّفَ عباده بما شاء، وعليهم طاعةُ أمرِه، واجتنابُ نهيِه. وَلَكنَّ الحاجةَ تدعو إلى بيان بعض الأسرار، والحِكَم، والفوائد والآثار التي ينطوي عليها شهر الصوم؛ ذلك أن الله-عز وجل-علمنا في آيات كثيرة من كتابه المبين أسرارَ تشريعه، وفوائدَه؛ شحذًا للأذهان أن تفكر وتعمل، وإيماء إلى أن هذا التشريعَ الإلهيَّ الخالدَ لم يقم إلا على ما يحقق للناس مصلحة، أو يدفع عنهم ضررًا، وليزداد إقبال النفوس على الدين قوة إلى قوة. انظروا إلى قوله - تعالى - حين يعلمنا آداب الاستئذان في البيوت كيف يختم ذلك بقوله: { هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } . بل إن الله - تعالى - حين أمرنا بالصيام ذَكَرَ حكمتَهُ وفائدتَه الجامعةَ بكلمة واحدة من كلامه المعجز، فقال-عز وجل-: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة : 183). فالتقوى هي الحكمة الجامعة من تشريع الصيام. بل انظروا إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عن آداب الصائم: « إنما الصوم جنة - أي وقاية - فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، ولا يجهل » الحديث متفق عليه. فقد قدم الحكمة من الصيام ثم بين آدابه؛ ليكون أوقع في النفس، وأعمق أثرًا. وما دام الإسلام لا يتنكَّر للعقل، ولا يخاطب الناس إلا بما يتفق مع التفكير السليم، والمنطق القويم ولا يأمر من التشريع بشيء إلا إذا كانت المصلحة تحتِّم العمل به أو تركه-لم يكن علينا من حرجٍ حين ننظرُ في أسرار التشريع وبيان فوائده. وما برح الناسُ في كل عصر يرون من فوائد التشريع ما يتفق مع تفكيرهم، ومصالحهم. وهذا دليل على أن وراء هذا التشريع ربًّا حكيمًا، أحسن كل شيء خَلْقَهُ ثم هدى. فإذا وفَّقَ الله في مثل هذه الأحاديث أن تُشرح صدور المؤمنين لفريضة الصيام، ويُبَيَّن لهم شيء من حكم الصيام وأسراره وآثاره كان ذلك سببًا كبيرًا لأن يُؤتَى بالصيام على وجهه الأكمل. معاشر الصائمين ينفرد الصوم من بين العبادات بأنه قمعٌ للغرائز عن الاسترسال في الشهوات، التي هي أصل البلاء على الروح والبدن، وفطمٌ لأمهات الجوارح عن أمهات الملذات. ولا مؤدِّبَ للإنسان كالكبح لضراوة الغرائز فيه، والحدِّ من سلطان الشهوات عليه. بل هو في الحقيقة نصرٌ له على هذه العوامل التي تُدَسِّي نفسه، وتبعده عن الكمال. وكما يحسن في عُرْف التربية أن يؤخذ الصغيرُ بالشدة في بعض الأحيان، وأن يعاقب بالحرمان من بعض ما تمليه إليه نفسه-فإنه يجب في التربية الدينية للكبار المكلفين أن يؤخذوا بالشدة في أحيان متقاربة كمواقيت الصلاة { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } . أو متباعدة كشهر رمضان، فإنه لا يأتي إلا بعد أحد عشر شهرًا كلها انطلاق في الشهوات، وإمعانٌ فيها، واسترسال مع دواعيها. وإن شهرًا في التقييد الجزئي بعد أحد عشر شهرًا من الانطلاق الكلي لقليل، وإن جزءًا من اثني عشر جزءًا في حكم المقارنات النسبيبة - ليسير. ولكنه يسر الإسلام الذي ليس بعده يسر، وسماحته التي ما بعدها سماحة. إن في الصوم جوعًا للبطن، وشبعًا للروح، وإضواءً للجسم، وتقوية للقلب، وهبوطًا باللذة، وسموًّا بالنَّفْس. في الصوم يجِدُ المؤمنُ فراغًا لمناجاة ربه، والاتصال به، والإقبال عليه، والأنس بذكره، وتلاوة كتابه. هذه بعضُ أسرارِ الصومِ وآثارِه، وهذا هو ما كان يفهمه السلفُ الصالحُ من معاني الصوم، وبذلك كانوا معجزة الإسلام في الثبات على الحق، والدعوة إليه، والتخلق به، فلم تر الإنسانية من يضاهيهم بسمو أنفسهم، ونبل غاياتهم، وبعد هممهم، وإشراقةِ أرواحهم، وهدايةِ قلوبهم، وحسنِ أخلاقهم. أفليست الإنسانية اليوم بأمسِّ الحاجة إلى مثل ذلك الجيل أو ما يقاربه؟ بل أليست مجتمعات المسلمين بحاجة إلى مثل تلك النفوس؟ بلى ثم بلى ثم بلى. اللهم أفِضْ علينا من جودك وكرمك، ولا تحرمنا بركاتِ هذا الشهرِ الكريم، واجعل لنا منه أوفر الحظ والنصيب، واجعلنا ممن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. لمتابعة السلسلة من هنـــــــــــــــا تم تعديل August 29, 2010 بواسطه Mr Hamdy Ahmad شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر