اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
Mr Hamdy Ahmad

حقوق الجار - الدرس الثامن عشر

Recommended Posts

17558217.gif

 

 

حقوق الجار

 

 

 

 

 

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

 

 

 

 

 

فإن رمضانَ شهرُ الترابط، وشهرُ التواصي، وشهرُ التقارب، وشهر المودّات.

والحديث اليوم سيدور حول معنى من هذه المعاني، ألا وهو حق الجار؛ فلقد أوصى الإسلام بالجار، وأعلى من قدره؛ حيث قرن الله حق الجار بعبادته - عز وجل - وبالإحسان إلى الوالدين، واليتامى، والأرحام.

 

 

 

 

قال الله - عز وجل - : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ } (النساء: من الآية 36).

 

 

 

أما السنَّةُ النبويةُ فقد استفاضت نصوصُها في بيان رعاية حقوقِ الجارِ، والوصايةِ به، وصيانةِ عرضه، والحفاظ على شرفه، وستر عورته، وسدّ خلَّته، وغضِّ البصر عن محارمه، والبعد عن كل ما يريبه، ويسيء إليه.

 

 

 

 

ومن أجلِّ تلك النصوص وأعظمها ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة وابن عمر - رضي الله عنهم - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيوَرِّثه » .

 

 

 

 

أي: ظننت أنه سَيبْلُغني عن الله الأمرُ بتوريث الجارِ الجارَ.

أيها الصائم الكريم: الجار في الاصطلاح الشرعي هو من جاورك جوارًا شرعيًّا، سواء كان مسلمًا أو كافرًا، برًّا أو فاجرًا، صديقًا أو عدوًّا، محسنًا أو مسيئًا، نافعًا أو ضارًّا، قريبًا أو أجنبيًّا، غريبًا أو بلديًّا.

 

 

 

 

وله مراتب بعضها أعلى من بعض، تزيد وتنقص بحسب قربه وقرابته، ودينه وتقواه، ونحو ذلك؛ فيعطى بحسب حاله وما يستحق.

 

 

 

أما حدّ الجوار؛

 

 

فقد اختلفت عباراتُ أهل العلم في حدِّ الجوار المعتبر شرعًا، والأقرب - والله أعلم - أن حدَّ الجوار يُرجع فيه إلى عُرْفِ الناس؛ فما عُلِمَ عُرْفًا أنه جارٌ فهو جار.

 

 

 

 

ولا ريب أن الجوارَ في المسكن هو أجل صور الجوار وأوضحُها، ولكنَّ مفهوم الجار والجوار لا يقتصر على ذلك فحسب، بل هو أعمُّ من ذلك وأشمل؛ فالجار معتبرٌ في المتجر، والسوق، والمزرعة، والمكتب، ومقعد الدرس.

 

 

 

 

ومفهومُ الجارِ

 

يشمل الرفيقَ في السفر؛ فإنه مجاورٌ لصاحبه مكانًا وبدنًا، والزوجةُ كذلك تسمى جارةً، وكذلك مفهومُ الجوارِ يشمل الجوارَ بين المدن، والدول، والممالك، فلكل منهما حق على الآخر.

 

 

 

 

أيها الصائمون الكرام:

 

 

 

حقوق الجار على وجه التفصيل كثيرة جدًّا، أما أصولها فتكاد ترجع إلى أربعة حقوق.

 

 

 

 

أولها: كف الأذى:

 

فالأذى على كل أحد بغير حق محرم، وأذية الجار أشد تحريمًا.

جاء في صحيح البخاري عن أبي شريح رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه » .

 

 

 

وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه » .

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره » .

 

 

 

وفي مسند الإمام أحمد ، والأدب المفرد للبخاري ، وعند الحاكم وصحَّحه، ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « قيل يا رسول الله إن فلانةً تصلي الليل، وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها سليطة، قال: (لا خير فيها هي في النار). وقيل له: إن فلانةً تصلي المكتوبة، وتصوم رمضان، وتتصدق بالأثوار(وهي القطع الكبيرة من الأقط وهو اللبن الجامد المستحجر) وليس لها شيء غيره، ولا تؤذي جيرانها، قال: (هي في الجنة). »

 

 

ولفظ الإمام أحمد : « لا تؤذي بلسانها جيرانها » .

 

 

 

بل لقد جاء الخبر بلعن من يؤذي جاره، ففي حديث أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له: (اطرح متاعك في الطريق). قال: فجعل الناس يمرون به فيلعنونه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما لقيتُ من الناس؟ قال: وما لقيتَ منهم ؟ قال: يلعنوني، قال: فقد لعنك الله قبل الناس قال: يا رسول الله فإني لا أعود » .

 

 

 

أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والبزار ، والحاكم ، وصححه، ووافقه الذهبي .

قال علي بن أبي طالب للعباس - رضي الله عنهما - : (ما بقي من كرمِ إخوانك؟ قال الإفضالُ إلى الإخوان، وتركُ أذى الجيران).

 

 

 

فانظر كيفَ عدَّ العباسُ رضي الله عنه تركَ أذى الجيران من الكرم.

 

 

 

ولقد كان العرب يتمدحون بكف الأذى عن الجار، قال هُدْبَةُ بنُ الخَشْرم :

 

 

 

ولا نَخْذِلُ المولى ولا نرفع العصا ... عليه ولا نزجي إلى الجار عقربا

 

 

 

وقال لبيد :

 

 

وإن هوانَ الجارِ للجار مؤلمٌ ... وفاقرةٌ تأوي إليها الفواقر

 

 

 

 

الثاني من حقوق الجار:

 

 

حماية الجار:

 

 

فمما ينبه لشرف همّة الرجل نهوضُه لإنقاذ جاره من بلاءٍ يُنال به في عرضه، أو بدنه أو ماله، أو نحو ذلك.

 

 

 

ولقد كانت حمايةُ الجار من أشهر مفاخر العرب التي ملأت أشعارهم، قال عنترة :

 

 

وإني لأحمي الجارَ من كل ذلّة ... وأفرحُ بالضيف المقيم وأَبْهَجُ

 

 

 

وقالت الخنساءُ تمدح أخاها بحمايته جارَه:

 

 

وجارُكَ مَحْفُوظٌ منيعٌ بنجوة ... من الضيم لا يُؤذى ولا يتذللُ

 

 

 

بل لقد غالى العرب، وبالغوا في المحاماة عن الجار؛ إذ لم تتوقَّف محاماتُهم عن الجار الإنسان، بل لقد تعدّوا ذلك؛ فأجاروا ما ليس بإنسان إذا نزل حول بيوتهم حتى ولو كان لا يعقل ولا يستجير؛ مبالغةً في الكرامة والعزَّة، وتحديًا لأن يَخْفِرُ الجوارَ أحدٌ، مثل ما فعل مدلجُ بنُ سويدٍ الطائيُّ ، الذي نزل الجرادُ حول خبائه؛ فمنع أن يصيدَه أحدٌ حتى طار وبَعُدَ عنه.

 

 

 

وكان كليبٌ يجير الصيدَ، فلا يَعْرِضُ له أحدٌ.

 

 

 

الثالثُ من حقوق الجار:

 

 

الإحسانُ إليه؛

 

 

فذلك دليل الفضل، وبرهان الإيمان، وعنوان الصدق.

جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره » الحديث، ولمسلم - أيضًا - : « فليحسن إلى جاره » .

 

 

ومن ضروب الإحسان إلى الجار تعزيته عند المصيبة، وتهنئته عند الفرح، وعيادته عند المرض، وبداءته بالسلام، وطلاقة الوجه عند لقائه، وإرشاده إلى ما ينفعه في دينه ودنياه، ومواصلته بالمستطاع من ضروب الإحسان.

 

 

 

 

 

الرابع: من حقوق الجار

 

 

احتمال أذاه:

 

 

وذلك بأن يغضيَ عن هفواته، ويتلقى بالصفح كثيرًا من زلاته، ولا سيّما إساءةً صدرت من غير قصد، أو إساءةً ندم عليها، وجاء معتذرًا منها؛ فاحتمالُ أذى الجارِ ومقابلةُ إساءتِه بالإحسان من أرفع الأخلاق، وأعلى الشيم.

 

 

 

ولقد فقه السلف هذا المعنى، وعملوا به، روى المرّوذي عن الحسن : ليس حسنُ الجوارِ كفَّ الأذى، حسنُ الجوارِ الصبرُ على الأذى.

 

 

 

هذه هي الأصولُ الأربعةُ التي عليها مدارُ حقوقِ الجارِ، ومع عظم ذلك الحقِّ إلا أن هناك تقصيرًا كبيرًا في حقِّ الجار من كثيرٍ من الناس.

 

 

 

 

 

فمن صورِ ذلك التقصير مضايقةُ الجارِ، وحسدُه، واحتقارُه، وكشفُ أسراره، وتتبعُ عثراته، والفرحُ بزلاته.

 

 

 

 

ومن ذلك: إيذاؤه بالجلبة، ورفعُ الأصوات، وتأجيرُ مَنْ لا يرغب الجيران في إسكانه.

ومن صور التقصير في حق الجار: خيانتُه، والغدرُ به، وقلةُ الإحسان إليه، وتركُ النهوضِ لحمايته، وقلةُ الحرص على التعرُّف على الجيران، وقلةُ التفقُّد لأحوالهم.

 

 

 

ومن ذلك: قلّةُ التهادي بين الجيران، والتكبُّرُ عن قبول هداياهم، ومنعُهم ما يحتاجون إليه من الأدوات اليسيرة، وقلةُ الاهتمام بإعادة المعار من الجيران إليهم.

 

 

ومن صور التقصير في حق الجيران: تركُ الإجابةِ لدعوتهم، وقلَّةُ المبالاة بدعوتهم إلى الولائم والمناسبات، وقلَّةُ المناصحة لهم، وقلةُ التعاون معهم على البر والتقوى.

ومن ذلك: كثرةُ الخصومةِ معهم، والتهاجرُ، والتدابرُ عند أدنى سبب، وقلةُ الحرص على إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الجيران.

 

 

 

ومن صور التقصير في حق الجار: تركُ الإحسان إلى الجار الغريب، وقلّةُ العناية باختيار الجار الصالح، والتفريطُ به، وقلّةُ الوفاء للجيران بعد الرحيل عنهم.

 

 

 

 

 

وخلاصة القول:

 

 

إن انتظام رابطة الجوار أكبر شاهد على رقي المجتمع، وسمو آدابه، والعكس بالعكس، وبإصلاح تلك الرابطة تطوى عند المحاكم قضايا كثيرة لا منشأ لها إلا عدم رعاية حق الجار.

 

 

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

 

 

 

 

لمتابعة السلسلة

 

 

 

 

 

 

 

من هنــــــــــــــــــــــــــا

تم تعديل بواسطه Mr Hamdy Ahmad

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..