Mr Hamdy Ahmad 36 قام بنشر August 28, 2010 (تعديل) فإنه أغضُّ للبصر (1) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء » . قال ابن حجر في شرح الحديث: (الوجاء: رضُّ الخصيتين، وقيل: رضُّ عُروقِهما، ومن يُفعَل به ذلك تنقطع شهوته، ومقتضاه أن الصومَ قامعٌ للشهوة). انتهى كلامه. معاشر الصائمين: في هذا الحديث إشارة إلى فائدة كبرى من فوائد الصوم، ألا وهي غض البصر، وإحصان الفرج. فالصائم ينال هذه الفضيلة، ويسلم من معاطب إطلاق البصر وآفاته؛ فالعين مرآةُ القلب، وإذا أطلق الإنسان بصرَه أطلق القلبُ شهوتَه، ومن أطلق بصرَه دامت حسرتُه؛ فأضرُّ شيٍء على القلب إرسالُ البصر؛ فإنه يريد ما يشتدُّ إليه طلبُه، ولا صبر له عنه، ولا سبيل إلى الوصول إليه، وذلك غايةُ ألمه وعذابه. ثم إن النظرةَ سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس - كما جاء في الحديث - وشأنُ السهمِ أن يسريَ في القلب؛ فيعملَ فيه عملَ السمِّ الذي يُسقاه المسموم، فإن بادر واستفرغه وإلا قتله ولا بد. وكذلك النظرةُ؛ فإنها تفعل في القلب ما يفعله السهمُ في الرَّميَّة، فإن لم تقتله جرحته. والنظرةُ بمنزلة الشرارة تُرمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقْه كلَّه أحرقت بعضه كما قيل: كلُّ الحوادثِ مبداها من النظر ... ومعظمُ النارِ من مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها ... فتكَ السهام بلا قوسٍ ولا وتر والمرءُ ما دام ذا عينٍ يقلبها ... في أعين الغيد موقوفٌ على الخطر يسرُّ مُقْلَتَهُ ما ضرَّ مهجتَه ... لا مرحبًا بسرور عاد بالضرر والناظر يرمي من نظره بسهامٍ غَرضُها قلبه وهو لا يشعر، قال المتنبي : وأنا الذي اجتلب المنيةَ طرفُهُ ... فَمَنِ المطالبُ والقتيلُ القاتلُ قال ابن القيم رحمه الله: (ولما كان النظرُ أقربَ الوسائلِ إلى المحرم اقتضت الشريعةُ تحريمَه، وأباحتْه في موضع الحاجة. وهذا شأن كلِّ ما حُرِّم تحريم الوسائل؛ فإنه يباح للمصلحة الراجحة). قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: « سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرفَ بصري » . قال ابن القيم رحمه الله: (ونظرُ الفجأةِ هي النظرة الأولى، التي تقع بغير قصد؛ فما لم يتعمدْه القلبُ لا يعاقب عليه، فإذا نظر الثانيةَ تَعَمُّدًا أثِم؛ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم عند نظرة الفجأة أن يصرفَ بصرَه، ولا يستديم النظر، فإنَّ استدامته كتكريره). معاشر الصائمين: ما أحوجنا إلى غضِّ البصر، وإلى ما يذكرنا به، خصوصًا في هذه الأزمنة، التي كثرت فيها الفتن، وتنوعت؛ حيث التبرجُ والسفورُ، والمجلاتُ الهابطةُ، والأفلام الخليعة، والقنوات الفضائية التي تغري بالرذيلة، وتزري بالفضيلة. فغض البصر - بإذن الله - أمانٌ من الفتنة، وسبيلٌ إلى الراحة والسلامة؛ فإذا غض العبدُ بصره غضَّ القلب شهوتَه وإرادته. قال - تعالى - : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ } (النور: من الآية 30). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فجعل - سبحانه - غضَّ البصر، وحفظَ الفرج هو أقوى تزكيةٍ للنفوس. وزكاةُ النفوسِ تتضمن زوالَ جميعِ الشرورِ من الفواحش، والظلم، والشرك، والكذب، وغير ذلك). وقال ابن الجوزي رحمه الله: (والواجب على من وقع بصرُه على مُسْتَحسنٍ، فوجد لذةَ تلك النظرةِ في قلبه أن يصرفَ بصرَه؛ فمتى ما تَثَبَّت في تلك النظرة أو عاود وقع في اللوم شرعًا وعقلًا. فإن قيل: فإن وقع العشقُ بأول نظرةٍ فأي لومٍ على الناظر؟ فالجواب: أنه إذا كانت النظرةُ لمحةً لم تَكَدْ توجبُ عِشقًا، إنما يوجبه جمودُ العين على المنظور بقدر ما تَثْبُتُ فيه، وذلك ممنوع منه. ولو قَدَّرنا وجودَه باللمحة، فأثَّر محبةً سَهُلَ قمْعُ ما حصل). إلى أن قال رحمه الله: (فإن قيل: فما علاج العشق إذا وقع بأول لمحة؟ قيل: علاجهُ الإعراضُ عن النظر؛ فإن النظرةَ مثلُ الحبةِ تُلْقَى في الأرض؛ فإذا لم يُلتَفَتْ إليها يَبَستْ، وإن سقيت نَبَتَتْ؛ فكذلك النظرةُ إذا أُلحقت بمثلها). وقال: (فإن جرى تفريطٌ بإتْباعِ نظرةٍ لنظرةٍ فإن الثانية هي التي تُخاف وتُحذر؛ فلا ينبغي أن تُحْقَر هذه النظرةُ؛ فربما أورثت صبابةً، صبَّت دمَ الصبِّ). وقال ابن القيم : (فعلى العاقلِ ألا يُحَكِّم على نفسه عشقَ الصور؛ لئلا يؤدِّيَه ذلك إلى هذه المفاسد، أو أكثرِها، أو بعضِها؛ فمن فعل ذلك فهو المفرِّط بنفسه، المُضِرُّ بها؛ فإذا هلكت فهو الذي أهلكها؛ فلولا تكرارُه النظرَ إلى وجه معشوقه، وطمعه في وصاله لم يتمكَّنْ عِشْقُه من قلبه) ا هـ . اللهم إنَّا نسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى، وللحديث صلة - إن شاء الله - وصلى الله وسلم على نبينا محمد . لمتابعة السلسلة من هنــــــــــــــــــــــــا تم تعديل August 30, 2010 بواسطه Mr Hamdy Ahmad شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر