Mr Hamdy Ahmad 36 قام بنشر August 28, 2010 (تعديل) رمضان وتربية الأولاد (2) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فقد مرّ سالفًا حديثٌ حولَ تربية الأولاد وأهميته، وأن شهرَ رمضانَ فرصةٌ عظيمةٌ لأن يقفَ الإنسانُ مع نفسه وحالِه مع الأولاد، ومرّ ذكرٌ لبعض مظاهر التقصير في تربية الأولاد. والحديث في هذه الليلة-إن شاء الله-سيكون في السبل والأسباب المعينة على تربية الأولاد، والتي تَكْفُلُ -بإذن الله- لمن أخذ بها أن يعان، ويوفق، وأن يجد الآثار الطيبة عاجلًا أو آجلًا. فمن تلك السبل: العنايةُ باختيار الزوجةِ الصالحة؛ فالزوجة أمُّ الأولاد، ولها الأثرُ الأكبر عليهم وعلى زوجها؛ فحري بالإنسان إذا أراد الزواج أن يستشير، ويستخير، ويبحثَ عن ذات الدين، والخلق القويم. قال أبو الأسود الدؤلي لبنيه: "قد أحسنت إليكم صغارًا وكبارًا، وقبل أن تولدوا". قالوا: "وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ " قال: "اخترت لكم من الأمهات من لا تُسبُّون بها". وأنشد الرياشي : فأول إحساني إليكم تخيُّري ... لماجدةِ الأعراقِ بادٍ عفافُها ومن السبل المعينة على تربية الأولاد سؤالُ الله الذريةَ الصالحة، وسؤاله الإعانةَ على تربية الأولاد، وكثرةُ الدعاء للأولاد بالصلاح، والحذرُ كلَّ الحذر من الدعاء عليهم، أو تركُ الدعاء لهم إذا رأى الوالد منهم تماديًا في الشر؛ فإجابة الدعاء قد تتأخر لحكمة، وقد يُقْصِرون عن بعض الشر بسبب الدعاء، وقد يصلحون بعد حين، أو بعد فراق الوالد الدنيا، وهكذا... ومن أعظم ما يعين على صلاح الأولاد، أن يغرس الوالدُ الإيمانَ، والعقيدةَ الصحيحةَ في نفوس الأولاد وهم صغار، وأن يتعاهد ذلك بالسقي والرعاية، فيلَقِّن الوالدُ أولادَه منذ الصغر النطق بالشهادتين، ويعلمهم بأن الله رَبُّهم، والإسلامَ دينُهم، ومحمدًا -صلى الله عليه وسلم-نبيهم. وينمي في قلوبهم محبة الله -عز وجل- ومراقبتَه، وأنه في السماء، وأنه سميعٌ بصيرٌ إلى غير ذلك من أمور العقيدة المُيَسَّرة الملائمة لسن الأولاد. ومن أعظم ما يعين على صلاحهم-أيضًا- غرسُ الأخلاق الحميدة والخلال الكريمة في نفوس الأولاد، وتجنيبُهم الأخلاقَ الرذيلة وتقبيحُها إليهم، فيحرصُ الوالد على تربيتهم على التقوى، والعفة، والحلم والصدق، والصبر والبر، والصلةِ، والعلم، والجهاد، والدعوة، ويكرِّه إليهم في الوقت نفسه أضرارَ تلك الأخلاق، فيكرّه إليهم الفجورَ، والكذبَ، والخيانةَ، والحسدَ، والغِيبةَ، والنميمةَ، والعقوقَ، والقطيعةَ، والجبنَ، والأَثَرة، وغيرَها من سَفْساف الأخلاق، ومرذولها. وإذا سار بهم على هذه السُّنَّةِ شبوا متعشقين للبطولة، محبين لمكارم الأخلاق، نافرين عن مرذولها. ومن ذلك تعليمُهم الأمورَ المستحسنةَ، وتدريبُهم عليها، كتشميت العاطس، والأكلِ باليمين وآداب قضاء الحاجة، وآدابِ السلام وردِّه، وآدابِ الرد على الهاتف، واستقبال الضيوف، ونحو ذلك. فإذا تدرب الولد على هذه الأخلاق منذُ الصغر أَلِفَها، وأصبحت سجيّة له؛ فالصغير يقبل التعليم والتوجيه، وَيَشِبُّ على ما عُوِّد عليه كما قيل: وينشأ ناشئُ الفتيانِ منا ... على ما كان عوَّده أبوه ومما ينبغي للوالدين مراعاتُه أن يحرصا في مخاطبة الأولاد على انتقاء العبارات الحسنة المقبولة الطيبة، وأن يربآ بأنفسهم عن السب، والشتم واللجاج، وغير ذلك من العبارات البذيئة المقذعة، وبذلك تعف ألسنة الأولاد، وتنأى عن السباب، والفحش. ومن أجلِّ ما يمكن أن يقوم به الوالدان تجاه الأولاد: أن يحرصا على تحفيظهم كتاب الله-عز وجل-لما في ذلك من الأجر العظيم وحفظ الوقت، وحماية الأولاد من الانحراف، وغير ذلك من الفضائل التي لا تعد ولا تحصى. ومن المسائل المهمة في التربية: مسألةُ التربية بالقدوة؛ فينبغي للوالدين أن يكونا قدوةً للأولاد في الصدق، والاستقامة، والبر، وأن يتمثلا كل ما يقولانه، ويأمران به. ومن الأمور المستحسنة في ذلك: أن يقوم الوالدان أو أحدُهما، بالصلاة أمام الأولاد؛ حتى يتعلموا الصلاة عمليًّا من الوالدين. ولعل هذا من أسرار مشروعية أداء السنة الراتبة في البيت، وكونِ الصلاةِ في البيت أفضلَ من الصلاة في المسجد إلا المكتوبة. ومما تحصل به القدوة - أيضًا - كظمُ الغيظِ، وحسنُ استقبال الضيوف، وبرُّ الوالدين، والوفاءُ بالعهد والوعد. ومما يجب على الوالد تجاه أولاده أن يحميهم من المنكرات، وأن يطهرَ بيته منها، حتى يحافظَ على سلامة فطرهم، وعقائدهم وأخلاقهم. ويجدر به - أيضًا - أن يوجدَ لهم البدائل المناسبة المباحة التي تجمع بين المتعة والفائدة، وبذلك يجد الأولاد ما يشغلون به فراغهم. ومما يجب على الوالدين - أيضًا - أن يجنبا أولادهم أسباب الانحراف الجنسي، وذلك بحمايتهم من مطالعةِ القصص الغراميةِ، والمجلاتِ الخليعةِ، والأغاني الماجنة والكتبِ الجنسية وغيرِها، وتجنيبهم الزينةَ الفارهةَ، والميوعةَ القاتلة؛ فَيُمْنَعَ الولد من الإفراط في التجمّل، والمبالغة في التأنق والتطيب، وينهى عن التعري، والتكشف؛ لأن هذه الأعمالَ تتسبب في فساد طباعهم، وتقودهم إلى إغواء الآخرين وفتنتهم، وتدعو إلى جرّ الأولاد إلى الرذيلة؛ خصوصًا إذا كانوا صغارًا أو ذوي مرأًى حسن. بل يحسن بالوالد أن يعوِّدَ أولاده على الرجولة، والخشونة، والجد، وأن يجنبهم الكسل، والبَطالة، والراحة، والدعة؛ فإن للكسل والبَطالة عواقبَ سوءٍ، ومغبةَ ندمٍ، وللجد والتعب عواقب حميدة؛ فأروحُ الناسِ أتعبُ الناس، وأتعبُ الناسِ أروحُ الناس؛ فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسرٍ من التعب؛ فالراحة تعقب الحسرة، والتعب يعقب الراحة. ومما يحسن في هذا الصدد أن يعوِّد الوالدُ أولاده الانتباه آخر الليل؛ فإنه وقت الغنائم، وتفريق الجوائز، فمستقلٌّ، ومستكثر، ومحروم؛ فمن اعتاده صغيرًا سَهُل عليه كبيرًا. ومما يحسن بالوالد - أيضًا - أن يجنب أولاده فضولَ الكلام، والطعام، والمنام، ومخالطة الأنام؛ فإن الخسارة في هذه الفضلات، وهي تفوِّت على العبد خيرَ دنياه وآخرته، ولهذا قيل: من أكل كثيرًا، شَرِب كثيرًا، فنام كثيرًا، فخسر كثيرًا. ومن الأمور النافعة المجدية في التربية مراقبةُ ميول الولد، وتنميةُ مواهبه، وتوجيهُه لما يناسبه. وبهذا يجد الولد في المنزل ما ينمِّي مواهبَه، ويصقلُها، ويُعِدُّها للبناء. قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي، وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأٌ له منها، فيعلمَ أنه مخلوقٌ له، فلا يَحْمِله على غير ما كان مأذونًا فيه شرعًا؛ فإنه إنْ حَمَلَه على غير ما هو مستعد له لم يفلحْ فيه، وفاته ما هو مهيأٌ له؛ فإذا رآه حسنَ الفهمِ جيدَ الحفظ واعيًا؛ فهذه علامات قبوله، وتَهيُّئه للعلم؛ لينقشه على لوح قلبه ما دام خاليًا، وإن رآه ميالًا للتجارة والبيع والشراء، أو لأي صنعةٍ مباحةٍ فليمكِّنْه منها؛ فكلٌّ ميسر لما خلق له" ا هـ. ومن الأمور النافعة في التربية: إشباعُ عواطف الأولاد، وإشعارُهم بالعطف والرحمةِ، والنفقةُ عليهم بالمعروف، والعدلُ بينهم، والقيامُ على حوائجهم، وإشاعةُ روحِ الإيثار بينهم؛ فذلك مما يشعرهم بالمحبة، ويقضي على كثير من المشكلات. ومن أسس التربية الناجحة: أن يكون التفاهمُ قائمًا بين الزوجين؛ فعليهما أن يحرصا كل الحرص على تجنّب الوسائل المفضية للشقاق أمام الأولاد وأن يبتعدا عن العتاب أمامهم؛ حتى يسود الهدوء البيت، وتشيع الألفة فيه، فيجد الأولاد فيه الراحة والسكن، والأنس والسرور. ومما يحسن بالوالدين إذا لم يُقَدَّر بينهما وفاقٌ، وحصل الطلاق أن يتقيا الله -عز وجل-وأن يكون التسريح بإحسان، وألا يجعلا الأولاد ضحية لعنادهما، وشقاقهما، وألا يغري كل واحد منهما بالآخر. بل عليهما أن يعينا الأولاد على البر، وأن يوصي كلُّ واحدٍ منهما الأولاد ببر الآخر بدلًا من التحريش، وإيغار الصدور، وتبادل التهم، وتأليب الأولاد؛ فإن اتقيا الله في حال الطلاق لم يعرضا الأولاد للاضطراب والتمرد، وإن كانت الأخرى فإن الوالدين هما الخاسر الأول، وإن الأولاد سيعقّون الوالدين. ومما يحسن التنبيه عليه في تربية البنات-على وجه الخصوص-أن يعلمهن ما يَحْتَجْن إليه من أمور دينهن ودنياهن، فكم من الناس من فرط في هذا الحق، وكم من النساء من يجهلن -على سبيل المثال- أحكامَ الحيض والنفاس ومسائل الدماء عمومًا بالرغم من أنه يتعلق بها ركنان من أركان الإسلام وهما الصلاة والصيام، بل والحج. وكم من النساء من تجهل إقامة الصلاة على الوجه المطلوب، وهكذا... فينبغي للوالد - أبًا أو أمًّا - أن يُعنى بتعليم بناته أمور دينهن، كما ينبغي حَمْلُهن على الحشْمة، والعفاف والستر، وأن يعلِّمهن-أيضا -أمور حياتهن الخاصة من كيٍّ وغسيلٍ، وطبخٍ، وخياطةٍ، وتدبيرٍ للمنزل وغير ذلك؛ حتى يكُنَّ على أتم استعداد للحياة الزوجية. ومما يجب على الوالد تجاه أولاده: أن يمنع البنين من التشبه بالبنات، وأن يمنع البناتِ من التشبه بالبنين، وأن يمنع الأولادَ من التشبه بالكفار والكافرات، وأن يمنع البنات من الخروج من المنزل وحدهن، سواء للسوق أو الطبيب، أو غير ذلك، بل لا بد من وجود المحرم معهن، وألا يخرجن إلا للحاجة الملحة. كما عليه أن يمنع البنين من الاختلاط بالنساء، ويمنعَ البناتِ من الاختلاط بالرجال، كما عليه أن يحرص كلَّ الحرص على تزويج أبنائه إذا بلغوا سن الرشد عند المقدرة والحاجة، وأن يحرص على تزويج بناته إذا تقدم لهن من يرضى دينه وخلقه. ومما يحسن بالوالدين أن يرعياه أن يعتنيا بصحة الأولاد خصوصًا وهم صغار؛ لأن كثيرًا من العاهات تبدأ مع الأولاد في ذلك السن؛ فإذا أهمل علاجها لازمت الأولاد طيلة أعمارهم. كما يحسن بالوالدين أن يقوما بشؤون الأولاد إذا أصيبوا بعاهات مزمنة، أو إذا ولدوا معاقين أو مصابين ببعض التشوهات الخِلقية، أو ما شاكل ذلك؛ فحريٌّ بالوالدين أن يقوما برعاية الأولاد، وأن يحسنا تربيتهم، وأن يشعروهم بمكانتهم، كما يحسن بهما أن يحتسبا الأجر، وأن يحذرا من التسخط، بل عليهم أن يحمدا الله، وأن يتحرَّيا الخيرة؛ فربما كان الخير في ذلك البلاء، وربما رحم الله الأسرة جميعها، وأدرَّ عليهم الأرزاق، ودفع عنهم صنوف البلاء، بسبب هؤلاء المساكين. معاشر الصائمين: للحديث صلة في الليلة القادمة -إن شاء الله تعالى- وصلى الله وسلم على نبينا محمد . تابع السلسلة من هنــــــــــــــــــــــــا تم تعديل August 29, 2010 بواسطه Mr Hamdy Ahmad شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر