.فلنتزود معا...ولنمض قدما.

[ابن تيميــــة 158]

أحبتي في الله تأملو معي قول الله تعالى (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) وقوله سبحانه ( ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون) يذكرنا الله في هاتين الآيتين بمشهدين خطيرين ذلك اليوم المشهود واللقاء الموعود..وقبل هذا اليوم لحظة ينتقل فيها الانسان من دار الغرور الى دار السرور أو دار الشرورأنها اللحظة التي يعرف الإنسان فيها ماهية الدنيا.. انها اللحظة التي تطوى فيها صحيفته اما على حسنات واما على سيئات... إنها اللحظة التي يحس فيها بالحسرة والألم على كل لحظة فرط فيها في جنب الله تعالى،وفوت عليه في الدنيا نعمة التزود ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون... وهاهو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ترتسم على لسانه نظرته الى الدنيا..حين قال (مالي وللدنيا..انما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها) فلاينبغي للمسلم ان يتخذ الدنيا وطنًا ومسكنًا يطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). فإن عمر الدنيا قصير..وأغنى غني فيها فقير...لقد رأينا من يملك الدنيا رحل بكفن..ومن لايملك شيئاً رحل بكفن...تساوى الجمع عند هذه الحفرة واختلفوا في داخلها فإما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار... اخوتي في الله فلنتفكر مافي الحشر والمعاد..ولندع طول النوم والرقاد ولنتفقد اعمالنا.. فإن في القيامة لحسرات، وإن عند الميزان لزفرات، فريق في الجنَّة وفريق في السعير.. ففريق يرتقون إلى الدرجات، وفريق يهبطون إلى الدركات.. وما بيننا وبين هذا الأمر إلا أن يُقال: فلان قد مات لا تأسف على الدنيا ومافيها**فالموت لاشك يفنينا ويفنيها واعمل لدار البقاء رضوان خازنها** والجار أحمد والجبار بانيها فعلينا جميعاً ان نفيق من رقادنا ولنبادر الى التوبة ولنستعد للقاء الله، ولنستثمر أوقاتَنا فيما يعود علينا نفعُها في الآخرة فنحن في نعمة كبيرة.. مازلنا على وجه الارض ونستطيع ان نتوب ونتزود ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون....والاموات يتحسرون على ساعة مضت في الدنيا وهم لايذكرون الله فيها.. ولنجعل من الدنيا مزرعة للآخرة وموسم للعبادات وزمن للطاعات ...منها نتزود للآخرة ونسير مرحلة الى الآجلة ..فالدنيا دار صدق لمن صادقها..ودار نجاة لمن فهم عنها..ودار غنى لمن تزود منها وبها الطريق الى الجنة يبنى.. اللهم احسن عاقبتنا في امورنا وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الاخرة اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه والحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه....وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... .فلنتزود معا...ولنمض قدما..والله ولي التوفيق