اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
دعوه للجنه

التجرد للدعوة من شيم الأوفياء

Recommended Posts

التجرد للدعوة من شيم الأوفياء

 

Pic50428.jpg

 

إن عمادَ نجاح الدعوات- بعد تأييد الله تعالى- معقود بحال من يحملها، فلا تنجحُ الدعوات أبدًا ما لم يتجردْ لها المؤمنون بها، فتأخذ عليهم لُبَّهم وكلَّ مشاعرهم، وتكون هي كل حاضرهم ومستقبلهم، فحياتُهم مرتبطةٌ بحياتها، ونصرُهم معلَّقٌ بنصرها، فإن تكلَّموا ففي الدعوة، وإن عملوا فللدعوة، وإن ساروا سارت معهم، وحيث وُجدت لا تفارقهم ولا يفارقونها.

 

 

والتجرد للدعوة هو تجرد للخير في أسمى معانيه، والتجرد للخير من سمات الملائكة المقربين، كما قال صاحب الإحياء: "والتجرد لمحض الخير هو دأب الملائكة المقربين، قال تعالى فيهم: ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)﴾ (التحريم).

 

 

* فما التجرد؟

 

كلمة التجرد في اللغة ممتدة وفعلها متشعب؛ ولكن الإمام البنا حين عرف التجرد قصد بكلماته (صدق الانتماء) للفكرة والمنهج والحركة، وألا يتورط صاحبها في السبل المتعددة، وما يترتب على ذلك من تشتت واضطراب فقال: "وأريد بالتجرد أن تتخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص؛ لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)﴾ (البقرة) ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ (الممتحنة: من الآية 4)… ولعل ذلك هو مقصد سيدنا عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- لفعل (جَرَدَ) لما قال: "جردوا القرآن …. ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم، فإن الشيطان يخرج من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة" (أخرجه ابن أبي شيبة).

 

 

ومعنى "جردوا القرآن" أي: لا تلبسوه شيئًا آخر ينافيه!!.. وهو عين المعنى الذي أراده الإمام البنا رحمه الله الذي كان صاحب مشروع إصلاح متكامل بحق!! وأن هذا المشروع قد ملك قلب الإمام وعقله؛ وقد بذل الإمام وضحى من أجل مشروعه حتى اصطفاه الله شهيدًا- نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا- ومن هنا تأتي كلمة (التجرد) لتحتل في مشروع الإمام موقعًا متميزًا! حتى جعلها ركنًا من أركان البيعة التي يقوم بها من وصفهم الإمام بـ"الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين الذين آمنوا بسمو دعوتهم، وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها، أو يموتوا في سبيلها".

 

 

* نموذج للتجرد فريد:

 

عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَأَخَذَهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟!

 

 

قَالَ- صلى الله عليه وسلم-: "قَسَمْتُهُ لَكَ"، قَالَ: مَا على هذَا اتَّبَعْتُكَ! وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا- وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ- بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ!

 

 

فَقَالَ النبي-صلى الله عليه وسلم-: "إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ".

 

 

فَلَبِثُوا قَلِيلًا، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ،: "أَهُوَ هُوَ؟!"قَالُوا: نَعَمْ.

 

 

قَالَ: "صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ".. ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فِي جُبَّته ثُمَّ قَدَّمَهُ، فَصَلَّى عليه فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ: "اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ". [النسائي: وصححه الألباني ].

 

 

* فانظر كيف كانت بداية هذا الأعرابي، من أول يوم أسلم فيه:

 

 

- لقد كان بادئ أمر هذا الأعرابي: إيمانًا، واتباعَا، وهجرةً، وجهادًا..! فلم يزل يجاهد نفسه في الإيمان، بحسن الاعتقاد، وكمال اليقين، وجمال التوكل. ولم يزل يجاهد نفسه في الاتباع، بحسن التأسي، وتمام الاقتداء بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.

 

 

ولم يزل يجاهد نفسه في الهجرة، فحمل نفسه حملاً، عن الشهوات والشبهات، وانتقل بنفسه من أرض الكفر إلى أرض الإيمان.

 

 

ولم يزل يجاهد نفسه في ساح الوغى، يركض إلى الله ركضًا، بغير زاد إلا التُقى وعمل الرشاد.

 

 

وهكذا، لم يزل يجاهد في الله، حتى هداه سبيل التجرد، فكان له ما كان من الشهادة والكرامة.

 

 

* جائزة التجرد:

 

وكانت جائزة هذا الأعرابي المتجرد عبارة عن حزمة من التكريمات النبوية والتشريفات المحمدية:

 

 

الأولى: أن صدّقه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: "صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ".

 

 

الثانية: أن كفنه النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فِي جُبَّته.

 

 

الثالثة: أن قدَّمه النَّبِي، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَصَلَّى عليه.

 

 

الرابعة: أن دعا له النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فقال: "اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ".

 

 

الخامسة: أن شهد له النبي بالشهادة، قال: "فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ".

 

 

في هذا المشهد، نرى صورة من روائع التجرد لله، وصورة رجاله الذين صدقوا الله فصدقهم: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24)﴾ (الأحزاب) فنالوا الجنة عن موقف تجردت فيه قلوبهم لله تمام التجرد، دون سابقة أعمال مأثورة أو تاريخ دعوي تليد، فقط دخلوا الجنة بوقفة وقفوها.

 

 

* لماذا التجرد؟

 

ترجع أهمية التجرد إلى:

 

1- خطورة المرحلة:

 

إنَّ دعوتنا المباركة في هذه المرحلة الدقيقة من عمرها- بعد الثورة- لفي حاجة ماسة إلى القلوب المتجردة الموصولة بالله، التي لا تعمل من أجل الصدارة في أي مجالٍ دعويًّا كان أم نيابيًّا أم نقابيًّا أم غيره، أو ابتغاء الظهور الذي يقصم الظهور، أو رغبة في الأجر العاجل، أو المثوبة الحاضرة، من مال يجمع، أو ذكر يرفع، كلا بل المتجرد حاله هو الذي أشار إليه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: "طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع". البخاري

 

 

2- تمحيص الصف:

 

في هذه الأيام، أيام انفتاح القنوات الفضائية بأنواعها للرموز الدعوية، وكتابة الصحف عنهم يوميًّا، لا بدَّ من اليقظة والمكاشفة مع الذات، فلا يعمل للدعوة بحق إلا مَن تجرد لها وعمل لها بإخلاص وبذل كل ما في وسعه من أجلها، يقول الإمام البنا: "دعوة الإسلام عامة تجمع ولا تفرق ولا ينهض بها ولا يعمل لها إلا مَن تجرَّد من كل ألوانه وصار لله خالصًا".

 

 

3- انتصار الدعوة:

 

يقول صاحب الظلال في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ (145)﴾ (البقرة: من الآية 145).

 

 

"لقد كان الله يُعدُّ هذه الجماعة لأمر أكبر من ذواتها وأكبر من حياتها. فكان من ثَمَّ يجردها من كل غاية، ومن كل هدف ومن كل رغبة من الرغبات البشرية- حتى الرغبة في انتصار العقيدة- كان يجردها من كل شائبة تشوب التجرد المطلق له ولطاعته ولدعوته.. كان عليهم أن يمضوا في طريقهم لا يتطلعون إلى شيء إلا رضى الله وصلواته ورحمته وشهادته لهم بأنهم مهتدون.. هذا هو الهدف، وهذه هي الغاية، وهذه هي الثمرة الحلوة التي تهفو إليها قلوبهم وحدها.. فأما ما يكتبه الله لهم بعد ذلك من النصر والتمكين فليس لهم، إنما هو لدعوة الله التي يحملونها..".

 

 

4- أقرب طريق للوصول إلى القلوب:

 

يوم يتنزه الناصح والداعي عن المطامع وحطام الدنيا تعلو مكانته عند الناس، ويعظم قدره في عيونهم، ويرون صدق إخلاصه، فيكون لذلك أثره في القبول: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾ (هود: من الآية 88)، ما لي عندكم من غرض، ولا فيكم من مآرب، إلا أن يجري الله الخير على يدي بما أقول، إبراء لذمتي، وهذا هو سبيل المتجردين.

 

 

* حال التجرد:

 

إن التجرد مرتبة سامقة، تحتاج إلى مجاهدة، ولا ينالها إلا من ألزم نفسه الطاعات وألجمها عن الشهوات وصرفها عن الشبهات.

 

 

قال المتنبي مخاطبًا نفسه:

 

تُرِيدينَ إتيانَ المعالي رخيصةً ولا بدَّ دون الشهدِ من إبْرِ النَّحلِ

- وهذه بعض من أحوال المتجردين:

 

1- إن المتجرد لدعوته يتقن عبادته:

 

ففي صلاته يوقن أن التجرد شرط قبولها، وهو لا يمن بصدقته على أحد، وعند صومه يجرد نفسه من جميع شهواته، وفي الحج يتجلى التجرد في أسمى معانيه في كل حركاته وسكناته.

 

 

2- والمتجرد لدعوته يرتفع عن الانتصار لذاته:

 

ولا ينتهز الفرص لتصفية الحسابات ممن خالفه في رأي أو مشورة، ويقتدي في ذلك بأمير المؤمنين علي- رضي الله عنه- عندما علا بسيفه على رجل من أهل الشرك في معركة مع الأعداء، فسبه الرجل وبصق في وجهه، فأمسك علي سيفه وتركه، فقيل لم؟ قال: خشيت أن أنتصر لنفسي فلا أكون قتلته ابتغاء مرضات الله عزَّ وجلَّ!.

 

 

3- والمتجرد لدعوته تسري الدعوة في حياته:

 

نعم تسري كما يسري الماء في عروق الشجر والكهرباء في الأسلاك، وتظهر في أخلاقه وعبادته، فيرق قلبه وتخشع نفسه، وتزداد رغبته في الدعوة ويشتد اهتمامه بها، وحرصه عليها، وإيفاؤه لحقوقها، حتى تثمر جهوده وقد لا تثمر في الدنيا وقد تثمر بعد حياته، فهذا هو النبي، صلى الله عليه وسلم، يخاطب بقوله تعالى: ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)﴾ (يونس).

 

 

4- والمتجرد لدعوته علت همته:

 

قال ابن القيم في المدارج: "همة العبد إذا تعلقت بالحق تعالى طلبًا صادقًا خالصًا محضًا فتلك هي الهمة العالية" ، نعم علت الهمة، فتعلقت بالله وحده، وسعت لمرضاته، وغضت الطرف عمن سواه. ورحم الله محمد بن واسع، فما قصته؟! خرج قتيبة بن مسلم في الشمال تجاه كابول بأفغانستان، ووصل إلى تلك المشارف، ولما صفَّ قتيبة بن مسلم الجيش وقابله الكفار قال قبل المعركة: التمسوا لي محمد بن واسع العابد الزاهد، فأتوا به وإذا محمد بن واسع قد توضأ واتكأ على رمحه، ورفع سبابته إلى السماء يتمتم ويدعو الحي القيوم بالنصر: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (آل عمران: من الآية 126)؛ فعادوا وأخبروا قتيبة بن مسلم فتهلل وجهه وقال: والله الذي لا إله إلا هو! لأصبع محمد بن واسع خيرٌ عندي من مائة ألف سيفٍ شهير ومائة ألف بطل طرير، وبدأت المعركة ونصر الله المسلمين، وانتهت المعركة وقدمت الغنائم من الذهب والفضة إلى قتيبة بن مسلم، وكان يرى الكُتُل من الذهب والفضة والجواهر والكنوز تقدم إليه، فكان يقول للقواد: أترون أن أحدًا من الناس يعطى هذا فيرده؟

 

 

قالوا: لا ما نرى أحدًا من الناس يعطى شيئًا من الذهب والفضة ثم يرده، قال: والله لأرينكم رجالاً من أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، الذهب والفضة عندهم أقل وأرخص من التراب، فقال: عليَّ بمحمد بن واسع.

 

 

5- والمتجرد لدعوته يؤثر ما عند ربه:

 

فهو يؤمن بقول حبيبه: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس" رواه ابن ماجه وصححه الألباني، ومن هنا قرأنا في تاريخنا قصة ذلك الذي عثر على حُقٍّ من الجوهر الغالي الثمين في القادسية، فقدمه إلى الأمير طائعًا، فعجب من أمانته وقال: (إن رجلاً يتقدم بمثل هذا لأمين, ما اسمك؟ حتى أكتب به إلى أمير المؤمنين فيجزل عطاءك، ويعرف اسمك) فقال الرجل: (لو أردت وجه أمير المؤمنين ما جئت بهذا، وما وصل علمه إليك ولا إليه، ولكن أردت وجه الله الذي يعلم السر وأخفى، وحسبي علمه ومثوبته).وانصرف ولم يذكر اسمه، وآثر ما عند الله على ما عند الناس.

 

 

6- المتجرد لدعوته متحرر من هوى نفسه:

 

فلقد حذر القرآن الكريم أشد التحذير من اتباع الهوى، يقول تعالى لداود عليه السلام: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (ص: من الآية 26)، ويقول تعالى لنبيه محمد عليه السلام في شأن المعرضين عن دعوته: ﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ﴾ (القصص: من الآية50).

 

 

وهذا الهوى المتحكم هو الذي يجعل الإنسان يستمع إلى الحق فلا يعي منه شيئًا، فهو يريد إخضاع كل شيء لهواه، فالنصوص عنده تابعة لا متبوعة، والنتائج عنده سابقة على المقدمات، فهو لا يقرأ ليصل إلى الحقيقة أيًّا كانت، بل يقرأ ويبحث عما يعضد فكرته، وينصر رأيه ومعتقده، فإن وجد ما يسنده- ولو من بعيد- هلل وكبر، وإن وجد ما يعارضه غض الطرف عنه، واجتهد في إهالة التراب عليه لو استطاع، وإلا صوَّب إليه سهام التأويل المتكلف. فهو لا يعي ما أشار إليه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى حين قال: "ما ناظرت أحدًا قط فأحببت أن يخطئ". وقال أيضًا: "ما كلمت أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويُعان، وما كلمت أحدًا قط إلا ولم أبالِ بَيّنَ الله الحق على لساني أو لسانه".

 

 

ومن الأدعية المأثورة ما أخرجه مسلم أنه، صلى الله عليه وسلم، كان يفتتح صلاته من الليل: "اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".

 

 

فإذا كان الرسول المؤيَّد بالوحي يدعو الله تعالى بهذا الدعاء الجامع الحار، يسأله الهداية لما اختلف فيه من الحق، أي: الزيادة فيها والثبات عليها. فكل ناشد للحق أولى بهذا الدعاء، فما أحوجنا أن نتجرد في طلبنا للحق وأن ندور معه حيث دار، وأن ننصره حيث كان ومن أي جهة صدر!، فإنه وربي من علامة الصدق والإخلاص.

 

 

بهذه المعانى السامية، والأخلاق المتينة تنتصر الدعوات، وتتحقق الأمنيات، وننال رضا رب البريات.

 

أسأل الله أن يرزقنا التجرد في أسمى معانيه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  • أعجبني 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥



×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..