اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
عاشق الصداقه

د. رفيق حبيب يكتب : مخاوف علمانية

Recommended Posts

د. رفيق حبيب يكتب : مخاوف علمانية

 

1308728257.jpg

 

تستمر حملة الدستور أولا بصور مختلفة، فهي أحيانا تطالب بوضع الدستور قبل الانتخابات البرلمانية، وأحيانا تتحول إلى المطالبة بالاتفاق على مسودة دستور قبل الانتخابات البرلمانية، توافق عليها كل القوى والأحزاب السياسية. وفي كل المقترحات نجد صيغة تتكلم عن مواد فوق دستورية لا يجوز تعديلها في المستقبل، ويمنع على أي طرف محاولة تعديلها. إذن الهدف من حملة الدستور أولا بكل ملحقاتها، هي الوصول إلى دستور قائم على عدد من المواد غير القابلة للتعديل. وفي كل الأفكار المطروحة، نجد أن المادة الثانية الخاصة بأن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع، موجودة ضمن المواد فوق الدستورية غير القابلة للتعديل أيضا. لهذا يبرز التساؤل حول حقيقة هذه الحملات، وما هو مصدر الخوف الحقيقي لدى جماعة العلمانيين من المستقبل ومن دور الأحزاب الإسلامية؟

 

إذا كانت كل أطراف الجماعة العلمانية قد وافقت على بقاء المادة الثانية من الدستور، واعتبرت أن المس بها يثير فتنة سياسية في البلاد، فإن معنى هذا أن الجماعة العلمانية قد وافقت فجأة على أن الدولة القائمة إسلامية، وأن النظام السياسي قائم على المرجعية الإسلامية، مما يعني أننا بصدد دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية. والمدنية هنا تعني أنها دولة غير عسكرية وغير بوليسية، ولا معنى لكمة المدنية أكثر من هذا، خاصة وأن جماعة العلمانيين ترى أن المدنية لا تعني العلمانية، وهي في الواقع لا تعني العلمانية، وإن كانت تستخدم وكأنها الاسم الحركي للعلمانية!

 

وهنا تظهر المشكلة، فالموافقة على المادة الثانية من الدستور، والقول بأن الدولة دينها الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، يعني أن سلطات الدولة مقيدة بالمرجعية الإسلامية، مما يعني أن الدولة إسلامية صراحة وليس ضمنا. وإذا كانت جماعة العلمانيين سلمت بأن الدولة لن تكون إلا إسلامية ولن تكون بالتالي علمانية، وأن الكل سوف يعمل من داخل إطار دولة إسلامية، فأين المشكلة إذن؟

 

المشكلة المعلنة إعلاميا، تتمثل في أن جماعة العلمانيين تريد نصوص فوق دستورية تمنع من قيام أي حزب أو جماعة بفرض تفسيرها للمرجعية الإسلامية، بصورة تتجاوز قواعد المواطنة والمساواة والديمقراطية، لذا تريد تحصين المواد المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية ضد أي محاولة لتعديلها في المستقبل. إذن الخوف من تيار أو حزب متشدد، ولكن ما تصرح به الجماعة العلمانية يؤكد على أن مخاوفها تشمل كل التيار الإسلامي بكل أحزابه وجماعاته. ومعنى هذا، أن جماعة العلمانيين تفترض أن حزب إسلامي ما، سوف يكشف عن وجه متشدد في المستقبل، وسوف يحظى بتأييد شعبي واسع يمكنه من الحصول على ثلثي مقاعد مجلس الشعب، ليطلب تعديل الدستور، أو تغييره كله، وأنه سوف ينجح في تحقيق الأغلبية اللازمة لتعديل الدستور، وسوف يحظى بتأييد شعبي واسع على التعديلات التي خطط لها.

 

وهنا تصبح المشكلة أننا أمام حالة تحظى بتأييد شعبي واسع، ويراد منع هذه الحالة بوضع قيود دستورية تمنع أغلبية الشعب من تعديل الدستور. والقاعدة التي تنادي بها جماعة العلمانيين ترى أن صندوق الانتخاب ليس هو القاعدة، وأن الأغلبية ليست صاحبة القرار دائما. مما يجعل من الضروري منع الأغلبية من تعديل الدستور. وهنا نجد أننا أمام عدة مغالطات، وأولها أن نفترض أن الأحزاب الإسلامية لديها جدول أعمال خفي، وثانيها أن نفترض أن المجتمع يؤيد هذه الأحزاب بجدول أعمالها المعلن وسوف يؤيدها بجدول أعمالها الخفي، أي أن المجتمع سوف يؤيد هذه الأحزاب في كل الحالات، ومهما فعلت، وهذا حكم ظالم للمجتمع، كما أنه حكم ظالم للقوى والأحزاب الإسلامية.

 

والمشكلة الأكبر، أن الرؤية التي تحملها جماعة العلمانيين تفترض أن المجتمع يمكن أن يكون كله متطرفا ومتشددا، وأن وسطية المجتمع واعتداله يمكن أن تغيب عنه بالكامل، لدرجة تجعله يحاول إلغاء قواعد المواطنة والمساواة. لأنه لا يوجد حزب واحد قادر على تغيير الأوضاع الدستورية، إلا إذا كان ذلك رغبة شعبية واسعة. ومعنى هذا، أن الخوف الحقيقي من الشعب، وليس من الأحزاب الإسلامية. ورغم أن الجماعة العلمانية تردد دائما أن المجتمع يخشى من الحركات الإسلامية، هكذا على الإطلاق، فإنها تفاجئنا بعد ذلك بمواقف تفترض أن الشعب أساسا متطرف. لذا نجد أن دعاوى وضع الدستور أولا، ودعاوى وضع مواد فوق دستورية غير قابلة للتعديل، تفترض أن المجتمع غير مؤتمن على الدستور الجديد، وعلى التحول الديمقراطي، وأن المجتمع يمكن أن يحول البلاد إلى نظام حكم لا يقوم على المساواة والمواطنة، لذا ترى جماعة العلمانيين أهمية وضع قيود على المجتمع المصري، تمنعه من إظهار وجهه المتشدد والمتطرف المحتمل من وجهة نظرها.

 

ولكن المدقق في خطاب جماعة العلمانيين يكتشف سببا آخر لحملة الدستور أولا، وحملة المواد فوق الدستورية غير القابلة للتعديل، ويتمثل هذا السبب في أن موافقة جماعة العلمانيين على المادة الثانية والمرجعية الإسلامية، ليست إلا موافقة شكلية، والمراد وضع مواد فوق دستورية، تشمل المادة الثانية، وفي نفس الوقت توقف فاعليتها، بأن تضع كل المواد الأساسية الأخرى فوق المادة الثانية، بحيث تصبح المادة الثانية محكومة بالمساواة والمواطنة، وليست منظمة للمساواة والمواطنة داخل إطار قيمها، بما يسمح بتطبيق المساواة والمواطنة بالمعنى الغربي، أو بأي معنى آخر، وتصبح المرجعية الإسلامية مقيدة بالمفاهيم الغربية عن حقوق الإنسان والحرية وغيرها، بدلا من أن تكون مصدرا لمعنى تلك القيم. وبهذا تتحول المادة الثانية إلى مادة غير قابلة للتطبيق.

 

وبهذا نصل مرة أخرى إلى جوهر الخلاف، فالأحزاب الإسلامية تؤيد المرجعية الإسلامية، التي تحقق المساواة والمواطنة والحريات العامة والخاصة، طبقا للقيم والتقاليد المستمدة من المرجعية الحضارية الإسلامية، ولكن الجماعة العلمانية تؤيد نفس الحقوق والحريات، ولكن طبقا للمرجعية الغربية، فهي جماعة علمانية في النهاية، حتى وإن استخدمت عنوانا مدنيا !

 

نقلاً عن موقع || حزب الوسط

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

المقال رائع وهام جداً

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

ايه الراجل ده ..

كلامه موزون وعقلاني جداً جداً ...

بجد مقاله أكثر من رائع ويستحق الإشادة والإحترام ..

جزاك الله عنا خيراً حبيبي عاشق الصداقة :) ..

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

جزيتم خيرا ان شاء الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

ايه الراجل ده ..

كلامه موزون وعقلاني جداً جداً ...

بجد مقاله أكثر من رائع ويستحق الإشادة والإحترام ..

جزاك الله عنا خيراً حبيبي عاشق الصداقة :) ..

 

جزاك الله خيراً حبيبى علاء

المقال من روعته - قرأ جزئيات منه الشيخ محمد عبد المقصود على قناة الناس ،، وأشار اليه والى قوته ،، وكان هذا رأيى فيه منذ قرأته أيضاً

شكراً لمرورك حبيبى

 

جزيتم خيرا ان شاء الله

 

وخيراً جزاكم أختى الفاضله وبارك الله فيكِ لمشاركاتك ومرورك الكريم الذى يشرف موضوعاتى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..