اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
دعوه للجنه

البر بغير المسلمين منهج إلهي

Recommended Posts

 

 

 

 

 

47244180.gif

 

 

 

البر بغير المسلمين منهج إلهي

 

تتوق أحلام العقلاء من الناس أن يتعايشوا في سلام وتفاهم مع المخالفين لهم في العقيدة والجنس والأفكار، وقد تتطور هذه الأحلام والآمال فتطلب احترامًا متبادلاً بين الأطراف المختلفة، أو تطلب عدلاً في التعامل؛ فلا ظلم ولا عدوان.

 

وقد يحلم القليل بما هو أسمى وأرقى، وهو أن يصل التعامل -ولو في موقف من المواقف- إلى درجة الألفة والإحسان؛ فتتبادل الابتسامات -وأحيانًا الهدايا- ويسود جوٌّ من الهدوء والأمان.

 

 

لكن أن يصبح الإحسان إلى المخالفين، والبرِّ بالمعارضين، قانونًا أصيلاً يُتَّبَعُ في غالب مظاهر الحياة، فهذا ما لا يخطر على بال أحد!!

 

 

هذا هو الإسلام الذي لا يعرفه كثير من العالمين، بل قد لا يعرفه كثير من المسلمين..!!

 

 

سنتناول –بحول الله تعالى- هذا البر النبوي بغير المسلمين، وذلك من خلال النقاط التالية:

 

 

 

 

البر بغير المسلمين منهج إلهي

 

 

بره الرسول بغير المسلمين

 

البر بمن آذاه من غير المسلمين

 

<a name="_Toc156441822">

 

 

البر بغير المسلمين منهج إلهي<h2 align="center"></h2> ينبع جمال المنهج الإلهي في البر بغير المسلمين من كونه ليس قانونًا بشريًّا يصطلح الناس على إقراره أو إلغائه، ولكن من كونه قانونًا إلهيًّا سماويًّا، يتعبد المسلمون لربهم بتطبيقه..

 

يقول تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

 

 

ألا ما أعظمه من إلهٍ!

 

وما أرحمه من ربٍّ!

 

إنه يوصي المؤمنين أن يَبَرُّوا طائفة من البشر رفضت دعوة الله ، وخالفت نبيه، واتبعت منهجًا مخالفًا لما أراده سبحانه!!

 

والمسلمون يتقرَّبون إلى ربهم ببرِّ هؤلاء المخالفين لهم في العقيدة، ما داموا لم يحاربوهم أو يظلموهم!!

 

و{أَنْ تَبَرُّوهُمْ} -كما يقول ابن كثير في تفسيره- أي: تحسنوا إليهم[1].

 

 

والبرُّ درجة أعلى من القسط، بدليل أن الله أضاف القسط إليها فقال:{أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}.

 

 

ولاحظ أن الله جاء بكلمة لا تُستخدم إلا في أعظم صور التعامل وأرقاها، فهي تستخدم في وصف صورة التعامل بين الأبناء وآبائهم وأمهاتهم، كما يقول رسول الله عندما سُئِل عن أي العمل أحب إلى الله فقال: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا». قال السائل: ثم أيُّ؟ قال: «ثُمَّ

بِرُّ الْوَالِدَيْنِ»[2].

 

 

وقال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]..

 

 

ومثال ذلك كثير في القرآن والسنَة، وكلها يشير إلى عظم قيمة «البر».

 

 

فهذه هي الدرجة التي يريد الله منا أن نتعامل بها مع غير المسلمين في حالة عدم حربهم لنا..

 

 

وإذا كان هذا القانون معجزًا في سُمُوِّه ورُقِيِّه، فقد كانت سيرة رسول الله معجزة أيضًا في تطبيق هذا القانون وممارسته.

 

 

 

[1] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 4/447.

 

[2] البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة على وقتها (504)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (85).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

 

 

 

معاملة الرسول غير المسلمين

 

 

لقد كانت العلاقة بين الرسول وبين المخالفين له أعلى بكثير من مجرد علاقة سلام ووئام، إنها كانت علاقة «بِرٍّ» بكل معاني الكلمة.

 

 

20374_image002.jpg

 

 

ونحن لا نخالف الحقيقة إذا قلنا: إن رسول الله كان يعامل غير المسلمين المحيطين به معاملة الرجل لأهله، فها هو أنس t يروي موقفًا عجيبًا من مواقف رسول الله فيقول: «كان غلام يهودي يخدُم النبي ، فمرض، فأتاه النبي يَعُودُهُ، فقعد عند رأسه فقال له: «أَسْلِمْ» فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم. فأسلم، فخرج النبي يقول: «الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ»[1].

 

وتدبر جيدًا بعقلك وقلبك!

 

هذا رسول الله يستعمل غلامًا يهوديًّا في الخدمة، ولا يمتنع عن ذلك؛ ليجعل الحياة مع أصحاب الديانات الأخرى في داخل المدينة المنورة حياة طبيعية. ثم يمرض هذا الغلام، فيذهب رسول الله ليعوده في بيته!!

 

 

إننا يجب أن ندرك -لنعرف قيمة الموقف- أن الرسول هو أعلى سلطة في المدينة المنورة، والغلام اليهودي لا يعدو أن يكون خادمًا، وعلى غير مِلَّة الإسلام!

 

 

أيحدث في بقعة من بقاع الأرض أن يزور رئيس البلاد خادمًا له إذا مرض، وخاصة إذا كان على غير دينه؟!

 

 

إننا قد اعتدنا أن نقرأ مثل هذه المواقف عن حبيبنا فلم نعُدْ نحلِّل وندرس، ولكن الوقوف للتدبُّر في مثل هذه الكنوز يعطينا فيضًا هائلاً من الخير والحكمة.

 

 

ثم إنه لا ينسى وظيفته الأولى في الدنيا وهي البلاغ؛ فيدعوه للإسلام، فيُسلِم الغلام، فيخرج النبي فرحًا بإسلامه، كأنما أسلم أحد أحب أهله إليه.

 

 

إن هذا هو البرُّ -حقيقةً- في أسمى صوره.

 

 

 

موقف أسماء بنت أبي بكر مع أمها

 

 

 

وهذه

أسماء بنت أبي بكر[2]-رضي الله عنها- تحكي فتقول: قدمت عليَّ أمي[3]

 

وهي مشركة في عهد قريش، إذ عاهدوا رسول الله ، فاستفتتْ رسول الله فقالت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليَّ وهي راغبة، أَفَأَصِلُهَا؟ قال: «نَعَمْ، صِلِيهَا»[4].

 

ها هو يأمر أسماء بنت أبي بكر –رضي الله عنها- أن تصل أمها المشركة، ومع أن دولة قريش في ذلك الوقت كانت دولة محاربة، ولكنها في عهد مؤقت، فلم يمنع المرأة المشركة من دخول المدينة، ولا دخول بيت أسماء ل ، وهو بيت الزبير بن العوام[5] t، وهو من كبار رجال المدينة، وقد يكون لديه من الأسرار ما لا يجب أن يطَّلع عليه المشركون، ومع ذلك فإن رسول الله لا يَحْرِمُ أمًّا مشركة من زيارة ابنتها المسلمة، ولا يحرم بنتًا مسلمة من بِرِّ أمها المشركة.

 

هكذا بمنتهى التسامح وبأعلى درجات الرضا.. إنه لم يفكر ولم يتردد.. فليس في البرِّ تردُّد!!

 

 

 

عمر بن الخطاب يهدي رجلا مشرك

 

</h2> وفي موقف آخر لطيف يرويه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، ويذكر فيه أن عمر بن الخطاب رأى حُلَّة سيراء[6]

 

 

عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله، لو اشتريتَ هذه فلبستَها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك. فقال رسول الله : «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ». ثم جاءت رسولَ الله منها حُلَلٌ، فأعطى عمر بن الخطاب t منها حُلَّةً، فقال عمر: يا رسول الله، كَسَوْتَنِيهَا وقد قلت في حُلَّة عطارد ما قلت؟! قال رسول الله : «إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا». فكساها عمر بن الخطاب t أخًا بمكة مشركًا[7]!!

 

 

فعمر t يُهْدِي هذه الحُلة لأحد إخوانه المشركين[8]،

ورسول الله لا يعترض، وإقراره -كما هم معلوم- سُنَّة.

 

 

يقول الإمام النووي -رحمه الله- معلقًا على هذا الموقف: «وفي هذا دليلٌ لجواز صلة الأقارب الكفار، والإحسان إليهم، وجواز الهدية إلى الكفار»[9].

 

 

 

 

موقف نصارى نجران مع رسول الله

 

 

بل إن رسول الله فعل ما يَتَعَجَّبُ منه كثير من الناس، وهو السماح لنصارى نجران أن يؤدوا صلواتهم داخل المسجد النبوي!!

 

 

يقول ابن سيد الناس[10] -رحمه الله- في عيون الأثر: «وقد حانت صلاتهم، فقاموا في مسجد رسول الله يصلون، فقال رسول الله : (دَعُوهُمْ)، فَصَلَّوْا إلى المشرق»[11].

 

 

إنهم لا يدخلون المسجد النبوي فقط، بل يصلون فيه، وفي هذا ما لا يخفى على أحد من البرِّ والتسامح.

 

[1] البخاري: كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلَّى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام (1290)، والترمذي (2247)، والنسائي في سننه الكبرى (7500).

 

[2] هي أسماء بنت أبي بكر الصديق، كانت تحت الزبير بن العوام، وكان إسلامها قديمًا بمكة، ثم هاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير، فوضعته بقباء. وقد توفيت بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد مقتل ابنها عبد الله بن الزبير بيسير. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 6/12، وابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم (10791).

 

[3] هي قُتيلة بنت سعد من بني عامر بن لؤي، امرأة أبي بكر الصديق، وهي أم عبد الله وأسماء. ذكرها ابن الأثير في الصحابيات، وقال: تأخر إسلامها. قدمت إلى المدينة وهي مشركة بعد صلح الحديبية. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 6/242.

 

 

[4] البخاري: كتاب الهبة وفضلها، باب الهدية للمشركين (2477)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين (1003).

 

 

[5] هو الزبير بن العوام، يُكنى أبا عبد الله، أمه صفية بنت عبد المطلب بن هاشم، لم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله. كان أول من سلَّ سيفًا في الإسلام، وقد استشهد t يوم الجمل. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 1/151، وابن الأثير: أسد الغابة 1/377، وابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم (2791).

 

 

[6] حُلَّة سيراء: من الحرير الخالص، وهي مُحَرَّمة على الرجال.

 

 

[7] البخاري: كتاب الجمعة، باب يلبس أحسن ما يجد (846)، ومسلم: كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة (2068).

 

 

[8] عثمان بن عبد حكيم، وهو أخو عمر من أمه، ومُختَلف في إسلامه بعد ذلك. انظر: ابن حجر: فتح الباري 1/331.

 

 

[9] النووي: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 14/39.

 

 

[10] ابن سيد الناس: هو محمد بن أبي عمرو، الإمام أبو الفتح الأندلسي، الشهير بابن سيد الناس (661 - 734هـ)، كان صدوقًا في الحديث حجة فيما ينقله، له بصر نافذ بالفن وخبرة بالرجال وطبقاتهم. من تصانيفه: بشرى اللبيب بذكر الحبيب. انظر: الصفدي: الوافي بالوفيات 1/126، والباباني: هدية العارفين 1/528.

 

 

[11] ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/348.

 

 

تم تعديل بواسطه دعوه للجنـــــة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

 

بر الرسول بمن أذاه من قريش

 

على الرغم من روعة المواقف السابقة وعظمتها، فإننا قد نستوعبها ونفهمها.. لكن الذي يصعب استيعابه حقًّا هو بر الرسول بأولئك الذين آذوه واشتدوا في إيذائه؛ فقد يكون مطلوبًا من الإنسانِ الكريمِ الخُلُق أن يتعامل بالعدل مع من اعتدى عليه وظلمه، أما أن يتعامل بالفضل والبر والإحسان، فهذا أمر عجيب حقًّا!!

 

بر الرسول بمن آذاه

</h2> إننا كثيرًا ما نقرأ قول رسول الله : «صِلْ مَن قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ»[1]، فنعتقد أن الأمر مقصور على المسلمين، ونحن معذورون في ذلك؛ لأن وصل القاطع، وإعطاء الذي حَرم، والعفو عمن ظلم - أمرٌ صعب، حتى لو كان الفاعل مسلمًا، فما البال لو كان غير مسلم؟!

 

ومع ذلك، فالأمثلة في حياة رسول الله على هذه الشاكلة كثيرة جدًّا، وكلها آيات في سُمُوِّ الأخلاق، وقمة الأدب.

 

 

ولقد فعل رسول الله ذلك مع الأفراد والجماعات، وفعله مع القبائل والمدن.. فيروي جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما، أن رسول الله قاتل محارب خصفة[2] بنخل، فرأوا من المسلمين غِرَّةً، فجاء رجل منهم يقال له: غورث بن الحارث حتى قام على رأس رسول الله بالسيف، فقال: من يمنعك مني؟ قال: «اللهُ». فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله فقال: «مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟!» قال: كن كخير آخذ. قال: «أَتَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟» قال: لا، ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك. فخلَّى سبيله!! قال: فذهب إلى أصحابه[3]

قال: قد جئتكم من عند خير الناس»[4].

 

 

فهذا رجل أمسك السيف، ووقف به على رأس رسول الله يتهدده بالقتل، ثم نجَّى الله رسوله، وانقلبت الآية، فأصبح السيف في يد رسول الله ، ومع ذلك فالحقد والغلُّ لا يعرفان طريقهما أبدًا إلى قلبه .. إنه يعرض عليه الإسلام، فيرفض الرجل، ولكن يعاهده على عدم قتاله، فيقبل منه رسول الله ببساطة، ويعفو عنه، ويطلقه آمنًا إلى قومه!!

 

 

 

 

بر الرسول مع قريش<h2>

ولم يكن رسول الله يكتفي بالعفو والتفضل والبر مع الأفراد دون القبائل والجماعات، بل كان يُطْلِق عفوه هذا على أقوام كُثُر، وعلى مدن عظيمة بها المئات والآلاف ممن اعتدوا عليه، وتمادوا في إيذائه..

 

إنه رأى من قريش ما لا يوصف من العنت والإيذاء.. آذوه في نفسه، وفي أصحابه.. آذوه جسديًّا ومعنويًّا.. لم يتركوه في مكة ولا في المدينة، وطاردوا أصحابه في كل مكان حتى تابعوهم في الحبشة..!!

 

إنها حرب طويلة مريرة لسنوات طويلة..!!

 

 

ويأتي

يوم أحد لتتفاقم المأساة، ويشتد الخطب، وتعظم المصيبة، ويقتل القرشيون سبعين من خيرة الصحابة، ويمثل القرشيون بأجساد الشهداء -وفي مقدمتهم حمزة t- في مخالفة واضحة لأعراف وقيم الجزيرة العربية، ويتقطع رسول الله ألمًا وهو يرى أجساد أصحابه ممزقة على أرض أحد، ويتربصون به شخصيًّا، ويجرحونه في كل موضع من جسده حتى لا يقوى على القيام في صلاة الظهر فيصلي جالسًا، وتتفجر الدماء من وجهه ، وتُبْذَلُ المحاولات المضنية لوقف النزيف، ويُحَاصَرُ الرسول وبعض أصحابه في الجبل..

 

 

إنها لحظة من أشد لحظات حياته شدة وقسوة..!!

 

 

في هذا الجو من الألم والحزن والضيق، يمسح الدم عن وجهه ويقول: «رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»[5]!!

 

 

إنه يعاملهم معاملة الأب الحنون الذي يرى ابنه عاقًّا ومنحرفًا ومؤذيًا له وللمجتمع، فيرفع يده للسماء ليدعو له، لا ليدعو عليه.

 

 

وتستمر تحديات قريش لرسول الله ، وتتعدد الجولات، وتحرص قريش في يوم الأحزاب على استئصال خضراء المسلمين جميعًا، ولكنها تفشل بعد أن جمعت عشرة آلاف مقاتل من الجزيرة العربية، وتمنع الرسولَ من دخول مكة للعمرة في العام السادس.

 

 

 

موقف الرسول في فتح مكة

ثم يكون صلح الحديبية، وتنقض

قريش العهد، ويذهب رسول الله بجيشه العملاق، ويدخل مكة فاتحًا بعد أكثر من عشرين سنة من الاضطهاد والتعذيب له ولأصحابه، ويجتمع القوم الذين لم يُدركوا قيمة (العظيم) الذي كان يعيش بينهم.. ويتوقع الجميع يومًا داميًا تُعوَّض فيه آلام السنوات السابقة، ويقف المتكبرون من أهل قريش في ذِلَّةٍ وصَغار أمام رسول الله ينتظرون حُكمًا رادعًا بقتلٍ، أو نفي، أو استرقاق..

 

 

ويتساءل الرسول العظيم في رقَّةٍ وتلطفٍ وتواضعٍ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟» قالوا: خيرًا، أخٌ كريم، وابنُ أخٍ كريم. قال:

 

«اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»[6]!!

 

 

 

هكذا..!!

 

 

دون عتاب ولا لوم ولا تقريع!!

 

 

إنه لمن أعجب مواقف التاريخ حقًّا!!

 

 

وليس الموقف عجيبًا بالنسبة لنا فقط، بل كان عجيبًا بالنسبة للصحابة المعاصرين له –رضي الله عنهم أجمعين- أجمعين..

 

لقد

قال سعد بن عبادة t وهو يخاطب أبا سفيان بن حرب زعيم مكة: «يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحل الكعبة»[7].

 

 

وما ذكره سعد بن عبادة t لا يعدُّ عجيبًا، ولا يعتبر تعدِّيًا منه أو قسوة، فهذا الذي ذكره هو المتوقَّع بعد تلك الرحلة الطويلة من الصدِّ، والإعراض من أهل مكة.

 

 

لكن كلمة سعد بلغت رسول الله ، فقال: «كَذَبَ سَعْدٌ[8]، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ»[9].

 

 

وفي رواية أنه قال: «الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ، الْيَوْمَ يُعِزُّ اللهُ فِيهِ قُرَيْشًا»[10].

 

 

وقد تعجَّب الأنصار –رضي الله عنهم- من هذا البرِّ غير المسبوق، فقال بعضهم لبعض: أمَّا الرجل[11] فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته!!

 

 

قال

أبو هريرة t: وجاء الوحي، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله حتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي قال رسول الله : «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ». قالوا: لبيك يا رسول الله. قال: «قُلْتُمْ: أَمَّا الرَّجُلُ فَأَدْرَكَتْهُ رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ؟» قالوا: قد كان ذاك. قال: «كَلاَّ، إِنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، هَاجَرْتُ إِلَى اللهِ وَإِلَيْكُمْ، وَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ». فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضنَّ بالله وبرسوله. فقال رسول الله : «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ»[12]!!

 

 

إن الموقف أكبر من استيعاب الأنصار –رضي الله عنهم- مع عظم أخلاقهم وحسن سريرتهم، والرسول يعلم أن استيعاب مثل هذا الموقف صعب، فيقول: «إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ»!!

 

 

ولم يكن هذا الموقف العظيم هو الوحيد في ذلك اليوم المشهود، ولكن كانت هناك مواقف أخرى لعلها أكثر عجبًا، سنأتي لشرحها -إن شاء الله- في المقالات القادمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] رواه أحمد 17488، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن.

 

[2] محارب خصفة بن قيس بن غيلان من بطون عدنان.

 

[3] ذكر ابن حجر أن قومه أسلموا. انظر: ابن حجر: فتح الباري 7/428.

 

[4] البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع 3905، ومسلم: كتاب الفضائل، باب توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس 843.

 

[5] البخاري: كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب إذا عرَّض الذمي بسب النبي ﷺ ولم يصرح نحو قوله: السام عليكم 6530، ومسلم: كتاب الجهاد والسير: باب غزوة أحد 1792.

 

[6] ابن هشام: السيرة النبوية 2/411، وابن القيم: زاد المعاد 3/356، والسهيلي: الروض الأنف 4/170، وابن كثير: السيرة النبوية 3/570. وانظر: ابن حجر: فتح الباري 8/18، وقال الألباني: سنده ضعيف مرسل.

 

[7] البخاري: كتاب المغازي، باب أين ركز النبي رايته يوم الفتح 4030.

 

[8] يقول الحافظ ابن حجر: كذب؛ أي: أخطأ، وغير إطلاق الكذب على الإخبار بغير ما سيقع، ولو كان قائله بناه على غلبة ظنه وقوة القرينة. انظر: ابن حجر: فتح الباري 8/9.

 

[9] البخاري: كتاب المغازي، باب أين ركز النبي رايته يوم الفتح 4030، ورواه البيهقي في سننه الكبرى 18058.

 

[10] انظر: ابن حجر: فتح الباري 8/9.

 

[11] يقصدون رسولَ الله.

 

[12] مسلم: كتاب الجهاد، باب فتح مكة 1780، وأبو داود 3024 مختصرًا، والنسائي 13561، وأحمد 10961، وابن أبي شيبة 17845.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

 

 

 

 

 

يتبع ان شاء الله

 

 

 

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥



×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..