اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
VIRUS

فتنة المسيح الدجال (بحث مفصل)

Recommended Posts

سعيد الكثيري

 

أحاديث المسيح الدجال بعيون علمانية (2)

 

 

لو طلبنا من أي علماني أو عقلاني في عصرنا الحاضر وفي لحظتنا الراهنة أن يضع هو وأن يرسم هو صورة كلية للحضارة الغربية كما يعيشها ويعرفها ويراها ، فماذا سيقول ؟!!

 

هنا سنضع شرطين منطقيين يجب على العلماني أو العقلاني أن يتقيد بهما في تصويره للحضارة الغربية . وهذان الشرطان هما :

 

الأول : أن تكون الصورة تشبيهية ورمزية وأن تصاغ بما يناسب لغة وخيال ومدارك أهل القرون الماضية وشكل ومعطيات الحياة في عصرهم .

لماذا هذا الشرط ؟!

 

لكي تكون الصورة التي سيقدمها قابلة للاستيعاب من قبل أهل القرون الماضية ولكي لا يتم الإثقال عليهم وإشغالهم بما يفوق قدرتهم على الاستيعاب أو التصور .

 

أما الشرط الثاني فهو : أن يتعمد ملء الصورة التي سيقدمها بالأدوات والوسائل اللغوية والتعبيرية التي تجعل العلم اليقيني بمدلولاتها مستحيلاً لمن لم يطلع على صورة الحضارة الغربية كما نعايشها ونراها .

 

لماذا هذا الشرط ؟!

 

لكي يعادل ويوازي به مسالة حجب الأمور الغيبية عن الناس قبل تحققها .

 

الآن ، لنتصور أن أي علماني أو عقلاني في عصرنا - وبدون مواقف مسبقة أو حرص على الانتصار للثقافة الإسلامية أو للثقافة الغربية - حاول رسم صورة تشبيهية ورمزية للحضارة الغربية ، وتعمد أن يكون إدراك مدلولات تلك الصورة مستحيلاً بالنسبة لمن عاشوا قبل ظهور هذه الحضارة . فما هي الصورة التي يمكن لهذا العلماني أو العقلاني أن يقدمها ؟!

 

أزعم وأجزم أنه بقدر دقته وموضوعيته واتساع أفقه وخياله لن يصل إلا إلى الصورة التي وردت في الأحاديث النبوية ، أو فلنقل الصورة التي يظن البعض أن مجهولين اختلقوها قبل القرن الثالث الهجري !!

 

سنتجاهل ما ورد في الأحاديث ونتقمص دور أي علماني أو عقلاني في رسم صورة تشبيهية ورمزية للحضارة الغربية كما نعايشها ونعرفها في لحظتنا الراهنة ، وسنتعمد أن تكون الصورة مليئة بالوسائل والأدوات اللغوية والتعبيرية التي تجعل العلم اليقيني بمدلولاتها مستحيلاً لمن لم يعايش هذه الحضارة ويعرفها ويطلع عليها ، وسنلمس حينئذ حكاية هؤلاء الوضاعين والدجالين الذين اختلقوا أحاديث المسيح الدجال قبل القرن الثالث الهجري !!.

 

لنبدأ أولاً بتحديد أهم معالم الصورة الواقعية للحضارة الغربية من منظور أي علماني أو عقلاني في عصرنا ، ثم لنعمل بعد ذلك على نقل الصورة الواقعية التي سيتم تحديدها إلى عالم التشبيه والتصوير الرمزي . فما هي أهم معالم الصورة الواقعية والمعاشة للحضارة الغربية من وجهة نظر أي علماني أو عقلاني ؟!

 

- الغرب الحديث هو عبارة عن مجموعة من الإمبراطوريات ثم الدول التي قدمت تجربة نهضوية ذات هوية وملامح ومعطيات محددة عرفها الناس على أنها " الحضارة الغربية " .

 

- أهل الحضارة الغربية ينتسبون بالإسم دون المضمون إلى رسالة المسيح عليه السلام .

 

- في كل تاريخ البشر لم يعرف الناس حضارة قدست العقل واستبعدت والوحي مثل الحضارة الغربية . وهذا هو وجه الاختلاف الجوهري بينهـا وبين كل التجارب البشرية السابقة التي عرفت ثنائية مصادر المعرفة ( المصدر المادي والوحي ) ( المصدر المادي والسحر ) ( المصدر المادي والعرافة أو الكهانة أو الخرافة أو الأسطورة ) . فكأن هذه الحضارة تميزت بأنها تنظر بعين واحدة ، حتى أنها تعرف لدى الكثير من الناس بأنها حضارة مادية وأنها الحضارة التي استبعدت ما وراء المادة .

 

- هذه الحضارة ملفتة ومثيرة وتجمع بين كل المتناقضات ( تعدد الأجناس واللغات والدول ، أوسع صور الاستعمار والرق والاستيطان وأقصى صور الارتقاء بحقوق الإنسان ، الشوعية والاشتراكية من جانب والليبرالية من جانب آخر ، العقلانية من جانب والفاشية والنازية والعبثية من جانب آخر ، الرقي بأوضاع المرأة من جانب وابتذالها وتهيئة كل صنوف استباحتها من جانب آخر .... الخ ) .

 

- هذه الحضارة تطرح بشكل مباشر أو غير مباشر بديلاً عن الله أو الخالق وهو الطبيعة .

 

- كان لهذه الحضارة إرهاصات ومخاضات ومحاولات واختراقات علمية ومعرفية قديمة ، إلا أن انطلاقتها الفاصلة والعملاقة والنهائية حدثت من خلال الثورة الفرنسية .

 

- خروجها على الدين واضح وجلي وظاهر لكل مؤمن سواء كان متعلماً أو أمياً .

 

- مواقف الناس تجاهها تتسم في عمومها إما بالإفراط أو التفريط ، فهناك انجراف شبه كامل وتبعية شبه تامة وغلو في التبني والتمكين لها من قبل قسم من الناس ، وهناك نفور شديد ورفض كبير وحساسية مفرطة تجاهها من قبل قسم آخر من الناس .

 

- في هذه التجربة كل ما هو جذاب ومبهر وأخاذ إلى حدود تكاد تفوق الخيال ، وفيها ما هو سيء ومنفر ومقزز إلى حدود بعيدة . ومن هنا قوة فتنتها والتباسها على الناس .

 

- فتنت النساء وأغرتهم وغيرت أوضاعهم على نحو لم يشهد له التاريخ مثيلاً .

 

- هي حضارة التخصص بكل امتياز . فكل الحضارات قبلها كانت حضارات موسوعية شاملة تختلط فيها التخصصات العلمية بالتخصصات الأدبية ويجمع العلماء فيها بين ما ينسب إلى العلوم العلمية وما ينسب إلى العلوم الأدبية . أما في الحضارة الغربية فحدث لأول مرة تمييز واضح بين العلوم والآداب وتم تعميم هذا التمييز في مختلف أنحاء العالم .

 

أصبحنا في التعليم الثانوي نميز ونفصل بين القسم العلمي أو الأقسام العلمية وبين القسم الأدبي أو الأقسام الأدبية . في الجامعات نميز بين التخصصات العلمية والتخصصات الأدبية . في الإبداعات نميز بين الإنتاج العلمي والإنتاج الأدبي . كل إنتاجات وإبداعات التجربة الغربية التي وصلت إلى جميع الناس وأبهرتهم أو صدتهم تصب في هذين المسارين الكبيرين ، وهما مسار العلوم ومسار الآداب .

 

- الشيء المجهد والجاف والذي يصعب نقله واستنساخه وإشاعته بين الجماهير والعامة في هذه الحضارة هو ما يندرج في إطار مسار العلوم ، أما الشيء المريح والمغري والقابل للتقليد والنقل والشيوع السريع بين الجماهير والعامة فهو ما يندرج في إطار مسار الآداب ، خصوصاً ما يتصل منها بنمط الحياة والسلوك .

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل عرض الصورة الواقعية والمعاشة للحضارة الغربية من وجهة نظر أي علماني أو عقلاني ،،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

أحاديث المسيح الدجال بعيون علمانية (3)

 

 

نواصل عرض الصورة الواقعية والمعاشة للحضارة الغربية من وجهة نظر أي علماني أو عقلاني ....

 

- الأماكن التي شهدت أكثر وجوه وملامح الحضارة الغربية فتنة هي أوروبا علمياً وثقافياً وفلسطين عسكرياً واستعمارياً وأمريكا سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وفنياً ، وأبرز ما في هذا الوجه هو النفوذ اليهودي الهائل .

 

- الحضارة الغربية هي حضارة فريدة للغاية على مستوى المخترعات والمكتشفات التي غيرت وجه الحياة على الأرض ومكنت الإنسان من استخراج ما في باطن الأرض وتسخير واستثمار طاقات الكون على نحو لم يشهد له التاريخ مثيلاً . ومن أين تم استخراج معظم المعادن والكنوز ؟!

 

من الأراضي القاحلة والمهجورة ( الصحاري ، الجبال ، الوديان ، القفار ، قيعان البحار والمحيطات ، تحت المناطق الجليدية ) .

 

- هذه الحضارة مكنت البشر لأول مرة ( عن طريق التصوير ) من رؤية وسماع الأموات .

 

 

- من أبرز وسائل النقل التي ظهرت مع هذه الحضارة الطائرة وحاملات الطائرات .

 

- هذه الحضارة طورت وسائل المواصلات بصورة هائلة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً حتى أصبح بإمكان الإنسان أن يطوف الأرض خلال جزء من اليوم .

 

- هذه الحضارة طورت وسائل الاتصالات إلى حد أدى إلى تسريع وتيرة الزمن بصورة مدهشة ، حتى أصبح بإمكان الإنسان أن يتحدث مباشرة مع من يسكن في أطراف الأرض ومشاهدة ما يحدث في أية بقعة من بقاع الدنيا في ذات لحظة الحدث وشراء احتياجاته من أية بقعة في العالم دون أن يغادر منـزله والوصول إلى أمواله والتصرف فيها أينما كان والدخول على مكتبات العالم وصحفه وكتبه من المنـزل . كل هذا أدى إلى التسريع التدريجي لوتيرة الزمن حتى أصبح ما يحدث في عقد يعادل ما كان يحدث في قرون .

 

- أبناء هذه الحضارة وصلوا إلى كل بقعة مأهولة في العالم إما استعماراً واستيطاناً أو زيارة وسياحة وعملاً عدا مكة والمدينة ، حيث يمنع دخول غير المسلمين إليها .

 

- قبول وسائل وأدوات ومخترعات هذه الحضارة يسمح بتحسن أوضاع وأحوال وقدرات الأفراد والمجتمعات ، ورفضها يؤدي إلى تردي أوضاعهم وأحوالهم وقدراتهم .

 

- الدول الأكثر تمثيلاً لهذه الحضارة تملك الكثير من الثروات والوسائل والأدوات للتأثير على بقية الدول ، بما في ذلك استخدام المؤسسات الدولية ( هيئة الأمم المتحدة ، البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، منظمة التجارة العالمية ) للثواب والعقاب ، للمساعدات والمنح والقروض وللمقاطعة والحصار وشن الحروب .

 

- أوسع وأطول رفض للأفكار والتغييرات التي أحدثتها هذه الحضارة حدث في قلب الجزيرة العربية وفي إطار مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التميمي .

 

الآن ، هذه السمات والمعالم والمعطيات التي عرضناها في جزأين : هل تنطبق بتمامها على حضارة في الأرض غير الحضارة الغربية ؟.

 

هل يوجد لدى أي علماني أو عقلاني شك في أننا عرضنا أهم معالم وسمات الحضارة الغربية دون غيرها ؟.

 

هل يمكن لأي علماني أو عقلاني أن يستنتج من هذا العرض أننا نرسم الصورة الواقعية لليونان أو الرومان أو المسلمين أو روسيا أو الصين أو الهند ؟!

 

ماذا لو تجاهل أي علماني أو عقلاني أولئك المجهولين والوضاعين قبل القرن الثالث الهجري ، وحاول هو أن ينقل هذه الصورة الواقعية والمعاشة إلى عالم التشبيه والتصوير الرمزي ؟!.

 

ماذا لو طلب منه صياغة الصورة التشبيهية والرمزية بما يناسب لغة وخيال ومدارك أهل القرون الأولى وشكل الحياة في عصرهم ؟!

ماذا لو طلب منه أن يتعمد الإمعان في التصوير الرمزي والتشبيهي بحيث يراعي إبقاء الصورة الواقعية خارج مدارك أهل العصر الماضي على نحو يحول دون علمهم بالغيب ، ويراعي أيضاً جعل تفكيك الصورة التشبيهية صعباً ومرهقاً بالنسبة لمن يعيشون في العصر الحديث إلى درجة أنه عندما تكشف لهم العلاقة بين الصورة التشبيهية والصورة الواقعية يرفضون تصديق هذه العلاقة .

 

ماذا لو قلنا له إن كل الصورة الواقعية والمعاشة التي عرضناها هل بالضبط وبالتحديد الصورة التي " اختلقها " الكذابون والوضاعون والخرافيون قبل القرن الثالث الهجري ؟!

ماذا لو قلنا له إن كل جزء في الصورة التي عرضناها اقتبسناه تماماً من الصورة التي وضعها الكذابون والوضاعون والخرافيون قبل القرن الثالث الهجري ، وأننا فقط أزلنا عن أقوالهم ما فيها من تشبيه ومجاز ؟!!

 

هل يمكنه حينئذ الإصرار على أن هؤلاء مجرد كذابين ووضاعين وخرافيين ؟!

 

هل يمكنه تفسير هذا الاتفاق بين مجهولين لا يعرف بعضهم البعض في رسم صورة متكاملة ومنسجمة للحضارة الغربية ؟!

 

لاحقاً بمشيئة الله سنحاول عرض الصورة التشبيهية التي يمكن لأي علماني وعقلاني في عصرنا أن يرسمها ثم نعيد التساؤل عن أولئك المجهولين الذين أبدعوا قبل القرن الثالث الهجري صورة غيبية تحاكي الصورة التشبيهية التي يمكن أن يرسمها العلماني والعقلاني في عصرنا وفي زماننا ؟!

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل الطرح ،،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

أحاديث المسيح الدجال بعيون علمانية (4)

 

الغرب الحديث هو عبارة عن مجموعة من الدول والإمبراطوريات التي قدمت تجربة نهضوية ذات هوية وملامح ومعطيات محددة .

 

إذا أراد أي علماني أو عقلاني أن يختار صورة رمزية لهذه الدول والإمبراطوريات فما هي أنسب صورة رمزية يمكن من خلالها التعبير عن معطيات الحضارة الغربية ؟!

 

هل هي صورة الرجل ، أم صورة الحيوان أم صورة الجماد ؟

 

لنتذكر هنا أن والد يوسف عليه السلام رمز له بالشمس ووالدته رمز لها بالقمر وإخوته رمز لهم بالنجوم وسنوات الغيث رمز لها بالبقرات السمان والسنبلات الخضر وسنوات القحط رمز لها بالبقرات العجاف والسنبلات اليابسات .

 

لنتذكر أيضاً أنه تم الرمز لمجموعات بشرية ستظهر من مكان ما على هذه الأرض بقرن الشيطان الذي يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع عشر مرات أو عشرين مرة .

 

لنتذكر أنه شاع بين المسلمين وغير المسلمين وصف الدولة العثمانية في أواخر مراحلها بـ " الرجـــل " المريض !!

 

بالنسبة لأي علماني أو عقلاني يريد أن يقدم صورة تشبيهية ورمزية عن الحضارة الغربية لأهل القرون الماضية ألا تعد صورة الرجل أنسب وأقرب صورة رمزية يمكن من خلالها التعبير عن معطيات وأوضاع العصر الحديث دون كشف الغيب للسابقين ودون إجهاض الفتنة ( الاختبار والامتحان ) بالنسبة للمعاصرين ؟.

 

إذا اختار العلماني أو العقلاني صورة الرجل ، فماذا إن أراد أن يعبر من خلال هذه الصورة عن فرادة التجربة الغربية في تقديس العقل ورفض الوحي وانعكاس ذلك على مصادر المعرفة وطريقة رؤية الكون والإنسان والحياة ؟.

 

أليس من الممكن أن يتحدث عن ( رجل أعـور ) ويمعن في تصوير هذه السمة وفي التأكيد على أهميتها ومحوريتها إلى درجة جعلها معياراً للتمييز بين ذلك الرجل وبين الله ( فإن ألبس عليكم فاعلموا أن الدجال أعور وأن ربكم ليس بأعور ) ؟!

 

إذا اختار العلماني أو العقلاني صورة الرجل وأراد أن يحدد من خلالها تسمية تعكس العلاقة الملتبسة لأهل الحضارة الغربية بالمسيح عليه السلام ، فأليس من الممكن أن يسمي الغرب بـ " المسيح الدجال " ؟!

 

إذا اختار العلماني أو العقلاني صورة الرجل وأراد أن يعبر من خلالها عن الشكل المثير والملفت والجامـع بين المتناقضات ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن رجل ( جسيم أحمر خالص البياض قصير منحـن متباعد الرجلين جعـد الرأس أجلى الجبهة عريض النحر عينه اليمنى ممسوحة وطافئة وعينه اليسرى كأنها كوكب دري ورأسه كأنه رأس حية عظيمة ) ليعكس ذلك الشكل المثير والملفت والجامع بين المتناقضات . وكما سبق أن أوضحنا فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الدجال في رؤيا منامية ، مثلما رأى يوسف عليه السلام أباه وأمه وإخوته في صورة الشمس والقمر والكواكب .

 

إذا اختار العلماني أو العقلاني هيئة الرجل وأراد أن يعبر من خلالها عن الثورة الفرنسية ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن ( خروج الدجال من غضبة يغضبها ) ؟

 

أليست الغضبة على مستوى الرجل هي المقابل للثورة على مستوى الدول والإمبراطوريات والحضارات ؟

 

إذا أراد العلماني أو العقلاني أن يعبر من خلال هيئة الرجل عن فكرة الطبيعة وتبنيها الهائل في كل مناحي العطاء العلمي والفلسفات المادية التي اكتسحت العالم خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن أن الدجال يبدأ فيقول أنا ربكم ، وأن بعض المفتونين يعاملونه معاملة الإلـه وأن المرء يأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه لكثرة ما يثيره من الشبهات ؟!

إذا أراد العلماني أو العقلاني أن يعبر عن وضوح وجلاء خروج الغرب على الدين حتى بالنسبة للأميين ، فأليس من الممكن أن يشير إلى أنه ( مكتوب بين عيني الدجال كافر يقرؤها كل مؤمن من كاتب وغير كاتب ) ؟.

 

إذا أراد أن يعبر من خلال هيئة الرجل عن فتنة النساء ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن شدة فتنته على النساء ، حتى أن الرجل يعمد إلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقهن مخافة أن يخرجن إلى الدجال ؟!

 

إذا أراد أن يعبر من خلال هيئة الرجل عن صورة تشبيهية لمسار العلوم والآداب ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن أن ( معه ماء ونار أو نهران أو واديان يفتن بهما الناس ) ؟

 

إذا أراد أن يعبر من خلال هيئة الرجل عن صورة تشبيهية لمصاعب العلوم وجفافها وسهولة الآداب وإغرائها ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن أن ( إحدى الجنتين أو أحد الواديين أو النهرين هو جنة الدجال والآخر أو الأخرى هو ناره ) ؟

 

إذا أراد العلماني أو العقلاني أن يرسم صورة تشبيهية للوجـه العلمي الذي تمثله أوروبا ، فأليس من الممكن أن يشبهها بخراسان ؟. والوجه العلمي والثقافي لخراسان في التجربة النهضوية الإسلامية هو أكثر الوجوه شبهاً بالوجه العلمي والثقافي الذي عكسته أوروبا ، فقد كانت خراسان تتشكل من أجزاء من إيران وأفغانستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وكان بها عدد من أشهر المدن الثقافية الإسلامية مثل مرو وبلخ ونيسابور وبخارى وسمرقند ومنها خرجت أكبر مجموعة من العلماء والمحدثين والمفكرين والأدباء على امتـداد التاريخ الإسلامي .

 

إذا أراد العلماني أو العقلاني أن يرسم صورة تشبيهية للوجـه الاستعماري الذي تعكسه فلسطين ، فأليس من الممكن أن يشير إلى أنه يكون لـلدجال خروج من خلة - فتحة أو منفذ - بين العراق والشام فيعيث يميناً وشمالاً ، ألا يا عباد الله فاثبتوا ) ؟. والصورة الجغرافية المثلثة لفلسطين والفاصلة بين قارتين هي أشبه بالفتحة أو المنفذ ، ولكن ليس بين العراق والشام ، بل عند أقرب نقطة إلى المكان التشبيهي والتقريبي الذي تم تحديده . أما الطابع العسكري والاستعماري لذلك الخروج فتعكسه الإشارة إلى العيث يميناً وشمالاً والتوجيه بالثبات .

 

إذا أراد العلماني أو العقلاني أن يرسم صورة تشبيهية لدور يهود أمريكا الممتدة عن أوروبا كامتداد أصفهان عن خراسان ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن أن الدجال ( يتبعه سبعون ألفاً من يهود أصفهان ) . وقد كان ليهود أصفهان الممتدة عن خراسان نفوذ كبير منذ وجودهم بها بعد تحررهم من الأسر البابلي .

 

إذا أراد العلماني أو العقلاني أن يرسم من خلال هيئة الرجل صورة تشبيهية وتقريبية للتطورات في عالم الاتصالات والمواصلات ، فأليس من الممكن أن يشير إلى أن الدجال ( سرعته كالغيث استدبرته الريح ، وأنه يطوي الأرض كطي الفروة ، ويمكث في الأرض أربعين يوماً ، وهذه الأيام كالسنة ثم كالشهر ثم كالجمعة ثم كاليوم ثم كالشرر لسرعتها ) .

 

إذا أراد أن يعبر من خلال هيئة الرجل عن صورة تشبيهية للمخترعات والمكتشفات ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن أن الدجال ( يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، ويمر بالأراضي الخربة فيقول لها أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كمجموعات النحل ) ؟

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل التعرف على الصورة التشبيهية والرمزية التي يمكن لأي علماني أو عقلاني في عصرنا أن يرسمها لأهل العصور الماضية حول الحضارة الغربية ،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

أحاديث المسيح الدجال بعيون علمانية (5)

 

إذا أراد أي علماني أو عقلاني أن يعبر من خلال هيئة الرجل عن صورة تشبيهية لعلاقة العالم بالغرب ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن أن الدجال ( معه أنهار ماء وجبال خبز ، ويمر بأهل الحي فيكذبونه فتسوء أحوالهم وأحوال أراضيهم وماشيتهم ويمر بأهل الحي فيصدقونه فتتحسن أحوالهم وأحوال أراضيهم وماشيتهم ) ؟

 

إذا أراد العلماني أو العقلاني أن يعبر من خلال هيئة الرجل عن صورة تشبيهية للتصوير ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن أن الدجال ( يحيي الآباء والأمهات ) فهم يوجدون ويتحدثون ويتصرفون من خلال التصوير ؟

 

وإن أراد العلماني أو العقلاني تشبيه هذا الوجود غير الملموس للموتى بما يناسب مدارك أهل القرون الأولى ، فأليس من الممكن أن يشبههم بالشياطين الذين يتمتعون بوجود غير ملموس ؟.

 

إذا أراد العلماني أو العقلاني أن يعبر من خلال هيئة الرجل عن صورة تشبيهية للطائرة أو لحاملة الطائرات بما يناسب معطيات الحياة خلال القرون الهجرية الأولى ، فأليس من الممكن أن يتحدث عن أن ( من فتنة الدجال أنه يركب حماراً بين أذنيه أربعين ذراعاً ) ؟!

 

إذا أراد العلماني أو العقلاني أن يتحدث عن نزول الغربيين في كل بقعة مأهولة ، إما احتلالاً أو عملاً أو سياحة ، عدا مكة والمدينة ، فأليس من الممكن أن يشير إلى أن الدجال ( يطأ كل البقـاع عدا مكة وطرقات المدينة ) ؟

 

إذا أراد العلماني أو العقلاني أن يعبر من خلال صورة الرجل عن صدامات المنتسبين إلى مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التميمي مع منتجات التجربة الغربية ، فأليس من الممكن أن يشير إلى أن ( بني تميم هم أشد الناس على الدجال ) ؟

 

الآن ، هذه الصورة التي يمكن أن يبدعها أي علماني أو عقلاني في عصرنا وفي زماننا ، بماذا نصف من أبدعوها قبل القرن الثالث الهجري ، وهو القرن الذي ظهرت خلاله كتب الحديث المعتمدة ؟!

 

هل هذه العلاقة بين الصورة التشبيهية والصورة الواقعية هي مجرد مصادفات وهلوسات ؟

 

وبما أن تفاصيل الصورة التشبيهية نقلت مجزأة عن رواة كثيرين ، فكيف اتفق هؤلاء على تقديم صورة كلية لا تتكامل إلا عند تجميع جزئياتها ؟!

 

هل يستطيع العلماني أو العقلاني الذي يعايش الحضارة الغربية أن يقدم صورة تشبيهية ورمزية تفوق ما قدمه رجال مجهولون قبل القرن الثالث الهجري ؟!

 

هنا أعتقد أن وصف الخرافة يستحق المراجعة وإعادة النظر . أما إذا كان هنالك أسباب أخرى تقف خلف موقف العلماني أو العقلاني ، مثل فقد الأمل في الثقافة الإسلامية أو القناعة الجازمة بكونية وعالمية الثقافة الغربية ، فهذه أسباب أتفهم دوافعها . ولكنني أؤمن ، وأستطيع أن أدلل ، على أن هذا الوضع من الممكن أن ينقلب رأساً على عقب .

 

هذه مسألة طويلة ومعقدة ، والمهم هو أنه لا صحة لكون نصوص نبوءة المسيح الدجال مختلقة وخرافية .

 

لننتقل إلى نصوص نبوءة قرن الشيطان والتي يمكن لأي علماني أو عقلاني أن يشير إلى أنها مختلقة أيضاً .

 

إن الأمر في نصوص نبوءة قرن الشيطان أهون وأقل تعقيداً من نصوص نبوءة المسيح الدجال ، فمنهج التشبيه والتصوير الرمزي في نبوءة قرن الشيطان لا مجال للشك فيه أو التساؤل بشأنه . ذلك أن قرن الشيطان لا يُرى ، والشيطان ذاته لا يُرى ، بينما الأحاديث الصحيحة تشير إلى أن ذلك القرن سيظهر من نجد ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع عشر مرات أو عشرين مرة . والأحاديث حول هذه النبوءة واردة في الصحيحين وفي كل كتب السنن .

 

ما المشكلة إذن ؟!

 

المشكلة تكمن في التطبيق عند من يؤمنون بالنصوص ، وتكمن في الوضع والاختلاق عند من لا يؤمنون بها .

 

وبما أن العلمانيين والعقلانيين يتوقع منهم القول بأن نصوص نبوءة قرن الشيطان مختلقة فإنه يمكننا أن نلجأ هنا إلى ذات الفرضية التي طبقناها بشأن نبوءة المسيح الدجال .

 

فقط نتمنى من أي علماني أو عقلاني أن يفترض أنه يمكن إعادة تفسير نصوص الوحي على نحو يؤدي إلى نزع المشروعية عن أفكار التفكير وأعمال العنف إلى أبعد مدى يمكن تصوره .

 

إذا نظر العلماني أو العقلاني إلى أحداث التاريخ القريب من هذه الزاوية فسيروعه ما فعلته وتفعله جماعات التكفير والعنف منذ شيوع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى لحظتنا الراهنة .

 

هذا الجهاد ضد المسلمين ليس له أصل حاسم وصريح وقاطع إلا في فكر وأعمال الخوارج .

 

الحكام الأمويون والعباسيون والعثمانيون لم يرفعوا راية الجهاد في وجه مخالفيهم أو ضد المجتمعات الإسلامية ، وبذلك ظل العنف عنفاً سياسياً يتجه نحو السلطات القائمة ومؤيديها كما هو حال كل الإمبراطوريات التي عرفها البشر منذ فجر التاريخ .

 

هؤلاء لم يدخلوا في حروب عقائدية ضد أبناء مجتمعهم أو الموافقين لهم في الملة ، بل دخلوا في حروب سياسية للاستيلاء على السلطة بحجة الإصلاح أو الحقوق التاريخية .

 

 

أما ما شاع في إطار مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فهو الجهاد والغزو والفتح – وليس القتال السياسي - ضد أهل نجد وعسير والحجاز والأحساء !! فكيف لو أتيح لهؤلاء أن يخرجوا إلى أهل مصر والشام والعراق والمغرب ؟!

 

فلنفترض أنه طُلب من أي علماني أو عقلاني أن يرسم لنا صورة رمزية لرحلة جماعات التكفير والعنف في هذا البلد على مدى قرابة قرنين من الزمان ، فماذا سيقول ؟!

 

لاحقاً بمشيئة الله سنرى ما سيجود به خيال أي علماني أو عقلاني ينظر للأحداث بعد وقوعها ليرسم لها صورة رمزية تقدم لأهل القرون الماضية ، فإلى لقاء قريب بمشيئة الله ،،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

أحاديث المسيح الدجال بعيون علمانية (6)

 

 

لو طُلب من أي علماني أو عقلاني أن يرسم لنا صورة رمزية لرحلة جماعات التكفير والعنف في هذا البلد على مدى قرابة قرنين من الزمان ، فماذا سيقول ؟!

 

سيجد أن البداية كانت مع إقامة الدولة السعودية الأولى تحت راية الجهاد والفتح والغزو ضد المخالفين من أهل هذا البلد إلى أن سقطت الدولة وطبق حد الحرابة على آخر رموزها ، ثم قامت مجموعة تستند إلى ذات الأفكار بإقامة الدولة السعودية الثانية تحت راية الجهاد وتحول الأمر إلى تصفيات دموية متصلة داخل الأسرة الحاكمة إلى أن تم إسقاط الدولة ، ثم قامت مجموعة باستثمار ذات الأفكار ونشر فكر الجهاد بين البدو وإشاعة فكر ( الهجرة ) و ( التوحيد ) . وبعد أن أدوا دورهم في إقامة الدولة السعودية الثالثة اصطدم فكرهم الجهادي بمصالح الدولة فمنعت امتداده وقضت على أبرز رموزه في معركة " السبلة " الشهيرة .

 

في منتصف الثمانينات الهجرية ظهرت جماعة تحمل ذات الأفكار وحاول أتباعها مقاومة بعض المظاهر التحديثية واحتلال مبنى التلفزيون فتم القضاء عليهم ، وقد استمرت ذيول هذه الأحداث إلى أن قام أحد أقارب القتلى بقتل الملك فيصل .

 

في أوائل هذا القرن برزت جماعة تحمل ذات الأفكار ( جماعة جهيمان ) واحتل أتباعها حرم الله الآمن وتم القضاء عليهم . ثم أتيح لهذا الفكر أن يتخطى الحدود ويجد المناخ والظروف المواتية لإعادة إحيائه وعولمته ، وذلك على الأرض الأفغانية خلال مراحل التعبئة والجهاد ضد الاحتلال السوفيتي . وعندها بدأت تنبثق الجماعات تلو الجماعات ، وما أن يقضى على جماعة حتى تبرز جماعة أخرى تحمل ذات الأفكار إلى لحظتنا الراهنة .

 

لو طُلب من أي علماني أو عقلاني أن يرمز لهذه المجموعات التي تمارس التكفير والعنف بقرن الشيطان . فكيف سيصور لنا رحلتهم الطويلة والمتشابهة واستقاؤهم لذات الأفكار وصعودهم ثم القضاء عليهم ثم عودتهم ثم القضاء عليهم ثم عودتهم ثم القضاء عليهم ....... منذ إنشاء الدولة السعودية الأولى إلى لحظتنا الراهنة ؟!

 

ألن يكون العلماني والعقلاني دقيقاً ومبدعاً إن ذكر لنا أن قرن الشيطان هذا سيظهر من نجد ويقطع ثم يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع عشر مرات أو عشرين مرة ؟!

 

إذا كان العلماني أو العقلاني قد صدق بأن فتنة الحضارة الغربية هي فتنة المسيح الدجال ، فألن يكون هذا العلماني أو العقلاني مبدعاً ودقيقاً إن ذكر لنا أن الدجال يخرج في بقية هذه المجموعات أو في أواخرها، كما ورد في الأحاديث النبوية ؟!

 

هذا الإبداع الفني وهذه الدقة من قبل العلماني أو العقلاني الذي يستمد الصورة من التاريخ والواقع ، بماذا نسميها إن وجدناها في أحاديث جمعت وفحصت ودققت قبل القرن الثالث الهجري ؟!

 

إذا كان العلماني أو العقلاني سيصر على أن مجهولين وضعوا هذه الأحاديث قبل القرن الثالث الهجري ، فبماذا نصف هؤلاء المجهولين ؟!

 

أهم خرافيون وكذابون ودجالون ، أم مبدعون يحار العلم والعقل في تفسير إبداعهم الذي نقل بصورة مجزأة بغير اتفاق بينهم وربما بغير معرفة منهم لبعضهم البعض ؟!

 

إن طلبنا من العلماني أو العقلاني أن يصف لنا سمات الأفراد الذين ينتمون إلى هذه المجموعات أو الجماعات ، فماذا سيقول ؟!

 

أعتقد أنه سيشيد بصلاتهم وصيامهم وقراءتهم للقرآن وفصاحتهم واحتجاجهم بأقوال خير البرية ، ولكنه سيذكر أنهم أقوام صغار السن أو قصار التجربة ( أحداث الأسنان بحسب تعبير النصوص ) سطحيو التفكير ( سفهاء الأحلام بحسب تعبير النصوص ) غليظو الطباع يقتلون أهل الإسلام .

 

هذا التصوير الذي قد ينطق به العلماني أو العقلاني في عصرنا بماذا نصفه إن وجدناه في نصوص تعود إلى ما قبل القرن الثالث الهجري ؟!

 

خرافات وكذب ودجل ، أم إبداع يحار العلم والعقل في تفسيره ، أم وحي يصدقه التاريخ ويشهد له الواقع ؟!

 

هنا قد يسأل العلماني أو العقلاني عن الجدوى من الاعتقاد بأن جماعات التكفير والعنف في الجزيرة العربية هي قرن الشيطان ، وأن فتنة الحضارة الغربية هي فتنة المسيح الدجال ؟!

 

ورغم أنه يكفي في تحديد الجدوى أن يكون الفهم الذي تم تقديمه هو الفهم الصحيح للنصوص ، فإننا نضيف إلى ذلك وجهاً آخر للجدوى يتمثل في الحلقة المفقودة والجزء الناقص الذي يكمل صورة كل من نبوءة المسيح الدجال ونبوءة قرن الشيطان ، وهي نبوءة المهدي المنتظر .

 

هنا أيضاً سنجد المواقف المسبقة والأحكام الجاهزة ، ولكننا أيضاً سنجد الرد على ما قد يشعر به البعض من أنه رغم قوة ومنطقية الاستدلالات والحجج التي تم عرضها في تأويل كل من نبوءة قرن الشيطان ونبوءة المسيح الدجال فإنها تفتقد إلى الدليل الحاسم الذي يؤكد صحة التأويلات المطروحة .

 

وإذا كنا قد نجحنا في إشعار القارئ الجاد بأن هناك درجة من الجدية والتجديد الحقيقي في تناول كل من نبوءة المسيح الدجال ونبوءة قرن الشيطان فإننا نتمنى منه أن يحسن الظن وأن يتوقع أنه بقدر الصعوبات والوجه السلبي والاستفزازي الذي حمله تأويل هاتين النبوءتين فإن كل هذا في تقديري هو بمثابة التمهيد للوجه الإيجابي الواسع والهائل الذي أعتقد اعتقاداً جازماً بأننا على أبوابه .

 

هذا الوجه الإيجابي هو ظهور المهدي المنتظر . ورغم التراث السلبي الذي أحاط بموضوع المهدي ورغم حساسيته ودقته إلا أن لدينا الجديد الذي يمكن أن نقدمه بشأنه وسنحاول تحويل الموضوع من دافع نحو الاتكالية والانقطاع عن العصر وسوء فهم شروط وسنن الإصلاح إلى دافع نحو الاستشراف ومعايشة العصر وحسن فهم شروط وسنن الإصلاح ، فضلاً عن أن ظهور المهدي يعد بمثابة الدليل الحاسم الذي يثبت صحة التأويلين اللذين تم طرحهما بشأن فتنة المسيح الدجال وفتنة قرن الشيطان ، باعتبار أن الأحاديث تؤكد ظهور المهدي في أواخر الفتنتين .

 

لاحقاً بمشيئة الله سنتناول نبوءة المهدي المنتظر الذي تؤكد الأحاديث أنه يظهر في أواخر فتنة قرن الشيطان وأواخر فتنة المسيح الدجال ،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

الحلقة المفقودة ...... المهدي المنتظر (1)

 

 

كيف لرجل وحيد يظهر في عصر المعلومات ودولة المؤسسات والمجتمع المدني أن ينجح ، ليس في تغيير أحوال مجتمعه ، بل في تغيير أوضاع المسلمين وأوضاع العالم ؟!

 

إذا استندنا إلى معطيات العلوم الإنسانية فمثل هذه المهمة مستحيلة وغير متصورة ، خصوصاً في هذا العصر الذي يتسم بالتعددية الشديدة وتنوع وسائل التأثير والانفجار السكاني الهائل وانحسار دور الأفراد في مقابل تنامي دور الشركات والمؤسسات والمنظمات . ويزداد الأمر صعوبة إذا نظرنا إلى الصورة المبسطة والمختزلة التي تشيع في الثقافة السائدة حول شخصية رجل مثل المهدي المنتظر .

 

يبدو وكأن الأمر يحتاج إلى عالم بسيط ومحدود وساذج لينجح شخص وحيد في تغييره ، خصوصاً وأن هذا الشخص - المهدي - بموجب الأحاديث لن يكون معه معجزات مادية أو حسية .

 

لقد ظل نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، وفي مجتمع بسيط ومحدود ومتواضع ، ورغم ذلك لم يؤمن معه إلا القليل .

 

عيسى عليه السلام أتى بالعديد من المعجزات ، ومع ذلك لم يؤمن به قومه ( اليهود ) .

 

الأحوال مشابهة أو مقاربة بالنسبة لإبراهيم وهود وصالح ومعظم الرسل والأنبياء عليهم السلام .

 

الرسول صلى الله عليه وسلم ظل يدعو قومه ثلاثة عشر عاماً ، واضطر بعدها إلى الهجرة إلى المدينة ، ولم تفتح مكة إلا في أواخر حياته .

 

إذا انتقلنا من الرسل والأنبياء إلى أفاضل الصحابة فسنجد أن قسماً منهم رفض سلطة علي كرم الله وجهه رغم كل ما يتمتع به من مزايا على صعيد القربى والفضل والسمات الشخصية ، وفي النهاية التحق غالبية الناس بالمنتصر .

 

الحسين رضي الله عنه قتل في مجزرة مروعة وظل معظم الناس مع الحاكم الغالب .

 

وإذا كان هذا هو حال الرسل والأنبياء وبعض رموز آل البيت ، فما الذي سيجعل الناس في عصر المعلومات ودولة المؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني يصطفون على النحو الهائل والسريع والفوري الذي تشير إليه الأحاديث خلف رجل لا يعرف الناس سوى بعض المعلومات عن اسمه ونسبه وملامحه الشكلية ؟!

 

لولا احترام حقائق الوحي لانفجرت بالضحك والقهقهة وأنا أتصور إمكانات رجل يريد أن يغير أوضاع عالم معقد ومتشابك وموّار مثل عالمنا .

 

لكن ماذا إن كانت هذه الصعوبات والاستحالة الظاهرية هي ما يعطي للمهدي قيمته وسر تميزه والإخبار عنه ؟!

 

ماذا لو اختبرنا الموضوع عقلياً ومنطقياً ووجدنا أنه بقدر استحالته الظاهرية فإنه يمكن فهمه والتثبت منه وتصوره وتقديم الدلائل على بعض أدوات التغيير الفاعلة التي ستتيح للمهدي بالفعل أن يغير الأوضاع بصورة حاسمة وسريعة ؟!

 

ماذا لو استطعنا رسم صورة يشعر معها القارئ المهتم والجاد بأنه على بعد أيام أو أسابيع أو أشهر من ظهور المهدي المنتظر ؟!

 

ماذا لو نجحنا في تخطي الاستحالات الظاهرية وقفزنا إلى صورة منطقية ومدعمة بالشواهد والاستدلالات وأدوات التغيير الكبرى التي لا ينقصها سوى اكتساب المصداقية لتفعل فعلها في هذا العصر ؟!

 

هذه هي المهام التي سنلتزم بإنجازها وإثباتها والتدليل عليها .

 

سنبحث أولاً في الوسيلة التي يمكن من خلالها لرجل وحيد في عالم لم يعد يحتمل الأدوار الفردية أن يغير أوضاع المسلمين وأوضاع العالم

 

إذا حددنا الوسيلة فسنبحث في أدوات التغيير التي لا بد أن تكون في مستوى الحدث وفي مستوى العصر وقادرة على تحقيق التغيير العام والسريع الذي تشير إليه الأحاديث .

 

بعد أن نحدد الأدوات سيكون علينا أن نقدم نماذج لهذه الأدوات على نحو يشعر معه القارئ الجاد والموضوعي بأنه لا ينقص الأمر سوى تحقق علامات ظهور المهدي الحسية لتتحقق المصداقية وتبدأ رحلة التغيير .

 

حين طرحنا تأويل نبوءة المسيح الدجال ثم تأويل نبوءة قرن الشيطان اعتبر البعض الأمر مجرد شطحات وهلوسات .

 

البعض رأى أن أحاديث المسيح الدجال وما يشابهها هي أحاديث مختلقة وموضوعة ، وبذلك فالأمر لا يحتاج إلى دراستها أو النقاش بشأنها .

 

البعض شعر بقوة وعمق الطرح لكنه ظل يشعر بالحاجة إلى دليل حاسم يؤكد صحة ما تم طرحه ويعطي معنى وفائدة لهذا الطرح .

 

البعض شعر بأننا نتطاول على حضارة عملاقة ومفيدة مثل الحضارة الغربية وكأننا بذلك ندعم الطروحات التي تعمق تخلفنا وأوضاعنا المتردية .

 

البعض شعر بأننا نتطاول على دعوة تصحيحية فريدة مثل دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب فننصر بذلك حملات تشويه هذه الدعوة لمصلحة الطرح الشيعي أو الطرح الصوفي أو الطرح الليبرالي .

 

الآن ، ماذا إن كان الهدف مختلفاً تماماً عن هذه الاستنتاجات ؟

 

ماذا إن كان الهدف من طرح تأويل نبوءة المسيح الدجال وتأويل نبوءة قرن الشيطان هو التمهيد للوصول إلى الحلقة المفقودة والجزء الناقص من الصورة ، وهي نبوءة المهدي المنتظر التي يفترض بحسب ما ورد في الأحاديث النبوية أن تشكل النهاية لفتنة قرن الشيطان وبداية النهاية بالنسبة لفتنة المسيح الدجال ؟!

 

بإمكاننا أن ندلل من خلال تأويل كل من نبوءة المسيح الدجال ونبوءة قرن الشيطان على منطقية وموضوعية نبوءة المهدي المنتظر وكوننا على أبواب تحققها .وبطريقة عكسية يمكننا من خلال حسن تصوير شخصية المهدي المنتظر ومهامه أن ندلل على منطقية تأويل كل من نبوءة المسيح الدجال ونبوءة قرن الشيطان .

 

إذا تحقق هذا فإن الباحث الجاد والموضوعي قد لا يحتاج إلا إلى ظهور الدليل الحاسم الذي يؤكد مصداقية الطرح . وهذا الدليل الحاسم لن يكون غير تحقق العلامات المادية التي تؤكد وجود المهدي .

 

فلنفترض أن تلك العلامات قد تحققت . فما هي القضايا التي يثبتها ظهور المهدي؟.

 

على رأس تلك القضايا تحقق فتنة المسيح الدجال وفتنة قرن الشيطان . ذلك أن الأحاديث تشير إلى أن المهدي سيعايش فتنة الدجال ، وسيبقى للدجال وجود في فلسطين إلى حين عودة عيسى عليه السلام في زمن المهدي . والأحاديث تشير أيضاً إلى أن أواخر الجماعات التي تجسد فتنة قرن الشيطان ستعايش فتنة المسيح الدجال . أي أن المهدي المنتظر سيظهر في أواخر الفتنتين ، وهو ما ينبئ عن جانب من الدور الذي سيقوم به في تغيير الأوضاع .

 

وهكذا ، فإذا كان المهدي سيظهر خلال الفترة القادمة – والله وحده يعلم متى سيكون ظهوره على وجه الدقة والتحديد – فإن هذا الظهور سيكون بمثابة دلالة أكيدة وقاطعة على أن فتنة المسيح الدجال هي فتنة الغرب الحديث أو الحضارة الغربية ، وفتنة قرن الشيطان هي فتنة جماعات التكفير والعنف في مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وذلك طالما أن الفتنتين ستسبقانه وأنه سيعايشهما .

 

لقد تعرضت نبوءة المهدي المنتظر للكثير من صور سوء الفهم وسوء الاستغلال .

 

والواقع أنه يوجد الكثير من الأسباب الواقعية والثقافية ، ولكن أهمها – في تقديرنا – هي سوء فهم المؤهلات التي يمكن أن يحملها رجل يؤدي مهمة تاريخية كبرى .

 

المسألة على الصعيد السني وعلى الصعيد الشيعي تكاد تدور حول رجل بمواصفات شكلية وعائلية تطابق ما ورد في الأحاديث الثابتة عند كل فريق ، وعندها من السهل الظن بأن ذلك الرجل هو المهدي المنتظر .

 

إنه لا يكاد يتم التنبه إلى أن أهم ما في شخصية المهدي المنتظر هي المؤهلات التي تجعله قادراً على أن يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً . فما هي المؤهلات التي يمكن من خلالها لرجل أن ينجح في تغيير الأوضاع على مستوى العالم ؟.

 

بالتأكيد إنها ليست المؤهلات العسكرية .

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل الطرح ،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

الحلقة المفقودة ...... المهدي المنتظر (2)

 

 

 

انتهينا في الجزء السابق إلى أنه لا يمكن فهم سر تميز شخصية المهدي المنتظر والدور التاريخي الذي سيؤديه في ضوء المؤهلات العسكرية . إذ ما الذي يمكن أن يؤديه رجل يخرج ضمن وضع إسلامي متهالك دنيوياً وفي وقت يملك فيه الآخرون القنابل الذرية والهيدروجينية والصواريخ العابرة للقارات ؟!.

 

وحتى لو أغفلنا هذا التساؤل المنطقي فإن التساؤل لا بد أن يثور حول الأوضاع الداخلية للمسلمين ، إذ كيف يمكن بمؤهلات عسكرية جمع المسلمين وتوحيد كلمتهم ومواقفهم وتغيير أوضاع السلطات القائمة ؟!.

 

هل سيتم ذلك عن طريق الحروب ؟!.

 

وإذا كان ذلك سيحدث فما طبيعة الهداية التي هي أبرز ما يفترض أن يميز شخصية المهدي بينما يفترض بحسب المؤهلات العسكرية أن أهم ما لدى المهدي هو خوض الحروب المتصلة داخلياً وخارجياً ؟.

 

بحسب المؤهلات العسكرية هل ستمتلئ الدنيا قسطاً وعدلاً أم ستمتلئ حروباً ودماء ؟!.

 

البعض ممن لا يتحدثون عن المؤهلات العسكرية يتحدثون عن مؤهلات القيادة . والواقع أن هذه المؤهلات وإن كانت شرطاً في أي قائد إلا أنها لا تفسر الطابع الاستثنائي لشخصية المهدي المنتظر . ثم إن القائد الفذ من وجهة نظر أتباع المدرسة السلفية سيكون قائداً سيئاً من وجهة نظر الشيعة ومن وجهة نظر الأشاعرة ومن وجهة نظر المتصوفة ومن وجهة نظر الزيدية والإباضية ..... الخ . وسيكون قائداً أسوأ من وجهة نظر العلمانيين والليبراليين وغير المسلمين الذين يفترض بحسب ما ورد في الأحاديث أن يمتد تأثير المهدي إليهم بكل قوة .

 

إن أردنا أن ندرك سر تميز شخصية المهدي المنتظر فإن علينا أولاً أن نحدد أهم ما يفتقده المسلمون مما يمكن لرجل وحيد أن يقدمه . فما الذي يفتقده المسلمون ؟.

 

إنهم يفتقدون أولاً إلى وحدة الفكر ، ويفتقدون ثانياً إلى الدخول في العصر .

 

إنهم شيعة وسنة ، ثم شيعة إمامية وإسماعيليون وعلويون وزيدية ، وسلفيون ومتصوفة وأشاعرة وإباضيون ..... الخ .

 

كل هؤلاء يعودون إلى التاريخ ويستحضرون التراث البشري الموافق لانتماءاتهم ويضفون عليه مسحة من القداسة .

 

كل فريق من هؤلاء أيضاً يظن أنه على الحق وأن المهدي المنتظر سيظهر ليؤيد ويتبنى ما هم عليه . وهنا أهم قضية لا يرضاها الفرقاء . فلو كان المهدي سيظهر ليتبنى طرح أية فرقة لاستحقوا وصف المهديين المنتظرين ولما كان هنالك أي معنى أو مبرر لخلع هذا الوصف على رجل مقلد ، أو لكانت مهمته أقل وأهون من أن ترد في نبوءة وأقل وأهون من أن تغير الأوضاع على مستوى العالم . إذ طالما أن المهدي سيظهر ليؤيد ويتبنى طرح إحدى الفرق الإسلامية ، فما الجديد الذي يحمله ليوصف بأنه مهدي وما الجديد الذي سيقدمه ليغير الأوضاع ؟.

 

طالما أن ما سيقدمه المهدي هو ذاته ما تتبناه وتشيعه وتتبعه إحدى الفرق القائمة فأيهما أحق بوصف الهداية : هذا الرجل المقلد ، أم تلك الفرقة المبدعة التي سيكون المهدي مجرد متبع لفكرها وناطق باسم ما أبدعته ؟!

 

وإذا كان المهدي سيؤدي دوراً تاريخياً تتغير معه أوضاع العالم ، فكيف يمكن أن يؤدي ذلك الدور باستخدام فكر كان شائعاً ومتبوعاً من قبل إحدى الفرق دون أن تتمكن هذه الفرقة من إحداث تحول تاريخي إيجابي ؟

 

بل كيف يمكن – بموجب هذه الفرضية – أن تمتلئ الدنيا بالظلم والجور رغم وجود هذا الفكر الإنقاذي الذي سيكون المهدي مجرد متبع له ؟!

 

وهكذا ، فإن من الظنون الخاطئة لدى كل الفرق أن المهدي سيؤيد ويتبنى ما تسير عليه إحدى الفرق . هذا الظن يلغي تميز المهدي ولا يرشد إلى الوسيلة التي سيتمكن من خلالها من أداء الدور التاريخي الذي تشير إليه الأحاديث .

 

وإذا عدنا إلى أهم ما يفتقده المسلمون ، وهما وحدة الفكر والدخول إلى العصر ، وأدركنا أن تميز المهدي ودوره التاريخي لا يفسرهما ولا يتناسب معهما تبنيه لفكر إحدى الفرق ، فإن بإمكاننا التعرف على الوسيلة التي يمكن من خلالها لرجل أن ينجح في تغيير الأوضاع على مستوى العالم . هذه الوسيلة لن تكون ولا يكمن أن تكون غير وسيلة الفكر .

 

مهمة الإصلاح الكبرى – في تقديري – تتمثل في ظهور فكر يتجاوز ويتخطى الانقسامات المذهبية الإسلامية . وهذه مهمة لا يمكن إنجازها إلا عبر إعادة تفسير الوحي بصورة تسمح بالتخلص من الانقسامات المذهبية والدخول في العصر إلى أبعد مدى .

 

هذه هي الوسيلة التي يمكن لرجل مثل المهدي من خلالها أن ينجح في تغيير أوضاع المسلمين ، بل وينجح في تغيير أوضاع غيرهم .

 

وإذا صح ذلك فإن الفكر الذي أعتقد أن المهدي سيتبناه ويؤيده ويشيعه لابد أن يتسم بسمتين :

 

الأولى هي : تجاوز وتخطي فكر ومقولات كل الفرق الإسلامية والنجاح في الخروج من انقساماتها وانتزاع حججها وتنسيب وتحجيم مقولاتها ، وذلك عبر تقديم تفسير موحد ومتماسك للوحي يسمح بتوحيد الفكر والتفرقة الصارمة بين الوحي وبين التراث الذي تنهل منه كل الفرق وتبني عليه وترى الدنيا من خلاله وتنقله إلى غير زمانه وغير مكانه .

 

السمة الثانية هي : سمة العصرية أو الانطلاق من معطيات وأوضاع العصر . وهذه سمة لا مناص منها بالنسبة لأي فكر يراد له أداء دور تاريخي واستنهاض همم المسلمين وتمكينهم من التأثير الإيجابي والحي في مجتمعاتهم وفي العالم من حولهم . ولا شك أن هذه السمة هي أبرز السمات التي يفتقدها الفكر الإسلامي السائد .

 

فلنفترض أن بالإمكان تقديم فكر يتسم بهاتين السمتين ( تجاوز فكر ومقولات كل الفرق ، والالتحام بالعصر ) فما هي أبرز الصعوبات التي يمكن أن تقف في وجه بروز وشيوع وانتشار مثل هذا الفكر ؟!

 

إنهما الثقافتان المتناقضتان والمكتسحتان للساحة والمتغلغلتان في العقول والقلوب وهما : الثقافة السلفية كما تجسدها مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في اللحظة الراهنة ، والثقافة الغربية في آخر أطوارها وأحدث حللها .

 

سنرى كيف وبأية وسيلة سيتمكن المهدي من تجاوز هاتين العقبتين . ولنتذكر أن المهدي بموجب الأحاديث سيظهر في أواخر فتنة المسيح الدجال وأواخر فتنة قرن الشيطان ، وسيعايشهما !!

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل الطرح ،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

الحلقة المفقودة ...... المهدي المنتظر (3)

 

 

توقفنا عند الإشارة إلى الثقافة السلفية ( ثقافة الانقطاع عن العصر ) والثقافة الغربية ( ثقافة الانقطاع عن الوحي ) كأبرز عقبتين يمكن أن تقفا في وجه بروز وشيوع وانتشار فكر يجمع بين الوحي والعصر .

 

الثقافة الغربية تأسر العالم وتحكم نظرة معظم الناس إلى الكون والإنسان والحياة وتملأ أذهانهم بثقافة منقطعة عن الدين . فكيف يمكن لأية رؤية تجديدية إسلامية أن تزاحم هذه الثقافة وتواجه تغلغلها في العقول والقلوب وتجذر الرؤى والمقاييس والمعايير المستمدة منها ؟!

 

الثقافة السلفية تكتسح الساحة الإسلامية وتشد العقل المسلم إلى الماضي وتعزله عن العصر وتمد أهل السياسة في هذا البلد بمشروعية ناجزة ومطلقة يكاد يستحيل مقاومتها أو تغييرها .

 

فكيف يمكن للمهدي المنتظر الذي سيظهر من ذات البلد الذي يتبنى هذه الثقافة إشاعة فكر مخالف لها ومناقض لمصالح السلطات السياسية التي تستند إلى الثقافة السلفية وتستثمرها إلى أبعد مدى ؟!.

 

إن الهدف من نبوءة قرن الشيطان ليس محاكمة الماضي ، بل التمهيد والإعداد للمستقبل .

 

أثناء تأويل نبوءة قرن الشيطان كنت أتقيد بالنصوص وأنطلق من أنها اشتملت على الوصف الرمزي ( قرن الشيطان ) والمكان ( نجد ، عند أصول أذناب الإبل ، حيث ربيعة ومضر ) والزمان ( آخر الزمان ، بالتزامن مع فتنة المسيح الدجال ) وسمات الأشخاص ( قوم مميزون صلاة وصياماً وقراءة للقرآن واستشهاداً بكلام خير البرية ، ولكنهم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ويقتلون أهل الإسلام ) .

 

لا يمكنني أن أقتنع بأي تأويل يهدر أي جانب من هذه الجوانب ، فهي في النهاية أحاديث نبوية لا يصح إهدار أي جزء منها . وهنا سؤال يمكن أن يطرح حول سبب هذه الإقليمية في نبوءة قرن الشيطان ؟!

 

إن أعمق الرؤى وأكثرها تحقيقاً لمصلحة الناس يمكن أن تظل مجرد حبر على ورق مالم تجد الوسيلة لتمكينها أو دفع الناس باتجاهها ، وأسخف الرؤى وأكثرها إضراراً بالناس يمكن أن تصل إليهم وتستحوذ على تفكيرهم وتحكم سلوكهم بمجرد أن تجد الوسيلة لتمكينها أو دفع الناس باتجاهها . والتاريخ مليء بالشواهد التي تؤكد وجود هذه المفارقة وكثرة حدوثها .

 

لن ينفع مجرد الكلام التحليلي في نزع أسر الثقافة الغربية واكتساحها للعالم ، ولن ينفع أيضاً الكلام التحليلي في إبصار سلبيات الثقافة السلفية والتحرر من أسرها ونزع المشروعية عن السلطات السياسية التي تستفيد منها وتستثمرها وتستغلها .

 

لقد احتاجت حياة البشر إلى الكثير من التراكمات الفكرية والمحاولات العديدة والمتكررة والإبداعات المتتالية لإحداث قدر بسيط من التحول في قناعات الناس .

 

وبما أن ظهور المهدي سيؤدي إلى حدوث نقلة مستقبلية سريعة وحاسمة في حياة المسلمين ، بل وفي أوضاع العالم ، فإنه لا يمكن تصور حدوث هذه النقلة لمجرد أن رجلاً ظهر وأنبأت النصوص عن أوصافه .

 

إن أقل المفتين علماً وأصغر المتنفذين والوزراء يمكن أن يحدثوا في حياة أية أمة مقلدة مثل أمتنا ما لا يستطيع عشرات المفكرين أن يحدثوه .

 

النقلة السريعة والحاسمة لدى أية أمة مقلدة تحتاج إلى سبب استثنائي غير معهود ، وهنا يأتي دور الوسائل الاستثنائية التي ستميز شخصية المهدي المنتظر وتمكنه من أداء دوره التاريخي .

 

لن تحدث نقلة سريعة وحاسمة في تاريخ المسلمين وتاريخ العالم إلا إذا وجد عامل استثنائي يعيد تشكيل رؤية الناس للحضارة الغربية ومواقفهم منها وتقييمهم لها ، ولن تحدث نقلة سريعة وحاسمة لدى أمة مقلدة مثل الأمة المسلمة مالم يوجد عامل استثنائي يعيد تشكيل رؤية الناس لثقافتهم وأوضاعهم السائدة .

 

وإذا صح ما طرحناه من أن المسيح الدجال هو الغرب الحديث وأن فتنة قرن الشيطان هي جماعات التكفير والعنف في مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، فإن مهمة المهدي المنتظر ستحتاج إلى هاتين النبوءتين إلى أقصى مدى ، فهما ستوفران سلاحين مؤثرين ونافذين وحيويين للدفع باتجاه التحرر العام والسريع من هيمنة وسطوة وتغلغل أكثر ثقافتين تزاحمان أي فكر جديد يمكن أن يظهر .

 

وهنا يمكن إعادة طرح السؤال حول سبب إقليمية نبوءة قرن الشيطان ؟!

 

السبب هو أن الثقافة المتجذرة في هذا المجتمع قمعت واجتثت فرص ومحفزات وإمكانات الإبداع ورسخت وعمقت وقدست فكرة وعوامل وإغراءات التقليد .

هنا توجد ثقافة قوامها التقليد والانقطاع الشديد عن العصر والنفور من التجديد المتعلق بالحياة الدنيوية .

 

هنا توجد ثقافة سلمت مقاليد الحياة الدنيوية إلى الحكام ومنحتهم مشروعية دينية تسمح لهم بشطب وإلغاء أي صوت إصلاحي حتى وإن كان شهيراً ومتبوعاً وشديد الاعتدال ولا ينازع في شرعيتهم .

 

في ظل هذه الثقافة الغارقة في التقليد وهذه السلطة المتسربلة بالدين كيف يمكن لأي فرد حتى وإن كان المهدي أن يقلب هذه القناعات والأوضاع الراسخة عبر نقلة سريعة وحاسمة ؟!

 

هنا تبدو فائدة وحكمة ورود نبوءة قرن الشيطان ، فهي ستوفر الدافع والحافز الفوري والعام لتغيير مواقف الناس من الثقافة والأوضاع السائدة بمجرد أن يحظى هذا التأويل بتأييد شخصية يؤيدها الوحي مثل شخصية المهدي .

 

إن مجرد ظهور المهدي المنتظر سيكون بمثابة دلالة أكيدة وقاطعة على صحة تأويل فتنة المسيح الدجال بكونها فتنة الغرب الحديث وصحة تأويل فتنة قرن الشيطان بكونها جماعات التكفير والعنف في مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب . لماذا ؟

 

لأن الأحاديث – كما سبق أن أشرنا - تؤكد أن المهدي سيواجه المسيح الدجال ويسهم في القضاء على فتنته ، والأحاديث تؤكد أيضاً أن أواخر فتنة قرن الشيطان تتزامن مع فتنة المسيح الدجال . أي أن المهدي سيعاصر أواخر الفتنتين . فهل يوجد مهمة أعظم من القضاء على هاتين الفتنتين وإعادة تشكيل وعي وقناعات الناس تجاه عصرهم وتجاه تاريخهم ؟! وألا يعطينا ذلك مؤشراً على بعض أسرار التحول الذي سيحدثه المهدي بأن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً ؟!

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل الطرح ،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

 

الحلقة المفقودة ...... المهدي المنتظر (4)

 

 

إذا كان المهدي سينجح في تحجيم الثقافة الغربية ونزع مشروعية ثقافة التكفير والعنف فإن العالم سيخطو بالفعل خطوة كبرى باتجاه القسط والعدل بعد أن أسهمت التطورات التي لحقت بهاتين الثقافتين في ملء الدنيا ظلماً وجوراً .

 

هذا هو بعض ما يقود إليه الفهم الذي طرحناه حول نبوءة المسيح الدجال ونبوءة قرن الشيطان ، فما الذي تقود إليه معطيات الثقافة السائدة ؟.

 

لا تقود إلى فهم مهام المهدي ولا تفيد في معرفة سر وصفه بالهداية وسر تحول أوضاع العالم عند ظهوره . لن يجد المرء في الثقافة السائدة إضاءات شافية حول هذه القضايا .

 

المهدي بموجب الأحاديث سيظهر في أواخر فتنة الدجال وسيتم القضاء على هذه الفتنة بعودة عيسى عليه السلام أثناء وجود المهدي . وطالما أن المسيح الدجال لن يقضى على فتنته إلا بعد عودة عيسى عليه السلام ، فكيف يمكن بموجب الفهم اللغوي للنبوءات تفسير اختفاء معجزات الدجال وتأثيره وهيمنته على العالم خلال فترة وجود المهدي ؟!

 

لماذا ستتعطل قدرته على أن يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ويمر بالخرائب فتتبعه كنوزها ؟

 

أين ستذهب فتنة الحمار الذي بين أذنيه أربعين ذراعاً ؟

 

أين ستذهب تحولات السنن الكونية وبعض سنن الخلق والمخلوقات ؟!

 

إن مرحلة وجود المهدي ستكون مرحلة قسط وعدل وانتشار واسع للإسلام .

 

والمفارقة أن هذه التطورات ستحدث في ظل وجود المسيح الدجال الذي لن يقضى على فتنته نهائياً إلا بعودة عيسى عليه السلام . فما هو سر هذا التحول والانكماش والانطفاء لمعجزات الدجال وفتنته ؟!

 

لن يفيد الفهم اللغوي للنبوءات في فهم أسرار هذا التحول ، أما الفهم التأويلي الذي طرحناه فهو يحمل الإجابة التي تقضي على الأسرار .

 

هذا الانطفاء السريع والفوري لفتنة الدجال في زمن المهدي يثبت أن الأمر يرتبط بالتغيير المعرفي الذي سيحدث . فإذا كان المهدي سيأتي بالوحي كله إلى قلب العصر – عبر إعادة تفسيره – ويؤدي مجرد ظهوره إلى تحول نصوص نبوءة المسيح الدجال من نصوص كان يراها البعض خرافية وغير معقولة وكانت تثير الصعوبات والتشكيك منذ القرون الهجرية الأولى إلى نصوص يرى الناس تجسيداتها أمامهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فإن المصداقية ستتبدل وتقييم الواقع سيتغير .

 

إذا كان مجرد ظهور المهدي سيؤدي إلى تحول نصوص نبوءة قرن الشيطان من نصوص مهملة وغير واضحة وغير مفهومة إلى نصوص تنبئ عن أسوأ ما في الواقع الإسلامي وتنتزع الناس من التاريخ وتنتزع الدين من السلطات المستظلة به والمستثمرة له ، فإن القناعات ستتبدل والمواقف ستتغير .

 

إذا نجح المهدي في تقديم تجديدات مماثلة على الصعيد السياسي وأيقن الناس بأن نصوص الوحي تحمل ركائز وأدوات الإصلاح السياسي بصورة أكثر وضوحاً وحسماً مما يقدمه أعلام الفكر السياسي الغربي ، فإن وعي الناس بالدنيا سيتبدل وعلاقتهم بها ستتغير .

 

إذا حدث ذات التجديد على صعيد القضايا الاقتصادية والاجتماعية فإن فتنة الدجال ستنطفئ وستتبدل المواقف الفكرية والوجدانية تجاه الحاضر والماضي وسيكون الناس على موعد مع انطلاقة ثقافية جديدة قوامها التغيير المعرفي الذي سيأتي مع المهدي .

 

هذا التحول الفوري والواسع من معايشة أعظم وأوسع الفتن إلى إلقاء " الإسلام بجرانه في الأرض ، كما ورد في الأحاديث " مصدره تغير الرؤية ، وإلا فإن المسيح الدجال موجود في الحالتين ، ولكنه في الحالة الأولى كان هو الذي يشكل مصدر رؤية الناس ، بينما في الحالة الثانية أصبح المسيح الدجال والعصر بكامله في قبضة الوحي وتحت مظلته الحية . وما لم نتصور قضية المهدي في إطار هذا التغيير الثقافي الواسع فإننا لن ننجح في فهم سر وصفه بالهداية وأسرار التحولات الكبرى في عهده ، بل ستظل قضيته غرائبية متواضعة المضمون ومطية للمغامرين والأدعياء وحلماً لا يناسب إلا وعي البسطاء .

 

 

إذا كان هناك من لا يزال يظن بأن المسيح الدجال سيكون رجلاً يجترح المعجزات وتتبدل في عهده بعض السنن الكونية وبعض سنن الخلق والمخلوقات ورغم ذلك فإن الناس لن يعرفوه ، فإنه لن يفهم سر انطواء صفحة هذا الرجل طوال فترة وجود المهدي .

 

أين سيذهب هذا الرجل – الدجال – وما الذي سيحل بقدراته وجنته وناره وادعائه للألوهية وشبهاته وفتنته للمسلمين ؟!

 

هل سيمكن الله المهدي من تعطيل تلك القدرات وإعادة السنن الكونية وبعض سنن الخلق والمخلوقات إلى طبيعتها وانتظامها ؟!

 

الثابت أنه لا معجزات في نبوءة المهدي المنتظر . وحتى لو تجاوزنا القدرات والسنن فإننا لن نفهم أين ستذهب مصداقية ادعاء الألوهية واكتساح شبهات الدجال للعالم ونجاحه الهائل في فتنة النساء وانسياق الناس خلفه وتدافعهم نحو جنته وناره ؟!

الدجال ذاته ، ما الذي سيحل به وماذا ستكون عليه أحواله منذ ظهور المهدي إلى حين عودة عيسى عليه السلام ؟!

 

إذا ربطنا الأمر بالفكر فإن الصورة ستتضح وتتجلى . فالدجال فتنته في الفكر . والمخترعات والمكتشفات لن تختفي ولكنه بدلاً من وضعها في مسار الإلحاد والصدام مع الدين وتشكيك الناس في عقائدهم سيظهر فكر يقلب المسار بمجرد أن ينجح المهدي في الإتيان بالوحي إلى قلب العصر . بدل أن تحوز فكرة الطبيعة على المصداقية وتشيع وتهيمن على الإنتاج العلمي وعلى النظرة إلى الكون والإنسان والحياة ستنتزع حقيقة الإيمان بالخالق هذه المكانة . بدل النظرة المادية والاستخفاف بما يتجاوز هذه الدنيا ستنتقل الحجج والبراهين الدامغة إلى المعرفة المستمدة من الوحي . بدل أن يكون الانحلال أحد معايير التطور والتباهي سيصبح الاحتشام معياراً للرقي والنضج الإنساني .

 

إذا دخل الوحي إلى العصر فإن النظرة الغربية ستدخل إلى التاريخ وتصبح من الماضي . وهذا هو سر الانطفاء الفوري لفتنة الدجال رغم استمرار وجوده في عهد المهدي . بل وهذا هو معنى تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بغزو الدجال وفتحه !!.

 

الأمر يتعلق بمصدر الرؤية الحاكمة لنظرة الإنسان إلى الكون والإنسان والحياة . وحين يتغير مصدر الرؤية فإن قناعات الناس ودوافعهم ومنطلقاتهم وسلوكياتهم ومواقفهم ستتغير .

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل الطرح ،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

الحلقة المفقودة ...... المهدي المنتظر (5)

 

 

على المستوى السياسي تشير الأحاديث إلى أن أوضاع المسلمين ستنتقل من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض إلى الملك الجبري ، ثم تعود فجأة من هذا المنحدر السحيق إلى وضع الخلافة الراشدة .

 

 

هذه القفزة الهائلة من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة لا يمكن أن تحدث إلا من خلال تغيير ثقافي استثنائي وغير معهود . ذلك أن الحكم الجبري لا يحدث ويشيع ويترسخ على مستوى الأمة مصادفة ، بل لأن ثقافة الناس وأحوالهم وأوضاعهم تنتجه وترسخه وتعمقه .

 

إن النظام السياسي في النهاية ما هو إلا انعكاس لمجمل ثقافة الناس ومستوى وعيهم وقناعاتهم وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية . ومن ثم فإنه لا يمكن القفز من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة إلا عبر تغيير ثقافي حاسم وواسع واستثنائي يؤدي إلى حدوث هذه الطفرة . وبموجب النصوص فإنه لا يوجد طفرة استثنائية في حياة المسلمين قبل عودة عيسى عليه السلام سوى من خلال ظهور المهدي المنتظر .

 

لقد احتاج الإصلاح السياسي في أوروبا إلى الكثير من التغييرات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية وإلى العديد من الثورات والحروب والدماء . وبعد قرون من التطورات المتنوعة والتدريجية والتراكمية تحقق الإصلاح السياسي .

 

لنحاول التعرف على توقيت كل من الحكم العضوض والحكم الجبري المشار إليهما في الأحاديث . ذلك أننا حين ننظر إلى التاريخ فإن الفارق بين الحكمين قد لا يبدو واضحاً وجلياً وملموساً ، فالأنظمة السياسية التي تعاقبت على المسلمين منذ عهد بني أمية هي أنظمة الحكم العائلية وأنظمة حكم العصابات السياسية ( المجموعات الانقلابية التي لا يجمعها الرابط العائلي بصورة أساسية ) وأنظمة حكم الطوائف ( الحكم المبني على اعتبارات مذهبية أو عرقية أو مناطقية ... الخ ) .

 

 

هذه الأنظمة تحققت قديماً وحديثاً على نحو لا يمكن الاستدلال من خلاله على الفارق بين كل من الحكم العضوض والحكم الجبري .

 

إذا نقلنا النظرة من شكل أنظمة الحكم إلى التطورات الواقعية التي لحقت بها فإنه يمكننا اكتشاف دلالة الوصفين اللذين وردا في الأحاديث النبوية .

 

لقد كانت الدولة الإسلامية في الماضي دولة واحدة تمتد من الصين إلى الأندلس أو بضع دويلات تمتد على هذه المساحة ، كما أن شؤون الحياة في الماضي كانت أقل اعتماداً على الدولة وكان الناس أقل اضطراراً للاحتكاك بها .

 

كان النشاط الأساسي لمعظم الناس يتركز حول الزراعة والرعي . وهذه النشاطات توفر درجة كبيرة من الاستقلالية عن أهل الحكم . وحتى التجارة والحرف والتعليم والتأليف كانت تتمتع بدرجات متفاوتة من الاستقلالية والتحرر من سلطة وهيمنة أهل الحكم . وبحكم كل هذه العوامل فقد كان الناس أقل اضطراراً للخضوع لأهل الحكم والاحتكاك بهم . وفي تقديرنا فإن وصف الحكم العضوض ينبع من وجود هذه الأوضاع الواقعية ، سواء اتخذ الحكم شكلاً عائلياً أو طائفياً أو اتخذ شكل عصابة سياسية .

 

أما في العصر الحديث فقد تجزأت الدولة الإسلامية التاريخية إلى أكثر من خمسين دولة . تجـزأ العالم العربي إلى أكثر من عشرين دولة . وبما أن الحكم العائلي لم يتغير ، بل أصبح أكثر رحمة وأقل بؤساً بعد استشراء حكم العصابات السياسية ، فقد أصبح لدينا مجموعة ضخمة من الحكام والمتنفذين .

 

في العصر الحديث أصبحت السلطة تصل إلى كل نشاط وتتدخل فيه وتوافق عليه أو تمنعه . أصبحت أكبر رب عمل . وساعد شيوع التوجهـات الاشتراكية في الدول العربية الفقيرة ووجود الثروة لدى الدول الغنية على استتباع الناس في أرزاقهم وتحويل معظمهم إلى أجراء لدى السلطة .

 

السلطة تتدخل في حياة الإنسان منذ تحرير شهادة ميلاده وهويته الشخصية إلى شهاداته الدراسية إلى وثائق سفره ووثيقة زواجه وميلاد أبنائه ووثائق ممتلكاته وتصريحات أعماله الحرة وتعاقداته وعلاقاته مع الخارج ، وانتهاء بشهادة وفاته والتصريح بدفنه . وسائل النقل والاتصال الحديثة سهلت وصول السلطة إلى الناس ورقابتها عليهم والتفنن في لجمهم وقمعهم . وسائل الإعلام الحديثة سهلت فرص تمجيد الحاكم وبث دعايته وتعزيز وسائل تحكمه في ثقافة ووعي الناس .

 

باختصار ، كان الوضع القديم يجعل الناس أقل احتكاكاً بحكام العائلات والعصابات والطوائف السياسية وأقل خضوعاً لهم واعتماداً عليهم ، كما أن متطلبات بناء الدولة في العصر الماضي كانت تسمح لأولئك الحكام بإنجاز الكثير من المهام التي يتطلبها ذلك البناء . وهذه هي صورة الحكم العضوض . أي الظالم المتشبث بالحكم .

 

أما الأوضاع والتطورات الحديثة فقد وضعت المجتمعات في قبضة العائلات والعصابات السياسية ، كما أن متطلبات بناء الدول تعقدت وتشعبت واختلفت إلى حدود لم يعد هؤلاء الحكام قادرين على الوفـاء بجزء يسير منها ، بل لقد أصبح وجودهم من أبرز العوائق التي تحول دون حسن بناء الدول الحديثة . وهذه هي صورة الحكم الجبري. أي القهري الاستعبادي الذي تحقق منذ شيوع تطورات العصر الحديث التي لا زلنا نعيش في ظلها .

 

الآن ، كيف يمكن أن ينتقل الناس من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة بقفزة واحدة كما تنبئ الأحاديث ؟!

 

هذا أمر لا يمكن أن يحدث إلا إذا حدثت نقلة واسعة وحاسمة وعميقة في ثقافتهم .

 

وفي ضوء ما أشرنا إليه من أنه لا يمكن لرجل أن يغير أوضاع المسلمين إلا إذا أتى بفكر يتجاوز مقولات كل الفرق الإسلامية وينقل الوحي إلى العصر ، فإن هذه السمات تسري وتصدق على الشأن السياسي . فما هي القضايا التي يمكن أن يمسها التجديد ويكون لها انعكاساً عميقاً على الثقافة السياسية .

 

نعتقد أنه هذه القضايا هي : حد الردة ، قيمة الحرية ، حكم الآخر ، مفهوم الشورى ، الحقوق السياسية للمرأة ، المقابل العصري للخلافة الراشدة ، مشروعية الحكم العائلي وحكم العصابات السياسية وحكم الطوائف .

 

لن تحدث قفزة حاسمة تنقل الناس من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة بمضمون عصري إلا إذا أعيد فهم وتكييف حد الردة بصورة تسمح بانطلاق حرية التفكير والتعبير السياسي إلى أبعد مدى ، ولن تحدث قفزة سياسية حاسمة إلا إذا نزعت مشروعية حكم العائلات والعصابات والطوائف السياسية وأعيد تعريف الشورى لتكون حقاً وواجباً ملزماً لكل أفراد المجتمع .

 

لن تحدث قفزة حاسمة تنقل الناس من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة إلا إذا أعيد فهم قيم الخلافة الراشدة في ضوء معطيات وأوضاع العصر . ولن يكون لهذه التجديدات أية مصداقية ما لم تستند بصورة كلية وقاطعة إلى نصوص الوحي ، ولن تحظى هذه التجديدات بالقبول الواسع والسريع إلا إذا تم تقديمها عبر شخصية لا جدال في تأييد الوحي لها مثل شخصية المهدي .

 

وإذا صح ذلك فإن لنا أن نتوقع من المهدي أن يتبنى تجديدات عميقة وحاسمة على صعيد قضايا حد الردة وقيمة الحرية والتعامل مع الآخر ومفهوم الشورى والحقوق السياسية للمرأة والمقابل العصري للخلافة الراشدة ، ولنا أن نتوقع منه أن ينفي المشروعية الدينية عن الحكم العائلي وحكم العصابات السياسية وحكم الطوائف .

إذا صدرت هذه التجديدات عن شخصية يزكيها الوحي مثل شخصية المهدي فإن تغييراً حاسماً وسريعاً يمكن أن يحدث في وعي وثقافة الناس ، وستساعد ثورة الاتصالات والمعلومات في الإسراع بالتغيير وعولمته . وهنا يمكن للمسلمين بالفعل أن ينتقلوا مباشرة من الحكم الجبري إلى الخلافة الراشدة كما تشير الأحاديث .

 

وكل عام والجميع بخير ،،،،

 

 

========================================

نهايةً : أعرف أن الموضوع طويل جداً جداً جداً جداً

ولكننى أحببت نقله لكم بمشاركاته الهامه ليكون مرجعاً مفيداً لكل من يود الإطلاع على تفاصيل هذا البحث الشيق والهام

أرجو الا اكون أثقلت عليكم

بذلت وقتاً طويلاً جداً لنقل هذا الموضوع كاملاً وبتنسيق جميل لتسهيل الاطلاع عليه وتنظيمه

ولا اتمنى منكم سوى الدعاء بظهر الغيب ، فلا تحرمونى إياه

تحيتى لكم أعضاء المنتدى الجميل ياللا يا شباب :smile:

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥



×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..