وانتهى عصر القذافي

[دعوه للجنه 457]

 

 

 

وانتهى عصر القذافي

 

كان الملك الليبي إدريس السنوسي يطلُّ من شرفة قصره، فرأى مظاهرة تهتف ضدَّه في مظاهرة احتجاجية بلغت مسامع قصره، لكن سمعه الضعيف لم يمكّنه من معرفة ما يهتفون به، فسأل من كان بجانبه: ماذا يقولون؟ فقال له: يقولون: حكم إبليس ولا حكم إدريس..!! فشخص الملك إدريس إلى السماء: وقال: آمين...!!

 

وهكذا جرت تنحية الشيخ إدريس السنوسي في حركة انقلابية درامية على رأسها ملازم أول في الجيش الليبي منسوب إلى عائلة القذاذفة، لا يزيد عمره عن ستة وعشرين عامًا..!! وقد حرص الملازم الثوري على التشبُّه بعبد الناصر ومحاكاته في أفعاله وأقواله.. وسمَّى ثورته لعام 1969م ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة، وأطلق على جمهوريّته الجماهيرية الشعبية الليبية الاشتراكية العظمى.

 

 

المراقبون والمحللون السياسيون كانوا يضعون الملك إدريس في قائمة الحكام الخاضعين للنفوذ البريطاني، ولكن بريطانيا التي خرجت منتصرة ومنهكة من الحرب العالمية الثانية أرادت أن تجدّد وجوه الأنظمة الموالية لها، وتأتي بوجوه ذات طابع ثوري محاكاة لأمريكا التي جاءت بعبد الناصر الذي حمل شعارات قومية ووحدوية، وكان يعزف على وتر الوحدة؛ مما جعله يتربع على عرش قلوب الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، ومما أدّى إلى تهديد الأنظمة السياسية التي تحمل ولاء للإنجليز، وخاصة الأنظمة الملكية في العراق واليمن ليبيا و...

 

 

وهكذا جاء الإنجليز بالقذافي ليستنقذوا نفوذهم المهدد بالاجتياح الأمريكي للمستعمرات البريطانية والفرنسية تحت شعار حق تقرير مصير الشعوب، والديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

 

هذه هي قصة مجيء القذافي إلى سدة الحكم في ليبيا، القذافي المنسوب إلى القذاذفة بالولاء، وقد لعب القذافي أدوارًا مثيرة طيلة فترة حكمه الممتدة إلى اثنين وأربعين عامًا؛ فهو قد عرض الوحدة على تونس والجزائر والمغرب، وهو ملك إفريقية، وهو الثائر الذي كان يمد الجيش الجمهوري في أيرلندا بالسلاح؛ دعمًا لأدوار دولية كانت تتصارع في أيرلندا كان القذافي يوفر غطاءً ثوريًّا لها.

 

 

لم يعد القذافي يحكم ليبيا.. ونظامه تهاوى كجدار تداعت أسسه، فلعبت به الريح، وتناثرت حجارته في كل اتجاه.. سيف القذافي ابنه ومن كان خليفته المرشح لوراثته أصبح في قبضة العدالة، وابنه الأكبر محمد سلَّم نفسه.. بمعنى أن القذافي أصبح صفحة ماضية من التاريخ الدموي للمنطقة أو يكاد.. وقد يُقتل في مواجهات يائسة مع الثوار، وقد يُعتقل ليودع السجن، ويظهر يومًا ما في القفص ذليلاً مهينًا كما ظهر سميّه مبارك.. بعد أربعين عامًا ونيفًا من الفساد والاستبداد وكتم أنفاس العباد؛ إذ كانت أجهزته الأمنية تحصي على الناس أنفاسهم، وتجعلهم يتجسسون على بعضهم البعض، وقد حارب التيار الإسلامي وأعدم العاملين له بعد إنكارهم عليه حينما أنكر السُّنَّة، وقصة سجن بوسليم الذي أعدم فيه نحو (1500) سجين من معارضيه عام 1995م فجّرت السخط والأسى والثورة في نفوس الليبيين على نظام القذافي القاسي القاتل، وقد كانت شرارة الثورة التي أينعت الأحد الحادي والعشرين من أغسطس.

 

 

العاقل من اتّعظ بغيره والأحمق من اتّعظ بنفسه.. القذافي لم يتّعظ بمصير مبارك وزين الهاربين بن علي، بل أراد أن يخوض التجربة بنفسه ليقول للحكام المستبدين والطغاة أمثاله: أنا غير.. أنا سأصمد وسأحطم قوى هؤلاء الخارجين على طاعتي، وسأقتلهم كما الجرذان تُقتل.. ولقد استقوى القذافي بأنفاس الأسد واستمرار صمود الرئيس اليمني، وظن أن عاصفة التغيير وحُمّاه التي تجتاح المنطقة ستتجاوزه مع بعض الانحناء والدهاء والصبر على شماتة الأعداء..

 

 

لكن العاصفة كما يبدو انجلت بعد أن أخذت معها القذافي ونظامه بعد أن خانه ذكاؤه، وخانه المحيطون به، وزيّنوا له معاندة الأقدار وسنة التغيير، وجنى القذافي على أسرته، فضلاً عن آلاف الضحايا والدمار الفظيع الذي خلّفته المواجهات.

 

 

ومن المؤكد أن سقوط القذافي ونظامه أخبار غير سعيدة للرئيس السوري بشار الأسد الذي ما زال يعاند العاصفة، وحمّى المطالبة بسقوطه بحصد المزيد من الضحايا واعتقال الآلاف من الأحرار الذين تصدح حناجرهم بسقوط النظام ورحيل بشار، ولكن لا حياة لمن تنادي.. بشار يقول: أنا أو الطوفان وعليَّ وعلى أعدائي.. هذا مُلْك حصّلناه بالسيف، ولن أتخلى عنه إلاّ بالسيف.. هذا لسان حاله.

 

 

فهل يعجل سقوط القذافي بسقوط بشار؟

 

 

من المؤكد أن سقوط القذافي شؤم على بشار، وأن ثقة بشار بنفسه ستتصدع بعد سقوط القذافي. أما كتائب بشار الأمنية فلن تكون أكثر قوة ولا تنظيمًا ولا ولاء من كتائب القذافي؛ لأن هذه الكتائب ومعها الأجهزة الأمنية تجمعها بالأنظمة المصالح والمنافع لا المبادئ والقيم الرفيعة.

 

 

سقط القذافي وسقوطه سيعجل بسقوط بشار، وسيكون سقوط القذافي درسًا قاسيًا جدًّا لعلي صالح، وسيعجل ذلك باتخاذه قرار التنحي إلى غير رجعة، ومن غير مراسم وداع.