ranasamaha 23 قام بنشر December 17, 2012 لا أريد أن أدخل الجنة ! قرأت هذا الصباح سؤالاً فلسفيًا ذكيًا طرحه ابن عمي الدكتور "محمد الصمادي" أستاذ البنوك والصيرفة الإسلامية في "السعودية". ولأن "محمدا" شاب ملتزم ومعتدل وإيجابي وباحث أكاديمي جاد، ولأنه يعمل في مجال الاقتصاد الإسلامي والإحصاء العلمي ويحترم لغة الأرقام، فقد حمل سؤاله مفارقة إنسانية عجيبة؛ نعيشها كلنا ولا يدركها معظمنا. السؤال: "لماذا لو أخذنا عينة ممثلة للمجتمع وسألناهم من فيكم سيئ الخلق؛ سنجد الجميع يدّعون الفضيلة وحسن الخلق؟ هل مصطلح (مفهوم) الأخلاق فضفاض إلى هذه الدرجة بحيث لا نستطيع تقييم أنفسنا أولاً، والآخرين ثانيًا بموضوعية؟ أعتقد أن المشكلة الحقيقية لدينا هي افتقادنا للمعيار السليم الذي نستطيع تقييم أنفسنا والآخرين بناء عليه. إن تقييمنا يعتمد على ما نملك من معتقدات والتي يمكن أن تكون في بعض الأحيان غير صحيحة. لهذا... فإن الحل يتمثل في إعادة برمجة أنفسنا واستبدال كل القيم والمعتقدات التي تحدد سلوكنا بمعتقدات وقيم أخرى صحيحة." انتهى الاقتباس. سأعرض السؤال ولن أعرض إجابة أو تفسير الدكتور "محمد" لظاهرة "التفاؤل المنحاز في تقدير ذواتنا ومعتقداتنا على حساب ذوات ومعتقدات الآخرين." فنحن مثل اليهود والألمان والأمريكان والروس والبرازليين والأنغوليين والمنغوليين نرى أننا الأفضل بين سائر الأمم. مع أن الله سبحانه يقول: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" وبما أننا أهل كتاب أيضًا، فقد كنا خير أمة أخرجت للناس، وليس هناك ما يضمن أن نبقى خير أمة على مر الزمان ما لم نواصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بوعي وبمنطق العلم والإيمان بالمستقبل، لا بمنطق الاستهبال والاستسهال! ولأن العلم من الإيمان فإنني أؤمن بالاثنين وبأن كلاً منهما يقود إلى الآخر. ففي كتاب بعنوان "التحيز الآمل والمتفائل" أجريت اختبارات أثبتت كلها أن كل الناس يظنون دائمًا أنهم أفضل من كل الآخرين، وهذا غير معقول إحصائيًا. فالإنسان يميل بطبعه إلى الظن أنه أفضل من ربعه، وليس من الثلاثة أرباع الأخرى فقط. كما يبالغ في تقدير الجوانب المعنوية والقيم غير الملموسة لديه لأنها غير قابلة للقياس الدقيق ولا يمكن وزنها عمليًا. في محاضراتي ودوراتي دائمًا أسأل المتدربين عن مستوى إحساسهم بالسعادة فتكون الدرجة ما بين 5 و 7 على مقياس من 10 درجات. وعندما أسأل عن مستوى الذكاء تقع النسبة بين 6 و 8. وعندما أسأل عن الصدق والأمانة تتراوح الدرجات بين 8 و 9. فسعادتنا لا تهم الآخرين لأنها شخصية ونظرتنا لها موضوعية. أما ذكاؤنا فهو قابل للقياس وله مؤشرات مقننة تصدنا أحيانًا عن المبالغة فيه. أما النزاهة والصدق والتواضع مثلاً؛ فلها أبعاد اجتماعية ضاغطة يصعب اختراقها، ولذا فإن "لاوعينا" يفرض علينا الانسجام الخادع معها لنحقق التوازن المأمول، وهو غير معقول. أنا شخصيًا كنت أرى كل أبنائي موهوبين أكثر من أبناء كل الآخرين، ثم غيرت رأيي عندما دخلوا الحياة العملية وبدأت مؤشراتهم في الأداء تتراجع أحيانًا، وتزيد أحيانًا عن مؤشرات الآخرين. وما زلت أرى أن حفيدتي أجمل الحفيدات في العالم، مع أن هناك مليار جد على الأقل في العالم يثبتون لي ولغيري – إحصائيًا وعاطفيًا – أن رؤيتي لاواعية، وأن توقعاتي مشوبة بالتفاؤل الزائف والمبالغة المتوقعة. لأوضح فكرتي أكثر سأعطيكم عشرة أسباب تجعلني لا أتوقع ولا أريد أن أدخل الجنة: - في الجنة سأقابل "حازم أبو إسماعيل" وهو أفضل مني وأقوى؛ فأمه أمريكية معها بطاقة خضراء، وأمي أردنية تلبس حطة حمراء. - وربما أقابل "جورج بوش" وهو من اليمين المسيحي المؤمن جدًا إلى درجة أنه ذبح ملايين العراقيين والأفغانيين، ولن أقابل "جورج إسحاق" أحد مؤسسي حركة "كفاية" لأنه إنسان نبيل. - وربما أقابل "محمد مرسي" لأنه يغير رأيه وقراراته صباحًا ومساءً، ولا أقابل "محمد البرادعي" الذي لم يغير مبدأه ولا خطابه ولا موقفه منذ بدأت الثورة المصرية وحتى اليوم. - لا أريد أن أدخل الجنة حتى أقابل "إلهام شاهين" و"محمود سعد"، ولا أقابل "صفوت حجازي" و"عبد الله بدر". - لا أريد أن أدخل الجنة حتى لا أجبر على مشاهدة قناة "الجزيرة" وأحرم من قناة "العربية" ومشاهدة قناة "الناس" وأحرم من "الحياة." - لا أريد أن أدخل الجنة حتى لا أجبر على قراءة "محمد عبد القدوس" وأنا ما زلت أفضل قراءة روايات أبيه "إحسان عبد القدوس." - لا أريد دخول الجنة أيضًا لأنني أفضل محاورة "وائل غنيم" لا "وجدي غنيم" و"يسري فودة" لا "ياسر علي." - لا أريد دخول الجنة فربما أقابل في الآخرة شخصيات عظيمة تستحق الاحترام والخلود بسلام مثل: غاندي ونوبل ومانديلا ونجيب محفوظ ومحمود درويش ونزار قباني وناجي العلي وجلال عامر وصلاح جاهين ورفيق الحريري وشكسبير وبودلير وموليير وبتهوفن وليوناردوا دافنشي وسارتر" و طبعًا "أنجيلينا جولي." - لا أريد – وهنا أعني ما أقول – دخول الجنة حتى لا أقابل "طارق سويدان" الذي قص ولصق عشرات الصفحات من "خلاصاتي" وكتبي دون استئذان؛ ولكي أقابل "ضاحي خلفان" الذي حقق لبلده – فعلاً – نعمة الأمن والأمان. - وأخيرًا، لا أريد دخول الجنة لأنني أفضل الذين يفكرون على الذين يكفرون. فهل أنا متحيز؟ لست متأكدًا! وبسبب تحيزي، لن أحاول أن أتأكد! نسيم الصمادي إدارة.كوم شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر