معنى قوله تعالى (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم)

[نودة 41]

فائدة اليوم :
ما معنى قول الله تعالى :" عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " ؟
هل معنى ذلك أن كل إنسان يلزم بيته ولا يهتم بدعوة الناس ؟
والجواب :
عن أبي ثعلبة الخشني وقد سئل عن قوله تعالى: ((عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)) [المائدة:105]
قال: «أما والله لقد سألت عنها خبيرًا سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فقال:ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحًا مطاعًا وهوى متبعًا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك ودع عنك العوام فإن من ورائكم أيامًا الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم»

تخريج الحديث :
رواه الترمذي (3058) وحسن إسناده، وقال في بعض النسخ : إسناده صالح، وأبو داود (4341)، وزاد: «خمسين رجلًا منكم».
وهو عند ابن حبان (385)، والحاكم (4/358)، وابن ماجه (4014)، والبيهقي (10/91)، الطبراني في "الكبير" (22/220) (587).

فوائد الحديث :
(1) قال الإمام ابن عبد البر في " التمهيد " : وروي عن ابن مسعود وجماعة من الصحابة والتابعين رحمهم الله أنهم كانوا يقولون في تأويل قول الله عز وجل {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية قالوا إذا اختلفت القلوب في آخر الزمن وألبس الناس شيعا وأذيق بعضهم بأس بعض وكان الهوى متبعا والشح مطاعا وأعجب كل ذي رأي برأيه فحينئذ تأويل هذه الآية . [ التمهيد (16/161-162) ]

(2) استنبط العلماء من الحديث وغيره أنَّ الحرج مرفوع عن كل من يخاف على نفسه في تغيير المنكر أو يضعف عن القيام بذلك .
[ التمهيد (24/316) ]

(3) في الحديث إشارة إلى أنَّ ما قبل هذا الزمان من أزمنة الفتنة يفرض الله فيه على عباده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى يكون الزمان الذي ينقطع فيه ذلك وهو الزمان الموصوف في حديث أبي ثعلبة الذي لا منفعة فيه بأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر ولا قوة مع من ينكره على القيام بالواجب في ذلك فسقط الفرض عنه ويرجع أمره إلى خاصة نفسه ولا يضره مع ذلك من ضل هكذا يقول أهل الآثار

(4) من أخطر الآفات : الشح ، وهو أشد البخل ، فيكون البخل مع الحرص ، ويشمل الشح : البخل بالمال وبعمل المعروف .

(5) الحذر من عبادة الهوى ، فاتباع الهوى من المهلكات ، والشركيات الخفية " افرأيت من اتخذ إلهه هواه "

(6) خطورة إيثار الدنيا وتقديمها على الآخرة كما نقم الله على عباده ذلك فقال :" بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى "

(7) بيان خطر استحسان الإنسان لرأيه ( وإعجاب كل ذي رأي برأيه ) أي من غير نظر إلى الكتاب والسنة ، فيرى رأيه حسنًا ولا يقبل كلام الغير ، وإن أتاه بالدليل أو التأويل الصالح .

(8) ضرورة اهتمام الإنسان بإصلاح نفسه في أيام الفتن وعدم الجدال مع عامة الناس والتفرغ لمحاسبة النفس وتزكيتها ( فعليك بخاصة نفسك ودع العوام )

(9) عظم قدر عبودية الصبر في زمان الفتنة ( الصبر فيهن مثل القبض على الجمر ) يعني يلحقه المشقة بالصبر في تلك الأيام كمشقة الصابر على قبض الجمر بيده

(10) قال ابن عبد البر : يمكن أن يجيء بعد الصحابة من هو في درجة بعض منهم أو أفضل . استدلالا بهذا الحديث ، واختار العلماء خلاف ذلك ، لكن على كلٍ فهنيئًا لك أيها الممتثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم الارتقاء لهذه الدرجات .
هاني حلمي