نودة 41 قام بنشر October 14, 2013 وصلنا إلى اليوم التـــــاسع من ذي الحجة، وهو يوم الجـــائزة الكبرى .. يـــوم عرفــة .. النبي صلي الله عليه وسلم يقول "الحج عرفة" [رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فهذا هو اليوم الذي يباهي فيه الله عز وجل الملائكة بالحجيج .. وفد الله الذين يقفون على عرفات المعرفة، فيتعرفون على مدى كرم ورحمة ربِّهم عزَّ وجلَّ .. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة، يقول: عبادي جاؤوني شعثا من كل فج عميق يرجون جنتي فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل أو كقطر المطر أو كزبد البحر لغفرتها أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له .." [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1112)] وعن أنس بن مالك قال: وقف النبي صلي الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب، فقال "يا بلال أنصت لي الناس"، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله صلي الله عليه وسلم فأنصت الناس، فقال "معشر الناس، أتاني جبرائيل عليه السلام آنفا فأقرأني من ربي السلام، وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات"، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟، قال "هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة"، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كثر خير الله وطاب [رواه ابن المبارك وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1151)] والتبعـات: هي حقوق العباد، وهذا من أصعب المواقف التي قد يتعرض لها العبد يوم القيامة .. فبعد إجتيازه للصراط يجد من ينتظره ليأخذ منه حقه، فكل من ظلمه سيأتي ليأخذ من حسناته ولن يتنازل عن حقه أبدًا في هذا اليوم العسير حتى لو كان من أقرب الأقربين .. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال "أتدرون من المفلس؟"، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار" [رواه مسلم] ولن يُنجيه من هذا الموقف العصيب، سوى أن يضمن الله عزَّ وجلَّ عنه التبعات ويتحملها عنه .. وهذه من أعظم هدايا رب العالمين لأهل عرفات. عرفات يوم العرفان فاستحضر التجلي الإلهي وافتخار ربَّنا بعباده .. فابتعد عن جميع أنواع الترف؛ لكي تكون من الشُعث الغُبر الذين يُباهي الله عزَّ وجلَّ بهم الملائكة .. واجتهد بكل ما أوتيت من قوة في الذكر والتعظيم وتمجيد الله سبحانه وتعالى. واشغل نفسك بالدعــــاء .. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلي الله عليه وسلم قال "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" [رواه الترمذي وصححه الألباني] .. فتنوِّع ما بين دعاء الطلب ودعاء الثناء، الذي تُثني فيه على الله عزَّ وجلَّ. إنها لحظة المغفرة لجميع ذنوب العمر .. فابذل قصارى جهدك لكي يتقبَّل الله منك، واحذر أن تُضيعها باللغو أو اللهو أو النوم. وقد كان أغلب حال السلف الخوف وذم النفس في هذا اليوم .. قال أحمد بن أبي الحواري: دخلت على أبي سليمان الداراني فقال لي: يا أحمد، لي أيام ما بكيت. فقلت له: حدثني محمود بن خلف أنه رأى رجلاً عشية عرفة على رأس جبل، فلما دنا الانصراف سمعه يقول: الأمان الأمان قد دنا الانصراف، ليت شعري ما صنعت في حاجة المساكين؟ قال: فبكى أبو سليمان حتى جعلت الدموع تثب من عينيه ولا تسيل على خده. [صفة الصفوة (2/513)] وهكذا ينبغي أن يكون حالك .. عليك أن تُظهِر الافتقار والحاجة إلى الله عزَّ وجلَّ، وتُلِح في الدعاء ولا تستبطىء الإجابة،، وبعدها نتحرك من عرفة إلى .. مُزدلِفة وأزدلف: أي تقرَّب .. فتقرَّب من ربَّك وسيدك ومولاك .. وتظل مشغولاً طوال المسافة من عرفات إلى المزدلفة بالاستغفار والدعاء بالقبول، عسى الله أن يتقبل منك بعفوه وكرمه. وقِصَر المدة التي تقضيها في مزدلفة، تُذكِّرك بقِصَر البقاء في الدنيا .. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ".. ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها" [رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني] ثم تنتقل من مزدلفة لمِنى، التي هي محل المُنى .. وتبدأ برمي الجمار .. يقول النبي صلي الله عليه وسلم ".. وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها تكفير كبيرة من الموبقات .." [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1112)] .. فأبشِر بأن يُكفِر الله تعالى عنك سبعين كبيرة من الكبائر، لذا لا تتعجل في رمي الجمار وإياك والزحام. وأثناء إلقاءك للجمرات، ألق من قلبك كل شيء أبعدك عن ربِّك .. تبرأ لربِّك من الشيطان وحزبه وعمله ووساوسه. ثمَّ حلق الرأس للرجال والتقصير للنساء .. يقول النبي صلي الله عليه وسلم ".. وأما حلقك رأسك فإنه ليس من شعرك شعرة تقع في الأرض إلا كانت لك نورا يوم القيامة" [رواه الطبراني وحسنه الألباني] ثمَّ ذبح الهدي، وله عظيم الأجر عند الله سبحانه وتعالى .. يقول النبي صلي الله عليه وسلم ".. وأما نحرك فمذخور لك عند ربك .." [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1112)] .. أي: إن أجره مُدخَّر عند الله سبحانه وتعالى؛ فالذبح علامة على التوحيد والإخلاص. وبعد الإنتهاء من رمي الجمرات يأتي .. طـواف الوداع يقول النبي صلي الله عليه وسلم ".. وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول اعمل فيما تستقبل فقد غفر لك ما مضى" [رواه الطبراني وحسنه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (1112)] فاشحن كل قواك لتوديع بيت الله الحرام .. وأثناء طوافك ضع يدك على قلبك وانظر إلى الكعبة وسل الله تعالي ألا يحرمك ويطردك وألا يجعله آخر العهد بينك وبينه .. وانشغل بذكره وفارقه بدموع العين. فإذا قضيت المناسك فاذكر ربك .. قال تعالي {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:200,201] وليكن شُغلك الشاغل من اليوم هو:: محـــاسبة نفسك .. فتشترط على نفسك أن تجعل هذه الحجة البداية الحقيقية بينك وبين الله تعالى. وعلامة قبول الحسنة الحسنة بعدها .. فاحذر أن تمُن على الله بعملك، وكن دائم التذكُّر لمنته عليك .. مما يجعلك تبذُل قصارى جهدك في طاعته سبحانه. وليكن شعارك الذي ستحيا عليه منذ هذه اللحظة .. {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162,163] المصادر: درس "حج بقلبك" للشيـــخ هاني حلمي شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر