نودة 41 قام بنشر October 14, 2013 تمر بنا جميعًا أيام يكتنفها الحزن والهم واليأس والإحباط، أيام نستشعر فيها هواننا وانهزامنا .. فبين مريضٍ مُتعَب، ومبتلى قد أنهكه الحزن والألم، وشعور عـــام بالإحبـــــاط والانهزام النفسي؛ بسبب تكالب الأعداء على الأمة وأحوال المسلمين المتدهورة في مشارق الأرض ومغاربها .. وفي خِضَم هذه المشاعر المُنهَكة والمشاكل المتتالية، ينبعث شعاع من نور الأمل من الحليم الكريم، فيصف لنا سبحانه دواء تأبى الأمراض و الأسقام إلا أن تضمحل تحت مفعوله .. فينقشع الظلام وتدب الحياة وتعلو الهمم؛ إنه بلسم وتريـــــــاق (حسن الرجـــاء بالله تعالى) .. يـــا عبد الله، إن الله قد اصطفاك لتكون من أمة الحبيب صلي الله عليه وسلم.. على الرغم من ذنوبك و معاصيك، جعلك من خير أمة أُخرِجَت للناس و مَنَّ عليك بدين الإسلام العظيم .. { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ .. } [ آل عمران: 110] .. وطالما تسعى لمرضاة ربِّك، سينصرك ولن يُضيَّعك أبدًا. فإيــــاك واليـــأس من رحمة الله عزَّ وجلَّ، فإنه من أكبر الكبائر .. قال رسول الله “صلي الله عليه وسلم الكبائر: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله” [رواه البزار وحسنه الألباني، صحيح الجامع (4603)] .. وقال تعالى {.. وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] فيأيها اليــــائس من كثرة معاصيك، ومن شدة الابتلاءات التي تعتريك .. داوي قلبك بتريــــــاق حسن الرجـــــاء بالله تعالى .. كان فتح الموصلي يقول: “كَبُرَت عليَّ خطاياي وكَثُرَت حتى لقد آيستني من عظيم عفو الله عزَّ وجلَّ .. وأني آيس منك، وأنت الذي جُدت على السحرة بعد أن غدوا كفرة فجرة؟ .. وأني آيس منك، وأنت ولي كل نعمة؟ .. وأني آيس منك، وأنت المؤمل لكل فضل ومعروف؟ .. وأني آيس منك، وأنت المغيث عند الكرب؟” .. ولم يزل يقول: آيس منك، حتى سقط مغشياً عليه. [صفة الصفوة (2:355)] · وعن المزني، قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت: يا أبا عبد الله! كيف أصبحت؟ .. فرفع رأسه، وقال: أصبحت من الدنيا راحلاً، ولإخواني مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله واردًا، ما أدري روحي تصير إلى جنة فأهنيها، أو إلى نار فأعزيها، ثم بكى وأنشأ يقول: وَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي * جَعَلْتُ رَجَائِي دُوْنَ عَفْوِكَ سُلَّمَا تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ * بِعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا فَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ * تَجُوْدُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا. [سير أعلام النبلاء (19:59)] وهكذا المؤمن كالطائر يطير بجناحين؛ جنــــــاح الخوف وجنـــــاح الرجــــاء .. ورأس الطائر؛ محبة الله عزَّ وجلَّ .. ولكن هنــــاك فرقٌ بين الرجــــــاء والتمنِّي .. فالذي لا يجتهد ويأخذ بالأسباب ويرجو رحمة الله، فهذا هو المُتمنِّي .. ومثله المغرور .. المُنهمك في المعاصي ولا يسعى للتوبة الصادقة، ومع ذلك يطمع في مغفرة الله ! يقول ابن حجر “والمقصود من الرجاء: أن من وقع منه تقصير، فليُحسِن ظنَّه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأما من انهمك على المعصية راجيًا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور، وما أحسن قول أبي عثمان الجيزي: من علامة السعادة أن تُطيع ، وتخاف أن لا تُقْبَل. ومن علامة الشقاء أن تَعْصي ، وترجو أن تَنْجو “.[فتح الباري (18:290)] فكيف السبيل إلى تحقيق حسن الرجاء ؟ إن أسباب تحقيق الرجـاء كثيرة وعظيمة، و الأعظم منها أن نستشعرها بقلوبنا ونعمل بها .. 1) أحسن الظن بالله .. يقول الله جلَّ وعلا في الحديث القدسي “أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرًا فله وإن ظن شرًا فله” [رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني] حين تضيق بك الدنيا وتصل إلى أعلى مراتب العجز، حين تستشعر إنك لن تنجو إلا برحمة الرحيم الرحمن .. أحسِن ظنَّك بربِّك واعلم يقينًا أنه لن يخذلك، وسيتوب عليك ويعفو عنك .. { .. حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم} [التوبة: 118] 2) تحقق من سعة عفو ومغفرة الله عزَّ وجلَّ .. تيَّقن أن الله تعالى غفور غفار .. مهما كانت ذنوبك ومعاصيك، فهو القادر على مغفرة ذنوبك كلها طالما إنك لا تُشرك به شيئًا .. يقول تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول “قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي .. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي .. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة” [رواه الترمذي وحسنه الألباني] 3) تحقق من سعة رحمة الله عزَّ وجلَّ .. فرحمته تعالى وَسِعَت جميع خلقه، البرَّ منهم والفاجر .. يقول تعالى {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ..} [الأنعام: 12] .. قال الطبري “وقوله:“كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ..” ، يقول: قضى أنَّه بعباده رحيم، لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم الإنابة والتوبة”. 4) تعرَّف على الربِّ المؤمن .. فاسم الله المؤمن يدل على أنه سبحانه يؤمِّن عباده المؤمنين من العذاب، قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ } [ الحج: 38] 5) اعرف واستشعر كرم ربِّك جلَّ جلاله .. عدد نعم الله عليك التي لا تُعد ولا تحصى، واستشعر كرمه معك سبحانه، ومَنَّهُ عليك بعظيم النعم والخيرات. كل هذا يجعلك تُحقق الحب التام والذل التام والتعلق بالله عزَّ وجلَّ، فيتحقق رجاؤك في عفوه ورحمته. ولكل محبط يائس نقول: خذ بهذه الأسباب تجد لليــأس مخرجًا ومن الإحباط مفرًا ومهربًا،، ولتحقيق حسن الرجــــــاء علامات .. لتعرف إن كنت ترجو رحمة ربِّك بحق، أم إنك مغرور ومُتمنِّي .. العلامة الأولى: الصبر على البــلاء .. فإذا كنت ترجو الله حقًا وتتعلق برحمته الواسعة، فلن تشعر بعظم البلاء .. بل ستهون عليك الصعاب وتذوب أمام عزمك وثقتك بالله، جبال المعاصي وجدران الأزمات. العلامة الثانية: المبــــادرة إلى الطــاعـــات .. فأهل الرجاء هم أهل العمل، الذين يفعلون ما أمرهم الله ويجتنبون نواهيه رغبةً في رحمته وغفرانه .. كما وصفهم الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218] ولكي تكون من أهل الرجاء عليك أن تتخذ القرار بالتغيير وتبدأ في زيادة رصيدك الإيماني، وهذا يكون عن طريق الالتزام بالأوراد التاليــــة كحد أدنى .. 1) إصلاح الفريضة .. بأن تحافظ على جميع الصلوات في أول الوقت في جماعة، لا سيما صلاة الفجر. 2) إصلاح النوافل .. فتلتزم كحد أدنى باثني عشرة ركعة نافلة، عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة، بني له بيت في الجنة .. أربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر” [رواه الترمذي وصححه الألباني] وتزيد عليهم صلاة الضحى ركعتين أو أربع ركعات، وصلاة أربع ركعات قبل العصر؛ لكي تنال رحمة ربِّك .. عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلي الله عليه وسلم قال “رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا “ [رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه الألباني] .. بالإضافة إلى وردك من قيــــام الليــــل. 3) ورد القرآن .. لتجعل لك وردًا لا يقل عن قراءة جزء من القرآن يوميًا. واحرص على قراءة سورة تبارك كل ليلة .. فهي المُنجيَّة من عذاب القبر؛ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال “من قرأ تبارك الذي بيده الملك كل ليلة منعه الله عزَّ وجلَّ بها من عذاب القبر” [رواه النسائي وحسنه الألباني] 4) ورد الأذكار .. عليك أن تُرطِب لسانك بذكر الله في كل وقت وتستبدل لغو الحديث بالذكر، فتجعل لك وردًا من الاستغفار والتسبيح والتحميد والصلاة على النبي صلي الله عليه وسلم إلى جانب الحفاظ على أذكار الصباح والمساء والأذكار الموظفة. 5) الصيـــام .. فلتواظب على صيام الاثنين والخميس، والثلاثة أيام البيض من كل شهر .. وتزيد على ذلك بحسب طاقتك وعزيمتك. 6) عمل بر .. لتجعل يومًا في الأسبوع لزيارة مريض، أو تشييع جنازة، أو التصدق على الفقراء والمساكين، أو زيارة الأيتام. التزامك وثباتك على هذه الأعمال، خير دليل على حسن رجاءك في الله تعالى .. نسأل الله أن يُصرِّف قلوبنا على طاعته، وأن يتغمدنا برحمته الواسعة وعفوه الكريم،، طرق تحقيــق حسن الرجــــــــــاء المصــادر: درس “حسن الرجـــــــاء” للشيخ هاني حلمي شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر