حمدى السيد
Members-
عدد المشاركات
98 -
انضم
-
تاريخ اخر زيارة
-
Days Won
1
كل منشورات العضو حمدى السيد
-
عبادة المقربين قال حبيبى وقرَّة عينى وإنشراح صدرى فى الحديث الجامع المانع الذى يتكون من ثلاث كلمات فقط قدرها فوق موازين الجبال {كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقة}[1] تعالوْ معى ننظر إلى حكمة هذا النبى الأُمى الذى جعله مولاه معجزة للعلماء والمتعلمين من بدء الدنيا إلى يوم الدين؛ تلا على أصحابه - وهو يعلم مقدار شغفهم بحب الله ومبلغ تعلقهم بالقرب من حضرة الله - خطاب الله فى الحديث القدسى الذى يبين فيه الله الطريق المستقيم السوى لكل تقى يريد أن ينال محبة الله جلَّ فى علاه هذا الخطاب يقول فيه الله لأولى الألباب { مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأعْطِيَنَّهُ وَإِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ}[2] سمع الأصحاب هذا الخطاب - وهم كما ذكرت يريدون أن ينالوا محبة العلىّ الوهاب فسارعوا فى نوافل العبادات منهم من سارع فى قيام الليل، ومنهم من ابتدر صيام الأيام المتتالية من النهار ومنهم من واصل تلاوة القرآن ليل نهار حتى كان بعضهم يختمه فى ثلاث وبعضهم يختمه فى كل يوم وليلة مرة وبعضهم سارع فى الأذكار فنظر النبى بعين بصيرته النورانية الربانية ورأى أن عملهم هذا دعوة إلى الرهبانية وليست هذه هى الدعوة الإسلامية فى حقيقتها فلفت أنظارهم ووجَّه أبصارهم وقال لهم فيما روته كتب السنة {لَيْسَ مِنْ نَفْسِ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ فِي كُل يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِنْ أَيْنَ لَنَا صَدَقَةٌ ؟فَقَالَ: إِنَّ أَبْوَابَ الْخَيْرِ لَكَثِيرَةٌ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّهْلِيلُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُمِيطُ الأَذَىٰ عَنِ الطَّرِيقِ وَتُسْمِعُ الأَصَمَّ وَتَهْدِي الأَعْمَىٰ، وَتَدُلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَتِهِ، وَتَسْعَىٰ بِشِدَّةِ سَاقَيْكَ مَعَ اللَّهْفَانِ الْمُسْتَغِيثِ، وَتَحْمِلُ بِشِدَّةِ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ فَهَذَا كُلـُّهُ صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ وَتَبَسـُّمَكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ وَإمَاطَتُكَ الْحَجَرَ وَالشـَّوْكَةَ وَالْعَظْمَ عَنْ طَرِيقِ النـَّاسِ صَدَقَةٌ، وَهَدْيُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضـَّالَّة صَدَقَةٌ}[3] فعدَّد أبواب العبادات للمؤمنين بل جعل كل أعمال المؤمنين إن كان لأنفسهم أو كان لغيرهم إذا سبقتها نيَّة طيِّبة لله فهى عبادة يتقرب بها المرء إلى مولاه حتى من خرج فى كل صباح يسعى ليُحصِّل قوته وقوت أولاده يقول فيه صلوات ربى وتسليماته عليه {أَيُّمَا رَجُلٍ كَسَبَ مالاً مِن حلالٍ فأَطْعَمَ نفسَهُ أو كَسَاهَا فمَنْ دونَه مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، فإنَّ لَهُ بها زكاةً}[4] وقال فى حديث آخر: {إذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ}[5] فنفقته على نفسه صدقة وكذا على أهله وهى واجبة عليه لا مفر ولكنه إذا إحتسبها عند الله وأداها بنفس طيبة كانت صدقة إذا رفع الأذى من طريق المسلمين فتلكمُ عبادة وإذا أرشد ضالاً ولو إلى أين الطريق أى لو كان يريد أن يصل إلى عنوان ولا يعلم الشارع الموصِّل إليه فأرشده فهذا له عبادة وإذا قاد أعمى واسمع للأجر يقول فيه : {مَن قادَ أعمىً أربعينَ خَطوةً وَجَبَتْ لَهُ الجنَّةُ}[6] بل أوجب على المسلم أن يتعلَّم اللغات وتكون له عبادات فقال: {إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُؤْجَرُ فِي هِدَايَتِهِ السَّبِيلَ وَفِي تَعْبِيرِهِ بِلِسَانِهِ عَنِ الأَعْجَمِي}[7] من ترجم الكلام من العربية – والعكس- لأى لغة أعجمية (أى أجنبية بلغتنا اليوم) كانت هذه الترجمة له صدقة فما بالك لو علَّمه العربية لغة كتاب الله جلَّ فى علاه بل زاد النبى فى الأُلفة بين المسلمين فجعل حركاتك وكلماتك لإخوانك المسلمين عبادة وكلما نظرت فى وجه مؤمن فتبسمت فى وجهه: {تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ}[8] وإذا لم تتبسم فلا تكشِّر فى وجهه أو تعبس عند لقائة، قال: {إِنَّ الْعَبْدَ لَيُقَطبُ فِي وَجْهِ أَخِيهِ فَتَلْعَنُهُ الْمَلاَئِكَةُ}[9] فإذا كلمته بكلمة طيبة عندما تلقاه أو تراه فانظر للأجر{ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ}[10] فإذا زدت قليلاً ومدَّدت يدك لتصافحه يقول: {إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ اخَذَ بِيَدِهِ تَحَاتـَّتْ عَنْهُمَا ذُنُوبَهُمَا كَمَا يَتَحَاتُّ الوَرَقُ عَنِ الشـَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ فِيْ يَوْمِ رِيْحٍ عَاصِفٍ وَإِلاَّ غُفِرَ لَهُمَا وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوْبَهُمَا مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ}[11] فجعل أعظم العبادات وأكبر النوافل التى يتقرب بها العبد إلى رب البريات هى النوافل التى تتعلق بعباد الله المسلمين وأرجو أن تدققوا الفهم هنا ليست نوافل العبادات ولكنها النوافل التى تنفع المؤمنين والمؤمنات النوافل التى تصلح المجتمعات النوافل التى تيسر الأمور للفقراء والمساكين والبائسين هل اتضح الأمر ؟ مَن الذى يريد أن يكون مع رسول الله فى الجنة فى منزلته ودرجته؟ وما العمل الموصل إلى ذلك؟ ويقول لنا فى ذلك: {السَّاعي على الأَرْمَلَةِ والمِسْكِينِ كالمُجَاهِدِ في سَبِيلِ الله أَوْ كَالَّذِي يَصْومُ الْنـَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ ويكون معي في الجنة}[12] أرأيتم هذه العبادة من يسعى على أرملة أو مسكين تكون أيامه كلها مكتوبة عند الله صياماً ولياليه كلها عند الله محتسبة قياماً ياألله بل ونهاره وليله كالمجاهد فى سبيل الله على الدوام هل هذا فقط ؟ لا بل ثم فى الآخرة يُرزق برفقة وصحبة النبى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام فى الجنة ماذا نريد بعد بل ويؤكد هذا المعنى مرة أخرى للنساء لمن تقف نفسها على أولادها فيقول: {أنا وامْرَأَةٌ سَفْعَاءُ الخَدَّيْنِ كهاتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[13] وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى أى لا تضع زينة على وجهها، امرأة تأيمت على أولادها ولم تتزوج لتربى أولادها فهى مع النبى فى الجنة ويضرب لأصحابه مثالاً عملياً فى ذلك فقد كانوا سائرين للجهاد فى سبيل الله فى إحدى الغزوات وكان بعض الجند صائمين وبعضهم مفطرين وكان من هديهم وحسن أدبهم ألا يعيب الصائم على المفطر ولا يرى أنه خير منه بصيامه ولا يعيب المفطر على الصائم ولا يرى أنه خير منه بعمله أوجهده ولكنهم كانوا ينظر كل رجل منهم إلى أخيه على أنه أفضل منه وكان يوماً شديد الحرارة ونزلوا بأرض وأمر النبى بإقامة معسكر الجيش فى هذا المكان فذهب الصائمون إلى ركن ركين بحجة أنهم صائمين ومرهقين وقعدوا واستظلوا وقام المفطرون بدقِّ الأوتاد ونصب الخيام وطهى الطعام واحضار الماء وكل ما يحتاج إليه المعسكر من خدمات فقال: {ذَهبَ المُفْطِرونَ اليَوْمَ بالأَجْرِ}[14] لأنهم سعوا فى خدمة إخوانهم الَّذين سعوا فى خدمة أنفسهم فالنوافل نوافل البر والقربات منها ما تكون للإنسان فى نفسه وهى التى يقول الله عزَّ شأنه فيها {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} ومنها ما هو أغلى وأعلى وهى خير النوافل والقربات التى ترفع العبد عند مولاه هى التى فيها نفعٌ للمسلمين وفيها إصلاحٌ لأحوال المؤمنين وفيها رفعةٌ لشأن المجتمعات الإسلامية وإصلاحٌ لشئونها ولذلك قال الحبيب فيمن يسعى للصلح بين المسلمين: {أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ: إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ }[15] الإصلاح بين المسلمين أعظم عند الله فى ميزان النوافل من قيام الليل ومن صيام النهار لماذا؟ لأن هذا العمل عملٌ يحتاجه مجتمع أهل الإيمان مجتمع الذين يقول فيهم النبى العدنان: { تَرَىٰ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَىٰ عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَىٰ لَه سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّىٰ}[16] وعن أبى هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {كلُّ سَلامى مِنَ النـَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ الشَّمْسُ قال: تَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةً، وتُعِينُ الرَّجُلَ عَلى دَابَّتِهِ تَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا صَدَقَة وقال: الكَلمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وقال: كُلُّ خطوةٍ يَمْشيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الأذى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ }[17] ولأن دين الإسلام دين حياة فقد جعل الله بفضله ومَنِّه وجوده وكرمه كل أعمال الإنسان إذا سبقها نيَّةٌ صالحةٌ لحضرة الرحمن طاعةً عظمى للديان طاعةً لا تساويها نوافل العبادات ولا الشكليات التى يتمسك بها من ينتسبون للدين والصلاح فى هذا الزمان إن ديننا هو دين العمل الإجتماعى وهو دين التواصل بين المؤمنين ودين المودة والتعاطف بين الموحدين دين يُدخل الرجل الجنة بشهادة المؤمنين له كيف؟ ورد فى الحديث الشريف أنه: {مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرَاً. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ : وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا. فَقَالَ: نَبِيُّ اللَّهِ : وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ قَالَ عُمَرُ: فِدَى لَكَ أَبي وأُمّي مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًّا فَقُلْتُ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ. ومُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا فَقُلْتُ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَنْ أُثْنِيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنـَّةُ وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النـَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الاٌّرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الاٌّرْضِ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الاٌّرْضِ} [18] إذا شهدنا لرجل بخير دخل الجنة فمَن الذى نشهد له يا رسول الله؟ قال: {إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ المَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بالإِيْمَانِ}[19] وفى رواية { فاشهدوا له بالصلاح} وقوله "يعتاد المسجد" أى يواظب على الصلاة بالمسجد فإذا شهدنا له فإن الله يوم العرض والحساب يُحضر ملفات أعماله وقد تكون كلها أو بها قبائح لا تعدُّ ولا تحدُّ فيُحضر الله الشهود الذين شهدوا له بالإيمان ويُطلعهم على عمله وملفه فيسألهم سبحانه وهو أعلم بهم: لِمَ تشهدون لعبدى وهذا عمله؟ فيقولون كما جاء بالخبر: يارب أنت الذى علَّمتنا ذلك فيقول ربُّ العزة وأين ذلك؟ فيقولون: قلت لنا فى القرآن {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} شهدنا لأننا رأيناه يدخل المسجد ولم تأمرنا أن ننقِّب عن القلوب أو نفتِّش على الأحوال أو نَطَّلع فى صحائف الأعمال لأن ذلك أمر خاص بالواحد المتعال ولذلك حذَّر النبى من كل مَن يصف المسلم بوصف غير تقى كأن يقول: أنت منافق أو يامنافق أو يقول عنه فى غيبته إنه منافق أو يقول له: أنت نصرانى أو أنت يهودى أو كما استسهل الناس فى زماننا بقول "ياكافر أو هو كافر" سواء فى حضوره أو فى غيبته، قال فيه: {إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ الَّذِي قِيلَ لَهُ كَافِرَاً فَهُوَ كَافِرٌ وَإِلاَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْ قَالَ }[20] يصيب نفسه بهذا السب وهذا الشتم وهذا اللعن الذى خصَّ به أخاه لأنه لا يطَّلع على القلوب إلا حضرة الله جلَّ فى علاه ولا يليق بمسلم مهما كان شأنه أن يصف مؤمناً بالنفاق أو يصف مؤمناً بغير ما وصفه به الله من الإسلام والإيمان وإنما الأمر كما علَّمنا النبى العدنان صلوات ربى وتسليماته عليه: {إِني لَمْ أُؤْمَرْ أَنْ أُنَقـِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشـُقَّ بُطُونَهُمْ}[21] لم يأمرنا أن نفتِّش على السرائر أو ننقِّب فى الضمائر وإنما أمرنا أن نحكم على الناس بحسب الظاهر ونشهد لهم بحسب الظاهر فإذا شهد المؤمنون لرجل بالإيمان وجبت له الجنة بل إنه قال فى الحديث الآخر والذى يفتح باب عموم فعل الخير على مصراعيه: {إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مِنْهُ شَرَّاً وَيَقُولُ النـَّاسُ خَيْراً قالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلاَئِكَتِهِ قَد قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادَي عَلى عَبْدِي وَغَفَرْتُ لَهُ عِلْمِي فِيهِ}[22] فيدخل العبد الجنة بشهادة المؤمنين والمؤمنات أو الناس أو جيرانه كما ورد فى الأحاديث الصحيحة ولذا أمر الله المؤمنين أن يتعارفوا وأن يتآلفوا وأن يتكاتفوا وأن تكون بينهم صلات وقربات على كتاب الله وعلى سُنة رسول الله وعلى منهج أصحاب رسول الله أجمعين وها نحن نصلى فى مساجدنا ببلادنا لكن جُلُّنا أو معظمنا لا يعرف الآخر لماذا ؟ لماذا ياإخوانى؟ مع أننا أخوة فى الإيمان؟ وقد قال الحبيب: {إِذَا آخَا الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنْ اسْمِهِ وَاسْم أَبِيِه وَمِمَّنْ هُوَ؟ فَإِنَّهُ أَوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ }[23] ما دمنا فى محلة واحدة ونجتمع فى بيت الله لابد أن ننفذ قول الله : {إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} لابد أن نتعارف قد يكون حجة البعض لِمَ أتعارف وأنا عندى سكنى وعندى أموالى وعندى ما أحتاج إليه ولا أحتاج إلى أحد إن لم تحتج إليه فى الدنيا فأنت فى أمَّس الحاجة إليه فى الدار الآخرة ولو كان فقيراً مسكيناً تحتاج إلى شهادته لتدخل الجنة ربما تحتاج إلى شفاعته ولذلك قال الحبيب فى صحيح سُنته: {اسْتَكْثِرُوا مِنَ الإخْوَانِ فَإنَّ لِكُل مُؤْمِنٍ شَفَاعَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ }[24] ربما تحتاج إلى أخيك فى شفاعة يوم القيامة فإن للعالِم سبعين شفاعة يشفعها فى سبعين رجلاً كلهم قد استوجب النار وكل مؤمن له شفاعة وكذا وكذا من أنواع الشفاعات والمكرمات بل إن من إكرام الله لنا جماعة المؤمنين أنه ربما أتعرف على رجل ذو وجاهة ومنزلة عند الله وأنا بعملى القاصر لا أبلغ منزلته ولكنى تعرفت عليه وتآخيت معه فى بيت الله وكما نعلم كلنا أنه من ضمن السبعة الذين يُظلُّهم الله بظلِّ عرشه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه "رجلان تآخيا فى الله اجتمعا على الله وافترقا عليه" فعند القيامة وكما ورد بالخبر {قيل: إن أحد الأخوين في الله تعالى يقال له: ادخل الجنة فيسأل عن منزل أخيه فإن كان دونه لم يدخل الجنة حتى يعطى أخوه مثل منزله فإن قيل له: لم يكن يعمل مثل عملك فيقول: إني كنت أعمل لي وله فيعطى جميع ما يسأل لأخيه ويرفع أخوه إلى درجته}[25] وكنت أعمل لى وله أى خذ عملى وأجرى واقسمه بينى وبينه ولذلك قال صاحب الإحياء مؤكداً هذا المعنى ومحببا فى التآخى فى الله : {ويقالُ إنَّ الأخوين في الله إذا كانَ أحدُهمَا أعلَى مَقَامَاً منَ الآخر رُفِعَ الآخرُ معهُ إلى مقامه وإنه يلتحق به كما تلتحق الذرية بالأبوين والأهل بعضهم ببعض لأن الأخوة إذا اكتسبت في الله لم تكن دون أخوة الولادة قال تعالى[ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شيءٍ}[26] وفى الخبر {ماتحَابَّ اثنَان فى الله إلا رَفَعَ اللهُ أقَلـَّهٌمَا مقَاماً إلى مَقَام صَاحِبِهِ وَ إنْ كَانَ دُونَهُ فى الْعَمَل} لأن أُخوة الإسلام هى الرابطة التى حرص عليها المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام وهى التى حلَّت مشاكل المسلمين عندما هاجر الفقراء المهاجرون إلى الأنصار أصحاب المدينة الأفضل حالاً أو الموثرين فحُلت مشاكلهم بالأُخُوة بينهم بفعل سيد الأولين والآخرين ونحن كذلك لن تُحلَّ مشاكلنا إلا إذا تآخينا فيما بيننا وتواصلنا فى بيت ربنا وفى شوارعنا ومع جيراننا ومع سكان شوارعنا ووضعنا أيدينا فى أيدى بعض وقد قال الحبيب: {لاَ يَزَالُ اللَّهُ فِي حَاجَةِ العَبْدِ مَا دَامَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ}[27] وأجاب النبى السائل له: أى الأعمال أفضل؟ فقال له {إِدخَالُكَ السُّرُورَ عَلَى مُؤْمِنٍ أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ أَوْ سَتَرْتَ عَوْرَتَهُ أَوْ قَضَيْتَ لَهُ حَاجَتَهُ}[28] وروى عن حضرته: {إِنَّ أَحَبَّ أَلاعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تعَالَى بَعْدَ الفَرَائِضِ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى المُسْلِمِ}[29] يتبع إن شاء الله المصدر كتاب (نوافل المقربين) للأستاذ فوزي محمد أبوزيد [1] أخرجه البخارى عن جابر ومسلم عن حذيفة [2] رواه البخارى عن أبى هريرة. [3] عن أبى ذر رواه البيهقى كما رواه أحمد وابن حبان والبيهقى أيضا مختصرا حتى"نفسك". [4] رواه أبو يعلى وابن حبان والحاكم فى المستدرك [5] رواه البخارى ومسلم عن أبن مسعود [6] رواه الطبرانى فى الكبير وأبويعلى عم ابن عمر. [7] أخرجه الطبرانى فى الأوسط [8] رواه الترمذي عن أبي ذر. [9] الْخطيب في المتفق والمفترق عن أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ، جامع المسانيد والمراسيل [10] رواه أحمد وابن حبان عن أبى هريرة. [11] رواه الطبرانى عن سلمان. [12] صحيح البخارى ومسلم عن أبى هريرة. [13] مسند الإمام أحمد عن عوف بن مالك. [14] عن أنس بن مالك، صحيح بن حبان وصحيح مسلم وغيرها. [15] رواه أحمد والترمذي وأبى داوود عن أبى الدرداء. [16] رواه البخارى عن النعمان بن بشير. [17] رواه البخارى ومسلم [18] عَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ صحيح البخارى ومسلم [19] رواه الترمذي عن أبى سعيد. [20] ابن ماجه عن ابن عُمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا. جامع المسانيد والمراسيل. [21] عن أبى سعيد أخرجه إبن جرير، جامع المسانيد والمراسيل [22] عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنهُ رواه البزار [23] سنن الترمذي عن يزيد بن نعامة الضبِي [24] ابن النجار فى تاريخه عن أنس. [25] تعريف الأحياء بفضائل الإحياء، الجزء: 1. [26] إحياء علوم الدين، ج2، والتحاق الذرية بالأبوين ثابت بالكتاب والسنة. [27] رواه الطبرانى [28] وعن عمر مرفوعاً رواه الطبرانى [29] وعن ابن عباس رضى الله عنهما رواه الطبرانى
-
الصلاةُ على حضرة النَّبى لعل من أعظم الأعمال التي يستوجب بها العبد محبة الله الصلاة على النبي صلَّى الله وهناك صلاة عددية وهي التي فيها عدد وأكبر كتاب فيها هو كتاب دلائل الخيرات للشيخ الجزولى وكان فحلاً من الفحول وسر اشتغاله بالصلاة على رسول الله كانت بنتا فقد كان عطشانا وذهب ليشرب من بئر في بلاد المغرب ولم يستطع أن يشرب لبعد الماء عن متناول يده وكان هذا البئر بجوار قصر وإذا بهذه البنت تطل من شرفة في القصر وتنظر إلى الماء فيرتفع الماء حتى تشرب بشفتيها وليس بكوب أو غيره فنظر إليها مدهوشاً ومتعجباً وسألها كيف وصلت إلى ذلك؟ فقالت: بالصلاة على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فاشتغل الشيخ الجزولى من فوره بالصلاة على النبي ومن شدة اشتغاله بها جعل لنفسه ورد يومي وكل يوم غير اليوم الآخر وورد اسبوعي ثم سجلها في كتاب اسمه دلائل الخيرات وهذا الرجل ولشدة انشغاله بالصلاة على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعد موته جاء لبعض أهله وطلب نقله إلى مكان آخر في مدينة فاس ببلاد المغرب وكان ذلك بعد موته بثلاثة وثمانين سنة فحفروا قبره فوجدوه على هيئته وحالته وكفنه كما هو وجسمه كما هو والعطر يفوح من هذا القبر فعلموا أن ذلك ببركة الصلاة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم واشتهرت دلائل الخيرات وأي عمل يشتهر يكون دليلاً على صدق صاحبه وإخلاصه فمثلاً المذاهب الفقهية كانت أكثر من ثلاثين مذهباً فلماذا اشتهرت المذاهب الأربعة لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد؟ لصدقهم وإخلاصهم لله عزَّ وجلَّ وهكذا الأمر فقد اشتهرت دلائل الخيرات لإخلاص هذا الرجل وصدقه مع الله عزَّ وجلَّ ومع ذلك فإن دلائل الخيرات كمثال هي التي فيها : اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ذرات الرمال وقطرات البحار وأوراق الأشجار وكلها مبنية على العدد وهذه الصلاة العددية هل يعطينا الله ثوابها على حسب هذه الأعداد ؟ كلا بل يعطيك ثواب صلاة واحدة وكأنك صليت مرة واحدة على النبي وهذه تسمى الصلاة العددية لأنها مبنية كلها على العدد وقد جاءت نتيجة الفكر فقد أُخذ الرجل برسول الله وأراد أن يصلي عليه فأخذ يفكر ثم جاء بهذه الصيغ فمرة يذكر الأشجار وأخرى يذكر البحار وثالثة يذكر الأطيار وهكذا هذه صلوات عددية ما اسمها؟...."دلائل الخيرات".. أي تدل على الخيرات وهناك صلاة يلهمك بها الله وهى لا تدل على الخير فقط ولكن تعطيك الخيرات على الفور وتنال بها الخير ولذلك اسمها "نيل الخيرات" ونال يعني حصل أو أخذ مثلاً فلان نال جائزة الدولة التقديرية يعني أخذها وهناك صلاة يمد بها سيدنا رسول الله الصالحين مناماً فقد كان يمد كل رجل من الصالحين فمنهم من يمده بصيغة ومنهم من يمده بصيغتين ومنهم من يمده بأكثر وكلها نفحات ولذلك تجد أن كل واحد من الصالحين له صيغة مشهورة وقد جمع هذه الصيغ في عصرنا رجل من الصالحين هو الشيخ يوسف النبهاني وهذا الرجل معاصر في القرن العشرين وكان قاضي محكمة في بيروت وقد وظفه الله في جمع هذه الصلوات في كتاب كبير حوالي سبعمائة صفحة اسمه سعادة الدارين في الصلاة على سيد الكونين وقد أتى في هذا الكتاب بكل الصيغ الواردة عن الصالحين من أول سيدنا الإمام علي حتى يومنا هذا وكان الصالحون يقرءونها صباحاً ومساء مع بعض الآيات القرآنية والأذكار وصلوات الصالحين صلوات بها روح لأنها إلهام من سيدنا رسول الله ونستطيع أن نسميها صلوات إلهامية لأن سيدنا رسول الله هو الذي ألهمهم بها مناما ورؤية رسول الله لها حالتان فهي إما رؤية لتفريج الكروب أو الأخذ بيد الإنسان من الذنوب والعيوب أو تبشيره بخير وهذه تكون بالصورة المحمدية الموصوفة في كتب الحديث كما وصفها الإمام علي كرم الله وجهه وكما وصفها سيدنا أبو هريرة وكما وصفها هند بن أبي هالة خال سيدنا الحسن وسيدنا الحسين رضي الله عنهما وهي الصورة الحسية فما جلس مع قوم إلا كان أعلاهم مهما كان طولهم وما مشى مع قوم إلا وكان أطولهم مهما كان طولهم وإذا مشى يمشي كهيئته وعادته وهم يجرون خلفه ولا يستطيعون اللحاق به فكأنما الأرض تطوى له والروايات كثيرة وهذه مجملها وسيدنا أنس قال فيه : ما رؤي النبى مع شمس ولا قمر ولا مصباح إلا وكان نوره أزهى من نور الشمس وأضوء من نور القمر ، وأجمل من نور المصباح وقال سيدنا حسان في ذلك: لما نظرت إلى أنواره سطعت .... وضعت من خيفتي كفي على بصري خوفاً على بصري من حسن صورته .... فلست أنظره إلا على قدري الأنوار من نوره في نوره غرقت .... والوجه مثل طلوع الشمس والقمر روح من النور في جسم من القمر ..... كحلة نسجت في الأنجم الزهر فحتى هذه الصورة الآدمية لم تكن صورة عادية ولكنها نور كما وصفه سيدنا حسان لكن أهل الشهود وأهل الإكرام الأعلى والمقام الأسنى والنور الأبهى من الأنبياء شاهدوا الصورة الأحمدية: ولذلك فإن سيدنا عيسى رأى الصورة الأحمدية ولم يرى المحمدية [وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ] وهذا هو ما رآه لأن الصورة المحمدية لم تكن قد جاءت بعد – فقد رأى سيدنا عيسى الصورة الأحمدية التي هي جمال الملكوت وكمال العظموت ونور الرحموت وسناء الحي الذي لا يموت ، وفي هذا المعنى يقول أحد الصالحين : من خمر نـور جمالك و من رحيق وصالك شربت صرفاً فهمت وهام أهل كمالك فأصبح القلب نـوراً والقلب قد كان حالك ومبشري قـال هيـا قم فالحمى لك سالك فسرت و هو إمامـي حتى وصلت هنالك ناديت ياليت قومـي قـد يعلمون بذلك وانتبهوا للألفاظ فنور جماله خمر وإذا كان جمال يوسف جعل السيدات يقطعن أيديهن بالسكاكين وأين جمال يوسف بالنسبة لجمال سيدنا رسول الله؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم «أُعْطِيَ يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ شَطْرَ الحُسْنِ»[1] أعطي يوسف شطر الحسن أى نصف الحسن حسن من؟ حسن رسول الله لأنه أخذ الحسن الظاهر لكن الحسن الباطن شيء آخر وهو لرسول الله . من خمر نـور جمالك و من رحيق وصالك شربت صرفاً فهمت وهام أهل كمالك عندما رأى هذا النور وهذا الجمال .. ما الذي حدث؟ ومبشري قـال هيـا قم فالحمى لك سالك فالطريق أصبح مفتوح ... فسرت و هو إمامـي حتى وصلت هنالك إذاً من يقود الإنسان في غياهب الغيب ؟ وفي غيب الغيب ؟ وفي نور الأنوار ؟ وفي عالم الأسرار؟ ليس إلا الحبيب المختار وما الذي يطيب القلب يا إخواني ويجعله صالحاً للقاء الله ؟ لا توجد إلا أنوار حبيب الله ومصطفاه فنحن الآن بالليل مثلاً وإذا مشينا بطريق ليس به كهرباء هل نرى أي شيء؟ ما الذي يضيء الدنيا كلها؟ هي الشمس كذلك ما الذي ينور القلوب؟ شمس الحبيب المحبوب صلَّى الله عليه وسلَّم ومن يمشي في عالم الغيوب لا يمشي بجسمه ولكن يمشي بقلبه وبروحه وبسره فيرى نور رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لأنه نور الروحانيات والمعنويات والحقائق العالية والدانية صلوات ربي وتسليماته عليه فلا بد للإنسان أن يعرف الصورة المعنوية ويلطف عواطفه القلبية ويرقق حواشيه النورانية ويرقي أسراره الروحانية لكي يتابع رسول الله في هذه المقامات العالية التي يقربه فيها مولاه جل في علاه فعندما يصلي على رسول الله وهو في هذه الحالة ... لا يصلي باللسان فقط فالقلب يذكر والجميل أمامي ...ليس اللسان إذاً فالقلب هو الذي يذكر أيضاً ولذلك عندما تصلي عليه : إياك أن تقرأ بلسانك فقط، ماذا تفعل إذاً؟ صلي صلاة اتصال تحظى بالحسنى ... استغرق الوقت في كشف بلا ميل صلي صلاة الاتصال ... وكأنك تكلم رسول الله فمرة تقول له:عشقتك كشفاً لا سماع رواية أي عشقتك كما رأيتك وليس عن السماع عن فلان وفلان ولكنه كشف فمن يريد أن يكون من أهل الوصول ومن أهل المقامات العالية ومن أهل المنازل الراقية يحتاج أن يعرف شيئاً عن معنى رسول الله وهذا هو سر هذه الصلوات عليه فعليكم بها واستمسكوا بها تفوزوا بما فيها من الأنوار العالية والمقامات الراقية، والأمر كما يقول سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما روته السيدة عائشة رضى الله عنها { يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى الله مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّ}[2] ثم قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: { وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ إِذَا عَمِلُوا عَمَلاً أَثْبَتُوهُ} والإمام الغزالى رضى الله عنه وأرضاه في كتابه إحياء علوم الدين ضرب مثلاً لطيفاً وقال : "لو صخرة من الصخر الصلب تنزل عليها المياه قطرة قطرة بصفة دائمة ومستمرة فلا بد أن هذه المياه في يوم من الأيام ستفتت هذه الصخرة لكن لو جئت بوعاء مملوء بالماء وأفرغته مرة واحدة على هذه الصخرة ماذا يصنع فيها؟" وهكذا الأمر في الطاعات فمن يقبل على العبادة لحظة أو شهر ثم يتركها لا يتقدم لأن القلب مثل هذه الصخرة فالعمل الرافع يتطلب المداومة فلو داومت على الصلاة على حبيب الله ومصطفاه فإن الله سيرقق القلب والفؤاد ويجعله مجهزاً ومؤهلاً لنور حبيب الله ومصطفاه. بنور الله فاعتصموا ولا تميلوا إلى الأهواء ميلة مارق ولو أن القلب نزلت فيه قطرة واحدة من نور الحبيب فإنها تكفيه وتغنيه: فنقطة نور منه تحيى قلوبنا فكيف إذا ما كنت بحراً وأنجماً نقطة واحدة تكفي فما بالكم بالبحر الذي ليس له نهاية وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تم نقل الموضوع من كتاب [كيف يحبك الله] للأستاذ فوزي محمد أبوزيد http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo...لله&id=5&cat=2 [1] عن أنس بن مالك ، مسند الإمام أحمد [2] صحبح مسلم عن عائشة رضى الله عنها .
-
مشارب الرجال تلك سنة الله من بدء البدء إلى نهاية النهايات لأنها مشارب فهذا المشرب كان فيه نبي الله وتوارثه من الصحابة الكرام فلان ومن بعده من الصالحين فلان وفلان وفلان إلى يومنا هذا ولو جمعت رجال هذا المشرب في ديوان تجدهم كلهم ينطبق عليهم قول حضرة الرحمن {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} وكل هؤلاء الرجال على اختلاف أحوالهم وترتيبهم وتصنيفهم وتنوع مشاربهم اتفقوا على أمر واحد أنهم باعوا أنفسهم لله وجعلوا حياتهم وتوجهاتهم وأعمالهم وجهادهم كله لله لا لأنفسهم ولا لأولادهم كلهم ولا خلاف في هذا الأمر ونتيجة لصدقهم لو نظرنا في سيرهم وطالعنا في حياتهم نجد أن الله تولى بذاته وليس بواسطة أسبابه وملائكته قضاء حاجاتهم فمن كانوا على منهج أو على قدم سيدنا عيسى فإنهم لم يروا سيدنا عيسى ولكنهم رأوا سيدنا أبو ذر كيف كان جهاده؟ وماذا كان يعمل؟ وكيف كان حاله مع الله؟ وما هي أوراده وأذكاره؟ لا بد أن يسيروا عليها ولا يوجد من يدخل بغير باب إذاً ما هو بابك؟إنه الرجل الذي اخترته واخترت المشي على هديه وعلى نهجه لا بد وأن يكون لك إمام تمشي على منهجه ومن غير ذلك يا إخواني ، كما قال أحد الحكماء في ذلك "من لا ورد له لا ورود له" فمن أين يأتي له الفتح؟ ومن أين يأتي له الورود؟ فيجب أن يكون لك منهجاً تسير عليه وهذا المنهج منذ أن تستيقظ من النوم إلى أن تنام إذا كان في العبادات أو المجاهدات وكما قلنا الاتفاق الأول أن أكون كلي لله عزَّ وجلَّ ، وهمي كله منذ أن أصبح في رضاه أما طلباتي وطلبات عيالي إنها على الله ولا شأن لي بذلك فعلي أن أجاهد في رضاه وهو عزَّ شأنه يتولى قضاء حوائجي بما شاء وكيف شاء وهذا نهج الصالحين أما من يبحثون عن أنفسهم وعن أولادهم وعن بيوتهم فإن هذا ليس بنهج المؤمنين ولكنه نهج طائفة أخرى ربنا نعى عليهم والحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم أشار إليهم حتى نتجنب أن نسير في طريقهم وننزلق في السير على منهاجهم لأنه منهج لا يرضاه الله ولا يحبه حبيب الله ومصطفاه إن نهج الصالحين واضح ولا فصال فيه وكما قالت السيدة رابعة: "عليَّ أن أعبده كما أمرني وعليه أن يرزقني كما وعدني" وهذا هو نهج الصالحين هل معنى ذلك ألا أسعى للرزق؟أسعى ولكن سعي رفيق مجمل بالعزة الإيمانية "اتقوا الله وأجملوا في الطلب" بجمال العزة وجمال الإيمان وجمال مراقبة حضرة الرحمن – لكن هل يصح أن أدخل مع الكلاب؟ لا يصح لمؤمن أن يدخل مع الكلاب مصداقاً للحديث الذي يقول {الدنيا جيفة وطلابها كلاب}[1] فإن تجتذ بها نازعتك كلابها وإن تجتنبها صرت سلما لأهلها وهذا كلام سيدنا الإمام الشافعي وأهل الإيمان يتجملون بالرقة والحنانة دائماً ولا يتصفون بالغلظة والقسوة وليس لهم أظافر أو حوافر ولا يستطيع أحد منا أن يدخل في دائرة هؤلاء الغلاظ الشداد وقد أشار الله لنا ألا شأن لكم بالكلاب فسآتي لكم بالرزق بغير حساب وأنتم قعود على المحراب تسبحون الله عزَّ وجلَّ في الصباح والمساء والغدو والإياب ماذا تريدون غير ذلك؟ فلا عليكم إلا السعي الرفيق البسيط مع العزة الإيمانية وإذا إنزلق الإنسان في المهاوي التي ذكرناها سيجد من يضربه من هنا أو من هناك أو من ينهش في عرضه ويدخل في صراعات ليس له فيها ولكن أهل الإيمان في حصن الرحمن عزَّ وجلَّ يقول فيهم في حديثه القدسي (أوليائي تحت قبائي لا يعلمهم أحد سواي) ما حالهم يا رب؟قال: يجعل لهم من كل هم مخرجاً ويرزقهم بغير حساب ولن يرزقهم الطعام والشراب فقط ولكن مع ذلك العلم والحال والأنوار والإلهام والفيوضات وكل شيء بغير حساب لأنهم ساروا على منهج الحبيب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم وعلية الأصحاب ومن تابعهم من الأولياء الكرام والأحباب إلى يومنا هذا فيجب على المؤمن أن يبحث له عن دور فمن يريد أن يكون ممثلاً يبحث عن فرقة مسرحية على حسب ميوله إن كانت فرقة كوميدية أو فرقة تراجيدية ويطلب منهم نص المسرحية ليقرأها ويختار منها الدور الذي يناسبه والذي يستطيع أن يبدع فيه ويتقن فيه والمسرحية الخاصة بنا هي [مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ] فيقرأ الإنسان هذه المسرحية ويختار الدور الذي يتناسب مع قدراته ومع إمكانياته والذي يستطيع أن يمثله على مسرح هذه الحياة ليجذب الخلق إلى الله ويبين لهم جمال دين الله وكمال حبيب الله ومصطفاه فيندفع الناس إلى دين الله فواجاً هذه هي القضية وليس الموضوع أن آخذ ورد مائة ألف وأقفل على نفسي الباب وأعد على الكريم الوهاب فإن الله لا يريد مثل هذا ولكنه يريد ممثل يمثل دور الأولين الذي يقول فيه {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} وقال قليل لأن هذا الزمان كثر فيه من يمثل دور عبدالله بن أبي وجماعته وهم كثير وكذلك كثر من يمثل دور أبي جهل وأبي لهب لكن من سيمثل دور [مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ] في هذا الزمان؟ قليل وقد تكون المسرحية لا تستدعي إلا واحد لكل دور حتى أنها لا تتطلب واحد احتياطي لماذا؟ لأنهم بالكاد عدد قليل فعلى الإنسان أن يبحث عن هذه الأدوار ويعيش الدور يعيشه في حياته فإذا أخذت دور واحد من أصحاب رسول الله عليك أن تعيش هذا الدور مثلاً إذا اختار واحد دور أبي بن كعب فعليه أن يجود القرآن ويحفظ القرآن ويتعلم القرآن بالقراءات السبع والعشر لأن حضرة النبي قال فى الحديث المعلوم {أقرؤكم أبي بن كعب} وهل أقف عند ذلك؟لا بل عليه بعد أن يتقن ذلك أن يعلّم غيره طلباً لمرضاة الله وابتغاءاً لوجه الله وليس من أجل الأجر والثواب فقط وإذا اختار واحد آخر دور معاذ بن جبل عليه أن يبحث في الكتب ويفتش في أبواب العلم إلى أن يعرف كل مسائل الحلال والحرام ويتجنب الحرام على الدوام ويأخذ بالحلال مع الصبر الجميل على طول الأيام ثم يعلم ذلك ويتفرغ في تعليم ذلك للأنام طلباً لمرضاة الملك العلام وإذا أراد آخر أي دور من أدوار أصحاب رسول الله عليه أن يدرس هذه الأدوار ويعلمها ويعايشها ويعيش فيها لكي يكرمه الله ويتجلى عليه بالمشاهد والفتوحات والتوجهات التى توجه بها لأهلها السابقين أجمعين ولا يوجد دور إلا وهو موجود في هذه المسرحية حتى دور الخادم وكان سيدنا عبدالله بن مسعود وقد كان يمسك عصا سيدنا رسول الله ويضع الحذاء في كمه لكي لا يضيع ويحضر الوضوء والطهارة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكان دوراً مهماً وكل دور نحتاج أن نعيشه لكي نكرم بإكرام الله ومن ليس له دور يصبح متفرجا وكم يأخذ المتفرج من الأجرة ؟لا شيء بل عليه أن يدفع والأجرة عندنا هي فتح وغنائم ومكارم ومشاهد وإلهامات ونفحات ربانيات وهذه هي الأجرة وليست الأجرة دراهم فانية وقد كانت أجرة رسول الله وأصحابه [أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ] يتبع إن شاء الله [1] أخرجه أبي نعيم في الحلية وابن أبي شيبة عن يوسف بن أسباط عن علي وذكره السيوطي في الدرر وأبو الشيخ في تفسيره عن علي بلفظ الدنيا جيفة فمن أرادها فليصبر علي مخالطة الكلاب
-
همم الرجال لا بد لكل رجل من همة في فؤاده وباعث في قلبه يدعوه إلى السير الحثيث في عالم اللطف والمعاني إلى مولاه حتى يتحقق له مراده، ويصل إلى بغيته فتتوالى عليه الأنوار وتتوارد عليه الأسرار كيف يتم ذلك؟ كل رجل من الأواخر لا بد وأن يكون أمام ناظري قلبه وأمام عين بصيرته رجل من الأكابر من الأوائل يقتدي به ويسير على منواله ويُجمل نفسه بحاله ويخلق نفسه بأخلاقه وينظر إلى المنهاج الذي وصل إلى الله عزَّ وجلَّ به فيعض عليه بالنواجذ ويمشي عليه به ولن يصل واحد إلى الله بغير منهاج ومن يريد الفضل العظيم يجب أن يُظهر للمولى الكريم جميل نواياه وعظيم طواياه ويبذل ما في وسعه ليرضي حضرة الله والله عزَّ وجلَّ يتم المراد بجميل عطاياه وكريم جدواه لكني أريد أن أنام وأبغى أن أدون في سجل العظماء أيجوز ذلك يا إخواني؟ رجل يزوغ في العمل ويزوغ من تحمل التبعات والمسئوليات أيليق به أن يرجوا مكافأة على إجادة العمل مع المجدين والمثابرين والمنتظمين في العمل؟وحتى ولو كان هذا يجوز في عالم الدنيا فإنه لا يجوز عند أحكم الحاكمين لأنه قال عزَّ شأنه {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} فيجب أن يكون كل رجل على قدم رجل ويجوز لبعضنا أن تضحك عليه نفسه وتأخذه العزة بالإثم ويقول لماذا أتشبه بأبي بكر أو عمر أو عثمان؟ ولماذا لا أتشبه بحضرة النبي مباشرة؟نقول لمثل هذا : عليك أن تتشبه أولاً بالرجال ثم بعد ذلك يوصلك الرجال إلى سيد الرجال وإمام أهل الكمال صلَّى الله عليه وسلَّم هل يوجد من يدخل على رئيس الجمهورية مباشرة؟ لا بد أولاً من رئيس الديوان أو غيره ليهيؤه ويجهزوه إلى أن يدخلوه! ..أم سيأتي من الشارع ويدخل عليه مباشرة لا يجوز ذلك {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } وهل يوجد فينا من يصلح أن يكون قلامة ظفر في أبي بكر الصديق أو شعرة في بدن عمر بن الخطاب ومن منا يستطيع أن يصل لهؤلاء الفحول فلا بد للرجل أن يرى رجلاً من هؤلاء الرجال ويمشي على منهاجه ويرى سيره إلى الله وسلوكه مع خلق الله وأعماله التعبدية ومجاهداته النفسية والقلبية ويمشي على هديها لأنها حكمة الله كل رجل على قدم رجل وكان أحد الصالحين عندما يتحدث عن الأولياء المنتقلين والسابقين كان يبين منازلهم وكان يقول : أن كل المنح والعطاءات التي أخذها هؤلاء الرجال من الصحابة فكل الفتوحات التي عندهم من إقتداءهم بالصحابة والتابعين فمنهم من كان على منهج أبي ذر فلا يكون له نصيب في الدنيا لأن سيدنا أبي ذر كان على قدم المسيح عيسى بن مريم فإن كل صحابي على قدم نبي كل ولي على قدم صحابي وسيدنا أبو ذر قال فيه صلَّى الله عليه وسلَّم {من أراد أن ينظر لعيسى بن مريم وفي رواية إلى شبيه عيسى بن مريم في أمتي فلينظر إلى أبي ذر} (المعجم الكبير للطبراني عن عبدالله بن مسعود) ولكن نحن ماذا قدمنا وماذا فعلنا؟ لا شيء لأنا نريد أن نعمل لأولادنا نبني لهم بيت أو نزوجهم أو خلافه إذاً دعونا مع أولادنا كن لأنفسنا ماذا فعلنا؟ لا شيء ومنتظرين بعد ذلك كما يقول من يسمون أنفسهم أهل الفضل ... بالفضل يا سيدي من غير مجهود ... من الذي قال ذلك؟ إن بالفضل يا سيدي من غير مجهود يعني أن أبذل كل مجهود ثم أقول له إن ما أعطيته لي بفضل منك وليس بمجهودي ولا أرى مجهودي الذي بذلته ولكني أرى فيه توفيق الله ومعونة الله لكن البعض أخذ ذلك على أنه لا يبذل أي مجهود وتنهال عليه العطاءات من عند الله كيف يكون ذلك؟ إن الرزق المحسوس الدنيوي لا يأتي إلا بعد جهاد وسعي ومجاهدة ومكابدة هل هناك من يمشي ثم يضرب الأرض برجله فيخرج له كنز؟ لا بل لا بد من العمل والسعي كيف إذاً يطلب العطاءات والفتوحات من الله مع الكسل ومع الزلل ومع التواني والتقصير في العمل ؟وهل ذلك يصح ؟..لا . يتبع إن شاء الله
-
جمال أهل الكمال السلاح الفعال الذي يفعل فعل السحر في إدخال الإيمان في قلوب الرجال هو الأخلاق الإلهية {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} فقد جهزهم الله إن كان أهل مكة أو أهل المدينة أو أهل الجزيرة العربية كلهم بالأخلاق التي كانوا عليها وقد حافظوا عليها مع أنهم كانوا في الجاهلية وسلموها لنا فأين من حافظ على هذه الأخلاق؟ إننا نحافظ على الشكليات وكذا على الصلاة والصيام وزيارة بيت الله لكن أين الكمالات التي كان عليها أصحاب رسول الله؟ وهذا ما يحتاج إلى الهمة العالية والعزيمة الماضية والمجاهدات الشديدة الراقية من أجل أن نصبح كما قال الله {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} ونستطيع أن نلحق بهؤلاء بأن نكون على هديهم : فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح ولو بحثت في سير الصالحين السابقين واللاحقين أجمعين تجدهم قد حصلوا هذه المنازل بالتجمل بأخلاق من السلف الصالح وأخلاق سيد الأولين والآخرين صلَّى الله عليه وسلَّم وقد نالوا بذلك الكمال وليس بالمسابح أو بالعدد ولكن بالمدد فلا يجاهد بذكر اسم اللطيف مائة وعشرين مرة ولكن يجاهد نفسه أن يكون لطيف مع عباد الله كما كان حبيب الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويتجمل بالأخلاق المحمدية في كل المواطن وكلما تخلق بخلق نزل عليه إرث هذا الخلق من كنوز الفضل المحمدي فإذا تجمل بالصدق خلع الله عليه رتبة الصديق {لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً }[1] وبذلك يأخذ هذه الرتبة وإذا تحلى بالأمانة جعله الله عزَّ وجلَّ أميناً على أسراره وخازناً لأنواره ويأتمنه على أسرار كتاب الله وأسرار الأقدار التي يقدرها الله وذلك لأن الله وجده أميناً فأتمنه على أسراره التي لا تهدى إلا في حينها إكراماً له لأن الله يكرم عباده الذين يتخلقون بأخلاق حبيبه ومصطفاه وإذا جمله الله بصفاء النفس وطهارة القلب أكرمه الله عزَّ وجلَّ وجعله يشهد عالم الطهر وعالم النقاء والصفاء وهو على تراب هذه البسيطة قابع بين من هنا ومن هناك وإذا أكرمه الله عزَّ وجلَّ وعمل بقوله [ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ] ويقول الحبيب {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه}[2] وتخلق بخلق الكرم المحمدي فتح الله عزَّ وجلَّ له كنوز الكرم الإلهي وأكرمه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من العطاءات الربانية والخصوصيات الإلهية من كنوز الكريم عز وجل وإذا أكرمه الله بالوفاء وكان وفياً حتى مع الأعداء كما كان سيد الأنبياء وفَّى الله عزَّ وجلَّ له بما وعد به عباده الصالحين وأحبابه من النبيين والمرسلين ودخل في قول الله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} إذاً وراثة الأحوال ووراثة الأنوار ووراثة النبوة لمن تخلق بأخلاق رسول الله واجتهد أن يكون على منهج أصحابه رضوان الله عزَّ وجلَّ عليهم أجمعين وهذا هو المنهج الذي اختاره حضرة النبي واختاره الصحابة والتابعين وتابع التابعين والأولياء والصالحين إلى يوم الدين ماذا أفعل؟ أفتِّش في نفسي ؟ وأزن نفسي بحبيب الله وأصحاب رسول الله ؟ وأرى أين أنا منهم ؟ ولن يظهر أحد لك ما عندك لكنك أنت الذي تبين لنفسك {طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس}[3] فلو ذهبت للطبيب الجسماني وأنت تعاني من مرض ولكنك تكابر وتنكر أنك مريض هل تستجيب أو تنتفع بالطبيب؟ لا ولكن عليك أن تعرف ما عندك كيف أعرف؟ أزن أرى أحوال حضرة النبي وأحوال الصحابة الكرام وأزن نفسي بهم وأحاول أن أُصلح من أخلاقي واحداً تلو الواحد وأبدأ أولاً بالنقاء والصفاء للنوايا والطوايا والقلب وهذا هو الأساس الأول والمحرك {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} ويكون ظاهري كباطني ومن كان حول رسول الله صنفان: صنف منهم ظاهرهم كباطنهم والصنف الآخر يظهرون خلاف ما يبطنون وقد قال في هؤلاء {إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة ذا الوجهين الذي يلقى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه}[4] وهذا نفاق ومن يكون على هذه الشاكلة فحتى لو جلس مع المؤمنين أبد الدهر ، هل سيكون منهم؟ لا فيلزم أولاً : أن أطهر باطني من أوصاف المنافقين ويكون ظاهري كباطني صفاء ونقاء وجمال ونور وبهاء وأتخلص بالكلية من حب الظهور والعجب والرياء لأن هذه الصفات لو ظلت معي فلن أتحرك قدر أنملة في طريق الله عزَّ وجلَّ أو في القرب من سيد الأنبياء طالما أريد أن أظهر وأفرح عندما يثني الناس عليَّ أو أعجب بنفسي عندما أعمل أي عمل فلا بد أن أتخلص من هذه الآفات في البداية ثم بعد ذلك أكمل أخلاقي هذه باختصار شديد هي الروشتة التي كان عليها [مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ] يتبع إن شاء الله [1] مسند أحمد بن حنبل وصحيح ابن حبان عن عبدالله [2] صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة [3] شعب الإيمان للبيهقي وحلة الأولياء عن أنس بن مالك [4] صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة
-
أصول الدعوة الإسلامية الصحابة رضى الله عنهم أعانوا النبى على تبليغ الدعوة والدعوة في صلبها {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق} ( السنن الكبرى للبيهقي عن أبي هريرة) فذهبوا إلى العالم كله وقد انتشر الكذب وانتشر الغدر والخيانة وانتشر الزنا وانتشر شرب الخمر في أرجاء البلاد والدول المتقدمة الفرس والروم وغيرها وكانت مهمتهم ورسالتهم تطهير المجتمعات من هذه الرذائل لأن الله يقول في كتابه العزيز {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً } ولذلك كان موضع العجب من البلاد التي فتحوها أنهم حفاة وعراة ولا يملكون من الدنيا شيئاً ومع ذلك عرضت عليهم الخزائن ومن موضع العجب أيضاً أن هؤلاء القوم مع فقرهم وضيق ذات يدهم وحاجاتهم الشديدة إلا أنهم لا يمدون أيديهم إلى هذا الثراء وإلى هذا الغنى وإلى هذه العروض التي عرضت عليهم ليقينهم بربهم وصدقهم مع نبيهم صلَّى الله عليه وسلَّم وهذا ما دعا الأمم إلى أن تدخل في الإسلام فقراء لكن أمناء محتاجون لكنهم في حاجات الدنيا زاهدون ولا يطلبون شيئاً إلا من رب العالمين عز وجل دخلوا قصور كسرى ملك الفرس وعندما رأوها استعبر سيدنا سعد بن أبي وقاص عندما رأى هذه القصور الهائلة وهذه الكنوز الفاخرة فقال متمثلاً بكتاب الله [كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ] يعطي موعظة لمن حوله من الجند وبعد دخولهم إلى إيوان كسرى وأخذ الجند يبحثون في كل جوانبه أمرهم بإحضار كل ما يجدونه فكان هذا موضع العجب من الفرس فمن وقعت يده على إبرة جاء بها إلى القائد وسلمها له حتى أنه أرسل خزائن كسرى على جمال إلى المدينة المنورة كان أولها في المدينة وآخرها في بلاد فارس ولك أن تتخيل هذا الكم الهائل ومع ذلك لم يحتفظ أحد لنفسه بشيء لأنهم يراقبون الله جل في علاه حتى أن سيدنا عمر عندما عرض هذه الأمانات في المدينة المنورة تعجب الحضور وقال سيدنا عمر : إن قوماً أدوا هذا لأمناء فقال سيدنا الإمام علي : عففت فعفت رعيتك يا أمير المؤمنين والرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أعطانا هذا المثل في كل أمر فمن أراد أن يصون حريمه ماذا يفعل؟ قال { عفوا تعف نساءكم }[1] وهذه سنة الله التي لا تتخلف في كل زمان ومكان ما دامت السموات والأرض إن شاء الله إذاً الأخلاق التي كان عليها العرب في الجاهلية قبل الإسلام هي التي جعلت الله عزَّ وجلَّ يجتبيهم ويختارهم لتبليغ دينه وهذه هي القضية التي أريد منكم أن تعرفوها لكي تردوا على من تحدث في ذلك لأن بعض الجهال يقولون: لماذا اختار الله العرب والجزيرة العربية ليكون الرسول فيهم؟لأنهم مؤهلين لنشر هذا الدين لأنهم كانوا متمسكين بالكمالات والأخلاق العظيمة التي يحبها الله عزَّ وجلَّ من عباده ولو كانت الرسالة تحتاج إلى السلاح لكان أعطاها لقيصر أو لكسرى يتبع إن شاء الله [1] المستدرك على الصحيحين للحاكم عن أبي هريرة
-
تجهيز الله لصحابة نبيه إن سيدنا رسول الله أخلاقه الربانية قد فطره الله عزَّ وجلَّ عليها ولذلك قال له سيدنا أبو بكر "يا رسول الله لقد ذهبت إلى الفرس وذهبت إلى الروم وطفت على قبائل العرب فلم أرى مثلك، فمن أدبك؟قال {أدبني ربي فأحسن تأديبي}[1] والقضية المهمة أن الله عزَّ وجلَّ جهز أهل الجزيرة العربية مع أنهم كانوا أهل جاهلية وليس لديهم أي حضارة مدنية لحمل رسالة هذا النبي الكريم وكأن الله يعطينا درساً أن حملة الرسالة لا يحتاجون إلى أموال فقد كان العرب فقراء وليس لديهم أجهزة عصرية ومعدات فقد كانوا حفاة وعراة كيف جهزهم الله لنشر رسالة الإسلام مع حبيبه ومصطفاه؟ ولما نستقرأ التاريخ نجد أن الأمم المجاورة المتمدينة الفرس والروم لم يبلغوا في الأخلاق ما بلغ إليه عرب الجاهلية فلقد كان عندهم تمسك بالأخلاق يعجب منه الإنسان فعندما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صغيراً قبل اصطفاءه بالرسالة ولاحظ أهل مكة أن هناك من التجار الكبار من يظلم الصغار ويأخذ منه البضاعة ولا يعطيه الثمن ماذا صنعوا؟ اجتمعوا في دار لهم يسمونها دار الندوة وتحالفوا على نصرة المظلوم بغير دين ولا هدى ولذلك قال حبيبي وقرة عيني صلَّى الله عليه وسلَّم {لقد حضرت حلفاً في الجاهلية لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت} أين من يتشدق بالمدنية الآن وهم الظالمون ويدعون أنهم ينصرون المظلوم؟وصنعوا الأمم المتحدة لتحقق مآربهم وأهدافهم بحجة نصرة المظلوم، فلا يوجد من ينصر المظلوم في العالم إلا المسلمين لو قامت لهم دولة لكن هل أحد من الموجودين على السطح الآن سينصر المظلوم؟ كلا كما ترون لكن هؤلاء مع أنهم في الجاهلية وأهل بادية تعاهدوا على نصرة المظلوم والأمثلة في هذا المجال كثيرة أذكر بعضها لتقريب الحقيقة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم عندما خرج من بيته في ليلة الهجرة وكانت قريش قد اختارت من كل قبيلة منهم رجلاً شديداً وأعطوه سيفاً ليضربوا الرسول بسيف واحد وكانوا كما تذكر الروايات حوالى خمسين رجلاً يحيطون ببيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وخرج النبي من بينهم ونام سيدنا علي في فراشه وجاء أبو جهل وعلموا أن النبي قد خرج وأخذوا ينظرون من أعلى الباب وكانت الأبواب قصيرة فلم يرون الرسول فعلموا أنه خرج فأشار عليهم بعضهم وقالوا ندخل لنبحث عنه فقالوا: ماذا تقول عنا العرب؟ أتقول عنا العرب أننا دخلنا على نساء أهلينا وذوينا أين الحضارة المعاصرة من هذا الخلق النبيل الذي كان عليه العرب?! وكذلك عثمان بن مظعون حصل بعد خروج أبو سلمة أن خرجت زوجته أم سلمة خلفه بابنها مهاجرين فخرج أهله ومنعوها وجاء أهلها وتقاتلت العائلتان وأخذوا يشدون الولد كل منهم يريد أخذه حتى كسروا ذراعيه وأخذه أهل زوجها وأخذها أهلها فأصبح زوجها في مكان وولدها في مكان وهي في مكان فكانت تبكي ليل نهار وأخيراً رق القوم لحالها وقال بعضهم أما تتركون هذه المسكينة؟ لقد فرقتم بينها وبين زوجها وبينها وبين ابنها فقالوا: ردوا لها ابنها ودعوها تذهب إلى زوجها فأعطوها ولدها وأركبوها جملاً وتركوها بغير رفيق لتذهب فرآها عثمان بن مظعون وكان لم يسلم بعد فسألها إلى أين يا أمة الله؟قالت: إلى زوجي في المدينة قال : أوليس معك رفيق؟ قالت: لا قال: ليس لك من مترك (أي كيف أتركك بلا رفيق) وإياك أن تظن أنه يريد مرافقتها لشيء ما ولكن ليحرسها أين هذه الأخلاق حتى في زماننا المعاصر ونحن أهل الإسلام؟ قالت فكان يمشي أمامي ويأخذ بزمام الجمل فإذا أردنا الاستراحة جعل الجمل يبرك ثم مشى بعيداً واستدار ظهره لي حتى أنزل وأستريح فإذا أردنا السفر جهز الجمل وذهب بعيداً واستدار ظهره لي حتى أركب فإذا قلت ركبت جاء وأخذ بزمام الجمل قالت حتى وافى قباء وقال: يا أمة الله إن زوجك في هذه البلدة وتركني ورجع أين هذه الأخلاق في هذه الأيام بين أهل الإسلام حتى بين الأخ وأخيه؟ إلا فيما قل وندر والرجل الذي رأى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وكان في إحدى المعارك ونزل المطر وابتلت ملابسه بالماء واستراحوا في وقت الظهيرة فأمر النبي الجيش أن يتفرق وذهب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى شجرة وخلع رداءه ونشره عليها ليجف ونام تحتها وقد علق سيفه في الشجرة بدون حراس ونظر الرجل وكان من فرسان العرب وهو في أعلى الجبل فوجد النبي نائماً وليس بجواره أحد فقال هذه فرصتي أنزل إليه وأقتله وأريح العرب منه ولكنهم كان من عاداتهم وهذا ما أريد أن أتحدث عنه أنهم لا يقتلون أحداً غدراً فنزل الرجل وأمسك السيف وأيقظ النبي مع أنه كان يستطيع أن يقتله وهو نائم ولكن الغدر في عرفهم كان عيباً وقال: من يمنعك مني؟ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم : الله فسقط السيف من يده وما أريد أن أركز عليه أنه لم يرضَ أن يقتل حضرة النبي غدراً وهو نائم لأنه ليس من طبيعتهم الغدر هل هذه الأخلاق أخلاق إسلامية أو جاهلية؟إنها أخلاق جاهلية ولكنها إسلامية وذلك من تأهيل الله لهم فقد أهلهم ربهم بالأخلاق الإسلامية فكانوا لا يكذبون حتى في أصعب الظروف وأعتاها فعندما أرسل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم رسالته إلى هرقل ملك الروم وقال هرقل لأعوانه ابحثوا عن رجال من قومه فكان أبو سفيان ومعه نفر من قريش فقال إني سائلك عنه فقال أبو سفيان بعدها : لولا أن العرب تعيرني بأني كذبت لكذبت في ذلك اليوم وقد كانت هذه أخلاق الجاهلية فلا يخونون ولا يغدرون ولا يكذبون ولا يعتدي رجل على امرأة مهما كان ولا يكشفها ولا يتعرض لها ناهيك عن الأمانة فهذا العاصي بن الربيع زوج السيدة زينب بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكان قائد تجارة لقريش وعند رجوعه من الشام هداه الله للإسلام فدخل المدينة وبايع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فجاء إليه بعض ضعاف النفوس من المنافقين وقالوا له: ما دمت قد أسلمت فخذ ما معك من التجارة غنيمة لك قال: بئس ما أوصيتني به يا أخ الإسلام أأبدأ عهدي مع الله بالخيانة والله لا يكون ذلك أبداً لأن هذه مبادئ أصيلة كانت عندهم وذهب إلى مكة ولم يخش من الموت لأنه أسلم وأعطى لكل ذي حق حقه ثم قال: يا أهل مكة هل بقى لواحد منكم شيء عندي لم يأخذه؟ قالوا: لا وجزاك الله خيراً قال: أشهدكم أني آمنت بمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم ورفض أن يبدأ عهده بالإسلام بالخيانة ولو استطردنا في ذكر هذه الأمثلة لوجدنا شيئاً خارج العد والحصر من أخلاق أهل الجاهلية وهذا يفسر لنا لماذا اصطفاهم الله لحمل رسالة الإسلام؟ لما كانوا عليه من هذه الأخلاق والشيم لأنها أخلاق وشيم ارتضاها الله ونزل بها كتاب الله وخلّق بها حبيبه ومصطفاه. يتبع إن شاء الله [1] آداب الصحبة لعبد الرحمن السلمى
-
ورد الأكابر من الصالحين الباب الأعظم في متابعة رسول الله هو المتابعة في الأخلاق العالية التي كان عليها الحبيب من الذي يستطيع أن ينفذ؟ {أوصاني ربي بتسع أوصيكم بهن} من الذي يستطيع أن يعمل هذا الورد؟نستطيع أن نصلي كل ليلة مائة ركعة ونستطيع أن نصوم الاثنين والخميس لكنه أعطى الأكابر هذا الورد قال صلى الله عليه وسلم فى معنى وصيته { أوصاني ربي بتسع أوصيكم بهن أن أصل من قطعني وأن أعطي من حرمني وأن أعفو عمن ظلمني وأن يكون صمتي فكراً ونطقي ذكراً ونظري عبراً والإخلاص في السر والعلانية والقصد في الفقر والغنى والعدل في الرضا والغضب} هذا هو الورد لمن يريد أن يكون مع رسول الله ولذلك كان الناس يختبرون الصالحين بهذه الأمور فقد ذهب الإمام الشافعي إلى ترزي ليحيك له جبة يلبسها وعندما ذهب لاستلام هذه الجبة أراد بعض حساده أن ينظروا في مدى تخلقه بأخلاق الكرام فأوعزوا إلى الترزي أن يجعل إحدى كميها ضيقاً والآخر واسعاً ولا يدرون أن أهل هذه المقامات ينظرون إلى الله في كل الحالات ولا يرون الأمر إلا من الله فالذي يطعم هو الله والذي يناول الماء هو الله وكل ما في الوجود من فضل الله وكرم الله وجود الله جل في علاه وذهبوا إليه في الموعد الذي حدده لاستلام الشافعي للجبة فذهب الشافعي وعندما لبسها نظر إليه وقال : "كأنك تعلم ما كنت أريد قال: وماذا كنت تريد؟ قال : إن كمى اليمين عندما كان واسعاً كان يتعبني عندما أمسك بالقلم للكتابة والآن صار لا يمثل لي مشكلة عند الكتابة وكنت عندما أحمل الكتاب بيساري كان العرق يؤثر فيه فيغير لونه وجلده ويتعرض للتلف بسرعة فالآن أحفظه في كمى " ما هذا يا إخواني؟ هذه هي أخلاق الصالحين التي جذبوا بها الناس في كل وقت وحين فقد جذبوهم بأخلاق رسول الله: تمسك بأخلاق الإله وحافظن ... على منهج المختار في العقد تنسقُ وهذا ما يركز عليه العارفون فمن يقرأ منهم الغزوات لا يقرأها من أجل الغزوات ولكن ليرى فيها أخلاقه في المواقف في هذه الغزوات لكي يتمثل بها ويستحضرها في نفسه ويجعلها أخلاقه في معاملة الخلق وهذا هو الأساس الأول في المتابعة لمن أراد أن يكون مع الحبيب وفيه يقول صلَّى الله عليه وسلَّم { تجدون أثقل شيء في موازينكم يوم القيامة خلق حسن }سنن الترمذي،عن عائشة رضي الله عنها هذه هي المتابعة التى بها يبلغ المرء هذه الدرجة العظيمة في متابعته لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وكل واحد منا يحتاج أن يأخذ أخلاق رسول الله ويضعها أمام ناظريه ويحاول أن يطبع هذه الأخلاق في نفسه ولن يستطيع أن يقوم بها جملة واحدة ولكن كل مرة خلق وإذا استطاع الإنسان أن يجاهد في هذا المقام فليبشر نفسه ويتأكد من أن الله عزَّ وجلَّ سيحبَّه كما يقول تعالى {يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} إذاً الورد الكامل كما قلناه هو {أوصاني ربي بتسع أوصيكم بهن ..} ومن استطاع أن ينفذ هذه التسع فإنه يصبح رجلاً من رجال الله {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} وإن لم يستطع فعليه أن يأخذ واحداً تلو الواحد من هذه الأخلاق وينفذها في حياته مع زوجته ومع أولاده ومع جيرانه ومع أعدائه ويحاول أن ينفذها على مسرح نفسه ليفوز بمودة الله ونظرات وأنوار حبيب الله ومصطفاه صلَّى الله عليه وسلَّم ومن وصل لهذا المقام فقد وصل لمقام الإحسان ومقام الإحسان هو مقام محبة الرحمن عز وجل وعندنا في لائحة المراتب الإيمانية والدرجات الربانية درجة الإسلام ودرجة الإيمان ودرجة الإحسان ودرجة الإيقان فدرجة الإسلام لكل من نطق بالشهادتين ودرجة الإيمان لمن احتشى قلبه وامتلأ فؤاده بحقيقة الإيمان ونفذت جوارحه ما أمر به الرحمن ودرجة الإحسان لمن تابع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في كل شأن وذلك لأنه يحسن العمل ويحسن الخلق والآداء لأنه امتثل لقول الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} وهذا يمن عليه الله إذا أصبح من المحسنين وداوم على الإحسان {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فيمن عليه الله فيصطفيه وينتقيه قال تعالى {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} ويجعل له قدراً من اليقين ومن الإيقان فقد يكون مقامه علم اليقين {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } فيعلمه الله من عنده علم اليقين وعلم اليقين يكون من الله قلوب عباده الصالحين {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} وقد يكرمه الله بعين اليقين {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} وعين اليقين عين نورانية في الروح البشرية إذا منَّ الله على عبد بها فتحها لتشاهد ما لا يراه الناظرون تشاهد ما غاب عن العيون لأنها تشاهد غيب الله المكنون ونور الله المصون وسر الله المضنون لأن الله عزَّ وجلَّ جعله من أهل هذا المقام {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} وإذا زاد الله في إيقانه رقَّاه إلى مقام حق اليقين وحق اليقين أن يتفضل الله عزَّ وجلَّ عليه فيعطيه عيناً من عنده فينظر بالله إلى الأكوان التي خلقها وسخرها الله ويكون داخلاً في قول الله في الحديث القدسي ( كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به) فيرى بالله ما غاب عن الناس في هذه الحياة ولا يغيب عنه مولاه طرفة عين ولا أقل وكل ذلك ببركة حسن متابعته لحبيب الله ومصطفاه.
-
الجهاد الأعظم علينا نحن أن نجاهد ولنا الأجر العظيم في هذا الجهاد الكريم والجهاد الأعظم ليس الجهاد في العبادات أو في متابعته صلَّى الله عليه وسلَّم في سنن العادات كأن أربي لحيتي أو ألبس عمامة لها عدبة فإن كل هذه الأشياء سهلة وبسيطة يستطيع الإنسان أن يصنعها لكن الجهاد الأعظم أن أتبعه في الأخلاق والمعاملات ولذلك قال أحدهم: "ليست الكرامة أن تطير في الهواء أو أن تمشي على الماء ولكن الكرامة أن تغير خلقاً سيئاً فيك بخلق حسن" وهذا هو الجهاد الأعظم وأوراد المبتدئين في رياض الصالحين هي بعض الأذكار التي بها تتهذب النفس ويحتي القلب ويعيش الإنسان في أضواء كتاب الله وفي محبة حبيب الله كأن يستغفر الإنسان مائة مرة ويصلي على النبي مائة مرة ويقول لا إله إلا الله مائة مرة ويقرأ في كل يوم من القرآن جزء أو نصف جزء ويصلي بالليل عدداً من الركعات لكن من يريدون الكمالات ما هي أورادهم ؟ نقول له : وردك أن تغيِّر هذا الخلق كما كان يفعل حضرة النبي مع الأكابر من أصحابه فقد قال أحدهم: {يا رسول الله أوصني فقال له: لا تغضب فيقول مرة ثانية يا رسول الله أوصني فيقول: لا تغضب ويسأله للمرة الثالثة يا رسول الله أوصني فيقول له: لا تغضب} صحيح البخارى عن أبى هريرة فإذا استطعت أن تتخلص من الغضب سترى العجب من فيض فضل الله عزَّ وجلَّ وذلك لأنك تخلقت بأخلاق الأنبياء المشار إليها في قول الله {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ } لقد أصبحت حليماً والحليم يمدحه الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم ويسأله آخر: يا رسول الله أوصني فيقول له: لا تكذب وهذه هي أوراد السادة الأكابر يبحث عن نفسه في ماذا يتابع رسول الله وماذا يترك؟ ويصلح من أخلاقه هي الأخلاق أسرار المعالي ... تفاض على أولي الهمم العوالي فالأخلاق هي الأساس الذي صار به الخواص عند الله خواص ، وعباد الرحمن أول ما أثنى الله عليهم في القرآن ماذا قال {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً } يعني التواضع {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً } يعني العفو والصفح وبعد ذلك {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً} إذاً البدايات هي سر الإشراقات في النهايات وهذا ما ركز عليه كتاب الله في آياته البينات والأنصار عندما أثنى عليهم الله عزَّ وجلَّ في كتابه: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ } قال كم يصلون وكم يصومون؟لم يقل ذلك ولكنه قال { يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} وهو سيدنا رسول الله ونتيجة هذا الحب {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا} كلما يأمرهم بأمر يسارعوا إلى تنفيذه بلا غضاضة ولا تريث ولا ترقب ولا انتظار ولكن يسارعوا إلى تنفيذ أمره لأنهم يريدون أن يكونوا من الصالحين والأبرار وشيء آخر {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أين العبادة إذاً؟ لا توجد لأن كل أنواع العبادات المقصد منها ؟مساعدة المرء على إصلاح نفسه وتهذيب خلقه على الكمالات التي وضعها الله في سيد السادات صلَّى الله عليه وسلَّم : {إِنَّ الصَّلَاةَ .... } ما حكمتها ؟ {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} والصيام {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} لماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } والزكاة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} وهذا هو الأساس الطهارة الباطنية {وَتُزَكِّيهِم} تزكية النفس بها وبعد ذلك لم يقل هم الذين يصلون ولكن قال أنت الذي تصلي عليهم {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فنحن محتاجون لمن يصلي علينا لا أن نصلي فلو صلينا ألف سنة فلن تكون كما يصلي علينا الحبيب سِنة أما إذا صلوا فإن الله أعلم بهذه الصلاة بين القبول والرد وذلك لأن لها عقبات وكذلك الحج {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } إذاً كل الموضوع هو في الكمالات التي قال فيها سيد السادات {إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق} السنن الكبرى للبيهقى عن أبى هريرة أين يتممها؟ في الرفاق يتمم فيهم مكارم الأخلاق فيصبحون جميعاً على هذه الشاكلة وعلى هذا النهج العظيم من مكارم الأخلاق وهذا هو السر الذي جعل كل الآفاق تفتح بهم لماذا؟ بمكارم أخلاقهم التي تأسوا فيها بالحبيب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم فأكرمهم الله بفتح القلوب بدون تعب ولا لغوب. يتبع إن شاء الله المصدر: كتاب كيف يحبك الله للأستاذ فوزي محمد أبوزيد
-
المعية المحمدية [مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ] معه في ماذا؟في الأحوال والأعمال وليس معه في الزمان أو المكان ومن على هذه الشاكلة وعلى هذا النهج يصبح معه وإن كان بينه وبينه ألف وخمسمائة عام أو أكثر أو أقل أو لو كان بينه وبينه في زمانه بعد المشرقين لأنه لا يوجد بعد أو قرب إلا بالمتابعة لسيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأمر الله عزَّ وجلَّ الأمة إن أرادوا كشف أي غمة أن يقتدوا بالحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم ولذلك فقد كان من هديهم وكذلك التابعين وتابع التابعين أن الرجل منهم كان إذا أبطأ عليه رزق أو تخلف عنه نصر أو ضاقت به حاجة نظر في متابعته لرسول الله وأخذ يراجع نفسه هل قصرت في متابعة رسول الله ؟ وفي ماذا قصرت؟ فإذا استدرك ما قصر فيه وجد لطف الله عزَّ وجلَّ يحف به ويتنزل له فضل خالقه وباريه عزَّ وجلَّ حتى قال قائلهم: "إني لأعرف حالي مع الله حتى في تشامس دابتي وفي خُلقْ زوجتي" يعني إذا تشامست عليه الدابة ولم تقف له مستكينة فمعنى ذلك أن متابعته غير صحيحة وإذا كانت الزوجة غير مطيعة في وقت من الأوقات إذاً يوجد في المنهج شيء غير صحيح علامات وإشارات قال فيها الله عزَّ وجلَّ للصالحين والصالحات {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } وقال أحد الصالحين : لسنته فاخضع وكن متأدباً .... وحاذر فحصن الشرع باب السلامة على الجمر قف إن أوقفتك تواضعاً .... يكن لك برداً بل سلاماً برحمة فلو أن السنة قالت لك قف على الجمر فامتثل وأحد الحكماء أوصانا في هذا المقام بحكمة قصيرة المبنى عظيمة المعنى كثيرة المغنى قال فيها: "حافظ على السنة ولو بشرت بالجنة" أي حتى لو بشرت بالجنة إياك أن تتكاسل في إتباع السنة لأن الله جعل الروح والريحان والرضى والرضوان في إتباع النبي العدنان صلَّى الله عليه وسلَّم فمتابعة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هي الباب الأعظم لنوال فضل الله والحصول على إكرام الله جل في علاه {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } ويظل المرء يتابع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في ظاهر أمره وخافيه لأن العبرة ليست في المتابعة الظاهرة ولكن العبرة في النوايا الباطنة إنما الأعمال بالنيات انشغل كثير من الناس بمتابعته في الظواهر وتركوا متابعة حضرته في النوايا وفي صفاء الطوايا فلم يأتهم من الملأ الأعلى خفيات الألطاف ولا طرائف الحكمة ولا غرائب العلوم وذلك لأن المتابعة عندهم كلها في الأشياء الظاهرة ، لكن العبرة بالنوايا وهي الأساس والباب الأعظم في كمال المتابعة ليس هو العبادات كما يظن البعض بل هو ما أشار إليه الله حين قال له في الخطاب: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} فقال صلَّى الله عليه وسلَّم لأمين الوحي جبريل عندما نزل عليه بهذه الآيات ماذا يراد مني يا أخي يا جبريل؟ فقال: انتظر حتى أسأل العليم فذهب ثم عاد وقال: يقول لك ربك: { صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك}[1] وهذه هي متابعة الرجال أهل الكمال فالمنافقين كانوا يتابعونه ويقفون خلفه في الصلاة وكانوا يتابعونه في ميادين القتال ويذهبون معه إلى الحرب لكن من الذي يستطيع أن يتابعه في الأخلاق الكاملة ؟ والنوايا والطوايا الخافية ؟ إنهم الرجال أهل الكمال وقد قال فيهم صلَّى الله عليه وسلَّم {إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون} وفى رواية {إن أحبكم إلىِّ....}[2] ونفر فيمن على غير هذه الشاكلة وقال في وصف المؤمن {المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف}[3] وبعد أن يقول رسول الله هذا الكلام فلا خير فيمن لا يتخلق بهذه الكمالات إذاً كيف يتمسك الإنسان بهذه الأوصاف؟ والمتابعة التي يفوز صاحبها بمعية الحبيب المصطفى والجمال والكمال والبهاء والنور الكامل من الله والضياء تكون في الكمالات الخلقية وفي المعاملات الدينية الشرعية على نهج الشريعة المحمدية وهذا ما فيه التفريط والإفراط من الناس الآن لكن من يريد أن يحبه الله فيجب ان يتخلق بحقيقة ففى الأثر المعروف {إن الله يحب من خَلقه من كان على خُلقه} فـالله عفو يحب كل عفو وهو كريم يحب عبده الكريم وهو باسط يحب الذي يبسط لعباده وهكذا قس على ذلك سائر الأسماء فإن الله يحب من خلقه من كان على خُلقه ولذلك فإن أخلاق رسول الله التي جمله بها مولاه كانت مواهب من عند الله(ففى آداب الصحبة لعبد الرحمن بن سلمى) قال النبى: { أدبني ربي فأحسن تأديبي} ليس فيها جهاد أو تعب أو عناء لأن الله فطره على ذلك وحفظه من كل شيء يخالف ذلك وقد قال عن نفسه : ما حدثتني نفسي بشيء من لهو الجاهلية إلا مرتين في المرة الأولى وكان هناك عرس في مكة فطلبت من رفيقي في رعي الغنم أن يحرس لي غنمي حتى أذهب إلى مكة لأحضر هذا العرس ما الذي حدث؟ يقول: فألقى الله عليَّ النوم فلم أستفق إلا بعد أن ضربتني حرارة الشمس وفي المرة الثانية تكرر ذلك أيضاً لماذا ؟لأن الله حفظه من أخلاق الجاهلية ورباه على الأخلاق الربانية فطرة وسجية من الله خصوصية لخير البرية صلَّى الله عليه وسلَّم . يتبع إن شاء الله [1] صحيح البخارى و سنن أبى داوود عن عقبة بن عامر . [2] المعجم الصغير للطبراني وشعب الإيمان للبيهقي عن أبي هريرة [3] المعجم الصغير للطبراني وشعب الإيمان للبيهقي عن جابر .
-
حقيقة المتابعة [قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي] قضية قرآنية ربانية تبين صدق الإيمان وخالص التعامل مع حضرة الرحمن كأن الله عزَّ وجلَّ يقول كل من يدعي محبة الله ويزعم أنه من خيار عباد الله المسلمين والمؤمنين بالله لا بد له من دليل ليثبت دعواه ومن حجة يبرهن بها على صدق تعامله مع مولاه ما الدليل وما البرهان وما الحجة على صدقه في حبه لله؟ أن يتبع حبيب الله ومصطفاه ومعنى ذلك أن كل من يدعي المحبة ولا يتابع الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم في هديه فليس من الأحبة لأن ذلك هو الدليل الذي أقامه الله وبينه كتاب الله لأن ذلك جاء في الآية بأسلوب الشرط إن كنتم تحبون الله فإن شرط المحبة – فاتبعوني- والنتيجة العظيمة والثمرة الكريمة [يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ] وهذه هي قضية القضايا للمسلمين في كل زمان ومكان كيف نتبع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في كل ما جاء به من عند الله؟ [وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا] ما هي الأضواء التي تبين أن المسلم قلبه خالٍ من كل داء ؟ أن يتابع الحبيب المصطفى على الدوام في كل الأفعال والأحوال والأقوال ولا يفرق فإن اتبعه في أمر وخالفه في أمر آخر فأين المتابعة إذن؟ فالمتابعة واضحة في الآية [فاتبعوني] أي في كل شيء اتبعوني في العبادات والأخلاق الكريمة والمعاملات اتبعوني في معاملة الزوجات ورعاية الأولاد والبنات ورعاية الجيران وصلة الأرحام حتى في معاملة الأعداء علينا أن نتبع سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هديه لأنه هو الهدي الذي اختاره مولاه وكان الصالحون ولا يزالون يتابعونه في أكثر من هذا يتابعونه في هديه في الطعام وفي سنته في الشراب وفي طريقته في سرد الكلام وفي نظراته إلى الأكوان وإلى الأنام وفي مشيه وفي جلوسه وفي نومه وفي كل حركاته وسكناته ولا يفعل الإنسان منهم عملاً ولا يتحرك حركة إلا ونظر كيف كان صلَّى الله عليه وسلَّم يعملها ليقوم على هديه ليفوز بوده ويعمل بقول الله [فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ] ولم يقل الله عزَّ وجلَّ فيها اتبعوني فيما ظهر ولكن اتبعوني ظاهرياً وقلبياً وروحياً وفي كل الأحوال نتبعه في الظاهر في التواضع ولين الجانب والشفقة على الخلق والرحمة والمودة ونتبعه في الباطن في الخشية والخوف من الله والخشوع والإخبات والإقبال والحب والوجد الصادق لمولاه فلا بد وأن تكون المتابعة شاملة وفي جميع الجوانب وكلما زاد الإنسان في المتابعة كلما اقترب من المبايعة فإن الذين بايعوه هم الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ واتبعوه قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ] ولذلك عندما أمرهم صلَّى الله عليه وسلَّم في سر هذه الآية وكانت في صلح الحديبية فقد أمرهم رسول الله أن يحلقوا شعورهم وأن يذبحوا هديهم فلم ينفذوا حتى أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دخل على السيدة أم سلمة رضي الله عنها وكانت معه في هذه المرة وقال لها: هلك الناس قالت: ولم يا رسول الله؟ قال: أمرتهم أن يحلقوا شعرهم ويذبحوا هديهم فلم يمتثلوا فقالت: يا رسول الله اخرج أمامهم واذبح هديك واحلق شعرك فلن يتخلف عنك رجل واحد وذلك لأنها تعلم أنهم كانوا يقتدون بفعله فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بالنسبة لهم كان هو القدوة الحقيقية والرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كانت له أقوال وله أفعال وكانت أقواله فيها يسر وتيسير لأنه يخاطب بها جميع الخلق أما أفعاله فقد كان يأخذ فيها بالعزيمة فيأخذ نفسه بالأشد ويأمر غيره بالأيسر والألين والأخف يأمر بالرخص ويأخذ نفسه بالعزائم وأصحابه من شدة حبهم وذكائهم وفطنتهم علموا هذه الحقيقة فكانوا يستمعون إلى أقواله ولا يقومون للعمل إلا إذا شاهدوا أفعاله وذلك من أجل [فاتبعوني]وليس فاستمعوا لي فاتبعوني لأنهم يريدون أن يكونوا معه يعني يشاركوه في نواياه وطواياه وباطنه الذي يتوجه بالكلية إلى مولاه وأعماله التي كان يتوجه بها إلى حضرة الله جل في علاه فكانوا يقتدون بفعاله ويمتثلون لأقواله لماذا؟ لأنهم يعلمون أن الأقوال للجميع لكن الأعمال بالعزيمة التي يأخذ بها رسول الله حتى كانوا يذهبون ويتساءلون عن أدق الأشياء يسألون زوجاته عن أكله وعن نومه عن عبادته وعن ذكره وعن طاعته ولذلك لم يحكِ التاريخ حركات رجل وسكناته كما حكى عن سيد الأولين والآخرين صلَّى الله عليه وسلَّم فلا توجد حركة صغيرة ولا كبيرة إلا وأظهرها الله لأحبابه لشدة تعلقهم بحضرته لأنهم كانوا حريصين على اتباعه صلَّى الله عليه وسلَّم فكانوا يقتدون بأفعاله ولذلك فإن الرجل في طريق الله هو الذي يأخذ نفسه بالأشد و يأمر غيره بالأيسر أما الذي يأخذ نفسه بالأيسر ويأمر غيره بالأشد فإن مثل هذا غير فقيه في دين الله عزَّ وجلَّ لأن هذه ليست سنة رسول الله فخرج سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم- وإياك أن تقول أنه خرج بمشورة السيدة أم سلمة فكأنك تزعم أنه لا يعرف ذلك - ولكنه أراد إظهار قدرها وإعلاء شأنها لكي يبين أن نساءه ذات فقه في الدين حيث قال فيهن رب العالمين [وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ] فقد كن فقيهات وحكيمات وعالمات فخرج صلَّى الله عليه وسلَّم وذبح هديه فكاد الناس أن يقتتلون لذبح هديهم لأنهم يقتدون بفعله قبل قوله وكذلك دعا الحلاق ليحلق شعره فتنافسوا على شعره فمنهم من فاز بخصلة ومنهم من فاز بشعرة ومنهم من فاز بأقل أو أكثر من ذلك ثم سارع الناس لحلق شعرهم لحرصهم على الإقتداء بسيدنا رسول الله صلَّى عليه وسلَّم في أفعاله. يتبع إن شاء الله
-
غرس الإيمان الشيء الوحيد الذي يحفظ العبد من الافتتان ويوفقه للرضا عن الله في كل وقت وآن هو غرس الإيمان في صدره وتثبيت جذوره في قلبه ولذلك فإننا نتسائل لماذا أمرنا الله عزَّ وجلَّ أن نحتفي كل عام بالأعمال التي قام بها إبراهيم وزوجاته وإسماعيل؟ و يجيب الله على ذلك فيقول في كتابه : {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} دروس عظيمة ومن جملة هذه الدروس درس سار عليه خليل الله وكل أنبياء الله ورسله هذا الدرس جعلهم في حياتهم الدنيا يعيشون حياة هانئة زوجات قانتات مطيعات وأبناء بررة كرام لا يحدث بينهم وبين زوجاتهم مشكلات ولا بينهم وبين أبنائهم معضلات ولا خلافات ولا منازعات ناهيك عن فضل الله العظيم وثوابه الكريم في الدنيا ويوم الدين ما هذا الدرس الذي نريد أن نتعلمه أجمعين؟ هذا الدرس يشير إليه الخليل إبراهيم ومن بعده اسحق ويعقوب ومن وليهم وتبعهم من النبيين فيحكي عنهم الله قولهم: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } الدرس الأول الذى يلقنونه لأبنائهم وزوجاتهم هو الإيمان بـالله عز وجل الثقة في الله وتفويض الأمور كلها لحضرة الله والإعتماد في قضاء كل مصلحة وكل ملمة وكل أمر على حضرة الله والاستعانة بتوفيق الله ومعونة وقوة الله على إنجاز أي أمر أو أي مهمة وإذا جاءت مشكلة أو كارثة أو نكبة رفعوا الأمر إلى الله وفوضوه لحضرة الله فيدفع الله عنهم ببأسه وقوته كل كرب وكل شدة ذلكم هو ملخص قصة إبراهيم وزوجاته وأبنائه أجمعين أول درس يلقنه له قبل تعلم اللغات وقبل دراسة الرياضيات وقبل الجلوس أمام الكمبيوترات وقبل مشاهدة الشاشات والفضائيات أن نحصن قلوبهم بتقوى الله وأن نملأ صدورهم بمراقبة الله ونعلمهم علم اليقين قول الله جل في علاه: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} وبعد ذلك: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وإذا استوعبوا هذا الدرس نم قرير العين فإن زوجك لن تعصى لك أمراً وإن ابنك لن يخالفك في طرفة عين أو أقل لأنهم معك في تقوى الله وطاعة الله حتى ولو أحاط بهم ألد الأعداء ووجهوا بأعتى الطغاة فإن الله يجعل لهم مخرجاً ببركة تقوى الله جل في علاه تلكم هذه القصة : هذه هي الزوجه الجميلة التى كانت أجمل نساء حواء بعد حواء السيدة سارة ساقها الجنود الأشداء إلى فرعون مصر وكان رجلاً شهوانياً لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيل ماذا تصنع بعد أن اختلى بها والجنود يحيطون بالمكان من كل الجهات؟ رفعت القلب والأكف إلى من بيده الخلق والأمر كله وهي تعلم علم اليقين قول رب العالمين: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} ماذا كانت النتيجة؟مد يده إليها فشلت يده فاستغاث بها وقال لها: إدعي ربك أن يحل عن يدي ما هي فيه وأعاهدك ألا أمدها إليك مرة ثانية فدعت الله فاستجاب لها الله ففكت يده بأمر الله لكن الشيطان دار برأسه ونفسه لعبت بجسمه وحسه فنكث وعده وهم بأن يمد يده إليها مرة أخرى ماذا كانت النتيجة ؟تخشب جسمه كله إلا لسانه وأصبح وكأنه قطعة من الثلج فأسرع إلى الإستغاثة بها وصاح وبأعلى صوته يدعوا جنده ويقول لهم أخرجوا هذه الشيطانة من عندى ويعاهدها على أنها إن دعت الله فرجع إلى حالته فلن يمسها بسوء ويغنيها من خير الله وفضل الله جل في علاه العجب في هذه القصة ليس من تخشيب يده أو جسمه ولكن أنها إذا دعت الله يستجيب لها ويفك يده ويفك جسمه فكأنها معنية بقول الله: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } وكانت في ذاك الوقت لا تخشى من فرعون ولكنها كانت تخاف من شدة غيرة إبراهيم فأسرعت إليه وهي ترتجف من شدة الخوف خوفاً من الظنون التي ربما يظنها فيها والوساوس التى هى على يقين أن الله يحفظه منها ولكن النفس البشرية لها تداعيات إنسانية فلما وقفت أمامه وأرادت أن تحدثه قال لها : لا تخافي لقد كشف الله القناع عن بصري فرأيت كل شيء يحدث لك وأنا في مكاني {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } فأعطاها فرعون جارية تخدمها وأعطاها من خيرات الله التي عنده ما تغنى به وزوجها أبد الدهر ولما كانت لا تنجب قالت برضاء خاطر:يا إبراهيم تزوج بهاجر لعل الله يرزقك بولد منها يكون قرة عين لي ولك فرزقه الله عزَّ وجلَّ منها الولد وإياك أن تصدق قول اليهود ومن عاونهم أنها غارت من هاجر وابنها فقالت له إرميهما في الصحراء لأنها لو كانت قد غارت من هاجر وابنها وطلبت منه أن يبعدهما عنها وإبراهيم رجل عاقل حكيم لكان أبعدهما في بيت آخر في نفس البلدة أو أسكنهما في بلدة قريبة فيها أناس يأتنسون بهم وفيها طعام وشراب وما يحتاجون إليه لكن لماذا أخذهما إلى الصحراء التى ليس فيها زرع ولا ماء ولا أنيس ولا شيء؟ ليعطينا الله عزَّ وجلَّ الدرس الأمثل في تعليم أنبياء الله فإن إبراهيم بمجرد أن تزوج هاجر كان أحرص ما يحرص عليه أن يلقنها درس الإيمان والثقة بالله جل في علاه قبل أن يقضي شهوته وقبل أن يقضي حاجته كانت مهمته الأولى مع زوجته أن يحصنها بتقوى الله وصدق الإيمان في الله جل في علاه ولذلك عندما تركها وابنها في هذا المكان ومشى دار هذا الحوار قالت له: يا إبراهيم لمن تتركنا هاهنا؟ فلم يجبها فكررت السؤال مرتين ولم يجبها فقالت في الثالثة: أالله أمرك بهذا؟ قال : نعم قالت: إذن لا يضيعنا فلم تنازعه ولم تحاكمه ولم تشاتمه ولم تقل له لائمة وهو حقها لم تتركنا في هذا المكان الذي لا زرع فيه ولا ماء فيه ولا أنيس فيه؟لكنه علمها أن الله لا يضيع أهل الإيمان بالله جل في علاه ولذلك عندما نفذ زادها ونفذ ماؤها وجاع صبيها واحتارت في رضاعه أخذت تمشي مهرولة بين الصفا والمروة وهي مسرعة تبحث له عن ماء وأخيراً وجدت الطيور فوقه فخشيت عليه فأسرعت إليه فوجدت الماء قد نبع من تحت قدميه وجبريل أمين وحي السماء يقف بجواره يحرسه من طغيان الماء لأن الماء فار ولو ترك الوليد لغرق في هذا الماء الذي خرج من هذه الأرض فأخذت تزمه وتقول زمى زمى وقال لها الأمين جبريل: يا أمة الله لا تخشي الضيعة فإن الله عزَّ وجلَّ قيض لهذا الوليد وأبيه أن يبنيا بيتاً لله في هذا المكان فاطمأنت إلى صنع الله وعلمت أن الله عزَّ وجلَّ لا يضيع من اعتمد عليه في أي شأن وفي أي أمر مهما انقطعت الأسباب لكن باب مسبب الأسباب يحل كل المشاكل في الوقت والحين لأنه يرزق من يشاء بغير حساب ثم إن الغلام كان أول درس لقنه له أبوه هو الإيمان هل يوافق ولد على أن يقوم أبوه بذبحه ويستسلم له ولا ينازعه؟ وهل يجرأ والد أن يشاور ولده في ذبحه؟بل إنه إذا أراد ذبحه يأخذه على غرة وفجأة ولا يشاوره لأنه يعلم مسبقاً أنه لن يرضى بهذا الصنيع لكن الأستاذ العظيم في الإيمان في الله يعلم أن تلميذه النجيب في درس الإيمان بالله سيستسلم معه لأمر الله فقال له كما قال كتاب الله : {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} لو قال له إن الله أمرني بذبحك لكان هذا سهلاً على الغلام أن يصدق به ويستسلم له ولو قال إن وحي السماء وأمير الوحي نزل بكتاب من الله يأمرني بذبحك لكان عليه أن يصدق ويستسلم لأمر الله لكن البلاء شديد قال {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} ماذا قال الغلام الذي تعلم درس الإيمان؟ {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} من الذي عرف الغلام أن ذلك أمر وأن رؤيا الأنبياء وحي وأنها أمر من الله عز وجل؟ ثم انقلب الولد وإذ به هو الذي يسدي النصيحة لأبيه ويخاف على أبيه من أن يتقاعس في تنفيذ أمر الله الولد الذي سيذبح هو الذي يقول لأبيه يا أبت اشحذ المدية يعني حمي السكين جيداً واربطني جيداً بالحبال وكبني على وجهي حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك الشفقة في تنفيذ أمر الله عزَّ وجلَّ وانزع القميص عنى حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن الولد الذي سيذبح هو الذي ينصح الأب؟ نعم لا عجب لأنه الإيمان بالله جل في علاه الدرس الأول الذي علمه له أباه هو درس الإيمان بالله وفي الله جل في علاه ولما أوثقه وكتفه بالحبال قال: يا أبت ماذا تقول عني الملائكة أتقول أنى خائف من تنفيذ أمر الله عز وجل؟فك الحبال عني ولن يتحرك مني عضو ولن يضطرب مني عضو لأني سأستسلم لأمر الله جل في علاه فقد رأى أن الربط بالحبال يناقض التسليم الذي قال فيه المولى الكريم: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} فوضع إبراهيم السكين على رقبته ولم تقطع حتى أن الله عزَّ وجلَّ أمره أن يحدثها فقال لها: مالك يا سكين لا تقطعي عنق إسماعيل؟ فأنطقها الله وقالت له: وما للنار لم تحرق جسدك يا إبراهيم؟ وهنا نزلت العناية الإلهية وفداه الله بذبح عظيم كبش نزل من الجنة وهل الجنة فيها مراعي ترعى فيها الكباش؟إن الجنة يقول فيها الحبيب: {فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر}[1] والكبش تراه العين لكنه هو الكبش الذي قدمه هابيل عندما حدث خلاف بينه وبين أخيه قابيل وكان هابيل يرعى الأغنام فقدم كبشاً ثميناً وكان قابيل يشتغل بالزراعة فقدم زرعاً رديئاً فنزلت سحابة من السماء أخذت الكبش وصعدت به إلى السماء وأودعته في الجنة وظل في الجنة حتى نزل فداءاً لإسماعيل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام كان هذا المنهج النبوي هو الذي عليه الحبيب وصحبه الكرام فكانت زوجاتهم وبناتهم وأبناؤهم كلهم على تقوى من الله عزَّ وجلَّ فكانت البنت إذا خرج أبيها في الصباح لطلب الأرزاق هى التي تقول له: يا أبتاه تحرى لنا رزقاً حلالاً فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار وكان الرجل يمشي في الأرض ليس عليه شاهد إلا خالق السموات والأرض ويستحي من الله أن يراه الله عزَّ وجلَّ واقعاً في معصية تغضب الله جل في علاه فكانت المدينة المنورة في حياة آمنة مطمئنة هانئة لا يوجد فيها مشاكل ولا منازعات ولا خلافات بين الأفراد ولا بين الأسر ولا بين العائلات لأن قلوبهم كانت عامرة بالإيمان بالله ذهب سيدنا أنس بن مالك في جولة تفقدية إلى البصرة ليرى فيها أحوال المسلمين فوجد الغش في الأسواق والفساد في المعاملات ومثل هذه الأشياء وقد امتلأ بها هذا المجتمع فذهب إلى المساجد فوجدها عامرة بالمصلين ونظر إلى الكتاتيب فوجدها مليئة بالصبيان الذين يحفظون كتاب الله عن ظهر قلب فاختبرهم فوجدهم مع شدة حفظهم لكتاب الله يكذبون وينافقون ولا يتورعون فقال "كنا نتعلم الإيمان قبل القرآن وأنتم تتعلمون القرآن قبل الإيمان" كانوا يتعلمون الإيمان أولاً فإذا تعلموا القرآن راقبوا حضرة الرحمن عزَّ وجلَّ ونحن والحمد لله القرآن في كل ربوع بلادنا يتلى وما أكثر حفاظه وما أكثر التالين له والقارئين له والمساجد عامرة لكننا نحتاج لكي نرتاح في بيوتنا ونطمئن على أولادنا ولا يحدث ما يفسد العلاقات التي بيننا وبين زوجاتنا أو بيننا وبين إخواننا إلى أن نوثق الصلة التى في قلوبنا بالله جل في علاه فهذا هو العلاج الوحيد لما تفشى في مجتمعنا من أمراض أخلاقية وأحوال نفاقية وأمور استعصت على الحل بالقرارات الوزارية والقوانين الدستورية فإنه لا يصلحها إلا تعلق القلوب بعلام الغيوب عز وجل. يتبع إن شاء الله [1] مسند بن حنبل و المستدرك عن ابن سعد
-
برهان صدق الإيمان أنزل الله بني الإنسان إلى هذه الأكوان على أدوار بعد أن صنع هذا الهيكل من أطوار ليرى صدق إيمانهم ومدى صفاء ردودهم فيعطي لكل منهم درجاته التي إدخرها له عنده عزَّ وجلَّ ولذلك أشار إلى هذه الحقيقة وقال عزَّ شأنه: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} وهذا لا يكون لماذا يا رب؟ {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} ما الحكمة؟ وما السر يا إلهي? {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } إذ كيف سيعرف هذا من ذاك؟ فعند البلاء تظهر حقيقة الأنباء التي رددها الإنسان في عالم الطهر والصفاء وهذا سر تقدير البلاء على الناس أجمعين في هذه الدنيا أما اجتباء وابتلاء المرسلين والنبيين والمؤمنين فهو لرفع درجاتهم ولتعظيم مقاماتهم لأن الله لا يختبرهم وإياكم أن يقول أحد من إخواننا العلماء أن الله يختبر بالبلاء الأنبياء وهل الله عزَّ وجلَّ يختبر أنبياءه ورسله؟ وهل يختبر عباده المؤمنين الذين ارتضاهم لهذا الدين؟ لا لكن يختبر الكافرين والجاحدين والمشركين ولكن سر البلاء للنبيين والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين هو لرفعة المقدار وزيادة المقام وأقلهم شأناً لزيادة الأجر والثواب وأضعفهم حالاً تطهيره من الذنوب التي تستوجب العقاب فإذا كان ضعيفاً ولا يستطيع منع نفسه من الذنوب فإن الله يبتليه ليطهره من هذه الذنوب إذا فهو ليس إختبار وذلك لكي تعرفوا الفارق بين الاثنين ولا تعمموا كلام حضرة الله وإذا كان ضعيف في العبادة لله عزَّ وجلَّ فإن الله يبتليه ليزيد له الأجر والثواب وإذا كانت عنده مطامح للدرجات العالية والمقامات الراقية وليس له همة تواتيه وتوافقه على بلوغ هذه المقامات والدرجات فإن الله يبتليه ليرفعه بها إلى هذه الدرجات وهذه المقامات ولذلك يبين الله عزَّ وجلَّ لخليله سر ابتلاءه له: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ ) ما هذه الكلمات؟ إن فيها أقاويل كثيرة لأئمة التفسير وللعلماء العاملين وللأولياء والصالحين لكنها وفي جملتها بلاء في نفسه وبلاء في قلبه وبلاء في أهله وبلاء في ولده وبلاء في ماله وقد حددها الله وبينها، فيم ستبلونا يا رب؟ (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) قال له: وبشر الصابرين وذلك لأنهم ليس معك في المنزلة.. وما حال الراضين؟ إنهم معك ولا يحتاجون للبشارة لأنهم بلغوا المراد ( مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم) فهل من يركبون الطائرة معاً عند عودتهم من الحج يهنئون بعضهم بسلامة الوصول وقبول الحج؟ لا لكن من يستقبلونهم هم الذين يهنئونهم (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً) فقال له ربه: يا إبراهيم أتدرى لم سميتك خليلاً؟ أي لماذا أخذت هذه الرتبة؟ ( وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) قال: لا يا رب؟ قال: "لأنك جعلت بدنك للنيران ومالك للضيفان وقلبك للرحمن وولدك للقربان" فمن يريد الخلة عليه أن يكون جاهزاً لمثل لهذه الأمور لكي يصبح خليلاً لله ولذلك فإن ربنا ينصحنا ويقول (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) أين مقام إبراهيم؟ هل هو ذلك الحجر الذي هناك؟ إنه موضع أقدام الخليل ولكن مقامه هو مقام الخلة واتخذوه مصلى أي عليكم أن تحاولوا الوصول إليه ورتبوا أنفسكم وجهزوا أرواحكم أن تعملوا وتفعلوا لتنالوا مقام الخلة لأنه هو المقام العظيم عند العظيم عزَّ وجلَّ ومقام الخلة علاماته وبشاراته (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) إذا فهو ليس وحده في الفصل لأنه كما أشارت الآية فإن الموقنين كثير فأول واحد في الكشف هو سيدنا إبراهيم لكن الكشف يحوي كثير غيره وهم الموقنون وأهل اليقين الذين اعدوا للبلاء الرضا عن الله عزَّ وجلَّ في كل وقت وحين وجهزوا لحضرته الرضا من أنفسهم فلا يتغير حالهم ولا يتوتر شأنهم ولا ترهق نفوسهم ولا يتعكر مزاجهم ولا يروح ويجئ فكرهم لأنهم على يقين أن محبوبهم إذا ابتلاهم فإنما ليجتبيهم ويصطفيهم ويبلغهم مقام عظيم عنده ولا شيء غير ذلك لأننا خرجنا من دائرة الإختبار بفضل الله ولأننا من الأطهار والأخيار وبذلك قد وضحنا البلاء وبيناه بالنسبة لأنبياء الله ورسل الله والصالحين من عباد الله أجمعين في هذه الدنيا وقد يقول واحد منا لماذا لا يعطينا الله عزَّ وجلَّ هذه المقامات العالية وهي مقامات الإجتباء والاصطفاء بدون بلاء؟ لأن الله عزَّ وجلَّ آل على نفسه العدل وحرم على نفسه الظلم (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) وحتى يكشف الله لجميع أهل الموقف أن هؤلاء ما أخذوا إلا ما يستحقونه ودس الله عزَّ وجلَّ في خفية عن العيون مدد لطفه ومعونته وتوفيقه للأتقياء الأنقياء فقبل أن ينزل لهم أو عليهم البلاء ينزل عليهم مدد اللطف والمعونة من السماء حتى إذا نزل البلاء كانوا جاهزين لتحمل الأمر والرضا عن الله فسبحان من انزل البلاء وأعان عليه ثم يثيب ويرفع الذكر والأجر عليه وهذا توفيق من الله وبالله وإليه لعباد الله عزَّ وجلَّ المؤمنين لكن الله لو انزل علينا ذرة واحدة من البلاء بدون لطف ومعونة من السماء هل يستطيع الواحد منا أن يتحمل شكة إبرة؟ لا والله يا إخواني لكنه ينزل جند لطفه ومعونته وتوفيقه ثم ينزل البلاء ليزيد الأجر والثواب أو يخفف الذنوب ويستر العيوب أو يرفع المقام ويجعل هذا الإنسان من عباد الله الصالحين الذين استحقوا الدرجة العظيمة عند رب العالمين عز وجل ولذلك فإن الله يضرب لنا المثل تلو المثل بأنبيائه ورسله وقد نوع عليهم ألوان البلاء حتى لا تظن أنك وحدك الذي أفردت بالبلاء فلك مثل وأسوة وقدوة في كل بلاء بعباد الله المرسلين والنبيين وليس الأتقياء فقط فإذا أدخلت السجن ظلماً فإن يوسف دخل السجن ظلماً وإذا حرمت من الأب والأم صغيراً بغير جريرة ولا سبب فإن رسول الله وكذلك يوسف قد حرما من الأب والأم بلا ذنب ولا جريرة وإذا تعرضت لجبارين فإن كل أنبياء الله تعرضوا لأعتى الجبابرة إبراهيم للنمروذ وموسى لفرعون ورسول الله لأبي جهل وقد قال فيه: فرعوني أشد علىَّ من فرعون أخي موسى عليه وإذا كنت قد حرمت من نعمة الولد فإن إبراهيم لم يحصل على الولد إلا عند الثمانين عاماً وبعد أن أعطاه الله مناه أمره أن يأخذه وأمه ويجعلهم في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا أنيس ولا ماء وبعد أن بلغ ريعان الشباب وأصبح يسر الناظرين أمره أن يذبحه حتى لا تبقى في قلبه شعبة لغير رب العالمين لكي لا ينشغل إلا بالله جل في علاه وهنا سر آخر من أسرار البلاء أن الله يريد من العبد ألا ينشغل إلا بمولاه فإذا مال القلب لأي ناحية من الأنحاء سلط الله عليه البلاء ليرجع إلى الله ويقول : يا رب ادفع عني هذا أو سهل لي هذا فيرجع إلى الله فلا يرد العبد إلى مولاه إلا البلاء الذي يتعرض له في هذه الحياة لكن لو غطى بالنعيم (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) وإذا كنت لم ترزق إلا بالبنات فإن نبي الله لوط لم يرزق إلا بالبنات وحبيبنا صلَّى الله عليه وسلَّم لم يعش له من جملة أولاده إلا البنات وإن كنت تقول الدنيا ومشاغلها تشغلني عن طاعة الله فما عذرك الذي تقدمه إلى الله إن أقام عليك الحجة وقال لك : أيهما كان أشغل أنت أم النبي الملك سليمان على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام الذي سخر الله له الريح وسخر الله له الجن وأتاه ملكا لم يأته أحد من الأولين والآخرين ومع ذلك لم ينشغل عن الله طرفة عين وإن كانت تحدثك نفسك أنك مشغول بالعبادة فلا يجب أن تسعى لتحصيل القوت وعلى الخلق أن يعينوك ويكفونك القوت فقل لها وهل بلغت في العبادة مبلغ داود عليه السلام وقد قال في شأنه نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم السلام {ما أكل أحد طعاما قط خيراً من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده } وإن زعمت أنك تيأس من رحمة الله لأنك لا تجد من يعينك في بلدتك على طاعة الله ولا تجد إخواناً فقد قال الله في شأن لوط (فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ) ومع ذلك لم ينشغل عن عبادة الله لحظة أو أقل وهكذا أقام الله الحجة على عباده أجمعين بالنبيين والمرسلين ثم أقام الحجة في كل عصر بالأولياء والصالحين فإن الله نوع عليهم البلاء وأقامهم في أصناف الابتلاء ليكونوا حجة على الخلق في زمانهم حتى يكون لله الحجة البالغة ستقول كيف أصل إلى الله وأنا مشغول بالسعي على الأرزاق يقول لك الكريم الخلاق: اعلم علم اليقين أن أكمل الأولياء في زمانك وفي عصرك لا تشغلهم المشاغل الكونية رغم شدتها وزحامها عن الصلة بالله وعن دعوة الخلق إلى الله وعن القيام بمهام الرسالة التي كلفهم بها سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فما عذرك أيها المتواني وما قولك أيها القاعد والمتقاعد والمتكاسل؟ وإن قلت إن ما معي من المال لا يكفي لدعوة الله والعيال يقول لك المولى عزَّ شأنه :أتشك في الرزاق وأنت ترى مدى إغداقه وإكرامه الذي يملأ به الصالحين في زمانك وفي غير زمانك حتى أن الناس تحسبهم وجهاء وبعض الناس الجهلاء يحسبهم أغنياء من شدة تعززهم بالله وولاية الله التي شملتهم في هذه الحياة عليك أن تقبل على الله وانظر ماذا سيصنع معك الله وهل رأيت مقبلا على الله تركه مولاه وتخلى عنه لسواه؟ لا يكون ذلك أبداً وهو الذي يقول ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً) إذاً حجة الله على الخلق هم الأنبياء والمرسلين السابقين والأولياء والأفراد المعاصرين في كل زمان ومكان هكذا حكم الله ولذلك طلب منا الحبيب أن نقرأ قصص الأنبياء وقال في شأنهم ربي عز وجل (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) وكان الحبيب يقص عنهم ويخبر عنهم وكذلك الصالحون أمرونا أن نقرأ قصص الصالحين لنمشي على نهجهم ونسير على هديهم وقد قال أحد الصالحين في شأنهم "حكايات الصالحين جند من جند الله تقوى قلوب المريدين على السير إلى حضرة الله جل في علاه" يتبع إن شاء الله المصدر: كتاب (كيف يحبك الله) للأستاذ فوزي محمد أبوزيد http://www.fawzyabuzeid.com/table_books.php?name=%DF%ED%DD%20%ED%CD%C8%DF%20%C7%E1%E1%E5&id=5&cat=2
-
حكمة الخلق الجديد أراد الله عزَّ وجلَّ وهو الفعال لما يريد أن يضع أقدار ومقادير ورتب العبيد فجعل لهم خلقا جديد ينزلون به إلى هذه الحياة الدنيا ليختبر صدقهم في ترديد كلمة التوحيد ولذلك قال ربي عزَّ شأنه مبيناً سبب ما نحن جميعاً فيه: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} ما سبب اللبس ؟الخلق الجديد وهو ما نحن فيه الآن وهو هذا الهيكل المصنوع من عناصر الأرض من الطين ومن التراب ومن الماء المهين لأنه يميل إلى هذه العناصر ويميل إلى ما منه قد صنع وما منه أوجد فيميل إليها بالكلية ولولا حفظ ربي عزَّ وجلَّ للعطية ما استطاع واحد منا أن يحفظ هذه العطية الإلهية: [فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] فكانت حكمة الله في توارد الخلق إلى هذه الدنيا بينّها وقال عزَّ شأنه: [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً] كما قال ربي عزَّ شأنه في الحقائق النورانية التي لا ترى بالعين الجسمانية [بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ] والملكوت هو عالم الأنوار والأسرار الذي ليس فيه أغيار وليس فيه فجار وإنما أهله هم أهل الصفاء والطهر من الملائكة المقربين وأهل عالين وعليين وأهل العبادة والطاعة الدائمة لرب العالمين عز وجل: [بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ] أي خلقه بيده وقال في هذا الملك الذي نحن فيه: [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ] كل ما على الأرض من زينة ومن خلق ومن كائنات من حيوانات من طيور من حشرات من نباتات من بحار وأنهار كلها خلقها الله بيده وقال فيك أيها الإنسان معاتباً من رفض السجود فيك لأبيك: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أي أنك يا أيها الإنسان قد جمعت الإثنين ففيك الملك والملكوت وأنت الوحيد الذي فيك الملك والملكوت فإن الملائكة فيها الملكوت فقط وكل ما على الدنيا فيه الملك فقط وأنت الوحيد الذي فيك الملك والملكوت فيك عالم الغيب الروح والقلب والفؤاد والعقل والعوالم النورانية التي فيك وفيك عالم الشهادة والشهادة هي ما تراه العين فيك كل شيء أوجده الله في الدنيا كل عناصر الخلق فيك وكل ذرات الأنوار فيك فأنت الفرد الجامع لخالقك وباريك عزَّ وجلَّ لأن فيك جمع الله عزَّ وجلَّ الحقائق كلها ولذلك يقول إمامنا علىَّ رضى الله عنه وكرم الله وجهه: أتزعم أنك جرم صغير ... وفيك إنطوى العالم الأكبر دواؤك فيك وما تبصر ... وداؤك منك ولا تشعر ويقول أحد الصالحين فى ذلك : يا صورة الرحمن والنور العلي....يا سدرة الأوصاف والغيب الجلي فيك العوالم كلها طويت فهل...أدركت سراً فيك من معنى الولي فالعوالم كلها فيك كل العوالم العالية والدانية فالسماء هي مافيك من عالم الطهر والنقاء والصفاء والأرض هي هذا الجسم وما يحويه من عناصر هذه الأرض والقلب هو النور الذي ينزل فيه النور الذي يقول فيه: [اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ] والسر هو باب البر الذي يفتح على سر الأسرار وترياق الأغيار وروح الأخيار ويأتيك منه المدد من كنوز المواهب من عند العزيز الغفار عزَّ وجلَّ والذي فيه سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وإن شئت رأيت فيك كل الحقائق العالية والعناصر الدانية فالعالية اسمها حقائق والدانية اسمها عناصركل الحقائق العالية وكل العناصر الدانية فيك وفيها يقول أحد الحكماء : "تبصرك فيما فيك يكفيك " كل شيء فيك .. فيك جبال وفيك أنهار وفيك وديان وفيك سهول فيك كل شيء في الوجود من عناصر وكل شيء من عالم الطهر من حقائق ولكن هذا يحتاج إلى أن تدير عدسات التليفزيون النورانية الإلهية التي أودعها فيك خالقك وباريك فترى فيك مالا يستطيع أحد أن ينعته من الأولين والآخرين وإليه الإشارة بقول الله عزَّ شأنه : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} فأنت مختصر الأكوان والأكوان هي السر الجامع الذي في الإنسان بأجلى توضيح وأرقى بيان فأنت كون صغير والكون كله إنسان كبير لأن كل ما في الكون فيك فأنت ريموت كنترول رباني كل كنوز الكون العالية والدانية معك مفاتيحها وإن شئت حركتها وإن شئت دخلتها لكن كل شيء معك وليس خارجك فالإنسان فيه كل ما في الأكوان وهذا أمر لا أريد شرحه بالتفصيل لأن الإنسان يحب أن يمشي فيه ويجول فيه بفكره بعد نقاء سره وجلاء فؤاده فيرى بنور الله ما جعله فيه مولاه لكن لا يرى بنور الحظوظ ولا بظلمات الأهواء ولا بالدنيا الدنية إذا كانت مسيطرة على أرجاء القلب فإن كل هذه تجعل الرؤية دنية فلا بد من طهارة القلب بالكلية وصفاء السر لرب البرية حتى يرى الإنسان بعين اليقين ويكون كما قال رب العالمين: [كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ] ثم بعد ذلك : [ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ] أي سنرى النعيم كيف؟ كما قال أحد الصالحين : بعين الروح لا عين العقول ... شهدت الغيب في حال الوصول يتبع إن شاء الله
-
الابتلاء للعطاء هل الله عزَّ وجلَّ يبتلي أعز أحبابه وأفضل مخلوقاته وهم أنبياء الله ورسله؟ نعم ولو رجعنا لكتاب الله وإلى أحاديث حبيب الله ومصطفاه نجدهما يفيضان بالأحاديث الجمة عما تعرض له أنبياء الله ورسل الله من أنواع البلاء التي صبها عليهم الله جل في علاه ومنها ما أشار إليه الرحمن عن سيدنا إبراهيم عليه السلام إذ يقول عز وجل: [وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ] فليس بلاءا واحداً لأنه عبر بكلمات وكلمات يعني أنواع من البلاء وما النتيجة؟ فأتمهن أي أتمهن كما يحب مولاه وكما يرضى الله فكانت النتيجة: [قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً] أي أن الله اختاره للإمامة والإمامة في هذا المقام هي النبوة والرسالة فكأنه لا عطاء إلا بعد بلاء وكما قال أحد الحكماء : "لا منحة إلا بعد محنة ولا عطية إلا بعد بلية"ومن أراد العطاء بغير بلاء فقد رام المحال لأن الله لم يرضى ذلك لأنبيائه ورسله وهم أعز الخلق عنده بل إن الحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أشار إلى القاعدة الإلهية الشاملة لجميع البرية في هذا المقام وهي التي يدور حديثنا عنها فقال صلوات ربي وتسليماته عليه: {إذا أحب الله عبداً ابتلاه – لماذا؟ - فإذا رضي اصطفاه وإذا صبر اجتباه}[1] مقامان لا ثالث لهما في تقبل بلاء الله فمن يتقبل هذا البلاء بالرضا عن الله تكون النتيجة أن الله يصطفيه ويجعله من المصطفين الأخيار ويدخل في قول الله عزَّ شأنه: [اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ] والرضا يعني أن يرى هذا الفعل من ربه فيسلم لأمر ربه ولا تنازع نفسه فيما قضى به ربه فلا يتقبل البلاء على مضض ولا حرج ولا ضيق ولا زهق بما قضى الله وليس معنى ذلك أن يترك البلاء بدون مدافعة لكن يدفع البلاء قدر طاقته وإذا وجد في النهاية أنه عاجز عن دفعه بكل طاقته يعلم أنها إرادة الله فيرضى بما قضى الله ويسلم الأمر لله ويعمل بقول الله لحبيبه ومصطفاه فيمن أراد الله أن يحبوهم بمقام الاصطفاء: [فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً] فيسلم بما قضى به الله فإن في ذلك الخير كل الخير لأن الله يجتبيه ويصطفيه كما أنبأ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وإذا لم يستطع أن يكسب نفسه مقام الرضا عليه أن يصبر والصبر أن يتقبل الأمر على مضض لكنه لا يجزع ولا يهلع ولا يقول ولا يفعل شيئاً يغضب الله وهذا مقام الصبر الجميل "وإذا صبر اجتباه" وهناك فارق كبير بين المصطفين الأخيار وبين المجتبين الأطهار لأن هؤلاء أهل مقام وهؤلاء بعدهم بآلاف الدرجات في الرفعة والمقام عند رفيع الدرجات ذو العرش المجيد عز وجل إن الله يا أخذ العهد على جميع الخلق وهم أرواح نورانية أو نفوس ظلمانية ظهرت في صورة روحانية فكان منهم الأرواح النورانية وهي أرواح المؤمنين والمسلمين والمحسنين والمتقين والموقنين وهناك نفوس ظلمانية وهي نفوس الكافرين والجاحدين والمشركين والبعيدين عن رب العالمين جمع الله أرواح ونفوس الجميع حيث لا حيث ولا أين ولا تسأل أين لأن الأين للمكان وهم كانوا في حضرة قبل خلق المكان وقبل خلق الزمان في حضرة الربوبية للواحد الديان والكافر يا إخواني ليس له روح ولا قلب وإنما له نفس لكن الأرواح والقلوب للمؤمنين والمتقين والبيان في قول الله وفي كلامه سبحانه يقول: [إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ] أي لمن له قلب إذاً ليس كل إنسان له قلب ونقصد بالقلب القلب الذي يعقل عن الله وليس القلب الموجود في هذا الجسم أي قطعة اللحم الصنوبرية لكن القلب المقصود هو الحقيقة الغيبية النورانية التي تعقل عن الله وتتلقى كلام الله وتفقه حديث حبيب الله ومصطفاه هذا القلب عناية من الله لأهل التقى والإيمان في كل زمان ومكان أما الكافرين فهم أهل نفوس والروح مقام خاص يقول فيه الفتاح: [رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ] لا تقل إن فلان روحه تفارقنا ولكن قل إن نفسه تفارقنا لا بد أن تكون دقيقاً في الإجابة وإجابتك توافق بيان الله وحديث رسول الله من الذي يمت في كتاب الله؟ [اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا] الأنفس ، وهذا للكافرين [وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ] حتى المؤمنين هل يقول فيهم الله : يا أيتها الروح المطمئنة؟ لا ولكن يقول: [ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ] لأن الروح لا تموت لأنها صفة الحي الذي لا يموت فهي من أمر الله فأخذت صفة الدوام من الله فلا تموت ولا تفوت فالجسم يفنى والنفس تفنى أو تذوق الموت ولكن الروح لا تموت أبد الآبدين لأنها من الله عز وجل: [فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ] فتأخذ صفة الدوام لأنها من الدائم عزَّ وجلَّ وهذه لا يحصل عليها كافر ولا مشرك ولا سافل وإنما يخص الله بها عباده المقربين والمحسنين والمتقين الذين يخصهم بهذه الروح العالية التي هي من الله رب العالمين عزَّ وجلَّ وإلا بالله عليك قس هذه القضية المنطقية العقلية من فيه روح من الله أيجوز أن يعذبه الله وهو فيه روح من مولاه؟لايجوز إذ كيف يعذبه الله وهو فيه روح من الله هذه الروح وهي سر الفتوح تحفظه من عذاب الخزي ومن عذاب البعد ومن عذاب الصدود والهجران وتجعله دائماً وأبداً في حضرة الرحمن كما قال صريح القرآن: [إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ] أردت أن أوضح بعض اللبس الذي ينشأ عند بعضنا في الجامعة الحقية التي جمعنا فيها الله في يوم الميثاق وإن أردت شبيهاً لها تقريباً لوصفها ففي آيات الله ذلك فعندما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم أمرهم بالسجود وكان من جملتهم لأنه شاركهم في عبادتهم وإن كان ليس من نورانيتهم وشفافيتهم إبليس عليه لعنة الله وقد صدر له الأمر لأنه وسطهم وبينهم ولكن الله بين سر إبائه فقال في كتابه: [وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ] أصله كان من الجن لكنه عندما عاش بينهم وشاركهم في العبادة أخذ أوصافهم وإنطبق عليه حالهم فالنعيم الذي كانوا فيه كان يشاركهم فيه والأمر الذي صدر لهم صدر له معهم لأن الله يريد أن يعليهم ويرقيهم بالسجود لآدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام وهي نفس الحقيقة فهؤلاء المؤمنون أرواح نورانية وهؤلاء الكافرون نفوس ظلمانية تجلى الله لهؤلاء بجماله ولرسله وأنبيائه بكماله وللضالين وللمشركين والجاحدين والكافرين بقهره وانتقامه وكلها أسماء الله فإن الله له أسماء كمال تجلى بها لأهل الكمال وله أسماء جمال تجلى بها لأهل الجمال وأهل الوصال وله أسماء جلال أسماء قهر وانتقام تجلى بها على الجاحدين والكافرين ليقهرهم على النطق بكلمة التوحيد ليكون له عليهم الحجة يوم لقائه عزَّ وجلَّ يوم الدين حتى يكون الأمر كما قال الله: [وَلَمَّا سُقِطَ فَي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ] فتكون الحجة من الله لجميع خلق الله وكما تعلمون فهناك فرق بين صنفين من ولدك بين من يطيعك راضياً ويريد المزيد وبين من يطيعك رغماً عنه لأن يرى شدتك وبأسك وصولتك فيتقي شرك ويطيعك ولو وجد فرصة لعصى وامتنع عن الطاعة فكان الأمر هناك في حضرة الله لا مناص من الطاعة والكل رأى وواجه رأى ما يليق به من جمال الله أو كمال الله أو جلال الله وليست الرؤية واحدة والكل نطق وعبر عما يشعر به نحو مولاه ومن عظيم كلام الله أنه ساق هذا الخطاب كله في كلمة جامعة واحدة لا يستطيع أحد أن يلمح ما فيها من هذه التباينات إلا عباد الله العارفون الذين أشرقت أرواحهم على هذا الوادي المبين فرأوا بفضل الله أسرار بدء التكوين فقال: [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا] قالوا بلى بمحبة وهم خيار الأحبة والآخرون قالوا بلى مقهورين ومرغمين ويودون أن يفروا من هذا الموقف العظيم لأن نفوسهم لا تميل إلا للدناءات والمعاصي والمخالفات فتريد أن تفر من هذا الموقف بأي كيفية من الكيفيات فقالوا بلى فسجل عليهم الحق قوله: [أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ] وهنا ثبتت الحجة لرب العالمين على الخلق أجمعين. يتبع إن شاء الله [1] شعب الإيمان للبيهقى عن ابن مسعود .
-
منافع مجالس الإخوان لما جاء السلف الصالح أداموا هذا الأمر وقالوا نمشي على العهد عملاً بقول الله جل في علاه: [أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ] ماذا كانوا يفعلون؟ كانوا يجلسون مع بعضهم وهذه المجالس كانت تخلو من الغيبة والنميمة ولا تجد فيها قيل ولا قال ولا ذكر الدنيا ولا الأمور الفانية إنما تذكير بالآخرة والأعمال الصالحة والأخلاق الراقية ليعينوا بعضهم البعض على السير إلى الله لكي يخرج الواحد منهم من الدنيا ومعه شهادة تقدير من العلي القدير ماذا كان يفعل أصحاب رسول الله ؟ تروى لنا كتب السيرة أن رسول الله كان يدخل المسجد فيجد مجالس متعددة فمنهم مجلس أهله يقرءون القرآن ومجلس أهله يذكرون الله فكان يقول كلاهما على خير وكان سيدنا عبد الله بن رواحة يهتم بمن يدخلون حديثاً في دين الله من الأغراب ويجمعهم في المسجد ويقول تعالوا نؤمن بـالله ساعة يشرح لهم قواعد الإيمان وأركان الإيمان الصحيح الذي يؤدي إلى مقام المراقبة لحضرة الرحمن عزَّ شأنه لأن الإيمان لن يصح إلا إذا وصل الإنسان لمقام المراقبة لحضرة الرقيب أما إذا كان الإيمان في الكتب وانعدمت المراقبة في القلب يكون الإيمان هش وضعيف أما الإيمان القوي فهو: [وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ] كإيمان أصحاب رسول الله وكذلك الصالحون لوا على أنفسهم أن يسيروا على هذا المنهج فماذا يفعلون؟ قالوا نحب بعضنا في الله ومن يحبون بعضهم في الله لا بد أن يجلسوا مع بعضهم مجلس خير وبركة قد يكون مرة في الأسبوع أو مرتين في الأسبوع ونجعلها مواعيد ثابتة لكي نعين بعضنا على طلب الآخرة ماذا نفعل في هذه المجالس؟ إما أن نتلوا آيات من كتاب الله أو نستغفر الله أو نصلي على حبيب الله ومصطفاه أو نذكر الله أو نسمع العلم من عبد فتح عليه مولاه أو نروح النفوس ببعض الحكم الدينية التي أقرها الصالحون وكانت في عصر رسول الله وسمع مثلها حبيب الله ومصطفاه وهذه هي المجالس التي وظفوها وجعلوها لكي يدخل الإنسان في قول الله: (وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ) ولذلك سموها مجلس كما قال الله (للمتجالسين فيّ) وسيدنا رسول الله قالوا عنه وجد مجلساً للعلم إذاً فهي مجالس العلم أو مجالس القرآن وإذا كانت هذه المجالس تشمل كل ما سبق وهذا ما جعل الصالحين يحافظون على هذه المجالس لماذا؟ لأنه لا بد للإنسان من جلسات يقوى فيها قلبه وينقي فيها نفسه ويصفي فيها صدره لكي يستطيع أن يواجه أعباء هذه الحياة لكن لو أن الإنسان كرس حياته من العمل إلى المشاكل للمتاعب للأحاديث التي تعكر البال وتكدر صفو القلب ما الذي سيحدث؟ ستنتابه الأمراض وتتوالى عليه الأعراض كما نرى خلق الله الآن والذين ابتعدوا عن نهج المصطفى عليه الصلاة والسلام ولكن آباءنا رحمة الله عزَّ وجلَّ عليهم أجمعين والذين كانوا يسيرون على هذا النهج من منهم كان يذهب للدكتور؟لا أحد لأنه كان يفرغ هذه الشحنات مرتين في الأسبوع يذهب إلى المجلس فيفرغ شحنات الدنيا والمشاكل والمشاغل إلى حضرة الله والله عزَّ وجلَّ كان يتولى ببركة هذه المجالس تفريج الكروب واستجابة الدعاء وتحقيق الرجاء لكن الناس في هذا الزمان ولأنهم تعلموا العلوم الدنيوية هُيئ لكل واحد منهم أنه يستطيع أن يعمل بنفسه لنفسه كأن يستطيع أن يسعد نفسه أو يبني نفسه ويستطيع أن يؤمن أولاده فكان ما نحن فيه الآن فقد تجتهد إلى أن تجعل ابنك مهندساً أو طبيباً أو غيره وبعد ذلك أين يعمل وكيف ومن أين يتزوج؟وأين يسكن؟وذلك لأنك حملت نفسك الهم أما آباؤنا فقد تركوا الأمر على الله ولذلك لم يتعب منهم أحد أبداً وقد كنا ماشين بـالله وراضين عما يفعلوه معنا ولم يكن منا من يستطيع أن يتبرم أو يتضايق أو يطلب كذا أو كذا كما يفعل أبناؤنا الآن معنا وكانوا في راحة البال وعندما ينتهي إبنه من الدراسة يقول له تحمّل نفسك وأعطينا من دخلك ما يساعدنا على تربية إخوتك والله كان يعين الجميع لأنهم رموا الحمول على الله فتولى الأمور حضرة الله لكننا الآن أصبحنا شُطار: [إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي] فيقول أحدهم أنا شاطر وماهر وأعرف السوق وأعرف كذا وكذا وهذا موجود الآن إذاً اجتهد يا شاطر ماذا تفعل يا شاطر ؟لكن لو توكلنا على الله ومشينا على النهج الذي وضعه لنا سيدنا رسول الله سندخل جميعاً في قول الله: [وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ] وحسبه يعني كافيه ويكفيه الله عزَّ وجلَّ كانت هذه أحوالهم وكانت البركات تعم البلاد لأن رب العباد وخالق البلاد قال: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ] البركة ستنزل من فوق وتخرج من تحت لكن ستأتي الخيرات بدون بركات ماذا تفعل؟ فلن تسد ولن تمد لذلك كان آباؤنا الأولين الماشين على نهج الصالحين مسرورين وكانت أحوالهم دائماً في رضى وفي تقى وفي عزة بسر اعتمادهم وتوكلهم على رب العالمين عز وجل وكما قال الإمام علي وهذه روشتته "من أراد غنىً بغير مال وعزاً بغير عشيرة وعلم بغير تعلم فعليه بتقوى الله عز وجل"وهذا هو السلاح الأقوى الذي نستطيع به أن نواجه ظلمات هذه الحياة وكيف تأتي التقوى؟ من مجالسة الأتقياء ومن مجالسة العلماء ومن مجالسة الحكماء ومن مجالسة الأصفياء وهذه المجالسات تنزع من النفس فطرها وعواهنها وتجعل المرء مؤهلاً لأن يسير مع الله ومن سار مع الله عزَّ وجلَّ كفاه الله سبحانه وتعالى كل مؤنة وكانت أحوال البلاد في تحسن وكانت الأخلاق فيها محبة ومودة وألفة لكن عندما قلت هذه المجالس رأينا الأضغان والأحقاد والأحساد وانتشرت الشرور بغير حد في كل ربوع البلاد حتى أن الإنسان الكريم الحليم ذو الخلق العظيم يحتار في قضاء مصالحه لأنه لن يجد من يقدر هذا الخلق ويقدر هذه المكارم لأن الناس الآن كأنهم في غابة وقد يكون لسكان الغابة بروتوكولات بينهم لكننا ليس مثلهم فسلطان الغابة وهو الأسد علمه الله بسجيته وفطرته مكارم الأخلاق فإنه لا يأكل من صيد غيره فلا يأكل إلا من صيد نفسه وإذا وجد شيئاً صاده غيره تأبى عليه عزته أن يأكل منه ولا يأكل مما صاده إلا مرة واحدة ويترك باقي ما صاده للعجزة من الحيوانات التي حوله لكي يقتاتوا أين هذه الأخلاق حتى بين عظام البشر الآن؟ فحتى أخلاق أهل الغابة لم نصل إليها إلى الآن من أين يأتي مثل ذلك ؟فإن يوم الجمعة التى تكون فيه الموعظة لا يدخل أحد الجامع إلا عند إقامة الصلاة لكي لا يسمعوا الخطبة وإذا جاء حديث ديني في التليفزيون لا يسمعه أحد لأنهم يريدون المسلسل أو الفيلم ولا وقت عندهم للأحاديث الدينية مع إن الحديث دقائق معدودة ولكن لا يجد من لديه الوقت ليسمعه وإذا اشترى الصحف يكون كل همه في الكرة والتليفزيون والكلام الذي لا ينفع ولكنه قد يضر أين إذاً من يقرأ كتابه لكي يسير إلى الله ويحسن أخلاقه وأحواله مع عباد الله ؟ ولم يعد الصغير يحترم الكبير ويسمع منه النصيحة ولا الكبير يستطيع أن يقدم النصيحة لأنه ربما يواجه بشتيمة وفضيحة فأصبحت الأمور لا مرد لها إلا بالرجوع إلى أحوال السلف الصالح وأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه الكرام العظام فلا بد أن تنتشر مجالس الهدى من جديد مجالس الخير مجالس النصيحة مجالس البر مجالس الذكر الذي يرقق القلب والفؤاد مجالس الرحمة مجالس المودة وهذا هو السر في أن الله عزَّ وجلَّ أمنا ووجه الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم النصائح والأحاديث المتتالية إلينا للمداومة على هذه المجالس والمداومة على سماع هذه النصائح لكي نجدد أحوالنا ونستغرق أوقاتنا في طاعة الله وننتشل أنفسنا من ظلمات ومشاكل ومتاعب وعناء هذه الحياة فنكمل المسيرة إلى الله فإذا خرجنا من الدنيا فرحنا وقلنا كما قال كتاب الله: [الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ] يتبع إن شاء الله
-
البذل فى الله "والمتباذلين فيّ" ورد عنهم أنهم كانوا إذا اجتمعوا لم يتفرقوا إلا على ذواق أي شيء يذوقونه قد يكون تمراً وقد تكون فاكهة وقد يكون طعاماً المهم أنهم يجتمعون على شيء يتذوقونه فيما بينهم لأن الرحمة تتنزل عليهم وهم يتناولون أقوات الله لأنهم يشكرون الله على عطاياه وفيهم يقول حبيب الله ومصطفاه من أكل مع قوم مغفور لهم غفر الله له وكان هدفهم نوال مغفرة الله وليس من اجل الأكل والشرب وهؤلاء القوم من أجل ما بيّن الله تآخوا في الله لكي يحوزوا هذه المكرمات وينالوا هذه الدرجات العظيمات ويكونون من المعنيين بقول الله: ( الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) ومن أجل أن تتحقق الإخوة يجب كما قلنا أن تكون المحبة في الله ولله وأن يكون هناك تجالس في الله وتزاور في الله وأن يكون هناك عمل بقول حبيب الله ومصطفاه: {تهادوا تحابوا}[1] وفى الرواية الأخرى: ( توادوا تحابوا ) يجب أن يكون هناك مودة لكي تنتشر المحبة بين الأحبة توادوا تحابوا وكذلك يلزم البذل لأن أهل المدينة فازوا وجازوا ببذلهم وإيثارهم ووقايتهم لشح أنفسهم وقد قال الله في شأنهم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ) ما صفاتهم؟ (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ثم حكم الله لهم بالفلاح فقال في شأنهم: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) لماذا حبب الله عزَّ وجلَّ ورغب رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في مجالسة المؤمنين لبعضهم ؟ إذا كان نبي الله وكليم الله سيدنا موسى عليه السلام عندما توجه إلى مولاه وناجاه وفتح الله له باب الإجابة وأمره أن يعرض طلباته ويتحقق أنها مستجابة ماذا طلب من الله ؟ لم يطلب داراً ولاعقاراً ولا مالاً ولا شيئا من طغام الدنيا وحطامها الفاني لأنه يعلم أن هذه الأمور انتهى منها الله قبل خلق الكائنات فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: { إن الله خلق الدنيا وقدر فيها أقواتها قبل خلق آدم بألفي عام }[2] وكل واحد له رزقه المقسوم والمعلوم الذي خصصه له الحي القيوم ماذا طلب؟اسمعوا إلى أعز طلب طلبه من الله: [قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي] كل طلب مما سبق كلمة واحدة لكن انظروا إلى الطلب القادم [وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي] من الوزير؟ [ هَارُونَ أَخِي] وأخذ يذكر المبررات لكن الطلبات السابقة كان يطلب الطلب وحسب مثل اشرح لي صدري ويسر لي أمري وحسب لكنه هنا جاء بالمبررات هارون أخي لماذا ؟ [اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراًوَنَذْكُرَكَ كَثِيراً] إذاً سر الأخوة التي طلبها سيدنا موسى وفقط من أنبياء الله ثلاثة : شد أزر الإنسان ويشارك الإنسان في أمره ويشاوره في آرائه وفي أحواله فيستبين وجه الصواب: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ] وكذلك يساعد الإنسان على ذكر الله والتسبيح لله أيحتاج كليم الله إلى أخ يعينه على ذكر الله ؟ نعم إذاً ماذا نحتاج نحن ونحن الضعفاء؟ [وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى] لأنه قد فتح له باب الإجابة ولذلك سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نور الوجود وباب السعود لكل موجود وكنز الحق المشهود والرحمة العظمى التي هي أغلى لنا وعندنا من الآباء والجدود والذي أعطاه الله كنوز العطاء وأمره أن يتصرف فيها بغير حدود ومع ذلك جاء بإخوانه وأمرهم أن يتآخوا على أن يكون لكل واحد أخ على الأقل في الله وهو بينهم وذلك عندما هاجر إلى المدينة ألم يأمر أن يكون لكل واحد أخ ؟ ماذا يفعل الأخ؟ قال: يشاركه يحضر واحد منهم المجلس مع رسول الله ويكون الآخر في عمله أو في راحته ثم بعد ذلك يذهب هذا لعمله ويحضر الآخر لكي لا يفوت الاثنين شيء ويخبر الشاهد الغائب في أثناء غيابه بما شاهد وما سمع من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ويعينون بعضا ويشدون أزر بعض وقد قام بمؤاخاتهم إلى أن بقى سيدنا الإمام علي ولم يتبق له أخ فقال لسيدنا علي: {أنت أخي في الدنيا والآخرة أنت مني بمنزلة هارون من موسى }[3] إذا كان من رفعه الله ورفع شأنه وقدره وقال له في صريح القرآن [وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ] جعل لنفسه أخاً يؤاخيه في الله فكيف بالواحد منا يعيش في هذا العصر عصر الظلمات والحظوظ والأهواء من غير أخ إذاً سيسقط في أقل فخ من التي ينصبها الشيطان ومن التي تعينه فيها النفس التي وصفها الرحمن بأنها أمارة بالسوء من الذي سينبه الإنسان؟ إنه الأخ المذكر وهو من إذا نسيت ذكرك وإذا ذكرت أعانك، سيدنا عمر ذهب الأخ الذي آخاه في الله إلى بلاد الشام فسأل عنه فجاء من يخبره بأنه يتعاطى الخمر فقال عمر: أعطوني ورقة وقلماً وكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم [حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ] وتحت الآية كتب إذا بلغك كتابي هذا فانزع عما أنت فيه وتب إلى ربك عز وجل، لماذا؟ كانوا جميعاً يقولون "أخذ علينا العهد من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن ننصح لكل مؤمن" لماذا نتآخى إذاً؟ لكي ننصح بعض هل ننصح بعض بالدنيا؟إن الدنيا لا تحتاج من أحد أن ينصح الآخر فيها فلو ترك الإنسان أمر الدنيا لنفسه فإن نفسه تعرف حيل الدنيا وخدعها جيداً ، لكن يجب أن تكون النصيحة في التعريف بالدنيا حتى لا تضحك علينا وتشغلنا عمن يقول للشيء كن فيكون ونقول كما قال الله في شأن قوم : [لعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] أو يقول الإنسان عند خروجه من الدنيا [أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ] فالمهم أن تعرف منزلتك عند خروجك من الدنيا؟ فإذا كان معك خمسين دكتوراه من الدنيا فإنها كلها زائلة وباطلة لكنك عند خروجك من هنا وعند باب جمارك البرزخ تجد مكتوباً [هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ] ما درجة هذا القادم لكي يستقبلوه ؟يا ترى هل يأتي الجماعة المخبرين لكي يقبضوا عليه؟وهذا واردأو يا ترى هل سيأتي جماعة من ملائكة الرحمة ليستقبلوه؟أو يا ترى هل سيأتي زعماء الملائكة لكي يعظموه؟أو يا ترى هل سيأتي الصالحين والنبيين لكي يبشروه ؟ أو يا ترى سيأتي الأمين جبريل والحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لكي يهنئوه؟وكل واحد على حسب درجته ومنزلته: [هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللّهِ] فدرجتك هي ما قدمت يداك وما قدمته لمولاك: [وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ] فقد أخذوا العهد على بعضهم أن ينصحوا بعضهم البعض لكن من يقول لا شأن لي فهذه ليست إخوة في الله ولله ولكنها أحوال البطالين وقريباً والعياذ بالله من أحوال المنافقين ولكن أحوال المؤمنين هي "الدين النصيحة" ومن لا يقبل النصيحة فليس منهم: [وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ] فإن هذا والعياذ بالله ليس من صفوف المؤمنين لأن المؤمن يقبل النصيحة من أخيه حتى ولو كان أقل منه وكان سيدنا عمر يقول: "رحم الله امرءا أهدى إليّ عيوب نفسي" ولذلك عندما ذهبت النصيحة لمن يتعاطى الخمر قال: جزى الله عمر عني خيراً تبت إلى الله ورجعت إلى الله وأنبت إلى الله وعاهد الله ألا يعود لهذا الذنب مرة أخرى أبداً وهذه كانت أحوال أصحاب رسول الله ولهم في هذا المجال أمثلة لا تعد ولا تحد يضيق عن ذكرها المقال ولكنها موجودة في صحف السيرة العطرة وطبقات الصحابة. يتبع إن شاء الله [1] عن أيى هريرة ، سنن البيهقى الكبرى . [2] المستدرك على الصحيحين للحاكم عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما [3] المستدرك على الصحيحين للحاكم ، عن ابن عباس
-
منهاج الأخوة في الله وضع الحبيب المنهاج لهذه الأخوة فقال في شأنها صلوات ربي وتسليماته عليه: {أخوك من إذا نسيت ذكرك وإذا ذكرت أعانك }[1] وهو بذلك يشرح كتاب الله فإن الله عندما بين للأمة كلها من بدء البدء إلى نهاية النهايات سبب خطيئة آدم التي بها أُخرج من الجنة فإنه أُخرج من الجنة بذنب واحد فكيف يطمع غيره ونطمع نحن أن ندخلها على الرغم من أننا نرتكب قناطير من الذنوب في كل يوم والذنب الذي ارتكبه تاب عليه الله وقبل منه توبته ونحن ربما نسهو عن الذنوب ولا نتوب منها بل ربما بعضنا أن ذنوبه حسنات ويفتخر بها ويتباهى بفعلها بين خلق الله فذكر الله خطيئة آدم وذكر سببها وبين علة فعلها حتى لا نقع فيها فقال عزَّ شأنه عن آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام: [وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً] ما هو سبب الذنب؟ النسيان وفتور العزيمة، فجاء الحبيب وهو الطبيب الأعظم والمعلم الأكرم بالروشتة التي تعالج هذه الأدواء فقال: { خوك من إذا نسيت - وهذا علاج النسيان [فنسي..]- من إذا نسيت ذكرك – وعلاج وخور العزيمة وضعف العزيمة – وإذا ذكرت أعانك } إذاً فعلاج هذه الأدواء هو الأخ الصالح الناصح الذي يقول فيه الإمام عمر بن عبد العزيز "عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم فإنهم عدتك عند البلاء وعونك عند الرخاء" عند البلاء تجدهم معك يشدون عضدك وأزرك حتى لا تقع في سخط الله بل تتجمل بما يحبه الله ويرضاه وعند الرخاء يطلبون منك ألا تقف عند النعمة وتنسى المنعم فـ (إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى) بل يطلبون منك كلما توافرت النعم أن تزيد من شكر المنعم حتى تدخل في قول الله: [لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ] إذاً لا بد من المجالسة والمجالسة يقول فيها الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم ما معناه: {يسأل المرء عن صحبة ساعة} يعني بذلك أنك لو صحبت رجلاً في الله ولله لمدة ساعة فإنك تسأل عن هذه الصحبة يوم القيامة إذا مرض ولم تعده وإذا غاب عنك ولم تزره ولم تتفقده وإذا احتاج ولم تعنه وإذا كان مسرورا ولم تشاركه وإذا كان مهموماً مغموماً ولم تخفف عنه كل هذه مسئوليات أوجبها عليك الله وحقوق سنّها لنا حبيب الله ومصطفاه لأنها حقوق الإخوان والإخوة في الله جل في علاه فلا بد من المجالسة والمجالسة تحتاج إلى التزاور -- والمتزاورون فيّ – لا بد أن نزر بعضنا بعضاً والزيارة وما أدراك ما الزيارة قل فاعلها في هذا الزمان وظن الناس أنهم استغنوا بمالهم وبمناصبهم وبجيوبهم وبأولادهم عن الإخوان في الله وهذا لا يكون أبداً يكفي لمن يزور في الله قول حبيب الله ومصطفاه فى الحديث المشهور الذى معناه وقد ورد بطرق عديدة و روايات متعددة: { زر في الله فإن من زار أخاً في الله شيعّه سبعون ألف ملك يقولون له طبت وطاب ممشاك وطابت لك الجنة } سبعون ألف ملك يحفون بالعبد إن ذهب لزيارة أخ له في الله من مثلهم؟ لا يوجد حتى في زعماء الوجود من يمشي في ركابه سبعون ألف من هؤلاء الجنود الذين عينهم الواحد المعبود وطاقاتهم وقدراتهم بغير حدود فإن واحداً منهم حمل على ريشة واحدة من جناحه وله سبعون ألف جناح مدائن لوط كلها وهي سبع مدائن بما عليها من رجالها ونسائها وبيوتها وحيواناتها إلى السماء السابعة وقلبها في الأرض وصارت بحراً ميتاً إلى يومنا هذا وهو جندي واحد من هؤلاء الجنود {زر في الله فإن من زار أخاً في الله شيعه سبعون ألف ملك يقولون له طبت وطاب ممشاك وطابت لك الجنة} ألا تريد أن تقال لك هذه الكلمات في كل يوم أو في كل اسبوع على الأقل مرة ولا يجب أن يترك المؤمن هذا العمل لأن معه هذا الأمل يريد أن يسمع دعوات ملائكة الله الذين استجاب لهم الله ويستجيب لهم عندما يدعون للرحماء من خلق الله بل إن الله يقيض لمن يذهب لزيارة أخ له في الله ملائكة يعترضون سبيله وإن كنا لا نراهم بأعيننا لكن أهل الحقائق يرونهم بأبصارهم ويسمعون عذب كلماتهم ويقول في شأنهم الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم فمعنى الحديث { زار أخ أخاً له في الله فاعترضته ملائكة الله وقالوا له أين تذهب؟ فقال: لزيارة أخى في الله فلان فقالوا له: هل لك عليك من نعمة تربها يعني تطلبها؟ قال: لا قالوا له:أبشر فإن الله يخبرك أنه يحبك كما أحببته في الله} يبشرونه بأن الله يحبه لأنه يعمل العمل الذي يحبه الله وهو التآخي في الله وتنفيذ قول الله: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] هذه هي الإخوة التي حببها وعضدها كتاب الله وعززها وفعلها وعمل بها ومدح صانعيها وأهلها سيدنا رسول الله وثواب الإخوة في الله لا يستطيع واحد من الأولين والآخرين أن يبين مداه لأنه في الله ولله وأجره على الله يكفيهم أنهم يوم الدين يجمعهم الله على رؤوس الخلائق أجمعين ويناديهم كما قال في قرآنه العزيز وكلامه العذب الوجيز: [يا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ] لا تخافون على شيء ولا من شيء وإذا أمر بهم إلى دار النعيم فإن من كمال التكريم من الرب الرؤوف الرحيم أن يدخلهم معاً يذهبون فوجاً واحداً {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً } والتفت إلى معنى الآية فإنهم لا يحشرون إلى الموقف ولا لأرض الحساب ولا للميزان ولا للصراط وإنما يحشرون للرحمن هم وفود الرحمن عزَّ وجلَّ الذين يجلسون على منابر من نور قدام عرش الرحمن لا شأن لهم بالحساب ولا بالميزان ولا بالصراط ولا ما سوى ذلك لأن الله شملهم برعايته وجعلهم في الدنيا من أهل عنايته وفي الآخرة من أهل سعادته وفي الجنة من أهل النظر إلى جمال طلعته فإذا أكرموا بنظرة منه وأمر بهم على تمام التكريم في دار النعيم المقيم: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) كذلك يمشون مع بعضهم حتى ورد أن الحبيب صلوات ربي وتسليماته عليه قال فيمن كانوا متآخين في الدنيا ويتجالسون ويتزاورون فيما بينهم عندما يقال لأحدهم ادخل الجنة، فيقول يا رب أين أخي فلان؟ فيقول الله تعالى: إنه لم يعمل مثل عملك فيقول: يا رب إني كنت أعمل لي وله "يعني إقسم عملي بيننا نحن الإثنين" فيقول الله تعالى: خذ بيد أخيك وادخلا معاً الجنة، وهذا ما جعل الصالحين قديماً وحديثاً يقولون الناجي منا يأخذ بيد أخيه فإن هذه الجلسات هي التي يقول فيها الله لملائكته من فوق السبع طباق "هم القوم لا يشقى جليسهم" [2] فمن يجلس معهم لا يشقى أبداً يعطيهم الله ما يطلبون ويؤمنهم مما يخافون فيقولون: يا ربنا إن فيهم فلاناً ليس منهم وإنما جاء لحاجة فيقول الله تعالى: { هم القوم لا يشقى جليسهم } فمن يجلس معهم يسعد بسعادتهم ولذلك كان القوم يقولون اللهم لا تجعل في حضرتنا شقياً ولا محروماً لأن الخير الذي ينزل من الله والعطاء الذي يتنزل من فضل حبيب الله ومصطفاه يعم الجميع لأن الكريم كرمه واسع لا يحد. يتبع إن شاء الله [1] الأخوان لإبن أبى الدنيا عن الحسن . [2] صحيح مسلم عن أبى هريرة ,
-
أوصاف المحبوبين لِمَ حبّب الله عزَّ وجلَّ المؤمنين في مجالسة بعضهم؟ بل وبين الدرجات العالية والمقامات الراقية التي أعدها لهم حتى قال عزَّ شأنه وهو الغني ونحن الفقراء إليه في حديثه القدسي المشهور: ( وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتباذلين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ) الله عزَّ وجلَّ الذي لا يُسأل عما يفعل والذي يهيمن ولا يهيمن على قراره ولا على فعله ولا تصرفه أحد لأنه وحده هو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له في فعله ولا معاون له في تصريف أمره ولا راد لحكمه لأنه حكم عدل قيوم قوي لطيف خبير يوجب على نفسه أن يحب قوماً ما أوصافهم؟ وما سماتهم ؟ وما علاماتهم ؟ قد أجملها الله عزَّ وجلَّ في هذا الحديث القدسي العظيم (المتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ والمتحابين فيّ) أربعة أوصاف وأربعة علامات وضعها الله ومن يتجمل بها فإن الله لا بد وأن يحبه ومن يحبه الله ما الذي له عند مولاه؟يكفيه تيهاً وشرفاً وفخراً قول حبيبه ومصطفاه: { إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب}[1] فإن الله يقول في شأنه: [أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ] يتقبل الله منهم أطيب الأعمال وأفضل الأقوال ويتجاوز عما سوى ذلك لأنه وعد بذلك وهو عزَّ وجلَّ لا يخلف الميعاد، من هم هؤلاء القوم؟ إن أول أوصافهم وأهم علاماتهم أنهم يتحابون في الله لا لعلة ولا لغرض ولا لمصلحة عاجلة أو آجلة وإنما محبتهم لبعضهم في الله ولله "وجبت محبتي للمتحابين فيّ" أي المتحابين في الله ولله يا بشراهم بقول حبيب الله ومصطفاه صلوات ربي وتسليماته عليه إذ يقول ( إن لله عباداً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء لمكانتهم وقربهم من الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة) فقال أصحابه رضوان الله عليهم : يا رسول الله أناس ماهم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء صفهم لنا وفي رواية جلّهم أي وضحهم لنا فقال حبيبي وقرة عيني صلَّى الله عليه وسلَّم: ( هم أناس من أمتي من قبائل شتى وبلدان شتى توادوا بروح الله على غير أرحام بينهم) _ فلا نسب بينهم ولا عائلة – ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم فلا تجارة ولا مصلحة ولا منفعة -( تواودوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فيما بينهم)[2] وأقسم حضرة النبي وهو الذي يقسم ويقول: ( فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور قدام عرش الرحمن يوم القيامة يفزع الناس وهم الآمنون ويخاف الناس ولا يخافون) ثم تلا قول الله تعالى: [أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] فيا بشرى لمن يتحابون في الله فإن لهم هذه المنزلة العظيمة يكونون على منابر من نور قدام عرش الرحمن ومعهم لواء الأمان لأنهم تحابوا في الله على غير أرحام ولا نسب ولا منافع ولا أي أمر من أمور الدنيا وإنما محبتهم في الله ولله هذه المحبة بين الأحبة حتى تتوثق رابطتها ويقوى شأنها ويجمع الله الأحوال الطيبة التي كانت في أصحاب الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم لأهلها يلزم عليهم أن ينفذوا بقية الحديث : للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ أي لا بد أن أن يتجالسوا ليتعاونوا على البر والتقوى وليعين بعضهم بعضاً على طاعة الله وتقوى الله في ظلمات هذه الحياة فإن المؤمن وخاصة في هذه الظلمات الحالكة التي قال فيها الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم: {ألا إنها ستكون فتن كقطع الليل المظلم}[3] يحتاج لمن يقوي عزيمته ويحتاج لمن يشد أزره ويحتاج لمن يقوي شكيمته في الحق ويحتاج لمن يحبب له طريق الصدق ويحتاج لمن يحبب إليه الفضائل والمكرمات التي كان عليها سيد السادات.فلا بد له من مجالسة الإخوة الصالحين الذين يعضدونه ويشدون أزره حتى يتغلب على متاعب هذه الحياة وإلا هوى في واد سحيق فإن الدنيا مليئة بالحظوظ والأهواء والمنافقين والكاذبين وغيرهم من الذين يزينون الباطل ويبخسون الحق ويجعلون أهل الحق إذا لم يجالسون بعضهم ويقوي بعضهم بعضاً يرتج عليهم حالهم والواحد منهم يتزلزل في نفسه وربما من شدة زلزلته يحتجب في بيته يظن أنه على الباطل وغيره على الحق لأنه يرى الباطل لجلج فالباطل هو الظاهر وهو القوي فلا بد أن يتجالسوا ليشدوا أزرهم. يتبع إن شاء الله [1] حلة الأولياء وشعب الإيمان للبيهقي عن عاصم عن الشعبي [2] مسند أحمد بن حنبل وسنن أبي داود والترمذي الجامع الصحيح عن عمر بن الخطاب وأبي مالك الأشعري [3] المعجم الكبير للطبراني ومسند أبو يعلى الموصلي عن جندب بن سفيان
-
جمال التوابين لكي أتجمل بأحوال الصالحين لا بد على الفور أن أترك أحوال الجاهلين والبطالين والعصاة والمذنبين والغافلين جملة واحدة واقبل على الله بالكلية فالعبد الذي يريد أن يحبه الله عزَّ وجلَّ عليه أن يحاسب نفسه أولاً ويتوب من الذنوب ثم يطهر نفسه من العيوب ويجمل نفسه بجمال الحبيب المحبوب ومن ينظر لعيوبه فلن ينظر لعيوب غيره "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس" ويقيس نفسه بالحبيب ولذلك فلن يجلس في أي مجلس ويفتش في عيوب إخوانه ويقول أحد الصالحين في ذلك: "تبصرك فيما فيك يكفيك" فإذا تاب من العيوب وتجمل بجمال الحبيب المحبوب يحاسب نفسه على الغفلات واللحظة التي تمر عليه وهو في غفلة يحاسب نفسه عليها حساباً شديداً ثم يحاسب نفسه على الخطرات والخاطر الذي يمر بغير ذكر الله يقول فيه أحد الحكماء: وإن خطرت لي في سواك إرادة ..... على خاطري نَفَساً حكمت بردتي والردة هنا معناها أن يرجع مرة أخرى لأول الطريق فشتان بين مؤمن يتوب من زلاته وبين مؤمن يتوب من رؤية التقصير في طاعاته وبين مؤمن يتوب من نسبة الطاعات إلى ذاته وبين مؤمن يتوب من غفلاته ومؤمن يتوب من خطراته وكل هذه اسمها توبة لكن هذه غير هذه إذاً فإن مقام التوبة لا ينتهي أبداً وطالما أن الإنسان يريد الله فلا يترك التوبة طرفة عين ولا أقل لأن الله يقول: [إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] وليس المقصود من المتطهرين من يطهرون الجسم بالماء و فقط ولكن هناك حكمة عالية قد فسرها لنا أحد الحكماء فقال: إن ما يطهر الإنسان أن يتذكر أصله ما أصله؟ ماء مهين أو سلالة من طين فعندما يتذكر أصله ويرجع له يتبين له أنه تراب وهل التراب يسمع أو يبصر أو يتكلم ؟ أبداً فأنت من ماء مهين أو من تراب وطين وكل ما زاد عن الماء المهين وعن التراب والطين فهو جمال رب العالمين فلماذا تنسبه لنفسك ؟ إنه من الله فلا تقول صوتي ولا علمي ولا نظري ولاعقلي ولا فكري فكل ذلك يجب أن تكون نسبته لله جل في علاه إذاً الطهارة ليست طهارة الجوارح بالماء ولكن طهارة القلب بالكلية من جميع الأمراض التى نعى الله على أهلها في الآيات القرآنية وقال في شأنهم: [فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً] فهناك طهارة للصلاة وهناك طهارة للصلة بالله وطهارة الصلة بـالله هي طهارة القلب من كل ما سواه فيطهر القلب من الأحقاد والأحساد والغل والكره والأثرة والأنانية وكل الذنوب والصفات على إختلاف أنواعها والذنوب أنواع فهناك ذنوب إبليسية وهناك ذنوب حيوانية وهناك ذنوب جبروتية وهناك ذنوب سبعية والذنوب الحيوانية هي التي يتشبه فيها الإنسان بالحيوان وهي والعياذ بـالله الزنا وعمل قوم لوط وما شابه ذلك من هذه الذنوب والذنوب الإبليسية كالمكر والخديعة والإيقاع بين خلق الله والمشي بين الناس بالغيبة والنميمة وما شابه ذلك والذنوب السبعية هي كالإختيال بالقوة والفخر بالأحساب والأنساب والتطاول على خلق الله تارة بلسانه وأحياناً بيده وأحياناً بماله وأشدها وألعنها وأقواها الذنوب الجبروتية وهي التي يشارك فيها الإنسان الذات العلية في الأسماء التي لها خصوصية كأن يتكبر على خلق الله أو أن يتعالى على كل ما سواه ولا يكون عنده تواضع للفقراء والمساكين من عباد الله لأن الله يقول في حديثه القدسي: (الكِبْرِيَاءُ رِدَائي، والعظَمَةُ إزارِي، فَمَنْ نَازَعَني واحِداً منهما، قَذَفْتُهُ في النَّارِ)[1] ويقول أحد الصالحين : ألا من يكن في قلبه بعض ذرة .... من الكبر والأحقاد ما هو ذائق فيلزم للإنسان أن يتطهر من كل هذه الصفات وكل هذه الفعال فيطهر القلب ثم يطهر السر من جميع الأغيار حتى لا يكون فيه إلا العزيز الغفار ويطهر الروح من الوقوف حتى مع الفتوح يعني لو فتح الله عليه بالعلم مثلا ووقف مع الفتح فقد ضيع نفسه لأنه سيرى أنه من أهل الفتح ويريد من الناس أن تثني عليه بسبب الفتح وتقبل عليه بسبب الفتح ونسي أن الفتح من الفتاح إن شاء أبقاه وإن شاء زاده وأغناه وإن شاء خلاّه وهي إرادة الله جل في علاه إذن الطهارة هنا ليست طهارة الظواهر فقط ولكنها طهارة الظواهر وطهارة البواطن وهي ما يريدها الله ولذلك قال الله في المتطهرين الذين يتطهرون من كل هذه الأشياء: [فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ] يتبـــــــــــع إن شــــــــــــــاء الله المصدر: كتاب كيف يحبك الله للأستاذ فوزي محمد أبوزيد [1] صحيح ابن حبان عن أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال : فيما يَحْكِي عن ربِّه جَلَّ وعلا
-
دوام التوبة التوبة مقام عظيم يجب على كل مؤمن كريم أن يجعل له نصيباً فيه طالما كان في العمر بقية ولا يوجد واحد من المقربين أو من الواصلين أو من العارفين يترك مقام التوبة طرفة عين ولا أقل بل إن التوبة تلازم جميع المقامات لكن بحسب المقام الذي أنا فيه تكون التوبة وحتى ينال الإنسان بالتوبة حب الله شرطها أن تتغير أحوال التائب من الأحوال التي كان عليها إلى الأحوال التي يحبها الله ولكن يقول إني تبت وهو على ما هو عليه لا ينفع والدكتور عبدالحليم محمود رحمة الله عليه كان له تعليق لطيف في هذا الموضوع قال فيه: بدأ الإمام القشيري تراجمه (وتراجم يعني سير الصالحين) بسيرة إبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وغيرهم ممن كانوا في أوحال الذنوب حتى يفتح الباب للمريدين ويبسط المقام للمحبين ليعلموا أن الله عزَّ وجلَّ إذا شاء يبدل السوء بحسنات وكان إبراهيم بن أدهم ابن ملك خوارزم في بلاد فارس وخرج يوماً للصيد وبينما هو يركب فرسه ويجري وراء أرنب بري لصيده إذا بالسرج ينطق ويقول: يا إبراهيم ألهذا خلقت؟ أم بهذا أمرت؟- وذلك حتى نعلم أن التوبة تأتي من الله وإذا أراد الله فلا راد لقضاءه - فنزل من على الفرس وقد وجد حارساً يعمل عند أبيه فأعطاه بزته أي بدلة الأمراء وملابسه وسلاحه ولبس حلته وهاجر إلى أرض الشام وبدأ توبته إلى الله وله من الأحوال الخارقة والكلمات الصادقة ما تتحير فيه العقول ولا وقت لسرد ذلك الآن لكن حبذا لو اطلعتم على سير هؤلاء الرجال فقد قال أحد الحكماء: حكايات الصالحين جند من جنود الله تسوق المؤمنين إلى حضرة الله جل في علاه وقد استنبط ذلك من كتاب الله ، فلِمَ قص الله قصص الأنبياء والمرسلين؟ [لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ] وكذلك الفضيل بن عياض هو الرجل الذي ذهب إليه هارون الرشيد في مكة ليستأذنه في زيارته فرفض ماذا كانت بداية أمره؟كان قاطع طريق وله عصابة يرأسها وفي يوم ذهبوا للسطو على منزل ووقف على سطح المنزل يوجههم فسمع قارئاً يقرأ قوله تعالى: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ] فخارت قواه وجلس في مكانه وقال: "آن يا رب"وخرج تائباً وذهب إلى مكة وظل حتى استأذن الرشيد عليه ليزوره فلم يأذن له فلماذا سرد القشيري هذه الحكايات ؟لأن التوبة هنا صاحبها بدل حاله وغير وضعه لأن شرط التوبة أولاً أن يندم على ما فعل ويشعر قلبه بالوجل والخوف من الله وأن يقلع عن الذنب فوراً لكن يتوب ثم يرجع للذنب إن هذا استهزاء بحضرة الربوبية لكن عليه أن يقلع فوراً عن الذنب ويعزم عزماً أكيداً أن لا يرجع إلى هذا الذنب مرة أخرى إذا كان هذا الذنب بينه وبين مولاه أما إذا كان هذا الذنب حقاً من حقوق العباد فلا بد أن يرده إلى صاحبه إن كان مالاً وصاحبه حي أو له ورثة فعليه أن يرده له أو لورثته وإن كان لا يعرف أين ذهب ولا يعرف له ورثة فيتصدق عنه وإن كان اغتابه في مجلس فلا بد أن يمدحه ويثني عليه في نفس المجلس حتى تُذهب الحسنات السيئات مصداقاً لقول الله [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ] فكل مجلس قدحه وذمّه فيه يسارع إلى مدحه والثناء عليه فيه ليكفر هذا الذنب الذي فعله وكان أحد الصالحين حاكماً لولاية من ولايات العراق ورزقه الله نضرة الصالحين وأسرار المقربين وعندما وافته المنية أخذ يبكي بكاءاً شديداً فسألوه لم تبكي؟ قال: والله ما أبكي لذنب فما فعلت ذنباً قط قالوا: إذاً لم تبكي؟ قال: لأني أخذت درهماً غصباً من رجل وأنا في ولايتي فبحثت عنه سنين فلم أجده فتصدقت عنه بألوف ولكني أخــاف أن يطالبني صاحب هذا الدرهم بدرهمه يوم القيامة وهذه هي أحوال العارفين فهل تريد أن تكون من الصالحين و العارفين وأنت تأكل حقوق العباد والمساكين هنا وهناك؟ لا يجوز هذا ولكن يجب أن نمشي خلف رسول الله فإن الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم بذاته وقف قبل المعركة بين أهله وأحبابه وأتباعه وقال لهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِني قَدْ دَنَا مِني حُتُوفٌ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرَاً فَهذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ مِني ، أَلاَ وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضَاً فَهٰذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ مِني وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالاً هذَا مَالِي لِيَسْتَقِدْ مِني }[1] إذا كان رسول الله الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم والذي كان يقول في حديثه الآخر {اللهم إني أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْداً لَنْ تُخْلِفْنِيهِ إنَّما أنا بَشَرٌ فأيُّ المؤمِنِينَ آذيْتُهُ أوْ شَتَمْتُهُ أوْ جَلَدْتُهُ أوْ لَعَنْتُهُ فاجْعَلْهَا لَهُ صَلاَةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ }[2] ودعاؤه مستجاب ومع ذلك يطلب من إخوانه أن يتحلل وأن يحللوه وأن يسامحوه فما بالنا نحن ؟ إن الإقتداء بهديه صلَّى الله عليه وسلَّم في ذلك أوجب علينا لأن حقوق العباد شرط لمحبة رب العباد: [إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ] إذاً فقوله تعالى: [فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ] تفسيرها أن سيئة يرجو المرء غفرانها فعليه أن يعمل الحسنة التي بها يتم غفران الله عزَّ وجلَّ له وذلك كما قلنا فإذا اغتاب رجلا في مجلس فعليه أن يثني عليه ويمدحه في نفس المجلس ولا يكون ذلك كما يفهم البعض أن يبدل الله السيئات بحسنات دون أن يرد حقوق العباد فهذا لا يكون ولكن عليه إذا أخذ حقاً من إنسان أن يرد هذا الحق لهذا الإنسان لكي يبدل الله سيئاته بحسنات وإذا شتم عبداً يطلب منه أن يصفح عنه وأن يعفو عنه ويسامحه فعلى الإنسان عند كل ذنب يريد أن يتوب منه أن يحدث له عملا صالح يجعل الله عزَّ وجلَّ يعفو عن هذا الذنب فيبدل الله سيئاتهم حسنات لأن البعض يفهم خطأ أن الله يأتي بالصحيفة إذا كان فيها مثلا خمسمائة سيئة يبدلها بخمسمائة حسنة كيف يكون ذلك؟ لكن أنت الذي تغير: [إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ] فإذا أغضبت واحداً واشتكى لحضرة الواحد وتبت وأنبت إلى الله وحججت بيت الله لكنك لم تصلح هذا العبد ولم ترجع إليه ليسامحك كيف يبدل الله هذا الذنب بحسنة وهو مصر على حقه؟ لا بد أن تعمل له حسنة تجعله يصالحك ويسامحك والله ينظر إليك فيبدل الذنب بحسنات لأنك فعلت الحسنات التي بها يتم غفران هذا الذنب عند الله وعندما يلاحظ التوابون هذه المعاني يلاحظ الواحد منهم نفسه وحركاته وسكناته فيعقل كلماته ويقنن أفعاله وحركاته حتى لا يقول كلاماً يغضب الأنام فيتحير في هذا الأمر في الدنيا ويوم الزحام ولا يفعل فعلاً لا يستطيع رده ولا مراجعته ما الذي يجعل الصالحين يمشون على الصراط المستقيم؟أن الرجل منهم يحاسب نفسه على الأقوال وعلى الأفعال وعلى النوايا وعلى الطوايا لأنه إذا استحدث نية سيئة فهذا ذنب ولكي يتوب إلى الله من هذا الذنب: [وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ] فلا بد أن يستحدث نية طيبة لكي يغفر الله النية السيئة الأولى بالنية الطيبة وهذا هو حال الصالحين لكن هل بمجرد أن يقول تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت تتم التوبة؟ لا ولكنها تتم لمن يكون أساساً ملفه خالي من أي قضية أو جنحة أو جناية أو ما شابه ذلك والمؤمنون الصادقون يحاولون دائماً أن يغيروا ما بأنفسهم ولذلك إذا نظرت إلى مجاهدات الصالحين تجد فيه العجب العجاب لماذا؟لأنهم يجاهدون في مراجعة الذنوب والعيوب ويحاولون أن يفعلوا الأحكام والأفعال التي يستوجبون بها رضى علام الغيوب عزَّ وجلَّ فيحكموا على أنفسهم بهذه الأعمال لكي يستوجبوا رضا الواحد المتعال عز وجل يتبـــــع إن شــــــــاء الله [1] جامع الأحاديث و المراسيل وَالأَوْسط بنحوِهِ وَأَبُو يعلٰى بنَحْوِهِ عَنِ الْفضل بن عبَّاس إكماله ( لاَ يَقُولَنَّ رَجُلٌ إِني أَخْشٰى الشَّحْنَاءَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ الله أَلاَ وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ طَبِيعَتِي وَلاَ مِنْ شَأْنِي أَلاَ وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مَنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ أَوْ أَحْلَلَنِي فَلَقِيتُ الله وَأَنَا طَيبُ النَّفْسِ أَلاَ وَإِني لاَ أَرٰى مُغْنِيَاً عَني حَتىٰ أَقُولَ مِرَارَاً يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَرُدَّهُ ، وَلاَ يَقُلْ فُضُوحُ الدُّنْيَا ، أَلاَ وَإِنَّ فُضوحَ الدُّنْيَا أَيْسَرُ مِنْ فُضُوحِ الآْخِرَةِ [2] مسند الإمام أحمد عن هَمّام بن منبِّه قال: هٰذا ما حدثنا به أبو هريرة
-
يِحُبُّ التَّوابين و يحبُّ المتطهرين خرج النبى على أصحابه ذات يوم وهم يتحدثون عن أنبياء الله السابقين وكان أصحابه ملهمين فما تحدثوا به هو الحقيقة التي اختارها الله ونزلت في كتابه المبين فقال بعضهم: عَجَباً إنَّ الله عزَّ وجلَّ اتّخَذَ مِنْ خَلْقِهِ ابراهيم خَلِيلاً وَقالَ آخَرُ: مَاذَا بِأَعْجَبَ مِنْ كَلاَمِ مُوسَى كَلَّمَهُ تَكْلِيماً وقَالَ آخَرُ: فَعِيسَى كَلِمَة ُالله وُروحُهُ وَقالَ آخَرُ: آدَمُ اصْطَفَاهُ الله.- فسمع الحبيب وهو في داره هذا الحوار فانشرح صدره وارتاح فؤاده لأنه علم أنهم يستكنهون الغيوب ويستلهمون العلوم من حضرة علام الغيوب عزَّ وجلَّ وهذا هو المطلوب فخرج عليهم فَسَلَّمَ وقال : «قَدْ سَمِعْتُ كَلاَمَكُمْ وَعَجَبَكُمْ إنَّ إِبْرَاهِيمَ خَليلُ الله وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمُوسَى نَجِيُّ الله وَهُوَ كَذَلِكَ وَعِيسَى رُوحُ الله وَكَلِمتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ وآدَمُ اصْطَفَاهُ الله وَهُوَ كَذَلِكَ أَلاَ وَأَنَا حَبِيبُ الله وَلاَ فَخْرَ)[1] فمقام المحبوبية أغلى ما نحرص عليه وأثمن ما نقدم كل غالٍ وكل ضنين في سبيله لأننا نتمنى جميعاً أن نفوز بمحبة الله حتى نكون من أهل وراثة حبيب الله ومصطفاه صلَّى الله عليه وسلَّم ومن فضل الله علينا ومن كرمه لنا أجمعين أنه فتح لنا أبواباً لا عد لها كل باب منها إذا دخله الإنسان وصدق فيه يكون نصيبه أن يحبه الله والذي يريد أن يحبه الله ماذا يفعل؟هناك أبواب كثيرة لذلك لكن الباب الأعظم والذي عليه المدار والذي هو أُسّ حياة الصالحين والأخيار والأبرار فلا يستغني عنه واصل ولا يستطيع أن يتركه عارف أو متمكن هذا الباب يقول فيه الكريم الوهاب عز وجل: [إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] من الذي يريد أن يحبه الله ؟هذا هو الباب أن يكون من التوابين أو من المتطهرين لأنه كلام الله وقد بدأ الله كلامه بـ "إن" للتأكيد وإن كان كلام الله كما نعلم جميعاً هو كلام أكيد لأنه كلام الحميد المجيد عز و جل " التوابين والمتطهرين" ومن لطف الله بنا وإكرامه لنا أنه لم يقل أن الله يحب التائبين لأن كلمة التائبين تعني أن التوبة مرة واحدة ويُغلق الباب لكن " التوابين" بصيغة المبالغة معناها أن باب التوبة مفتوح فكلما أذنب العبد ورجع إلى الله وجد الله فرحاً به ويخلع عليه ثياب محبته المهم أن يدّثر دائماً بلباس التوبة والظالم لنفسه هو الذي يظن أنه تجاوز مقام التوبة ولم يعد له نصيب في التوبة فيشتغل بأمر آخر ولا يرجع للتوبة والتوبة لا تفارق أي مقام ولا أي درجة ومنزلة لأن الحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم كان يقول فيها: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اسْتَغْفِرُوا الله وَتُوبُوا إِلَيْهِ فَإني أَسْتَغْفِرُ الله وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ }[2] وأرجو أن يلفت إخواني أنظارهم إلى هذا الحديث ويفهموه بعقل حثيث فإن أغلب الخلق فهموا من الحديث أن يستغفر الله في اليوم مائة مرة والحديث لم يشر إلى ذلك فقط ماذا قال حبيبي وقرة عيني ؟ اسمعوا وعوا: أيها الناس توبوا إلى الله – وهذا شق- واستغفروه – وهذا شق آخر- ثم بين فعله وحاله فقال : فإني أتوب إلى الله عزَّ وجلَّ – وهذا شق- وأستغفره في اليوم مائة مرة فالتوبة غير الاستغفار لأن الاستغفار عمل من أعمال الجوارح أو من أعمال القلب يتوجه به العبد إلى مولاه يستغفر الله عزَّ وجلَّ وله بكل استغفار عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ويزيد الله لمن يشاء لكن التوبة لها أركانها ولها أحوالها ولها جمالاتها التي يجب على التائب أن يتجمل بها ليحبه الله فإن الله لم يقل إن الله يحب المستغفرين وإنما قال: [إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] صحيح أن التوبة في كل مقام من مقامات السير والسلوك إلى حضرة الله عزَّ وجلَّ لها معناها ولها أحوالها ولها متعلقاتها لكنها توبة فمن الناس من يتوب من سيئاته ومن الناس من يتوب من طاعاته ومنهم من يتوب من غفلاته ومنهم من يتوب من وجوده ومنهم من يتوب من شهوده أحوال عالية ومقامات راقية والتوبة لا تفارق كمل الصالحين طرفة عين ولا أقل حتى المقام الأعظم الذي فيه الحبيب الأكرم يبين سر هذه التوبة التي يتوبها فيقول صلَّى الله عليه وسلَّم في مقامه: {إنَّهُ لَـيُغَانُ علـى قَلْبِـي وإنِّـي لأَسْتَغْفِرُ الله فـي الـيومِ مِائَةَ مَرَّةٍ } [3] وهذا حديث آخر غير الحديث الأول يبين لماذا يتوب إني ليغان على قلبي فاستغفر الله عزَّ وجلَّ وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة أحد الصالحين قال: تحيرت في هذا الحديث وقلت في نفسي وما الغين الذي يغان به على قلب رسول الله ؟ وكلمة الغين يعني الغطاء فنحن قد يغطي على قلوبنا الشهوات أو الحظوظ والأهواء أو الأوزار فقد بين الحبيب حالنا وقال في شأننا {إِنَّ الـمؤمنَ إِذَا أَذْنَبَ ذنباً كانتْ نُكْتةً سوداءَ فـي قَلْبِهِ فَإِنْ تابَ ونَزَعَ واسْتَغْفَرَ صُقِلَ مِنْهَا قَلْبُهُ فَإِنْ عادَ زَادَتْ حَتَّـى يَعْلَقَ بِهَا قَلْبُهُ فذلكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ الله عزَّ وجلَّ فـي كِتَابِهِ}[4]يعني الغطاء ثم تلى قول الله[ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ] فالران أو الغطاء الذي على قلوبنا سببه الذنوب كلما أذنب العبد ذنباً كان نكتة سوداء على قلبه ونكتة مع نكتة مع نكتة يكون الران أو الغطاء فيحجب العبد عن أنوار ذي الجلال والإكرام فيكون في الغفلة أو في وادي التيه أو في أرض القطيعة أو في مهاوي العصيان المهم أنه يكون في بعد عن حضرة الله لأن الوصلة التي بينه وبين مولاه غطاها بالذنوب التي ارتكبتها نفسه ولم يتب منها إلى حضرة الله عزَّ وجلَّ في هذه الحياة لكن رسول الله ليس له ذنوب والله هو الذي شهد بذلك وقال في كلامه المكتوب [ليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ] فاحتار الرجل الصالح ما الذي سيتوب منه رسول الله ؟ فالصغار يتوبون من الذنوب ومن تاب وأناب وسلك طريق الأوبة إلى حضرة التواب وأخذ يتعبد ويتقرب بالنوافل لمولاه قد يتوب من تقصيره في الطاعات فلا يوجد من يستطيع أن يعبد الله حق عبادته حتى الملائكة الذين خلقهم الله فمنهم الراكع أبدا ومنهم الساجد أبدا ومنهم الذاكر سرمداً يقوم الساجدون يوم القيامة من سجدة واحدة منذ أن خلقهم الله وهم سجود فيها فيقولون سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فمن منا يا إخواني من يعبد الله حق عبادته؟ إذا فهو يتوب من التقصير كحال أصحاب البشير النذير صلَّى الله عليه وسلَّم كما أخبر الله عنهم وقال في شأنهم: [كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] يستغفرون من رؤية التقصير في الطاعات لأنهم رأوا أنفسهم لا يستطيعون الإخلاص كل الإخلاص ولا الصدق كل الصدق ولا التوجه بالكلية بحضور الأرواح والقلوب والأجسام والهمم كلها في مناجاة رب البرية عند طاعته وعبادته عزَّ وجلَّ ومن يستطيع ذلك أحد الصالحين وقع في ذنب فخرج سائحاً في صحراء المقطم وهو يردد ويقول : من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط فسمع قائلاً يقول: محمد الهادي الذي ... عليه جبريل قد هبط فلا يوجد غيره لكن الباقين كلهم ذنوب وعيوب وظلمات وأوزار ومنهم من يتوب من نسبة الطاعات إلى نفسه لأنه لو رأى نفسه أنه عبد أو فعل ولم ينظر إلى توفيق الله ومعونة الله وحول الله وطول الله فهذا ذنب يحاسب عليه الله جل في علاه لأنه أمرنا أن نقول في كل ركعة من ركعات الصلاة مقرين ومعترفين [إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] نستعين على العبادة بقوة الله وحول الله وطول الله فلو تخلى الله بعنايته ومعونته عنا طرفة عين هل يستطيع واحد منا أن يقول سبحان الله ؟ من يستطيع بدون معونة من مولاه هل يستطيع أن يكيف جهازه ونفسه ويقف بين يدي الله ويتجه إلى القبلة ويستحضر ألفاظ الصلاة وكلمات الحمد لله رب العالمين ويناجي بها مولاه ؟ كيف بغير معونة من الله وحول من الله وقوة من الله ؟ ولو تُرك الإنسان ومهارته وشطارته وتخلت عنه القوة الإلهية والمعونة الربانية ماذا يفعل؟لن يستطيع أن يفعل قليلاً ولا كثيراً بل إنه لن يستطيع أن يحرك قدماً أو يرفع إصبعاً أو يطرف طرفة أو ينطق اللسان منه بكلمة لأن كل ذلك لا يتحرك إلا بأمر من يقول للشيء كن فيكون ولذلك فإن هؤلاء الذين يزعمون أنهم يعبدون الله بأنفسهم وأنهم هم الذين يعبدون ويطيعون ربما يختبرون يوم الدين في قول الله [وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ] لأنه لا معونة هناك فكيف يسجد؟ وكيف يعبد الله؟ ويلزم للإنسان الذي وصل لأعلى درجات العبادة أن يتوب من نسبة العبادة إلى ذاته ومن المباهاة بها ومن الفخر بفعلها لأنه يرى أن الفاعل هو الله ويكفيه شرفاً وفخراً أن الله أجرى عليه حركات العبادات وجعله محلاً للوقوف بين يدي الله فيكفيني فخراً أن يوقفني بين يديه ويوجهني لمناجاته بكلامه أو يأخذني إلى بيته ويهيئ لي الأسباب لأطوف حول حضرته وأنا أطوف حول بيته المبارك ماذا لي في ذلك كله إلا معونة الله وتوفيقه كل ما ذكرناه هي مقامات في التوبة يتوب منها الصالحون ومنهم كذلك من يتوب من وجوده بالكلية لأن الإنسان إذا رأى لنفسه وجود مستمد من ذاته فقد وقع في شرَك في التوحيد لله عزَّ وجلَّ فنحن نستمد منه القوة ونستمد منه الحياة ونستمد منه القدرة ونستمد منه الإرادة ونستمد منه العلم ولولا ذلك ما استطاع واحد منا أن يصنع بنفسه أو بجسمه شيئاً قليلاً أو كثيراً ولذلك يروى أن رجلاً من الصالحين دخل مسجد فوجد إخوانه السابقين في العبادة والطاعة يرون أنفسهم على غيرهم فوقف بينهم عند إقامة الصلاة وقال بصوت ليسمعهم الحقيقة "بك... لك.... أصلي" وبك يعني بقوتك ومعونتك وتوفيقك لك أصلي علمت نفسي أني كنت لا شيء فصرت لا شيء في نفسي وفي كلي به تنزه صرت الآن موجـوداً به وجودي وإمدادي به حـولي ومن أنــا عدم الله جملنى فصرت صورته العليا بلا نيل فهناك من يتوب من طاعاته وهناك من يتوب عن وجوده وهناك من يتوب من شهوده وهناك حتى من يتوب من التوبة إذا رأى نفسه هو الذي تاب ومثل هذا يحتاج أن يراجع نفسه بين يدي الكريم الوهاب – ويقول في ذلك رجل للسيدة رابعة العدوية : إني إرتكبت ذنوباً كثيرة فهل لو تبت يتوب الله عزَّ وجلَّ عليَّ قالت: لا بل لو تاب الله عليك لتبت قال:وما الدليل؟قالت: قول العزيز الحكيم [ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ] كيف يتوب عليهم ليتوبوا؟وما الذي يجعل الإنسان يتوب إلى الله؟إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء فالخواطر التي تتوارد على القلب من الذي يرسلها ويمررها عليه؟ هو الله عزَّ وجلَّ فإذا مرر على قلبي خواطر طيبة شعرت بها أنني قصرت أو أنني أخطأت أو أنني غفلت هنا تتحرك نفسي ويتحرك جسمي للرجوع إلى الله والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى إذاً الفضل في هذه التوبة لمن؟ لمن أورد عليَّ الخواطر الإلهية التي أشعرتني وجعلتني أجزم أنني غير طبيعي وأنه يجب عليَّ أن أرجع إلى الله عزَّ وجلَّ إذاً البداية من الله لكن هل أنا الذي آتي بالخواطر إلى قلبي وأمررها عليه إن الخاطر من الله وكم في الوجود من يرتكب الذنوب ويفتخر بها بين أقرانه ويرى أنها ليست عيوب بل أحياناً يتباهى بها ويتفاخر بها بين الأنام وهذا لشدة غضب الله عزَّ وجلَّ وسخطه عليه ولذلك قال حبيبي وقرة عيني صلَّى الله عليه وسلَّم: {يَا أَبَا ذَرَ إِنَّ المُؤْمِنَ يَرى ذَنْبَهُ كَأَنَّهُ تَحْتَ صَخْرَةٍ يَخَافُ أَنْ تَقَعَ عَلَيْهِ وَالْكَافِرُ يَرى ذَنْبَهُ كَأَنَّهُ ذُبَابٌ يَمُرُّ عَلى أَنْفِهِ}[5] فالثاني لم يتوب ؟ فإنه لا يرى ذنبه أما الأول قد لا ينام ولا يذوق طعام ولا يشعر بأي حلاوة على مدى الأيام إذا قال كلمة أحزنت شخصا حتى يعلم أن هذا الشخص قد رضي عنه أو أخذ حقاً من عبد من عباد الله ولم يرده إليه ما الذي يشعر القلب بالوجل والخوف؟ الله عزَّ وجلَّ هو الذي يقول: [فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا] هو الذي يورد هذه الموارد على النفس فالرجل الصالح عندما احتار في أمر النبي المختار لما تحدث عن نفسه وقال فى الحديث الذى مرَّ ذكره { إنَّهُ لَـيُغَانُ علـى قَلْبِـي وإنِّـي لأَسْتَغْفِرُ الله فـي الـيومِ مِائَةَ مَرَّةٍ } قال: نمت وأنا في حيرة من هذا الحديث وإذا برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأتيه في المنام ويقول له : غين الأنوار لا غين الأغيار ما هو غين الأنوار؟ سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في كل نفس له درجات ومقامات لا يعلمها إلا رفيع الدرجات عزَّ وجلَّ فكلما ارتقى إلى مقام رأى أن المقام الذي كان فيه كان غواش أو حجاب حجبه عن الله عزَّ وجلَّ أو عن جمال من جمالات الله أو عن كمال من كمالات سيده ومولاه فيتوب من المقام الذي كان فيه عندما يدخل هذا المقام الذي يقيمه مولاه عزَّ وجلَّ فيه إذاً فإنه لا يتوب من الذنوب أو من الأوزار أو من الغفلة وهل غفل عن الله طرفة عين أو أقل؟ لم يحدث حتى ما حدث له في الصلاة لم يكن نسياناً أو سهوا بمعنى النسيان والسهو المتعارف عليه والموجود في أذهان كثير من الخلق ولذلك قال صلَّى الله عليه وسلَّم في شأنه: { إِنِّي لأَنْسَى أَوْ أُنَسَّى لأَسُنَّ}[6] لماذا؟ليسَّن لنا سجود السهو لأنه لو لم يحدث فممن سنتعلم سجود السهو إذا لم يفعله سيد الأولين والآخرين؟ وهو الذي قال: { صلُّوا كما رَأَيْتُـمُونـي أُصَلِّـي}[7] فسهوه ليس كسهونا وإنما كما قال الرجل الصالح: يا سائلي عن رسول الله كيف سها ... والسهو من كل قلب غافل لاه قد غاب عن كل شيء سره فسهى ... عما سوى الله فالتعظيم لله سها عما سوى الله – سها بجمال مولاه عن جميع خلق الله وهو العبد الأكمل الذي لا يغيبه الجمال ولا الكمال عن الخلق طرفة عين ولا أقل لأنه مقام الحبيب الأكمل ومثلنا قد يغيب عن الله لحظات وليس هناك ما يمنع ذلك لكن رسول الله مقامه مقام العبد الأكمل الفارق الجامع فمع الخلق يرونه في وسطهم كأنه أحدهم ومع الحق لا يغيب عن حضرته طرفة عين ولا أقل لأنه صاحب المشهدين وصاحب المقامين وصاحب العينين ولذلك يقول: { مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّـمُ عَلَـيَّ إِلاَّ رَدَّالله عَلَـيَّ رُوحِي حَتَّـى أَرُدَّ عَلَـيْهِ السَّلاَمَ }[8] من أين يردها؟ من الحضرة لأنها في السدرة مشغولة بالحضرة ولا يوجد نفس إلا وهناك مسلمين يسلمون على سيد الأولين والآخرين إذاً هو في حضور تام مع الحق وفي تواصل تام مع الخلق لأنه الإمام الجامع الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لا يبغي هذا على ذاك ولا ذاك على هذا [مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ] فهو البرزخ الذي جمع الله فيه البحرين، بحر الحقيقة وبحر الشريعة فهو في أكمل التواصل مع مولاه وهو كذلك مع خلق الله يرونه كأحدهم حتى يقول قائلهم كما أخبر القرآن: [وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ] [أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ] إنه لا يختلف عنا في شيء في حين أنه لا يغيب عن مولاه وعن جمال وكمال مولاه بعين بصيرته طرفة عين ولا أقل وهذا هو الكمال الأعظم الذي كان عليه الحبيب الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم والكمال لانهاية له وكلما ارتقى في درجات الكمال وفي مقامات الوصال من لدن الواحد المتعال ينظر إلى الدرجة التي كان فيها فيستغفر الله منها ويتوب إلى الله عزَّ وجلَّ من رؤيتها أو الوقوف عندها عن حضرته عزَّ وجلَّ لأنه كما قال الله في شأنه [ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ] وبمعنى بسيط فلم يشغله مقام عن الله طرفة عين ولا أقل فيتوب إلى الله ويستغفر الله تنزيهاً لله أن يكون المقام الذي كان فيه شغله عن مولاه طرفة عين لأنه لا ينشغل إلا بـالله في الدنيا والآخرة يتبـــع إن شـــاء الله [1] سنن الترمذى عن ابن عباس وتمامه (وأنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حِلَقَ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُ الله لِي فَيُدْخِلُنِيهَا وَمَعِي فُقَرَاءُ المُؤْمِنِينَ وَلا فَخْرَ، وَأَنَا أَكْرَمُ الأَوَّلِينَ وَالآخَرِينَ وَلاَ فَخْرَ )) [2] جامع الأحاديث و المراسيل ، عن أَبي بردةَ عن الأَغر [3] سنن البيهقى الكبرى عن الأَغَرِّ الـمُزَنِـيِّ ورواه مسلـم فـي الصحيح عن يحيـى بن يحيـى وأبـي الربـيع الزهرانـي. [4] صحيح ابن حبان عن أبي هريرة [5] جامع الأحاديث و المراسيل والديلمى عن أَبي ذَرَ وتمامه (يَا أَبَا ذَرَ كُنْ لِلْعَمَلِ بِالتَّقْوٰى أَشَدَّ اهْتِمَاماً مِنْكَ بِالْعِلْمِ، يَا أَبَا ذَرَ إِنَّ الله إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً جَعَلَ الذُّنُوبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُمَثَّلَةً ._ الحديث أعلاه._ ، يَا أَبَا ذَرَ لاَ تَنْظُرْ إِلٰى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ، وَلٰكِن انْظُرْ إِلٰى عِظَمِ مَنْ عَصَيْتَ، يَا أَبَا ذَرَ لاَ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ المُتَّقِينَ حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ أَشَدَّ مِنْ مُحَاسَبَةِ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ، فَيَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ، وَمِنْ أَيْنَ مَشْرَبُهُ، وَمِنْ أَيْنَ مَلْبَسُهُ؟ أَمِنْ حِلَ ذٰلِكَ، أَمْ مِنْ حَرَامٍ؟». [6] موطأ الإمام مالك : (222) [7] رواه البخاري فـي الصحيح عن مـحمد بن الـمُثَنَّى عن عبد الوهاب و عن أبي سلـيـمانَ مالكُ بن الـحويرث فى سنن البيهقى الكبرى . [8] الفتح الكبير عن أبـي هريرة وأبو داوود و البيهقى فى الدعوات المبير.
-
بشــائر المحبين إذا داوم المؤمن على هذه الأعمال السابقة، وحافظ على هذا المنهج أحبّه الله ورزقه حبه وجعله من المحبوبين لحضرته وبشائر المحبين ليس لها حدُّ ولا عدُّ فقد ورد أن سيدنا حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه وكان من الذين حضروا غزوة بدر لما أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابه بفتح مكة كتب كتابا بذلك إلى أهل مكة وجاء بجارية عنده وأعطاها الكتاب وقال لها إذا أبلغتيه لأهل مكة فأنت حرة لوجه الله وسارت في الطريق ونزل جبريل وأخبر الحبيب فأرسل خلفها سيدنا الإمام علي وسيدنا الزبير بن العوام فلحقاها بعد خروجها من المدينة فقال لها الإمام علي أخرجي الكتاب الذي معك .قالت: ليس معي شيء قال : والله ما كذبنا ولا كُذِّبنا لتخرجن الكتاب أو لأكشفن عن سوءتك - يعني أفتشك وكان تفتيش النساء عيبا في ذلك الوقت - فأخرجته من شعرها فأخذوه وذهبوا إلى حضرة النبي فأحضر النبي حاطبا وذلك لأنها تعتبر خيانة عظمى وقال له : ما الذي دعاء لذلك يا حاطب ؟ فقال سيدنا عمر: يا رسول الله دعني أقطع عنق هذا المنافق - وكان سيدنا عمر شديدا في الحق - فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنهُ شهد بدراً وما يُدريك لعلَّ الله عزَّ وجلَّ اطَّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شِئتم فقد غَفَرتُ لكم) [1] وفى رواية أخرى ( فقال: اعملوا ما شئتم. فهذا الذي جَرَّأَه) وهنا يدور سؤال ومن جاء بعد بدر من أمثالنا إلى يوم القيامة ما نصيبهم من ذلك ؟ والإجابة عن ذلك نجدها في هذا الحديث: {إذا احب الله عبدا لم يضره ذنب} كيف يتم ذلك ؟ يقول في ذلك كتاب الله: [أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ] ولذلك أعطانا الصالحون ميزانا نزن به الرجال ما هذا الميزان؟ قال أحدهم : إذا رأيت الرجل تغلب عليه الحياة الروحانية فلا تعبأ بسيئاته أي لا تقف عند سيئاته لأن هؤلاء يقول الله عزَّ وجلَّ فيهم [أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ] وإذا رأيت الرجل تغلب عليه الحياة الحيوانية فلا تعبأ بحسناته لأن هؤلاء يقول الله عزَّ وجلَّ في شأنهم [وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً] المهم غلبة الحياة الروحانية نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من عباده المحبوبين المقربين الآنسين بحضرته المشغولين بالكلية بطاعته وعبادته وأن يعيننا بعون ذاتي منه على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يوفقنا في كل أوقاتنا وكل أنفاسنا بدوام ذكره والحضور بين يدي حضرته وأن يجعلنا دوما مع الحبيب المختار ملحوظين منه بالأنوار وأن يقذف في قلوبنا من ذاته البهية خالص الأسرار وأن يجعلنا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يتبــــــــع إن شــــــــــاء الله [1] عن سيدنا على رضى الله عنه رواه البخارى .
-
الحج قـــربة كيف نتقرَّب إلى الله بالحج علما بأنه فريضة مرة واحدة وعالية التكاليف ومعظمنا لعدم الاستطاعة تسقط عنه هذه الفريضة فمن لا يملك الاستطاعة فليس عليه حج لكن الصالحون قالوا في ذلك أن سيدنا رسول الله أعطانا فرصة للحج في كل يوم.. كيف؟ قال صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثة الصحيح: {منْ صلّى الفجرَ في جماعةٍ ثم قعدَ يذكرُ اللَّهَ حتى تطلُعَ الشمسُ ثم صلى ركعتين كانتْ له كأجر حجّةٍ وعمرة} قال الراوي: قال رسول الله {تامّةٍ تامّةٍ تامّةٍ}[1] ولذلك فإن هناك وقتان لا يزال الصالحون في كل زمان ومكان يحافظون عليهما اقتداء بالنبي العدنان وهما وقت السحر والوقت ما بين الفجر وطلوع الشمس فلا ينامون في هذا الوقت لأنه وقت لله ولأن الله قال جل في علاه: ( يَا ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ سَاعَةً أَكْفِكَ مَا بَيْنَهُمَا)[2] لكن تأتي النفس وتحدثك وتقول أنك مازلت صغيرا في السن عندما تخرج على المعاش أفعل ما تريد فأقول لها: ومن أين لي أن أضمن ذلك؟ أو تحدثه نفسه بأنك ذاهب إلى العمل ولو فعلت ذلك ستنام في العمل أجِّل هذا العمل ليوم الجمعة وعندما يأتي يوم الجمعه تحدثه أنك متعب وهذا هو اليوم الوحيد الذي ترتاح فيه هذا يا إخواني هو حديث النفس لكي تكسل الإنسان وتجمده لكن اعلم علم اليقين أنك لو أقبلت على الله بيقين فإن الله يبارك في كل شيء لك فأقل جرعة من النوم تكفيك سيدنا الإمام عمر بن الخطاب عندما تولى الحكم قال : إن نمت نهارا ضيعت رعيتي وإن نمت ليلا ضيعت نفسي فسألوه ماذا ستفعل؟ قال: جعلت النهار لرعيتي والليل لربي متى كان ينام إذن؟ كان ينام بعد شروق الشمس لأنه عندما كان يجد بعض أصحابه يحيون الثلث الأخير من الليل وينامون بعد الفجر قال لهم: والله لَلَّذي تنامون عنه أفضل من الذي تقومون فيه وكان رضي الله عنه بعد أن تشرق الشمس بثلث ساعة يصلي سنة الإشراق ثم يضع رأسه بين ركبتيه ويخفق خفقات فيقوم وكأنه نام طوال الليل بل أحيانا كان يمسك الدرة ويضرب نفسه ويقول يا نفس طالما نمت لأن المسافر يا إخواني دائما مستعجل حتى أن المسافر أحيانا عند عودته يمكث يومين أو ثلاثة لا ينام ويقول عندما أرجع سأنام ونحن كذلك فكلنا مسافرون إلى الله عزَّ وجلَّ وسننام نومة طويلة إذن على الإنسان ألا يسلم لحديث النفس لأنه عندما يمشي مع الله فإن الله عزَّ وجلَّ يجعل له مددا في نومه فلو كان قاعدا وغفا غفوة يقوم وكأنه نام يوما وليلة لأن الله عزَّ وجلَّ بارك له في هذا النوم وورد أن كثير من الأئمة كانوا يصلون الصبح بوضوء العشاء مثل الإمام أبو حنيفة ألم يكن يعمل؟ بل كان له عملان فقد كان تاجرا لينفق على عياله وينفق على تلاميذه - لأن العالِم في ذلك الوقت هو الذي كان ينفق على تلاميذه ولا يأخذ منهم - وكان معلما يعلم الفقه والدين ابتغاء وجه الله متى كان ينام إذن الإمام أبو حنيفة؟ كان ينام بعض ساعة بعد صلاة الظهر فقد قال صلى الله عليه و سلم: (اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ)[3] وكأنه نائم طوال الليل لكننا الآن ننام طوال الليل ونصلي الصبح وننام وانتابنا الكسل والوخم لماذا؟ لأننا استسلمنا للنفس ولا بد من جهاد النفس ويقول في ذلك أحد الصالحين : و ما النوم إلا الموت قهر لطيفتي....حرام عليها النوم ليست من الترب فالروح لا تنام وإذا انتبهت الروح تأخذ الجسم معها وأقل النوم يكفيها فإذا أشفقنا على الجسم وتركناه يستسلم للنوم والكسل هنا يكون الجسم هو المتحكم والنفس وبذلك لا تصحوا الروح إلا يوم ينادي المنادي: [وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ] ولا يصح ذلك إذاً يجب على الإنسان أن يعلي عزيمته لأن علو الهمة من الإيمان علو عزائمكم هيا و اعشقوا....لتشاهدوا عدن الجنان وحورها وكان الصحابة ومن بعدهم الصالحين كانت تحدث لهم أحوال غريبة في هذا الباب لأنها أحوال عالية لا يعلمها إلا واهبها عزَّوجلَّ فإن الروح هنا علت وسمت والروح إذا علت وسمت تريح الجسم من المنام والمنام المقصد منه إراحة الأعضاء وتعويض الأعضاء وعمل صيانة شاملة لها وذلك كله يقوم به الله عزَّ وجلَّ ويأمر به الأعضاء وأنت في هذه اللحظات لأن أمر الله عزَّ وجلَّ بين الكاف والنون [إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] فمن يهتم بالنوم ويبحث عنه سينام لكن الصالحين غير ذلك كان الرجل منهم يسهر طوال ليله بين يدي مولاه فإذا أصبح الصباح وضع زيتا على شعره ووضع كحلا في عينه وغسل وجهه حتى يظن من يراه أنه اغتسل وخرج بعد نوم طويل ولا يريد أن يعرف الناس أنه كان سهران وإذا ربك وفق وأعان فأعلم علم اليقين أن هذا الكيان سيطويه الله عزَّ وجلَّ ويمنحه القوة والعون من الرحمن ومادامت القوة والعون من الرحمن فإن فضل الله عزَّ وجلَّ لا يحصيه زمان ولا يحده مكان فاستمد العون من الله وهذه يا اخواني هي أحوال الصالحين في هذا الباب – وهذا هو المنهج الذي يمشون عليه لكي يعينهم الله ويقويهم الله جل في علاه ولذلك نسمع عنهم أنهم يبارك الله لهم فى الزمان والمكان ويبارك لهم في الطعام ويبارك لهم في المنام ويبارك لهم في القراءة ويبارك لهم في الكتابة لماذا؟ لأنهم عزموا عزما أكيدا على طاعة الحميد المجيد عزَّ وجلَّ لعلنا نحافظ على هذا المنهج ونديم عليه لكي يحبنا الله جل في علاه يتبــــــع إن شــــاء الله [1] مشكلة المصابيح (971) ـ 2( 13 ) . [2] جامع الأحاديث و المراسيل( 15120) . [3] عن ابن عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا فى جامع الأحاديث و المراسيل
-
تلاوة القرآن إن الإنسان لكي يحبه العلي الكبير لابد وأن يديم تلاوة كتاب الله، لأنه لا يديم تلاوة كتابه إلا أحبابه والله عز وجل يسَّر لنا هذا الأمر، وإذا كنت غير قادر على القراءة فاستمع وإذا لم يكن لديك وقت على الإطلاق فعليك بجهاز تسجيل صغير وأحضر مصحف مرتل واستمع بترتيب المصحف مثلا أثناء إفطارك في الصباح وأثناء ارتدائك لملابسك عليك أن تستمع إليه فمثلا ستستمع إلى ربعين فلا بأس وعند عودتك استمع أثناء الغذاء ستستمع إلى ربعين بذلك يكون نصف جزء أما إذا كان عندك سيارة فهي فرصة عظيمة وتستطيع في هذه الحالة أن تسمع كل يوم جزء في الذهاب وجزء في العودة على مسجل السيارة وبالترتيب وقال في ذلك أحد الصالحين : يجب أن لا يقل ورد المؤمن عن تلاوة جزء من القرآن في كل يوم بحيث يختمه في كل شهر مرة لأن الحد الأدنى أن يختم القرآن في كل شهر مرة والحد الأوسط أن يختمه مرة كل أسبوعين والحد الأعلى كل أسبوع مرة والأرقي كل ثلاثة أيام مرة فعلى الأقل يقرأ في كل يوم جزء بتدبر وتمعن وتفكر فإن الله عزَّ وجلَّ يناجي التالي لكتابه قال صلَّى الله عليه وسلَّم: { إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُحَدثَ رَبَّهُ فَلْيَقْرَإِ الْقُرْآنَ } [1] فالقرآن الكريم تلاوة وسماعا يشفي الأمراض بنسبة 95% فقد أجريت في أحد مستشفيات إيطاليا دراسة عجيبة حول إمكانيات العلاج من المرض عن طريق سماع آيات من القرآن الكريم أحضروا شريطا مسجل عليه آيات قرآنية تتلى بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وأحضروا مجموعة من المرضي الإيطاليين فأسمعوهم القرآن بصوت القارئ العربي ماذا كانت النتيجة؟ وجدوا نسبة الشفاء بين هؤلاء المرضى وصلت إلى 95% في حين كان سماع الموسيقي الصاخبة التي سمعها الآخرون من الفئة المعدة لهذا الغرض عادية جدا ولا يوجد تحسن في عينة البحث فقاموا بوضع شريط مسجل عليه آيات قرآنية بصوت قارئ عربي مسلم أسفل شجرة مثمرة وشريط آخر به أو مسجل عليه موسيقي صاخبة ماذا كانت النتيجة؟وجدوا أن الشجرة التي سمعت القرآن الكريم كانت ثمارها أسرع نضجاً وأحلى مذاقا ً أما الشجرة الأخرى فكانت أبطأ نضجاً وأقل حلاوة في المذاق والطعم !! وما قصة الفتاه المغربية ببعيدة فقد كانت مصابة بالأورام السرطانية، وذهبت إلى العديد من الأطباء من ذوي التخصصات الطبية المعنية بالأورام وكانت النتيجة بالطبع سيئة الكل يحاول دون فائدة لكن فجأة هداها تفكيرها حيث شعرت برغبة جارفة لأداء العمرة ذهبت إلى مكة وعكفت هناك في الحرم المكي فقامت بتلاوة وتدبر آيات القرآن الكريم وشرب ماء زمزم استمرت على هذا الحال ما يقرب من شهر وإذا بها تشعر بتحسن شديد في القوى والحيوية والنشاط كانت المفاجأة العظيمة أنها شفيت بفضل القرآن الكريم. وقد جاء أيضاً أحد الأبحاث الأمريكية في جامعة هارفارد كما ذكرت صحيفة (العرب أون لاين) تؤكد أن تلاوة القرآن الكريم لها أثر مهدئ وذلك بعد أن أجرت بحثاً على مجموعة مكونة من ألف رجل وامرأة من العرب الأمريكيين الذين يجيدون العربية ومن المسلمين الأمريكيين الذين لا يجيدون اللغة العربية فوجدوا أن سماع القرآن الكريم المرتل يعمل على تغيرات فسيولوجية لا إرادية في الجهاز العصبي ويساعد على تخفيف حالات التوتر النفسي الشديد ويخفف حالات الكرب والحزن ويبعث بالنفس إلى الهدوء والراحة والطمأنينة وقد وجد الباحثون أن لتلاوة القرآن الكريم أثراً مهدئاً على أكثر من 79% من مجموع الحالات التي قرأت القرآن الكريم وتم رصد تغيرات لا إرادية في الأجهزة العصبية للمتطوعين الذين تم الاختبار عليهم مما أدى إلى تخفيف درجة التوتر لديهم بشكل ملحوظ بالرغم من وجود نسبة 50% منهم لا يعرفون العربية جيداً وتبين أيضاً من البحث أن قراءة القرآن تعمل على تنشيط وظائف الجهاز المناعي للجسم كما لاحظ الباحثون أن الأشخاص غير المتحدثين بالعربية شعروا بالطمأنينة والراحة والسكينة أثناء الإستماع لآيات القرآن رغم عدم فهمهن لكثير من المعاني وأظهرت الدراسة أن الاستماع إلى التعبيرات الهادئة ذات الإيقاع البطيء الحنون والنغمات التي يخشع لها الوجدان كترتيل الآيات القرآنية يؤثر بطريقة إيجابية على الإنسان وصحته النفسية وأوضح الباحثون أن هذه النغمات تعمل على تهدئة الأعصاب وهو ما يؤدي بدوره إلى إبطاء التنفس وعدد ضربات القلب بصورة متوازنة فيفيد أصحاب مرضى القلب والأزمات القلبية بعكس سماع النغمات الصاخبة المرتفعة من موسيقى ذات إيقاعات سريعة التي تساعد على سرعة التنفس وتحدث التوتر والانفعال وعدم التركيز وأشار دكتور سيفن لوك الأستاذ بجامعة هارفارد إلى أن نشاط الخلايا القاتلة بالجهاز المناعي والمسئولة عن التصدي للأمراض السرطانية يقل بشكل حاد مع انخفاض تأثير المواد المناعية المهمة التي لها دور في التصدي لهذا المرض أثناء تعرض الإنسان للانفعالات الحادة أو المستمرة والقلق والتوتر العصبي فلماذا إذن لا نجعل لأنفسنا فرصة للاستمرار والمداومة على قراءة القرآن الكريم أو سماعه لمن لا يجيدون القراءة ولو لوقت قصير كل يوم فالنفس كما تشتهي الشهوات مع ضياع العشرات من الساعات على جلسات السمر والجلوس على المقاهي والتسوق ومشاهدة القنوات الفضائية التي تحتوي على الكثير من اللهو فضلا عن أن معظم أغاني الفيديو كليب الراقصة التي تحرك رغبات الشباب وتساعد على الإثارة والفتنة نقول لماذا لا نتحصن بكتاب ربنا ونحاول أن نمنحه جزء قليل من وقتنا؟ فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم يقول فى معنى حديثه أنه من أراد أن يكلم الله فليدخل في الصلاة ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن ويقول: {مَنْ قَرَأَ حَرْفَاً مِنْ كِتَابِ الله فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ آلم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْف ولامٌ حَرْفٌ وَميمٌ حَرْفٌ } [2] يتبع إن شاء الله [1] أَنَسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ، جامع الأحاديث و المراسيل [2] سنن الترمذى .عنُ عَبْدَ الله بنَ مَسْعُودٍ