*********
تريد العيش بحريّة
*********
عادت الأم الى ضيفاتها.
و ظلّت هي في غرفتها .. متعلّلة بالتعب
ليتسنّى لها الانفراد.
تكوّمت على نفسها ..تمدّدت .. ثم جلست .. ثم عادت و تمدّدت ..و تكوّرت حول نفسها
و قد أحسّت في صدرها موجة انزعاج و رفض .
كانت تتوق الى عالم فقدت الأمل في الوصول اليه
الى أشخاص رسمت صورهم في مخيّلتها .. حتى أصبحوا يرافقون خطواتها و يتحرّكون معها .
باتوا أحبابها و أقاربها .
و هم أناس لهم وجوه مضاءة .. و طباعهم طباع الطّيبين
يتركون أينما حلّوا عبق البخور .. و حفنات الفرح ..
يعتقونها من أغلالها .. و يغرزون أجنحة فوق كتفيها ..
فتندفع للتحليق بعيدا عن وجودها .
و كان الحلم ينتهي دائما .. بأن تحطّ على سطح من تبن .
فلا تكاد تطأ الأرض بقدميها .. حتى تتزحلق و تهوي .
... ...
بكلّ هدوء أوصدت الباب .. و عادت الى علبة خيالها ..
تخرج فرسانها .. و تخرج أميراتها ..
و تصفّهم حولها .
مؤتمر صغير تعقده معهم
ربّما استطاعوا ارشادها و هديها .
تتمدّد فوق السرير .. من جديد
و تغمض عينيها
.. لكّنها فشلت في دخول عالم البلّور ..
اذ ظلّت أصوات الهرج و المرج تنفذ اليها من شقوق الباب
من النافذة المفتوحة ..
من كل مكان ..
. أصوات من ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كادت تتنسى المناسبة و لمّة الأهل في بيتهم .
ودّت لو تكون أبعد ما يكون عن هنا .
تمنّت لو تمضي في غفوة أبديّة .. لترتاح .. فلا تعود اليهم .. و لا تواجههم بالتّحدّي ..
انتبهت فجأة ..
أصغت بتركيز ..
تسمع صوتا من داخلها .. يكلّمها .
---- الى متى يدوم صراعك ؟
و هل يسعفك ضعف قدميك .. و ليس لك صديق ؟
++ لكنّي لم أطلب مساعدة أحد .
وحدي دخلت هذا العالم .. و سوف أبقى واقفة على قدميّ .. لا على عكاكيز الآخرين .
---- أخبريني .. بالله عليك ..هل الأمر يستحقّ هذا العناء كلّه ؟
++ نعم .
أريد أن أعيش .
بحرّية .
---- أنت حرّة .
بل هي حرّيتك الزائدة التي تضايقهم .. انّك تبحثين عن المتاعب .
و لا يمكنك ان تعيشي باستقرار .
و لا تعرفين صالحك .
++ هذا صحيح . لكنّ صالحي ليس في هذا الواقع .
أتوق الى الأفضل .. الى دنيا أعلم انّها موجودة .
و سبيلي اليها مسدود .
---- و هذا الغضب على الآخرين .. ما الدافع اليه ؟
++ لا تذكّريني بهم .. لقد بروا روحي .
لقد آلموها .
---- و لكنّ الماضي مضى . و لم شوقك الرّجوع اليه ؟
++ لأنه ليس لي صديق .
لقد حاولت أن أبني الجسر الذي يصلني بالعالم .. و فشلت .
---- فشلك هذا ناتج عن عزلتك .
انّك لا تحبين مخلوقا .
++ تضحكني فلسفتك .. الحبّ ؟
---- انّه يضلل حياتنا و يبطّنها .
تصرّفي بعقل لتمسحي كل ما مضى .
... ...
.. استيقضت من غفوتها على صدى اصوات كثيرة .
و تلفّتت حولها .
كانت الغرفة خالية .. لكنّ الصخب يخترق النّافذة المفتوحة .
مسحت العرق عن جبينها .. و جرّت قدميها جرّا ..
كأنّها تسير في حلم ..
ثمّ هبطت .. على السلّم ..
الى مقرّ الجماعة
.
.
.
.
.
(مقتطفات كتاب)
.