العـــــرافـــة
جلست العرافة بالخارج ، فخرج الجميع والتف حولها ، إلا أن مكثت في البيت ، فما لدي ما أريد أن أتنبأ عنه ، فإنا أعيش كزهرة تنتظر الريح لتأخذ من رحيقها .
فأشارت العرافة لأمي على البيت قائلة ( لديكي في الداخل إبنه ستموت بعد ثلاثة ليالي يا أم عصام ) . وفجأة دخلت أمي علي لتأخذني في حضنها الدافئ في عنفوان وكأنها تريد أن تعيدني لجسدها ، الذي أنا جزءاً منه فتعجبت قائلة " ما بك ياأمي ، ماذا حدث فأنتي لم تضميني في حضنك منذ أن بلغت مبلغ الشباب " فقالت " لا شئ يا إبنتي " ثم تركتني وخرجت مسرعة مره أخرى للعرافة التي ما زالت تستطلع الطالع للأخريات .
فسألتها أمي : " أنت قلتي يا أم عصام وقلتي أيضاً أن إبنتي ستموت بعد ثلاثة أيام ، كيف عرفتي ذلك ؟ وكيف ستموت إبنتي الوحيدة على خمسة صبيان ! قولي ليا " .
فقالت بدهاء : " أليس إبنك الأكبر إسمه عصام "
فردت أمي : نعم .
فقالت : " ستموت إبنتك يوم عرسها والذي هو بعد ثلاثة إيام فأنا أقرأ ما هو أمامي مكتوب " .
إبتسمت أمي وإطمأنت قليلاً فلم يكن عرسي بعد ثلاثة أيام كما إدعت العرافة . فدخلت لي أمي وهي تلملم إجزاء قلبها بعد أن بعثرته تنبأت العرافة ، وجلست بجواري تداعبني بإبتسامتها الخافته وكإنها ولدتني من جديد .
في المساء عاد والدي من العمل ليزف لنا بشرى ، لقد إتصل به أشرف إبن عمي لتحديد موعد عرسنا بعد ثلاث أيام فلقد حددت الجامعة موعد سفرة للبعثة بجامعة كالفورنيا بعد نفس المدة ، فقرر أن يكون عرسنا في نفس ليلة سفرنا إلى هناك ، وقع هذا الكلام كدوي نووي على مسامع أمي فرفضت بعد أن كانت تستعجل هذا العرس . ظللنا أنا ووالدي كثيراً نقنعها ، لكنها أصرت الرفض ، فما كان من والدي إلا أن حدد موعد العرس رغماً عنها .
ومرت الأيام الأول والثاني وأمي تقول " لن أحضر فرحك " وفي يوم العرس رفضت أن تساعدني في اللبس ووضع زينة العروسة فأسرني الهم والحزن .
وبعد إنتهائي من اللبس ووضع الزينة ذهبت لها فما كنت أطيق أن أذهب العرس دون أمي ، أرتميت في حضنها وحبست دموعي كي لا أفقد ما تمتلكه العروس من الحسن في مثل هذا اليوم ، فقلت " أمي أرجوكي تعالي معي ..... لا تشعريني بفقدانك في هذا اليوم ..... أرجوكي إن لم يكن لخاطري ..... تعالي لتودعيني إن مت " .
فضمتني في صدرها وسالت دموعها وجاءت معي العرس وأجلستني في مجلس العروس ، وظلت بجواري طوال الوقت وكان كل شئ يمشي على طبيعته إلى أن .....
شعرت بما تشعر به أمي من خوف ، لا أعرف ما الذي جعل نفسي توجس لي بقدوم الموت . سمعت الخلود يناديني بصوت عذب له تصغي الأذان ، فوقفت ألبي النداء ، واتجهت في نفس إتجاه الصوت ، سار الجميع خلفي ، وأنا أمشي ، أركض غير مبالية إلا بجمال هذا الصوت . أسمعهم جميعاً ، ينادي أشرف " لا تتركيني يا إبنة عمي " وتصرخ أمي " لا تذهبي مني يا بنت عمري " وصوت أبي " خلود ..... خلود " من غيابات الجب يسحبني ، تضاربت الأصوات ، ثم غابت عني ، فلم أعد أسمع إلا صوته ، إنه قادم في أروع الهندام ، وأنا البس ثياب العرس وأتزين بالجمال أمسك يدي وقال " هيا معي " ..... لكن أين الناس ، الجميع كان قادم خلفي ، لقد غابوا من سيبارك إذن عرسي ، إنه ليس أشرف من يأخذني ، إنني أعرفه إنه صاحب الصوت إنه الموت ..... قادم ليأخذني وأنا ذاهبه له .
تعجبت من نفسي ، وأتركهم جميعاً وأذهب له ؟ ..... لا ..... لا لن أذهب سأعود لأبي وأمي وإبن عمي ..... قررت أن أعود فأنا أحب إريج الحياة وأعزف منه ألحاني ولا أريد زفير الموت ما دام عمري ما ذال باقي . سأتشبث بالحياة كي لا أغرق بالطوفات ، سأمر أسفل المياه ولن أذوب في البحار ، سأتخطى الأمواج والأعاصير ، سأخترق الظلمات السبع كنور البرق ..... وأعود للحياة .
استيقظت قبل الصباح ، فوجدت نفسي في غرفة العناية المركزة في إحدى المستشفيات ، ولا أدري ما حدث ، وكيف جئت إلى هنا والجميع بالخارج يدعوا لي ، أن تمر الساعات حتى الصباح ، وأنا على قيد الحياة ، ليكون هناك أمل في علاجي .
نمت وأنا مطمئنة القلب ومرت الساعات ، وكان لإرادتي الفضل بعد الله لعودتي للحياة ، وتزوجت أشرف وسافرنا وظللنا هناك عشرة سنوات انجبنا فيهم ثلاث من الأولاد ، وعندما عدت حضنت أمي بعنفوان فتذكرت العرافة فأبتسمت قائلة " أتذكرين العرافة يا أمي ؟ "فضحكت ونظرت لي وقالت " كذب المنجمون ولو صدفوا " وضمتني لحضنها وهي تقول " الحمد لله