اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
عاشق الصداقه

سلسلة قصص الأنبياء

Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى (( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ))

سورة يوسف الآية 101

انهم الانبياء والرسل المشاعل التي اضاءت ظلمة الكون بنور الهداية والايمان

فاخرجوا الناس من الظلمات الى النور . وقد اورد الله سبحانه وتعالى قصصهم في القرآن الكريم حتى تكون اطمئناناً وسكينة للرسول عليه الصلاة والسلام وعبر ومواعظ للمؤمنين ..

لذا اسمحوا لي ان نقدم في هذا القسم سلسلة لقصص الأنبياء والرسل ونشارك في ذلك جميعاً حتى يكون لنا الأجر والثواب والفائدة إن شاء الله .

وسأبدأ هذه السلسلة من القصص بقصة آدم عليه السلام ابو البشر وأول الانبياء والرسل والذي كرمه الله سبحانه وتعالى ان خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وهو القادر سبحانه وتعالى ان يقول للشئ كن فيكون ولكنه اصطفاه بخلقه بيده والنفخ فيه من روحه اكراماً لبني آدم على سائر المخلوقات وأمر الملائكة بالسجود له .

وقصة عصيان ابليس لامر الله واختلاف العلماء في الجنة التي وضع فيها آدم وهل هي في السماء أم في الارض .

( آدم عليه السلام )

قال تعالى { وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون* فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين* فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين* قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين* قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون* قال فاخرج منه فإنك رجيم* وإن عليك اللعنة إلي يوم الدين } (سورة الحجر:28ـ35)

في هذه الاية امر الله الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام ولكن الشيطان استلزم تنقصه لآدم وازدراءه به وترفعه عليه مخالفة الأمر الإلهي، ومعاندة الحق في النص على آدم على التعيين.

وشرح في الاعتذار بما لا يجدي عنه شيئا، وكان اعتذاره أشد من ذنبه.

كما قال تعالى في سورة سبحان:

{ وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا* قال أرأيتك هذا الذي كرمت على لئن أخرتن إلي يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا* قال أذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً* واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً* إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، وكفى بربك وكيلاً } (سورة الإسراء:61ـ65)

وقال في سورة الكهف:

{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } (سورة الكهف:50)

أي: خرج عن طاعة الله عمداً وعناداً واستكباراً عن امتثال أمره، وما ذاك إلا لأنه خانه طبعه ومادته الخبيثة أحوج ما كان إليها، فإنه مخلوق من نار كما قال،

وكما جاء في صحيح مسلم عن عائشة، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم"

قال الحسن البصري: لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين قط. وقال شهر بن حوشب: كان من الجن، فلما أفسدوا في الأرض بعث الله إليهم جنداً من الملائكة فقاتلوهم وأجلوهم إلي جزائر البحار، وكان إبليس ممن أسر فأخذوه معهم إلي السماء فكان هناك، فلما أمرت الملائكة بالسجود امتنع إبليس منه.

وقال ابن مسعود وابن عباس وجماعة من الصحابة وسعيد بن المسيب وآخرون: كان إبليس رئيس الملائكة بالسماء الدنيا. قال ابن عباس: وكان اسمه عزازيل. وفي رواية عنه: الحارث، قال النقاش: وكنيته أبو كردوس. قال ابن عباس: وكان من حي من الملائكة يقال لهم الجن، وكانوا خزان الجنان، وكان من أشرفهم ومن أكثرهم علماً وعبادة، وكان من أولى الأجنحة الأربعة، فمسخه الله شيطاناً رجيماً.

{ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين* فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقدموا له ساجدين* فسجد الملائكة كلهم أجمعون* إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين* قال أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين* قال فاخرج منها فإنك رجيم* وإن عليك لعنتي إلي يوم الدين* قال رب فأنظرني إلي يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين* إلي يوم الوقت المعلوم* قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلصين* قال فالحق والحق أقول* لأملأن جهنم منك ومن تبعك منهم أجمعين } (سورة ص:71ـ85)

وقال في الأعراف:

{ قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم شاكرين } (سورة الأعراف:16ـ17)

أي: بسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم كل مرصد، ولآتينهم من كل جهة منهم، فالسعيد من خالفه والشقي من اتبعه.

كلما قال الإمام احمد: حدثنا بن القاسم، حدثنا أبو عقيل ـ هو عبد الله بن عقيل الثقفي ـ حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي فاكه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه"

وذكر الحديث كما قدمناه في صفة إبليس. وقد اختلف المفسرون في الملائكة المأمورين بالسجود لآدم. أهم جميع الملائكة كما دل عليه عموم الآيات؟ وهو قول الجمهور. أو المراد بهم ملائكة الأرض كما رواه ابن جرير عن طريق الضحاك عن ابن عباس؟ وفيه انقطاع، وفي السياق نكارة، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه.

ولكن الأظهر من السياقات الأول، ويدل عليه الحديث: "واسجد له ملائكته" وهذا عموم أيضاً، والله أعلم.

وقوله تعالى لإبليس:

{ فاهبط منها } (سورة الأعراف:13)

و { اخرج منها } (سورة الأعراف:18)

دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها، والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه، فأهبط إلي الأرض مذءوماً مدحوراً.

وفي هذا السياق استغل المستشرقون آية أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فقالوا كيف يعاقب الله ابليس وهو لم يأمره بالسجود كما أمر الملائكة ؟

فرد عليهم فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله بقوله :

إن الأمر اذا صدر للاعلى منزلة وجب تنفيذه لكل من هم دون ذلك فالملائكة أعلى منزلة من ابليس وعندما أمروا بالسجود وجب عليه ذلك .

وضرب لهم مثلاً من الدنيا فقال لهم لو ان الحاكم أمر الوزراء بالحضور الى أعمالهم الساعة الثامنة صباحاً فمتى سيحضر الموضفون لاشك أن الامر سيشملهم وسيحضرون قبل الساعة الثامنة لآن الأمر هنا صدر للاعلى منهم فهو يشملهم .

لذا فإن الله عندما أمر الملائكة بالسجود وهم اعلى منزلة من ابليس وجب عليه التنفيذ ولكنه استكبر فأستحق العقاب .

رحم الله الشيخ محمد متولي الشعراوي واسكنه فسيح جناته .

وأمر الله آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة فقال:

{ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } (سورة البقرة:35)

وقال في الأعراف:

{ قال اخرج منها مذءوماً مدحوراً، لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين* ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } (سورة الأعراف:18ـ19)

وقال تعالى:

{ وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى* فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى* إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى* وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحي } (سورة طه:116ـ119)

وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم إلي الجنة، وهذا قد صرح به إسحاق بن يسار، وهو ظاهر هذه الآيات.

ولكن حكى السدي عن أبي صالح وأبي مالك عن ابن عباس، وعن مرة، وعن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة أنهم قالوا: اخرج إبليس من الجنة واسكن آدم الجنة، فكا يمشي فيها وحتى ليس فيها زوج يسكن إليها، فنام نومه فاستيقظ وعند رأسه امرأة قاعدة خلقها الله من ضلعه؛ فسألها: ما أنت؟ قالت: امرأة. قال: لوم خلقت؟ قالت: لتسكن إلي. فقالت له الملائكة ينظرون ما بلغ من علمه: ما سامها يا آدم؟ قال: حواء، قالوا. ولم كانت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي.

وذكر محمد بن إسحاق، عن ابن عباس؛ أنها خلقت من ضلعه الأقصر الأيسر وهو نائم ولأم مكانه لحكم.

ومصدق هذا في قوله تعالى:

{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء... } (سورة النساء:1)

وفي قوله تعالى:

{ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به ... } (سورة الأعراف:189)

وفي الصحيحين من حديث زائدة، عن ميسرة الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً"

هذا لفظ البخاري. وقد اختلف المفسرون في قوله:

{ ولا تقربا هذه الشجرة } (سورة البقرة:35)

فقيل: هي الكرم، وروي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والشعبي، وجعدة بن هبيرة، ومحمد بن قيس، والسدي، ورواه عن ابن مسعود وناس من الصحابة، قال: وتزعم يهود أنها الحنطة، وهذا مروى عن ابن عباس، والحسن البصري، ووهب ابن منبه، وعطية العوفي، وأبى مالك، ومحارب بن دثار، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى.

قال وهب: والحبة منه ألين من الزبد وأحلى من العسل.

وقال الثوري عن حصين، عن أبي مالك: (ولا تقربا هذه الشجرة) وهي النخلة.

وقال ابن جريج عن مجاهد: وهي التينة، وبه قال قتادة وابن جريج. وقال أبو العالية: كانت شجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي في الجنة حدث.

وهذا الخلاف قريب، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا، كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن.

وإنما الخلاف الذي ذكروه في أن هذه الجنة التي أدخلها آدم: هل هي في السماء أو في الأرض، هو الخلال الذي ينبغي فصله والخروج منه.

والجمهور على أنها هي التي في السماء وهي جنة المأوى؛ لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى:

{ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } (سورة البقرة:35)

والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي، وإنما تعود على معهود ذهني؛ وهو المستقر شرعاً من جنة المأوى، وكقول موسى عليه السلام: "علام أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ …" الحديث كما سيأتي الكلام عليه.

وروي مسلم في صحيحه من حديث أبي مالك الأشجعي ـ واسمه سعد بن طارق ـ عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن أبي هريرة. وأبي مالك عن ربعى، عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة. فيأتون آدم فيقولون: يا آبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟"

وذكر الحديث بطوله. وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى، وليست تخلو عن نظر. وقال آخرون: بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد، لأنه كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة، ولأنه نام فيها وأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها، وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى.

وهذا القول محكي عن أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وسفيان بن عيينة، واختاره ابن قتيبة في "المعارف"، والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره وأفراد له مصنفاً على حده. وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم الله. ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي ابن خطيب الري في تفسيره عن أبي القاسم البلخي وأبي مسلم الأصبهاني، ونقله القرطبي في تفسيره عن المعتزلة والقدرية، وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب.

وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في "الملل والنحل"، وأبو محمد بن عطية في تفسيره، وأبو عيسى الرماني في تفسيره، وحكى عن الجمهور الأول، وأبو القاسم الراغب، والقاضي الماوردي في تفسيره فقال: واختلف في الجنة التي أسكناها، يعني آدم وحواء؛ على قولين: أحدهما: أنها جنة الخلد. الثاني: أنها جنة أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء.

ومن قال بهذا اختلفوا على قولين:

أحدهما: أنها في السماء لأنه أهبطهما منها، وهذا قول الحسن.

والثاني: أنها في الأرض؛ لأنه امتحنهما فيها بالنهي عن الشجرة التي نهيا عنها دون غيرها من الثمار. وهذا قول ابن يحيى. وكان ذلك بعد أن أمر إبليس بالسجود لآدم، والله أعلم بصواب ذلك.

هذا كلامه. فقد تضمن كلامه حكاية أقوال الثلاثة، وأشعر كلامه أنه متوقف في المسألة. لهذا حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره في هذه المسألة أربعة أقوال: هذه الثلاثة التي أوردها الماوردي، ورابعها الوقف، وحكى القول بأنها في السماء وليست جنة المأوى، عن أبي علي الجبائي.

وقد أورد أصحاب القول الثاني سؤالا يحتاج مثله إلي جواب، فقالوا: لا شك أن الله سبحانه وتعالى طرد إبليس حين امتنع من السجود عن الحضرة الإلهية، وأمره بالخروج عنها والهبوط منها، وهذا الأمر ليس من الأوامر الشرعية بحيث يمكن مخالفته، وإنما هو أمر قدري لا يخالف ولا يمانع، ولهذا قال:

{ اخرج منها مذءوماً مدحوراً } (سورة الأعراف:18)

وقال:

{ اهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها } (سورة الأعراف:13)

وقال:

{ اخرج منها فإنك رجيم } (سورة ص:77)

والضمير عائد إلي الجنة أو السماء أو المنزلة. وأيا ما كان فمعلوم أنه ليس له الكون قدراً في المكان الذي طرد عنه وأبعد منه، لا على سبيل الاستقرار ولا على سبيل المرور والاجتياز.

قالوا: ومعلوم من ظاهر سياقات القرآن أنه وسوس لآدم وخاطبه بقوله له:

{ هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } (سورة طه:120)

وبقوله:

{ وما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين* وقاسهما إني لكما لمن الناصحين* فدلاهما بغرور } (سورة الأعراف: 20ـ22)

وهذا ظاهر في اجتماعه معهما في جنتهما.

وقد أجيبوا عن هذا بأنه لا يمتنع أن يجتمع بهما في الجنة على سبيل المرور فيها لا على سبيل الاستقرار بها، أو أنه وسوس لهما وهو على باب الجنة أو من تحت السماء. وفي الثلاثة نظر، والله أعلم.

ومما احتج به أصحاب هذه المقالة: ما رواه عبد الله ابن الإمام احمد في الزيادات عن هدبة بن خالد، عن حمادة بن سلمة، عن حميد، عن الحسن البصري، عن يحيى ابن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب، قال: إن آدم لما احتضر اشتهى قطفا من عنب الجنة، فانطلق بنوه ليطلبوه له، فلقيتهم الملائكة فقالوا: أين تريدون يا بني آدم؟ فقالوا: إن آبانا اشتهى قطفاً من عنب الجنة. فقالوا لهم: ارجعوا فقد كفيتموه. فانتهوا إليه فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلى عليه جبريل وبنوه خلف الملائكة ودفنوه، وقالوا: هذه سنتكم في موتاكم.

وسيأتي الحديث بسنده، وتمام لفظه عند ذكر وفاة آدم عليه السلام.

قالوا: فلولا أنه كان الوصول إلي الجنة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القطف ممكناً؛ لما ذهبوا يطلبون ذلك، فدل على أنها في الأرض لا في السماء، والله أعلم. قالوا: والاحتجاج بأن الألف واللام في قوله:

{ ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } (سورة الأعراف:19)

لم يتقدم عهد يعود عليه فهو المعهود الذهني مسلم، ولكن هو ما دل عليه سياق الكلام، فإن آدم خلق في الأرض ولم ينقل أنه رفع إلي السماء وخلق ليكون في الأرض، وبهذا أعلم الرب الملائكة حيث قال:

{ إني جاعل في الأرض خليفة } (سورة البقرة:30)

قالوا: وهذا كقوله تعالى:

{ إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة } (سورة القلم:17)

فالألف واللام ليس للعموم، ولم يتقدم معهود لفظي، وإنما هو المعهود الذهني الذي دل عليه السياق وهو البستان قالوا: وذكر الهبوط لا يدل على النزول من السماء.

قال الله تعالى:

{ قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى اسم ممن معك } (سورة هود:48)

وإنما كان في السفينة حين استقرت على الجودي ونضب الماء عن وجه الأرض أمر أن يهبط إليها هو ومن معه مباركاً عليه وعليهم.

قال تعالى:

{ اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم } (سورة البقرة:61)

وقال تعالى:

{ وإن منها لما يهبط من خشية الله } (سورة البقرة:74)

وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير.

قالوا: ولا مانع ـ بل هو الواقع ـ أن الجنة التي اسكنها آدم كانت مرتفعة عن سائر بقاع الأرض، ذات أشجار وثمار وطلال ونعيم ونضرة وسرور، كما قال تعالى:

{ إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } (سورة طه:118)

أي: لا يذل باطنك بالجوع ولا ظاهرك بالعرى

{ وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحي } (سورة طه:119)

أي: لا يمس باطنك حر الظمأ ولا ظاهرك حر الشمس، ولهذا قرن بين هذا وهذا، وبين هذا وهذا؛ لما بينهما من المقابلة.

فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نهى عنها، أهبط إلي أرض الشقاء والتعب والنصب، والسعي والكد والنكد، والابتلاء والاختبار والامتحان، واختلاف السكان ديناً وأخلاقاً وأعمالاً، وتصوراً وإرادات وأقوالاً وأفعالاً، كما قال:

{ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين } (سورة البقرة:36)

ولا يلزم من هذا أنهم كانوا في السماء كما قال تعالى:

{ وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض، فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً } (سورة الإسراء:104)

ومعلوم أنهم كانوا فيها ولم يكونوا في السماء. قالوا: وليس هذا القول مفرعاً على قول من ينكر وجود الجنة والنار اليوم، ولا تلازم بينهما، فكل من حكى عنه هذا القول من السلف وأكثر الخلف، ممن يثبت وجود الجنة والنار اليوم، كما دلت عليه الآيات والأحاديث الصحاح، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

وقوله تعالى:

{ فأزلهما الشيطان عنها } (سورة البقرة:36)

أي: عن الجنة (فأخرجهما مما كانا فيه) أي: من النعيم والنضرة والسرور إلي دار التعب والكد والنكد، وذلك بما وسوس لهما وزينه في صدورهما. كما قال تعالى:

{ فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } (سورة الأعراف:20)

يقول: ما نهاكما عن أكل هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، أي: لو أكلتما منها لصرتما كذلك.

(وقاسمهما) أي: حلف لهما على ذلك (إني لكما لمن الناصحين)، كما قال في الآية الأخرى:

{ فوسوس إليه الشيطان، قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } (سورة طه:120)

أي: هل أدلك على الشجرة التي إذا أكلت منها حصل لك الخلد فيما أنت فيه من نعيم، واستمررت في ملك لا يبيد ولا ينقضي؟ وهذا من التغرير والتزوير والإخبار بخلاف الواقع.

والمقصود أن قوله شجرة الخلد التي إذا أكلت منها خلدت، وقد تكون هي الشجرة التي

قال الإمام احمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة، عن أبي الضحاك، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ولا يقطعها: شجرة الخلد"

وكذا رواه أيضا عن غندر وحجاج، عن شعبة. ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة أيضا به. قال غندر: قلت لشعبة: هي شجرة الخلد؟ قال: ليس فيها هي. وممكن تفرد به الإمام احمد.

وقوله:

{ فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } (سورة الأعراف:22)

كما قال في طه:

{ فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } (سورة طه:121)

وكانت حواء أكلت من الشجرة قبل آدم، وهي التي حدته على أكلها، والله أعلم.

وعليه يحمل الحديث الذي رواه البخاري: حدثنا بشر بن محمد، حدثنا عبد الله، أنبأنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه: "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها"

تغرد به من هذا الوجه.

وأخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة به.

ورواه احمد ومسلم عن هارون بن معروف، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث عن أبي يونس، عن أبي هريرة به.

وفي كتاب التوراة التي بأيدي أهل الكتاب: أن الذي دل حواء على الأكل من الشجرة هي الحية، وكانت من أحسن الأشكال وأعظمها، فأكلت حواء عن قولها وأطعمت آدم عليه السلام، وليس فيها ذكر لإبليس؛ فعند ذلك انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان، فوصلا من ورق التين وعملا مآزر، وفيهما أنهما كان عريانين، وكذا قال وهب بن منبه: كان لباسهما نوراً على فرجه وفرجها.

وهذا الذي في هذه التوراة التي بأيديهم غلط منهم، وتحريف وخطأ في التعريب؛ فإن نقل الكلام من لغة إلي لغة لا يتيسر لكل أحد؛ ولاسيما ممن لا يكاد يعرف كلام العرب جيداً، ولا يحيط علما بفهم كتابه أيضاً، فلهذا وقع في تعريبهم لها خطأ كثير لفظاً ومعنى. وقد دل القرآن العظيم على أنه كان عليهما لباس في قوله:

{ ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما } (سورة الأعراف:27)

فهذا لا يرد لغيره من الكلام والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا على بن الحسين بن إشكاب، حدثنا عن عاصم، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً، كثيرا شعر الرأس كأنه نخلة سحوق، فلما ذاق الشجرة سقط عنه لباسه، فأول ما بدأ منه عورته، فلما نظر إلي عورته جعل يشتد في الجنة، فأخذت شعره شجرة فنازعها، فناداه الرحمن عز وجل: يا آدم مني تفر؟ فما سمع كلام الرحمن قال: يا رب لا، ولكن استحياء"

وقال الثوري عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس

{ وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة } (سورة الأعراف:22)

ورق التين. وهذا إسناد صحيح إليه، وكأنه مأخوذ من أهل الكتاب، وظاهرة الآية يقتضي أعم من ذلك، وبتقدير تسليمه فلا يضر، والله أعلم.

وروي الحافظ ابن عساكر عن طريق محمد بن إسحاق، عن الحسن بن ذكوان، عن الحسن البصري، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أباكم آدم كان كالنخلة السحوق، ستون ذراعاً، كثير الشعر، مواري العورة، فلما أصاب الخطيئة في الجنة بدت له سوأته فخرج من الجنة، فلقيته شجرة فأخذت بناصيته، فناداه ربه: أفراراً مني يا آدم؟ قال: بل حياء منك والله يا رب مما جئت به"

ثم رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عتي بن ضمرة عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

وهذا أصح، فإن الحسن لم يدرك أبيا.

ثم أورده أيضا من طريق خيثمة بن سليمان الأطرابلسي، عن محمد بن عبد الوهاب أبي قرصافة العسقلاني، عن آدم بن أبي إياس، عن سنان، عن قتادة، عن أنس مرفوعاً بنحوه.

{ وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين* قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } (سورة الأعراف:22ـ23)

وهذا اعتراف ورجوع إلي الإنابة، وتذلل وخضوع واستكانة، وافتقار إليه تعالى في الساعة الراهنة، وهذا السر ما سرى في أحد من ذريته إلا كانت عاقبته إلي خير في دنياه وأخراه.

{ قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم وفي الأرض مستقر ومتاع إلي حين } (سورة الأعراف:24)

وهذا خطاب لآدم وحواء وإبليس، قيل والحية معهم، أمروا أن يهبطوا من الجنة في حال كونهم متعادين متحاربين. وقد يستشهد لذكر الحية معهما بما ثبت في الحديث

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتل الحيات وقال: "ما سالمناهن منذ حاربناهن"

وقوله في سورة طه:

{ قال اهبطا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو } (سورة الآية:123)

هو أمر لآدم وإبليس، واستتبع آدم: حواء، وإبليس: الحية. وقيل: هو أمر لهم بصيغة التثنية كما في قوله تعالى:

{ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين } (سورة الأنبياء:78)

والصحيح أن هذا لما كان الحاكم لا يحكم إلا بين اثنين مدع ومدعي عليه، قال: (وكنا لحكمهم شاهدين). وأما تكريره الإهباط في سورة البقرة في قوله:

{ وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين* فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم* قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون* والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } (سورة البقرة:36ـ39)

فقال بعض المفسرين: المراد بالإهباط الأول: الهبوط من الجنة إلي السماء الدنيا، وبالثاني: من السماء الدنيا إلي الأرض.

وهذا ضعيف لقوله في الأول: (وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلي حين). فدل على أنهم اهبطوا إلي الأرض بالإهباط الأول والله أعلم.

والصحيح أنه كرره لفظاً وإن كان واحداً، وناط مع كل مرة حكماً، فناط بالأول عداوتهم فيما بينهم، وبالثاني الاشتراط عليهم أن من تبع هداه الذي ينزله عليهم بعد ذلك فهو السعيد ومن خالفه فهو الشقي، وهذا الأسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الحكيم.

وروي الحافظ ابن عساكر عن مجاهد قال: أمر الله ملكين أن يخرجا آدم وحواء من جواره، فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه، وتعلق به غصن فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه يقول: العفو العفو، فقال الله أفراراً مني؟ قال: بل حياء منك يا سيدي.

وقال الأوزاعي عن حسان ـ هو ابن عطية ـ: مكث آدم في الجنة مائة عام، وفي رواية ستين عام، وبكى على الجنة سبعين عاماً، وعلى خطيئته سبعين عاماً، وعلى ولده حين قتل أربعين عاماً. رواه ابن عساكر.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو روعة، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن سعيد، عن ابن عباس قال: اهبط آدم عليه السلام إلي أرض يقال لها "دحنا" بين مكة والطائف.

وعن الحسن قال: اهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بـ"دستيمسان" من البصرة على أميال، واهبطت الحية بأصبهان.

رواه ابن أبي حاتم أيضاً.

وقال السدي: نزل آدم بالهند ونزل معه الحجر الأسود وبقبضة من ورق الجنة، فبثه في الهند فنبتت شجرة الطيب هناك.

وعن ابن عمر قال: اهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة. رواه ابن أبي حاتم أيضاً.

وقال عبد الرزاق: قال معمر: أخبرني عوف، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري، قال: إن الله حين اهبط آدم من الجنة إلي الأرض علمه صنعة كل شيء، وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير.

وقال الحاكم في مستدركه: أنبأنا أبو بكر بن بالويه، عن محمد بن احمد بن النضر، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن عمار بن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلي غروب الشمس.

ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

وفي صحيح مسلم من حديث الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة: فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها"

وفي الصحيح من وجة آخر: "وفيه تقوم الساعة".

وقال احمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن أبي عمار، عن عبد الله بن فروخ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، وفيه تقوم الساعة"

على شرط مسلم.

فأما الحديث الذي رواه ابن عساكر من طريق أبي القاسم البغوي، حدثنا محمد بن جعفر الوركاني، حدثنا سعيد بن ميسرة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هبط آدم وحواء عريانين جميعاً، عليهما ورق الجنة، فأصابه الحر حتى ققعد يبكي ويقول لها: يا حواء قد آذاني الحر، قال: فجاءه جبريل بقطن، وأمرها أن تغزل وعلمها، وأمر آدم بالحياكة، وعلمه أن ينسج، قال: وكان آدم لم يجامع امرأته في الجنة؛ حتى هبط منها للخطيئة التي أصابتهما بأكلهما من الشجرة، قال: وكان كل واحد منهما ينام على حده؛ ينام أحدهما في البطحاء والآخر من الناحية أخرى، حتى أتاه جبريل فأمره أن يأتي أهله، قال: وعلمه كيف يأتيها، فكلما أتاها جاءه جبريل فقال: كيف وجدت امرأتك؟ قال: صالحة"

فإنه حديث غريب، ورفعه منكر جداً، وقد يكون من كلام بعض السلف، سعيد ابن ميسرة هذا هو أبو عمران البكري البصري، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات، وقال ابن عدي: مظلم الأمر. وقوله:

{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم } (سورة البقرة:37)

قيل هي قوله:

{ ... ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } (سورة الأعراف:23)

روي هذا عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، والربيع بن أنس، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب، وخالد بن معدان، وعطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا على بن الحسن بن إشكاب، حدثنا على بن عاصم، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال آدم عليه السلام: أرأيت يا رب إن تبت وراجعت أعائدي إلي الجنة؟ قال: نعم. فذلك قوله: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب)

وهذا غريب من هذا الوجه، وفيه انقطاع.

وقال ابن أبي نجيح؛ عن مجاهد قال: الكلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين. اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فتب علي، إنك أنت التواب الرحيم.

وروى الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه). قال: قال آدم: يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى، ونفخت في من روحك؟ قيل له: بلى، وعطست فقلت يرحمك الله، وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل له: بلى، وكتبت علي أن أعمل هذا؟ قيل له: بلى؛ قال: أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلي الجنة؟ قال: نعم.

ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وروى الحاكم أيضاً والبيهقي وابن عساكر من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي.

فقال الله: فكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد؟

فقال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلي اسمك إلا أحب الخلق إليك.

فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك"

قال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه وهو ضعيف والله أعلم.

وهذه الآية كقوله تعالى:

{ وعصى آدم ربه فغوى* ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } (سورة طه:121ـ122)

 

اتمنى ان اكون قد وفقت فيما قدمته لكم

من قصة آدم عليه السلام .

تحياتي لكم ودمتم بخير

 

اسألكم الدعاء .. اخيكم : عاشق الصداقه

 

:wink_smile:

  • أعجبني 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

للإمام ابن الحافظ ابن كثير

ذكر قصة ابني آدم - قابيل وهابيل.

قال الله تعالى:

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ. لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ. فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ}.

وقد تكلمنا على هذه القصة في سورة المائدة في التفسير بما فيه كفاية. ولله الحمد.

ولنذكر هنا ملخص ما ذكره أئمة السلف في ذلك.

فذكر السُّدِّي عن أبي مالك وأبي صالح، عن ابن عبَّاس، وعن مُرَّة عن ابن مسعود وعن ناسٍ من الصحابة، أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى "البطن" الآخر وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل، وكان أكبر من هابيل، وأخت قابيل أحسن، فأراد قابيل أن يستأثر بها على أخيه، وأمره آدم عليه السلام أن يزوجه إياها فأبى، فأمرهما أن يقربا قرباناً، وذهب آدم ليحج إلى مكة، واستحفظ السماوات على بنيه فأبين، والأرضين والجبال فأبين، فتقبل قابيل بحفظ ذلك.

فلما ذهب قربا قربانهما؛ فقرب هابيل جذعة سمينة، وكان صاحب غنم، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي، فقال: إنما يتقبل الله من المتقين.

وروي عن ابن عبَّاس من وجوه أخر، وعن عبد الله بن عمرو، وقال عبد الله بن عمرو: وأيم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكن منعه التحرج أن يبسط إليه يده!

وذكر أبو جعفر الباقر أن آدم كان مباشراً لتقريبهما القربان والتقبل من هابيل دون قابيل، فقال قابيل لآدم: إنما تقبل منه لأنك دعوت له ولم تدع لي. وتوعد أخاه فيما بينه وبينه.

فلما كان ذات ليلة أبطأ هابيل في الرعي، فبعث آدم قابيل لينظر ما أبطأ به، فلما ذهب إذا هو به، فقال له: تقبل منك ولم يتقبل مني. فقال: إنما يتقبل الله من المتقين. فغضب قابيل عندها وضربه بحديدة كانت معه فقتله. وقيل: إنه إنما قتله بصخرة رماها على رأسه وهو نائم فشدخته. وقيل: بل خنقه خنقاً شديداً وعضه كما تفعل السباع فمات. والله أعلم.

وقوله له لما توعده بالقتل:

{لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} دل على خلق حسن، وخوف من الله تعالى وخشية منه، وتورع أن يقابل أخاه بالسوء الذي أراد منه أخوه مثله.

ولهذا ثبت في "الصحيحين" عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قالوا يا رسول الله: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه".

وقوله: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} أي إني أريد ترك مقاتلتك وإن كنت أشد منك وأقوى، إذ قد عزمت على ما عزمت عليه، أن تبوء بإثمي وإثمك، أي تتحمل إثم مقاتلتي مع ما لك من الأثام المتقدمة قبل ذلك. قاله مجاهد والسُّدِّي وابن جرير وغير واحد.

وليس المراد أن آثام المقتول تتحول بمجرد قتله إلى القاتل كما قد توهمه بعض من قال: فإن ابن جرير حكى الإجماع على خلاف ذلك.

وأما الحديث الذي يورده بعض من لا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ترك القاتل على المقتول من ذنب" فلا أصل له، و لا يعرف في شيء من كتب الحديث بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضاً.

ولكن قد يتفق في بعض الأشخاص يوم القيامة، أن يطالب المقتول القاتل فتكون حسنات القاتل لا تفي بهذه المظلمة فتحول من سيئات المقتول إلى القاتل، كما ثبت به الحديث الصحيح في سائر المظالم، والقتل من أعظمها والله أعلم. وقد حررنا هذا كله في التفسير ولله الحمد.

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي، عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال عند فتنة عثمان بن عفان: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستكون فتنة؛ القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي" قال: أفرأيت إن دخل على بيتي فبسط يده إلي ليقتلني. قال "كن كابن آدم".

ورواه ابن مردويه عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً: كن كخير ابني آدم. وروى مسلم وأهل السنن إلا النسائي عن أبي ذر نحو هذا.

وأما الآخر فقد قال الإمام أحمد: حَدَّثَنا أبو معاوية ووكيع، قالا: قال حَدَّثَنا الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن ابن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقتل نفساً ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل".

ورواه الجماعة سوى أبي داود من حديث الأعمش به. وهكذا روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وإبراهيم النخعي أنهما قالا مثل هذا سواء.

وبجبل قاسيون شمالي دمشق مغارة يقال لها مغارة الدم، مشهورة بأنها المكان الذي قتل قابيل أخاه هابيل عندها، وذلك مما تلقوه عن أهل الكتاب فالله أعلم بصحة ذلك.

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن كثير - وقال إنه كان من الصالحين - أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وهابيل، وأنه استحلف هابيل أن هذا دمه فحلف له، وذكر أنه سأل الله تعالى أن يجعل هذا المكان يستجاب عنده الدعاء، فأجابه إلى ذلك، وصدقه في ذلك رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم، وقال إنه وأبا بكر وعمر يزورون هذا المكان في كل يوم خميس. وهذا منام لو صح عن أحمد بن كثير هذا، لم يترتب عليه حكم شرعي والله أعلم.

وقوله تعالى:

{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ}. ذكر بعضهم أنه لما قتله حمله على ظهره سنة، وقال آخرون حمله مائة سنة، ولم يزل كذلك حتى بعث الله غرابين. قال السُّدِّي بإسناده عن الصحابة: أخوين، فتقاتلا فقتل أحدهما الآخر، فلما قتله عمد إلى الأرض يحفر له فيها ثم ألقاه ودفنه وواراه، فلما رآه يصنع ذلك

قال تعالى :{قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} ؟ ففعل مثل ما فعل الغراب فواراه ودفنه.

وذكر أهل التواريخ والسير أن آدم حزن على ابنه هابيل حزناً شديداً، وأنه قال في ذلك شعراً، وهو قوله فيما ذكره ابن جرير عن ابن حميد:

تغيرت البلاد ومن عليها ** فوجه الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي لون وطعم ** * وقل بشاشة الوجه المليح

فأجيب آدم:

أبا هابيل قد قتلا جميعاً ** وصار الحي كالميت الذبيح

وجاء بشرة قد كان منها ** على خوف فجاء بها يصيح

وهذا الشعر فيه نظر. وقد يكون آدم عليه السلام قال كلاماً يتحزن به بلغته، فألفه بعضهم إلى هذا، وفيه أقوال والله أعلم.

وقد ذكر مجاهد أن قابيل عوجل بالعقوبة يوم قتل أخاه؛ فعلقت ساقه إلى فخذه، وجعل وجهه إلى الشمس كيفما دارت، تنكيلاً به وتعجيلاً لذنبه وبغيه وحسده لأخيه لأبويه.

وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم".

والذي رأيته في الكتاب الذي بأيدي أهل الكتاب الذين يزعمون أنه التوراة: أن الله عز وجل أجله ونظره، وأنه سكن في أرض "نود" في شرقي عدن وهم يسمونه قنين، وأنه ولد له خنوخ، ولخنوخ عندر، ولعندر محوايل، ولمحوايل متوشيل، ولمتوشيل لامك. وتزوج هذا امرأتين: عدا وصلا. فولدت "عدا" ولداً اسمه ابل، وهو أول من سكن القباب واقتنى المال، وولدت أيضاً نوبل، وهو أول من أخذ في ضرب الونج والصنج. وولدت "صلا" ولدا اسمه توبلقين، وهو أول من صنع النحاس والحديد، وبنتا اسمها "نعمى".

وفيها أيضاً أن آدم طاف على امرأته فولدت غلاماً ودعت اسمه "شيث" وقالت من أجل أنه قد وهب لي خلفاً من هابيل الذي قتله قابيل. وولد لشيث أنوش.

قالوا: وكان عمر آدم يوم ولد له شيث مائة وثلاثين سنة، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة، وكان عمر شيث يوم ولد له أنوش مائة وخمساً وستين، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وسبع سنين. وولد له بنون وبنات غير أنوش.

فولد لأنوش "قينان" وله من العمر تسعون سنة، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وخمس عشر سنة، وولد له بنون وبنات.

فلما كان عمر قينان سبعين سنه ولد له مهلاييل، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وأربعين سنة، وولد له بنون وبنات. فلما كان لمهلاييل من العمر خمس وستون سنة ولد له "يرد" وعاش بعد ذلك ثمانمائة وثلاثين سنة وولد له بنون وبنات.

فلما كان ليرد مائة سنة واثنتان وستون سنة ولد له "خنوخ" وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة وولد له بنون وبنات.

فلما كان لخنوخ خمس وستون سنة ولد له متوشلخ، وعاش بعد ذلك ثمانمائة سنة، وولد له بنون وبنات. فلما كان لمتوشلخ مائة وسبع وثمانون سنة ولد له "لامك" وعاش بعد ذلك سبعمائة واثنين وثمانين سنة وولد له بنون وبنات.

فلما كان للامك من العمر مائة واثنتان وثمانون سنة ولد له "نوح" وعاش بعد ذلك خمسمائة وخمساً وتسعين سنة، وولد له بنون وبنات. فلما كان لنوح خمسمائة سنة ولد له بنون: سام وحام ويافث. هذا مضمون ما في كتابهم صريحاً.

وفي كون هذه التواريخ محفوظة فيما نزل من السماء نظر، كما ذكره غير واحد من العلماء طاعنين عليهم في ذلك. والظاهر أنها مقحمة فيها، ذكرها بعضهم على سبيل الزيادة والتفسير. وفيها غلط كثير كما سنذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى.

وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير في "تاريخه" عن بعضهم: أن حَوَّاء ولدت لآدم أربعين ولداً في عشرين بطناً. قاله ابن إسحاق وسماهم. والله تعالى أعلم. وقيل مائة وعشرين بطناً في كل واحد ذكر وأنثى، أولهم قابيل وأخته قليما، وآخرهم عبد المغيث وأخته أم المغيث.

ثم انتشر الناس بعد ذلك وكثروا، وامتدوا في الأرض ونموا؛

كما قال الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} الآية.

وقد ذكر أهل التاريخ أن آدم عليه السلام لم يمت حتى رأى من ذريته من أولاده وأولاد أولاده أربعمائة ألف نسمة. والله أعلم.

وقال تعالى:

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} الآيات.

فهذا تنبيه أولاً بذكر آدم، ثم استطرد إلى الجنس. وليس المراد بهذا ذكر آدم وحَوَّاء، بل لما جرى ذكر الشخص استطرد إلى الجنس كما في قوله تعالى:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}

وقال تعالى:

{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} .

ومعلوم أن رجوم الشياطين ليست هي أعيان مصابيح السماء، وإنما استطرد من شخصها إلى جنسها.

فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حَدَّثَنا عبد الصمد، حَدَّثَنا عمر بن إبراهيم، حَدَّثَنا قتادة عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما ولدت حَوَّاء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد، فقال سميه عبد الحارث فإنه يعيش. فسمته عبد الحارث فعاش، وكان ذلك من وحي الشّيْطان وأمره".

وهكذا رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه في تفاسيرهم عند هذه الآية، وأخرجه الحاكم في "مستدركه"، كلهم من حديث عبد الصمد ابن عبد الوارث به، فقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم، ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه.

فهذه علة قادحة في الحديث أنه روي موقوفاً على الصحابي وهذا أشبه والظاهر أنه تلقاه من الإسرائيليات، وهكذا روي موقوفاً عن ابن عبَّاس. والظاهر أن هذا متلقى عن كعب الأحبار وذويه. والله أعلم.

وقد فسر الحسن البصري هذه الآيات بخلاف هذا، فلو كان عنده عن سمرة مرفوعاً لما عدل عنه إلى غيره. والله أعلم.

وأيضاً فالله تعالى إنما خلق آدم وحَوَّاء ليكونا أصل البشر، وليبث منهما رجالاً كثيراً ونساء. فكيف كانت حَوَّاء لا يعيش لها ولد كما ذكر في هذا الحديث إن كان محفوظاً؟!

والمظنون بل المقطوع به أن رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، والصواب وقفه والله أعلم. وقد حررنا هذا في كتابنا التفسير ولله الحمد.

ثم قد كان آدم وحَوَّاء أتقى لله مما ذكر عنهما في هذا؛ فإن آدم أبو البشر الذي خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه جنته.

وقد روى ابن حبان في "صحيحه" عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً". قلت يا رسول الله كم الرسل منهم؟ قال: "ثلاثمائة وثلاثة عشر جم غفير" قلت يا رسول الله من كان أولهم؟ قال: آدم.

قلت يا رسول الله نبي مرسل؟ قال: نعم خلقه الله بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم سواه قبلا".

وقال الطبراني: حَدَّثَنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، حَدَّثَنا شيبان بن فروخ، حَدَّثَنا نافع بن هرمز، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أخبركم بأفضل الملائكة: جبريل، وأفضل النبيين آدم، وأفضل الأيام يوم الجمعة، وأفضل الشهور شهر رمضان، وأفضل الليالي ليلة القدر، وأفضل النساء مريم بنت عمران".

وهذا إسناد ضعيف، فإن نافعاً أبا هرمز كذبه ابن معين، وضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم. والله أعلم.

وقال كعب الأحبار: ليس أحد في الجنَّة له لحية إلا آدم، لحيته سوداء إلى سرته. وليس أحد يكنى في الجنَّة إلا آدم؛ كنيته في الدنيا أبو البشر وفي الجنَّة أبو محمد.

وقد روى ابن عدي من طريق شيخ بن أبي خالد، عن حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن جابر مرفوعاً: أهل الجنَّة يدعون بأسمائهم إلا آدم فإنه يكنى أبا محمد.

ورواه ابن عدي أيضاً من حديث علي بن أبي طالب، وهو ضعيف من كل وجه. والله أعلم.

وفي حديث الإسراء الذي في "الصحيحين": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرّ بآدم وهو في السماء الدنيا، قال له مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، قال: وإذا عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى، فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا آدم وهؤلاء نسم بنيه، فإذا نظر قبل أهل اليمين - وهم أهل الجنَّة - ضحك، وإذا نظر قبل أهل الشمال - وهم أهل النار - بكى.

وهذا معنى الحديث.

وقال أبو بكر البزار: حَدَّثَنا مُحَمْد بن المثنى، حدثني يزيد بن هارون، أنبأنا هشام بن حسان بن الحسن قال: كان عقل آدم مثل عقل جميع ولده.

وقال بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلّم : "فمررت بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن" قالوا: معناه أنه كان على النصف من حسن آدم عليه السلام. وهذا مناسب، فإن الله خلق آدم وصوره بيده الكريمة، ونفخ فيه من روحه، فما كان ليخلق إلا أحسن الأشباه.

وقد روينا عن عبد الله بن عمر وابن عمر أيضاً موقوفاً ومرفوعاً: أن الله تعالى لما خلق الجنَّة، قالت الملائكة: يا ربنا اجعل لنا هذه، فإنك خلقت لبني آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون، فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان.

وقد ورد الحديث المروي في "الصحيحين" وغيرهما من طرق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله خلق آدم على صورته" وقد تكلم العلماء على هذا الحديث فذكروا فيه مسالك كثيرة ليس هذا موضع بسطها. والله أعلم.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

besmala5.gif

image-3.gif

 

 

 

"نوح عليه السلام"

 

قال الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [نوح: 1].

وقد أرسله الله إلى قومٍ فسد حالهم، ونسوا أصول شريعة الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله السابقين، وصاروا يعبدون الأوثان. وقد أثبت القرآن الكريم خمسة أوثان لهم، كانوا يقدسونها ويعبدونها، وهي: (وَدّ - سُوَاع - يَغُوث - يَعُوق - نْسْر). قال الله تعالى: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: 23].

* نسب نوح:

يذكر النسَّابون أنه: نوح (عليه السلام) بن لامك بن متوشالح بن إدريس ("أخنوخ" عليه السلام) بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث (عليه السلام) بن آدم (عليه السلام) أبي البشر. والله أعلم.

* حياة نوح مع قومه في فقرات:

وقد ذُكرت قصة نوح مع قومه في ست سور من القرآن الكريم بشكل مفصَّل، وأبرز ما فيها النقاط التالية:

1- إثبات نبوته ورسالته.

2- دعوته لقومه دعوة ملحَّة، وثباته وصبره فيها، واتخاذه فيها مختلف الحجج والوسائل.

3- إعراض قومه عنه، فكلما زادهم دعاءً وتذكيراً زادوه فراراً وإعراضاً، وإصراراً على الباطل، واحتقاراً لأتباعه من الضعفاء.

4- عبادة قومه الأوثان الخمسة التي مرَّ ذكرها، وضلالهم الكثير.

5- تنكّر قومه لدعوته، وتكذيبه فيها بحجة أنه رجل منهم، ثم طلبهم إنزال العذاب الذي يَعِدهم به.

6- شكوى نوح إلى ربه أن قومه عصَوْه، واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلاَّ خساراً.

7- إعلام أو إخبار الله لنوح بأنه لن يؤمن من قومه إلاَّ من آمن، وذلك بعد زمن طويل لبعثه فيهم وهو يدعوهم ويصبر عليهم، وقد تعاقبت عليه منهم أجيال.

8- دعوة نوح عليهم بقوله: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 26-27].

9- أمْرُ الله لنوح أن يصنع السفينة - وقد كان ماهراً في النجارة - وذلك تهيئة لإِنقاذه هو ومَن معه من الطوفان الذي سيغسل الأرض من الكفر.

10- سخرية قوم نوح منه كلما مرَّ عليه ملأَ منهم ورأَوْهِ يصنع السفينة، وذلك إمعاناً منهم بالضلال وهم يَرَون منذرات العذاب.

11- حلول الأجل الذي قضاه الله وقدَّره للطوفان، وكان من علامة ذلك أن فار الماء من التَّنُّور.

12- أمر الله لنوح أن يحمل في السفينة:

(أ) من كلٍّ زوجين اثنين.

(ب)أهله إلاَّ من كفر منهم، ومنهم ولده الذي كان من المُغْرَقين وزوجته.

(ج) الذين آمنوا معه، وهؤلاء قليل.

فركبوا فيها وقالوا: {بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41].

13- تفجّر عيون الأرض، وانسكاب سحب السماء، ووقوع قضاء الله، ودعوة نوحٍ ولدَه في آخر الساعات قبيل غرقه، ولكن هذا الولد رفض الإِيمان، وظن النجاة بالاعتصام بالجبل وجرت السفينة بأمر الله، وقُضي الأمر، وكان ولد نوح من المغرقين.

14- تحسُّر نوحٍ على ولده وهو في السفينة تجري بأمر الله وتمنِّيه أن يكون معه ناجياً، وقوله لربه: "إن ابني من أهلي" وعتاب الله له، وإخباره بأن هذا الولد ليس من أهله، لأنه كافر عمل عملاً غير صالح.

15- ختم القصة بالإِعلان عن انقضاء الأمر:

{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود: 44].

الجودي: جبل في نواحي ديار بكر من بلاد الجزيرة، وهو متصل بجبال أرمينية. ويُسمى في التوراة: "أراراط".

16- ذِكْرُ المدة التي لبثها نوح في قومه، وهي: ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً، فهل هي مجموع حياته، أو هي فترة دعوته لقومه - أي: منذ رسالته حتى وفاته - أو هي منذ ولادته أو رسالته إلى زمن الطوفان؟ كل ذلك محتمل والله أعلم بالحقيقة.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14].

ويرجح الرأي الأخير لقوله تعالى: {فأخذهم الطوفان} بعد قوله: {فلبث فيهم ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً}، لما تفيده الفاء من الترتيب.

17- بيان أن الذين بقوا بعد نوح هم ذريته فقط، وذلك في قوله تعالى: {وجعلنا ذريته هم الباقين}.

قال المؤرخون: وهم ذرية أولاده الثلاثة، سام وحام ويافث.

ويقولون أيضاً:

1- سام: أبو العرب وفارس الروم.

2- وحام: أبو السودان والفرنج والقبط والهند والسند.

3- ويافث: أبو الترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج.

والله أعلم بالحقيقة.

  • أعجبني 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

إضافه :

 

 

قصة نوح عليه السلام

مولده

وكان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة؛ فيما ذكره ابن جرير وغيره. وعلى تاريخ أهل الكتاب المتقدم يكون بين مولد نوح وموت آدم مائة وست وأربعون سنة، وكان بينهما عشرة قرون كما قال الحافظ أبو حاتم بن حبان في صحيحه: حدثنا محمد بن عمرو بن يوسف، حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلام، عن أخيه زيد بن سلام سمعت أبا سلام، سمعت أبا أمامة يقول: أن رجلا قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: "نعم، مكلم". قلت فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: "عشرة قرون".

وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه. وفي صحيح البخاري ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.

فإن كان المراد بالقرن مائة سنة ـ كما هو المتبادر عند كثير من الناس ـ فينهما ألف سنة لا محالة، لكن لا ينفي أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به ابن عباس بالإسلام، إذ قد يكون بينهما قرون آخر متأخرة لم يكونوا على الإسلام، ولكن حديث أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون، وزادنا ابن عباس أنهم كانوا على الإسلام.

وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ وغيرهم من أهل الكتاب: أن قابيل وبنيه عبدوا النار. فالله أعلم.

وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس كما في قوله تعالى:

{وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح} (سورة الإسراء:17)

وقوله:

{ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} (سورة المؤمنون:31)

وقال تعالى:

{وقرونا بين ذلك كثيراً} (سورة الفرقان: 38)

وقال:

{وكم أهلكنا قبلهم من قرن} (سورة مريم:74)

وكقوله عليه السلام: "خير القرون قرني" ... الحديث، فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهور الطويلة، فعلى هذا يكون بين نوح وآدم ألوف من السنين، والله أعلم.

(( الاصنام التي عبدها قومه وسبب عبادتهم لها ))

قال تعالي :

{وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً} (سورة نوح:23)

قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلي قومهم أن انصبوا إلي مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وانتسخ العلم عبدت.

قال ابن عباس: وصارت هذه الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد وهكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة ومحمد بن إسحاق.

وقال ابن جرير في تفسيره: حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران، عن سفيان، عن موسى، عن محمد بن قيس قال: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلي العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدوهم وبهم يسقطون المطر، فعبدوهم.

وروى ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير أنه قال: ود ويغوث ويعوق وسواع ونسر أولاد آدم، وكان "ود" أكبرهم وأبرهم به.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا احمد بن منصور، حدثنا الحسن بن موسى، حدثنا يعقوب عن أبي المطهر، قال: فلما انفتل من صلاته قال: ذكرتم يزيد بن المهلب، أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله تعالى. قال: ذكر ودا رجلاً صالحاً، وكان محبباً في قومه، فلما مات عكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان، ثم قال: إني أرى جزعكم على هذا الرجل، فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟ قالوا: نعم فصور لهم مثله، قال: ووضعوه فيناديهم وجعلوا يذكرونه، فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثالاً مثله ليكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا: نعم. قال: فمثل لكل أهل بيت تمثالاً مثله، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به، قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به. قال: وتناسوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلهاً يعبدونه من دون الله، وأولاد أولادهم، فكان أول ما عبد غير الله "ود" الذي سموه وداً.

ومقتضى هذا السياق أن كل صنم من هذه عبده طائفة من الناس، وقد ذكر أنه لما تطاولت العهود والأزمان، جعلوا تلك الصور تماثيل مجسدة ليكون أثبت لها، ثم عبدت بعد ذلك من دون الله عز وجل. ولهم في عبادتها مسالك كثيرة جداً قد ذكرناها في مواضعها من كتابنا التفسير. ولله الحمد والمنة.

وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكرت عنده أم سلمة وأم حبيبة تلك الكنيسة التي رأينها بأرض الحبشة، ويقال لها مارية، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها قال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصورة، أولئك شرار الخلق عند الله عز وجل".

والمقصود أن الفساد لما انتشر في الأرض وعم البلاء بعبادة الأصنام فيها، بعث الله عبده ورسوله نوحاً عليه السلام نوحاً عليه السلام، يدعو إلي عبادة الله وحده لا شريك له، وينهي عن عبادة ما سواه.

فكان أول رسول بعثه الله إلي أهل الأرض،

(( ما جاء في وصف سفينة نوح ومن كان فيها واختلاف العلماء في عدد من كانوا معه في السفينة ))

قال بعض العلماء: لما استجاب الله له؛ أمره أن يغرس شجراً ليعمل منه السفينة فغرسه وانتظره مائة سنة، ثم نجره في مائه أخرى، وقيل في أربعين سنة، فالله أعلم.

قال محمد بن إسحاق عن الثوري: وكانت من خشب الساج، وقيل من الصنوبر؛ وهو نص التوراة.

قال الثوري: وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين ذراعاً، وأن يطلي ظاهرها وباطنها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤاً أزور يشق الماء.

وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين ذراعاً. وهذا الذي في التوراة على ما رأيته.

قال الحسن البصري: ستمائة في عرض ثلاثمائة.

وعن ابن عباس: ألف ذراع في عرض ستمائة ذراع.

وقيل: كان طولها ألفي ذراع، وعرضها مائة ذراع.

قالوا كلهم: وكان ارتفاعها ثلاثين ذراعاً، وكانت ثلاث طبقات؛ كل واحدة عشرة أذرع، فالسفلي للدواب والوحوش، والوسطى للناس، والعليا للطيور، وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.

قال الله تعالى:

{قال رب انصرني بما كذبون * فأوحينا إليه أن أصنع الفلك بأعيننا ووحينا} (سورة المؤمنون:26ـ27)

أي: بأمرنا لك، وبمرأى منا لصنعتك لها، ومشاهدتنا لذلك، لنرشدك إلي الصواب في صنعتها.

{فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول، ولا تخاطبني في الذين ظلموا، إنهم مغرقون} (سورة المؤمنون:27)

فتقدم إليه بأمره العظيم العالي أنه إذا جاء أمره وحل بأسه، أن يحمل في هذه السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات، وسائر ما فيه روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها، وأن يحمل معه أهله، أي: أهل بيته، إلا من سبق عليه القول منه، أي: إلا من كان كافراً فإنه قد نفذت فيه الدعوة التي لا ترد، ووجب عليه حلول البأس الذي لا يرد، وأمره أنه لا يراجعه فيهم إذا حل بهم ما يعانيه من العذاب العظيم؛ الذي قد حتمه عليهم الفعال لما يريد؛ كما قدمنا بيانه قبل.

والمراد بالتنور عند الجمهور وجه الأرض، أي نبعت الأرض من سائر أرجائها حتى نبعت التنانير التي هي محال النار، وعن ابن عباس: التنور عين في الهند، وعن الشعبي: بالكوفة، وعن قتادة: بالجيزة.

وقال علي بن أبي طالب: المراد بالتنور فلق الصبح. وتنور الفجر؛ أي إشراقه وضياؤه. أي: عند ذلك فاحمل فيها من كل زوجين اثنين، وهذا قول غريب. وقوله تعالى:

{حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن، وما آمن إلا قليل} (سورة هود:40)

هذا أمر بأنه عند حلول النقمة بهم أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين.

وفي كتاب أهل الكتاب: أنه أمر أن يحمل من كل ما يؤكل سبعة أزواج، وما لا يؤكل زوجين: ذكر وأنثى.

وهذا مغاير لمفهوم قوله تعالى في كتابنا الحق: (اثنين) إن جعلنا ذلك مفعولاً به، وأما إن جعلناه توكيداً لزوجين والمفعول به محذوف فلا ينافي. والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين، قال أصحابه: وكيف نطمئن؟ أو كيف تطمئن المواشي ومعنا الأسد؟ فسلط الله عليه الحمى، فكانت أول حمى نزلت في الأرض. ثم شكوا الفأرة، فقالوا: الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا؛ فأوحى الله إلي الأسد فعطس، فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها"

وروي علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان مع نوح في السفينة ثمانون رجلاً معهم أهلوهم، وإنهم كانوا في السفينة مائة وخمسين يوماً، وإن الله وجه السفينة إلي مكة فدارت بالبيت أربعين يوماً، ثم وجهها إلي الجودي فاستقرت عليه، فبعث نوح عليه السلام الغرب ليأتيه بخبر الأرض، فذهب فوقع على الجيف فأبطأ عليه، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ولطخت رجليها بالطين، فعرف نوح أن الماء قد نضب، فهبط إلي أسفل الجودي فابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصبحوا ذات يوم وقد تلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، إحداها العربية، وكان بعضهم لا يفقه كلام بعض، فكان نوح عليه السلام يعبر عنهم.

وقال قتادة وغيره: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، فساروا مائة وخمسين يوماً، واستقرت بهم على الجودي شهراً، وكان خروجهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم، وقد روي ابن حرير خبراً مرفوعاً يوافق هذا، وأنهم صاموا يومهم ذلك.

وقال الإمام احمد: حدثنا أبو جعفر، حدثنا عبد الصمد بن حبيب الأزدي، عن أبيه حبيب بن عبد الله، عن شبل، عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود، وقد صاموا يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا من الصوم!" فقالوا: هذا اليوم الذي نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من الغرق، وغرق فيه فرعون، وهذا اليوم استوت فيه السفينة على الجودي . فصامه نوح وموسى عليهما السلام شكراً لله عز وجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم" فأمر أصحابه بالصوم.

وقال لأصحابه: "من كان منكم أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان منكم قد أصاب من غداء أهله فليتم بقية يومه"

وقوله:

{وأهلك إلا من سبق عليه القول} (سورة هود:40)

أي: من استجيب فيهم الدعوة النافذة ممن كفر، فكان منهم ابنه "يام" الذي غرق كما سيأتي بيانه.

{ومن آمن} (سورة هود:40)

أي: واحمل فيها من آمن بك من أمتك، قال الله تعالى:

{وما آمن معه إلا قليل} (سورة هود:40)

هذا مع طول المدة والمقام بين أظهرهم، ودعوتهم الأكيدة ليلاً ونهاراً بضروب المقال، وفنون التلطفات، والتهديد والوعيد تارة، والترغيب والوعيد أخرى.

وقد اختلف العلماء في عدة من كان معه في السفينة.

فعن ابن عباس: كانوا ثمانين نفساً معهم نساؤهم. وعن كعب الأحبار: كانوا اثنين وسبعين نفساً. وقيل: كانوا عشرة.

وقيل: إنما كانوا نوحاً وبينه الثلاثة وكنائنه الأربع بامرأة "يام" الذي انخزل وانعزل وسلك على طريق النجاة فما عدل إذ عدل.

وهذا القول فيه مخالفة لظاهر الآية. بل هي نص في أنه قد ركب معه من غير أهله طائفة ممن آمن به، كما قال:

{ونجني ومن معي من المؤمنين} (سورة الشعراء:118)

وقيل: كانوا سبعة. والله أعلم .

((ارتفاع الماء وما قيل فيه ))

قال جماعة من المفسرين: ارتفع الماء على أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعاً؛ وهو الذي عند أهل الكتاب، وقيل ثمانين ذراعاً؛ وعم جميع الأرض طولها والعرض، سهلها وحزنها، وجبالها وقفارها ورمالها، ولم يبقى على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف؛ ولا صغير ولا كبير.

قال الإمام مالك عن زيد بن أسلم: كان أهل ذلك الزمان قد ملأوا السهل والجبل، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لم تكن بقعة في الأرض إلا ولها مالك وحائز. رواهما ابن أبي حاتم.

اسأل الله لنا جميعاً الاجر والثواب

ودمتم بخير

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

(( هود عليه السلام ))

 

نبذة:

 

أرسل إلى قوم عاد الذين كانوا بالأحقاف، وكانوا أقوياء الجسم والبنيان وآتاهم الله الكثير من رزقه ولكنهم لم يشكروا الله على ما آتاهم وعبدوا الأصنام فأرسل لهم الله هودا نبيا مبشرا، كان حكيما ولكنهم كذبوه وآذوه فجاء عقاب الله وأهلكهم بريح صرصر عاتية استمرت سبع ليال وثمانية أيام.

 

 

 

-----------------------------------------------------------------------

 

سيرته:

 

عبادة الناس للأصنام:

 

بعد أن ابتلعت الأرض مياه الطوفان الذي أغرق من كفر بنوح عليه السلام، قام من آمن معه ونجى بعمارة الأرض. فكان كل من على الأرض في ذلك الوقت من المؤمنين. لم يكن بينهم كافر واحد. ومرت سنوات وسنوات. مات الآباء والأبناء وجاء أبناء الأبناء. نسى الناس وصية نوح، وعادت عبادة الأصنام. انحرف الناس عن عبادة الله وحده، وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.

 

قال أحفاد قوم نوح: لا نريد أن ننسى آبائنا الذين نجاهم الله من الطوفان. وصنعوا للناجين تماثيل ليذكروهم بها، وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة، وإذا بالتماثيل تتحول بمكر من الشيطان إلى آلهة مع الله. وعادت الأرض تشكو من الظلام مرة ثانية. وأرسل الله سيدنا هودا إلى قومه.

 

إرسال هود عليه السلام:

 

كان \"هود\" من قبيلة اسمها \"عاد\" وكانت هذه القبيلة تسكن مكانا يسمى الأحقاف.. وهو صحراء تمتلئ بالرمال، وتطل على البحر. أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع، وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام، والطول والشدة.. كانوا عمالقة وأقوياء، فكانوا يتفاخرون بقوتهم. فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم. ورغم ضخامة أجسامهم، كانت لهم عقول مظلمة. كانوا يعبدون الأصنام، ويدافعون عنها، ويحاربون من أجلها، ويتهمون نبيهم ويسخرون منه. وكان المفروض، ما داموا قد اعترفوا أنهم أشد الناس قوة، أن يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.

 

قال لهم هود نفس الكلمة التي يقولها كل رسول. لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع. كلمة واحدة هي الشجاعة كلها، وهي الحق وحده (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ).

 

وسأله قومه: هل تريد أن تكون سيدا علينا بدعوتك؟ وأي أجر تريده؟

 

إن هذه الظنون السئية تتكرر على ألسنة الكافرين عندما يدعوهم نبيهم للإيمان بالله وحده. فعقولهم الصغيرة لا تتجاوز الحياة الدنيوية. ولا يفكروا إلا بالمجد والسلطة والرياسة.

 

أفهمهم هود أن أجره على الله، إنه لا يريد منهم شيئا غير أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة. حدثهم عن نعمة الله عليهم، كيف جعلهم خلفاء لقوم نوح، كيف أعطاهم بسطة في الجسم، وشدة في البأس، كيف أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع. كيف أرسل عليهم المطر الذي يحيى به الأرض. وتلفت قوم هود حولهم فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض، وأصابتهم الكبرياء وزادوا في العناد.

 

قالوا لهود: كيف تتهم آلهتنا التي وجدنا آباءنا يعبدونها؟

قال هود: كان آباؤكم مخطئين.

قال قوم هود: هل تقول يا هود إننا بعد أن نموت ونصبح ترابا يتطاير في الهواء، سنعود إلى الحياة؟

قال هود: ستعودون يوم القيامة، ويسأل الله كل واحد فيكم عما فعل.

 

انفجرت الضحكات بعد هذه الجملة الأخيرة. ما أغرب ادعاء هود. هكذا تهامس الكافرون من قومه. إن الإنسان يموت، فإذا مات تحلل جسده، فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب، ثم يهب الهواء ويتطاير التراب. كيف يعود هذا كله إلى أصله؟! ثم ما معنى وجود يوم للقيامة؟ لماذا يقوم الأموات من موتهم؟

 

استقبل هود كل هذه الأسئلة بصبر كريم.. ثم بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة.. أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة ضرورة تتصل بعدل الله، مثلما هي ضرورة تتصل بحياة الناس. قال لهم ما يقوله كل نبي عن يوم القيامة. إن حكمة الخالق المدبر لا تكتمل بمجرد بدء الخلق، ثم انتهاء حياة المخلوقين في هذه الأرض. إن هذه الحياة اختبار، يتم الحساب بعدها. فليست تصرفات الناس في الدنيا واحدة، هناك من يظلم، وهناك من يقتل، وهناك من يعتدي.. وكثيرا ما نرى الظالمين يذهبون بغير عقاب، كثيرا ما نرى المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحترام والسلطة. أين تذهب شكاة المظلومين؟ وأين يذهب ألم المضطهدين؟ هل يدفن معهم في التراب بعد الموت؟

 

إن العدالة تقتضي وجود يوم للقيامة. إن الخير لا ينتصر دائما في الحياة. أحيانا ينظم الشر جيوشه ويقتل حملة الخير. هل تذهب هذه الجريمة بغير عقاب؟

 

إن ظلما عظيما يتأكد لو افترضنا أن يوم القيامة لن يجئ. ولقد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده. ومن تمام العدل وجود يوم للقيامة والحساب والجزاء. ذلك أن يوم القيامة هو اليوم الذي تعاد فيه جميع القضايا مرة أخرى أمام الخالق، ويعاد نظرها مرة أخرى. ويحكم فيها رب العالمين سبحانه. هذه هي الضرورة الأولى ليوم القيامة، وهي تتصل بعدالة الله ذاته.

 

وثمة ضرورة أخرى ليوم القيامة، وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه. إن الاعتقاد بيوم الدين، والإيمان ببعث الأجساد، والوقوف للحساب، ثم تلقي الثواب والعقاب، ودخول الجنة أو النار، هذا شيء من شأنه أن يعلق أنظار البشر وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض، فلا تستبد بهم ضرورات الحياة، ولا يستعبدهم الطمع، ولا تتملكهم الأنانية، ولا يقلقهم أنهم لم يحققوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلق منه إلى الروح الذي نفخه ربه فيه. ولعل مفترق الطريق بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها، والتعلق بقيم الله العليا، والانطلاق اللائق بالإنسان، يكمن في الإيمان بيوم القيامة.

 

حدثهم هود بهذا كله فاستمعوا إليه وكذبوه. قالوا له هيهات هيهات.. واستغربوا أن يبعث الله من في القبور، استغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان بعد تحوله إلى التراب، رغم أنه خلقه من قبل من التراب. وطبقا للمقاييس البشرية، كان ينبغي أن يحس المكذبون للبعث أن إعادة خلق الإنسان من التراب والعظام أسهل من خلقه الأول. لقد بدأ الله الخلق فأي صعوبة في إعادته؟! إن الصعوبة -طبقا للمقياس البشري- تكمن في الخلق. وليس المقياس البشري غير مقياسٍ بشري ينطبق على الناس، أما الله، فليست هناك أمور صعبة أو سهلة بالنسبة إليه سبحانه، تجري الأمور بالنسبة إليه سبحانه بمجرد الأمر.

 

موقف الملأ من دعوة هود:

 

يروي المولى عزل وجل موقف الملأ (وهم الرؤساء) من دعوة هود عليه السلام. سنرى هؤلاء الملأ في كل قصص الأنبياء. سنرى رؤساء القوم وأغنيائهم ومترفيهم يقفون ضد الأنبياء. يصفهم الله تعالى بقوله: (وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) من مواقع الثراء والغنى والترف، يولد الحرص على استمرار المصالح الخاصة. ومن مواقع الثراء والغنى والترف والرياسة، يولد الكبرياء. ويلتفت الرؤساء في القوم إلى أنفسهم ويتساءلون: أليس هذا النبي بشرا مثلنا، يأكل مما نأكل، ويشرب مما نشرب؟ بل لعله بفقره يأكل أقل مما نأكل، ويشرب في أكواب صدئة، ونحن نشرب في أكواب الذهب والفضة.. كيف يدعي أنه على الحق ونحن على الباطل؟ هذا بشر .. كيف نطيع بشرا مثلنا؟ ثم.. لماذا اختار الله بشرا من بيننا ليوحى إليه؟

 

قال رؤساء قوم هود: أليس غريبا أن يختار الله من بيننا بشرا ويوحي إليه؟!

تسائل هو: ما هو الغريب في ذلك؟ إن الله الرحيم بكم قد أرسلني إليكم لأحذركم. إن سفينة نوح، وقصة نوح ليست ببعيدة عنكم، لا تنسوا ما حدث، لقد هلك الذين كفروا بالله، وسيهلك الذين يكفرون بالله دائما، مهما يكونوا أقوياء.

قال رؤساء قوم هود: من الذي سيهلكنا يا هود؟

قال هود: الله .

قال الكافرون من قوم هود: ستنجينا آلهتنا.

 

وأفهمهم هود أن هذه الآلهة التي يعبدونها لتقربهم من الله، هي نفسها التي تبعدهم عن الله. أفهمهم أن الله هو وحده الذي ينجي الناس، وأن أي قوة أخرى في الأرض لا تستطيع أن تضر أو تنفع.

 

واستمر الصراع بين هود وقومه. وكلما استمر الصراع ومرت الأيام، زاد قوم هود استكبارا وعنادا وطغيانا وتكذيبا لنبيهم. وبدءوا يتهمون \"هودا\" عليه السلام بأنه سفيه مجنون.

 

قالوا له يوما: لقد فهمنا الآن سر جنونك. إنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك، وبسبب غضبها صرت مجنونا.

 

انظروا للسذاجة التي وصل إليها تفكيرهم. إنهم يظنون أن هذه الحجارة لها قوى على من صنعها. لها تأثير على الإنسان مع أنا لا تسمع ولا ترى ولا تنطق. لم يتوقف هود عند هذيانهم، ولم يغضبه أن يظنوا به الجنون والهذيان، ولكنه توقف عند قولهم: (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ).

 

بعد هذا التحدي لم يبق لهود إلا التحدي. لم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده. لم يبق أمامه إلا إنذار أخير ينطوي على وعيد للمكذبين وتهديدا لهم.. وتحدث هود:

 

(إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)) (هود)

 

إن الإنسان ليشعر بالدهشة لهذه الجرأة في الحق. رجل واحد يواجه قوما غلاظا شدادا وحمقى. يتصورون أن أصنام الحجارة تستطيع الإيذاء. إنسان بمفرده يقف ضد جبارين فيسفه عقيدتهم، ويتبرأ منهم ومن آلهتهم، ويتحداهم أن يكيدوا له بغير إبطاء أو إهمال، فهو على استعداد لتلقي كيدهم، وهو على استعداد لحربهم فقد توكل على الله. والله هو القوي بحق، وهو الآخذ بناصية كل دابة في الأرض. سواء الدواب من الناس أو دواب الوحوش أو الحيوان. لا شيء يعجز الله.

 

بهذا الإيمان بالله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى نصره.. يخاطب هود الذين كفروا من قومه. وهو يفعل ذلك رغم وحدته وضعفه، لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلغ عن الله. وهو في حديثه يفهم قومه أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة. فإن كفروا فسوف يستخلف الله قوما غيرهم، سوف يستبدل بهم قوما آخرين. وهذا معناه أن عليهم أن ينتظروا العذاب.

 

هلاك عاد:

 

وهكذا أعلن هود لهم براءته منهم ومن آلهتهم. وتوكل على الله الذي خلقه، وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه. هذا قانون من قوانين الحياة. يعذب الله الذين كفروا، مهما كانوا أقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة.

 

انتظر هود وانتظر قومه وعد الله. وبدأ الجفاف في الأرض. لم تعد السماء تمطر. وهرع قوم هود إليه. ما هذا الجفاف يا هود؟ قال هود: إن الله غاضب عليكم، ولو آمنتم فسوف يرضى الله عنكم ويرسل المطر فيزيدكم قوة إلى قوتكم. وسخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر. وزاد الجفاف، واصفرت الأشجار الخضراء ومات الزرع. وجاء يوم فإذا سحاب عظيم يملأ السماء. وفرح قوم هود وخرجوا من بيوتهم يقولون: (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا).

 

تغير الجو فجأة. من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس. بدأت الرياح تهب. ارتعش كل شيء، ارتعشت الأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام. واستمرت الريح. ليلة بعد ليلة، ويوما بعد يوم. كل ساعة كانت برودتها تزداد. وبدأ قوم هود يفرون، أسرعوا إلى الخيام واختبئوا داخلها، اشتد هبوب الرياح واقتلعت الخيام، واختبئوا تحت الأغطية، فاشتد هبوب الرياح وتطايرت الأغطية. كانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد وتنفذ من فتحات الجسم وتدمره. لا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته، وجعلته كالرميم.

 

استمرت الرياح مسلطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط. ثم توقفت الريح بإذن ربها. لم يعد باقيا ممن كفر من قوم هود إلا ما يبقى من النخل الميت. مجرد غلاف خارجي لا تكاد تضع يدك عليه حتى يتطاير ذرات في الهواء.

 

نجا هود ومن آمن معه.. وهلك الجبابرة.. وهذه نهاية عادلة لمن يتحدى الله ويستكبر عن عبادته.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

besmala5.gif

 

 

image-3.gif

 

 

صالح عليه السلام

 

 

نبذة:

 

أرسله الله إلى قوم ثمود وكانوا قوما جاحدين آتاهم الله رزقا كثيرا ولكنهم عصوا ربهم وعبدوا الأصنام وتفاخروا بينهم بقوتهم فبعث الله إليهم صالحا مبشرا ومنذرا ولكنهم كذبوه وعصوه وطالبوه بأن يأتي بآية ليصدقوه فأتاهم بالناقة وأمرهم أن لا يؤذوها ولكنهم أصروا على كبرهم فعقروا الناقة وعاقبهم الله بالصاعقة فصعقوا جزاء لفعلتهم ونجى الله صالحا والمؤمنين.

 

سيرته:

 

إرسال صالح عليه السلام لثمود:

 

جاء قوم ثمود بعد قوم عاد، وتكررت قصة العذاب بشكل مختلف مع ثمود. كانت ثمود قبيلة تعبد الأصنام هي الأخرى، فأرسل الله سيدنا "صالحا" إليهم.. وقال صالح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ) نفس الكلمة التي يقولها كل نبي.. لا تتبدل ولا تتغير، كما أن الحق لا يتبدل ولا يتغير.

 

فوجئ الكبار من قوم صالح بما يقوله.. إنه يتهم آلهتهم بأنها بلا قيمة، وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده. وأحدثت دعوته هزة كبيرة في المجتمع.. وكان صالح معروفا بالحكمة والنقاء والخير. كان قومه يحترمونه قبل أن يوحي الله إليه ويرسله بالدعوة إليهم.. وقال قوم صالح له:

 

قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) (هود)

 

تأمل وجهة نظر الكافرين من قوم صالح. إنهم يدلفون إليه من باب شخصي بحت. لقد كان لنا رجاء فيك. كنت مرجوا فينا لعلمك وعقلك وصدقك وحسن تدبيرك، ثم خاب رجاؤنا فيك.. أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟! يا للكارثة.. كل شيء يا صالح إلا هذا. ما كنا نتوقع منك أن تعيب آلهتنا التي وجدنا آبائنا عاكفين عليها.. وهكذا يعجب القوم مما يدعوهم إليه. ويستنكرون ما هو واجب وحق، ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالح إلى عبادة الله وحده. لماذا؟ ما كان ذلك كله إلا لأن آبائهم كانوا يعبدون هذه الآلهة.

 

معجزة صالح عليه السلام:

 

ورغم نصاعة دعوة صالح عليه الصلاة والسلام، فقد بدا واضحا أن قومه لن يصدقونه. كانوا يشكون في دعوته، واعتقدوا أنه مسحور، وطالبوه بمعجزة تثبت أنه رسول من الله إليهم. وشاءت إرادة الله أن تستجيب لطلبهم. وكان قوم ثمود ينحتون من الجبال بيوتا عظيمة. كانوا يستخدمون الصخر في البناء، وكانوا أقوياء قد فتح الله عليهم رزقهم من كل شيء. جاءوا بعد قوم عاد فسكنوا الأرض التي استعمروها.

 

قال صالح لقومه حين طالبوه بمعجزة ليصدقوه:

 

وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) (هود)

 

والآية هي المعجزة، ويقال إن الناقة كانت معجزة لأن صخرة بالجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة.. ولدت من غير الطريق المعروف للولادة. ويقال إنها كانت معجزة لأنها كانت تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم، وقيل إنها كانت معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفي لشرب الناس جميعا في هذا اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبقى شيء للناس. كانت هذه الناقة معجزة، وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله: (نَاقَةُ اللّهِ) أضافها لنفسه سبحانه بمعنى أنها ليست ناقة عادية وإنما هي معجزة من الله. وأصدر الله أمره إلى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو إيذائها أو قتلها، أمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، وألا يمسوها بسوء، وحذرهم أنهم إذا مدوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.

 

في البداية تعاظمت دهشة ثمود حين ولدت الناقة من صخور الجبل.. كانت ناقة مباركة. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال. كان واضحا إنها ليست مجرد ناقة عادية، وإنما هي آية من الله. وعاشت الناقة بين قوم صالح، آمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على العناد والكفر. وذلك لأن الكفار عندما يطلبون من نبيهم آية، ليس لأنهم يريدون التأكد من صدقه والإيمان به، وإنما لتحديه وإظهار عجزه أمام البشر. لكن الله كان يخذلهم بتأييد أنبياءه بمعجزات من عنده.

 

كان صالح عليه الصلاة والسلام يحدث قومه برفق وحب، وهو يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وينبههم إلى أن الله قد أخرج لهم معجزة هي الناقة، دليلا على صدقه وبينة على دعوته. وهو يرجو منهم أن يتركوا الناقة تأكل في أرض الله، وكل الأرض أرض الله. وهو يحذرهم أن يمسوها بسوء خشية وقوع عذاب الله عليهم. كما ذكرهم بإنعام الله عليهم: بأنه جعلهم خلفاء من بعد قوم عاد.. وأنعم عليهم بالقصور والجبال المنحوتة والنعيم والرزق والقوة. لكن قومه تجاوزوا كلماته وتركوه، واتجهوا إلى الذين آمنوا بصالح.

 

يسألونهم سؤال استخفاف وزراية: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ؟!

قالت الفئة الضعيفة التي آمنت بصالح: إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ

فأخذت الذين كفروا العزة بالإثم.. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . هكذا باحتقار واستعلاء وغضب.

 

تآمر الملأ على الناقة:

 

وتحولت الكراهية عن سيدنا صالح إلى الناقة المباركة. تركزت عليها الكراهية، وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضد الناقة. كره الكافرون هذه الآية العظيمة، ودبروا في أنفسهم أمرا.

 

وفي إحدى الليالي، انعقدت جلسة لكبار القوم، وقد أصبح من المألوف أن نرى أن في قصص الأنبياء هذه التدابير للقضاء على النبي أو معجزاته أو دعوته تأتي من رؤساء القوم، فهم من يخافون على مصالحهم إن تحول الناس للتوحيد، ومن خشيتهم إلى خشية الله وحده. أخذ رؤساء القوم يتشاورون فيما يجب القيام به لإنهاء دعوة صالح. فأشار عليهم واحد منهم بقتل الناقة ومن ثم قتل صالح نفسه.

 

وهذا هو سلاح الظلمة والكفرة في كل زمان ومكان، يعمدون إلى القوة والسلاح بدل الحوار والنقاش بالحجج والبراهين. لأنهم يعلمون أن الحق يعلوا ولا يعلى عليه، ومهما امتد بهم الزمان سيظهر الحق ويبطل كل حججهم. وهم لا يريدون أن يصلوا لهذه المرحلة، وقرروا القضاء على الحق قبل أن تقوى شوكته.

 

لكن أحدهم قال: حذرنا صالح من المساس بالناقة، وهددنا بالعذاب القريب. فقال أحدهم سريعا قبل أن يؤثر كلام من سبقه على عقول القوم: أعرف من يجرأ على قتل الناقة. ووقع الاختيار على تسعة من جبابرة القوم. وكانوا رجالا يعيثون الفساد في الأرض، الويل لمن يعترضهم.

 

هؤلاء هم أداة الجريمة. اتفق على موعد الجريمة ومكان التنفيذ. وفي الليلة المحددة. وبينما كانت الناقة المباركة تنام في سلام. انتهى المجرمون التسعة من إعداد أسلحتهم وسيوفهم وسهامهم، لارتكاب الجريمة. هجم الرجال على الناقة فنهضت الناقة مفزوعة. امتدت الأيدي الآثمة القاتلة إليها. وسالت دمائها.

 

هلاك ثمود:

 

علم النبي صالح بما حدث فخرج غاضبا على قومه. قال لهم: ألم أحذركم من أن تمسوا الناقة؟

قالوا: قتلناها فأتنا بالعذاب واستعجله.. ألم تقل أنك من المرسلين؟

قال صالح لقومه: تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ

 

بعدها غادر صالح قومه. تركهم ومضى. انتهى الأمر ووعده الله بهلاكهم بعد ثلاثة أيام.

 

ومرت ثلاثة أيام على الكافرين من قوم صالح وهم يهزءون من العذاب وينتظرون، وفي فجر اليوم الرابع: انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة. انقضت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي. هي صرخة واحدة.. لم يكد أولها يبدأ وآخرها يجيء حتى كان كفار قوم صالح قد صعقوا جميعا صعقة واحدة.

 

هلكوا جميعا قبل أن يدركوا ما حدث. أما الذين آمنوا بسيدنا صالح، فكانوا قد غادروا المكان مع نبيهم ونجوا.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

الان اترككم مع قصة نبي الله شعيب عليه السلام

 

(( شعيب عليه السلام ))

 

نبذة:

 

أرسل شعيب إلى قوم مدين وكانوا يعبدون الأيكة وكانوا ينقصون المكيال والميزان ولا يعطون الناس حقهم فدعاهم إلى عبادة الله وأن يتعاملوا بالعدل ولكنهم أبوا واستكبروا واستمروا في عنادهم وتوعدوه بالرجم والطرد وطالبوه بأن ينزل عليهم كسفا من السماء فجاءت الصيحة وقضت عليهم جميعا.

 

سيرته:

 

دعوة شعيب عليه السلام:

 

لقد برز في قصة شعيب أن الدين ليس قضية توحيد وألوهية فقط، بل إنه كذلك أسلوب لحياة الناس.. أرسل الله تعالى شعيبا إلى أهل مدين. فقال شعيب (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُه) نفس الدعوة التي يدعوها كل نبي.. لا تختلف من نبي إلى آخر.. لا تتبدل ولا تتردد. هي أساس العقيدة.. وبغير هذه الأساس يستحيل أن ينهض بناء.

بعد تبيين هذا الأساس.. بدأ شعيب في توضيح الأمور الاخرى التي جاءت بها دعوته (وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ) بعد قضية التوحيد مباشرة.. ينتقل النبي إلى قضية المعاملات اليومية.. قضية الأمانة والعدالة.. كان أهل مدين ينقصون المكيال والميزان، ولا يعطون الناس حقهم.. وهي رذيلة تمس نظافة القلب واليد.. كما تمس كمال المروءة والشرف، وكان أهل مدين يعتبرون بخس الناس أشياءهم.. نوعا من أنواع المهارة في البيع والشراء.. ودهاء في الأخذ والعطاء.. ثم جاء نبيهم وأفهمهم أن هذه دناءة وسرقة.. أفهمهم أنه يخاف عليهم بسببها من عذاب يوم محيط.. انظر إلى تدخل الإسلام الذي بعث به شعيب في حياة الناس، إلى الحد الذي يرقب فيه عملية البيع والشراء. قال: (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) لم يزل شعيب ماضيا في دعوته.. ها هو ذا يكرر نصحه لهم بصورة إيجابية بعد صورة النهي السلبية..إنه يوصيهم أن يوفوا المكيال والميزان بالقسط.. بالعدل والحق.. وهو يحذرهم أن يبخسوا الناس أشيائهم.

 

لنتدبر معا في التعبير القرآني القائل: (وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ) كلمة الشيء تطلق على الأشياء المادية والمعنوية.. أي أنها ليست مقصورة على البيع والشراء فقط، بل تدخل فيها الأعمال، أو التصرفات الشخصية. ويعني النص تحريم الظلم، سواء كان ظلما في وزن الفاكهة أو الخضراوات، أو ظلما في تقييم مجهود الناس وأعمالهم.. ذلك أن ظلم الناس يشيع في جو الحياة مشاعر من الألم واليأس واللامبالاة، وتكون النتيجة أن ينهزم الناس من الداخل، وتنهار علاقات العمل، وتلحقها القيم.. ويشيع الاضطراب في الحياة.. ولذلك يستكمل النص تحذيره من الإفساد في الأرض: (وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) العثو هو تعمد الإفساد والقصد إليه فلا تفسدوا في الأرض متعمدين قاصدين (بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ).. ما عند الله خير لكم.. (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

 

بعدها يخلي بينهم وبين الله الذي دعاهم إليه.. ينحي نفسه ويفهمهم أنه لا يملك لهم شيئا.. ليس موكلا عليهم ولا حفيظا عليهم ولا حارسا لهم.. إنما هو رسول يبلغهم رسالات ربه: (وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) بهذا الأسلوب يشعر شعيب قومه بأن الأمر جد، وخطير، وثقيل.. إذ بين لهم عاقبة إفسادهم وتركهم أمام العاقبة وحدهم.

 

رد قوم شعيب:

كان هو الذي يتكلم.. وكان قومه يستمعون.. توقف هو عن الكلام وتحدث قومه: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) كان أهل مدين كفارا يقطعون السبيل، ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة.. وهي شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها.. وكانوا من أسوأ الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان ويطففون فيهما، ويأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص.. انظر بعد هذا كله إلى حوارهم مع شعيب: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)... ؟

 

بهذا التهكم الخفيف والسخرية المندهشة.. واستهوال الأمر.. لقد تجرأت صلاة شعيب وجنت وأمرته أن يأمرهم أن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم.. ولقد كان آباؤهم يعبدون الأشجار والنباتات.. وصلاة شعيب تأمرهم أن يعبدوا الله وحده.. أي جرأة من شعيب..؟ أو فلنقل أي جرأة من صلاة شعيب..؟ بهذا المنطق الساخر الهازئ وجه قوم شعيب خطابهم إلى نبيهم.. ثم عادوا يتساءلون بدهشة ساخرة: (أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء) تخيل يا شعيب أن صلاتك تتدخل في إرادتنا، وطريقة تصرفنا في أموالنا.. ما هي علاقة الإيمان والصلاة بالمعاملات المادية؟

 

بهذا التساؤل الذي ظنه قوم شعيب قمة في الذكاء.. طرحوا أمامه قضية الإيمان، وأنكروا أن تكون لها علاقة بسلوك الناس وتعاملهم واقتصادهم. هذه المحاولة للتفريق بين الحياة الاقتصادية والإسلام، وقد بعث به كل الأنبياء، وإن اختلفت أسماؤه.. هذه المحاولة قديمة من عمر قوم شعيب. لقد أنكروا أن يتدخل الدين في حياتهم اليومية، وسلوكهم واقتصادهم وطريقة إنفاقهم لأموالهم بحرية.. إن حرية إنفاق المال أو إهلاكه أو التصرف فيه شيء لا علاقة له بالدين.. هذه حرية الإنسان الشخصية.. وهذا ماله الخاص، ما الذي أقحم الدين على هذا وذاك؟.. هذا هو فهم قوم شعيب للإسلام الذي جاء به شعيب، وهو لا يختلف كثيرا أو قليلا عن فهم عديد من الأقوام في زماننا الذي نعيش فيه. ما للإسلام وسلوك الإنسان الشخصي وحياتهم الاقتصادية وأسلوب الإنتاج وطرق التوزيع وتصرف الناس في أموالهم كما يشاءون..؟ ما للإسلام وحياتنا اليومية..؟

 

ثم يعودون إلى السخرية منه والاستهزاء بدعوته (إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) أي لو كنت حليما رشيدا لما قلت ما تقول.

 

أدرك شعيب أن قومه يسخرون منه لاستبعادهم تدخل الدين في الحياة اليومية.. ولذلك تلطف معهم تلطف صاحب الدعوة الواثق من الحق الذي معه، وتجاوز سخريتهم لا يباليها، ولا يتوقف عندها، ولا يناقشها.. تجاوز السخرية إلى الجد.. أفهمهم أنه على بينة من ربه.. إنه نبي يعلم وهو لا يريد أن يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه، إنه لا ينهاهم عن شيء ليحقق لنفسه نفعا منه، إنه لا ينصحهم بالأمانة ليخلوا له السوق فيستفيد من التلاعب.. إنه لا يفعل شيئا من ذلك.. إنما هو نبي.. وها هو ذا يلخص لهم كل دعوات الأنبياء هذا التلخيص المعجز: (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ) إن ما يريده هو الإصلاح.. هذه هي دعوات الأنبياء في مضمونها الحقيقي وعمقها البعيد.. إنهم مصلحون أساسا، مصلحون للعقول، والقلوب، والحياة العامة، والحياة الخاصة.

 

بعد أن بين شعيب عليه السلام لقومه أساس دعوته، وما يجب عليهم الالتزام به، ورأى منهم الاستكبار، حاول إيقاض مشاعرهم بتذكيرهم بمصير من قبلهم من الأمم، وكيف دمرهم الله بأمر منه. فذكرهم قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط. وأراهم أن سبيل النجاة هو العودة لله تائبين مستغفرين، فالمولى غفور رحيم.

 

تحدي وتهديد القوم لشعيب:

 

لكن قوم شعيب أعرضوا عنه قائلين: (قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا) إنه ضعيف بمقياسهم. ضعيف لأن الفقراء والمساكين هم فقط اتبعوه، أما علية القوم فاستكبروا وأصروا على طغيانهم. إنه مقياس بشري خاطئ، فالقوة بيد الله، والله مع أنبياءه. ويستمر الكفرة في تهديهم قائلين: (وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) لولا أهلك وقومك ومن يتبعك لحفرنا لك حفرة وقتلناك ضربا بالحجارة.

 

نرى أنه عندما أقام شعيب -عليه السلام- الحجة على قومه، غيروا أسلوبهم، فتحولوا من السخرية إلى التهديد. وأظهروا حقيقة كرههم له. لكن شعيب تلطف معهم.. تجاوز عن إساءتهم إليه وسألهم سؤالا كان هدفه إيقاظ عقولهم: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ) يا لسذاجة هؤلاء. إنهم يسيئون تقدير حقيقة القوى التي تتحكم في الوجود.. إن الله هو وحده العزيز.. والمفروض أن يدركوا ذلك.. المفروض ألا يقيم الإنسان وزنا في الوجود لغير الله.. ولا يخشى في الوجود غير الله.. ولا يعمل حسابا في الوجود لقوة غير الله .. إن الله هو القاهر فوق عباده.

 

ويبدو أن قوم شعيب ضاقوا ذرعا بشعيب. فاجتمع رؤساء قومه. ودخلوا مرحلة جديدة من التهديد.. هددوه أولا بالقتل، وها هم أولاء يهددونه بالطرد من قريتهم.. خيروه بين التشريد، والعودة إلى ديانتهم وملتهم التي تعبد الأشجار والجمادات.. وأفهمهم شعيب أن مسألة عودته في ملتهم مسألة لا يمكن حتى التفكير بها فكيف بهم يسألونه تنفيذها. لقد نجاه الله من ملتهم، فكيف يعود إليها؟ أنه هو الذي يدعوهم إلى ملة التوحيد.. فكيف يدعونه إلى الشرك والكفر؟ ثم أين تكافؤ الفرص؟ أنه يدعوهم برفق ولين وحب.. وهم يهددونه بالقوة.

 

واستمر الصراع بين قوم شعيب ونبيهم.. حمل الدعوة ضده الرؤساء والكبراء والحكام.. وبدا واضحا أن لا أمل فيهم.. لقد أعرضوا عن الله.. أداروا ظهورهم لله. فنفض شعيب يديه منهم. لقد هجروا الله، وكذبوا نبيه، واتهموه بأنه مسحور وكاذب.. فليعمل كل واحد.. ولينتظروا جميعا أمر الله.

 

هلاك قوم شعيب:

 

وانتقل الصراع إلى تحد من لون جديد. راحوا يطالبونه بأن يسقط عليهم كسفا من السماء إن كان من الصادقين.. راحوا يسألونه عن عذاب الله.. أين هو..؟ وكيف هو..؟ ولماذا تأخر..؟ سخروا منه.. وانتظر شعيب أمر الله.

 

أوحى الله إليه أن يخرج المؤمنين ويخرج معهم من القرية.. وخرج شعيب.. وجاء أمره تعالى:

 

وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (94) (هود)

 

هي صيحة واحدة.. صوت جاءهم من غمامة أظلتهم.. ولعلهم فرحوا بما تصوروا أنها تحمله من المطر.. ثم فوجئوا أنهم أمام عذاب عظيم ليوم عظيم.. انتهى الأمر. أدركتهم صيحة جبارة جعلت كل واحد فيهم يجثم على وجهه في مكانه الذي كان فيه في داره.. صعقت الصيحة كل مخلوق حي.. لم يستطع أن يتحرك أو يجري أو يختبئ أو ينقذ نفسه.. جثم في مكانه مصروعا بصيحة.

__________________

QXc04762.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعود لكم ومع قصة من قصص الانبياء والمرسلين عليهم السلام

 

( ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام )

 

نسبه وقصته عليه السلام

هو إبراهيم بن تارخ بن باحور بن ساروغ بن راعو ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ ابن سام بن نوح عليه السلام

 

وحكى الحافظ أن عساكر في ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه عن إسحاق بن بشر الكاهلي صاحب كتاب "المبتدأ" أن اسم أم إبراهيم "أميلة"، ثم أورد عنه في خبر ولادتها له حكاية طويلة. وقال الكلبي: اسمها "بونا" بنت كربتا بن كرلي، ومن بني أرفخشذ بن سام بن نوح.

 

وروى ابن عساكر من غير وجه عن عكرمة أنه قال: كان إبراهيم عليه السلام يكنى "أبا الضيفان". قالوا: ولما كان عمر تارخ خمساً وسبعين سنة ولد له إبراهيم عليه السلام، وناحور وهاران، وولد لهاران "لوط".وعندهم أن إبراهيم عليه السلام هو الأوسط، وأن هاران مات في حياة أبيه في أرضه التي ولد فيها، وهي أرض الكلدانيين؛ يعنون أرض بابل.

 

وهذا هو الصحيح المشهور عند أهل السير والتواريخ والأخبار، وصحح ذلك الحافظ ابن عساكر، بعدما روى من طريق هشام بن عمار، عن الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن ابن عباس قال: ولد إبراهيم بغوطة دمشق، في قرية يقال لها: برزة، في جبل يقال له: قاسيون، ثم قال: والصحيح أنه ولد ببابل. وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء معيناً للوط عليه السلام.

 

قالوا: فتزوج إبراهيم سارة، وناحور ابنة هاران، يعنون ابنة أخيه.

 

قالوا: وكانت سارة عاقراً لا تلد.

 

قالوا: وانطلق تارخ بابنه إبراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط بن هاران فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلي أرض الكنعانيين، فنزلوا حران فمات فيها تارخ وله مائتان وخمس ستين، وهذا يدل على أنه لم يولد بحران، وإنما مولده بأرض الكلدانيين وهي أرض بابل وما والاها.

 

ثم ارتحلوا قاصدين أرض الكنعانيين، وهي بلاد بيت المقدس، فأقاموا بحران وهي أرض الكلدانيين في ذلك الزمان، وكذلك أرض الجزيرة والشام أيضاً، وكانوا يعبدون الكواكب السبعة. والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين، يستقبلون القطب الشمالي ويعبدون الكواكب السبعة بأنواع من الفعال والمقال. ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل لكوكب منها، ويعملون لها أعياداً وقرابين.

 

وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام، وكل من على وجه الأرض كانوا كفاراً، سوى إبراهيم الخليل وامرأته وابن أخيه لوط عليهم السلام. وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور، وأبطل به ذاك الضلال؛ فإن الله سبحانه وتعالى آتاه رشده في صغره، وابتعثه رسولاً واتخذه خليلاً في كبره.

 

قال الله تعالى:

 

{ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين } (سورة الأنبياء:51)

 

أي: وكان أهلاً لذلك. وقال تعالى:

 

{ وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه، ذلكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون * وإن تكذبون فقد كذب أمم من قبلكم، وما على الرسول إلا البلاغ المبين * أو لم يروا كيف يبدي الله الخلق ثم يعيده، إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة، إن الله على كل شيء قدير * يعذب من يشاء ويرحمن من يشاء، وإليه تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء، وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير * والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار، إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين * فآمن له لوط، وقال إني مهاجر إلي ربي، إنه هو العزيز الحكيم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } (سورة العنكبوت:16ـ27)

 

ثم ذكر تعالى مناظرته لأبيه وقومه كما سنذكره إن شاء الله. وكان أول دعوته لأبيه، وكان أبوه ممن يعبد الأصنام، لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له، كما قال تعالى:

 

{ واذكر في الكتاب إبراهيم، إنه كان صديقاً نبياً * إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً * يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهديك صراطاً سوياً * يا أبت لا تعبد الشيطان، إن الشيطان كان للرحمن عصياً * يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً * قال أرغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم، لئن لم تنته لأرجمنك، واهجرني مليا * قال سلام عليك سأستغفر لك ربي، إنه كان بي حفيا * وأعتزلكم ما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا } (سورة مريم:41ـ48)

 

وذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة، وكيف دعا أباه إلي الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة، وبين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه، فكيف تغني عنه شيئاً أو تفعل به خيراً من رزق أو نصر؟ ثم قال له منبهاً على ما أعطاه الله من الهدى والعلم النافع، وإن كان أصغر سناً من أبيه:

 

{ يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهديك صراطاً سوياً } (سورة مريم:43)

 

أي: مستقيماً واضحاً حنيفاً يفضي بك إلي الخير في دنياك وأخراك. فلما عرض هذا الرشد عليه، وأهدى هذه النصيحة إليه، لم يقبلها منه ولا أخذها عنه، بل تهدده وتوعده قال: (قال أرغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته لأرجمنك) قيل: بالمقال، وقيل: بالفعال،

 

{ واهجرني ملياً } (سورة مريم:46)

 

أي: واقطعني وأطل هجراني.

 

فعندها قال له إبراهيم: (سلام عليك) أي: لا يصلك مني مكروه، ولا ينالك مني أذى، بل أنت سالم من ناحيتي، وزاده خيراً فقال: { سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً } (سورة مريم:47)

 

قال ابن عباس وغيره: أي لطيفاً، يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له، ولهذا قال:

 

{ وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وادعوا ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً } (سورة مريم:48)

 

وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته، فلما تبين له أنه عدو الله تبرأ منه كما قال تعالى:

 

{ وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدةٍ وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، إن إبراهيم لأواه حليم } (سورة التوبة:114)

 

وقال البخاري: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثني أخي عبد الحميد، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلقي إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين. ثم يقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا هو بذبح متلطخ، فيؤخذ بقوائمة فيلقى في النار"

 

وقال في التفسير: وقال إبراهيم بن طهمان، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة. وهكذا رواه النسائي عن احمد بن حفص بن عبد الله، عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان به، وقد رواه البزار من حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وفي سياقه غرابة. ورواه أيضاً من حديث قتادة عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

 

وقال تعالى:

 

{ وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتحذ أصناماً آلهةً، إني أراك وقومك في ضلال مبين } (سورة الأنعام:74)

 

هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر، وجمهور أهل النسب، منهم ابن عباس، على أن اسم أبيه تارخ، وأهل الكتاب يقولون تارخ بالخاء المعجمة، فقيل: إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر. وقال ابن جرير: الصواب أن اسمه آزر، ولعل له اسمان علمان، او أحدهما لقب والآخر علم. وهذا الذي قاله محتمل. والله أعلم.

 

ثم قال تعالى:

 

{ وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكباً، قال هذا ربي، فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي، فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين * وحاجة قومه، قال أتحاجوني في الله وقد هدان، ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي وسع ربي كل شيء علماً، أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن، إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه، نرفع درجات من نشاء، إن ربك حكيم عليم } (سورة الأنعام:75ـ83)

 

وهذا المقام مقام مناظرة لقومه، وبيان لهم أن هذا الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة، لا تصلح للألوهية، ولا أن تعبد مع الله عز وجل؛ لأنها مخلوقة مربوبة مصنوعة مدبرة مسخرة، تطلع تارة وتأفل أخرى، فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافيه، بل هو الدائم الباقي بلا زوال، لا إله ألا الله هو ولا رب سواه.

 

فبين لهم أولاً عدم صلاحية الكواكب لذلك، قيل: هو الزهرة؛ ثم ترقى منها إلى القمر الذي هو أَضوأ منها وأبهى من حسنها، ثم ترقى إلي الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياء وسناء وبهاء، فبين أنها مسخرة مسيرة مقدرة مربوبة، كما قال تعالى:

 

{ ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } (سورة فصلت:37)

 

ولهذا قال: فلما رأى الشمس بازغة أي: طالعة

 

{ قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين * وحاجة قومه، قال أتحاجوني في الله وقد هدان، ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً } (سورة الأنعام:78ـ80)

 

أي: لست أبالي في هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله، فإنها لا تنفع شيئاً ولا تسمع ولا تعقل، بل هي مربوبة مسخرة كالكواكب ونحوها، أو مصنوعة منحوتة منجورة. والظاهر ان موعظته هذه في الكواكب لأهل حران، فإنهم كانوا يعبدونها، وهذا يرد قول من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب لما كان صغيراً، كما ذكره ابن إسحاق وغيره وهو مستند إلي أخبار إسرائيل لا يوثق بها، ولاسيما إذا خالفت الحق.

 

وأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم في عبادتها وكسرها عليهم، وأهانها وبين بطلانها، كما قال تعالى:

 

{ وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا، ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار وما لكم من ناصرين } (سورة العنكبوت:25)

 

وقال في سورة الأنبياء:

 

{ ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذا البتماثيل التي أنتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين * قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين * قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين * وتالله لأكيدن أصنامكم بعد ان تولوا مدبرين * فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون * قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم * قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون * قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألأوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلي أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون * ثم نكسوا على رءوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون * قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله، أفلا تعقلون * قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين } (سورة الأنبياء:51ـ70)

 

وقال تعالى في سورة الشعراء:

 

{ واتل عليهم نبأ إبراهيم * إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون * قالوا نعبد أصناماً فنظل لها عاكفين * قال هل يسمعونكم إذ تدعون * أو ينفعوكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون * قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين * الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين } (سورة الشعراء:69ـ82)

 

وقال تعالى في سورة الصافات:

 

{ وإن من شيعته لإبراهيم * إذ جاء ربه بقلب سليم * إذ قال لأبيه ماذا تعبدون * أتفكاً آلهةً دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين * فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم * فتولوا عنه مدبرين * فراغ إلي آلهتهم فقال ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون * فراغ عليهم ضرباً باليمين * فأقبلوا إليه يزفون * قال أتعبدون ما تنحتون * والله خلقكم وما تعملون * قالوا ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم * فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأسفلين } (سورة الصافات: 83ـ98)

 

يخبر تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام، إنه أنكر على قومه عبادة الأوثان وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها، فقال:

 

{ ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون } (سورة الأنبياء:52)

 

أي: معتكفون عندها وخاضعون لها، قالوا:

 

{ وجدنا آباءنا لها عابدين } (سورة الأنبياء:53)

 

ما كان حجتهم إلا صنيع الآباء والأجداد، وما كانوا عليه من عبادة الأنداد.

 

{ قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين } (سورة الأنبياء: 54)

 

كما قال تعالى:

 

{ إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون * أتفكاً آلهة دون الله تريدون * فما ظنكم برب العالمين } (سورة الصافات:85ـ87)

 

قال قتادة: فما ظنكم به أنه فاعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره. وقال لهم:

 

{ هل يسمعوكم إذ تدعون * أو ينفعونكم أو يضرون * قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون } (سورة الشعراء:72ـ74)

 

سلموا له أنها لا تسمع داعياً ولا تنفع ولا تضر شيئاً، وإن الحامل لهم على عبادتها الاقتداء بأ سلافهم ومن هو مثلهم في الضلال من الآباء الجهال، ولهذا قال لهم:

 

{ أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون * فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } (سورة الشعراء:75ـ77)

 

وهذا برهان قاطع على بطلان إلهية ما ادعوه من الأصنام؛ لأنه تبرأ منها وتنقص بها، فلو كانت تضر لضرته، أو تؤثر لأثرت فيه.

 

{ قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين } (سورة الأنبياء:55)

 

يقولون: هذا الكلام الذي تقوله لنا وتنتقص به آلهتنا، وتطعن بسببه في آبائنا تقوله محقا جادا فيه أم لاعباً؟.

 

{ قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين } (سورة الأنبياء:56)

 

يعني: بل أقول لكم ذلك جادا محقا، إنما إلهكم اله الذي لا إله إلا هو، هو ربكم ورب كل شيء لا شريك له، فاطر السماوات والأرض، الخالق لهما على غير مثال سبق، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، وأنا على ذلكم من الشاهدين. وقوله:

 

{ وتالله لأكيدن أصنامكم بعد ان تولوا مدبرين } (سورة الأنبياء:57)

 

أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد ان يولوا مدبرين إلي عيدهم.

 

قيل: إنه قال هذا خفية في نفسه. وقال ابن مسعود: سمعه بعضهم. وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلي ظاهر البلد، فدعاء أبوه ليحضره فقال: إني سقيم: كما قال تعالى:

 

{ فنظر نظرة في النجوم * فقال إني سقيم } (سورة الصافات:88ـ89)

 

عرض لهم في الكلام حتى توصل إلي مقصودة من إهانة أصنامهم ونصرة دين الله الحق وبطلان ما تهم عليه من عبادة الأصنام التي تستحق أن تكسر وأن تهان غاية الإهانة. فلما خرجوا إلي عيدهم، واستقر هو في بلدهم

 

{ فراغ إلي آلهتهم } (سورة الصافات:91)

 

أي: ذهب إليها مسرعاً مستخفياً، فوجدها في بهو عظيم، وقد وضعوا بين أيديها أنواعاً من الأطعمة قرباناً إليها، فقال لها على سبيل التهكم والازدراء

 

{ ألا تأكلون * ما لكم لا تنطقون * فرغ عليهم ضرباً باليمين } (سورة الصافات:91ـ93)

 

لأنها أقوى وأبطش وأسرع وأقهر، فكسرها بقدوم في يده، كما قال تعالى:

 

{ فجعلهم جذاذاً } (سورة الأنبياء:58)

 

أي: حطاماً، كسرها كلها

 

{ إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون } (سورة الأنبياء:58)

 

قيل إنه وضع القدوم في يد الكبير، إشارة إلي أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار!. فلما رجعوا من عيدهم ووجدوا ما حل بمعبودهم

 

{ قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين } (سورة الأنبياء:59)

 

وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون، وهو مخا حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها، فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء، لكنهم قالوا ما جهلهم، وقلة عقلهم، وكثرة ضلالهم وخبالهم

 

{ من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين } (سورة الأنبياء:59)

 

{ قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم } (سورة الأنبياء:60)

 

أي: يذكرها بالعيب والتنقص لها والازدراء بها، فهو المقيم عليها الكاسر لها. وعلى قول ابن مسعود: أي يذكرهم بقوله:

 

{ وتالله لأكيدن أصنامكم بعد ان تولوا مدبرين } (سورة الأنبياء:57)

 

{ قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون } (سورة الأنبياء:61)

 

أي: في الملأ الأكبر على رءوس الأشهاد، لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه، ويعاينون ما يحل به من الاقتصاص منه. وكان هذا أكبر مقاصد الخليل إبراهيم أن يجتمع الناس كلهم، فيقيم على جميع عباد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه، كما قال موسى عليه السلام لفرعون:

 

{ موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى } (سورة طه:59)

 

فلما اجتمعوا وجاءوا به كما ذكروا (قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا). قيل معناه: هو الحامل لي على تكسيرهم، وإنما عرض لهم في القول:

 

{ فاسألوهم إن كانوا ينطقون } (سورة الأنبياء:62ـ63)

 

وإنما أراد بقوله هذا أن يبادروا إلي القول بأن هذه لا تنطق، فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات.

 

{ فرجعوا إلي أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون } (سورة الأنبياء:64)

 

أي: فعادوا على أنفسهم بالملامة، فقالوا: إنكم أنتم الظالمون، أي: في تركها لا حافظ لها ولا حارس عندها.

 

{ ثم نكسوا على رءوسهم } (سورة الأنبياء:65)

 

قال السدي: أي ثم رجعوا إلي الفتنة فعلى هذا يكون قوله:

 

{ إنكم أنتم الظالمون } (سورة الأنبياء:64)

 

أي: في عبادتها. وقال قتادة: أدركت القوم حيرة سوء، أي: فأطرقوا، ثم قالوا:

 

{ لقد علمت ما هؤلاء ينطقون } (سورة الأنبياء:65)

 

أي: لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق فكيف تأمرنا بسؤالها!. فعند ذلك قال لهم الخليل:

 

{ أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون } (سورة الأنبياء:66ـ67)

 

كما قال:

 

{ فأقبلوا إليه يزفون } (سورة الصافات:94)

 

قال مجاهد: يسرعون، قال:

 

{ أتعبدون ما تنحتون } (سورة الصافات:95)

 

أي: كيف تعبدون أصناماً أنتم تنحتونها من الخشب والحجارة، وتصورونها وتشكلونها كما تريدون

 

{ والله خلقكم وما تعملون } (سورة الصافات:96)

 

وسواء كانت: "ما" مصدرية أو بمعنى الذي، فمقتضى الكلام أنكم مخلوقون، وهذه الأصنام مخلوقة، فكيف يتعبد مخلوق لمخلوق مثله؟ فإنه ليس عبادتكم لها بأولى من عبادتها لكم وهذا باطل، فالآخر باطل للتحكم؛ إذ ليست العبادة تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له.

 

{ قالوا ابنوا له بنياناً فألقوه في الجحيم * فأرادوا به كيداً فجعلهم الأسفلين } (سورة الأنبياء:59)

 

عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا وغلبوا، ولم تبق لهم حجة ولا شبهة إلي استعمال قوتهم وسلطانهم، لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم، فكادهم الرب جل جلاله؛ وأعلى كلمته ودينه وبرهانه كما قال تعالى:

 

{ قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني بارداً وسلاماً على إبراهيم * وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين } (سورة الأنبياء:68ـ70)

 

وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطباً من جميع ما يمكنهم من الأماكن، فمكثوا مدة يجمعون له؛ حتى أن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت أن تحمل حطباً لحريق إبراهيم، ثم عمدوا إلي حوية عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب وأطلقوا فيه النار فاضطرمت وأججت والتهبت، وعلا لها شرر لم ير مثله قط.

 

ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له "هيزن"، وكان أول من صنع المجانيق، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلي يوم القيامة. ثم أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول: لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين، لك الحمد، ولك الملك لا شريك لك. فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيداً مكتوفاً، ثم ألقوه منه إلي النار، قال: حسبنا الله ونعيم الوكيل.

 

كما روى البخاري عن ابن عباس أنه قال: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقى في النار، وقالها محمد ين قيل له:

 

{ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء } (سورة آل عمران:173ـ174)

 

وقال أبو يعلى: حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي جعفر الرازي، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما ألقى إبراهيم في النار قال: اللهم إنك في السماء واحد، وأنا في الأرض واحد أعبدك"

 

وذكر بعض السلف أن جبريل عرض له في الهواء فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا!.

 

ويروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنه قال: جعل ملك المطر يقول: متى أومر فأرسل المطر؟ فكان أمر الله أسرع.

 

{ قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } (سورة الأنبياء:69)

 

قال علي بن أبي طالب: أي لا تضريه. وقال ابن عباس وأبو العالية: لولا أن الله قال: (وسلاماً على إبراهيم) لآذى إبراهيم بردها. وقال كعب الأحبار: لم ينتفع أهل الأرض يومئذ بنار، ولم تحرق منه سوى وثاقه.

 

وقال الضحاك: يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه ولم يصبه منها شيء غيره. وقال السدي: كان معه ملك الظل، وصار إبراهيم عليه السلام في ميل الحوية حوله النار وهو في روضة خضراء والناس ينظرون إليه لا يقدرون على الوصول إليه، ولا هو يخرج إليهم.

 

فعن أبي هريرة أنه قال: أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم، إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال، نعم الرب ربك يا إبراهيم!. وروى ابن عساكر عن عكرمة؛ أن أم إبراهيم نظرت إلي ابنها عليه السلام فنادته: يا بني إني أريد أن أجئ إليك، فادع الله أن ينجيني من حر النار حولك، فقال: نعم، فأقبلت إليه لا يمسها شيء من حر النار، فلما وصلت إليه اعتنقته وقبلته ثم عادتع. وعن المنهال بن عمرو أنه قال: أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما خمسين يوماً وإنه قال: ما كنت أياماً وليالي أطيب عيشاً إذ كنت فيها، ووددت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها، صلوات الله وسلامه عليه.

 

فأرادوا أن ينتصروا فخذلوا، وأرادوا أن يرتفعوا فاتضعوا، وأرادوا أن يغلبوا فعلبوا. وقال الله تعالى:

 

{ وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين } (سورة الأنبياء:70)

 

وفي الآية الأخرى:

 

{ الأسفلين } (سورة الصافات: 98)

 

ففازوا بالخسارة والسفال هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فإن نارهم لا تكون عليهم برداً ولا سلاماً، ولا يلقون فيها تحية ولا سلاماً، بل هي كما قال تعالى:

 

{ إنها ساءت مستقراً ومقاماً } (سورة الفرقان:66)

 

قال البخاري: حدثنا عبيد الله بن موسى، أو ابن سلام عنه، أنبأنا ابن جريج، عن عبد الحميد بن جبير، عن سعيد بن المسيب، عن أم شريك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال: "كان ينفخ على إبراهيم". ورواه مسلم من حديث ابن جريج، وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة، كلاهما عن عبد الحميد بن جبير بن شبية به

 

وقال احمد: حدثنا محمد بن بكر، حديثا ابن جريج، أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي أمية، أن نافعاً مولى ابن عمر أخبره أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ على إبراهيم النار"، قال: فكانت عائشة تقتلهن. وقال احمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن نافع، أن امرأة دخلت على عائشة فإذا رمح منصوب فقالت: ما هذا الرمح؟ فقالت: نقتل به الأوزاغ، ثم حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم لما ألقى في النار جعلت الدواب كلها تطفئ عنه إلا الوزغ، فإنه جعل ينفخها عليه"

 

تفرد به أحمد من هذين الوجهين. وقال احمد: حدثنا عفان، حدثنا جرير، حدثنا نافع، حدثتني سمامة مولاة الفاكه بن المغيرة؛ قالت: دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحاً موضوعاً، فقلت: يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا الرمح؟ قالت: هذا لهذه الأوزاغ نقتلهن به، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: "إن إبراهيم حين ألقى في النار لم يكن في الأرض دابة إلا تطفئ النار عنه، غير الوزغ كان ينفخ عليه" فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله.

 

ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يونس بن محمد، عن جرير بن حازم به

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(كليم الله موسى عليه السلام )

 

قال تعالى:

{ واذكر في الكتاب موسى، إنه كان مخلصا وكان رسولاً نبياً * وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه ونجيا * ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا } (سورة مريم:51ـ53)

(إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً) أي: تجبر وعتا وطغى وبغى، وآثر الحياة الدنيا، وأعرض عن طاعة الرب الأعلى، (وجعل أهلها شيعاً) أي: قسم رعيته إلي أقسام، وفرق وأنواع، يستضعف طائفة منهم، وهم شعب إسرائيل الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب ابن نبي الله ابن خليل الله، وكانوا إذ ذاك خيار أهل الأرض، وقد سلط عليهم هذا الملك الظالم الغاشم الكافر الفاجر، ويستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع والحرف وأردئها وأدناها، ومع هذا (يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين).

وكان الحامل له على هذا الصنيع القبيح أن بني إسرائيل كانوا يتدارسون فيما بينهم ما يأثرونه عن إبراهيم عليه السلام، من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك ملك مصر على يديه. وذلك ـ والله أعلم ـ حين كان جرى على سارة امرأة الخليل من ملك مصر، من إرادته إياها على السوء وعصمة الله لها. وكانت هذه البشارة مشهورة في بني إسرائيل، فتحدث بها القبط فيما بينهم، ووصلت إلي فرعون فذكرها له بعض أمرائه وأساورته وهم يسمرون عنده، فأمر عند ذلك بقتل أبناء بني إسرائيل، حذراً من وجود هذا الغلام، ولن يغني حذر من قدر.

وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة: أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت القدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط، ولم تضر بني إسرائيل، فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والحذقة والسحرة، وسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء، يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسون.

والمقصود أن فرعون احترز كل الاحتراز ألا يوجد موسى، حتى جعل رجالاً وقوابل يدورون على الحبالى، ويعلمون مقيمات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكراً إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته. وعند أهل الكتاب: أنه إنما كان يأمر بقتل الغلمان، لتضعف شوكة بني إسرائيل، فلا يقاومونهم إذا غالبوهم أو قاتلوهم. وهذا فيه نظر، بل هو باطل، وإنما هذا الأمر بقتل الولدان بعد بعثة موسى، كما قال تعالى:

{ فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم } (سورة غافر:25)

ولهذا قالت بنو إسرائيل لموسى:

{ أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا } (سورة الأعراف:129)

فالصحيح أن فرعون إنما أمر بقتل الغلمان أولاً، حذراً من وجود موسى.

وقد ذكر غير واحد من المفسرين: أن القبط شكوا إلي فرعون قلة بني إسرائيل، بسبب قتل ولدانهم الذكور، وخشي أن تتفانى الكبار مع قتل الصغار، فيصيرون هم الذين يلون ما كان بنو إسرائيل يعالجون، فأمر فرعون بقتل الأبناء عاماً وأن يتركوا عاماً، فذكروا أن هارون عليه السلام ولد في عام المسامحة عن قتل الأبناء، وأن موسى عليه السلام ولد في عام قتلهم، فضاقت أمه ذرعاً واحترزت من أول ما حبلت، ولم يكن يظهر عليها مخايل الحبل، فلما وضعت ألهمت أن اتخذت له تابوتاً، فربطته في حبل وكانت دارها متاخمة للنيل فكانت ترضعه، فإذا خشيت من أحد وضعته في ذلك التابوت، فأرسلته في البحر، وأمسكت طرف الحبل عندها، فإذا ذهبوا استرجعته إليها به.

قال تعالى:

{ وأوحينا إلي أم موسى أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني، إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين * فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزنا، إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين * وقالت امرأة فرعون قرت عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون } (سورة القصص:7ـ9)

قال السهيلي: واسم أم موسى \"أيارخا\" وقيل: \"أياذخت\"، والمقصود أنها أرشدت إلي هذا الذي ذكرناه، وألقى في خلدها وروعها ألا تخافي ولا تحزني فإنه إن ذهب فإن الله سيرده إليك، وإن الله سيجعله نبياً مرسلا، يعلي كلمته في الدنيا والآخرة، فكانت تصنع ما أمرت به، فأرسلته ذات يوم وذهلت أن تربط طرف الحبل عندها فذهب في النيل، فمر على دار فرعون (فالتقطه آل فرعون)، قال الله تعالى: (ليكون لهم عدواً وحزناً) قال بعضهم: هذه لأم العاقبة، وهو ظاهر إن كان متعلقا بقوله: (فالتقطه). وأما إن جعل متعلقاً بمضمون الكلام، وهو أن آل فرعون قيضوا لالتقاطه ليكون لهم عدواً وحزناً، وصارت اللام معللة كغيرها، والله أعلم. ويقوي هذا التقدير الثاني قوله: (إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين) أي: هم أهل لهذا التقييض، ليكون أبلغ في إهانتهم وأقوى في حسرتهم، أن يربوا عدوهم في دارهم، ولهذا قال: (ليكون لهم عدواً وحزناً).

وذكر المفسرون: أن الجواري التقطنه من البحر في تابوت مغلق عليه، فلم يتجاسرن على فتحه، حتى وضعنه بين يدي امرأة فرعون \"آسية\" بنت مزاحم بن عبيد بن الريان ابن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف. وقيل: إنها كانت من بني إسرائيل من سبط موسى. وقيل: بل كانت عمته، حكاه السهيلي، فالله أعلم. فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب، رأت وجهه يتلألأ بتلك الأنوار النبوية والجلالة الموسوية، فلما رأته ووقع نظرها عليه أحبته حبا شديداً جداً، فلما جاء فرعون قال: ما هذا؟ وأمر بذبحه، فاستوهبته منه ودفعت عنه، وقالت: (قرة عين لي ولك) فقال لها فرعون: أما لك فنعم وأما لي فلا أي لا حاجة لي به. و\"البلاء موكل بالمنطق\"!.

 

فأطلقوها وذهبوا معها إلي منزلهم، فأخذته أمه، فلما أرضعته التقم ثديها وأخذ يمتصه ويرتضعه، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وذهب البشير إلي \"آسية\" يعلمها بذلك، فاستدعتها إلي منزلها وعرضت عليها أن تكون عندها، وأن تحسن إليها، فأبت عليها، وقالت: إن لي بعلاً وأولاداً، ولست أقدر على هذا إلا أن ترسليه معي، فأرسلته معها، ورتبت لها رواتب، وأجرت عليها النفقات والكساوي والهبات، فرجعت به تحوزه إلي رحلها، وقد جمع الله شمله بشملها.

قال الله تعالى: (فرددناه إلي أمة كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق) كما وعدناها برده ورسالته، فهذا رده، وهو دليل على صدق البشارة برسالته (ولكن أكثرهم لا يعلمون). لما ذكر تعالى أنه أنعم على أمه برده لها وإحسانه بذلك، وامتنانه عليها، شرع في ذكر أنه لما بلغ أشده واستوى، وهو احتكام الخلق والخلق، وهو سن الأربعين في قول الأكثرين، آتاه الله حكماً وعلماً، وهو النبوة والرسالة التي كان بشر بها أمه حين قال: (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين).

ثم شرع في ذكر سبب خروجه من بلاد مصر، وذهابه إلي أرض مدين، وإقامته هنالك حتى كمل الأجل وانقضى الأمد، وكان ما كان من كلام الله له، وإكرامه بما أكرمه به، كما سيأتي. فقال تعالى: (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها) قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدي: وذلك نصف النهار، وعن ابن عباس: بين العشاءين. (فوجد فيها رجلين يقتتلان) أي: يتضاربان ويتهارشان (هذا من شيعته) أي: إسرائيلي. (وهذا من عدوه) أي: قبطي، قاله ابن عباس وقتادة والسدي ومحمد ابن إسحاق.

(فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) وذلك أن موسى عليه السلام، كانت له بديار مصر صولة، بسبب نسبته إلي تبني فرعون له وتربيته في بيته، وكانت بنو إسرائيل قد عزوا وصارت لهم وجاهة، وارتفعت رءوسهم بسبب أنهم أرضعوه، وهم أخواله أي من الرضاعة، فلما استغاث ذلك الإسرائيلي موسى عليه السلام على ذلك القبطي أقبل إليه موسى (فوكزه) قال مجاهد: أي طعنه بجميع كفه، وقال قتادة: بعصاً كانت معه (فقضى عليه) أي: فمات منها.

وقد كان ذلك القبطي كافراً مشركاً بالله العظيم، ولم يرد موسى قتله بالكلية، وإنما أراد زجره وردعه، ومع هذا (قال) موسى: (هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم * قال رب بما أنعمت علي) أي: من العز والجاه (فلن أكون ظهيراً للمجرمين).

يخبر تعالى أن موسى أصبح بمدينة مصر خائفاً ـ أي: من فرعون وملئه ـ أن يعلموا أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره، إنما قتله موسى في نصرة رجل من بني إسرائيل، فتقوى ظنونهم أن موسى منهم، وترتب على ذلك أمر عظيم. فصار يسير في المدينة في صبيحة ذلك اليوم (خائفاً يترقب) أي: يتلفت، فبينما هو كذلك، إذا ذلك الرجل الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس يستصرخه، أي: يصرخ به ويستغيثه على آخر قد قاتله، فعنفه موسى ولامه على كثرة شره ومخاصمته، قال له: (إنك لغوي مبين) ثم أراد أن يبطش بذلك القبطي، الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي، فيردعه عنه ويخلصه منه، فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطي (قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس أن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين).

والمقصود أن فرعون بلغه أن موسى هو قاتل ذلك المقتول بالأمس فأرسل في طلبه، وسبقهم رجل ناصح من طريق أقرب (وجاء رجل من أقصى المدينة) ساعياً إليه، مشفقاً عليه، فقال (يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج) أي: من هذه البلدة، (إني لك من الناصحين) أي: فيما أقوله لك. قال الله تعالى: (فخرج منها خائفاً يترقب)، أي: فخرج من مدينة نصر من فوره على وجهه لا يهتدي إلي طريق ولا يعرفه، قائلاً:

{ رب نجني من القوم الظالمين * ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل * ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان، قال ما خطبكما، قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير * فسقى لهما ثم تولى إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } (سورة القصص:21ـ24)

يخبر تعالى عن خروج عبده ورسوله وكليمه من مصر خائفاً يترقب، أي: يتلفت، خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون، وهو لا يدري أين يتوجه، ولا إلي أين يذهب، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها. (ولما توجه تلقاء مدين) أي: اتخذ له طريقاً يذهب فيه: (قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) أي: عسى أن تكون هذه الطريقة موصلة إلي المقصود، وكذا وقع، فقد أوصلته إلي المقصود وأي مقصود. (ولما ورد ماء مدين) وكانت بئراً يستقون منها، ومدين هي المدينة التي أهلك الله فيها أصحاب الأيكة، وهم قوم شعيب عليه السلام، وقد كان هلاكهم قبل زمن موسى عليه السلام في أحد قولي العلماء.

ولما ورد الماء (وجد عليه أمة من الناس يسقون * ووجد من دونهم امرأتين تذودان) أي: تكفكفان عنهما غنمهما أن تختلط بغنم الناس. وعند أهل الكتاب أنهن كن سبع بنات، وهذا أيضاً من الغلط، ولعلهن كن سبعاً ولكن إنما كان تسقى اثنتان منهن، وهذا الجمع ممكن إن كان ذاك محفوظاً، وإلا فالظاهر أنه لم يكن له سوى بنتين.

(قال ما خطبكما، قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير) أي: لا نقدر على ورود الماء إلا بعد صدور الرعاء لضعفنا، وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبينا وكبره، قال الله تعالى: (فسقى لهما). قال المفسرون: وذلك أن الرعاء كانوا إذا فرغوا من وردهم، وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة فتجئ هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس، فلما كان ذلك اليوم جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده، ثم استقى لهما وسقى غنمهما، ثم رد الحجر كما كان، قال أمير المؤمنين عمر: وكان لا يرفعه إلا عشرة، وإنما استقى ذنوباً واحداً فكفاهما.

ثم تولى إلي الظل، قالوا: وكان ظل شجرة من السمر، وروي ابن جرير عن ابن مسعود: أنه رآها خضراء ترف (فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير). سمعته المرأتان فيما قيل، فذهبتا إلي أبيهما، فيقال إنه استنكر سرعة رجوعهما، فأخبرتاه بما كان من أمر موسى عليه السلام، فأمر إحداهما أن تذهب إليه فتدعوه (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) أي: مشي الحرائر، (قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) صرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة، وهذا من تمام حيائها وصيانتها (فلما جاءه وقص عليه القصص) وأخبره خبره، وما كان من أمره في خروجه من بلاد مصر فراراً من فرعون، (قال) له ذلك الشيخ (لا تخف نجوت من القوم الظالمين) أي خرجت من سلطانهم فلست في دولتهم. وقد اختلفوا في هذا الشيخ من هو؟ فقيل: هو شعيب عليه السلام، وهذا هو المشهور عند الكثيرين، وممن نص عليه الحسن البصري، ومالك بن أنس، وجاء مصرحاً به في حديث، ولكن في إسناده نظر.

 

 

(قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج، فإذا أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين). ثم قال تعالى: (ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل)، يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت، فأيهما قضيت فلا عدوان على والله على مقالتنا سامع وشاهد، ووكيل علي وعليك، ومع هذا فلم يقض إلا أكمل الأجلين وأتمهما وهو العشر سنين كوامل تامة.

فلما أراد فراق شعيب سأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه، من ما له لون من ولد ذلك العام، وكانت غنمه سوداء حساناً، فانطلق موسى عليه السلام إلي عصا قسمها من طرفها ثم وضعها في أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها. قالوا: واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة، وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلي السلوك في الدرب المألوف، وجعل يوري زناده فلا يوري شيئاً، واشتد الظلام والبرد.

فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد ناراً تأجج في جانب الطور ـ وهو الجبل الغربي منه عن يمينه ـ (فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً) وكأنه، والله أعلم، رآها دونهم؛ لأن هذه النار هي نور الحقيقة، ولا يصلح رؤيتها لكل أحد، (لعلى آتيكم منها بخير) أي: لعلى استعلم من عندها عن الطريق (أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة ومظلمة. لقوله: في الآية الأخرى:

{ وهل أتاك حديث موسى * إذا رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى } (سورة طه:9ـ10)

فدل على وجود الظلام وكونهم تاهوا عن الطريق، وجمع الكل في قوله في النمل:

{ إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون } (سورة النمل:7)

وقد أتاهم منها بخبر وأي خبر، ووجد عندها هدى وأي هدى، واقتبس منها نوراً وأي نور؟!. قال الله تعالى:

{ فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين }

أي: أنا رب العالمين الذي لا إله إلا هو، الذي لا تصلح العبادة وإقامة الصلاة إلا له. ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنما الدار الباقية يوم القيامة، التي لابد من كونها ووجودها (لتجزي كل نفس بما تسعى) أي: من خير وشر، وحضه وحثه على العمل لها ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصى مولاه واتبع هواه، ثم قال مخاطباً ومؤانساً ومبيناً له أنه القادر على كل شيء، الذي يقول للشيء كن فيكون:

{ وما تلك بيمينك يا موسى } (سورة طه:17)

أي: أما هذه عصاك التي تعرفها منذ صحبتها

{ قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى } (سورة طه:18)

أي: بلى هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها،

{ قال ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هي حية تسعى } (سورة طه:19ـ20)

فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها (قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) فيقال: إنه هابطها شديداً، فوضع يده في كم مدرعته، ثم وضع يده في وسط فمها. وعند أهل الكتاب: أمسك بذنبها، فلما استمكن منها إذا هي قد عادت كما كانت عصاً ذات شعبتين، فسبحان القدير العظيم، رب المشرقين والمغربين!. ثم أمره تعالى بإدخال يده في جيبه، ثم أمره بنزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر بياضاً من غير سوء، أي: من غير برص ولا بهق، ولهذا قال:

{ اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم يدك إلي جناحك من الرهب } (سورة القصص:32)

قيل معناه: إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك. والمقصود أن الله سبحانه وتعالى لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلي فرعون

{ قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني، إني أخاف أن يكذبون * قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون } (سورة القصص:33ـ35)

قال الله تعالى مجيباً إلي سؤاله: (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً) أي: برهاناً (فلا يصلون إليكما) أي: فلا ينالون منكما مكروهاً بسبب قيامكما بآياتنا، وقيل ببركة آياتنا (أنتما ومن اتبعكما الغالبون).

وقال في سورة طه:

{ اذهب إلي فرعون إنه طغى * قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * وأحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي } (سورة طه:24ـ28)

قيل: إنه أصابه في لسانه لثغة، بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه، والتي كان فرعون أراد اختبار عقله، حين أخذ بلحيته وهو صغير، فهم بقتله، فخافت عليه آسية، وقالت: إنه طفل، فاختبره بوضع تمرة وجمرة بين يديه فهم بأخذ التمرة فصرف الملك يده إلي الجمرة، فأخذها فوضعها على لسانه فأصابه لثغة بسببها؛ فسأل زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله: ولم يسأل زوالها بالكلية.

فأتياه فقالا له ذلك، وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلي عباد الله تعالى وحده لا شريك لك، وأنه يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته، ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا، ويتفرغون لتوحيده ودعائه والتضرع لديه. فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى، ونظر إلي موسى بعين الازدراء والتنقص قائلاً له: (ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين؟) أي: أما أنت الذي ربيناه في منزلنا، وأحسنا إليه، وأنعمنا عليه مدة من الدهر؟.

وقوله:

{ وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين } (سورة الشعراء:19)

أي: وقتلت الرجل القبطي، وفررت منا، وجحدت نعمتنا.

{ قال فعلتها إذا وأنا من الضالين } (سورة الشعراء:20)

أي: قبل أن يوحي إلي وينزل على

{ فقررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين } (سورة الشعراء:21)

ثم قال مجيباً لفرعون عما امتن به من التربية والإحسان إليه:

{ وتلك النعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل } (سورة الشعراء:22)

أي: وهذه النعمة التي ذكرت؛ من أنك أحسنت إلي وأنا رجل واحد من بني إسرائيل تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكماله، واستعبدتهم في أعمالك وخدمتك وأشغالك.

{ قال فرعون وما رب العالمين * قال رب السماوات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربكم ورب آبائكم الأولين * قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما، إن كنتم تعقلون } (سورة القصص:21ـ24)

 

 

{ قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين * قال أو لو جئتك بشيء مبين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين } (سورة الشعراء:29ـ33)

وهذان هما الرهانان اللذان أيده الله بهما، وهما العصا واليد، وذلك مقام أظهر فيه الخارق العظيم، الذي بهر العقول والأبصار، حين ألقى عصاه، فإذا هي ثعبان مبين، أي: عظيم الشكل، بديع في الضخامة والهول، والمنظر العظيم الفظيع الباهر، حتى قيل: إن فرعون لما شاهد ذلك وعاينه، أخذه رعب شديد وخوف عظيم، بحيث إنه حصل له إسهال عظيم أكثر من أربعين مرة في يوم، وكان قبل ذلك لا يتبرز في كل أربعين يوماً إلا مرة واحدة، فانعكس عليه الحال.

وهكذا لما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها، أخرجها وهي كفلقة القمر تتلألأ نوراً يبهر الأبصار، فإذا أعادها إلي جيبه واستخرجها رجعت إلي صفتها الأولى. ومع هذا كله لم ينتفع فرعون ـ لعنة الله عليه ـ بشيء من ذلك، بل استمر على ما هو عليه، وأظهر أن هذا كله سحر، وأراد معارضته بالسحرة، فأرسل يجمعهم من سائر مملكته، ومن هم في رعيته وتحت قهره ودولته، ثم حضوا بعضكم بعضاً على التقدم في هذا المقام؛ لأن فرعون قد وعدهم ومناهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.

{ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا، فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا، إنما صنعوا كي ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى } (سورة طه:65ـ69)

لما اصطف السحرة، ووقف موسى وهارون عليهما السلام تجاههم، قالوا له: إما أن تلقي قبلنا، وإما أن نلقي قبلك (قال بل ألقوا) أنتم، وكانوا قد عمدوا إلي حبال وعصى فأودعوها الزئبق وغيره من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطراباً يخيل للرائي أنها تسعى باختيارها، وإنما تتحرك بسبب ذلك، فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم، وألقوا حبالهم وعصيهم، وهم يقولون:

{ بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون } (سورة الشعراء:44)

وذلك أن موسى عليه السلام لما ألقاها، صارت حية عظيمة ذات قوائم، فيما ذكره غير واحد من علماء السلف، وعنق عظيم وشكل هائل مزعج، بحيث إن الناس انحازوا منها وهربوا سراعاً، وتأخروا عن مكانها وأقبلت هي على ما ألقوه من الحبال والعصي، فجعلت تلقفه واحداً واحداً في أسرع ما يكون من الحركة، والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها، وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم وحيرهم في أمرهم واطلعوا على أمر لم يكن في خلدهم ولا بالهم ولا يدخل تحت صناعتهم وأشغالهم، فعند ذلك وهنالك تحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس بسحر ولا شعوذة، ولا محال ولا خيال، ولا زور ولا بهتان ولا ضلال؛ بل حق لا يقدر عليه إلا الحق؛ الذي ابتعث هذا المؤيد به بالحق، وكشف الله عن قلوبهم غشاوة الغفلة، وأنارها بما خلق فيها من الهدى، وأزاح عنها القساوة، وأنابوا إلي ربهم وخروا له ساجدين، وقالوا جهرة للحاضرين، ولم يخشوا عقوبة ولا بلوى

قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبي بردة والأوزاعي وغيرهم: لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تهيأ لهم، وتزخرف لقدومهم، ولهذا لم يلتفتوا إلي تهويل فرعون وتهديده ووعيده.

وذلك لأن فرعون لما رأى هؤلاء السحرة قد أسلموا وأشهروا ذكر موسى وهارون في الناس على هذه الصفة الجميلة، أفزعه ذلك، ورأى أمراً بهره، وأعمى بصيرته وبصره، وكان فيه كيد ومكر وخداع، وصنعة بليغة في الصد عن سبيل الله، فقال مخاطباً للسحرة بحضرة الناس: (آمنتم له قبل أن آذن لكم) أي: هلا شاورتموني فيما صنعتم من الأمر الفظيع بحضرة رعيتي؟! ثم تهدد وتوعد وأبرق وأرعد، وكذب فأبعد قائلاً: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر). والمقصود أن فرعون كذب وافترى وكفر غاية الكفر في قوله: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) وأتى ببهتان يعلمه العالمون بل العالمون في قوله:

{ إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون } (سورة الأعراف:123)

وقوله: (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) يعني: يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وعكسه،

{ ولأصلبنكم أجمعين } (سورة الأعراف:124)

أي: ليجعلهم مثلة ونكالاً لئلا يقتدي بهم أحد من رعيته، وأهل ملته، ولهذا قال: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي: على جذوع النخل، لأنها أعلى وأشهر

{ ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى } (سورة طه:71)

يعني: في الدنيا.

{ قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات } (سورة طه:72)

أي: لن نطيعك ونترك ما وقر في قلوبنا من البينات والدلائل القاطعات (والذي فطرنا) قيل: معطوف، وقيل قسم (فاقض ما أنت قاض) أي: فافعل ما قدرت عليه (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) أي: إنما حكمك علينا في هذه الحياة الدنيا، فإذا انتقلنا منها إلي الدار الآخرة صرنا إلي حكم الذي أسلمنا له واتبعنا رسله،

{ إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى } (سورة طه:73)

أي: وثوابه خير مما وعدتنا به من التقريب والترغيب، (وأبقى) أي: وأدوم من هذه الدار الفانية، وفي الآية الأخرى:

{ قالوا لا ضير إنا إلي ربنا منقلبون * إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا } (سورة الشعراء:50ـ51)

أي: ما اجترمناه من المآثم والمحارم

{ أن كنا أول المؤمنين } (سورة الشعراء: 51)

أي: من القبط، بموسى وهارون عليهما السلام.

والظاهر من هذه السياقات أن فرعون ـ لعنه الله ـ صلبهم وعذبهم رضي الله عنهم قال عبد الله بن عباس وعبيد بن عمير: كانوا من أول النهار سحرة، فصاروا من آخره شهداء بررة!. ويؤيد هذا قولهم:

{ ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين } (سورة الأعراف:126)

قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب: استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلي عيد لهم، فأذن لهم وهو كاره، ولكنهم تجهزوا للخروج وتأهبوا له، وإنما كان في نفس الأمر مكيدة بفرعون وجنوده، ليتخلصوا منهم ويخرجوا عنهم. وأمرهم الله تعالى ـ فيما ذكره أهل الكتاب ـ أن يستعيروا حلياً منهم، فأعاروهم شيئاً كثيراً، فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم، طالبين بلاد الشام، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق، واشتد غضبه عليهم، وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوده ليلحقهم ويمحقهم.

قال الله تعالى:

{ وأوحينا إلي موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون * فأرسل فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم * من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * كذلك وأوروثناها بني إسرائيل * فأتبعوهم مشرقين * فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا، إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلي موسى أن أضرب بعصاك البحر، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية، وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم } (سورة الشعراء:52ـ68)

قال علماء التفسير: لما ركب فرعون في جنوده، طالباً بني إسرائيل يقفو أثرهم، كان في جيش كثيف عرمرم ، حتى قيل: كان في خيوله مائة ألف فحل أدهم، وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف. فالله أعلم. والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود، فأدركهم عند شروق الشمس، وتراءى الجمعان ولم يبق ثم ريب ولا لبس، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه، ولم يبق إلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة، فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون: (إنا لمدركون) وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلي البحر فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوكه وخوضه، وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه، والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة، وفرعون قد غالقهم وواجههم، وعاينوه في جنوده وديوشه وعدده وعدته، وهم منه في غاية الخوف والذعر، لما قاسوا في سلطانه من الإهانة والمكر.

 

 

فلما تفاقم الأمر، وضاق الحال، واشتد الأمر، واقترب فرعون وجنوده في جدهم وحدهم وحديدهم، وغضبهم وحنقهم، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، فعند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير، رب العرش الكريم، إلي موسى الكليم: (أن اضرب بعصاك البحر)، فلما ضربه يقال إنه قال له: انفلق بإذن الله، ويقال: إنه كناه بأبي خالد، فالله أعلم.

قال الله تعالى: (فأوحينا إلي موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فريق كالطود العظيم)، ويقال: إنه انفلق اثنتي عشرة طريقاً، لكل سبط طريق يسيرون فيه، حتى قيل: إنه طار فيه أيضاً شبابيك ليرى بعضهم بعضاً! وفي هذا نظر؛ لأن الماء جرم شفاف إذا كان من ورائه ضياء حكاه.

فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه ليرجع كما كان عليه، لئلا يكون لفرعون وجنوده وصول إليه، ولا سبيل عليه، فأمره القدير ذو الجلال أن يترك البحر على هذه الحال، كما قال وهو الصادق في المقال:

{ ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم * أن أدوا إلي عباد الله، إني لكم رسول أمين * وأن لا تعلوا على الله، إني آتيكم بسلطان مبين * وإني عذت بربي وربكم أن ترجعون * وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون * فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون * فأسر بعبادي ليلاً إنكم متبعون * واترك البحر رهواً، إنهم جند مغرقون * كم تركوا من جنات وعيون * وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين * كذلك، وأورثناها قوماً آخرين * فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين * ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين * من فرعون، إنه كان عالياً من المسرفين * ولقد اخترناهم على علم على العالمين * وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين } (سورة الدخان:17ـ33)

فقوله تعالى: (واترك البحر رهواً) أي: ساكناً على هيئته، لا تغيره عن هذه الصفة، قاله عبد الله بن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع والضحاك وقتادة وكعب الأحبار وسماك بن حرب وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم. فلما تركه على هيئته وحالته وانتهى فرعون، فرأى ما رأى وعاين ما عاين، هاله هذا المنظر العظيم، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم، فأحجم ولم يتقدم، وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه حيث لا ينفعه الندم، لكنه أظهر لجنوده تجلداً وعاملهم معاملة العداء، وحملته النفس الكافرة والسجية الفاجرة، على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه، وعلى باطله تابعوه: انظروا كيف انحسر البحر لأدرك عبيدي الآبقين من يدي، الخارجين عن طاعتي وبلدي؟ وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم، ويرجو أن ينجو هيهات، ويقدم تارة ولكنه يحجم تارات!.

فذكروا أن جيريل عليه السلام تبدى في صورة فارس راكب على رمكة حائل، فمر بين يدي فحل فرعون لعنه الله، فحمحم إليها وأقبل عليها، وأسرع جبريل بين يديه فاقتحم البحر، واستبق الجواد وقد أجاد، فبادر مسرعاً، هذا فرعون لا يملك من نفسه شيئاً، ولا لنفسه ضراً ولا نفعاً، فلما رأته الجنود قد سلك البحر اقتحموا وراءه مسرعين، فحصلوا البحر أجمعين أكتعين أبصعين. حتى هم أولهم بالخروج منه، فعند ذلك أمر الله تعالى كليمه فيما أوحاه إليه أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فارتطم عليهم البحر كما كان، فلم ينج منهم إنسان.

قال الله تعالى:

{ وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية، وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم } (سورة الشعراء:65ـ68)

أي: في إنجائه أولياءه فلم يغرق منهم أحد، وإغراقه أعداءه فلم يخلص منهم أحد، آية عظيمة وبرهان قاطع على قدرته تعالى العظيمة، وصدق رسوله فيما جاء به من ربه من الشريعة الكريمة والمناهج المستقيمة.

 

 

تحياتي وتقديري لكم

دمتم بخير

QXc04762.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

قََََََصَصُ الأنْبِيَاءِ

 

لإمام ابن الحافظ ابن كثير

 

قصة بقرة بني إسرائيل

 

قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ، قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ

الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ، قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ، وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ، فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ

بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.

 

قال ابن عباس وعبيدة السلماني وأبو العالية ومجاهد والسدي، وغير واحد من السلف: كان رجل في بني إسرائيل كثير المال،

 

وكان شيخاً كبيراً، وله بنو أخ، وكانوا يتمنون موته ليرثوه، فعمد أحدهم فقتله في الليل وطرحه في مجمع الطرق، ويقال على

 

باب رجل منهم.

 

فلما أصبح الناس اختصموا فيه، وجاء ابن أخيه فجعل يصرخ ويتظلم، فقالوا: مالكم تختصمون ولا تأتون نبي الله، فجاء ابن

 

أخيه فشكا أمر عمه إلى رسول الله موسى صلى الله عليه وسلم. فقال موسى عليه السلام: "أنشد الله رجلاً عنده علم من أمر

 

هذا القتيل إلا أعلمنا به". فلم يكن عند أحد منهم علم منه. وسألوه أن يسأل في هذه القضية ربه عز وجل.

 

فسأل ربه عز وجل في ذلك، فأمره الله أن يأمرهم بذبح بقرة. فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً}

يعنون نحن نسألك عن أمر هذا القتيل، وأنت تقول لنا هذا؟ {قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ} أي أعوذ بالله أن أقول

 

عنه غير ما أوحى إليّ، أو هذا هو الذي أجابني حين سألته عما سألتموني أن أسأله فيه. قال ابن عباس وعبيدة ومجاهد

 

وعكرمة والسدي وأبو العالية وغير واحد: لو أنهم عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها لحصل المقصود منها، ولكنهم شددوا فشدد الله

 

عليهم. وقد ورد في حديث مرفوع، وفي إسناده ضعف. فسألوا عن صفتها، ثم عن لونها، ثم عن سنها، فأجيبوا بما عز وجوده

 

فيهم. وقد ذكرنا ذلك كله في التفسير.

 

والمقصود أنهم أمروا بذبح بقرة عوان، وهي الوسط النَّصَف بين الفارض وهي الكبيرة، والبكر وهي الصغيرة. قاله ابن

 

عباس ومجاهد وأبو العالية وعكرمة والحسن وقتادة وجماعة. ثم شددوا وضيقوا على أنفسهم فسألوا عن لونها، فأُمروا بصفراء

 

فاقع لونها، أي مشرب بحمرة، نسر الناظرين، وهذا اللون عزيز. ثم شددوا أيضاً {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ}.

 

ففي الحديث المرفوع الذي رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه: "لولا أن بني إسرائيل استثنوا لما أعطوا" وفي صحته نظر.

 

والله أعلم.

 

{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}.

 

وهذه الصفات أضيق مما تقدم؛ حيث أمروا بذبح بقرة ليست بالذلول، وهي المذللة بالحراثة وسقي الأرض بالساقية، مسلمة،

 

وهي الصحيحة التي لا عيب فيها، قال أبو العالية وقتادة. وقوله: {لا شِيَةَ فِيهَا}. أي ليس فيها لون يخالف لونها، بل هي

 

مسلمة من العيوب، ومن مخالطة سائر الألوان غير لونها. فلما حددها بهذه الصفات، وحصرها بهذه النعوت والأوصاف

 

{قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}.

 

ويقال إنهم لم يجدوا هذه البقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم كان باراً بأبيه، فطلبوها منه فأبى عليهم، فأرغبوه في ثمنها حتى

 

أعطوه، فيما ذكره السدي، بوزنها ذهباً فأبى عليهم، حتى أعطوه بوزنها عشر مرات، فباعها منهم.

 

فأمرهم نبي الله موسى بذبحها {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}.

 

أي وهم يترددون في أمرها. ثم أمرهم عن الله أن يضربوا ذلك القتيل ببعضها قيل بلحم فخذها، وقيل بالعظم الذي يلي

 

الغضروف، وقيل بالبضعة التي بين الكتفين، فلما ضربوه ببعضها أحياه

 

 

الله تعالى، فقام وهو يشخب أوداجه، فسأله نبي الله موسى من قتلك؟ قال: قتلني ابن أخي. ثم عاد ميتاً كما كان.

 

قال الله تعالى: {كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.

أي كما شاهدتم إحياء هذا القتيل عن أمر الله له، كذلك

 

أمره في سائر الموتى إذا شاء إحياءهم أحياهم في ساعة واحدة كما قال: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}.

 

7mbc_24669773.gif

7mbc_1874974384.gif

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

قََََََصَصُ الأنْبِيَاءِ

 

للإمام ابن الحافظ ابن كثير

 

قصة موسى والخضر عليهما السلام

 

قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً، فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً، فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً، قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِي إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً، قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً، فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْعِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً، قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً، قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً، قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً، قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا، قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً، قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً، قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً، أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}.قال بعض أهل الكتاب: إن موسى هذا الذي رحل إلى الخضر هو موسى بن منسا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم

 

الخليل، وتابعهم على ذلك بعض من يأخذ من صحفهم، وينقل عن كتبهم، منهم نوف، بن فضالة الحميري الشامي البكالي.

 

ويقال إنه دمشقي، وكانت أمه زوجة كعب الأحبار.

 

والصحيح الذي دل عليه ظاهر سياق القرآن ونص الحديث الصحيح الصريح. المتفق عليه: أنه موسى ابن عمران صاحب بني إسرائيل.

قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، قال: أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن

 

نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كذب عدو الله. حدثنا أبي

 

بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن موسى هام خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال:

 

أنا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى إليه: إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال موسى: يا رب فكيف لي

 

به؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثمَّ، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه

 

يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، واتخذ

 

سبيله في البحر سرباً. وأمسك الله عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره

 

بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما.

 

حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز

 

المكان الذي أمره الله به، فقال له فتاه: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِي إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً}. قال: فكان للحوت سرباً. ولموسى ولفتاه عجباً. فقال له موسى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصً}.

قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب فسلَّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك

 

السلام؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً}.

 

يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. فقال موسى:

 

{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً}.

 

فقال له الخضر: {فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً، فَانطَلَقَا}. يمشيان على ساحر البحر، فمرت بهما

 

سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح

 

السفينة بالقدوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً، قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً}.

 

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكانت الأولى من موسى نسياناً. قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة

 

فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر!

 

ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه

 

بيده فقتله، فقال له موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً}. قال:

 

وهذه أشد من الأولى {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً}.

 

{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ}. قال: مائل. فقام الخضر

 

{فَأَقَامَهُ} بيده. فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ

 

سَأُنَبِّئُكَ}. إلى قوله: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً}. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما".

 

قال سعيد بن جبير: فكان ابن عباس يقرأ: "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً" وكان يقرأ: "وأما الغلام فكان

 

كافراً وكان أبواه مؤمنين".

 

ثم رواه البخاري أيضاً عن قتيبة عن سفيان بن عيينة بإسناده نحوه. وفيه: "فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما

 

الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة فنزلا عندها، قال: فوضع موسى رأسه فنام".

 

قال سفيان: وفي حديث غير عمرو قال: وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة، لا يصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب

 

الحوت من ماء تلك العين، قال: فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر، فلما استيقظ {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا}. الآية.

 

وساق الحديث.

 

وقال: ووقع عصفور على حرف السفينة فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر لموسى: ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في

 

علم الله إلا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره، وذكر تمام الحديث.

 

وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج أخبرهم، قال أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو

 

بن دينار، عن سعيد بن جبير، يزيد أحدهما على صاحبه، وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير قال: إنا لَعند ابن عباس

 

في بيته إذ قال: سلوني. فقلت: أي أبا عباس - جعلني الله فداك - بالكوفة رجل قاص يقال له نوف، يزعم أنه ليس بموسى

 

بني إسرائيل. أما عمرو فقال لي، قال: قد كذب عدو الله. وأما يعلى فقال لي: قال ابن عباس: حدثني أبي بن كعب قال: قال

 

رسول الله صلى الله عليه وسلم : موسى رسول الله قال ذكر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب ولَّى، فأدركه

 

رجل فقال: أي رسول الله! هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله، قيل بلى. قال أي

 

رب فأين؟ قال بمجمع البحرين، قال: أي رب اجعل لي علماً أعلم ذلك به. قال لي عمرو: قال حيث يفارقك الحوت، وقال لي

 

يعلى: قال: خذ نوناً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح.

 

فأخذ حوتاً فجعله في مكتل فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيراً، فذلك قوله جل ذكره

 

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ}. يوشع بن نون، ليس عن سعيد بن جبير، قال بينما هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ تضرب

 

الحوت وموسى نائم، فقال فتاه لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه

 

جرية البحر حتى كأن أثره في حجر، قال لي عمرو: هكذا، كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما.

 

{لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً}. قال: قد قطع الله عنك النصب ليست هذه عن سعيد. أخبره فرجعا فوجدا خضراً - قال لي

 

عثمان بن أبي سليمان - على طْنِفسة خضراء على كبد البحر، قال سعيد بن جبير مسجى بثوبه، قد جعل طرفه تحت رجليه،

 

وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضي من سلام؟ من أنت؟ قال: أنا موسى. قال:

 

موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال: جئتك لتعلمني مما علمت رشداً، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك، وأن

 

الوحي يأتيك؟ يا موسى إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه. فأخذ طائر بمنقاره من البحر،

 

فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر.

 

{حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ}. وجد معابر صغاراً تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر، عرفوه فقالوا: عبد الله

 

الصالح. قال فقلنا لسعيد: خضر؟ قال: نعم. لا نحمله بأجر، فخرقها ووتد فيها وتداً "قال" موسى {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ

 

جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} .وقال مجاهد: منكراً. {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً}. كانت الأولى نسياناً، والوسطى شرطاً،

 

والثالثة عمداً {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ}. قال يعلى قال سعيد:

 

وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه، ثم ذبحه بالسكين {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}. لم تعمل بالخبيث.

 

وكان ابن عباس قرأها: زكية زاكية مسلمة، كقولك غلاماً زكياً.

 

 

{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ}. قال سعيد بيده

 

هكذا، ورفع يده فاستقام. قال يعلى: حسبت أن سعيداً قال: فمسحه بيده فاستقام {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}. قال سعيد:

 

أجراً نأكله.

 

{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ}. وكان أمامهم، قرأها ابن عباس: أمامهم ملك يزعمون عن غير سعيد أنه "هدد من بدد" والغلام المقتول

 

اسمه يزعمون "جيسور" {مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها، فإذا جاوزوا أصلحوها

 

فانتفعوا بها. ومنهم من يقول: سدوها بقارورة، ومنهم من يقول بالقار.

 

{فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ}. وكان كافراً {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً}. أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً}. لقوله: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً}. {وَأَقْرَبَ رُحْماً} هما بها أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر.

 

وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية، وأما داود بن أبي عاصم فقال من غير واحد إنها جارية

 

وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خطب موسى بني إسرائيل، فقال: ما

 

أحد أعلم بالله وبأمره مني، فأمر أن يلقي هذا الرجل، فذكر نحو ما تقدم.

 

وهكذا رواه محمد بن إسحاق عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عيينة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن

 

كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنحو ما تقدم أيضاً.

 

ورواه العوفي عنه موقوفاً. وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس: أنه تمارى هو والحر

 

بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى، فقال ابن عباس هو خضر، فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس، فقال:

 

إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه، فهل سمعت من رسول الله فيه شيئاً؟ قال: نعم،

 

وذكر الحديث.

 

 

وقد تقصينا طرق هذا الحديث وألفاظه في تفسير سورة الكهف ولله الحمد.

 

وقوله: {وأما الجدارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ}. قال السهيلي: وهما أصرم وصريم ابنا كاشح {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا}

 

قيل كان ذهباً، قاله عكرمة. وقيل علماً، قاله ابن عباس. والأشبه أنه كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه علم. قال البزار: حدثنا

 

إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا بشر بن المنذر، حدثنا الحارث بن عبد الله اليحصبي عن عياش بن عباس الغساني عن ابن

 

حجيرة، عن أبي ذر رفعه قال: "إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من الذهب مصمت مكتوب فيه: عجبت لمن أيقن بالقدر

 

كيف نصب! وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك؟ وعجبت لمن ذكر الموت كيف غفل؟ لا إله إلا الله محمد رسول الله".

 

وهكذا روى عن الحسن البصري وعمر مولى غفرة وجعفر الصادق نحو هذا.

 

وقوله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً}، قيل إنه كان الأب السابع وقيل العاشر. وعلى كل تقدير: فيه دلالة على أن الرجل الصالح

 

يحفظ في ذريته والله المستعان.

 

وقوله: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } دليل على أنه كان نبياً، وأنه ما فعل شيئاً من تلقاء نفسه بل بأمر ربه فهو نبي وقيل رسول وقيل

 

لي وأغرب من هذا من قال إنه كان ملكاً. قلت وقد أغرب جداً من قال هو ابن فرعون، وقيل إنه ابن ضحاك الذي ملك الدنيا

 

ألف سنة.

 

قال ابن جرير: والذي عليه جمهور أهل الكتاب أنه كان في زمن "أفريدون" ويقال إنه كان على مقدمة ذي القرنين، الذي قيل

 

أنه كان أفريدون، وذو الفرس هو الذي كان في زمن الخليل. وزعموا أنه شرب من ماء الحياة فخلدَ وهو باق إلى الآن.

 

وقيل إنه من ولد بعض من آمن بإبراهيم، وهاجر معه من أرض بابل. وقيل اسمه ملكان، وقيل أرميا بن حلقيا، وقيل كان نبياً

 

في زمن سباسب بن بهراسب.

 

 

قال ابن جرير: وقد كان بين أفريدون وبين سباسب دهور طويلة لا يجهلها أحد من أهل العلم بالأنساب قال ابن جرير:

 

والصحيح أنه كان في زمن أفريدون، واستمر حياً إلى أن أدركه موسى عليه السلام. وكانت نبوة موسى في زمن "منوشهر"

 

الذي هو من ولد أبرج بن أفريدون أحد ملوك الفرس، وكان إليه الملك بعد جده أفريدون لعهد وكان عادلاً. وهو أول من خندق

 

الخنادق، وأول من جعل في كل قرية دهقاناً، وكانت مدة ملكه قريباً من مائة وخمسين سنة. ويقال إنه كان من سلالة إسحاق

 

بن إبراهيم.

 

 

وقد ذكر عنه من الخطب الحسان والكلم البليغ النافع الفصيح ما يبهر العقل، ويحير السامع، وهذا يدل على أنه من سلالة

 

الخليل. والله أعلم.

 

وقد قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ

 

وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ}.

 

فأخذ الله ميثاق كل نبي على أن يؤمن بمن يجيء من بعده من الأنبياء وينصره واستلزم ذلك الإيمان وأخذ الميثاق لمحمد صلى

 

الله عليه وسلم لأنه خاتم الأنبياء فحق على كل نبي أدركه أن يؤمن به وينصره فلو كان الخضر حياً في زمانه، لما وسعه إلا

 

اتباعه والاجتماع به والقيام بنصره، ولكان من جملة من تحت لوائه يوم بدر، كما كان تحتها جبريل وسادات من الملائكة.

 

وقصارى الخضر عليه السلام أن يكون نبياً، وهو الحق، أو رسولاً كما قيل، أو ملكاً فيما ذكر. وأياً ما كان فجبريل رئيس

 

الملائكة، وموسى أشرف من الخضر، ولو كان حياً لوجب عليه الإيمان بمحمد ونصرته، فكيف إن كان الخضر ولياً كما يقوله

 

طوائف كثيرون؟ فأولى أن يدخل في عموم البعثة وأحرى. ولم ينقل في حديث حسن بل ولا ضعيف يعتمد أنه جاء يوماً واحداً

 

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجتمع به، وما ذكر من حديث التعزية فيه، وإن كان الحاكم قد رواه، فإسناده ضعيف،

 

والله أعلم .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

أقول كمان ولا اسيب فرصه لغيرى ياخد حسنات ؟؟؟

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

استنى لما نقرأ الحاجات دى

جزاك الله كل خير

ومنتظرين البقيه

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

شكراً أختى ندى ..

 

واياكم ان شاء الله

 

 

آسف لأنى تلقيت تقريراً بأن الموضوع مكرر والموضوع الأصلى لأخى BLACKDREAM على الرابط :

 

http://forums.yallagroup.net/index.php?showtopic=1332

 

لكنى لاظت ان الموضوع السابق حلقه واحده وهذا الموضوع أشمل .. لذا لن يتم اغلاق الموضوع .. وان كانوا متشابهين تماماً لأغلق ..

 

تحياتى

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

تم التقيم مرتين ولو ممكن اقيمه بالكامل - ماشاء الله

رغم الوقت الذى مضر عليه عديد لكن الاجر موجود ان شاء الله بالتنشيط ومراجة الجميع للمعلومات

 

 

جزاكم الله خيرا ونفم بكم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

تم التقيم مرتين ولو ممكن اقيمه بالكامل - ماشاء الله

رغم الوقت الذى مضر عليه عديد لكن الاجر موجود ان شاء الله بالتنشيط ومراجة الجميع للمعلومات

 

 

جزاكم الله خيرا ونفم بكم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

تم التقيم مرتين ولو ممكن اقيمه بالكامل - ماشاء الله

رغم الوقت الذى مضر عليه عديد لكن الاجر موجود ان شاء الله بالتنشيط ومراجة الجميع للمعلومات

 

 

جزاكم الله خيرا ونفم بكم

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

جزاكم الله خيرا ونفم بكم

 

تم التقيم

 

مرتين ولوأمكن أقيمه بالكامل فكل رد منفصل يحتاج موضوعا مقيم بمفرده - ماشاء الله

 

رغم الوقت الذى مضى عليه عديد لكن الاجر موجود ان شاء الله بالتنشيط ومراجعة الجميع للمعلومات

تم تعديل بواسطه دعوه للجنـــــة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥



×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..