اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
دعوه للجنه

حرباء الثورة

Recommended Posts

24664959.gif

 

 

 

حرباء الثورة

 

version4_revolotionegy_340_309_.jpg

 

 

منذ أكثر من مائة وعشرين سنة كتب الروسي " تشيكوف " قصة رائعة بعنوان " الحرباء " ملخصها أن كلبا في الشارع هاجم أحد المارة فعضه وجرح إصبعه، صرخ الرجل من شدة الألم فتجمهر الناس حوله ، وتصادف مرور رجل الشرطة الذي حقق في الواقعة وقرر أن يقبض على صاحب الكلب ويقدمه إلى المحاكمة بتهمة إطلاق كلبه بدون كمامة وتعريض حياة المواطنين إلى الخطر، سأل الشرطي عن صاحب الكلب فأجابه أحد الواقفين: انه كلب مملوك لحاكم المدينة ، وهنا بدا الارتباك على الشرطي وسرعان ما تغير موقفه من النقيض إلى النقيض، بدلا من القبض على صاحب الكلب توجه الشرطي إلى المجني عليه، المصاب، وراح يوبخه بصوت عال قائلا:"اسمع إن كلب صاحب السعادة ، مخلوق رقيق في غاية الذوق والأدب، أنت الذي استفززته، مما اضطر الكلب المسكين إلى عض إصبعك دفاعا عن نفسه، وسوف أقبض عليك بتهمة استفزاز الكلب"

زمان الحرباء

الحرباء واحدة من مخلوقات الله العجيبة ، فهي تمتاز بقدرة هائلة على التكيف مع مختلف الأوضاع والأحوال المعيشية ، فهي تستطيع أن تتلون وتغير جلدها في اليوم أكثر من مائة ، دون عناء ، من أقصى البياض إلى حالك السواد ، فصارت بذلك مثلا وعلما على المتلونين والمتحولين وأصحاب الوجوه الكثيرة ، وما أكثر هؤلاء في زمان ما بعد الثورة ، حتى أننا نستطيع أن نقول بكل صراحة ، أنه زمان الحرباء .

والحرباء في زمان ما بعد الثورة،كما هي عادتها في كل زمان ومكان ، لا تعرف أيدلوجيات ولا مبادئ ولا مواثيق أو عهود ، الحرباء تكره بكل قوة أصحاب المواقف الثابتة والمبادئ الراسخة ، وتراهم مغفلين وسذج يجب تطهير الساحة منهم ومن حماقتهم ، لأن الحرباء لا تعرف عداوة مطلقة أو محبة مطلقة ، ولا ولاء ولا برآء ، بل تعرف لغة واحدة هي لغة المصالح المطلقة ، فالمصلحة قطب الرحى التي تدور معه ، وإبرة البوصلة لكل توجهات وخطوات الحرباء ، لذلك لا عجب أن تبقى الحرباء ويذهب الجميع .

والحرباء في زمان ما بعد الثورة لها أنصار وأتباع ومؤيدين في كل دائرة من دوائر التأثير في حياتنا اليومية ، فالحرباء موجودة بكثافة في السياسة وفي الإعلام وفي الاجتماع وفي الثقافة وحتى في الفن وفي الرياضة ، ولكن أسوأ حرباء ممكن أن تجدها من بين هؤلاء جميعا الحرباء في الدين .

ولأحمد مطر قصيدة ساخرة كتبها منذ عدة سنوات عن العالم والمفتي إذا تلون مثل الحرباء وجدتها تكاد تتطابق مع حرباء الدين والعلم والفتوى ، في زمان ما بعد الثورة ، وفيها يقول :

التقوى عِندي تَتلوّى

ما بينَ البَلوى والبَلوى

حَسَبَ البَخْتِ

إن نَزلَتْ تِلَكَ على غَيري

خَنَقَتْ صَمْتي.

وإذا تِلكَ دَنَتْ مِن ظَهْري

زَرعَتْ إعصاراً في صَوْتي!

وعلى مَهْوى تِلكَ التّقوى

أَبصُقُ يومَ الجُمعةِ فَتوى

فإذا مَسَّتْ نَعْلَ الأَقوى

أَلحسُها في يومِ السَّبتِ!

الوسَطِيَّةُ: فِفْتي .. فِفْتي.

أعمالُ الإجرامِ حَرامٌ

وَحَلالٌ

في نَفْسِ الوَقْتِ!

هِيَ كُفرٌ إن نَزَلَتْ فَوقي

وَهُدىً إن مَرّتْ مِن تَحتي!

***

هُوَ قد أَفتى..

وأنا أُفتي:

العلَّةُ في سُوءِ البذْرةِ

العِلّةُ لَيسَتْ في النَّبْتِ.

وَالقُبْحُ بِأخْيلَةِ الناحِتِ

لَيسَ القُبحُ بطينِ النَّحتِ.

وَالقاتِلُ مَن يَضَعُ الفَتوى

بالقَتْلِ..

وَليسَ المُستفتي.

وَعَلَيهِ.. سَنَغدو أنعاماً

بَينَ سواطيرِ الأَحكامِ

وَبينَ بَساطيرِ الحُكّامْ.

وَسَيكفُرُ حتّى الإسلامْ

إن لَمْ يُلجَمْ هذا المُفتي!

وجدت نفسي أكرر البيت الأخير عدة مرات ، فالدين الآن رغم كل ما يكال له من حملات تشويه وتشكيك من العلمانيين والليبراليين والطوائف الأخرى ، إلا أن الخطر الأكبر والداهم يأتيه من بعض أبنائه ممن انتسب إلي العلم والفقه ، أو مما يعرف لدى اصطلح الكتّاب والمحللين ، بالإسلاميين الرسميين !

ــ فبعض هؤلاء الرسميين كان يعلم يقينا أنه ما تبوء منصبه الكبير إلا برضا الطاغية عليه ، وممالأته على مواقفه المشينة ، وتبرير طغيانه ، والتسبيح بمآثره ، والموافقة على مشاريع التوريث والتكريس للطغيان والاستبداد الوراثي ، فذلك الرسمي يعرف في قرارة نفسه أنه غير أهل لمنصبه الخطير ، من أجل ذلك بذل قصارى جهده من أجل الحفاظ على كرسيه ، والتنازل عن أي شيء وكل شيء من أجل المنصب والكرسي ولا شيء غير الكرسي ، والبقاء تحت دائرة الضوء مهما كانت الكلفة والثمن .

ــ كلنا يعلم أن الثورة قد أسقطت كثيرا من رموز العهد البائد ، فسقط ساسة وإعلاميون ومفكرون ومثقفون وفنانون ورياضيون ، وكثيرا من أولياء النظام السابق قد سقطوا معه ، ومنهم كثير من الإسلاميين الرسميين ، الذين وجدوا نفسهم في طي النسيان وظل التجاهل ، فقرر كثير منهم الرضا بما أصابه واعتبره فرصة للتخلص من قيود المنصب وأصر ممالأة السلطان ، واعتزل الأضواء ، وجلس في بيته يندب حظه ويلعق جراحه ، وبعضهم قرر طريق الحرباء ، والبقاء تحت الأضواء وفي دائرة الشهرة مهما كان المقابل أو قل بالأحرى التنازل !

ـ بعض الرسميين غير بوصلة ولائه ، وقبلة أطماعه ، وبحث عن خير وسيلة ليبقي فيها مرضيا عنه ، تستقبله محطات الإعلام ، وتضيفه القنوات والبرامج الحوارية ، ليدلو بدلوه في مرحلة ما بعد الثورة ، مع أنه كان من ألد أعدائها ، وحرض على قتل شبابها ، ولكن الحرباء تستطيع أن تتجاوز وخز الضمير وتأنيب النفس ، بصورة على جريدة أو لقاء مع محطة ، بعض الرسميين الآن نجده يبذل كل ما في طاقاته ليسترضي السادة الجدد ، فنجده يراهن على من يظن أن الأيام ستقبل عليهم ، ويمارس نفس دوره التحريضي الذي كان يمارسه مع سيده القديم ، الطاغوت البائد ، فتراه يحرض ويشتم ويسفه ويرعد ويزبد ، ويرسل بالمقالات إلى سائر الصحف والمجالات العربية منها والأجنبية من أجل الاستعداء على خصومه وخصوم أسياده الجدد ، ويصل الأمر به لئن يستدعي العدو الخارجي ويخوفه من مغبة وصول التيار الإسلامي إلي سدة الحكم ، ويوزع الفتاوى المضللة والآراء المخوفة من هذا الفريق أو ذاك ، بل يؤلف كنبا يخلط فيها الأوراق ، ويدس السم في العسل ، ويرتدي مسوح الواعظين على قلوب الطامعين المتلونين ، فيرمي هذا بالتشدد ، وذاك بالتنطع ، وثالث بالغلو ورابع بالجهل ، وهكذا حتى أصبح الجميع مفسدين إلا ما عليه هو وأسياده .

ولأن السب والشتم والتخويف لم يعد يجدي ، وأصبح غير كافيا في كف الناس عن التأييد للتيار الإسلامي والمصلحين في البلد ، كان على الحرباء أن تصل لأقصى درجات السقوط ، فيضع يده في يد ألد أعداء الله ، ويفتيهم صراحة بأنه يجوز لغير المسلم ، بل لغير المؤمن بالرسالات أصلا ، أن يلي رقاب المسلمين ويحكم بلادهم ، لأن المعيار في الحكم بحسب رأيه الجديد في الشرع والدين ، هو الكفاءة والمواطنة ، ولا شيء غير ذلك ، ليثبت للجميع أن الحرباء لا تبغي غير رضا المخلوقين ولا شيء غير المخلوقين ، أما رضا الخالق فهذا شيء آخر ، لا تعرفه الحرباء و لا تقر به أبدا ، وكما قال الشاعر أحمد مطر :

وسيكفر حتى الإسلام ، إن لم يلجم هذا المفتي

وأخيرا أعتذر من كل قلبي للحرباء الزاحفة ، لأن المتلونين والمتحولين من البشر قد أساءوا إليها كثيرا ، عندما تشبهوا بها ، فهي أعلى وأرقي منهم كثيرا .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر



×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..