اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
VIRUS

فتنة المسيح الدجال (بحث مفصل)

Recommended Posts

سعيد الكثيري

 

 

مــــع المداخـــــــلات (9)

 

 

الأخ الكريم الوسواس القهري ذكر أن تأويلي مستبعداً كثيراً ، فكلام رسول الله عن الدجال يتضح منه أنه يقصد رجلاً ، لا غير ذلك ، و من ذلك قوله أن يحيي الميت ، و أنه مُكبّل في جزيرةٍ ما ، و أن بعض الصحابة اشتبهوا في ذاك المدعو ابن صياد ، و الكلمة المكتوبة بين عينيه ، و الكثير غير ذلك.

 

 

والواقع أن الأمر هنا يرتبط بقضيتين : الأولى هي ما إذا كان منهج الرمز والمجاز وارداً بشأن قضايا الغيب الدنيوي أم لا ؟.

 

والواقع أن كل الأدلة تؤكد أنه وارد وشائع .

 

لقد تضمن القرآن الكريم تشبيه رجل بالشمس وتشبيه امرأة بالقمر وتشبيه إخوة بالنجوم والرمز لوظيفة السقاية بعصر الخمر والرمز لحادثة الصلب بأكل الطير للخبز المحمول فوق الرأس وتشبيه السنوات المطيرة بالبقرات السمان والسنبلات الخضر وتشبيه السنوات المجدبة بالبقرات العجاف والسنبلات اليابسات . وبالتالي فإن من الجائز تشبيه الحضارة الغربية برجل .

 

تضمن القرآن الكريم تشبيه الجنين في بطن أمه بالنطفة والعلقة والمضغة وتشبيه صورة الجبال بما في ذلك جذورها بالأوتاد . وبالتالي فإن من الجائز تشبيه الحضارة الغربية برجل .

 

تضمنت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تشبيه مجموعات من البشر يظهرون من المشرق في آخر الزمان ويقضى عليهم ثم يظهرون ويقضى عليهم ثم يظهرون ويقضى عليهم بقرن الشيطان الذي يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع . وبالتالي فإن من الجائز تشبيه الحضارة الغربية برجل .

 

بل إن تشبيه مجموعات من البشر بقرن الشيطان الذي يظهر ويقطع عشر مرات أو عشرين مرة أكثر مجازاً وتشبيهاً من تشبيه إحدى الحضارات برجل !!.

 

وذات الأسباب التي اقتضت التشبيه والرمزية في نبوءة قرن الشيطان هي ذات الأسباب التي اقتضت التشبيه والرمزية في نبوءة المسيح الدجال ، فالنبوءتان تتحدثان عن فتنتين تحدثان في زمن يتغير فيه شكل الحياة ، وأدنى صور التعبير المباشر من شأنها أن تنقض حالة الفتنة وتحولها إلى حالة تحفيز إيماني ودلالات على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . بالإضافة إلى أن الناس ما كانوا ليستوعبوا أو يفهموا أي حديث مباشر عن شكل الحياة في العصر الحاضر . وهانحن نشاهد بعض الذين يعيشون في عصرنا لا زالوا غير قادرين على استيعاب أو تصديق بعض أوضاع وتطورات العصر . فضلاً عن أن الحديث المباشر عن العصر الحديث كان سيؤدي إلى كشف الغيب وإخراجه من دائرة الاختصاص الإلهي بعلم الغيب . أما بعد تحققه فإنه يكون قد خرج من دائرة الغيب وأصبح ممكناً العلم به وفهمه واستيعابه .

 

نحن في ثقافتنا وفي الثقافة الغربية نقبل إطلاق مسمى " الرجل " المريض على الدولة العثمانية في آخر أطوارها . وبالتالي فإن من الجائز تشبيه الحضارة الغربية برجل .

 

القضية الثانية التي يثيرها فهم نبوءة المسيح الدجال هي قضية الأدلة التي تقتضي الانتقال من المعنى اللغوي المباشر إلى المعنى المجازي . ذلك أنه لا يجوز أصلاً الانتقال إلى المعنى المجازي ما لم توجد أدلة تقتضي امتناع تحقق المعنى اللغوي المباشر . والواقع أنه ما كان ليدور بخلدنا صرف نبوءة المسيح الدجال عن معناها الظاهري إلى المعنى المجازي لو لم توجد أدلة شرعية وعقلية تمنع المعنى الظاهري .

 

كل الحديث القرآني المطول عن المعجزات وأهلها ووظائفها وحكمتها تشهد بأن " معجزات " الدجال لا تعدو أن تكون تشبيهاً للمخترعات والمكتشفات بالمعجزات .

 

فإذا استبعدنا عن الدجال مسألة أمر السماء فتمطر وأمر الأرض فتنبت والمرور بالخرائب فتتبعه كنوزها والركوب على حمار بين أذنيه أربعين ذراعاً وإحياء الموتى والإتيان بجنة ونار وجبال خبز وماء والسرعة الهائلة التي تشبه الريح ، فإننا سنكون بين أحد خيارين : إما رد أحاديث المسيح الدجال لمخالفتها لكل ما ورد في القرآن بشأن المعجزات وأهلها ووظائفها وحكمتها ، أو تطبيق القاعدة المتبعة في رؤى يوسف عليه السلام وصاحبي سجنه وملك مصر ونبوءة قرن الشيطان ، والإدراك بأن المعنى المقصود هو المعنى المجازي . وحينها سندرك أن كل عجائب المسيح الدجال تحققت بشكل نموذجي دقيق من خلال مكتشفات ومخترعات الحضارة الغربية .

 

إذا تأملنا تبشير الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بغزو الدجال وفتحه فسندرك أن صورة الرجل المذكورة في الأحاديث هي صورة مجازية بمثل صورة قرن الشيطان !!

 

إذا تأملنا مسألة خفاء الدجال وعدم اكتشافه إلا في أواخر فتنته فسندرك أن صورة الرجل المذكورة في الأحاديث هي صورة مجازية !!

 

إذا تأملنا مسألة الكتابة بين العينين التي يقرؤها الأمي الذي لا يقرأ أصلاً ، وإذا تأملنا المسافة بين العينين ولغة الكتابة ، وعدم التعرف على الدجال رغم كل ذلك ، فسندرك أن التعبير لا يمكن أن يكون إلا تعبيراً مجازياً يقصد منه الإشارة إلى وضوح وجلاء كفر المسيح الدجال حتى للأميين .

 

إذا تأملنا مسألة العينين وخلط الناس بين الله وبين رجل أعور وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " فإن ألبس عليكم فاعلموا أن الدجال أعور وأن الله ليس بأعور " فسندرك أن الحديث لا يمكن أن يكون عن عينين بشريتين وأن التعبير لا يمكن أن يكون إلا تعبيراً مجازياً . وعندها سنجد الحضارة الغربية تقدم عبر الإعمال الشديد للعقل والاستبعاد الشديد للوحي تجسيداً نموذجياً لمسألة العينين .

 

إذا تأملنا مسألة الواديين أو النهرين أو الجنة والنار وعشرات الأسئلة المعلقة التي يثيرها الفهم اللغوي المباشر لهذه الأخبار ، ثم ألقينا نظرة فاحصة على قصة العالم مع علوم الغرب وآدابه ، فسندرك أن التعبيرات الواردة في الأحاديث لا يمكن أن تكون إلا تعبيرات مجازية وأن الغرب يقدم تجسيداً نموذجياً لهذه الصورة .

 

إذا تأملنا مسألة الخروج عبر غضبة يغضبها ، وأدركنا أن غضبة رجل أعور قد تؤدي إلى رفع ضغط الدم لديه إلا أنها لا تؤدي ولن تؤدي إلى إكسابه قدرات إلهية بحيث يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ويمر بالخرائب فتتبعه كنوزها . إذا تأملنا ذلك وألقينا نظرة على أحوال الغرب منذ انطلاقة الثورة الفرنسية فسندرك أن التعبير عن الغضبة التي تطلق قدرات الدجال هو تعبير مجازي تقدم الحضارة الغربية تجسيداً نموذجياً له .

 

إذا تأملنا مسألة الأربعين يوماً أو عاماً وشهرين وما يمكن لرجل وحيد أن يقدمه خلالها من شبهات وعجائب وإغراء وإغواء فسندرك أن فتنة الدجال الرجل لا يمكن أن تبلغ نقطة في بحر فتنة الحضارة الغربية عبر قرابة أربعمائة عام ومن خلال إمكانات مجموعة من الأمم والشعوب . وحينها سنسلم بأن تجاوز وتخطي فتنة الحضارة الغربية لن يتحقق حتى بجهود مليون رجل أعور .

 

إذا سلمنا من خلال ما سبق بمسألة التشبيه وأدركنا أنها واردة شرعاً وعقلاً ومنطقاً فلن نجد غرابة في تشبيه أوروبا بخراسان ولن نجد غرابة في تشبيه نفوذ يهود أمريكا بنفوذ يهود أصفهان ، ولن نجد غرابة في تشبيه فلسطين بالفتحة أو المنفذ الذي يشهد خروجاً مسلحاً للدجال .

 

إذا حسمنا الأمر تجاه كل ما سبق وأدركنا أن مسألة التشبيه واردة شرعاً وعقلاً ومنطقاً فلن نجد غرابة في تشبيه الحضارة الغربية برجل ، ولن نجد غرابة في اعتقاد الصحابة وكل من لم يعايش الحضارة الغربية ويتأملها بأن الأمر يتعلق برجل من لحم ودم .

 

كل من لم يقدم له تأويل متماسك لنصوص نبوءة المسيح الدجال لن يكون أمامه من خيار سوى رفض النصوص أو التسليم بها كما وردت دون القدرة على حل مشكلات فهمها .

 

لذلك لن يكتشف شخصية الدجال سوى رجل وحيد ، ولن يصدقه الناس حين يزعم أن " هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول " . ولو كان الاكتشاف الذي يقدمه سهلاً وعادياً ودارجاً وموجوداً في الثقافة السائدة لما أخبر الرسول عن ذلك الرجل ولا عن شهادته ، ولما تم وصفها بأنها أعظم شهادة عند رب العالمين .

 

سنتقدم خطوة إضافية على طريق التأويل ، وذلك بأن نتناول الأحاديث النبوية التي أشارت إلى العلاقة بين سورة الكهف وبين الوقاية من فتنة الدجال .

لاحقاً بمشيئة الله نواصل الطرح ،،،،،،

=================

 

الميكانيكي

 

لا ننسى هذا الاقتباس من مقال سعيد الكثيري

 

حاملة الطائرات وفوقها الطائرة ( من فتنته أنه يركب حماراً بين أذنيه أربعين ذراعاً ) .

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

الأخ الكريم الميكانيكي

 

أشكرك على المرور وعلى الإضافة . ولو أنني ممن يجيدون الرسم ، ولولا حساسية الموضوع لقمت برسم صورة الدجال التي وردت في الأحاديث لكي يدرك كل ذي عقل أن معانيها المباشرة لا يمكن أن تكون مقصودة ، وأن المقصود هو المعنى المجازي .

 

لننظر إلى بعض المقارنات بين المعنى اللغوي المباشر وبين المعنى المجازي .

 

رجل أعور أبيض أحمر قصير أجعد الشعر منحن متباعد الرجلين .

 

يركب حماراً بين أذنيه أربعين ذراعاً .

 

مكتوب بين عينيه كلمة " كافر " يقرؤها كل مؤمن من كاتب وغير كاتب .

 

يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ويمر بالخرائب فتتبعه كنوزها كمجموعات النحل .

 

يغزوه المسلمون ويفتحونه .

 

معه واديان أو نهران أو جنة ونار يفتن بهما الناس .

 

يمكث في الأرض أربعين يوماً ، وأيامه يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وبقية أيامه كأيامنا .

 

يخلط الناس بينه وبين الله ، وقد أوصانا الرسول بتأمل عيني الدجال ، وقال " فإن ألبس عليكم فاعلموا أن الدجال أعور وأن الله ليس بأعور !!

 

فتنته شديدة على النساء ، حتى أن الرجل يحاصر أمه وأخته وزوجته مخافة أن يخرجن إلى الدجال .

 

رغم هذه الملامح والأوضاع والأحداث الصارخة لن يعرف الناس الدجال !!

 

لن يعرفوه حتى أواخر فتنته !!

 

وكيف سيعرفونه ؟!

 

بمجرد الشهادة بأن الدجال موجود بين الناس وأن فتنته ملأت الدنيا !!

 

والعجيب أن الناس لن يصدقوا هذه الشهادة !!

 

والأعجب أن هذه الشهادة هي أعظم شهادة عند رب العالمين !!

 

فكيف يخفى رجل بمثل هذه الملامح والأوضاع والأحداث عن كل الناس ؟!

 

وما أهمية أن يقال لهم في أواخر الفتنة ما يعرفونه ويؤمنون به ، وهو أن الرجل الأعور الأفحج الذي يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ....... موجود بينهم ؟!!

 

هل سيبلغ بهم العمى وغياب الوعي حد الذهول عن هذه الأحداث والأوضاع والملامح ؟!

 

ثم لماذا لا يصدقون الشهادة حين تقال لهم ؟!!

 

إذا تجاوزنا مسألة عدم تعرف الناس على الدجال حتى أواخر فتنته ، فلماذا لا يصدقون من يقول لهم بأن الدجال الأعور الأفحج ...... موجود بينهم ؟!!!

 

ولماذا تكون الشهادة بأن الدجال موجود بين الناس هي أعظم شهادة عند رب العالمين ، بينما الأمر لا يتطلب سوى إجادة القراءة لمعرفة كل ما أنبأ به الرسول عن الدجال ؟!!

 

هذه كلها أسئلة لا يسعف التفسير اللغوي المباشر لنبوءة المسيح الدجال في فهمها .

أما لو قلنا إن المعنى اللغوي المباشر لنبوءة المسيح الدجال ليس هو المعنى المقصود وأن المعنى المقصود هو المعنى المجازي ، فإن كل شيء سيصبح مفهوماً .

 

الناس لن يعرفوا المسيح الدجال إلا في أواخر فتنته ، لأن الصورة المجازية هي التي ستتجسد ، بينما الناس ينتظرون الصورة التي ينبئ عنها الفهم اللغوي المباشر .

 

لن يعرفوه لأنهم ينتظرون رجلاً أعور يخلط الناس بينه وبين الله ويهتم من يريد الخروج من الالتباس والخلط بأن ينظر إلى العينين فيدرك أن الدجال أعور والله ليس بأعور ، بينما ستتجسد لهم حضارة ترى بالعقل وترفض النقل ( الوحي ) ، ومن أراد الخروج من الالتباس والخلط فعليه أن يدرك بأن الطريق إلى الله إو إلى تجنب فتنة الدجال تتطلب الرؤية بالعقل وبالوحي معاً .

 

 

لن يعرفوه لأنهم ينتظرون رجلاً أعور متنافر الملامح يفتن النساء كما لم يفتنوا من قبل ، بينما ستتجسد لهم حضارة تقلب أوضاع النساء رأساً على عقب وتوصل الإغراء إلى منازلهم ( عبر البث الفضائي والإنترنت والمجلات والصحف وكل وسائل النشر والإعلام والاتصال ) !!

 

لن يعرفوه لأنهم ينتظرون رجلاً يركب حماراً بين أذنيه أربعين ذراعاً ، بينما ستتجسد لهم حضارة تنتج حاملات الطائرات وتنتج الطائرات التي تسابق الصوت وتطوي الأرض كطي الفروة !!.

 

لن يعرفوه لأنهم ينتظرون رجلاً يغزونه ويفتحونه ، بينما ستتجسد لهم حضارة فاتنة وعظيمة الإيجابيات وشديدة السلبيات ، ولكن الإسلام سيعود ويلقي بجرانه في الأرض ويدخل كل بيت وبر ومدر بما في ذلك مناطق الحضارة الغربية !!

 

لن يعرفوه لأنهم ينتظرون رجلاً يخرج من خراسان ويكون له خروج مسلح من فتحة بين الشام والعراق ، بينما ستتجسد لهم حضارة تخرج من منطقة شبيهة بمنطقة خراسان من حيث دورها العلمي في الحضارة الإسلامية ، وسيكون لهذه الحضارة خروج مسلح من منطقة تشبه الفتحة أو المنفذ ( فلسطين ) !!

 

لن يعرفوه لأنهم ينتظرون رجلاً كافراً يمده الله بالمعجزات ، فيأمر السماء فتمطر ، بينما ستتجسد لهم حضارة تصل إلى استمطار السحب أو ما يسمى بالمطر الصناعي ، وبهذا تمطر السماء ماء . وتمطر السماء بشراً وبضائع وأدوية وصحفاً ومجلات وكتباً عبر وسائل النقل الجوي ، وتمطر صوراً وكلاماً عبر الأقمار الاصطناعية ووسائل البث الفضائي ، وتمطر تخريباً ودماراً وعذاباً عبر الطائرات والصواريخ !!

 

لن يعرفوه لأنهم ينتظرون رجلاً يمر بالخرائب فتتبعه كنوزها ، بينما ستتجسد لهم حضارة تصل إلى استخراج المعادن والثروات من الصحاري والبراري والقفار والجبال والأدوية ومن تحت الثلوج ومن باطن البحار والمحيطات !!

 

لن يعرفوه لأنهم ينتظرون رجلاً يحمل معه حديقة ( جنة ) وناراً أو واديين أو نهرين يفتن بهما الناس ، بينما ستتجسد لهم حضارة تميز بين العلوم والآداب وتنتج طوفاناً من العلوم في الطب والهندسة والفلك والفيزياء والكيمياء وكل ما هو مفيد ومحايد ، وتنتج طوفاناً من الفلسفات الإلحادية والفنون والسلوكيات التي تصادم الدين وتثير سيلاً عارماً من الشبهات والشكوك .

 

طوفان العلوم سيصل إلى الناس في كل بقاع الأرض ، ولكنه ثقيل وجاف ومرهق . وطوفان الآداب سيصل إلى الناس ، وهو مليء بالشبهات وسهل ويغري بالتقليد والاتباع .

 

من هنا لن يعرف الناس الدجال !!

 

لن يعرفوه لأنهم ينتظرون التفسير اللغوي المباشر للنبوءة ، بينما في أخبار قرن الشيطان لا يخطر ببالهم أن ينتظروا قرناً للشيطان يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع ، ويوقنون بأن الصورة هي صورة مجازية !!

 

لن يصدقوا القول بأن الدجال موجود بينهم ، لأن صورة الدجال التي سيتم إخبارهم بها تختلف عن الصورة التي في أذهانهم بقدر اختلاف التعبير المباشر عن التعبير المجازي !!

 

ستكون الشهادة على الدجال الحقيقي أعظم شهادة عند رب العالمين لأنها تحمل كشفاً لأعظم فتنة تشهدها الأرض ولأنه لن يكون بعد كشفها إلا الفرج والخلاص .... !!

 

ولولا ذلك لما خفي الدجال على أبسط الناس وأقلهم تعليماً ، ولما احتاج الأمر إلى الشهادة بظهوره في أواخر فتنته ، ولما كان لتلك الشهادة أية قيمة أو معنى !!

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

الميكانيكي

 

إقتباس: ((ويمر بأهل الحي فيكذبونه فتسوء أحوالهم وأحوال أراضيهم وماشيتهم ويمر بأهل الحي فيصدقونه فتتحسن أحوالهم وأحوال أراضيهم وماشيتهم ))

هذا ما حصل فعلاً على اهالي الفلوجة الأبطال .. حين كذبوا زعمهُم على أن وجودهم هو لنشر الديموقراطية ورفضوا ان يكونوا تحت إمرتهم ...فحصل لهم ان دمروا مدينتهم وهدموا بيوتهم على رؤوسهم وقتلو كل شي يتحرك فيها حتى الأنعام لم تسلم.....

 

وهذا ما حصل فعلاً على مُدن الشيعة ... حين صدّقوهم وقبلوا بهم ورحّبوا بهم ... فمنحهوهم السلطة والامارة على دولة كاملة وحسّنوا احوالهم .. ففتحوا القنوات الفضائية لهم... وسُمح لهم التفنّن على تعذيب المسلمين السنّّه واشياء اخرى كثيرة,,

فنسأل الله السلامة,,

==================

 

سعيد الكثيري

 

تعليقاً على ما تفضل به الأخ الميكانيكي فإنني أود أن أؤكد بأن الصورة الواقعية لفتنة المسيح الدجال أخذت مدلولات واسعة وعميقة إلى أبعد مدى . ولننظر على سبيل المثال إلى الجزء الذي أشار له الأخ الميكانيكي ، وهو ما ورد في الأحاديث من أن المسيح الدجال يمر بأهل الحي فيصدقونه فتتحسن أحوالهم وأحوال ماشيتهم وأراضيهم ، ويمر بأهل الحي فيكذبونه فتسوء أحوالهم وأحوال ماشيتهم ورعيتهم .

 

إن نظرنا إلى الموضوع من زاوية الاستفادة من المخترعات والمكتشفات أو عدم الاستفادة منها فسنجد أن المشهد دقيق وعميق وواسع إلى أبعد مدى .

 

وإن نظرنا إليه من زاوية إقامة العلاقات المباشرة مع الدول الغربية أو رفضها فسنجد أن المشهد متحقق وممتد .

 

وإن نظرنا إليه من زاوية هيمنة الدول الغربية على المؤسسات الدولية التي تمد الدول الفقيرة بالقروض والمساعدات والمنح والهبات ( ا لبنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ) وتشرع قرارات الحصار واستخدام الحروب ضد بعض الدول المارقة ( مجلس الأمن ) فسنجد أن الصورة متحققة على نطاق واسع .

 

إن نظرنا إلى الموضوع من زاوية مدى رضا الغرب عن بعض الدول ومدى سخطه على بعضها فسنجد أن الدول المرضي عنها تحظى بالتفهم والدعم على أوسع نطاق ، والدول المغضوب عليها تحظى بالسخط وتشويه السمعة والحصار والحروب .

 

إن نظرنا إلى الموضوع من زاوية علاقة الغرب بالأشخاص المتبنين لثقافته والدائرين في فلكه وعلاقته بالأشخاص الذين لا يحملون ثقافته ولا يمثلونها ، فسنجده يرفع الأشخاص المتبنين لثقافته إلى أعلى عليين ويلمع صورتهم ويمدهم بكل ألوان الدعم ويتبنى قضاياهم ويسوقهم كنماذج للفكر الحر ( والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى ) بينما يهمل أو يتجاهل الأشخاص الذين لا يدافعون عن ثقافته ولا يتبنونها أو يشوه مواقفهم ويدعم أو يتفهم الاستبداد الذي يواجهونه من حكوماتهم .

 

لننظر إلى الموضوع من زاوية حكامنا العرب والمسلمين على امتداد الأرض العربية والإسلامية ، بدءاً من عهد بريطانيا العظمى وفرنسا والاتحاد السوفيتي إلى عهد بريطانيا التابعة وأمريكا المهيمنة .

 

هؤلاء الحكام – العرب والمسلمون – إن كانوا يحكمون دولاً غنية فهم يبحثون عند الغرب عن الحماية من جيرانهم العرب والمسلمين ، ويبرمون اتفاقيات حماية ويفتح بعضهم بلاده لإقامة القواعد الغربية الضخمة ، وتحظى الدول الغربية بالتمييز في المشروعات والعقود والصفقات .

 

وإن كان هؤلاء الحكام يحكمون دولاً فقيرة فهم يسألون الغرب من فضله وإحسانه ويعيشون على وصفات صندوق النقد الدولي وعلى الهبات والمساعدات الغربية .

 

ليس الهم الأول للحكام العرب والمسلمين في علاقاتهم السياسية والاقتصادية هو رضا شعوبهم ، بل رضا الغرب .

 

مناهج التعليم يتم تغييرها لإرضاء الغرب . أوضاع المرأة يتم تجميلها بما يرضي الغرب . الأعمال الخيرية يتم إخضاعها للأجندة الغربية . الحريات الدينية يتم الحديث عنها بما يرضي الغرب . أوضاع حقوق الإنسان لا يتم الالتفات إليها إلا لإسكات الغرب . الإصلاحات السياسية لا مكان لها إلا بقدر التواؤم مع الضغوط الغربية !!

 

من وجهة نظر معظم الحكام العرب والمسلمين فالغرب هو الخافض الرافع المعز المذل القوي المنتقم الجبار المغيث المجير الحامي الوهاب !!

 

من وجهة نظر العلمانيين والليبراليين في البلدان العربية والمسلمة فالغرب هو القبلة وهو الملاذ وهو القدوة وهو الحلم وهو المغيث والمجير !!

 

والمارقون من الحكام العرب والمسلمين لا مكان لهم سوى الأقفاص كما هو حال صدام حسين ، أو الوقوع تحت الحصار كما هو حال حكام سوريا وإيران والسودان !!

 

والمارقون من المثقفين العرب والمسلمين لا نصيب لهم سوى التجاهل أو نعتهم بالتطرف ودعم حكومات الاستبداد الحاكمة لهم .

 

هذا هو الغرب الذي يحمل معه أنهار ماء وجبال خبز ، ويمر بأهل الحي فيصدقونه فتتحسن أحوالهم وأحوال مواشيهم وأراضيهم ، ويمر بأهل الحي فيكذبونه فتسوء أحوالهم وأحوال مواشيهم وأراضيهم .

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

مــع تفاصيـــل الفتنـــة

 

ورد في الأحاديث عن المسيح الدجال أن " من فتنته أنه يركب حماراً بين أذنيه أربعين ذراعاً "

فلنفترض أنه سيوجد حمار بين أذنيه أربعين ذراعاً ، فأين فتنة الدجال هنا ؟!

 

ستكون الفتنة في مجرد ركوب الحمار ، باعتبار أنه لا يمكن للدجال ولا لأي بشر أن يخلق حماراً أو حتى ذبابة .

 

وطالما أن ذلك الحمار سيكون من خلق الله ، فإن فتنة الدجال ستنحصر في مجرد حصوله دون غيره على ذلك الحمار وركوبه ، تماماً كما لو وجد أي إنسان ديناصوراً وقام بركوبه . أما الحمار ذاته فلا بد أن يكون من خلق الله . وغرابته والإبداع فيه ستكون شاهداً على إعجاز الله وبديع صنعه .

 

وهكذا فإن الفتنة لا يمكن أن تقوم بوجود حمار أو أي مخلوق غريب ، فكل كائن حي بمجرد أن يكون مخلوقاً فإن وجوده وتكوينه لا يصح نسبتهما إلا لله . وطالما أن الحمار الذي مع المسيح الدجال سيكون مخلوقاً من مخلوقات الله ، فأين دور الدجال في هذا الأمر وأين فتنته ؟!!

 

إنه مجرد الركوب . وهذا أمر لا يمكن أن يكون مدعاة للفتنة إلى حد الإشارة إليه كأحد أهم صور فتنة المسيح الدجال .

 

أما إذا أدركنا بأن الأحاديث تشبه إحدى أدوات الركوب التي سيأتي بها المسيح الدجال بالحمار الذي يوجد بين أذنيه أو ذراعيه مسافة تصل إلى أربعين ذراعاً ، فإن وجه الفتنة سيظهر ويتضح على الفور . ذلك أن الأحاديث نسبت هذا الذي يشبه الحمار إلى الدجال . وهذا يعني أنه من تصميمه وإبداعه وإنتاجه ، وهو أمر لا يمكن أن يصدق على أي كائن حي .

 

فما هي وسيلة الركوب غير الحية التي صممها وأبدعها وأنتجها الغربيون ، ويمكن تشبيهها بالحمار الذي بين أذنيه أو ذارعيه أربعين ذارعاً ؟!.

 

لعل أدق تجسيد لذلك هي الطائرة . فهي وسيلة نقل فاتنة ، وقد صممها وأبدعها وأنتجها الغربيون ، ويوجد بين جناحيها مسافة تشبه الحديث عن أربعين ذراعاً بين أذني الحمار .

 

وفي تقديرنا فإن حاملة الطائرات يمكن أيضاً أن تكون تجسيداً للصورة الواردة في الأحاديث ، فهي أيضاً وسيلة نقل فاتنة للطائرات التي هي من منتجات الحضارة الغربية ، وقد صممها وأبدعها وأنتجها الغربيون ، وهي واسعة الحجم بصورة تشبه الحديث عن أربعين ذراعاً بين ذارعي الحمار .

 

الأحاديث أشارت إلى أن سرعة المسيح الدجال كالغيث استدبرته الريح ، وأنه يطوي الأرض كطي الفروة ، والطائرات التي أصبح بعضها أسرع من الصوت هي أبرز وسيلة تجسد هذا المعنى .

 

أما حاملات الطائرات فقد أصبحت أهم وسائل الحرب الحديثة ، وهي الآن منتشرة في الكثير من المحيطات والبحار حاملة الطائرات والقنابل والصواريخ لحصار المارقين أو لشن الحروب عليهم ، وبعضها موجودة حالياً في الخليج العربي والبحر الأحمر والبحر المتوسط لحماية ( الحلفاء ) وحصار ( الأعداء ) وشن الحروب الاستباقية عليهم .

 

في حرب الخليج الثانية ثم في حرب احتلال أفغانستان ثم احتلال العراق لعبت حاملات الطائرات دوراً محورياً في هذه الحروب ، فمنها انطلقت معظم الطائرات والصواريخ . ولا تزال هذه الحاملات تؤدي دورها في الحفاظ على المصالح الغربية في المنطقة . ولو قرر الغربيون سحب هذه الحاملات لارتعدت فرائص معظم حكام دول المنطقة ، فهذا الغرب في نظر هؤلاء الحكام هو الحامي والمغيث والمجير لهم من جيرانهم العرب والمسلمين ، حتى وإن كان هذا الغرب هو الصانع لإسرائيل والمدافع عنها والمستعد للتضحية بكل حلفائه العرب والمسلمين من أجلها .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

مــع تفاصيــل الفتنة (2)

 

النبي صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين بأنهم سيغزون الدجال ويفتحونه !!.

 

وكما قلنا فإننا نفسر الغزو والفتح هنا بأنه غزو وفتح ثقافي ومعرفي ، ويشهد لذلك أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي أنبأ فيها عن عودة الإسلام وأنه يلقي بجرانه في الأرض ولن يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخله الإسلام .

 

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ثم تغزون فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله ثم تغزون الدجال فيفتحها الله ) !!.

 

وإذن فالبداية ستكون مع جزيرة العرب ( الوضع الجاهلي العربي ) ثم مع فارس ( الإمبراطورية الفارسية ) ثم مع الروم ( الإمبراطورية الرومانية ) ثم ..... لا يعقل أن تنتقل البشارة إلى غزو وفتح رجل !!

 

لننظر إلى السياق التاريخي للبشارة .

 

الوضع الثقافي والاجتماعي الذي واجهه المسلمون في البداية هو الوضع الجاهلي العربي ، وقد بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم سيقضون على هذا الوضع . ثم واجه المسلمون الإمبراطورية الفارسية ، وبشرهم بأنهم سيفتحونها .

 

ثم واجهوا الإمبراطورية الرومانية ، وبشرهم بأنهم سيفتحونها .

 

بعد ذلك لم يواجه المسلمون سوى الدول والإمبراطوريات الغربية الحديثة ، وقد كانت أشد فتنة ووطأة على المسلمين من كل الإمبراطوريات التي سبقتها ، وتم احتلال معظم بلدانهم واستتباعهم ثقافياً واقتصادياً وعلمياً وأدبياً . فألا يستحق هذا الوضع أية إشارة ؟!

 

هل ستكون البشرى بعد غزو وفتح الدول والإمبراطوريات هي تجاهل أكثرها فتنة ووطأة وتبشير المسلمين بغزو رجل وفتحه ؟!!

 

بالتأكيد كلا . فبعد الإمبراطورية الرومانية ظهرت الدول والإمبراطوريات الغربية الحديثة ، وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بغزو وفتح الدجال بعد غزو وفتح الإمبراطورية الرومانية .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

مـــع حادثـــة اكتشاف الدجــــال (1)

 

وردت روايات في صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن ابن ماجه ومسند أحمد حول حادثة اكتشاف شخصية الدجال في أواخر فتنته .

 

ولأن الروايات تتحدث عن واقعة محددة وتشير إلى أشخاص معينين سيعايشونها فإن التصوير المجازي واسع وعميق للغاية ، وذلك للحفاظ على الطابع الغيبي للأحداث والحيلولة دون العلم بالغيب قبل تحققه . وبما أنه يوجد في الحادثة أشخاص معينون وواقعة جزئية محددة فإن أي تخفيف لدرجة التقريب والتشبيه كان سيسمح بالعلم بغيب تلك الحادثة قبل تحققه ، خصوصاً بالنسبة لذلك الرجل الذي يشقه الدجال إلى نصفين .

 

أي أن درجة التشبيه والتقريب ازدادت واتسعت لأن الرواية تشير إلى أشخاص محددين سيكون من السهل عليهم أو على بعضهم لولا ازدياد واتساع التصوير المجازي أن يعلموا بمضمونها الغيبي قبل تحققه . وهذا هو ما يفسر عمق درجة التشبيه والتقريب التي تضمنها تصوير وقائع تلك الحادثة .

 

 

وبذات الطريقة التي تم اتباعها في بقية تفاصيل فتنة المسيح الدجال سنحاول إثبات امتناع تحقق التفسير اللغوي المباشر للحادثة ، الأمر الذي سيقودنا إلى الصورة التأويلية بما ينسجم مع التفسير التأويلي الذي تم طرحه .

 

سأعرض لك الرواية الواردة في صحيح مسلم باعتبارها أكثر الروايات عرضاً للتفاصيل . ومن المهم تدقيق النظر في كل الجزئيات والألفاظ والتعابير الواردة في الرواية .

 

( يخرج الدجال فيتوجه قِبَلَه رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح ، مسالح الدجال - المدافعون عن الدجال في مواضع الرصد والاستطلاع والمراقبة وحفظ الثغور - فيقولون لـه أين تعمد ؟ فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج ، فيقولون له أوَمَا تؤمن بربنا ؟ فيقول ما بربنا خفاء . فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال يا أيها الناس : هـذا الدجال الذي ذكر رسول الله . قال : فيأمر الدجال به فيشبَّح - يعلَّق أو يثبَّت - فيقول خذوه وشجُّوه ، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً ، فيقول أوَمَا تؤمن بي ؟ قال : فيقول أنت المسيح الكذاب ، فيؤمر به فيؤشر - ينشر - بالمنشار من مفرقه حتى يفرَّق بين رجليه ، ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول لـه قم ، فيستوي قائماً ، ثم يقول لـه أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة ، ثم يقول يا أيها الناس : إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس ، فيأخذه الدجال ليذبحه فيُجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً ، فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه في النـار وإنما ألقي في الجنة . قال رسول الله : هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين ) .

 

لنبدأ بتحديد القضية الجوهرية التي تعرضها الرواية .

 

إن حادثة شق الدجال لأحد الرجال وإحيائه لا تعدو أن تكون إحدى التفاصيل ضمن القضية الجوهرية التي تعرضها الرواية

وكما أشرنا أثناء تأويل قدرات المسيح الدجال فإنه ليس من سنن الله أن يعطي المعجزات ، بما فيها إحياء الموتى ، للدجال وأمثاله ، وليس من سنن الله أن يجعل المعجزات أدوات بأيدي الكفار لإضلال الناس وإغوائهم وصدهم عن الإيمان .

 

وهذه القاعدة تسري على حادثة شق الرجل وإعادته ، وتسري على كل معجزة تنسب لغير الأنبياء والرسل والصالحين ، وكل معجزة تستخدم لإضلال الناس وتزيين طريق الكفر والإلحاد .

 

قد يقال إن الحادثة ليس لها من غاية سوى تصوير إحدى فتن المسيح الدجال من خلال أحد الرجال بتصديقه أو تكذيبه .

 

والواقع أن هناك من لن يصدق المسيح الدجال طوال فتنته ، فلماذا يكون موقف هذا الرجل جديراً بالاختيار والتسجيل ؟ ولماذا تكون هذه الحادثة من أواخر فتن الدجال ؟ . هل ستصدق كل أمة المسلمين الدجال ويكذبه هذا الرجل ؟!

 

هل ستصبح كل الأمة تابعة للدجال حتى أواخر فتنته ثم يظهر رجل وحيد يكذبه ، فيكون هذا التكذيب من رجل وحيد جديراً بأن يسجل في نبوءة ؟!

 

أين ذهب العلماء والفقهاء وطلبة العلم ؟ أين ذهب بنو تميم الذين أشارت الأحاديث إلى أنهم أشد الأمة على الدجال ، وأين ذهبت الطائفة من الأمة الباقية على الحق إلى قيام الساعة ؟!

 

إن القضية الجوهرية التي تعرضها الروايات ليست قضية الشق والإعادة ، فهذه معجزة لا تصح للمسيح الدجال ، وليست قضية فتنة أحد الرجال بتصديق الدجال أو تكذيبه ، فهذا هو شأن المسيح الدجال منذ بداية فتنته إلى أواخرها . وإذا صح ذلك فما هي القضية الجوهرية التي تحملها الروايات الواردة بشأن شق الدجال لأحد الرجال وإعادته في أواخر الفتنة ؟!

 

القضية هي إعلان شخصية المسيح الدجال !!.

 

إكتشاف شخصية المسيح الدجال !!.

 

وكل التفاصيل التي تعرضها الرواية ليست سوى حصيلة الأحداث التي دارت حول ذلك الاكتشاف .

 

ولاحقاً بمشيئة الله نواصل الطرح ،،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

مــع حادثة اكتشاف الدجــــال (2)

 

قلنا إن الروايات الواردة بشأن حادثة شق الدجال لأحد الرجال وإعادته في أواخر الفتنة هي روايات تصور حادثة الإعلان عن شخصية المسيح الدجال وبدء اكتشافه .

 

ولعل السؤال المنطقي الذي يمكن أن يطرح هنا هو : كيف يتأخر اكتشاف المسيح الدجال إلى أواخر فتنته بينما الجميع يتحدثون عن المسيح الدجال ويقرون بوجوده ، ولكنهم من أتباعه عدا ذلك الرجل ؟!

 

هنا ينبغي أن نتنبه إلى أن الرجال الذين كانوا يدافعون عن المسيح الدجال لم يكونوا يدافعون عن وجود الدجال الحقيقي ، فهم يؤمنون بأنه لم يظهر بعد . وكل قضيتهم تدور حول إنكار ظهوره ورفض ادعاء ذلك الرجل بأن المسيح الدجال موجود بينهم .

 

إن كل القضية الواردة في الروايات حول شق أحد الرجال وإحيائه تدور حول ادعاء ذلك الرجل أن المسيح الدجال موجود وأن صورته الحقيقية التي يعايشونها هي الصورة التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم .

 

كل قضية ذلك الرجل وكل شهادته تدور حول أن " هذا هو المسيح الدجال الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم " . فماذا يعني هذا الإعلان وهذه الشهادة ؟؟

 

يعني تحديد الرجل لشخصية المسيح الدجال . وهذا يؤكد أنها ليست معلومة للناس ، وأن المسيح الدجال موجود ولكن الناس لا يعرفونه . وإلا فما هي قيمة أن يأتي رجل ليقول للناس " هذا هو المسيح الدجال الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم " ؟!

 

إنه لا قيمة لهذا الإعلان وهذه الشهادة لولا أن الناس يجهلون أن المسيح الدجال موجود بينهم .

 

ولو قيل للناس إن رجلاً سيظهر عند عودة عيسى عليه السلام ليقول للناس إن هذا هو عيسى عليه السلام ، فإنه لن يكون لهذا الإعلان أية قيمة إلا إذا كان الناس لا يدركون أن عيسى عليه السلام يعيش بينهم .

 

وبالمثل ، فإنه لو قيل للناس إن رجلاً سيظهر في عهد الملك عبدالله ليقول لهم إن هذا هو الملك عبدالله ، فإنه لن يكون لهذا الإعلان أية قيمة وأية أهمية مالم تكن شخصية الملك عبدالله خافية عليهم ، ومالم تكن أذهانهم مليئة بفهم آخر وتصور آخر عن شخصية الملك عبدالله ؟!

 

لا قيمة لإعلان أمر غير خفي ولا أهمية للشهادة حول أمر مؤكد وثابت ولا لبس فيه .

 

فما الذي سيجعل لإعلان ذلك الرجل وشهادته بأن " هذا هو المسيح الدجال الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم " كل الأهمية والقيمة التي تؤهل تلك الشهادة لأن تسجل في أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!

 

لولا أن الناس لا يدركون أن المسيح الدجال موجود بينهم ، ولولا أن هذا الاعتقاد عام وراسخ وشائع ، ولولا أن أذهانهم مليئة بفهم آخر لشخصية المسيح الدجال ، فهل سيكون لإعلان رجل بأن " هذا هو المسيح الدجال الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم " أية قيمة وأية أهمية ؟!

 

هل تستحق مثل هذه الشهادة أن تسجل في أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم واردة في صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن ابن ماجه ومسند أحمد لولا أن شخصية المسيح الدجال غامضة وخافية على الناس ، ولولا أن شهادة ذلك الرجل صعبة القبول وغير منسجمة مع الفهم السائد والقناعات السائدة ؟!

 

وإذا كان الناس يرفضون شهادة ذلك الرجل بأن " هذا هو المسيح الدجال الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم " وإذا كان الخلاف بين ذلك الرجل وبين المدافعين عن الدجال يدور حول ادعاء وجود الدجال أو عدم وجوده ، فمن هو يا ترى هذا الدجال الذي يدافعون عنه ويرفضون الاعتقاد بوجوده ؟!

 

كيف يدافعون عن الدجال ، وفي ذات الوقت يرفضون ادعاء وجوده ؟!

 

كيف يرفضون ادعاء شخص لا يقول أكثر من أن " هذا هو المسيح الدجال الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم " بينما هم في ذات الوقت يدافعون عن هذا الذي يرفضون زعم وجوده وظهوره ؟!

 

إن شهادة الرجل لا تدور حول تحذير الناس من اتباع الدجال ، بل تدور حول مجرد الادعاء بأن " هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول " !!

 

والواقع أنه لا يوجد سوى جواب منطقي واحد على هذه الأسئلة ، وهو أن الأمر يتعلق بالصراع والسجال حول هوية المسيح الدجال ؟!

 

مهما تم التفكير في هذا الموضوع فإن المرء سيجد أنه لا قيمة للادعاء بأن " هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول " إلا إذا كان أمره خافياً على كل الناس .

 

ومهما تم التفكير في سبب ورود هذا الإعلان وهذه الشهادة في نبوءة عن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن المرء لن يجد سوى جواباً منطقياً واحداً ، وهو أن شخصية الدجال ستكون مجهولة حتى أواخر فتنته ، وبالتالي فإن كشفها يستحق إخباراً من الرسول صلى الله عليه وسلم !!

 

وإذا صح ذلك فإن السؤال الذي يستحق أن يطرح هو : لماذا يجادل الناس بشأن وجود شخص يرفضون زعم وجوده وظهوره ؟!

 

كيف يدافعون عن وجود شخص يرفضون مجرد الشهادة بأنه موجود ؟!

سأحاول تبسيط الموضوع قليلاً .

 

لو أن أحد القراء كان بين المهتمين بالقبض على صدام حسين بعد سقوط بغداد ، فمتى سيكون لشهادة أي رجل بأن " هذا هو صدام حسين " أية قيمة وأي معنى وأية أهمية ؟!

 

لا شك أن ذلك لا يكون إلا قبل التعرف عليه !!

 

فماذا لو أن هذا القارئ كان أحد المتابعين لمحاكمة صدام حسين وفهم أن أحد الشهود تقدم بطلب الشهادة في أمر هام وخطير يخص وضع صدام . وحين أتيحت له فرصة الشهادة أوضح أن شهادته تتلخص في أنه يشهد بأن " هذا هو صدام حسين " . ترى كيف سيكون تقييم الناس لهذه الشهادة ؟!

 

سيظنون بأن صاحب الشهادة ساذج أو مختل أو مخمور أو مهووس بالظهور في وسائل الإعلام حتى وإن كان ذلك سيعرضه للسخرية والتندر !!

 

ولكنه يوجد احتمال وحيد يجعل شهادة ذلك الرجل صادقة ودقيقة وجوهرية بينما الخطأ يكمن في انطباع كل المتابعين للمحاكمة ؟!

 

هذه الحالة هي حالة ما إذا كان الموجودون في المحكمة يحاكمون رجلاً يظنونه غير صدام حسين بينما هو في الحقيقة صدام .

 

ولن يوجد لدى هؤلاء الحاضرين دوافع ومنطلقات يمكن أن تدفعهم للشك في شهادة ذلك الرجل واعتبارها نوعاً من الجنون والهلوسة سوى قناعتهم الشديدة بأن الشخص الذي يرونه في المحكمة ليس صدام حسين .

 

فإن أرادوا إثبات خطأ ذلك الشخص وأراد هو إثبات صحة شهادته ، فإنهم سيتحاورون أو يتجادلون .

 

والمرجع الذي سيستندون إليه جميعاً في حججهم هي الأدلة الموثوقة التي تعرض شكل صدام حسين وسماته وطباعه ، سواء تمثلت هذه الأدلة في الصور أو الوثائق أو شهادات المقربين من صدام .

 

الآن . مع حفظ مقام الأحاديث وما ورد بها ، ومع اعتبار المثال الذي عرضناه مجرد وسيلة إيضاحية لتقريب المعاني ، سنأخذ الصورة الواردة في المثال وننظر إلى مقابلها في الأحداث الواردة في الروايات عن الرجل الذي يشهد بأن " هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول " !!

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل الطرح ،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

مــع حادثة اكتشاف الدجــــال (3)

 

على النسق الذي عرضناه حول قيمة ومعنى شهادة أي رجل بأن صدام حسين موجود أو أن الملك عبدالله موجود سنتأمل شهادة الرجل الذي أشارت الأحاديث إلى أنه يشهد بأن الدجال موجود وأن الناس لا يصدقونه وأن شهادته ستكون أعظم شهادة عند رب العالمين .

 

فمتى يكون لشهادة ذلك الرجل بأن " هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول " أية قيمة أو أهمية أو معنى ؟!

 

لن يكون لها قيمة أو أهمية أو معنى إلا إذا كان الدجال موجوداً ولكن الناس لم يتعرفوا عليه !!

 

وماذا عن المقتنعين بأن الدجال لم يظهر بعد . ترى كيف سيكون تقييمهم لشهادة ذلك الرجل ؟!

 

بما أنه يحاول إثبات خطأ فهمهم وفهم كل الناس لنصوص تحظى بالقداسة فقد يشككون في عقيدته ومنهجه !! وقد يقولون " أوما تؤمن بربنا " ؟!

 

وما هو الاحتمال الوحيد الذي يجعل شهادة ذلك الرجل صادقة ودقيقة وجوهرية بينما الخطأ يكمن في ظن المتحاورين معه وظن بقية الناس بأن المسيح الدجال لم يظهر بعد ؟!

 

الحالة الوحيدة هي حالة ما إذا كان المسيح الدجال قد ظهر فعلاً بينما الناس يحملون فهماً غير دقيق للأحاديث الواردة بشأنه .

 

وما هي الدوافع والمنطلقات التي يمكن أن تدفع الناس للشك في عقيدة ذلك الرجل حين يدلي بشهادته ؟!

 

لا يوجد دوافع أو منطلقات منطقية عدا القناعة الشديدة بأن فهمهم للنصوص الواردة بشأن المسيح الدجال هو الفهم الصحيح والدقيق .

 

وإن أرادوا إثبات خطأ ذلك الشخص وأراد هو إثبات صحة شهادته ، فماذا سيفعلون ؟!

 

سيتحاورون أو يتجادلون . وبما أن الأمر يدور حول تفسير نصوص دينية فقد يتبادلون التهم .

 

وما المرجع الذي سيستندون إليه جميعاً في حججهم ؟!

 

الأحاديث النبوية الواردة بشأن المسيح الدجال .

 

إذا كان الرجل الذي سيقدم شهادته حول وجود المسيح الدجال سيستخدم الأحاديث للشهادة بأن المسيح الدجال موجود ، فماذا سيفعل المخالفون له ؟!

 

سيستخدمون الأحاديث للتدليل بأن المسيح الدجال لم يظهر بعد . وكأنهم سيدافعون عن المسيح الدجال !!

 

سيدافعون عن صورة المسيح الدجال الواردة في النصوص بحسب فهمهم ، بينما الرجل سيدعي بأن هذه الصورة ليست الصورة الحقيقية وسيطبق النصوص على صورة واقعية حية ومعاشة .

 

فكأن الصراع والسجال سيحدث بين صورتين للمسيح الدجال ، صورة حرفية لم تتحقق بعد ويدافع عنها المتبنون لها ، وصورة حية يدعي ذلك الرجل أنها هي صورة المسيح الدجال التي أخبر عنها الرسول . والصراع والسجال سيحدث بين هاتين الصورتين وهذين الفهمين !!

 

هذا الدجال الذي يدافع عنه أناس يرفضون زعم وجوده لا يمكن أن يكون إلا الدجال الوارد في النصوص . أي الدجال الذي يفهمونه من النصوص . وهذا هو المسيح الدجال الوحيد الذي يعترفون به .

 

قد يقال إن المسيح الدجال الذي كانوا يدافعون عنه كان يتحدث ويأمر وينهى ويشق ويقذف ..... الخ !!

 

والواقع أنه هنا يوجد التصوير المجازي . فالحديث عن كلام الدجال وأمره ونهيه وشقه للرجل وقذفه به هي تعبيرات مجازية عن واقع حال صورة المسيح الدجال التي يفهمها المدافعون عنها ، وذلك حين يتحدثون باسمها وحين ينجحون في تقوية أدلتها ، وحين تستخدم في هز وخلخلة ونقد الشهادة التي يقدمها الرجل الذي يدعي أن المسيح الدجال موجود ، وحين تستخدم في التدليل على زيغ ذلك الرجل ، وحين ينجح المدافعون في إبقاء الصورة الحرفية للمسيح الدجال ورفض شهادة ذلك الرجل ، وحين يعتقدون في النهاية بأن ذلك الرجل أوقع نفسه في الضلالة .

 

هؤلاء لا يؤمنون بأن المسيح الدجال قد ظهر ، بل يشككون بعقيدة من يدعي ذلك ، وبالتالي فهم لا يعترفون إلا بالصورة الحرفية التي يفهمونها من النصوص ، فيتحدثون باسمها ويعززون القناعة بها ويستخدمونها في رفض الشهادة بوجود الدجال ونقدها والتشكيك بعقيدة صاحبها .

 

وذات الأمر ينطبق على الرجل الذي يدعي أن المسيح الدجال موجود فيتعرض للتثبيت والجلد والشق والقذف إلى حيث يحسب الناس أنه ألقي في النار ؟!

 

هنا أيضاً التصوير المجازي للشهادة التي يقدمها ذلك الرجل . فالحديث عن التثبيت والجلد والشق والإعادة والقذف إلى حيث يحسب الناس أنه ألقي في النار هي تعبيرات مجازية عن واقع حال الشهادة التي يقدمها ذلك الرجل ، وذلك حين تتعرض للنقد والهجوم والتشكيك بعقيدة صاحبها والنجاح في هزها وإضعافها وإظهارها منقسمة بين الحقيقة والخيال ، ثم استعادتها لقوتها وازدياد قناعة صاحبها بها وانتهاء ببقاء الصورة الحرفية متمكنة في الأذهان والنجاح في رفض الشهادة والاعتقاد بأن صاحبها قد أوقع نفسه في الضلالة .

 

لا شك أن هذه صورة مليئة بالتعبيرات المجازية . وهنا يلزم تقديم الدلائل التي تثبت وتؤكد بأن التعبيرات الواردة في الأحاديث بشأن حادثة اكتشاف الدجال هي صورة مجازية لواقع حال الفهم السائد والفهم المختلف الذي يقدمه ذلك الرجل .

 

أولى الدلائل وأهمها هي عدم إيمان المدافعين عن الدجال بأنه قد ظهر . وطالما أنهم لا يؤمنون بأنه قد ظهر فإنه لا يوجد دجال يمكن أن يكون لهم علاقة به ويدافعون عنه سوى الدجال النصوصي أو صورة الدجال التي يفهمونها من النصوص .

 

أما ثاني الدلائل فهي مسألة الشق والإعادة . فلا الدجال ولا ألف دجال يمكن أن يعطيهم الله المعجزات ، وليس من سنن الله تسخير المعجزات لإضلال الناس وصدهم عن الإيمان .

 

أما الدليل الثالث والمهم فهو مكان الأحداث . ولنتذكر هنا أن الأحاديث وصفت المدافعين عن الدجال بأنهم مسالح الدجال : أي الرجال الذين يوجدون في مواقع الرصد والمراقبة !!

 

ولنتنبه أيضاً إلى أن موقع الحادثة لا يتطلب الوجود المادي للأشخاص في موقع الحدث ، بدليل أنه حين قذف الدجال بذلك الشخص في أواخر الحادثة ظن الناس أنه إنما قذفه في النار وهو إنما ألقي في الجنة بحسب الألفاظ الواردة في الروايات .

 

وبما أنه لا يوجد جنة ونار بالمعنى الأخروي في هذه الدنيا ، فإن الجنة والنار المشار إليهما هما كناية عن الهداية والضلال . أي أنه بعد انتهاء الحادثة يحسب الناس أن الرجل انتهى إلى الضلال بينما هو انتهى إلى الهداية .

 

ثم كيف يمكن أن يتواجد أولئك الأشخاص وذلك الرجل في مكان واحد ثم لا يعرفون أين ألقي ؟!

 

لماذا هذا الغياب الفجائي حتى أنهم لا يعرفون أين ألقي وأين ذهب ؟!

 

وما هذا الموقع الذي يوجد به وسيلة معدنية تحول بين أولئك الأشخاص وبين النيل من ذلك الرجل الذي يعتقد بعضهم أنه خرج على الملة أو أنه لا يؤمن بالله بسبب شهادته ضد ( هذا الذي خرج !!. أي المسيح الدجال ) ويتضح ذلك التشكيك في العقيدة من خلال قولهم ( أوما تؤمن بربنا ؟! )

 

لو تأملنا الأمر لوجدنا أن الوسائل التي يمكن وصفها بأنها مواقع للرصد والمراقبة ويمكن من خلالها السجال والنقاش دون التواجد المادي للأشخاص ومع وجود هذا الوسيط المعدني الحامي هي وسائل الإعلام والاتصال .

 

ولكننا لو تدبرنا الصورة الواردة في الأحاديث لوجدنا أن لا يوجد سوى وسيلة واحدة يمكن أن تكون موقعاً للأحداث ، وهي وسيلة الإنترنت !!

 

إن الصحف يمكن أن تكون وسيلة للنقاش والسجال ، ولكن النقاش فيها ليس حياً وفورياً ثم إنه يخضع للكثير من القيود وتتم طباعته عن طريق محرري الصحف ولا يوجد بها وسيط معدني يحمي من التعرض لهجوم المساجلين ، بينما الواضح من الأحاديث أن السجال الذي دار حول هوية المسيح الدجال كان متحرراً من قيود السلطة بما يحد من دورها كمواقع للرصد والمراقبة ، وكان سجالاً حياً ومباشراً ودون وسيط كتابي ، بالإضافة إلى وجود الوسيط المعدني الذي يفصل بين الأشخاص وذلك الرجل .

 

التلفاز أيضاً يتطلب الوجود المادي للأشخاص ، سواء في الأستوديو أو في أماكن التصوير الخارجي ، كما أن قيود السلطة تفقده جزءاً كبيراً من دوره كموقع للرصد والمراقبة .

 

حتى المذياع يتطلب الوجود المادي للأشخاص لتسجيل الصوت أو نقله على الهواء ، فضلاً عن أن قيود السلطة أيضاً تفقده جزءاً كبيراً من دوره كموقع للرصد والمراقبة .

 

وحده الإنترنت يعد مكاناً للرصد والمراقبة ويسمح بالحوار والسجال المباشر دون ضرورة التواجد المادي للأشخاص ودون وجود الوسطاء الكتابيين ومع وجود الوسيط المعدني الفاصل ( أجهزة تقديم خدمة الإنترنت ) بين الأشخاص وبين الرجل الذي يتجه إلى " هذا الذي خرج " ويشهد بأن " هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول " !!

 

وفي رأيي فإن الحادثة الواردة في الروايات حول كشف المسيح الدجال قد وقعت في أحد مواقع الإنترنت . ولاحقاً بمشيئة الله سنتأمل كيف وقعت الحادثة التي كان من أبرز أطرافها بعض أبرز كتاب الإنترنت ،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

مــع حادثة اكتشاف الدجــــال (4)

 

قلت إنني أعتقد أن الحادثة الواردة في الروايات حول كشف المسيح الدجال قد وقعت في أحد مواقع الإنترنت .

 

في مواقع الإنترنت لن يحضر الأشخاص الذين يدافعون عن المسيح الدجال ولن يحضر الشخص الذي يشهد بأن " هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول " !!

 

وإذا كانوا لا يحضرون فإن الذي يحضر هي صورة المسيح الدجال التي يفهمها الناس من النصوص وشهادة ذلك الرجل بأن المسيح الدجال موجود .

 

أي أن ما سيحضر هو فهم المتخاصمين والصورة التي يفهمها كل طرف .

 

التشبيح " التعليق أو التثبيت " الذي ورد في الرواية ، يعني في كتابات الإنترنت وضع المشاركة في أعلى الموقع ومنحها خاصية الثبات بما يحول دون نزولها وحركتها وانتقالها إلى الصفحات الخلفية .

 

وهكذا فإنه لا يوجد في الموقع سوى صورة المسيح الدجال الشائعة والشهادة ضدها ولصالح صورة المسيح الدجال المعاشة . الأشخاص وذلك الرجل موجودون في منازلهم أو في مقاهي الإنترنت . لا يشترط أن يعرفوا بعضهم البعض .

 

هؤلاء من منازلهم أو من مقاهي الإنترنت يغذون صورة المسيح الدجال التي يفهمونها ويحركونها في الموقع وينتصر كل منهم لصورة المسيح الدجال التي يفهمها ويقوي حججها ويهاجم عن طريقها الطرف الآخر ويصد عن طريقها الهجمات المضادة .

 

وطالما أن صاحب الشهادة ليس موجوداً في الموقع وإنما الموجود هي تلك الشهادة فإن الجلد الذي يمكن أن تتعرض له من قبل المدافعين عن صورة المسيح الدجال السائدة هو النقد والهجوم

شق تلك الشهادة إلى نصفين يكون بأن ينجح المدافعون عن صورة المسيح الدجال التي يفهمونها من النصوص في إظهار تلك الشهادة منقسمة بين القوة والضعف ، بين الحقيقة والخيال .

 

الشهادة يمكن أن تستعيد وحدتها وانسجامها وتكاملها بأن ينجح صاحبها في استخدام ذات نصوص أحاديث المسيح الدجال لتقوية جوانب الضعف وزيادة درجة التماسك والقوة والوحدة في الشهادة التي يقدمها وإظهار نقائص صورة المسيح الدجال التي يفهمها الناس .

 

أشد الطعون التي يمكن أن يتعرض لها صاحب الشهادة هي التشكيك في سلامة عقيدته ومنهجه .

 

لن يكون للهجوم أي أثر مادي عليه ، إذ أنه يفصل بينه وبين المهاجمين وسيط معدني يعزلهم عن بعضهم ( الأجهزة التي تقدم خدمة الإنترنت )

إنتهاء السجال إلى بقاء صورة المسيح الدجال الشائعة في الأذهان وتوقف صاحب الشهادة عن الكتابة واختفائه عن الموقع يعكس بقاء الفهم الشائع وانطواء الشهادة وكأنها ألقيت أو أبعدت عن عيون الناس وأذهانهم .

 

سيظن المدافعون عن الصورة الشائعة للمسيح الدجال أن صاحب الشهادة بعد اختفائه قد ضل وخاب سعيه .

 

إن كانت شهادته صحيحة فهي أعظم شهادة عند رب العالمين ، فهي تكشف حقيقة أعظم فتنة منذ خلق آدم إلى قيام الساعة .

 

هذه الصورة بتمامها حدثت في موقع الوسطية على شبكة الإنترنت قبل أكثر من عامين وفي واقعة سجالية قلَّ أن يحدث مثلها على الإنترنت ، وكان أطرافها هم " زائر الوسطية " الذي كان يقدم شهادته على أن المسيح الدجال هو الغرب أو الحضارة الغربية ، والمدافعون عن الثقافة السائدة من الكتاب في الموقع وفي مقدمتهم الكاتب المميز بندر الشويقي أو " محمد بن سيف " !!!!

 

لقد سبق أن أرسل " زائر الوسطية " التأويل الذي عرضه حول شخصية وفتنة المسيح الدجال إلى مجموعة من العلماء والكتاب والصحفيين على مدى أكثر من عشرة أعوام ، ثم نشره في عدد من مواقع الإنترنت ومن بينها موقع الوسطية الذي حظي التأويل فيه ببعض الاهتمام والمتابعة . وقد تم إرسال رسالة خاصة إلى الأستاذ " محمد بن سيف " بطلب مرئياته وملاحظاته حول التأويل ، وذلك بحكم تخصصه في العلوم الشرعية وإعجاب " زائر الوسطية " بأسلوبه وبراعته النقدية ، إلا أنه اعتذر عن إبداء رأيه بحجة الطابع المطول للمشاركة وكثرة مشاغله .

بعد مضي ما يقرب من العام على نشر التأويل في الموقع ظهرت الحاجة إلى التشكيك في المنهجية التي ينطلق منها " زائر الوسطية " ، وذلك بعد أن قام بنشر تأويل نبوءة قرن الشيطان .

 

عندها قام " محمد بن سيف " الذي أصبح أشهر اسم في الموقع بعد سجاله مع " حسن المالكي " بنشر مشاركة نقدية عاصفة حول تأويل " زائر الوسطية " لنبوءة المسيح الدجال بعنوان : الرمز والخيال عند " زائر الوسطية " ، وذلك بعد أن أوشك " الزائر " على إتمام نشر تأويل نبوءة قرن الشيطان .

 

في هذه المشاركة ، ومن موقع السجال والشعور بخطورة المنهج الذي يطرحه " زائر الوسطية " عمد " محمد بن سيف " إلى عزل جوهر التأويل عن بعض تفاصيله الثانوية ، ثم أخذ تلك التفاصيل وقدم حولها قراءة نقدية وسجالية حاول من خلالها التدليل على أن التأويل المطروح هو نوع من الهذيان والهلوسة .

 

وبمجرد أن أخذت المشاركة نصيبها من القراءة تم تثبيتها في الموقع وبدأت التعليقات الممتدحة لها والمشيدة بما تضمنته ، الأمر الذي عزز دواعي وإغراءات السجال والتناحر .

 

هذا الجو جرف " زائر الوسطية " فقدم رداً مطولاً في ثلاثة أجزاء . ورغم أن الرد كان مليئاً بالحجج الموضوعية والمنطقية ، إلا أن منطق ولغة السجال كانت حاضرة وغالبة وطاغية .

 

في الجزء الثالث من الرد حاول " زائر الوسطية " تدارك الأمر واستخدام لغة هادئة وحجج موضوعية صرفة ، إلا أن جمهور المتابعين المصطف خلف " محمد بن سيف " كان قد أصبح طرفاً مؤثراً في تسيير دفة التناول ، خصوصاً بعد أن عمد بعضهم مباشرة إلى التشكيك في عقيدة " زائر الوسطية " ومذهبه .

 

باكتمال الجزء الثالث من الرد شعر " زائر الوسطية " بأن التأويل استعاد توازنه وأن جوانب قوته بدأت تتسلل إلى بعض المتابعين . وتدريجياً بدأت وجهة النظر الأخرى تتقلص في مسائل ضيقة ومحدودة ، وكلما ازداد ضعفها كلما استعاضت عن ذلك بالتشكيك في عقيدة ومذهب صاحب التأويل .

 

هنا بات واضحاً بأن جمهور المتابعين بدأ يشعر بأن التأويـل كان منقسماً بين جوانب قوة حقيقية يصعب الرد عليها وبين جوانب ضعف وخطورة تعود في مجملها إلى استناده إلى منهج التأويل . وقد حاول " زائر الوسطية " التدليل على صحة المنهج بشتى الوسائل إلا أن أصحاب وجهة النظر الأخرى ركزوا على هـذا الموضع وتوقفوا عنده . وبعد عدة مساجلات بـدا أن الموضوع أشبع بحثاً وأن كل طرف قد استنفذ ما لديه من الحجج فقدم " زائر الوسطية " الاعتذار عن لغة السجال التي استخدمها وقرر التوقف عن المشاركة في الموضوع والانصراف إلى موضوعات أخرى ، إلا أن أهـل السجال لم يعجبهم هذا الموقف فاعتبروه دليل ضعف وهزيمة وحاولـوا إعادة الاحتشاد خلف وجهة نظرهم التي تعكس وجهة النظر السائدة .

 

خلال فترة التوقف بدأ يلح على ذهن " زائر الوسطية " الحديث النبوي الذي يشير إلى المسالح والصراع الذي يحدث بين المسيح الدجال والمدافعين عنه وبين الرجل الذي يدعي أن المسيح الدجال موجود بين الناس .

 

ورغم إدراك " زائر الوسطية " في ذلك الحين بأن هذا الشعور قد يكون له تفسيرات أخرى بموجب معطيات علم النفس ، إلا أنه لم يتمكن من التخلص منه .

 

وإلى جانب ذلك بدأ يلح على ذهن " زائر الوسطية " دليل يعزز منهج التأويل الذي كان نقطة الضعف الأساسية من وجهة نظر الرافضين لما تم طرحه . هذا الدليل هو الوصف المجازي الذي تضمنته نبوءة قـرن الشيطان ، حيث أشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن ذلك القرن يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع عشر مرات أو عشرين مرة .

 

هذه ذروة من ذرى المجاز . وبمجرد أن اقتنع " زائر الوسطية " بأهمية الدليل وإمكانية حسمه لمسألة المنهج عاد إلى المشاركة وعرض الدليل ، إلا أنه فؤجئ بردود سجالية شعر من خلالها بأن أصحاب وجهة النظر الأخرى ليس لديهم الاستعداد للانتقال إلى ساحة الحوار الإيجابي المنتج وأن أقوى الأدلة يمكن أن تتحطم على صخرة المواقف المسبقة .

 

وبعد أن تعزز الشعور بعدم وجود شروط ومناخ الحوار قرر " زائر الوسطية " التوقف عن المشاركة مرة أخرى .

 

في هذه الأثناء بدأ " محمد بن سيف " في طرح الموضوع من جديد واتجه إلى تكرار الكثير من المقولات التي كان يفترض أنها قد حسمت أثناء النقاش ، إلا أنه طرح بعض الحجج الجديدة ، فعاد " زائر الوسطية " إلى المشاركة وطلب منه استكمال حججه ، وبعد أن استكملها حاول " الزائر " مناقشته بشأن مسألة واحدة وهي مسألة معجزات المسيح الدجال فاعتذر عن النقاش إلا بعد أن يجيب " الزائر " عن المسائل التي طرحها حول فهم الرسول صلى الله عليه وسلم للنبوءات ، فقرر " الزائر " اللجوء إلى الرد التفصيلي على كل القضايا المتتابعة التي طرحها " محمد بن سيف " .

حدثت صعوبات لم يتمكن معها " محمد بن سيف " من الدخول إلى الموقع على مدى عدة أيام ، وبعد أن عاد وروح السجال تتملك الجميع أعاد طرح السؤال عن فهم الرسول صلى الله عليه وسلم للنبوءات وأعاد " زائر الوسطية " طرح السؤال عن معجزات المسيح الدجال ووعد بالرد بعد أن يجيب " محمد بن سيف " على سؤاله مباشرة . غير أن الموقع في هذه الأثناء تعرض للاختراق والتعطيل ، وحين تم إصلاحه بعد فترة تبين أن بعض المشاركات قد زالت من الموقع ، ومن بينها تلك المشاركة السجالية التي استنـزفت الكثير من الوقت والجهد ، إضافة إلى تأويل نبوءة قرن الشيطان . وقد عاد " زائر الوسطية " لاستئناف الحوار ، وبعد عدة مشاركات سجالية وصل إلى قناعة بأنه يصعب تغيير الفهم السائد وقرر التوقف عن الكتابة حول موضوع المسيح الدجال إلى أجل غير مسمى .

 

هذه النتيجة المخيبة للآمال بعد قرابة شهرين من السجال بشأن النبوءة رافقها يقين راسخ بأنه على الرغم من لغة وروح السجال والتناحر ، إلا أن محاوريه أسهموا في تطوير وتصحيح فهمه لبعض التفاصيل وكانوا أصحاب فضل كبير في تنبيهه إلى بعض مواطن الضعف التي لم يكن يتنبه إليها . والأهم من ذلك أنهم دفعوه نحو تكثيف الاهتمام بالربط بين أحداث السجال الذي دار في الموقع وبين مضمون الحديث الذي أشـار إلى مسالح الدجال . وتدريجياً تعززت قناعته بأن الحديث يصور تلك الأحداث بأسلوب مجازي .

 

المدافعون عن المسيح الدجال كانوا يدافعون عن مسيح النصوص الذي لم يظهر بحسب فهمهم ، والرجل كان يشهد بأن الدجال الذي أنبأ عنه الرسول صلى الله عليه وسلم موجود بالفعل .

 

الجلد يرمز إلى النقد ، والشق يرمز إلى انقسام التأويل بين مواطن القوة ومواطن الضعف ، والإحياء يرمز إلى الإضافة التي شكلها الدليل الذي قدم حول صحة منهج التأويل ، ومحاولة القتل ترمز إلى الوضع الذي أحدثه الاختراق والتعطيل وزوال الموضوع من الموقع ، والنحاس الذي يحول دون القتل يرمز إلى الطبيعة المعدنية للمكان الذي شهد إزالة الموضوع والتي حالت دون زواله من بقية أماكن وجوده ومنها ذاكرة وكتابات صاحبه ، والجنة ترمز إلى الهداية والنار ترمز إلى الضلال الذي ظن المتابعون أن الرجل انتهى إليه .

 

المجـاز في القصة كبير وواسـع ، وذلك بحكم أنه لم يكن مسموحاً بأن يعلم الحقيقة الغيبية قبل تحققها أحد ، وخصوصاً ذلك الرجل الذي سيقدم الشهادة وتتزايد إمكانات علمه بمدلول القصة قبل تحققها ، الأمر الذي استدعى تكثيف درجة المجاز للحيلولة دون العلم بالغيب قبـل تحققه .

 

أعلم صعوبة الحديث عن النفس والادعاء ، ولكنني أدرك أنه يجب قياس الأمور على التأويل المطروح . ومع احترامي لوجهات النظر المخالفة فإنني بعد سنوات عديدة من الحوار والنقاش بشأن التأويل ازددت قناعة بأن المسيح الدجال إما أن يكون الغرب وحضارته الحديثة أو أن تكون الأحاديث موضوعة ومختلقة ، فالفهم اللغوي المباشر يصادم الكثير من حقائق العلم والشرع واستدلالات العلم والمنطق .

وإلى لقاء قادم بمشيئة الله ،،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

سورة الكهف ...... وفتنة الدجال (1)

 

 

ما علاقة سورة الكهف بفتنة الدجال ؟!

 

العلاقة تتمثل في أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن في سورة الكهف عصمة من الدجال ، حيث أوصى بقراءة بضع آيات من هذه السورة لتوقي فتنة الدجال .

 

ولو قرأ القائلون بالفهم اللغوي المباشر لنبوءة المسيح الدجال سورة الكهف مليون مرة فإنهم لن يكتشفوا سر العلاقة بين سورة الكهف ونبوءة الدجال وسر توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم بقراءة بضع آيات من سورة الكهف لتوقي فتنة المسيح الدجال .

 

الفهم اللغوي المباشر للنبوءة لا يسعف في فهم السر ، فكيف يمكن للتأويل أن يسعف في الفهم ؟.

 

لقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بقراءة عشر آيات من أوائل سورة الكهف لتجنب فتنة الدجال ، وفي بعض الروايات أوصى بقراءة عشر آيات من أواخر السورة . وبموجب الفهم اللغوي المباشر فإن الآيات المقصودة يجب أن تكون في أوائل السورة أو في أواخرها .

 

وهنا ينبغي أن نلاحظ التعدد في تحديد الآيات المقصودة ، فهي مرة في أوائل السورة ، ومرة في أواخرها . فهل هي في أوائل السورة أو في أواخرها ؟!

 

بموجب منهج التأويل الذي طرحناه فإن النصوص تستهدف الإخبار عن الغيب ، وفي ذات الوقت فإنها تحيط الغيب بالأسيجة والحوافظ اللغوية ( التشبيه ، الرمزية ، العرض الجزئي ، العرض التجريدي ، التقريب ) على نحو يحول دون العلم الدقيق بالغيب قبل تحققه . وبذلك يبقى الغيب – حالة كونه غيباً - بمنأى عن علم جميع البشر .

 

وفي ضوء ذلك فإن الفهم اللغوي المباشر للآيات المقصودة من سورة الكهف يجعلنا بين أوائل السورة وأواخرها ، وهنا يبدو الأمر وكأنه يوجد تناقض وازدواجية في تحديد الآيات المقصودة .

 

والواقع أنه يوجد احتمال آخر يبعد ظنون التناقض والازدواجية ، وهذا الاحتمال هو أن الآيات المقصودة ليست في الأوائل ولا في الأواخر ، بل هي بين الأوائل والأواخر !!.

 

لماذا التعدد في تحديد المكان المقصود ؟!

 

بالتأكيد ليس بداعي الإلباس وليس لوجود تناقض أو ازدواجية ، بل لأن الهدف هو تقريب الناس من الصورة الغيبية المقصودة دون كشفها لهم . وأوائل سورة الكهف وأواخرها يمكن الجمع بينهما بالقول إن الآيات المقصودة توجد بين الأوائل والأواخر . وبذلك يمكن فهم سبب تحديد الموقعين ونفي شبهات الإلباس والتناقض والازدواجية .

 

وهكذا فإن الآيات المقصودة توجد بين أوائل السورة وأواخرها ، ويشهد لذلك تحديد الموقعين معاً وورود الخبر ضمن نبوءة مليئة بالأسيجة والحوافظ اللغوية التي تستهدف الحيلولة دون كشف الصورة الغيبية الدقيقة قبل تحققها .

 

فلننظر في ضوء ذلك إلى الآيات التي أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بقراءتها لتجنب فتنة المسيح الدجال بين أوائل سورة الكهف وأواخرها .

 

وفي سبيل حسن فهم الآيات المقصودة فإننا نفضل تقديم تعريف موجز وغير مخل حول التجربة الغربية ، وذلك في الحدود التي يتطلبها اكتشاف الآيات التي أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بقراءتها لتجنب فتنة المسيح الدجال .

 

إن التجربة الغربية ينبغي أن تدرس في إطار الواقع الذي خرجت منه والظروف التي واجهتها . فصورة الدين التي عرفتها أوروبا تمثل - في كثير من جوانبها - الخط الموازي للعقل والعلم والتحدي الحقيقي الذي واجه الحركة العلمية وحاول وأدها .

 

وبقدر ما شكلت تلك الصورة قوة دفع قصوى باتجاه ما هو عقلي وعلمي من خلال مناقضتها ومجابهتها للعقل والعلم بقدر ما كان ذلك الدفع طرداً عن كل ما هو ديني .

 

وبعيداً عن هذا الجانب فإن ما يهمنا تتبعه هو الأسباب غير الدينية التي أسهمت في ظهور الأفكار الإلحادية .

 

ومن خلال تأمل طويل لرحلة الحضارة الغربية وفلسفاتها الكبرى ، وبأكبر قدر ممكن من الإيجاز والتبسيط والتحديد نقول : إن بإمكاننا اكتشاف تلك الأخطاء من خلال تأمل البعدين التاليين :

 

البعد الأول : يتعلق بالمناخ الذي أسهم في إفراز العطاء الفلسفي الغربي . وفي تقديرنا فإن أهم سمات ذلك المناخ هي :

 

1- ضخامة وعظم الهزات والصدمات التي أحدثتها الكشوف العلمية المتتالية .

2- الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة التي شهدتها أوروبا .

 

أما البعد الثاني فله جانبان :

 

الجانب الأول يتعلق بطريقة تعامل الفلاسفة مع الحقائق والشواهد التي حملتها الكشوف العلمية .

 

أما الجانب الثاني فيتعلق بمدى تأثير الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على العطاء الفلسفي .

 

لقد أحدثت الكشوف العلمية المتتالية الكثير من الصدمات والهزات التي كانت كفيلة بالشك في كل شيء والتساؤل حيال كل شيء وطرح كل شيء . وحين كان يظهر اكتشاف علمي جوهري يكفي لهدم القناعات السائدة كان الفلاسفة يستخدمون الحقائق الجزئية التي حملها الاكتشاف في وضع تصـورات شمولية وإصدار أحكام مطلقة . وبعد أن يستقر الطرح الفلسفي الجديد يظهر اكتشاف علمي ينقضه أو يعدل بعض جوانبه أو يفتح المجال لرؤية مختلفة فينبري الفلاسفة مرة أخرى لاستخدام الحقائق التي حملها الاكتشاف الجديد في بناء مفهوم فلسفي جديد ..... وهكذا . ومن ردود الأفعال تلك انطلقت معظم الفلسفات التي شهدتها أوروبا .

 

كما أن أوروبا قد مرت بالعديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي كان لها أبلغ الأثر على العطاء الفلسفي . فالآثار السلبية للنظام الرأسمالي كانت السبب الجوهري في تشكل وشيوع الفلسفة الماركسية ، والدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى ثم الحرب العالمية الثانية كان السبب الجوهري في قوة شيوع الفلسفة الوجودية خلال القرن العشرين .

 

وهكذا فإنه يمكن القول بأن الأخطاء التي اكتنفت العطاء الفلسفي الغربي تعود إلى عاملين :

 

الأول : استخدام الحقائق الجزئية التي حملتها الكشوف العلمية في بناء تصورات شمولية وإصـدار أحكام مطلقة . ولعل ذلك يصدق على معظم الفلسفات والنظريات الشمولية التي شهدتها أوروبا ، ومن بينها التعميم الذي تحمله نظرية دارون وبعض أفكار فرويد وغيرهما .

 

الثاني : سيطرة الآثار السلبية للأزمات التي مرت بالمجتمعات الغربية على الرؤى والطروحات الفلسفية .

 

ولعلنا نتفق على أنه لا يصح القفز إلى الاستنتاجات الشمولية وإصدار الأحكام المطلقة حين تظهر اكتشافات علمية جزئية مهما كانت مثيرة أو تحدث أزمـات عارضة مهما كانت طاحنة .

 

ولو أن الفلاسفة لم يندفعوا كل ذلك الاندفاع وراء مجـال الرؤية الأحادي الضيق الذي أتاحته الاكتشافات الجزئية التي عايشوها أو تأثروا بها ، ولو أنهم حاولوا البحث عن الحقائق الكبرى بمعزل عن أسر الأزمات العارضة . لو أنهم فعلوا ذلك لما ارتفعت الأفكار الإلحادية - والانحرافات الفكرية عموماً - إلى مصاف العقائد التي تشكل الوعي وتهدي الفكر وتحكم السلوك .

 

فلنتـذكر الآن رؤى يوسف عليه السلام وصاحبَي سجنه وملك مصر وتأويـل تلك الرؤى ، ولنحـاول تطبيـق ذات الأمر على الحديث الذي عرضنـاه حول المسيرة الفلسفية الغربية ، وذلك من خلال إدخال ذلك الحديث إلى دائرة التكثيف والرمزية بأقصى قدر ممكن . وحين يتم لنا ذلك على المستوى الذهني فإنه يمكننا أن نجد صورة دقيقة لهذه الأخطاء ووسائل تجنبها ضمن رحلة علمية تضمنتها سورة الكهف ، وذلك بين أوائل السورة وأواخرها .

 

لاحقاً سيكون لنا جولة مع الآيات المقصودة ، فإلى لقاء قريب بمشيئة الله ،،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

سورة الكهف ...... وفتنة الدجال (2)

 

ذكرنا أن الأخطاء التي اكتنفت العطاء الفلسفي الغربي تعود إلى عاملين :

الأول : استخدام الحقائق الجزئية التي حملتها الكشوف العلمية في بناء تصورات شمولية وإصـدار أحكام مطلقة ، وأن ذلك يصدق على معظم الفلسفات والنظريات الشمولية التي شهدتها أوروبا ، ومن بينها التعميم الذي تحمله نظرية دارون وبعض أفكار فرويد وغيرهما .

 

الثاني : سيطرة الآثار السلبية للأزمات التي مرت بالمجتمعات الغربية على الرؤى والطروحات الفلسفية .

 

وقلنا إن الفلاسفة لو لم يندفعوا كل ذلك الاندفاع وراء مجـال الرؤية الأحادي الضيق الذي أتاحته الاكتشافات الجزئية التي عايشوها أو تأثروا بها ، ولو أنهم حاولوا البحث عن الحقائق الكبرى بمعزل عن أسر الأزمات العارضة . لو أنهم فعلوا ذلك لما ارتفعت الأفكار الإلحادية - والانحرافات الفكرية عموماً - إلى مصاف العقائد التي تشكل الوعي وتهدي الفكر وتحكم السلوك .

 

فلندخل هذه الصورة إلى دائرة التكثيف والرمزية بأقصى قدر ممكن ، ولنتأمل في ضوء ذلك الرحلة العلمية التالية التي تضمنتها بعض آيات سورة الكهف :

 

يقول تعالى ( وَإِذْ قَـالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا . فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا . فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا . قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا . قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا . فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا . قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا . قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا . قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا . قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا

 

وهنا تبدأ الرحلة العلمية [ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا . فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَـبْرًا . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا . فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا . أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا . وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا . وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْـرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )

 

إن هذه القصة تشير إلى مصدر الانحراف الذي يمكن أن يلحق بالمسيرة الفلسفية ، وتشير كذلك إلى المبادئ التي ينبغي أن تستهدي بها المسيرة العلمية .

 

وفي بداية القصة نلمس بوضوح مقدار العزيمة التي ينبغي لطالب العلم أن يتحلى بها ، وهو ما يتضح من قول موسى عليه السلام [ لَا أَبْرَحُ - لا أزال مستمراً في السير - حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْـرَيْنِ - ملتقاهما - أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا - دهوراً طويلة لا نهاية لها - ] .

 

وبعد أن أخذ منه التعب مأخذه اكتشف أنه قد نسي طعامه ، فعاد مع فتاه إلى المكان الذي نسيا فيه طعامهما . ومن ذلك المكان تبدأ الرحلة العلمية مع من وصفه الله بأنه [ عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ] .

 

ويطلب موسى عليه السلام من المعلم أن يعلمه ما يمنحه ويوفر لـه الرشـد والسداد [ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْـدًا ] وهنا يبـدأ أول دروس طلب العلم [ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ] فالعلم بحر واسـع لا قبل لأحـد بالإحاطة به [ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ] ولكن موسى عليه السلام أكد أنه سيتحلى بالصبر وينفذ ما هو مطلوب منه [ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ] وهنا أشار المعلم إلى أهم الالتزامات التي ينبغي على موسى عليه السلام مراعاتها [ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ] .

 

وإثر ذلك انطلقا . وإذ بموسى عليه السلام يفاجأ ببعض الأحداث التي صدمته وأذهلته ، فما كان منه إلا أن اكتفى بما تبدى له من الأحداث واندفع يضع الاستنتاجات ويطلق الأحكام . ولكن المعلم كان يذكره في كل مرة بما سبق أن أوصاه به من ضرورة التحلي بالصبر إلى أن تنجلي كافة جوانب الأحداث وعدم الانسياق وراء جانب من الأحداث أو صورة جزئية منها واتخاذها مصدراً للعلم الشمولي والأحكام المطلقة .

 

وحين نحـاول الربط بين أحـداث القصة ومعالم المسيرة الفلسفية الغربية فإنه يمكننا القـول بأن الأحـداث المثيرة التي وقعت خلال رحلة موسى عليه السلام مع المعلم تشبه الكشوف العلمية المتتالية التي صدمت العقـول وأذهلتها .

 

وردود فعل موسى عليه السلام إزاء تلك الأحـداث تشبه المواقف الخاطئة التي اتخذهـا الفلاسفة إزاء الكشوف العلمية التي عايشوها أو تأثروا بها ، حين اتخذوا الحقائق الجزئية التي حملتها تلك الكشوف مصـدراً للعلم الكلي والأحكام المطلقة .

 

ووصايا المعلم المتتالية بضرورة التحلي بالصبر تشير إلى المنهـج القويم الذي ينبغي أن تستهدي به المسيرة الفلسفية ، أو إلى وسيلة توقي فتنة المسيح الدجال

[ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا . قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا . فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا . قَـالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا . قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ] .

 

أما الحادثة الأخيرة فتشبه حالات الأزمـات العارضة التي حركت ووجهت أفكار الفلاسفة . حيث نجد موسى عليه السلام والمعلم يصلان إلى إحدى القرى ، ومن وحي القصة يتبين أنهما كانا جائعين ولا يملكان المال اللازم لشراء الطعام ، ولذلك فقد طلبا من موسري القرية إطعامهما ، ولكنهم أبوا فعل ذلك دون مقابل ( أبوا أن يضيفوهما ) وأثناء ذلك وجدا جداراً يكاد ينهدم ، وبعيداً عن كل تأثيرات الأزمة الطارئة التي يمران بها عمد المعلم إلى ذلك الجدار فأقامه .

 

أما موسى عليه السلام فكان وقع الأزمة يسيطر على تفكيره ومنطلقاته ، الأمر الذي جعله لا يحتمل تصرف المعلم ، بل أفصح عن ردة فعل لا يصعب على المرء التنبُّه إلى أن الأزمة هي التي أفرزتها ووجهتها . لقد كان يريد الحصول على أجر لشراء بعض الأكل .

 

وفي تقديرنا فإن تصرف موسى عليه السلام يشير إلى الأخطاء التي وقـع فيها الفلاسفة حين سيطرت الآثار السلبية للأزمات التي عايشوها على رؤاهم ومجهوداتهم . أما روح التجرد التي أظهرها المعلم فتشير إلى المنهج القويم الذي ينبغي أن تستهدي به المسيرة الفلسفية ، أو إلى وسيلة توقي فتنة المسيح الدجال

[ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ] .

 

أما تأويل الأحداث فيمكننا أن نستلهم منه العديد من المبادئ والقيم التي ينبغي أن تستهدي بها المسيرة العلمية ، والتي من شأن اتباعها أن يسهم في العصمة من فتنة المسيح الدجال . فحادث السفينة يشير إلى أن جهود العلماء ينبغي أن يكون لها وظيفة وهدف ، وأن يتم توجيهها إلى ما فيه نفع الناس وخيرهم [ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ]

 

وحادث الغلام يشير إلى المجال الحقيقي الذي ينبغي أن تنصرف إليه جهود العلماء وهو المستقبل [ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا . فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ]

 

وحادث الجدار يشير إلى أنه لا ينبغي استعجال رؤية ثمار الجهود العلمية ولا ينبغي ربطها بأية مقاييس مادية [ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ]

 

ثم يوضح المعلم أنه لم يفعل كل ما سبق بوحي إرادته [ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ] أي أن كل أحداث هذه الرحلة العلمية لم تكن سوى مشاهد تعليمية وقعت بأمر الله ووحيه .

 

هذه هي قصة بعض آيات سورة الكهف الموجودة بين أوائل السورة وأواخرها ، والتي أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بقراءتها لتجنب فتنة المسيح الدجال .

 

لاحقاً بمشيئة الله سيكون لنا وقفة متجددة مع حادثة الرجل الذي يشهد أن المسيح الدجال موجود فيشقه الدجال إلى نصفين ثم يحييه فيزداد يقينه حول الدجال ، فيحاول الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه ،،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

الوسواس القهري

 

شكراً لك يا أخ سعيد ، و لا زلت - في الحقيقة - غير مقتنع ، و لكن سأقرأ على أي حال ، و ملاحظة صغيرة ، ليتك تُقصّر قدر الإمكان ، فالطول يبعث على الإستثقال و الملل (أي موضوع طويل مهما كان).

________________________________________

رد جاءني في البريد من أخٍ فاضل:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ سعيد هناك خلق مذموم اسمه " المكابرة " أرجو أن تكون ابعد الناس عنه

فقد جاء وصف الدجال في الأحاديث الصحيحة بأنه شاب آدم اللون جعد الشعر فهل تنطبق هذه الأوصاف على الحضارة الغربية؟!!

بل جاء تشبيهه برجل حي يعرفه الصحابة.. بعبد العزى بن قطن..فهل الحضارة الغربية تشبه عبد العزى بن قطن ؟!!

الأخ سعيد يقول "لايمكن أن تأتي فتنة تفوق فتنة الغرب" فهل اطلع الغيب ..

فإن رجلاً يأمرُ السماء فتمطر مباشرة والأرض أن تخرج كنوزها مباشرة..لاشك أنه يفوق فتنة الغرب التي معجزاته غير مباشرة بل أسباب حصولها عادية ؟!!

تنبيه مهم : الأخ سعيد يذهب إلى عدم صحة حديث قصة تميم الداري

بحجة الحديث المشهور (( أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لم يبق على ظهر الأرض أحد ممن هو عليها اليوم ))

وهذا ليس فيه حجة -كما قال الإمام الشنقيطي في أضواء البيان -لأنه قد أستثني الدجال من العموم بنص حديث الجساسة

يقول الشنقيطي رحمه الله ( لأن الدجال أخرجه دليل صالح للتخصيص .. وهو حديث ثابت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول .. ثم ساق الحديث وفيه طول ومحل الشاهد منه قول تميم الداري فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشده وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد قلنا ويلكا ما لكا الحديث بطوله إلى قوله وإني مخبركم عني إني أنا المسيح وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان على كلتاهما الحديث

فهذا نص صحيح صريح في أن الدجال حي موجود في تلك الجزيرة البحرية المذكورة في حديث تميم الدارمي المذكور وإنه باق وهو حي حتى يخرج في آخر الزمان وهذا نص صالح للتخصيص يخرج الدجال من عموم حديث موت كل نفس في تلك المائة

والقاعدة المقررة في الأصول أن العموم يجب إبقاؤه على عمومه فما أخرجه نص مخصص خرج من العموم وبقي العام حجة في بقية الأفراد التي لم يدل على إخراجها دليل ) أضواء البيان ج3ص337

وأما قوله انه لم يروه إلا فاطمة بنت قيس فغلط فقد رواه جابر بن عبد الله عند أبي داود برقم 4328 عن جَابِرٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ على الْمِنْبَرِ (إنه بَيْنَمَا أُنَاسٌ يَسِيرُونَ في الْبَحْرِ فَنَفِدَ طَعَامُهُمْ فَرُفِعَتْ لهم جَزِيرَةٌ فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الْخُبْزَ فَلَقِيَتْهُمْ الْجَسَّاسَةُ قلت لِأَبِي سَلَمَةَ وما الْجَسَّاسَةُ قال امْرَأَةٌ تَجُرُّ شَعْرَ جِلْدِهَا وَرَأْسِهَا قالت في هذا الْقَصْرِ..) الحديث

ورواه أبو يعلى في مسنده برقم 2164 ونصه عن جابر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر فقال (ذيا أيها الناس إني لم أقم فيكم بخبر جاءني من السماء ولكن بلغني خبر ففرحت به فأحببت أن تفرحوا بفرح نبيكم إنه بينا ركب يسيرون في البحر إذ نفد طعامهم فرفعت لهم جزيرة فخرجوا يريدون الخبز فلقيتهم الجساسة فقلت لأبي سلمة وما الجساسة قال امرأة تجر شعر جلدها ورأسها فقالت في هذا القصر خبر ما تريدون فأتوه فإذا هم برجل موثق فقال أخبروني أو سلوني أخبركم.. ) الحديث وإسناده صحيح

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

مرة أخرى ..... مع حادثة كشف الدجال (1)

 

سبق أن قدمنا في التعليقات رقم 34، 35، 36، 37 من هذه المشاركة تأويلاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخبر فيه عن الرجل الذي يخرج إلى المسيح الدجال ويشهد أن هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول ، فيشقه الدجال إلى نصفين ثم يحييه فيزداد يقينه حول الدجال ، فيحاول أن يقتله فلا يسلط عليه ، فيقذف به إلى حيث يظن الناس أنه ألقي في النار وهو إنما ألقي في الجنة .

 

هذه الحادثة بحسب ما قدمناه تحققت منذ أكثر من عامين ، وذلك على النحو الذي شرحناه في التعليقات المشار إليها . وسواء تم الاتفاق أو الاختلاف حول ما طرحناه فإننا نود إعادة تناول هذه الحادثة ، وذلك في الحدود التي تثبت عدم إمكانية تحقق معناها اللغوي المباشر .

 

لنبدأ أولاً بعرض الحديث ، ولنتنبه إلى العبارات التي سيتم تمييزها ، فهي تصادم الفهم اللغوي المباشر .

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يخرج الدجال فيتوجه قِبَلَه رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح ، مسالح الدجال " المدافعون عن الدجال في مواضع الرصد والاستطلاع والمراقبة وحفظ الثغور " ، فيقولون لـه أين تعمد ؟ فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج ، فيقولون له أوَمَا تؤمن بربنا ؟ - أي أن اعتقادك بخروج الدجال يصادم الإيمان بالله - فيقول ما بربنا خفاء . فينطلقون به إلى الدجال – أي يأخذون شهادته أو مقولته ليحاكموها إلى الأحاديث الواردة حول الدجال ، أو إلى الدجال الوارد في النصوص ، باعتبار أنهم لا يؤمنون أصلاً بأن الدجال قد خرج - فإذا رآه المؤمن قال يا أيها الناس : هـذا الدجال الذي ذكر رسول الله . قال : فيأمر الدجال به فيشبَّح - يعلَّق أو يثبَّت - فيقول خذوه وشجُّوه ، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً ، فيقول أوَمَا تؤمن بي ؟ قال : فيقول أنت المسيح الكذاب ، فيؤمر به فيؤشر - ينشر - بالمنشار من مفرقه حتى يفرَّق بين رجليه ، ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول لـه قم ، فيستوي قائماً ، ثم يقول لـه أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة ، ثم يقول يا أيها الناس : إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس ، فيأخذه الدجال ليذبحه فيُجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً ، فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس – وظنهم هنا يدل على أنهم جميعاً لا يرون بعضهم ولا يجتمعون في مكان واحد - إنما قذفه في النـار وإنما ألقي في الجنة . قال رسول الله : هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين ) . وقد وردت هذه الرواية في صحيح مسلم ، وورد مضمونها بتفاصيل أقل قليلاً في صحيح البخاري وسنن ابن ماجه ومسند أحمد .

 

 

لنتذكر أولاً أن النبوءات لا تخبر عن حوادث عادية وهامشية ومتكررة . ومن ثم فإنه لا معنى لتسجيل الحادثة التي تضمنتها هذه الرواية في أحاديث واردة في صحيح البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد مالم يكن المضمون الذي تنبئ عنه مضموناً استثنائياً وغير عادي .

 

فما هو المضمون الاستثنائي وغير العادي الذي يسمح به الفهم اللغوي المباشر لهذه الحادثة ؟!!

 

هل هو تعرض أحد الرجال لفتنة الدجال ؟!

 

الأمة كلها ستتعرض لفتنة الدجال ، ومن ثم فإن مسألة الفتنة لا تفسر الطابع الخاص والاستثنائي الذي حظي به موقف ذلك الرجل ، بحيث تم انتقاؤه والإخبار عنه .

هل هي مقاومة ذلك الرجل لفتنة الدجال ؟!

 

الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن هناك من لن يتبع الدجال ، وأخبر أن بني تميم هم أشد الناس على الدجال . وبالتالي فإن مسألة المقاومة لا تفسر خصوصية موقف ذلك الرجل ولا تفسر سبب الإخبار عن موقفه .

 

هل هي مسألة الشق والإحياء ؟!

 

هنا تثور مسألة المعجزات التي لا يصح بموجب سنن الله أن تعطى للدجال وأمثاله أو أن يتم تسخيرها للإضلال وتأييد أهل الباطل .

 

وإذا كانت مسائل الفتنة والمقاومة والشق والإحياء لا تفسر خصوصية موقف ذلك الرجل ولا سر الإخبار عنه ، فما هي القضية الخاصة التي استدعت ورود هذه الحادثة في نبوءة ؟!!

 

الخصوصية هي اكتشاف المسيح الدجال بعد أن ملأ الأرض بفتنته .

 

هذا هو الحدث الاستثنائي غير العادي الذي يستحق أن يرد في نبوءة . وكل تفاصيل الحادثة تشهد بذلك .

 

في البداية تمت الإشارة إلى القضية التي تحرك ذلك الرجل ، ويتضح ذلك من قوله لمن سأله عن وجهته " أعمد إلى هذا الذي خرج ".

 

ولأن إشارته إلى هذا الذي خرج تصادم مفاهيمهم وأفكارهم بأن المسيح الدجال لم يخرج بعد ، فقد شككوا في عقيدته ، ويتضح ذلك من قولهم " أوَمَا تؤمن بربنا " ؟!

وهنا يشير الرجل إلى أنه يستند إلى النصوص وأنها واضحة في تحديد هوية الدجال إلى درجة أنه لا معنى ولا مبرر للخفاء " فيقول ما بربنا خفاء " أي أن ما أنزله ربنا حول الدجال لا يحتمل الخفاء .

 

هنا ستبدأ حكاية الدجال النصوصي التي يساء فهمها ، حيث ورد في الأحاديث أنهم " ينطلقون به إلى الدجال " !! فمن هو هذا الدجال الذي ينطلقون به إليه ؟!!

من هو الدجال الذي أُخذ ذلك الرجل إليه ، ثم قام الدجال بشقه وإحيائه وبعد ذلك حاول قتله ؟؟.

 

بالتأكيد ليس الدجال الحقيقي ، فهم لا يصدقون ولا يؤمنون بالقضية التي تحرك الرجل ، وهي الاتجاه إلى " هذا الذي خرج " واعتراضهم على ذلك إلى حد التشكيك في معتقد ذلك الرجل .

 

وإذا كان الأمر كذلك فمن هو الدجال الذي يتجهون بالرجل إليه ؟!

 

إنه الدجال الشائع في الفهم السائد والثقافة السائدة ، فهذا هو الدجال الوحيد الذي يؤمنون به . أما الدجال الحقيقي فهو لا زال بحسب اعتقادهم في عالم الغيب ، وهم لأجل ذلك يرفضون شهادة ذلك الرجل التي لم تكن تحمل في جوهرها سوى القـول بأن المسيح الدجال قد ظهر وأنه موجود بين الناس . أي أنهم كانوا يجادلون ويدافعون عن المسيح الذي يفهمونه من النصوص ويحاولون عن طريق تلك النصوص إثبات خطأ الزعم بأن المسيح الدجال أصبح من أمور عالم الشهادة .

 

وهكذا فالأشخاص الذين كانوا يدافعون عن المسيح الدجال في موضع الرصد كانوا يدافعون عن قناعتهم بعدم ظهوره في مواجهة الادعاء بظهوره ، ووسيلتهم في ذلك هي الاحتجاج بالنصوص واستخدامها في نقد شهادة ذلك الرجل وإثبات وترسيخ صورة المسيح الدجال التي يفهمونها من النصوص .

 

وإذا كان المسيح الدجال الحقيقي غير موجود في موضع الرصد ، وكان الموجود هو المسيح النصوصي الشائع في الثقافة السائدة والذي يؤمن الناس بأنه لم يظهر بعد ، فمن الذي كان موجوداً في موضع الرصد بخلاف ذلك الدجال المفهوم من النصوص ؟!

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل وقفاتنا مع حادثة كشف الدجال ،،،،،

.

 

= = = = = = = = =

الأخ الكريم الوسواس القهري

 

سأعود إلى مداخلتك لاحقاً بمشيئة الله . وأنا أقدر عدم قناعتك بالتأويل ، بل وأقدر عدم اقتناع كل الناس بالتأويل ، فهذا هو ما تؤكده الأحاديث .

 

الأحاديث تؤكد أنه لن يتم اكتشاف الدجال إلا في أواخر فتنته ، وأن الناس لن يصدقوا مجرد الشهادة بأن " هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول " !!

 

سأعود إلى النقاط الواردة في المداخلة التي عرضتها ، وسأحاول الاختصار رغم أن الموضوع لا يحتمل الاختصارات المخلة ، ورغم أن الإنترنت ليس مكاناً للإسهاب والتطويل ، إلا أنه يظل الوسيلة الحرة لعرض مثل هذا الموضوع في عالمنا العربي .

لك تحياتي وتقديري ، وإلى لقاء قريب بمشيئة الله ،،،،

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

مرة أخرى ..... مع حادثة كشف الدجال (2)

 

قلنا إن المسيح الحقيقي لم يكن موجوداً في موضع الرصد ( المسالح ) بحسب قناعات المدافعين عنه ، وأن هؤلاء يدافعون عن الدجال الوارد في النصوص ، ويرفضون شهادة ذلك الرجل الذي يزعم أن الدجال قد خرج .

 

وهكذا فإذا اطلع الرجل على النصوص صرفها إلى الدجال الذي خرج بحسب رأيه ، وقال " يا أيها الناس : هـذا الدجال الذي ذكر رسول الله "

 

وهذا هو جوهر الحادثة . وإلا فما معنى تثبيت ادعاء وإعلان الرجل بأن " هـذا الدجال الذي ذكر رسول الله "

 

لا معنى لادعائه وإعلانه ، ولا معنى لورود هذا الادعاء والإعلان في نبوءة مالم يكن المسيح الدجال خافياً على الناس ، وما لم يكن الرجل يقدم شهادة صحيحة ودقيقة ، ولكنها غير شائعة وغير مقبولة لدى الناس .

 

وكما قلنا فإن الأحداث تدور في أحد مواضع الرصد والاستطلاع التي تسمح بالحوار والجدال إلا أنها لا تسمح بالتواجد المادي للأشخاص ، بدليل أنه لا المسيح الدجال الذي يؤمن به الناس كان موجوداً في الموضع ، بل هو لم يظهر بعد بحسب اعتقاد المدافعين عنه ، ولا أولئك المدافعين كانوا يرون ذلك الرجل أو يعرفون أحواله ، فهم لم يعرفوا أين ألقاه الدجال وما الذي حدث له بعد ذلك ؟! فما هو المكان الذي يسمح بالرصد والاستطلاع والحوار والجدال ولا يسمح بالتواجد المادي للأشخاص في ذات المكان ؟.

 

إنها مواقع الإنترنت . وفي عالم خاضع لقوانين الاستبداد مثل عالمنا العربي فإن تلك المواقع تعد أهم المواضع التي تسمح بالحوار والجدال الحر ، كما أنها مواضع في متناول الأفراد العاديين ولا تخضع لقيود المكان ولا تسمح بالاجتماع المادي للأشخاص في مكان محدد ، باعتبار أنه لا يوجد لها أبنية ومقرات مادية .

 

وإذا صح أن مواقع الإنترنت تتمتع بهذه الخصائص فإنها تعد المكان المثالي الذي يسمح بتحقق الأحداث التي أشرنا إليها دون ضرورة اجتماع الأشخاص في الموقع ، بل بشرط عدم اجتماعهم .

 

فلنتصور أن مكان الأحداث هو بالفعل أحد مواقع الإنترنت . فمن هو المسيح الدجال الذي يمكن أن يحضر إلى ذلك الموقع ويتم الدفاع عنه من قبل أشخاص يسعون إلى إثبات أنه غير حاضر وأنه لا زال في عالم الغيب ؟.

 

بالتأكيد إنه لن يكون سوى المسيح الدجال الوارد ذكره في النصوص . ولو طرحنا ذات السؤال بخصوص الأشخاص الذين كانوا يدافعون عنه أو الشخص الذي يحاول إثبات وجود المسيح الدجال لوجدنا ذات الإجابة ، وهي أنهم جميعاً لم يكونوا موجودين في الموقع بذواتهم بل بأفكارهم وآرائهم ومعتقداتهم .

 

هذا هو ما يفسر وجود شخصية يسعى المدافعون عنها إلى إثبات أنها لم توجد بعد ، وهو أيضاً ما يفسر سبب عدم علم أولئك الأشخاص بما حلَّ بالرجل الذي يرفضون شهادته ، كما أن هذا الفهم يسمح بوجود معان أخرى لأحداث التثبيت والجلد والشق والإحياء والقذف والجنة والنار ، وذلك على نحو ينفي المعجزات عن المسيح الدجال ويعكس الحقائق الدنيوية حول الجنة والنار ويعزز ما ذكرناه حول سر خفاء حقيقة الدجال على كل الناس وسر قيمة شهادة الرجل الذي يسعى لإزالة ذلك الخفاء .

 

لم يظهر ولا يمكن أن يظهر المسيح الدجال في مكان معين على سبيل الحقيقة ثم تكون قضية المدافعين عنه هي إنكار ورفض مسألة ظهوره . وإذا كان مكان الأحداث هو بالفعل أحد مواقع الإنترنت فإنه لا يمكن للأشخاص المنكرين لظهور الدجال ولا للرجل الذي يحاول إثبات ظهوره أن يوجدوا بذواتهم في الموقع .

 

وبالتالي فإن ما وجد في مكان الأحداث هو المسيح التشبيهي الوارد ذكره في النصوص ، والآراء والحجج التي يطرحها القائلون بعدم ظهوره ، وذلك في مقابل الآراء والحجج التي يطرحها الرجل الذي يدعي أن المسيح الدجال قد ظهر وملأ الدنيا بفتنته . أي أن التصوير الوارد في الحديث النبوي الذي تضمن الإشارة إلى تلك الأحداث هو من قبيل التصوير المجازي لكل من الفهم اللغوي المباشر الذي يعكس الفهم السائد للنصوص والفهم التأويلي الذي يطرحه ذلك الرجل .

 

وفي ضوء ذلك فإن أحداث التثبيت والجلد والشق والإحياء والقذف يمكن أن تنصرف إلى التأويل ، وذلك حين يتعرض للنقد والاجتزاء ويعرف أحوال القوة والضعف والإزالة .

 

والظن بأن الرجل ألقي في النار وهو إنما ألقي في الجنة ترمز إلى ظنهم بأنه قد أوقع نفسه في الضلال بينما هو حظي بالهداية والرشد .

 

لا يوجد ما هو أصعب من الحديث عن النفس . ولكن الواقعة كان لها شهودها الذين يمكنهم إذا تخلصوا من المواقف المسبقة ودواعي السجال أن يكونوا أكثر الناس فهماً وتحققاً من دقة التأويل الذي طرحناه ، وبعض هؤلاء الكتاب هم من أبرز الكتاب في هذا الموقع ( أي موقع الساحات ) بالإضافة إلى غيرهم ممن تابعوا السجال غير العادي الذي حدث في موقع الوسطية منذ أكثر من عامين .

 

لاحقاَ سيكون لنا وقفة مع التعليق الأخير للأخ الوسواس القهري ،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

النماص

 

أولت فتنة المسيح الدجال ولم تتأول الرجل الذي قتله الدجال ؟

 

- لماذا كان الرجل حقيقاً في تأويلك بينما كل ما يحيط بقصته موؤل فمسالح الدجال ليسوا على حقيقتهم اللغوية المباشرة والقتل والتشبيح ليسا على حقيقته اللغوية المباشرة

 

هذا الاستفسار من أخي أسد

 

===================

النماص

 

 

أتاني هذا الرد من أحد الإخوة جزاه الله خير مع اعتذاري له عن التأخير في النشر ، ويبدو أن الموضوع قد توسع مع الأخ سعيد الكثيري ، ولكن لأهمية الموضوع وقوة حجة الرجل ومنطقه وقوة مراجعته لأمهات الكتاب واستنباطه منها ، وحيث أننا نرجو من الله أن يهدينا جميعا للحق وأن لا يظلنا بما آتنا من قدرات ، فالأخ سعيد قادر على إفادة الأمة اذا أعانه الله على الطريق الذي لا لبس فيه . ولمنطقية هذه المشاركة أضفتها ، والله أعلم ، وكل عام وأنتم بخير وتقبل الله منا ومنكم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين شدني هذا الحوار عن ماهية المسيح (المسيخ) الدجال وما آل إليه هذا الحوار من شرود عن اليقين و تيه عن الحق من وجهة نظري ونظر بعض الأخوة الذين أدرجوا ردودهم عن قناعة ويقين وحق متين بالكتاب والسنة. أخي الكريم سعيد نحن ( أنا وأنت وسائر الأخوة القراء) لسنا ممن يتبع الضلال لا سمح الله ولسنا ممن يحرف كلام الله ولا كلام نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم. وفيما يخصني فلست من أهل العلم لا بالحديث ولا بالفقه والتوحيد ولكن أؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره. أورد في ردي هنا مقتطفات من بعض ما ذكرت أخي الكريم وقد لونتها بالأحمر كي يتم التمييز بين ما ذكرت أنت وبين ما سأذكر.

• وهنا سنجد أن من الثابت بموجب نصوص القرآن تشبيه رجل بالشمس ( والد يوسف عليه السلام ) وتشبيه امرأة بالقمر ( والدة يوسف عليه السلام ) وتشبيه إخوة بالنجوم ( إخوة يوسف عليه السلام ) والرمز لوظيفة السقاية بعصر الخمر والرمز لحادثة الصلب بأكل الطير للخبز المحمول فوق الرأس وتشبيه السنوات المطيرة بالبقرات السمان والسنبلات الخضر وتشبيه السنوات المجدبة بالبقرات العجاف والسنبلات اليابسات ، فلماذا لا يصح تشبيه الحضارة الغربية برجل ؟! ومن الثابت بموجب نصوص القرآن الكريم تشبيه الجنين في بطن أمه بالنطفة والعلقة والمضغة وتشبيه صورة الجبال بما في ذلك جذورها بالأوتاد ، فلماذا لا يصح تشبيه الحضارة الغربية برجل ؟!

أعتقد أن لديك لبس بين التصريح والتشبيه. قال الرسول صلى الله عليه وسلم (أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ماذا تفهم من هذا الحديث؟؟ أترك لك الإجابة لاحقا. وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثلُ الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسد بالحمى والسهر)) وفيهما عن أبي موسى مرفوعاً: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وكيف تفسر هذا الحديث أيضا؟ إن باستطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذكر شيئا بعينه أو أن يقوم بالتشبيه في جميع أحاديثه عليه الصلاة والسلام فإبمكانه أن يقول عن المسيح أنهم حضارة أو ماشابه سوف تفتنكم.هذا فيما يختص بالسنة.

أما في كتاب الله الكريم, فقد وصف الله نفسه بأنه(ليس كمثله شيء... )،(الآية 11 سورة الشورى) أي أنه لا توجد لغة مباشرة يمكنها أن تساعدنا على إدراك كنه(طبيعة) الله عز وجل، ولكن مع هذا ينقل القرآن الكريم مفهوم الله إلى عقل الإنسان القاصر عن طريق الصورة المجازية المركبة في وصف نوره: (الله نور السماوات والأرض، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح... )، (الآية 35 سورة النور) ويا لها من صورة مجازية متواضعة، ولكنها تعكس لعقل الإنسان القاصر فكرة اللامتناهي. ثم ينطلق القرآن من هذه الصورة المجازية فيكثفها: (المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دريّ...)، (الآية 35، سورة النور). هناك أشياء يدركها العقل ولا تحتاج إلى توضيح وهناك أشياء فوق قدرتنا الاستيعابية وضحها الله لنا في كتابه ووضحها لنا رسوله في أحاديثه صلى الله عليه وسلم.

وفيما يختص بالجنين فليس هناك تشبيه أخي الكريم فالجنين هو بالأصل نطفة فعلقه فمضغه قال تعالى: (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاما ، فكسونا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين )) هذا ليس تشبيه وإنما حقيقة تُدرّس في جامعات الطب حول العالم. ولا حظ معي أخي الكريم حرف الفاء ومحلها في الإعراب. الفاء فاء فورية مع الحفاظ على الترتيب, يعني ليس بين كل خلق وخلق فترة كبيرة من الزمن وإنما أيام وبتتالي الخلق تمضي الأيام وتصبح أسابيع فأشهر حتى لحظة الولادة فيكون إما ذكرا أو أنثى (ثم أنشأناه خلقا آخر,فتبارك الله أحسن الخالقين). والله إن قشعريرة قد سرت في بدني وأنا أتفكر في هذه الأيات. اللهم رحمتك نسأل ومغفرتك نرجو.

ثانياً : خبر الرجل الذي يخرج إلى الدجال في أواخر فتنته معلناً شخصيته ، فيشقه الدجال إلى نصفين ثم يعيده فيزداد الرجل بصيرة ، ثم يحاول أن يشقه مرة أخرى فلا يسلط عليه . ونود أن نؤكد هنا على أن في هذا الخبر تصوير مجازي واسع ، فالدجال لا يحيي الموتى والله لا يعطي المعجزات لأمثال الدجال ، ثم إن هذا الخبر هو دلالة أكيدة على التصوير المجازي لكامل النبوءة ، بدليل أنها تشير إلى اكتشاف شخصية المسيح الدجال في أواخر فتنته ، وهذا يعني أن أمره كان خاف على جميع الناس . والخفاء هنا لا يمكن أن ينبع إلا من تمسك الناس بالمعنى اللغوي المباشر للنبوءة وعدم تنبههم إلى صورة الدجال الحقيقية التي تملأ الأرض . وسنحاول لاحقاً بمشيئة الله تأويل ما ورد في هذا الخبر ، لاعتقادنا بأنه قد وقع فعلاً . أخي الكريم سعيد, هل هناك معنى آخر لرجل؟ أم هو تشبيه لشيء آخر أنت تعلم عنه ونحن لا نعلم؟ خذ هذه عندك,إذا أردت أن تصف سلوك وأفعال رجل أو أنثى فإنك تصف شخصيته وأنت تذكر هنا (شخصية المسيح الدجال) إذا لا يمكن اطلاق كلمة شخصية إلا على صفات شخص ما والشخص لا يكون إلا ذكرا أو أنثى وليس دوله حفظك الله ورعاك. لا نستطيع أن نقول (ولا حتى مجازا) عن حضارة دولة ما أنها شخصية إلا إن كان حديثنا عن أشخاص هم من يمثلون هذه الدولة, وإن حصل هذا المعنى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لا سمح الله في تحريف كلامه صلى الله عليه وسلم) فلابد أن يكون الكلام بصيغة الجمع (المسيحون أو الدجالون) لكثرتهم وأنهم هم من يمثلون حضارة الغرب على حد قولك. كيف لك أن تحكم بأن الله لا يعطي المعجزات لأمثال الدجال؟ من أنا ومن أنت حتى نقول أن الله يعطي هذا ويمنع هذا؟ يا أخي إن الله سبحانه وتعالى عندما سخط إبليس لعدم سجوده لآدم وعصيانه أمر ربه أنزله الله الأرض فتنة لنا هل نتبعه أم نبتعد عنه بذكر الله سبحانه وتعالى؟؟ إذا أخذنا بكلامك حفظك الله ورعاك وأعاذك من مكر إبليس وفتنته أوليس الأولى أن الله يمحق إبليس ويبعده عنا من أول ما خلق الله الأرض؟ لماذا تربط الشياطين في هذا الشهر الكريم؟؟ أوليس رحمة من الله بنا أن يكون هذا الشهر من حق عباده؟ أوله رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار. أكتفي بهذا القدر رعاك الله لضيق الوقت وكي يتسنى لي الرد على ما تبقى من النقاط. ( يخرج الدجال فيتوجه قِبَلَه رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح ، مسالح الدجال - المدافعون عن الدجال في مواضع الرصد والاستطلاع والمراقبة وحفظ الثغور - فيقولون لـه أين تعمد ؟ فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج ، فيقولون له أوَمَا تؤمن بربنا ؟ فيقول ما بربنا خفاء . فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن قال يا أيها الناس : هـذا الدجال الذي ذكر رسول الله . قال : فيأمر الدجال به فيشبَّح - يعلَّق أو يثبَّت - فيقول خذوه وشجُّوه ، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً ، فيقول أوَمَا تؤمن بي ؟ قال : فيقول أنت المسيح الكذاب ، فيؤمر به فيؤشر - ينشر - بالمنشار من مفرقه حتى يفرَّق بين رجليه ، ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول لـه قم ، فيستوي قائماً ، ثم يقول لـه أتؤمن بي ؟ فيقول : ما ازددت فيك إلا بصيرة ، ثم يقول يا أيها الناس : إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس ، فيأخذه الدجال ليذبحه فيُجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً ، فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه في النـار وإنما ألقي في الجنة . قال رسول الله : هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين ) أنت قلت في بداية حديثك أن أكثر أتباع المسيح من اليهود. يخرج هذا الرجل ويتوجه إلى المسيح, وكأي قائد لابد أن يكون هناك حاجب قبل الوصول إلى هذا القائد (المسيح) ومن الطبيعي أن يسأله أين أنت ذاهب؟ هنا يسأل هذا الحاجب الرجل: أوما تؤمن بربنا؟ هنا يكون الوقوف. لماذا هذا السؤال؟ إذا أوجسوا منه خيفة. لماذا؟ لأنه هو الوحيد الذي أراد أن يذهب لرؤية هذا الرب (المسيح) دون غيره من العالمين. وعدم الاقتناع به هو مادفعه لرؤيته,ومعرفتهم بأن هذا هو السبب هو ماجعلهم يستوقفونه قبل الدخول على المسيح الدجال. إذا كان المسيح هو أمريكا أو الغرب فليس هناك من داع أن يخرج هذا الرجل لمعرفة ماهية هذا الرب لأنه معلوم للجميع. ولكن لإيمانه بالله تعالى وأن الله واحد أحد استطاع هذا الرجل من استجماع قوته وشجاعته وإيمانه والتوكل على الله والذهاب لمواجهة هذا الرب المزعوم. نأتي لعملية النشر والقطع و و و ... إذا كان هذا الحديث على التعبير المجازي فلابد من أداة لذلك يعني بالإمكان قول (فيؤمر به فيؤشر كأنما يؤشر بالمنشار حتى كأنه يفرق بين رجليه. ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فكأنما يستوي قائما) تعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاجز عن التشبيه؟؟ نأتي لحرف الفاء هنا وهي أيضا فاء فورية وتعني حصول الأمور وتتاليها في وقت قصير. كما ذكرت لك آنفا في تكوين النطفة وخلقها وانشائها.

أخي الكريم سعيد... أتمنى من الله أن تكون آفاقك إلى الله أوسع وأن يكون قلمك شاهدا لك لا عليك وان يكون علمك علم ينفعك في يوم الدين وأن يكون القرآن طريقك في الصراط المستقيم.

أعتذر عن الإطالة وإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان أعاذنا الله وإياكم من الشيطان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

===============================

 

 

الوسواس القهري

 

 

حياك الله أخي سعيد.

________________________________________

ردٌّ جاءني من أخٍ فاضلٍ آخر عبر البريد:

اخي سعيد الكثيري

انا من داخل معك عن طريق اخينا الفاضل النماص وارسلت له هذا الرد ولكن اعتقد نظرا لظروفه والله اعلم

لم يستطع ان يدرج ردي هذا

واشكره من كل قلبي على نشره للمداخلتين السابقتين

واشكر اخي الفاضل

الوسواس القهري

لنشره مداخلتي الاخيرة

ساتابع من بعيد حتى تنهي وجهة نظرك ولا اشغلك فلك اتجاه معين ولي اتجاه اخر

اتجاهك هو النظر لموضوع الدجال بنظرة مجازية منكرا لادميته ومستنكرا لكونه يؤتى كل هذه الفتن التي لا تنبغي له

وترى ان الدجال هو كناية عن فتن الغرب التي تسارعت في الثلاثة قرون الماضية.

واما انا ومن وافقني من المتمسكين بادميته وبحرفية الاحاديث الواردة فيه فلن يسعنا الا المتابعة حتى النهاية

ومن ثم نناقش الموضوع كاملا بطريقة النقاط بحيث نجمع النقاط التي يمكن ان تكون مشتركة بيننا وتسمح لنا بارضية نتحاور من خلالها.

واوكل هذه المهمة لغيري لانني وكما اسلفت ستكون هذه اخر مداخلة لي للاسباب الانفة الذكر اعلاه.

واليك اسئلتي التي يمكن ان تجيبني عليها مشكورا بعد نهاية طرحك ولا تشعل نفسك بها الان.

السؤال الاول

هل تتوقع ان يخفي عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الفتنة ويكني عنها مجازيا؟؟

السؤال الثاني

موضوعك يضعني ويضعك ويضع الامة بهذا الطرح في خانة اتباع الدجال نظرا لخفآئه درجة العمآء عنه!!

وهل يستقيم ذلك ونحن نشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله !!؟

وبهذا يستطيع الانسان منا ان يحاجج كما يحاجج اهل الفترة بان ما اتآنا من وصفه لم نره .

والسؤآل الصعب هو عن ابن صياد !!

وانت تعرف ان الرسول صلى الله عليه وسلم دخل عليه النخل يريد ان يتاكد منه لان صفاته الجسمية تشابه الدجال

فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفى عليه ذلك ايضا!!!

وهذا لا يستقيم مع العقل ابدا ان ترى رسول الله عليه وسلم ياخذ معه عمر ابن الخطاب رضي الله عنه

ويذهب بنفسه ليسال ابن صياد عما يرى بل ويساله ماذا يرى ويخبىء له شيء في نفسه وهو سورة الدخان ويرد عليه

ابن صياد بقوله

(الـــــــدخ)

على عادة الكهان حيث ان شياطينهم لا يعطونهم الا نصف الكلام.

فيرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله.

اخسأ فلن تعدو قدرك.

ويساله ثانيا ماذا ترى فيقول ابن صياد ارى صادقا وكاذبا وارى عرش على الماء.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم

ذلك عرش ابليس.

كل ما سبق ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم انه بشر

وكاد عمر ابن الخطاب ان يقتله لول تدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله

وركز معي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم

يا عمر

( ان يك هو فلن تسلط عليه وان لم يكن هو فلا خير لك في قتله)

وارجو ان تركز على قوله ان يك هو الضمير يعود على بشر بعينه واسمه ابن صياد!!

والشيء الاهم ان الرسول ذكر السيارات التي نركبها الان وسماها (المياثر)

وقد اوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم

فهل لا يستطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يصف لنا هذه الحضارة الفتنة ولو بكلمة واحده وهو من اوتي جوامع الكلم!!!

لو كانت هي فتنة الدجال!!!

الرسول ذكر عارضات الازياء في زمننا هذا ووصفهن وصفا لو اتيت باعلم اهل اللغة العربية من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا فلن يصفهن الا باقل من ذلك مهما اوتي من بلاغة

وهاك اخي وصفه لهن:

(كاسيات عاريات مائلات مميلات عليهن كاسنمة البخت )

واما خوارقه التي تنكرها وانها لا يمكن ان تؤتى لملحد كالدجال فالرد بسيط على هذا للاسباب التالية

اولا

انه لم يدع النبوة وانما يدعي الالوهية وهو بشكله المتنافر يكذب دعواه بصورة حاله وعجزه عن ازالة عور عينه

ويكفي المسلم المتمسك بالاركان الخمسة وليس المؤمن ان يرى كذبه ودجله

وثانيا

بالعقل وليس بالدين يعرف الانسان ان من امامه لم يستطع ان يسوي خلقه المتنافر الاعور الافحج

ويرى صاحب العقل انه اجمل من ربه الذي امامه ويكفي هذا تكذيبا له.

ثالثا

خاصية سورة الكهف في ردع الدجال لمن قرأ اولها وفي روايات اخرها

وهذه السورة الكريمة اخي احتوت على التالي:

كل من ذكر بها اشخاص وهم

قصة اهل الكهف (بشر)

الخضرمع موسى عليه السلام (كلاهما بشر)

ذو القرنين (بشر)

ياجوج وماجوج (قبيلتين من البشر)

وموسى عليه السلام لم يصبر على قتل الغلام وبنآء الجدار وخرق السفينة

مع انه عليه السلام يعلم انه مع الخضر رضي الله عنه ومن ارسله هو الله عز وجل ليتعلم منه

ولم يستطع عليه السلام التحمل لما راى لانها تناقض نبوته حقيقة

(قتل لغلام وخرق لسفينة بها بشر كثير وبناء لجدار في قرية لم يضيفوهم)

وحق لموسى عليه السلام ان يسال فمن يتحمل كل هذا فما بالك وهو نبي قد اخذ الله عليه العهد والميثاق؟

ولكن عندما فسر له الخضر اسباب افعاله وانه ليس عن تفكيره او تدبيره وانما عن امر ربه.

فادرك موسى عليه السلام وصدق التفسير الذي اورده الخضر له

اهل الكهف ولبثوا ثلاث مئة سنين وازدادو تسعا 309 سنوات في نوم عميق بل ومعهم حيوان هو كلبهم.

ذو القرنين وبنائه السد العظيم الذي يقع خلفه اسوا انواع الخلق واكفرهم وهم يعيشون الى يومنا هذا ولا نراهم مع ان الاقمار الصناعية تستطيع تصوير كل انش على سطح الارض

كل ما سبق اخي خوارق وضد السنن الكونية والمنطق

النوم 309 سنه

قبيلتين من البشر باعداد هائلة يعيشون على ظهر هذه البسيطة ولا نراهم

والخلاصة

لماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

(من ادركه منكم فليقرا عليه فواتح سورة الكهف)

وجهنا لهذه السورة للاسباب التالية

ان بها معجزات سبقت وخرق لسنن الكون منها نوم استمر309 من السنين

وقوم باعداد هائلة وراء سد عظيم ولا نراهم

وكل من تحدثت عنهم السورة بشر

وكان الله يوجهنا لهذا

ان الدجال لن يكون الا بشرا وان السن الكونية يمكن ان تعدل لحكمة لا يعلمها الا هو

والاستثناء للدجال ليس بجديد

فكما ترى كم عدلت سنن كونية

نوم 309 من السنين

سد عظيم وراءه خلق من البشر لا نراهم

فلماذا لا تستثنى السنن لفترة اربعين يوما ؟

ومتى في خفة من الدين وادبار

ثم يقتل بعدها هذا الدجال ويحكم الاسلام الارض كلها

وفي روايات انها 120 سنة بعد نزول عيسى عليه السلام

وسوف تتوالى الايات العظام الكبرى كنظام بال قطع سلكه أي كالمسبحة عندما ينقطع خيطها كيف تتوالى حباتها سقوطا الى الارض في سرعة بالغة

وبعد موت عيسى عليه السلام

يموت المؤمنون بعده بقليل بريج يمانيه تاخذهم من تحت الابط

وبعدها يبقى في الارض شرار الخلق يتهارجون تهارج الحمر أي يتسافدون في الطرق

واغلبهم من اولاد الزنا عليهم تقوم الساعة

يحشرون الى الشام مع القردة والخنازير

بسبب البركان العظيم الذي مبداه من برهوت بحضرموت وهو بركان يمتد الى اطراف الارض كلها الا الشام

انها ايات عظام مخيفة مرهبة تفزع القلب اسال الله ان يميتنا على شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله

قبل هوان الدجال وفتنته

هو شر منتظر

اسال الله لي ولك الهداية وان يدلنا على طريق الحق ويهدينا اليه

ويميتنا غير مفتونين

كتبه السائل عفو ربه

اخوك في الله

جميل احمد

 

============================

 

 

سعيد الكثيري

 

مـــع التعليقات الأخيــــرة (1)

 

الأخ الوسواس القهري ذكر أنه لا زال غير مقتنع بالتأويل . والواقع أنه لو قال غير ذلك لصادم الأحاديث ، فموقفه هو عين ما تؤكده الأحاديث ، فمن الثابت أنه لن يقتنع أحد بشهادة الرجل الذي يخرج ليعلن أن " هذا هو الدجال الذي ذكر رسول الله " !!

 

وسواء كان الفهم اللغوي المباشر هو الصحيح أو كان التأويل هو الصحيح فإن الناس في الحالتين سيواجهون رجلاً يخرج في أواخر فتنة الدجال ليعلن أن " هذا هو الدجال الذي ذكر رسول الله " ولكن فهم هذه الحادثة في إطار التأويل ممكن ومنطقي وواقعي إلى أبعد الحدود . أما في إطار الفهم اللغوي المباشر فمن غير المنطقي ومن غير المعقول أن يظل الدجال خافياً على الناس حتى أواخر فتنته . ومن غير المنطقي ومن غير المعقول أن يقف الناس ضد شهادة رجل يؤكد لهم أن صورة الدجال التي يؤمنون بها موجودة بينهم ، ومن غير المنطقي ومن غير المعقول أن تكون هذه الشهادة هي أعظم شهادة عند رب العالمين . هذا إذا تجاوزنا مسألة المعجزات وغيرها مما يثيره الفهم اللغوي المباشر للحادثة .

 

الأخ الوسواس القهري عرض التعليق البريدي الذي ورده ، ومما جاء فيه أن الدجال وصف في الأحاديث الصحيحة بأنه شاب آدم اللون جعد الشعر ، بل جاء تشبيهه برجل حي يعرفه الصحابة ( عبد العزى بن قطن ) ثم تساءل الأخ الكريم هل الحضارة الغربية تشبه عبد العزى بن قطن ؟!!

 

والواقع أن هذه هي مشكلة الاجتزاء . والصحيح هو أن ننظر إلى كل الأحاديث ثم نطرح السؤال حول مدى وجود التشبيه أو عدم وجوده .

 

الدجال وصف في الأحاديث بأنه ( رجل شاب جسيم أحمر خالص البياض قصير منحـن متباعد الرجلين جعـد الرأس أجلى الجبهة عريض النحر عينه اليمنى ممسوحة وطافئة وعينه اليسرى كأنها كوكب دري ورأسه كأنه رأس حية عظيمة ) وكما قلت في التأويل فإن المقصود من هذه الأوصاف هو التأكيد على الشكل الملفت والمثير والجامع بين المتناقضات . وهذا هو حال الحضارة الغربية من حيث شكلها الملفت والمثير والمركب من مجموعة من الأمم والشعوب .

 

هل هذا هو كل الوصف ؟!

 

كلا . فهذا الرجل القصير الأعور الأفحج ...... سيأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ويمر بالكنوز فتتبعه ويأتي بجنة ونار وجبال خبز وماء ويحيي الموتى ويركب حماراً بين أذنيه أربعين ذراعاً ويطوي الأرض كطي الفروة . وفي ضوء ما نعلمه عن سنن الله في المعجزات من حيث أهلها ووظيفتها وحكمتها فإن الدجال ليس من أهلها بل هو أبعد الناس عنهم . وبالتالي فإما أن يكون في الأمر تشبيه للمكتشفات والمخترعات بالمعجزات أو أن نصادم كل ما ورد في الوحي بشأن المعجزات .

 

هل يقف الأمر عند هذا الحد ؟!

 

كلا . فهذا الرجل القصير الأعور الأفحج ..... سيكون أكبر فاتن للنساء منذ عهد آدم عليه السلام !!

 

هل يقف الأمر عند هذا الحد ؟!

 

كلا . فهذا الرجل القصير الأعور الأفحج ..... سيغزوه المسلمون ويفتحونه كما بشر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم !!

 

هل يقف الأمر عند هذا الحد ؟!

 

كلا . فهذا الرجل القصير الأعور الأفحج الذي سيقدم المعجزات وتتغير في عهده سنن بعض المخلوقات وسنن الليل والنهار ويكون مكتوباً بين عينيه كافر يقرؤها كل مؤمن من كاتب وغير كاتب ، ورغم ذلك فلن يعرفه أحد حتى أواخر فتنته . وحتى حين يظهر أحد الرجال ويعلن لهم أن هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول لن يصدقوه !!

 

هل يقف الأمر عند هذا الحد ؟!

 

كلا . فهذا الرجل القصير الأعور الأفحج ..... سيخلط الناس بينه وبين الله ، وستكون أعظم وسائل التمييز بينهما هي العيون ، فالدجال أعور والله ليس بأعور ، أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " فإن ألبس عليكم فاعلموا أن الدجال أعور وأن الله ليس بأعور " !!

 

وهكذا فإن المشكلة لا تكمن في وصف الدجال بأنه رجل أعور يشبه عبدالعزى بن قطن ، بل هذا هو موطن التشبيه ، مثلما تم تشبيه المكتشفات والمخترعات بالمعجزات ، ومثلما تم تشبيه الطائرة وما بين جناحيها من مسافة بالحمار الذي بين أذنيه أربعين ذراعاًَ ، ومثلما تم تشبيه وضوح وجلاء قيام الحضارة الغربية على الكفر والإلحاد بكتابة كلمة كافر بين العينين بحيث يقرؤها حتى الأمي ، ومثلما تم تشبيه أوروبا بخراسان ، ومثلما تم تشبيه نفوذ يهود أمريكا الممتدة عن أوروبا بنفوذ يهود أصفهان الممتدة عن خراسان ، ومثلما تم تشبيه فلسطين بالفتحة أو المنفذ التي يكون للدجال خروج مسلح منها فيعيث يميناً وشمالاً ، ومثلما تم تشبيه العلوم والآداب بالواديين أو النهرين ، ومثلما تم تشبيه سماع ورؤية الأموات من خلال التصوير بإحياء الموتى .

 

الأمر المؤكد هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى الدجال في رؤى منامية ، وبالتالي فقد رأى الصورة التشبيهية للدجال ، وهذه الصورة التشبيهية اتخذت شكل رجل قريب الشبه بعبدالعزى بن قطن ، مثلما اتخذت صورة عائلة يوسف عليه السلام شكل الشمس والقمر والكواكب ، ومثلما اتخذت صورة سنوات الجدب والرخاء شكل البقرات السمان والعجاف والسنبلات الخضر واليابسات ، اتخذت صورة مجموعات من البشر ممن يخرجون من نجد أو من المشرق ويثيرون الفتنة شكل قرن الشيطان الذي يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع عشر مرات أو عشرين مرة .

 

طالما أن في الأمر تشبيه فإن أقرب صورة تشبيهية للحضارة هي صورة الرجل ، مثلما أن أقرب صورة تشبيهية للرجال الذين يثيرون الفتنة هي صورة قرن الشيطان .

 

بغير ذلك لن يستطيع أي إنسان تفسير مسألة خفاء الدجال ومعجزاته وغزوه وفتحه .... وغير ذلك مما ورد في الأحاديث .

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل التعليق ،،،،،

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

مع التعليقات الأخيرة (2)

 

 

الأخ صاحب التعليق البريدي يتساءل عن قولي إنه لا يمكن أن تأتي فتنة تفوق فتنة الغرب ، ويقول هل اطلعت على الغيب ؟ فإن رجلاً يأمرُ السماء فتمطر مباشرة والأرض أن تخرج كنوزها مباشرة..لاشك أنه يفوق فتنة الغرب التي معجزاته غير مباشرة بل أسباب حصولها عادية ؟!!

 

وهنا أبرز نقاط الاختلاف في الفهم ، فالأخ الكريم يفهم أن الدجال سيؤتى معجزات تفوق معجزات الأنبياء والرسل ويفهم أن هذه المعجزات ستسخر في الإضلال والإفساد وتحدي الخالق . أما أنا فأعتقد أنه ليس من سنن الله أن يعطي المعجزات للدجال أو لفرعون أو لأبي جهل أو لأبي لهب وأمثالهم ، وليس من سنن الله تسخير المعجزات لتأييد أهل الباطل والضلال وصد الناس عن الدين ونشر الفساد في الأرض .

 

إذا سلمنا بأنه ليس في الأمر معجزات ، بل هو تشبيه للمخترعات والمكتشفات بالمعجزات ، فإنه لن يكون بإمكان أي فرد مهما كانت قدراته تقديم عشر معشار ما قدمته الحضارة الغربية من المكتشفات والمخترعات ، باعتبار أنها لا تتحقق إلا من خلال الجهد الجماعي التراكمي على مدى عقود وقرون .

 

ومن جانب آخر فإن فتنة المكتشفات والمخترعات ارتبطت دوماً بفترات التحول التاريخي ووجود المناخ المناهض والمصادم للدين . وهاتان الخاصيتان اجتمعتا للحضارة الغربية ، ومن الصعب أن تكررا ، وإن تكررتا فلن يكون الأمر على ذات المستوى الذي حدث في بداية الحضارة الغربية .

 

الأخ الكريم صاحب التعليق البريدي يستسهل فتنة المكتشفات والمخترعات . والواقع أن هذا يعود لكونه يتحدث بعد انقضاء زمن التحول نحو الحياة الحديثة وبعد زوال المناخ التاريخي الذي كانت توظف فيه المكتشفات والمخترعات في مواجهة الدين والإيمان وكانت تستخدم في التأسيس لفلسفات إلحادية اكتسحت الأرض مثل الفلسفة الماركسية والفلسفة الوجودية .

 

لقد قرأ أجدادنا على الهاتف حين شاهدوه أول مرة ، وحرم بعضهم الكثير من المخترعات الحديثة ، وكان أبناء المدن والقرى يتقاطرون خلف السيارة والطائرة ويتحاشدون لرؤية التلفاز أو سماع المذياع أو مشاهدة الصور وكأنهم يدخلون أحد العوالم السحرية .

 

حين اكتشفت كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس كان الاكتشاف مدوياً ومزلزلاً ، وحين هبط أول إنسان على سطح القمر كانت لحظة مفصلية في تاريخ الأرض .

 

لقد حدثت فتنة المكتشفات والمخترعات خلال مرحلة التحول نحو الحياة الحديثة ، وكل النظريات والأفكار الإلحادية الكبرى ارتبطت بتلك المرحلة وكانت مسكونة بالصدام مع الدين ومبنية على أجزاء أولية من الحقائق العلمية التي سرعان ما تبعتها أجزاء وشواهد ودلائل نقضت أو عدلت أسس تلك النظريات والأفكار .

 

وهانحن نشاهد كيف أن وتيرة المكتشفات والمخترعات تتسارع بصورة هائلة إلى حد أن ما أصبح يظهر منها خلال عقد أو عقدين يفوق ما كان يظهر خلال قرون ، ورغم ذلك فإن ما واكب هذه الوتيرة المتسارعة هو عودة الإحياء الديني وتراجع النظرة والأفكار الإلحادية حتى في البيئات الغربية ذاتها .

 

لم تعد أداة الصدام مع الدين هي المكتشفات والمخترعات ، بل أصبح الصدام يدور حول نمط الحياة والسلوك ( النظام السياسي ، النظام القانوني ، النظام الأخلاقي ، أوضاع المرأة ، أوضاع الأقليات ) .

 

الأخ الكريم صاحب التعليق البريدي أشار إلى قصة تميم الداري وحاول إثبات صحتها ، وانتقد ما ذكرته من أن الأحاديث الواردة بشأن قصة تميم لم يروها سوى فاطمة بنت قيس ، حيث ذكر أنها رويت عن عن جابر بن عبدالله .

 

وأقول حسناً ، فلأكن مخطئاً وأن الحديث روي عن أكثر من صحابي فهل تزول إشكالات الروايات ؟!

 

هناك أحد احتمالين لهذه الروايات :

 

الاحتمال الأول : أنها روايات غير صحيحة . ويؤيد هذا الاحتمال أن فيها الكثير من العلل التي تقدح في صحة مضمونها وموثوقيته ، فهي تخالف الكثير مما أثبته العلم ويقبله العقل وليس في لغتها ولا في مضامينها ما ينتمي إلى لغة ومضامين الوحي ، بل تفوح منها رائحة الأسطورة ، وتناقض ما صرح به القـرآن الكريم من أن الغيب لا يعلمه إلا الله ، وبحسب القصة فإن تميم ومن معه اطلعوا على الغيب دون غيرهم ، كما أن الدجال يعلم الغيب وقد تحدث لتميم ومن معه عن أحوال العرب والرسول وأحواله هو - أي الدجال - حين يخرج ، في حين أن القرآن الكريم أكد أنه حتى الرسل لا يعلمون الغيب .

 

هذه القصة تناقض سنن الله في الخلق وسننه في المعجزات ، فهذا العمر الطويل للدجال والحبس والأصفاد والقيود في جزيرة معزولة على مدى أكثر من ألف وأربعمائة عام دون إيضاح لكيفية أكل الدجال وشربه ونموه . كل هذا يناقض سنن الله في الخلق وسننه في المعجزات التي لا تعطى للدجال وأمثاله ولا تسخر للإلحاد والإضلال .

 

ولا مجال لقياس وضع الدجال على وضع عيسى عليه السلام أو الخضر ، فالدجال ليس من أهل المعجزات بل هو وأمثاله من المحرومين من المعجزات وممن تسلط عليهم المعجزات .

 

هذه القصة تخالف أيضاً ما ورد في الأحاديث من أنه لن يبقى من الأحياء في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أحد بعد مضي قرن من الزمان ، بالإضافة إلى أنه يفترض أن القصة رويت في المسجد بحسب ما ورد في الروايـات ، ولو صح ذلك لشاعت بين الصحابة ولكثر ناقلوها عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، بحكم ما فيها من غرائب وإثارة وقابلية للالتصاق بالخيال والذاكرة ، وبحكم الكلام عنها في المسجد بوجود أكبر حشد من المسلمين ، في حين أنه لا مصدر للقصة في أكثر الروايات موثوقية سوى امرأة وحيدة هي فاطمة بنت قيس ، وإن كان هناك آخرين وردوا في روايات أقل موثوقية وقبولاً .

 

الاحتمال الثاني : أن الروايات صحيحة والقصة صحيحة .

 

وهنا ستبقى كل العلل المتعلقة بالمضمون قائمة ومطروحة إلا في حالة واحدة ، وهي حالة ما إذا كان الأمر يتعلق بكرامة هيأها الله لتميم ويسرها له ، بحيث تمثل الدجال من خلال الصورة التي رواها تميم ، وذلك لهدايته إلى الإسلام ولينقل تلك الحادثة للصحابة ولعموم المسلمين فتترسخ لديهم صورة الدجال ويكونون على حذر دائم من فتنته .

 

وهذه الكرامة تشابه الحالات التي تمثل فيها جبريل للصحابة على هيئة رجل . أي أنه يمكن ككرامة من الله أن يكون قد تم تمثيل الدجال على هيئة رجل مقيد في إحدى الجزر ، وأن الأمر تحقق على النحو الذي رواه تميم .

 

وهنا لا تكون القصة مصادمة للعلم ولا للعقل وليس فيها ما ينقض قاعدة الاختصاص الإلهي بعلم الغيب ، سواء بالنسبة لتميم أو بالنسبة لإخبار الدجال عن أحوال العرب والرسول وأحواله هو حين يخرج ، طالما أن الأمر يعود لكرامة هيأها الله لتميم وأن ما رآه ليس الدجال الحقيقي بل الحادثة التي تمثلت له ككرامة من الله بمثل ما تمثل جبريل للصحابة على هيئة رجل .

 

هذا هو الاحتمال الوحيد الذي يمكن أن يرفع معظم علل القصة ، وإن كانت العلة المتعلقة بالسند تبقى قائمة .

 

وهنا يمكن أن نفهم سبب قلة رواة القصة على الرغم من غرابتها والإخبار عنها في المسجد بأنه يعود لتحوط معظم مصنفي الأحاديث وتشككهم حيالها بالنظر إلى مضامينها ولغتها وتفاصيلها التي لم تكن تفهم في إطار الصورة التشبيهية التي يمكن أن تكون قد تمثلت لتميم ككرامة من الله بل كانت تفهم في إطار الصورة الحقيقية للدجال .

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل تناول بقية التعليقات ،،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

مرصد

 

للفائدة

 

هناك كتاب للشيخ د.حاكم عبيسان الحميدي المطيري

المدرس بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت

 

(( دراسة نقدية حديثية لحديث فاطمة بنت قيس في صحيح مسلم في قصة تميم الداري الدجال))

تحت الطبع

وشكرا

================================

 

 

سعيد الكثيري

 

 

مع التعليقات الأخـــيرة (3)

 

الأخ الكريم النماص عرض التساؤل الذي ورده عبر البريد حول سبب عدم تأويل شخصية الرجل الذي يكشف المسيح الدجال مثلما تم تأويل شخصية الدجال ؟.

 

والواقع أنني لم ألجأ لتأويل شخصية الدجال إلا لامتناع تحقق معناها اللغوي المباشر ووجود دلائل شرعية وعلمية وعقلية ومنطقية تقتضي الانتقال من المعنى اللغوي المباشر إلى المعنى المجازي .

 

وهذا هو الحال في سائر النبوءات والأخبار . فالأصل هو تحقق المعنى اللغوي المباشر ما لم يوجد ما يقتضي العدول عنه إلى المعنى المجازي . وقد قمت بتأويل بعض الأحداث المتصلة بالرجل الذي يكشف شخصية المسيح الدجال ، فالأحداث في موضع الرصد لا تدور بينه وبين الدجال ، بل تدور بين شهادته وفهمه وبين الفهم الذي يشيع في الفقه السائد . وبالتالي فقد تم تأويل أحداث التثبيت والجلد والشق والإعادة وإلقاء الرجل إلى حيث يظن الناس أنه ألقي الناس في النار بينما هو ألقي في الجنة .

 

الأمر الذي لا يتنبه إليه القائلون بالفهم اللغوي المباشر هو أنه بعد هذه الحادثة تنتهي أخبار فتنة المسيح الدجال وتنقطع إلى حين حدوث القضاء النهائي على فتنته في أواخر عهد المهدي وأوائل عهد عيسى عليه السلام . فأين ستذهب فتنة الدجال وعجائبه وحماره وجنته وناره طوال الفترة الفاصلة بين حادثة اكتشافه وحادثة القضاء النهائي عليه في عهد عيسى عليه السلام وبوجود المهدي ؟!!

 

ما دام المهدي سيشهد نهاية المسيح الدجال فأين هي المواجهات التي ستتم بين المهدي والدجال ؟!!

 

الواقع أنه بمجرد ظهور المهدي ستتأكد شخصية الدجال وتنطوي فتنته وسيقوم المهدي بتجديد الثقافة الإسلامية على نحو يؤدي إلى إلقاء الإسلام بجرانه في الأرض كما ورد في الأحاديث . وهذا يؤكد أن فتنة الدجال هي فتنة الحضارة الغربية ، طالما أن فتنة الدجال ستذوي وتختفي بمجرد التغيير الثقافي وبمجرد ظهور المهدي ووضع طوق المسيح الدجال في رقبة الحضارة الغربية .

 

بمجرد هذا التغيير المعرفي ستنقلب الرؤية والقناعات . وهذا هو أحد أسرار قدرة المهدي على ملء الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تكون قد ملئت ظلماً وجوراً .

 

الأخ الكريم الوسواس القهري طرح تساؤلات لأحد المشاركين ، أولها تساؤله عما إذا كنت أتوقع أن يخفي عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الفتنة ويكني عنها مجازيا ؟؟

 

والواقع أن المسألة ليست مسألة توقع بل مسألة دلائل يمكن وينبغي فحصها واختبارها وتمحيصها .

 

وبالمقابل أنا أتساءل : لو لم تعرض الصورة المجازية للحضارة الغربية فهل سيكون في الأمر فتنة أم أن ظهور الحضارة الغربية سيكون بمثابة تأكيد حي على صدق النبوة ورفع درجة الإيمان ؟!

 

ثم كيف يمكن أن يكون الإخبار عن الحضارة الغربية ؟!

 

إن الإخبار عن صورة الغرب الحديث وملامح تجربته النهضوية إما أن يتم من خلال الأسماء والمصطلحات أو أن يتم من خلال وصف المضمون .

 

ولو تم اللجوء إلى الأسماء والمصطلحات لما أمكن استيعاب الأمور الجديدة التي تشير إليها النبوءة ، إذ ما الذي يمكن الحديث عنه حول صورة الغرب الحديث وملامح تجربته النهضوية ؟!.

 

هل يتم الحديث عن سيارة ، قطـار ، طائرة ، حاملة طائرات ، ذرة ، أشعة ، هاتف ، تلفاز ، إنترنت ، كاميرا ، قنبلة ، دبابة ، مدفع ، صاروخ ، شيوعية ، علمانية ، تقدم ، حداثة .... الخ ؟.

 

إن معظم هذه الأسمـاء والمصطلحات وكل مدلولاتها التي تنصرف إليها لم توجد إلا في العصر الحديث ، بل وبعضها لم يوجد إلا خلال العقود القليلة الماضية . ولو عدنا إلى كل القواميس العربية القديمة لما وجدنا معظم هذه المصطلحات ، وما سنجده منها سنكتشف أن لـه مدلول مختلف !!.

 

وبالتالي فإن اللجوء إلى أسماء ومصطلحات لم يكن لها وجود أو ليس لها ذات الوجود في لغة وثقافة وخيال أهل العصور الماضية كان سيجعل الأخبار خارج نطاق الوعي والمدارك .

 

وبالمقابل فإن الإخبار عن صورة الغرب الحديث من خلال وصف وتصوير المضامين بصورتها المجسدة التي ستتخذها فعلاً كان سيؤدي إلى كشف الغيب قبل تحققه .

 

إن نبوءة المسيح الدجال تتعلق بفتنة لم ولن يوجد مثلها منذ خلق آدم إلى قيام الساعة ، ولو لم تكن شخصية المسيح الدجال على درجة كبيرة من الغموض والخفـاء والشبه غير المباشر بينها وبين ما ورد في الأحاديث لكان من السهل اكتشاف حقيقة تلك الشخصية وتجـاوز حالة الفتنة بأقل قدر من الصعوبة ، بل ولانقلب الأمر من فتنة كبرى إلى حافز إيماني عميق تكشف الأحاديث ملامحه وتفاصيله منذ البداية بصورة مدهشة .

 

إن التصوير المجازي تمليه ضرورات تقريب المعاني وجعلها قابلة للاستيعاب من قبل من لم يعايشوا التطورات الحديثة ، إضافة إلى الحفاظ على الصورة الغيبية وإبقائها ضمن دائرة الاختصاص الإلهي بعلم الغيب قبل تحققها وانتقال مضامينها إلى عالم الشهادة ، فضلاً عن عدم إجهاض وإلغاء حالة الفتنة أو الاختبار والامتحان .

 

وهذا هو الحال في نبوءة المسيح الدجال ، ونبوءة قرن الشيطان . فهما فتنتان ، ولذلك فإن التصوير المجازي فيهما يبلغ أقصى حدوده . ومن هنا فإن الأحاديث تؤكد أنه لن يتم اكتشاف الدجال إلا في أواخر فتنته . وحتى حين يتم اكتشافه فإن الناس لن يصدقوا هذا الاكتشاف إلا حين يتحقق ما يؤكده ويؤيده .

 

لماذا لا نطرح الأسئلة من زاوية أخرى ؟!

 

لماذا لا نسأل عن سبب اقتناع الناس بأن الصورة في نبوءة قرن الشيطان هي صورة مجازية ؟!

 

سيقال لأن قرن الشيطان لا يرى وقرنه لا يرى ، بينما الأحاديث تشير إلى أن ذلك القرن سيظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع عشر مرات أو عشرين مرة !!

 

وبالمقابل لماذا لا نتساءل عن المعجزات ؟!

 

لماذا لا نقرأ كل آيات القرآن وسيرة الرسل والأنبياء والصالحين وأحوال الكافرين والضالين لنكتشف سنن الله في المعجزات ؟!

 

معجزات الله لا تعطى لمن يدعي الألوهية مثل فرعون والدجال . ولا تعطى لأهل الكفر والفسوق والعصيان . ولا تسخر لتأييد من يدعون الألوهية أو النبوة أو يفسدون في الأرض .

 

لماذا لا نتساءل عن الواديين والنهرين والحمار الذي بين أذنيه أربعين ذراعاً وغزو الدجال وفتحه والكتابة بين العينين والخلط بين الدجال وبين الله والتمييز بينهما من خلال العينين ؟!

 

لماذا لا نتساءل عن سر خفاء الدجال طوال فتنته رغم كل عجائبه والوصف التفصيلي الوارد بشأنه ؟ ولماذا لا نتساءل عن سبب رفض الإقرار بوجوده في أواخر فتنته وعن سبب الإخبار بأن الشهادة عليه ستكون أعظم شهادة عند رب العالمين ؟!

 

إذا كنا نسلم بأن التصوير في نبوءة قرن الشيطان هو تصوير مجازي لمجرد أن قرن الشيطان لا يُرى ، فإن دلائل المجاز في نبوءة المسيح الدجال أوسع وأعمق منها في نبوءة قرن الشيطان .

 

لماذا كل هذا المجاز ؟!

 

لكي يبقى الغيب من اختصاص عالم الغيب ولا يمكن إدراكه بدقة إلا بعد تحققه وزوال طابعه الغيبي ، ولتسهيل فرص استيعاب التطورات الجديدة ، ولعدم إجهاض مضامين النبوءات التي تخبر عن الفتن .

 

الأخ الكريم صاحب التساؤلات البريدية ذكر أن موضوعي يضعني ويضعه ويضع الأمة بهذا الطرح في خانة أتباع الدجال نظراً لخفائه إلى درجة العماء عنه !!

 

والواقع أن هذا هو ما تؤكده الأحاديث ويشهد له الواقع .

 

العالم كله في قبضة الحضارة الغربية أو تحت تأثيرها منذ قرابة ثلاثة قرون .

 

الغرب يهيمن على الثقافة والعلم والفن والاقتصاد والسياسة وأدوات الحروب والمؤسسات الدولية ووسائل الإعلام ويستتبع المثقفين والحكام والشعوب والأمم إلى أبعد مدى .

 

بل ها نحن في هذا البلد الذي يعد من البلدان القليلة التي لم تخضع للاستعمار الغربي المباشر ومن أقل البلدان تأثراً بالثقافة الغربية .

 

كل الصراعات الثقافية والاجتماعية لدينا يحضر فيها الهاجس الغربي . في الإعلام وفي قضية المرأة وفي المناهج وفي الجهاد وفي الولاء والبراء وفي العلاقات التحالفية مع الدول الغربية وفي استخراج البترول وتسويقه وتحديد سياساته وفي العقود العسكرية والمدنية الضخمة .

 

كل التهم السجالية الأكثر شيوعاً هي إفراز مباشر أو غير مباشر للثقافة الغربية والحضور الغربي .

 

تهم العلمانية والليبرالية والشيوعية والتغرب والانحلال ، وتهم الرجعية والتطرف والإرهاب والتشدد وغيرها ، كلها ذات أبعاد غربية .

 

قلة من الناس نجوا من التبعية العمياء للحضارة الغربية أو الفكاك من أسرها أو مقاومتها . ومن بين هؤلاء بني تميم كما ورد في الأحاديث ( وهذه إشارة رمزية لأتباع مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التميمي ) ، حيث ورد أن بني تميم هم أشد الناس على الدجال .

 

الأحاديث لا تشير إلى أن كل الناس سيتبعون الدجال ولا تشير إلى أن كل الناس سيؤمنون به ، بل تشير إلى أن هناك من لن يؤمن به ، وتشير إلى أن بني تميم سيكونون أشد الناس عليه ، ولكن معظم الناس سيتأثرون بشبهاته ومعظم النساء سيتبعنه ، ومعظم البشر ستبهرهم عجائبه ، وهو سيطأ – إشارة إلى الاحتلال أو العمل أو السياحة – كل منطقة في الأرض عدا مكة وطرقات المدينة .

 

ورغم ذلك فنحن لسنا من أهل الفترة أو ممن يشبههم ، فالقرآن بين أيدينا والأحاديث بين أيدينا ، وفي الحضارة الغربية خير واسع وعظيم ، وفيها شر واسع ومستطير ، وجوانب الخطورة والشر فيها واضحة إلى حد كبير ، وجوانب الفائدة والخير فيها واضحة إلى حد كبير . ومن هذا الاجتماع الشديد والالتحام بين جوانب الخطورة والشر وجوانب الفائدة والخير تنبع قوة واتساع فتنة الحضارة الغربية .

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل الوقوف مع بقية التعليقات ،،،،،،

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

مع التعليقات الأخـــيرة (4)

 

الأخ الكريم صاحب التساؤلات البريدية التي نقلها الأخ الوسواس القهري تساءل عن ابن صياد ، وأشار إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل عليه النخل يريد أن يتأكد منه ، وذكر أنه لا يستقيم مع العقل أبداً أن يأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم معه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويذهب بنفسه ليسأل ابن صياد عما يرى بل ويسأله ماذا يرى ويخبىء له شيء في نفسه وهو سورة الدخان ويرد عليه ابن صياد بقوله ( الدخ ) على عادة الكهان حيث أن شياطينهم لا يعطونهم إلا نصف الكلام إلى أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا عمر ( إن يك هو فلن تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله )

 

وتعليقنا على ذلك هو أنه لا يعلم الغيب لا نبي مرسل ولا ملك منـزل .

 

والآيات القرآنية تشدد على أنه لا يعلم الغيب إلا الله .

 

ورغم ذلك فإننا نميز بين موقف الرسول من ابن صياد وموقف الصحابة منه .

 

فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن - حسب اعتقادنا - أن يكون قد شك في ابن صياد . إذ كيف يمكن أن يشك في رجل مولود وموجود في المدينة وهو الذي أخبر أن المدينة محرمة على الدجال وأنه لا يطأ نقابها ( طرقاتها ) وأنه سيخرج من خراسان ومن فتحة بين الشام والعراق ويخرج بعد فتح القسطنطينية وسيكون خروجه من غضبة يغضبها ، كما أخبر أن المسلمين سيغزونه ويفتحونه ؟!.

 

نحن نفهم موقف الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه تشريع للموقف الذي ينبغي اتخاذه بشأن التفسير اللغوي المباشر الذي تنبئ عنه الأحاديث ، حيث ينبغي إخضاعه للفحص والتأمل والتدقيق بمثل ما تأمل الرسول حال ابن صياد .

 

وإن قلنا بغير ذلك فنحن ننسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عدم علمه بالدلالات الواضحة للكثير من الأحاديث التي أخبر فيها عن الدجال .

 

أما بعض الصحابة الذين شكوا في ابن صياد فهذا هو الفهم الأولي الذي تسمح به أحاديث المسيح الدجال ، وإن كان موقفهم يدل على أن الأحاديث الواردة بشأن الدجال كانت أحاديث آحاد متفرقة لديهم ، وإلا فإن التساؤل الذي طرحناه بشأن موقف الرسول صلى الله عليه وسلم يثور بصورة جزئية بشأن موقفهم . إذ كيف يمكن الشك في ابن صياد بينما الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن المدينة محرمة على الدجال وأنه لا يطأ نقابها ( طرقاتها ) وأنه سيخرج من خراسان ويخرج بعد فتح القسطنطينية ...... الخ ؟!.

 

الثابت من مجمل الأحاديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد ترك مسألة تفسير أحاديث الدجال للمسلمين ، بدليل تأمله لأحوال ابن صياد رغم أن الواقع ينفي كون ابن صياد هو الدجال ومجمل الأحاديث تناقض ذلك أيضاً ، وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم عن الدجال " إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن يخرج بعدي فحجيجه كل مسلم " ، وبدليل تهوينه من مسألة معجزات الدجال حين قال لمن استكثر معجزاته من الصحابة " هو على الله أهون من ذلك " وهذه قد تكون دلالة غير مباشرة على أن الدجال لن يؤتى المعجزات ، بل سيكون معه ما يشبه المعجزات ( المكتشفات والمخترعات ) ، وبدليل تبشير المسلمين بغزو الدجال وفتحه .

 

مجمل هذه الأحاديث والمواقف تؤكد أنه أريد لمسألة الدجال أن تخضع للبحث والاجتهاد وفحص كل الاحتمالات الممكنة . والتشريع العملي الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابن صياد يعد تجسيداً لهذا الموقف الاجتهادي الذي أريد للمسلمين أن يتبعوه بشأن مسألة الدجال .

 

الأخ الكريم صاحب التساؤلات البريدية علق على مسألة معجزات الدجال بأنه لن يدعي النبوة بل سيدعي الألوهية . والواقع أن هذه الحجة أدعى في حجب ومنع المعجزات عنه !!

 

إن ادعاء الألوهية أشد مصادمة للإيمان من ادعاء النبوة . فهل يثاب مدعي الألوهية بأن يؤتيه الله المعجزات التي تفوق معجزات الرسل والأنبياء ، وهل يثاب بتسخير معجزات الله لإضلال البشر وتحدي الله والدلالة على غيره ؟!

 

فرعون ادعى الألوهية . فهل أعطاه الله المعجزات وسخرها لتأييد ادعاءاته وأوهامه وضلالاته ، أم أنه سلط عليه المعجزات والعقاب والغرق وشن عليه أوسع وأقوى حملة قرآنية ؟!!!

 

الأخ الكريم يشير إلى أنه يكفي المسلم أن يرى الدجال وهو بشكله الأعور المتنافر ليكذب دعواه ، وخصوصاً عجزه عن إزالة عور عينه !!

 

والمشكلة يا أخي أن الناس – كل الناس – لن يعرفوا الدجال ، وسيحتاج الأمر في أواخر فتنته إلى ظهور رجل يدعي أن الدجال موجود ويشهد عليه ، ورغم ذلك فإن الناس لن يصدقوه .

 

المشكلة في هاتين العينين التي ترى أنه يكفي الناس أن يروها ليكتشفوا كذبه ، بينما الأحاديث تشير إلى أن الناس سيخلطون بين الله وبين الدجال وأن أهم وسائل التمييز بينهما ستكون العينين . فهل يمكن للبشر أن يخلطوا بين الله وبين رجل أعور ثم تكون وسيلة التمييز بينهما هي العينين ؟!!

 

مهما تأملنا الأمر يا أخي فسنجد الدلالات تظهر من كل جانب لتؤكد بأن الصورة الواردة بشأن الدجال هي صورة تشبيهية للحضارة الغربية . ومن أجل ذلك لن يعرف الناس الدجال حتى أواخر فتنته ، وستكون العينان مصدراً للخلط بين الطريق إلى الله والطريق إلى الإلحاد ، وستعطي المكتشفات والمخترعات مصداقية للغرب وحضارته وثقافته كما أعطت المعجزات مصداقية لرسالات الرسل والأنبياء ودعوات الصالحين .

 

الأخ الكريم أشار إلى خصوصية سورة الكهف بما أشارت إليه من معجزات تهون من أمر معجزات الدجال . والواقع أنه ليس في الطرح الذي طرحه الأخ الكريم بشأن سورة الكهف أية خصوصية تفسر سر وجود آيات قرآنية تعصم من فتنة الدجال .

 

فكل ما أشار إليه الأخ الكريم هو من المعطيات والمعاني الدينية العامة التي تتحقق في الكثير من سور القرآن ، بينما الأحاديث أشارت إلى أن هناك آيات قرآنية محددة تعصم من فتنة الدجال .

 

وقد قدمنا من خلال هذه المشاركة تحديداً للآيات المقصودة . ونزعم أنه لن يكون بإمكان أي قارئ أن يفهم الدلالات العميقة التي تم عرضها مالم يطبقها على الحضارة الغربية ويفهما في إطار هذه الحضارة . وهذا هو ما يكسب تلك الآيات خصوصية تتفق مع ما ورد في الأحاديث بشأن العصمة من فتنة الدجال . أما الدلالات التي أشار إليها الأخ الكريم فهي دلالات عامة ومتكررة في العديد من السور القرآنية وتصلح للاحتجاج بها ضد كل طرح غير إيماني سواء كان يخص المسيح الدجال أو غيره .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

نحو فك طلاسم النهوض الغربي (1)

 

إن ما يُحدِث التغييرات لدى البشر ويشكل وعيهم وأفكارهم وتصوراتهم هي الثقافات . وبمثل ما أن التغييرات الإيجابية ترتبط دوماً بالثقافة والفكر فإن التغييرات السلبية والفتن ترتبط أيضاً بالثقافة والفكر .

 

هذا هو الحال عموماً مع الأديان والثقافات العالمية الكبرى ، مثل الثقافة اليونانية والثقافة الإسلامية التراثية والثقافة الغربية الحديثة . وهذا هو الحال أيضاً مع الأفكار والثقافات الخاصة مثل فكر الخوارج والمعتزلة والأشاعرة والشيعة والباطنيين والسلفيين ، ومع الفكر الليبرالي والماركسي والوجودي والفاشي والنازي .

 

التغييرات الإيجابية والسلبية تنبع دوماً من الفكر والثقافة . وعلى امتداد التاريخ شهد البشر ثلاث ثقافات عالمية غيرت أفكارهم وتسربت إليهم وأثرت فيهم إلى أبعد مدى ، وهي الثقافة اليونانية ، والثقافة الإسلامية التراثية ، والثقافة الغربية الحديثة . ومهما تم الاستقصاء حول الثقافات العالمية الكبرى التي أثرت في البشر وتجاوزت حدود أهلها بقوة وأسهمت في استقطاب الآخرين وتطوير الحياة البشرية فإننا لن نجد ثقافات عالمية مؤثرة وقائدة غير هذه الثقافات . أما بقية الثقافات فقد كانت مستقبلة ومتأثرة وتابعة وإقليمية وسهلة التغيير وقابلة للاندثار والانطواء .

 

ما الذي سيحدث بعد الثقافة اليونانية ثم الثقافة الإسلامية التراثية ثم الثقافة الغربية الحديثة ؟!

 

ستعود الثقافة الإسلامية بمضامين جديدة وعصرية ، وإلا فلن تعود . ونصوص الوحي تؤكد هذه العودة وتبشر بها . وهنا يظهر مدلول فتنة المسيح الدجال ومدلول القضاء عليها .

 

مثل هذه المقولات تدعو للضحك والقهقهة عند المذعنين للثقافة الغربية ، والذين تحركهم دوافع عديدة ومتنوعة . ورغم أن المنتسبين إلى طائفة المثقفين يحركهم الهمًّ النهضوي إلا أنهم أصبحوا غارقين في فوضى التفاصيل ومأسورين بالأطر العامـة التي رسمتها الثقافة الغربية للعقل ، الأمر الذي يجعلهم غير قادرين - عقلياً ونفسياً - على تجاوز تلك الأطر وإعادة النظر في الكثير من الانطباعات والمسلمات المغلوطة التي فرضها انتصار الثقافة الغربية واستمرار وتعاظم وهج منتجاتها .

 

والواقع أنه لا بد من الإقرار ابتداءً بأن الثقافة الدينية في مجملها تختلف عن الثقافة العلمانية ، سواء من حيث المنطلقات أو الأولويات أو المعايير .

 

إن الحديث عن الدين هو في المقام الأول حديث عن الإيمان بالله ثم حديث عن حسن العبـادة وبعد ذلك يأتي الحديث عن القضايا الدنيوية ومن بينها قضية النهوض .

 

وبقدر ما هو مهم استحضار هذه الحقيقة عند أي حديث عن الدين فإن من المهم استحضارها عند أي حديث عن الدنيا من منطلق ديني . ورغم ذلك فإننا لا نجد حرجاً في الزعم بأنه حتى حين يتم استبعاد منطلقات وأولويات ومعايير أية ثقافة دينية فإنه يوجد الكثير من الأوهام والانطباعات الخاطئة والمسلمات المضللة التي تكاد تطبع وعي الجميع حول الثقافة الغربية . وإذا صح ذلك فإن كشف تلك الأوهام والأخطاء يعد من الأولويات التي ينبغي أن تتجه الجهود نحوها بكل قوة . وحيث أن تحقيق ذلك يحتاج إلى الكثير من الجهود العلمية التراكمية فإننا نكتفي في هذا المقام بمحاولة تقديم إضاءات سريعة وموجزة حول هذا الجانب ، وذلك في الحدود التي تؤكد صحة ما زعمناه .

 

نبدأ حديثنا عن الأوهام والأخطاء الشائعة من خلال الإعراب عن قناعتنا التامة بأنه لا صحة لوصف الحضـارة الحديثة بكونها حضارة غربية . ذلك أن وصف الحضارة - في تقديرنا - إنما يصدق على حقائق ومنجزات العلم البشري وجوهر القيم الإنسانية السامية ، وذلك بعد استبعاد ثقافات الشعوب والأمم . إن المنجزات الحضارية لا تتباين ، كما أنها لا تتحقق على نحو واسع إلا عبر سلسلة من التراكمات المعرفية والرأسمالية التي تسهم عوامـل عديدة - من بينها الثقافة - وتسهم العديد من الشعوب في تحقيقها ، حتى وإن حدث ذلك بغير إرادة تلك الشعوب أو حدث بصورة غير حضارية .

 

ورغم أن شعوب منطقة أوروبا الغربية وامتداداتها قد أسهمت في تقديم معظم منجزات الحضارة الحديثة إلا أن ذلك لا يلغي إسهامات بقية الشعوب . فعلى صعيد التراكمات المعرفية أسهمت العديد من الشعوب في توفير إمكانية تحقيق تلك التراكمات ، وخصوصاً الشعوب التي قدمت الثقافتين اليونانية والإسلامية اللتين وفرتـا فرصة البناء عليهما واستثمار الكثير من معطياتهما ، حتى وإن حدث ذلك بالقطيعة مع بعض أهم ما تحملانه .

 

وعلى صعيد التراكمات الرأسمالية كانت معظم أراضي الشعوب الأخرى مصـدراً هاماً وأساسياً للمواد الأولية والعمالة المجانية ، وفي بعض الأحيان لم تكن تلك الأراضي مصدراً للثروات والمواد والعمالة فقط بل كانت أيضاً موطناً وأفقاً وفضاء ، كما حدث في حالات الاستيطان .

 

على أن المنجزات الحضارية تظل حيادية المضمون وتقدمية الطابع وتصاعدية الاتجاه ، كما أنها تتجاوز الخصوصيات وتقبل إسقاط معيار الصحة على جانب منها ( الجانب العلمي ) ومعيـار العالمية على جانبها الآخر ( الجانب القيمي ) . وكل هذه السمات هي على النقيض من سمات وخصائص الثقافات ، وهي تؤكد حقيقة وجود حضارة إنسانية واحدة تستفيد من العديد من الثقافات والتجارب النهضوية .

 

إن من بين أبرز سلبيات وعينا ذلك الربط الآلي والتلقائي والمطلق بين الثقافة والمنجزات الحضارية . وعلى الرغم من عظم وضخامة الدور الإيجابي الذي تؤديه الثقافة خلال مراحل التأسيس النهضوي فإنها بعد إكتمال تلك المراحل تصبح ذات دور عادي أو متواضع ، وفي بعض الأحيان تصبح - في عمومها - ذات دور سلبي ضخم وواسع وكثيف .

 

سنتناول لاحقاً أهم التفاصيل المتعلقة بهذا الجانب . وإلى أن يحين أوان ذلك فإننا نود الإشارة إلى عامل قدري يدفع ويقود نحو تحقيق المنجزات الحضارية أو يعيق تحقيقها ويحول دونه ، وهو العامل الطبيعي المادي . ونعني به الثروات والمواد الأولية وجغرافية المكان بما في ذلك تضاريسه ومناخه وموقعه إلى غير ذلك من التفاصيل . ونحن إذ نشدد على دعوة من يهملون هذا العامل أو يذهلون عنه إلى تأمل وتدبر مختلف جوانبه وقراءة الكتب والأبحاث المتخصصة التي تناولته فإننا نرى أن هذا المقام لا يسمح سوى بتقديم إضاءة سريعة حوله .

 

إن هذا العامل يسهم في إنتاج العامل الثقافي الذي قد يعمي الأبصار ويزيف الوعي بشأن قضية النهوض . وحتى حين يوجد عامل غيبـي مباشر يسبق العوامل الطبيعية أو لا يتولَّد عنها ( الوحي ، المعجزة ، الكرامة ) فإن هذا العامل سرعان ما يفقد جلَّ آثاره النهضوية الإيجابية حين لا يتوافر لـه القدر الكافي من العوامل الطبيعية المادية .

 

لقد ارتبطت أهمية هذه العوامل في أذهان الكثيرين بالدور الذي تلعبه الثروات على اختلاف أنواعها . ونحن إذ لا نقلل من أهمية هذا الدور فإننا نود لفت الأنظار إلى الدور الأهم والأعظم والأعمق الذي تلعبه تلك العوامل ، وهو دورها في صياغة السمات والاهتمامات والأمزجة والطباع . ذلك أننا مهما بحثنا خلف هذه الجوانب فإننا نجد دوراً جوهرياً تلعبه العوامل الطبيعية المادية . هذا الدور نجده في الخمول والحركة ، في الاستسلام والتحدي ، في الإيثار والأنانية ، نجده في سائر الاهتمامات ونجده في الإنتاج الثقافي والإنتاج الاقتصادي . نجد إسهامه في ترتيب الأولويات على ضوء الحاجات ونجد إسهامه في بلورة وصياغة سلم القيم .

 

إن العامل الثقافي بمفرده قد لا يسمح بالحديث عن معادلات صارمة حول إمكانية أو عدم إمكانية تحقق النهوض ، أما العوامل الطبيعية المادية فهي تسمح بالحديث عن أكثر من معادلة صارمة على هذا الصعيد ، وهو ما يؤكد الطابع القدري الواسع والحاسم والعميق لقضية النهوض ، وإن كانت مكتسبات ومنجزات العلم البشري تسمح بالتخفيف من هذا الطابع وتوفر فرصة الارتقاء المستمر بحدود الإمكانات البشرية وآفاقها وممكناتها .

 

إن العوامل الطبيعية المادية قد تسمح بالنهوض أو تعيقه بصورة حاسمة حين تتخذ صورة عوائق قابلة للتذليل أو عوائق غير قابلة للتذليل أو صورة ظروف محفزة تدفع نحو التطوير والنمو . كما أن طابع الاستمرارية الذي تتسم به هذه العوامل في معظم حالاتها قد ييسر أو يجهض بصورة حاسمة فرص حدوث التراكمات المعرفية والرأسمالية اللازمة للنهوض وتحقيق المنجزات الحضارية .

 

وفضلاً عن ذلك فإن طابع الاستمرارية يوفر لآثار هذه العوامل جوانب الرسوخ والعمق والاستقرار التي تميزها ، وهو ما يسهم في بلورة وصياغة الكثير من العادات والتقاليد ويجعل مهمة تغييرها من أصعب المهام ، سواء كانت تلك العادات والتقاليد نهضوية أو كانت عكس ذلك .

 

وإذا كانت العوامل الطبيعية المادية تسمح لنا عبر كلمات معدودة أن نضع النهوض ضمن معادلات صارمة تقضي بإمكانية أو عدم إمكانية تحققه فإنه يصبح من العبث تجاهل الدور المحوري الذي تلعبه تلك العوامل على صعيد قضايا النهـوض والتقدم وتحقيق المنجزات الحضارية . فكيف بالحال حين يجري رد هذه القضايا بصورة مطلقة ونهائية إلى عامل وحيد هو عامل الثقافة الذي إن لم تسهم العوامل الطبيعية المادية في تحققه فهي تسهم في استمراره وتطـوره أو إجهاضه وإعاقته ؟!.

 

إنه حتى على صعيد العامل الثقافي فإن الثقافة التي تدفع وتقود نحو تحقيق المنجزات الحضارية هي فقط ثقافة التغيير المعرفي باتجاه قيم النهوض ، وعلى رأسها قيم الولع العلمي والإتقان العملي والولاء المجتمعي . أما ما عدا ذلك من ثقافات ، وبالذات ثقافة الاستهلاك ، فإنها تعد - حين يتعاظم دورها وتتضخم مساحتها - من أكبر وأقوى عوائـق الإنجاز الحضاري .

 

ونحن لا نشك في أن المقلدين والغرباء الذين تمتلئ أذهانهم بتفاصيل الثقافة الغربية لا يحيطـون بكافة ظروف ومعطيات لحظتنا الراهنة . فهؤلاء يغيب عنهم أن الإشكاليات الثقافية الإسلامية التي تدفع البعض إلى الهجرة باتجاه الثقافة الغربية والمنتجات التنويرية التي يتم استيرادها من تلك الثقافة .

 

هذه الإشكاليات والمنتجات أصبحت في لحظتنا الراهنة إشكاليات ومنتجات نخبوية غير جماهيرية . وكل الذي بقيت الجماهير تستطيع أخذه من هذه الإشكاليات والمنتجات هو التوجه الحسي العام الذي تفرضه ، وذلك إما بزيادة التمسك بالإسلام أو النفور منه وزيادة الإذعان للثقافة الغربية أو النفور منها .

 

إن الجماهير تتعامل مع الثقافات وفق إمكاناتها وقدراتها ومؤهلاتها لا وفق إمكانات وقدرات ومؤهلات النخبة . والحـال أن الجماهير لا تكاد تشعر - ومن الصعب أن تشعر - بالإشكاليات الثقافية الإسلامية التي تؤرق النخبة ، ولا تكاد تشعر - ومن الصعب أيضاً أن تشعر - بالفارق الجوهري العميق بين الثقافة الغربية التاريخية والثقافة الغربية المعاصرة .

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل محاولة فك طلاسم النهوض الغربي ،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

 

نحو فك طلاسم النهوض الغربي (2)

 

إن الثقافة الغربية التي تغري المثقفين وتستهويهم ويحاولون الانتصار لها وترويجها هي في الغالب ثقافة القرون الماضية . ثقافة العقل . الثقافة الدافعة نحو النهوض والمحملة بقيمه الكبرى .

 

ولكن الجماهير لم تعد تستطيع أن تأخذ من هذا الجهد سوى التوجه الحسي العام الذي يفرضه وهو الإذعان للثقافة الغربية . إلا أن الجماهير لا تذعن ولا تستطيع الإذعان للثقافة النخبوية التي يروج لها المثقفون بل تستطيع وتضطر للإذعان للثقافة الجماهيرية الغربية التي تغرق العالم في الفترة الراهنة . ثقافة الأجساد والحواس والغرائز . الثقافة المغيِّبة للعقل والمحملة بنقيض قيم النهوض ، من الميدان الرياضي إلى الميدان الاستهلاكي إلى ميدان الفنون التجارية . وقد تبرع الجماهير في الإذعان لهذه الثقافة وتمثُّلها وفي استيراد ديكوراتها ومظاهرها وأحياناً حثالتها ، وهو ما حدث على امتداد معظم سنوات القرن الماضي .

 

 

ولن تكف الجماهير عن هذا المسلك إلا حين توجد دواعي الامتثال لتوجه حسي عام يقتضي التحرر من أسر مثل هذه الثقافة .

 

والواقع أنه حتى بالنسبة لثقافة التغيير المعرفي باتجاه قيم النهوض فإنه لا سبيل إلى استعارتها ، بل يظل السبيل الوحيد المجدي أمام من يحاولون الاستعارة هو العمل على إحداث التغيير المعرفي داخل ثقافاتهم الخاصة ، وذلك باتجاه قيم النهوض .

 

إن الأفق الأرحب الذي تفتحه الثقافة الغربية - ثقافة التغيير المعرفي - للآخرين الذين يتبنونها ويتمثلونها في ظل موت ثقافاتهم الخاصة أو موت جوانبها القابلة للامتداد هو أفق التبعية والإحساس بالنقص والدونية وفقدان فرص الإبداع ، ولعل هذا هو حال دول مثل دول أمريكا اللاتينية ، وهي الدول المسيحية التي تكاد تستجمع الشروط العلمانية وتمثل مستقبلنا التغريبي لو قدر لـه أن يتحقق .

 

إنه لا يكاد يلحظ في واقع تلك الدول بخلاف ثقافة الأجساد والغرائز ( الإبداع الرياضي والفنون التجارية ) سوى مشاهد الرق الثقافي وشهادات فقدان المحفزات النهضوية .

 

وقد تفتح الثقافة الغربية أفقاً آخر لآخرين يتبنى بعضهم ويتمثل الثقافة الغربية - أو على الأصح الثقافات الغربية - في ظل عدم موت ثقافته الخاصة وتعدد جوانبها القابلة للامتداد . والأفق الذي تفتحه الثقافة الغربية هنا - بالإضافة إلى أفق الحالة السابقة - هو أفق الانشطار الثقافي والتناحر الاجتماعي . ولعل هذا ، وبدرجات متفاوتة ، هو حال كل الدول العربية والإسلامية .

 

إن وصف النهوض والتقدم لا ينطبق بصورة آلية ومطلقة على كل دول الغرب .

 

فمعظم دول شرقي أوروبا وبعض دول وسطها ، وهي الدولة التي وصلت بالفكرة العلمانية إلى أقصى حدودها واعتنقت الفكرة المادية وفكرة التقدم واستهجنت المقدسات وكل ميراث الأولين . هذه الدول أو معظمها على الأقل أقل نهوضاً وتقدماً من الكثير من الدول الشرق آسيوية ، وهو ذات الأمر الذي ينطبق على بعض دول الجنوب الأوروبي .

 

إن الغرب الناهض والمتقدم بصورة لا شك فيها هـو على وجه التحديد الغرب الليبرالي وامتداداته ، وبتفاوت ملحوظ بين دولـه ، وتوجد ظروف تاريخية ومكانية مغرقة في الخصوصية أسهمت في اختلاف مستواه النهضوي عن مستوى بقية الدول الغربية .

 

ووسط زحام أحلام الآخرين النهضوية يظل هنالك حقيقة كبرى تغيب عن أذهان الكثيرين ، وهي أن العوامـل التي تتسبب في إطلاق نهضة معينة لا يمكن أن تتسبب في إطلاق نهضة أخرى ، فعوامل النهوض لا تتكرر أبداً ولا تُستورد أو تُستنسخ ، وحتى لو أمكن استيرادها أو استنساخها فإنها في الغالب تتحول إلى عوامل إعاقة تقود إلى تعزيز التبعية وتعميق الفجوة النهضوية التي تفصل بين التابعين والمتبوعين . ولعل التجارب النهضوية الشرق آسيوية تقدم أمثلة حية تدعم وتؤيد هذه الحقيقة . فماذا تقول تلك التجارب ؟

.

تقول إن الدول الشرق آسيوية متواضعة ثقافياً وفلسفياً وفكرياً وإعلامياً وأدبياً وفنياً ، وأن بينها دول ليبرالية أو شبه ليبرالية مثل اليابان وكوريا الجنوبية ، ودولة شيوعية أو شبه شيوعية مثل الصين ، ودولة إسلامية أو شبه إسلامية مثل ماليزيا ، إلا أن كل هذه الأبعاد والتفاوتات لم تحل دون تحقيق تلك الدول طفرة تقنية هائلة تجاوزت بها الكثير من الدول الغربية ، وذلك خلال بضعة عقود !!.

 

وحين نحصر رؤيتنا في البعد الاقتصادي ونأخذ بالاعتبار عمر التجارب ومدى وجود الثروات الطبيعية ودرجة الاستفادة من استعمار الآخرين أو استيطان أراضيهم فإنه يحق لنا القول بأن التجارب النهضوية الشرق آسيوية تفـوق وتتخطى كل التجارب الغربية !!.

 

والسر لا يكمن في الاندفاع نحو ثقافة الاستهلاك والانسلاخ من الذات والنفور من مكوناتها وتبني الليبرالية الأخلاقية ، بل يكمن في الصورة التي اتخذتها العوامل القدرية ذات الصلة الكلية بعالم الشهادة ، والتي تدور بصورة أساسية حول الظروف التاريخية الاستثنائية وتأثير العوامل الطبيعية .

 

وإذا كان لنا أن نختزل الموضوع في أبرز وأهم عوامله فإننا نقول : إن الطفرة التقنية الشرق آسيوية تعود إلى الولع بعالم الأشياء وبالإبداعات الملموسة والمجسدة وقبول واحترام الأعمال الحرفية التي هي بمثابة الصورة الأولية للأعمال التقنية .

 

هذه السمات والاهتمامات التي ترسخت عبر القرون وفرت العوامل والمحفزات والإغراءات اللازمة لولوج عالم التقنية ، ومنتجات التجربة الغربية وفرت الوقود اللازم لاستثارة وتطوير وتسريع ذلك الولوج لدى من تنبهوا إليه وأحسنوا استثماره .

 

 

فلنحاول الآن فك طلاسم التجربة الغربية ، وذلك من خلال الحديث عن محفزات تلك التجربة ومدى إمكانية استفادة الآخرين منها . ولنتنبه إلى أن الأمر هنا متعلق أيضاً بصورة أساسية بالوضع الذي اتخذته العوامل القدرية ذات الصلة الكلية بعالم الشهادة .

 

إن تحقق الجماهيرية للصراع الذي حدث بين العلم وثقافة القرون الوسطى الأوروبية والنمو المطرد لذلك الصراع ولدواعيه ونتائجه هما أعظم المحفزات النهضوية الغربية على الإطلاق . وكما هو واضح فإنهما محفزان مرتبطان بظرف تاريخي استثنائي لن يتكرر .

 

لقد سادت ثقافة القرون الوسطى الأوروبية بعد قرون من موت الثقافة اليونانية أوروبياً . والواقع أنه بسيادة تلك الثقافة كانت تسود معظم نقائض قيم النهوض .

 

إن بعض المعطيات الأساسية لتلك الثقافة والكثير من جوانب صورتها التاريخية التي عرفتها أوروبا تصادم ، وبصورة حقيقية وجوهرية ، بعض بداهات العقل واحتياجات الفطرة . ولقد حظيت تلك المعطيات والجوانب بالانتشار على الصعيد الأوروبي وحظيت بدرجة عالية من الرسوخ والاستقرار والقداسة .

 

وحين تنتشر بين الناس وتترسخ ثقافة تفتقر إلى الكثير من مقتضيات إشباع الاشتياقات والمحاكمات العقلية والكثير من متطلبات حسن إكمال المسيرة البشرية ومواجهة أسئلة ومحمولات التغير والتحول ، فإن فرص ودواعي الخروج عن تلك الثقافة تتعدد وتتعزز وتتعاظم ، والأهم من ذلك أن الخروج يكون بالضرورة خروجاً باتجاه ما تفتقده الثقافة المتأصلة وتفتقر إليه .

 

والواقع أنه على الصعيد الأوروبي لم يتعلق الأمر فقط بمفقودات الثقافة السائدة بل انصب أساساً على مجيء ما يعد بمثابة نقيضها في جانب كبير وأساسي منه ( معظم الثقافة اليونانية وجزء من الثقافة الإسلامية ) إضافة إلى أن بوادر الأهمية التي بدأ الموقع الأوروبي يكتسبها أخذت تعمل على الحفز باتجاه ذلك النقيض . فكيف بالحال حين تتعذر إمكانات المصالحة والمزاوجة والتوفيـق بين النقيضين ويتنامى دور محفزات المكـان لمصلحة النقيض الجديد ؟. ترى هل يمكن الشك حينئذ في حـدوث الخروج وفي تعاظمه أو العجز عن إدراك معالمه واتجاهاته ؟!.

 

إن فرص ودواعي الخروج عن الثقافة المتأصلة تظل محدودة وهشة حين تكون إغراءات ومحفزات الخروج متواضعة وغائمة ، أما حين تتجسد تلك الإغراءات والمحفزات في الآفاق التي ترسمها ثقافة تحمل درجة عالية من النضج العقلي والفطري وفي الوقائـع التي تفرضها التطورات المكانية المتتابعة فإن الخروج يتحول بعد مصادمات ومعارك لا مناص منها إلى توجه عام يستقطب الكثيرين ، وتتحول الثقافة المتأصلة - من خلال تواضع قواها وانعدام فرص تطويرها ومن خلال قسوة المدافعين عنها وضعف منطقهم - إلى قوة دفـع قصوى باتجاه ثقافة الخروج .

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل محاولة فك طلاسم النهوض الغربي ،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

نحو فك طلاسم النهوض الغربي (3)

 

لنتذكر أن المرحلة التي نتحدث عنها هي المرحلة التي سبقت انتشار أفكار الإصلاح الديني وتبلور فكرة العلمانية .

 

 

إننا نتحدث عن وضع ما قبل شيوع الملهيات وما قبل طغيان فنون الحس والغريزة ووسائل نشرها وعن وضع ما قبل ظهور معظم ألوان الرياضة والاستهلاك والمحفزات الترفيَّة وقنوات الربح السريع .

 

في ظل ذلك الوضع التاريخي المليء بمحفزات الاهتمامات والتطلعات الجادة التي تسندها التطورات المكانية المتلاحقة وفدت معظم ثقافة الخروج إلى أوروبا عن طريق المسلمين ، سواء من خلال ترجماتهم وكتاباتهم أو من خلال وهج حضورهم في الأندلس وصقلية وغيرهما .

 

 

وإذا كانت إبداعات ابن الهيثم وابن البيطار وابن النفيس وابن خلدون وابن رشد وغيرهم قد ذوت على الصعيد الإسلامي لأنها لم تجد المناخ الذي يدفع باتجاه الاهتمام بها ونشرها وتعميقها وتوظيفها وتطويرها فإن المناخ الأوروبي جاء على نحو مختلف ، فبعد أن اصطدمت الثقافة السائدة المسدودة الآفاق بثقافة الخروج كان من الطبيعي أن تنمو التوجهات والتطلعات العقلية وأن يحدث اندفاع نحو الاهتمام بأقل الإبداعات والاكتشافات وأهونها .

 

وعلى هذا النحو ، وبصورة تدريجية ومتتابعة ، بدأت الإبداعات البسيطة والاكتشافات المتواضعة تطفو إلى السطح وتسهم في محاصرة التوجهات القديمة وتعميق التوجهات الجديدة ونشرها ورسم معالم آفاق جديدة أمامها . وهكذا تهيأت أمام الأوروبيين مختلف الشروط والمحفزات اللازمة لبدء رحلة تجاوز معطيات الثقافتين اليونانية والإسلامية .

 

وإذا كان ظهـور أولى الاكتشافات الكونية الكبرى يعد المحمول الأكبر والأهم في هذا السياق - حتى وإن لم يكن الاكتشاف جديداً من الوجهة التاريخية - فإن المناخ والمعطيات القائمة قادا نحو وضع العلم في مواجهة غير قابلة للمصالحة والمزاوجة والتوفيق مع جانب كبير وأساسي من معطيات الثقافة السائدة ، الأمر الذي أكسب الصراع مزيداً من الجماهيرية والحدة والضراوة ، وهو ما كانت حصيلته توفير إمكانية إحداث قطيعة مع ذلك الجانب من الثقافة السائدة وزيادة قوة الدفع العلمي وإكساب العلم طابعاً رسالياً متعدد الأبعاد ومفتوح الآفـاق .

 

وسواء تحدثنا بعد ذلك عن اكتشافات جاليليو ونيوتن وصولاًَ إلى أينشتاين أو تحدثنا عن الكشوف الجغرافية المتعددة والمتتالية أو تحدثنا عن الظهور البطيء والمتدرج للمخترعات التقنية التي كانت تتجسد أمام أعين الجماهير كنماذج لحجج أهل الصراع القائم أو تحدثنا عن الآثار التي أحدثها شيوع الطباعة أو تحدثنا عن أفكار الإصلاح الديني وفكرة العلمانية ومبادئ الثورة الفرنسية أو تحدثنا عن إبداعات بقية الفلاسفة والمفكرين والعلماء فإن المحفز النهضوي الأكبر الذي يقف خلف كل هذه التطورات والمنتجات يبقى متمثلاً في الجماهيرية الواسعة والمتعاظمة التي حظي بها الصراع بين العلم وثقافة القرون الوسطى الأوروبية والنمو المطرد لدواعي ونتائج ذلك الصراع .

 

وإذا صح أن هذا هو المحفز النهضوي الأكبر في تاريخ التجربة الغربية فإن من واجبنا أن نتساءل حول ما تبقى للثقافة الغربية من هذا المحفز كي تقدمه للآخرين ؟.

 

الواقع أنه حتى بالنسبة للدول المسيحية غير الغربية فإن الثقافة الغربية لم تعد تملك ما يمكن تقديمه من هذا المحفز غير منتجاته الجاهزة للاستهلاك والأفكار التي أسهمت في حلِّه وتجاوزه ، وعلى رأسها فكرة العلمانية .

 

إنه لا يكاد يوجد ما هو أسهل من استنساخ أفكار الإصلاح الديني وفكرة العلمانية في دول مثل دول أمريكا اللاتينية ، إلا أن هذه الأفكار تفقد جلَّ قواها ومعانيها وقابليتها للشيوع والتحفيز العلمي والعقلي في غيبة ذلك التاريخ الأوروبي غير القابل للاستنساخ أو التجدد .

 

ذلك التاريخ الأوروبي الخاص قاد إلى محفز نهضوي آخر لا يتحقق لغير الغربيين وهو الريادة النهضوية . إنه لا يكاد يوجد لدى العالم والفيلسوف والمبدع وكل موهوب حلم يفوق حلمه في تسجيل اسمه على صفحات التاريخ . والريادة النهضوية تشحذ هذا الحلم وتسهل فرص تحقيقه وتوفر للحالمين أقصى درجات القوة المعنوية وتحررهم من أسر تقليد الآخرين أو التبعية للسابقين .

 

هذا ما جنـاه ويجنيه الغربيون بفضل ريادتهم النهضوية ، فما الذي تعرضه الثقافة الغربية على الآخرين من هذا المحفز ؟. إنها تعرض عليهم نقيضه . تعرض عليهم التلمذة والرق الثقافي والتبعية النهضوية ، ومن ثم مضاعفة العوائد المادية والمعنوية التي يجنيها الغربيون من الريادة والتبعية على حد سواء .

 

العوامل الطبيعية المادية كان لها دور جوهري في تحقق التجربة الغربية ، سواء من خلال ظروف ومعطيات القارة الأوروبية - سلباً وإيجاباً - أو من خـلال ظروف ومعطيات المناطق التي تم استعمارها أو استيطانها .

 

ورغم أنه يمكن الحديث عن العديد من الجوانب على هذا الصعيد فإننا نكتفي بالتساؤل عن المساحة التي تخصصها الثقافة الغربية للحديث عن هذه الجوانب ونعيد التذكير بذلك الانطباع المغلوط الذي يردُّ قضايا النهوض والتقدم وتحقيق المنجزات الحضارية إلى عامل الثقافة فقط ؟.

 

ترى ، هل يصح الوقوف عند هذا الحد في الحديث عن محفزات التجربة الغربية ؟.

الواقع أنه يوجد صنف من المحفزات لم يتم الحديث عنه بعد ، وهو صنف يمكن إدراجه تحت عنوان " الظروف الاستثنائية " . وسنتحدث عن ظرفين منها تحققا في محيط التجربة الغربية .

 

الظرف الأول هو : عدم اصطدام الأوروبيين بعد انطلاق نهضتهم بآخرين أقوياء ومتماسكين .

 

صحيح أن الأوروبيين اصطدموا بالإمبراطورية العثمانية ، إلا أن تلك الإمبراطورية لم تكن تملك سوى القوة العسكرية والقوة العقائدية ، فقد ظهرت بعد توقف مسيرة النهضة الإسلامية والدخول في طور الجمود والانحدار الدنيوي . ورغم ذلك فإن الأوروبيين ربما استفادوا من هذا الاصطدام أكثر مما خسروا ، فقد أثار فيهم دواعي الوحدة والتحدي واستثار فيهم مكامن الهوية ودفعهم نحو تعزيز قدراتهم العسكرية ، ومن ثم فقد أضيفت هذه الفوائد إلى قوى الدفع النهضوي الوليدة . وبذلك تهيأت السبل أمام الأوروبيين للاصطدام بعالم ضعيف ومفتت .

 

لقد واجـه الغرب ولازال يواجه آخرين ضعفاء ومتفرقين ، وهؤلاء يواجهـون آخر يزداد قوة وهيمنة ويعرض عليهم - وفي كثير من الأحيان يفرض عليهم - التبعية والرق الثقافي .

 

أما الظرف الاستثنائي الآخر الذي نود الحديث عنه فقد تحقق خلال القرن العشرين . قرن المتناقضات الكبرى البالغة الغرابة . القرن الذي شهد عدداً ضخماً من الفتوحات والنقلات والتطورات الكبرى على الصعيدين العلمي والتقني ، وشهد أيضاً حروباً ساخنة وباردة استغرقت معظم سنواته كما شهد تواضعاً شديداً - وأحياناً إملاقاً شديداً - على الصعيد الفكري وانشطاراً ثقافياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً نبع من الغرب وامتد إلى العالم .

 

لاحقاً بمشيئة الله نواصل العمل على فك طلاسم النهوض الغربي ،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

النماص

 

ارجو اضافة مشاركتي هذه الى موضوع الاخ سعيد الكثيري يشهد الله سبحانه بأني كنت حاضرا الاحداث التي وقعت في موقع الوسطية وكنت احد المتابعين والان وبعد اكثر من سنتين من متابعة طرح الا سعيد او زائر الوسطية تزداد قناعتي بما يقول وكل يوم تستقر هذه القناعة أكثر خصوصا بعد مناقشات مستفيضة مع الاخوة هنا في بلاد الغرب الدجال حيث نعايش دجلهم وكذبهم ونري تحقق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم يوميا الاخ سعيد جزيت خير الجزاء ولك كل الحب والتقدير أحيي فيك صبرك وحكمتك وجلدك في الدفاع عما تطرح .

 

(من أستراليا)

=========================

 

النماص

 

 

رد آخر :

 

لقد جاء وصف الدجال بأنه شاب آدم اللون جعد الشعر فهل تنطبق هذه الأوصاف على الحضارة الغربية؟!!

بل جاء تشبيهه برجل حي يعرفه الصحابة.. بعبد العزى بن قطن..فهل هو يشبه الحضارة الغربية؟!!

الأخ سعيد يستبعد أن تأتي فتنة تفوق فتنة الغرب فهل اطلع الغيب

رجل يأمر السماء فتمطر مباشرة والأرض أن تخرج كنوزها مباشرة..أليس يفوق فتنة الغرب التي معجزاته غير مباشرة بل أسباب حصولها عادية ؟!!

تنبيه: الأخ سعيد يذهب إلى عدم صحة حديث تميم الداري بحجة الحديث المشهور (( أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة لم يبق على ظهر الأرض أحد ممن هو عليها اليوم ))

وهذا ليس فيه حجة لأنه قد أستثني الدجال من العموم بنص حديث الجساسة كما قال الإمام الشنقيطي رحمه الله ونصه ( لأن الدجال أخرجه دليل صالح للتخصيص .. وهو حديث ثابت في الصحيح من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها سمعت النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول –ثم ذكر نص الحديث - فهذا نص صحيح صريح في أن الدجال حي موجود في تلك الجزيرة البحرية المذكورة في حديث تميم الدارمي الذكور وإنه باق وهو حي حتى يخرج في آخر الزمان وهذا نص صالح للتخصيص يخرج الدجال من عموم حديث موت كل نفس في تلك المائة والقاعدة المقررة في الأصول أن العموم يجب إبقاؤه على عمومه فما أخرجه نص مخصص خرج من العموم وبقي العام حجة في بقية الأفراد التي لم يدل على إخراجها دليل ) أضواء البيان ج3ص337

وأما انه لم يروه الافاطمة بنت قيس فغلط فقد رواه جابر بن عبد الله عند أبي داود برقم 4328 عن جَابِرٍ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ على الْمِنْبَرِ إنه بَيْنَمَا أُنَاسٌ يَسِيرُونَ في الْبَحْرِ فَنَفِدَ طَعَامُهُمْ فَرُفِعَتْ لهم جَزِيرَةٌ فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الْخُبْزَ فَلَقِيَتْهُمْ الْجَسَّاسَةُ قلت لِأَبِي سَلَمَةَ وما الْجَسَّاسَةُ قال امْرَأَةٌ تَجُرُّ شَعْرَ جِلْدِهَا وَرَأْسِهَا قالت في هذا الْقَصْرِ فذكر الحديث

ورواه أبو يعلى في مسنده برقم 2164 ونصه عن جابر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر فقال يا أيها الناس إني لم أقم فيكم بخبر جاءني من السماء ولكن بلغني خبر ففرحت به فأحببت أن تفرحوا بفرح نبيكم إنه بينا ركب يسيرون في البحر إذ نفد طعامهم فرفعت لهم جزيرة فخرجوا يريدون الخبز فلقيتهم الجساسة فقلت لأبي سلمة وما الجساسة قال امرأة تجر شعر جلدها ورأسها فقالت في هذا القصر خبر ما تريدون فأتوه فإذا هم برجل موثق فقال أخبروني أو سلوني أخبركم ..الحديث وإسناده صحيح

 

====================================

 

 

deInspector

 

 

أعظم فتنة هي التي كانت في افغانستان بعد خروج الروس منها. افتتن المسلمون في دينهم فإنحرف منهم الكثير واصبحوا تكفيريين يستبيحون دماء بعضهم.

الفتنة الآن في العراق.

لا تظلموا الغرب، فكثير من اهله لا يعرفون ان هناك شيء اسمه الشرق الأوسط.

 

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

نحو فك طلاسم النهوض الغربي (4)

 

قلنا إن الظرف الاستثنائي الآخر الذي نود الحديث عنه تحقق خلال القرن العشرين . قرن المتناقضات الكبرى البالغة الغرابة . القرن الذي شهد عدداً ضخماً من الفتوحات والنقلات والتطورات الكبرى على الصعيدين العلمي والتقني ، وشهد أيضاً حروباً ساخنة وباردة استغرقت معظم سنواته كما شهد تواضعاً شديداً - وأحياناً إملاقاً شديداً - على الصعيد الفكري وانشطاراً ثقافياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً نبع من الغرب وامتد إلى العالم .

 

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هـو : كيف يمكن تفسير اجتماع الصعـود شبه الفلكي لمؤشر العلم والتقنية مع الجمـود وأحياناً الصعود المتواضـع وفي أحيان كثيرة الهبوط الشديد لمؤشر الفكر والثقافة خلال هذا القرن ؟.

 

ورغم قناعتنا التامة بأن الصعود الهائل لمؤشر العلم والتقنية يعكس السنة القدرية الإلهية باستمرار تحقق متطلبات إكمال المسيرة البشرية على هذه الأرض بأكثر مما يعكس أية جوانب أو أبعاد غربية ، فإننا نتجاوز ذلك إلى القول بأنه دون الاستبعاد أو التقليل من أهمية المحفزات التي سبق عرضها والتي تحمل الكثير من الجوانب التي تسمح بتفسير ما حدث فإننا نعتقد أنه يضاف إلى تلك الجوانب جانب جديد يمكن استلهامه من الظرف الاستثنائي الذي شهدته معظم سنوات القرن العشرين ، وهو سباق التسلح .

 

لقد سُخِّرت الكثير من العقول والجهود والأموال والسنوات والتوجهات والاهتمامات لخدمة مقتضيات وأسباب النصر أو الصمود العسكري بين المتصارعين الغربيين ، الأمر الذي كان لـه الكثير من المساوئ والسلبيات ، إلا أن الأهم من ذلك أنه أدى إلى ظهور العديد من الاكتشافات العلمية والمخترعات التقنية التي فتح بعضها الآفاق أمام تطورات علمية وتقنية منقطعة النظر ، كما أنه أسهم بصورة كبيرة في مأسسة الجهود العلمية والتقنية وتطوير بناها وهياكلها وتعزيز جدواها الاقتصادية .

 

وإذا كان سباق التسلح هو المحفز النهضوي - وغير النهضوي - الأكبر خلال القرن العشرين فإن من واجبنا أن نتساءل حول نصيبنا من هذا المحفز ؟.

 

لقد غمرتنا المنتجات العلمية والتقنية التي صاحبته ، إلا أننا - بكل أسف - نظل بعض ضحايا ما صاحبه أو تولد عنه من منتجات فكرية وثقافية ، وهي منتجات يمتلئ معظمها بالتناقض والتراجع والانحدار .

 

إن كل المحفزات النهضوية الغربية هي محفزات مغرقة في الماضوية أو الخصوصية ، الأمر الذي يجعلها غير قابلة للاستنساخ أو التجدد ، فالزمن لا يعود والمكان لا يتجوَّل .

 

وحين يرتحل المهاجرون ( الفاقدون للثقافة الخاصة والهاربون منها ) إلى الثقافة الغربية فإنهم - في أفضل أحوالهم - لا يرتحلون إلا إلى جزء من أحد عوامل النهوض الغربي ( العقلانية ) ، بل إنهم حتى على صعيد هذا العامل الجزئي يكادون يرتحلون إلى متاهة .

 

إنهم يرتحلون إلى منتجات الثقافة الغربية لا إلى مولداتها . وفي حين أن تلك المولدات هي التي تحرك الغربيين ثقافياً ، وهي قليلة ومحدودة ، فإن دواعي الهجرة ووهـج المنتجات الثقافية الغربية هي أبرز ما يحرك المهاجرين ، وهي كثيرة ومتنوعة ومتناقضة . ولذلك فإن المهاجرين قد يتفقون حول الكثير مما لا يريدونه إلا أنه يصعب اتفاقهم حول تفاصيل الثقافة التي يريدونها ، فكل مهاجر يكدس من منتجات الثقافة الغربية ما يبهره وينسجم مع دواعي هجرته .

 

وحتى لو افترضنا أن كبار المفكرين لا يختلفون حول القيم التي يريدونها فإن تلك القيم تظل آتية من أعماق التاريخ الغربي ، في حين أن الثقافة الغربية التي تغرق العالم في الفترة الراهنة وتصل إلى الجماهير وتحركهم وتفتنهم هي في عمومها ثقافة أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي العشرين في جانبها الاستهلاكي والترويحي والحالم .

 

هذه هي الثقافة الغربية التي تسهم بقسط وافر في بناء وعي الجماهير وتحديد مداركهم وقَولبة سلوكياتهم وصياغة أذواقهم واهتماماتهم وتطلعاتهم لا ثقافة التغيير النهضوي التي تجاوزها الزمن الغربي .

 

إن ثقافة القرن العشرين تحمل شواهـد متباينة حول أثر ثقافة القرون الماضية ومدى فاعليتها . والأهم من ذلك أن ثقافة ذلك القرن - ومعها الممارسات الغربية المصاحبة لها - تقوم بأداء دور تضليلي كبير بشأن بعض أسباب النهوض التقليدية التي استفاد منها الغربيون في تحقيق نهضتهم .

 

إن الوحدة الثقافية التي تحققت للغربيين بفضل محفزات نهوضهم تعد من بين أهم عوامل رسوخ واستمرار ذلك النهوض .

 

وحين نأخذ في الاعتبار أن المنتجات الثقافية لكل نهضة تصطبغ بنـزعتين بشريتين أساسيتين وتستجيب لهما ، وهما نزعة الاعتدال والانتظام ونزعة الحدِّية والتمرد ، فإن موقع المنتجات الثقافية المعبرة عن هاتين النـزعتين يظل مرهوناً بالظروف الموضوعية وطبيعة المرحلة التاريخية التي يمر بها أي مجتمع ، وإن كانت المنتجات الثقافية المعبرة عن نزعة الاعتدال والانتظام تظل في موقع الأصل والقاعـدة ، وذلك بحكم استجابتها للنـزعة الغالبة لدى معظم البشر . ولكن القرن العشرين شهد نقلة نوعية جديدة لهذه القوانين . فهو قرن الحروب الساخنة والباردة وقرن ما بعد مخاضاتها ، الأمر الذي وفر بيئة ملائمة لنمو وازدهار المنتجات الثقافية المعبرة عن نزعـة الحدِّية والتمرد . وهكذا تتالت على امتداد معظم سنوات هذا القرن المنتجات الثقافية الماركسية والوجودية والطروحات الظلامية الفاشية والنازية والعبثية .

 

وتدريجياً انتشرت بعض هذه المنتجات والطروحات وترسخت وازدهرت إلى أن أصبحت تنازع منتجات الاعتدال والانتظام موقع السيادة وقوة الاستقطاب والامتداد .

 

لقد واجهنا على امتداد الحقبة الماضية على أقل تقدير صراعاً عالمياً شبه متكافئ بين الأفكار الإلحادية والعبثية ونظريات الصراع والعنف الثوري والأحلام التي صيغت حول العدالة والمساواة وفضائل دكتاتورية الطبقة العاملة وملكية الدولة لوسائل الإنتاج من جانب ، وواجهنا الأفكار الديمقراطية والرأسمالية وأفكار حقوق الإنسان وأفكار التكامل المجتمعي الوظيفي وأفكار ونماذج الحريات العامة من الجانب الآخر .

 

ولا بأس من الإشارة هنا إلى أن الأفكار والإنجازات الليبرالية لا تعبر فقط عن النضج العقلي والخلقي لمعتنقيها ومنجزيها ، بل تعبر أيضاً عن أشياء كثيرة من بينها الواقع الاقتصادي الجيد الذي أسهم في تحققها ورواجها . وآية ذلك أن الدول الغربية التي ترفع لواء الأفكار والنماذج الليبرالية هي ذات الدول التي مارست الاستعمار والاسترقاق والاستيطان والاستتباع على أوسع نطاق ، وأكثرَت من التنكُّر للأفكار والنماذج المعلنة حين تصادم المصالح والمكاسب . كما أنها ذات الدول التي يشكل تصنيع السلاح وتسويقه بمختلف الوسائل أحد أهم مكونات اقتصادها وأحد أهم محددات سياستها .

 

وعودة إلى الحديث عن الصراع العالمي بين منتجات الثقافة الغربية لنقول : لقد أسهم ذلك الصراع في تعزيز وتعميق انشطارنا وتناحرنا وتبعيتنا ، إلا أن الأهم من ذلك أنه أسهم في تغييب وعينا أو وعي الكثيرين منا عن أحد أهم عوامل رسوخ واستمرار النهوض الغربي وهو الوحدة الثقافية التي تقف خلف وإلى جـوار المنتجات المتصارعة .

 

المنتجات الثقافية الغربية تعج بشواهد الخصوصية الغربية . وفي الآونة الأخيرة ، وبعد هزيمة بعض المنتجات الثقافية المعبرة عن نزعة الحدِّية والتمرد واندلاع ثورتَي الاتصالات والمعلومات ، بدأ المنتصرون - ومعهم بعض المهزومين الباحثين عن مواقع جديدة - يتحدثون عن ثقافة كونية جديرة بالانتساب لها .

 

وهذا كله شيء يستحق عليه الغربيون الإعجاب والتقدير . إلا أن ما لا يستحق الإعجاب والتقدير هو عدم تنبهنا نحن إلى كون الهوية الغربية تعد من بين أهم أسباب انطلاق ورسوخ واستمرار النهضة الغربية وكون دعوات العولمة تأتي بعد تحقق واكتمال مراحل التأسيس النهضوي الغربي ، في حين أن المعروض علينا هو أشياء كثيرة لا تعزز هويتنا ولا تستجيب لاحتياجات واقعنا ولا تبقي على أواصر وحدتنا ، بل تعزز الهيمنة الغربية وتستجيب لاحتياجات الواقع الغربي وتخدم الثقافة الغربية في آخر أطوارها وأحدث حللها . وإذا كانت تلك الثقافة تناسب المنتصرين وقد تزيدهم قوة إلى قوتهم فإنها لا تناسب المهزومين بل تأتي قبل استفاقتهم لتنذر بإزهـاق الكثير من محفزات وإغراءات وفرص نهوضهم .

 

والواقع أنه يغلب على جهود العولمة ، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي وفي ظل الظروف والمعطيات الراهنة ، أن تؤدي إلى تضييق فرص عولمة الكثير من المنجزات الحضارية ، الأمر الذي سيجعل تلك الجهود في تضاد مع الكثير من متطلبات حسن إكمال المسيرة البشرية .

 

الثقافة الجماهيرية الغربية المعاصرة تبني وعياً زائفـاً عن النهوض ، فهي تكاد تقدمه على أنه رحلة سياحية حالمة ، في حين أن تأخر ظهور الملهيات يعد من بين أهم العوامل التي ساعدت على تحقق التجربة الغربية . ولو أن كل فنـون الحس والغريزة ووسائل نشرها وكل ألـوان الرياضة والاستهلاك والمحفزات الترفيَّة قد وجدت خلال قرون التأسيس النهضوي الغربي لما حظي العلماء والفلاسفة والمبتكرون الغربيون بكل الأهمية التي هم عليها ولما حققـوا كل ذلك التأثير التاريخي الفريـد ، بل ولاختفى نظراؤهم في زماننا أمام وهـج رموز الرياضة والاستهلاك وفنون الصورة . ورغم ذلك فإنه لا ينبغي أن يغيب عن وعينا أن معظم شعوب الأرض تسهم من خـلال إفلاسها وتبعيتها في جعـل الملهيات صناعة رائجة تدر على الغربيين قبل غيرهم أعظم العوائـد المادية والمعنوية .

 

القيم الأسرية تعد من بين القيم الأساسية التي صاحبت ميلاد وتطور ونضوج التجربة الغربية . ولكن الثقافة النخبوية الغربية - وخصوصاً ثقافة الحدِّية والتمرد - تعج بدعوات تحرير المرأة على نحو يخل بالكثير من القيم الأخلاقية والأسرية ووفق صيغة تحمل الكثير من التطـرف والترف والشكل والمضمون الغربي ، وإن كنا لا ننكر بعض الإيجابيات التي تحملها . وعلى الجانب الآخر فإن الشق الجماهيري المعاصر من تلك الثقافة يغلب عليه الترويج لنماذج نسائية ونمط حياة وسلوك نسائي هـو أقرب ما يكون إلى عالم الرق الأبيض . إن معظم النماذج النسائية الجماهيرية التي تكتسح العالم خلال العقود الأخيرة لهي نماذج جديرة بالانتساب إلى عالم الدمى والسلع واللعب .

 

ومهما بلغ ضجيج ووهج هذه النماذج فإنه لا ينبغي أن يغيب عنا أن القيم والأخلاق الأسرية ظلت مصاحبة لميلاد وتطور ونضوج التجربة الغربية ، كما أنها تعد من بين أهم محفزات النهوض الشرق آسيوي ، وذات الأمر يصدق على قيمة الولاء الاجتماعي .

 

وهكذا .... فإن منتجات التجربة الغربية تسهم إلى حد بعيد في تزييف الوعي بشأن مجموعة من أهم عوامل ومحفزات تحقق تلك التجربة .

 

 

= = = = = = =

الإخوة الكرام المعقبين

 

آمل أن يكون لي وقفة مع مداخلاتكم الكريمة ، ودمتم بخير ،،،

 

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

مـــع المداخـــــلات

 

الأخ الكريم ( من أستراليا ) .

 

وأنا أشكرك على متابعتك وعلى تفهمك . وأؤكد لك قناعتي التامة بأن طرحي حول نبوءة المسيح الدجال ليس مجرد ثرثرة على الإنترنت ، وإلا لكنت امتنعت عن الكتابة حول هذا الموضوع منذ زمن .

 

 

= = = = = = =

الأخ الكريم صاحب التعليق البريدي الذي نقله الأخ النماص

سبق أن علقت على هذه المداخلة . ولا بأس من إعادة التعليق بصورة أخرى .

 

أنت لا زلت تستكثر التشبيه وتتحفظ عليه .

 

فلننظر إلى نبوءة أخرى متزامنة مع نبوءة المسيح الدجال ، وهي نبوءة قرن الشيطان .

 

هذه النبوءة ورد ذكرها في الصحيحين وفي كل كتب السنن . وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها بأن قرن الشيطان سيخرج من نجد أو من المشرق ويقطع ثم يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع عشر مرات أو عشرين مرة . وقد قمت بتأويل هذه النبوءة في هذا الموقع وفي مواقع أخرى .

 

الآن ، لنتنبه إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل بأنه سيظهر من نجد أو من المشرق ما يشبه قرن الشيطان !!

 

لم يقل بأنه سيبدو ما يشبه ذلك القرن وكأنه يظهر . ولم يقل بأن ما يشبه ذلك القرن سيبدو وكأنه يقطع .

 

ليس في الألفاظ أي تشبيه . فكل الأحاديث تشير إلى أن قرن الشيطان ( وليس ما يشبه قرن الشيطان ) سيظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع عشر مرات أو عشرين مرة . ورغم ذلك فإنه لا أحد يجادل في أن هذه التعبيرات الواردة في نبوءة متزامنة مع نبوءة المسيح الدجال ( أخبر الرسول بأن الدجال سيظهر في أواخر أهل قرن الشيطان ) هي تعبيرات مجازية وتشبيهية .

 

لماذا هذا التسليم بوجود التعبيرات المجازية والتشبيهية في نبوءة قرن الشيطان ؟!

لأن الجميع يعلمون أن قرن الشيطان لا يُرى ، والشيطان ذاته لا يرى . وبالتالي فإن الحديث عن ظهوره وقطعه وظهوره وقطعه عشر مرات أو عشرين مرة هو حديث مليء بالتصوير المجازي والتشبيهي .

 

إذا كنا نقبل ذلك ولا نجادل فيه ، فلم الجدال بشأن وجود المجاز والتشبيه في نبوءة المسيح الدجال ؟!

 

هل يعود ذلك إلى كون الرسول صلى الله عليه وسلم قد وصف ذلك الرجل بأوصاف محددة وشبهه بأحد البشر المعروفين ؟!

 

لماذا نقف عند هذا الجانب ولا ننظر إلى الصورة المتكاملة لذلك الرجل ، خصوصاً وقد ورد في نبوءة قرن الشيطان لفظ " القرن " وهو تعبير واضح وله معنى حقيقي واضح ؟!!

 

إذا كنا نسلم بوجود المجاز في نبوءة قرن الشيطان لأن قرن الشيطان لا يُرى والشيطان ذاته لا يرى ، فإن من الأولى أن نسلم بوجود التشبيه والمجاز في نبوءة المسيح الدجال ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين بأنهم يغزونه ويفتحونه ، ولأنه ليس من سنن الله أن يعطي المعجزات لأهل الكفر والضلال ومدعي الألوهية ، وليس من سننه أن يسخر المعجزات لتأييد الباطل وأهله ، ولأن الحديث عن عيني المسيح الدجال لا يمكن أن يكون حديثاً عن عينين بشريتين ، ولأن حقيقة المسيح الدجال ستخفى على الناس حتى أواخر فتنته بسبب وجود المجاز والتشبيه ، ولأن الفتنة التي سيقوم بها رجل خلال أربعين يوماً لا يمكن أن تعادل نقطة في بحر الفتنة التي سببتها الحضارة الغربية خلال ما يقرب من ثلاثة قرون ، ولغير ذلك من الأسباب التي سبق عرضها بإسهاب شديد .

 

أما حديث تميم الداري فقد طرحت احتمالين حول الحديث ، أحدهما عدم صحته ، وعرضت الدلائل على ذلك . والآخر هو صحة الحديث . وفي هذه الحالة فإنه لا يمكن قبول ما ورد في القصة إلا على أنها كرامة أعطيت لتميم بحيث تمثل له ملك على هيئة الصورة التشبيهية للدجال مثلما تمثل جبريل للصحابة في صورة رجل .

 

العمر الطويل للدجال ، وتقييده في إحدى الجزر بعيداً عن سنن الأكل والشرب والنمو ، وعلمه بالغيب وبأحوال المسلمين والرسول وبأحواله هو – أي الدجال – حين يظهر . كل ذلك يخالف سنن الله في الخلق وفي المعجزات وفي علم الغيب . أما إذا فهمنا الحادثة على أنها كرامة يسرها الله لتميم بحيث تمثل له أحد الملائكة على هيئة الصورة التشبيهية المشار إليها في الأحاديث ، وذلك لهدايته إلى الإسلام ، ولينقل للمسلمين الحادثة فتترسخ في وعيهم صورة المسيح الدجال ويكونون على حذر دائم من فتنته .

 

إذا فهمنا الحادثة على هذا النحو فإنه لن يكون فيها مخالفة لسنن الله في الخلق والمعجزات وعلم الغيب ، وبالتالي لا يوجد ما يدعو إلى رفضها أو القول بمصادمتها للتأويل الذي نطرحه .

 

= = = = == = = = =

 

الأخ الكريم deInspector

نحن نتناول أحاديث الرسول حول فتنة المسيح الدجال . ومن فتنته هذا الانشقاق الهائل حول الغرب ، بحيث يراه البعض معبوداً وسيداً ومطاعاً يفيض على البشر بالخيرات والكنوز والمكتشفات والمخترعات ، ويراه آخرون شيطاناً يصنع الحروب ويحتل الدول ويستنزف الخيرات ويستتبع الآخرين وينشر الانحلال والإلحاد والفجور . ومن هنا قوة الفتنة . أي الالتباس والاختلاف والانشقاق واختلاط الأمور .

 

== = = = = = = =

 

 

الأخ الكريم النماص

تحياتي وتقديري لك على تواصلك وإثرائك للحوار مهما اختلفنا .

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

سعيد الكثيري

 

أحاديث المسيح الدجال بعيون علمانية (1)

 

في هذا الموقع لم أواجه تعليقات تنظر لموضوع المسيح الدجال من الزاوية العلمانية أو من الزاوية العقلانية الصرفة . ولكنني واجهت هذه التعليقات في مواقع أخرى وفي ردود بعض الكتاب والصحفيين الذين أرسلت إليهم التأويل .

 

جوهر هذه التعليقات يدور حول أن أحاديث المسيح الدجال هي من الأساطير والخرافات التي التصقت بديننا الإسلامي .

 

والواقع أن هذا الموقف ليس جديداً ، فمنذ بدء حركة النشاط العقلي الواسع في القرن الثاني الهجري تعرضت أحاديث المسيح الدجال للرفض من قبل بعض الفرق ، بسبب قضية المعجزات في المقام الأول . وبعد ذبول طرح المعتزلة وشيوع الطرح الأشعري والطرح الماتريدي ، وهما الطرحان العقائديان الاوسع انتشاراً بين المسلمين منذ انحسار طرح المعتزلة إلى العصر الحديث ، تم تطبيق مقولة عدم الأخذ بأحاديث الآحاد في إثبات العقائد على أحاديث المسيح الدجال ، وبذلك بقيت هذه الأحاديث خارج دائرة البحث وضمن نطاق التسليم .

 

أحد الإخوة الذين سبق أن حاورتهم ذكر أنني إذا كنت أعتقد بأن المسيح الدجال هو الغرب أو الحضارة الغربية فإنني أنطلق من ثقافة خرافية ، وأن هذا يعد إهداراً للجهد والوقت وسوء توظيف للقدرات ، وإحدى الكاتبات ذكرت أنني ذكرتها بأساطير جدتها حين كانت تعيش في القرية !!

 

والواقع أن القائلين بالفهم اللغوي المباشر لأحاديث المسيح الدجال لا يتنبهون بالقدر الكافي لهذا الموقف ومبرراته وحجج القائلين به . فأحاديث المسيح الدجال لا يمكن قبول الفهم اللغوي المباشر لها إلا من بوابة التسليم وعدم البحث والتساؤل . وهي أغرب وأعجب بكثير من قصة المهدي المنتظر في الثقافة الشيعية .

 

من جانبي أنا أزعم أنني أستطيع أن أثبت لأي رجل علماني أو عقلاني يرفض أحاديث المسيح الدجال أن هذه الأحاديث ليست من قبيل الخرافات والأساطير ، وأنها إما أن تكون وحياً أو أن تكون إبداعاً منقطع النظير توصل إليه مجموعة من المجهولين قبل القرن الثالث الهجري .

 

إنني أواجه صنفين من القراء . صنف يفهم أحاديث المسيح الدجال كما هي ويرفض منهج التشبيه والتصوير الرمزي رغم أن هؤلاء يقبلون هذا المنهج ولا يجادلون فيه في نبوءة معاصرة لنبوءة المسيح الدجال وهي نبوءة ( قرن الشيطان )

لا ينازعون في استحالة ظهور قرن للشيطان من أي مكان على الأرض ثم قطعه ثم ظهوره ثم قطعه عشر مرات أو عشرين مرة ، ولكنهم يرفضون تشبيه الحضارة برجل !!

 

الصنف الآخر من القراء هو الصنف المتأثر بالطرح العقلي والعلماني . وهؤلاء لا تعدو نبوءة المسيح الدجال عندهم أن تكون خرافة وأسطورة مهما قيل لهم حول ورودها في مئات الأحاديث النبوية .

 

أنا أتمنى ممن ينتمي إلى هذا الصنف من القراء أن يفترض جدلاً بأنه يمكن إعادة تفسير الوحي على نحو يفوق أعظم توقعات العقلانيين والمنغمسين في العصر ، وأن هذا التفسير لن يكون متكلفاً بل سيكون دقيقاً وعميقاً وموضوعياً إلى أبعد الحدود .

 

لنفترض أن هذا التفسير سينتصر لقضايا الإصلاح السياسي والعلوم العصرية والتسامح والعدل بصورة حاسمة ، وسيجعل المرء ينظر للوحي وكأنه يتنزل عليه في هذه اللحظة .

 

إذا افترضنا هذا الفرض فهل ستكون رؤية الحضارة الغربية من خلال نصوص نبوءة المسيح الدجال رؤية منعزلة وشاذة تنتصر لثقافة ميتة حسب رأيهم ( الثقافة الإسلامية التراثية ) وتجترئ على ثقافة حية وأخاذة ومهيمنة ( الثقافة الغربية ) أم أن الصورة ستتبدل ، بحيث تكون نصوص نبوءة المسيح الدجال جزءاً عضوياً ومنطقياً من رؤية ثقافية عصرية شاملة تطلق روحاً ومعرفة جديدة وتعيد تنسيب وتحجيم الثقافة القائمة ؟.

 

هذه فرضية قد تبدو خرافية في نظر من ينطلقون من خلفية علمانية أو عقلانية مجردة ، ولكنني أعتقد أنه لو تعاملوا معها بقليل من التفهم لتقلصت في وعيهم مسألة الخرافية وهذا التسليم المطلق بمعايير ومنطقات الثقافة الغربية .

سأحاول هنا أن أثبت ضعف وصف تأويل نبوءة المسيح الدجال بأنه خرافي وتهافت الاعتقاد بأن نصوص النبوءة مختلقة وموضوعة .

 

إذا افترضنا أن النصوص مختلقة وموضوعة ، فهي بالتأكيد كانت مختلقة قبل القرن الثالث الهجري . فما الذي يمكن أن نصف به من اختلقوها ووضعوها ؟!

 

الإخوة الذين ينطلقون من خلفية علمانية أو عقلانية مجردة سيصفون هؤلاء الرواة بأنهم كذابون وخرافيون ووضاعون ، أما أنا فسأصفهم بأنهم مبدعون وأفذاذ يتمتعون بقدرات استثنائية لا يستطيع العقل ولا العلم تفسيرها .

 

لا يتطلب الأمر سوى أن نطالب أعظم علماني أو عقلاني من أهل هذا العصر بأن يرسم صورة تشبيهية ورمزية للحضارة الغربية كما نحياها ونعيشها نحن . وبعد أن ينتهي من رسمها سنكتشف أننا ونحن المعاصرون للحضارة الغربية أقل دقة وأفقر خيالاً وأضيق نظرة من أولئك " الكذابين والخرافيين والوضاعين " الذين اختلقوا أحاديث المسيح الدجال قبل القرن الثالث الهجري .

 

بمجرد أن نستحضر صورة الحياة في القرن الثالث الهجري سنكتشف وندرك أن الرواة كانوا يختلقون صورة تشبيهية ورمزية للمستقبل تتناسب مع شكل وأوضاع الحياة في عصرهم وتجعل صورة المستقبل قابلة للاستيعاب دون كشف الغيب لهم .

سنكتشف أن من الخطأ وصفهم بالكذب والخرافة والدجل ، بل من الضروري وصفهم بالإبداع الهائل الذي يتجاوز حدود العقل والعلم .

 

لاحقاً بمشيئة الله سنتلمس الصورة التشبيهية والرمزية التي يمكن لأي علماني أو عقلاني في عصرنا الحاضر أن يرسمها للحضارة الغربية ، فإلى لقاء قريب بمشيئة الله ،،،،،

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..