اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
نـــــــــــور

بخٍ بخٍ، هي ذي ريح الجنة تلوح في الأفق!, "ليراني الله ما أصنع"

Recommended Posts

بخٍ بخٍ، هي ذي ريح الجنة تلوح في الأفق!

 

 

طرقتُ بابه، ففتح لي بلا تردُّد.

 

ولجتُ رحابه، فاستقبلني بوجه طلق، وكلام طيب، وروح فياضة.

 

قال لي: مرحبا بك مرَّة أخرى، ها قد عدتَ لزيارتي. لكن، أين صديقك فلان، وجارك فلان، وتِربك فلان... لا أراهم؟

 

قلت: كلهم قد لقي حتفه، ووافته المنية، وعادوا خبرا بعد أثر، وذكرا بعد عيان.

 

قال: رحمهم الله جميعا، وهداك وهدى العقلاء الأحياء أمثالك أن يتيقنوا أنهم ليسوا للقاعدة ولا لسنن الكون استثناءً.

 

قلت: آمين.

 

قال، وهو يصوِّب عينيه إلى عينيَّ: ضيفي العزيز، لكَ أن تصول وتجول بين جنبات قصري، كما تشاء؛ ومن واجبك أن تزوره غرفة غرفة، فتنعَم بالخيرات، وتطعم الثمرات، وتتنشق الزهرات، وتنال النفحات... بلا قيد ولا شرط.

 

قلت: ما هذا الكرم؟! لم يسبق لي يوما أن دخلتُ بيت أحد، ففتح لي جميع أركان بيته، وألزمني بالتمتع بجميع الموجودات فيه. بل، أنا كذلك لم أفعل ذلك يوما، مع أي ضيف من ضيوفي.

 

قال، مبتسمًا والنور يرشح من محيَّاه: هذا طبعي، وهذه صفتي، وهذه خلقتي، ولهذا سخِّرتُ؛ فأنا الكريم، أفرح وأسر، وأجذل وأبهج، لجميع من يزورني، ولا أسأل عن شأنه وشأوه، ولا عن غناه وفقره، ولا عن صحَّته ومرضه، ولا عن عزه بين قومه وذله... فكلُّ من لاذ بحصني كان فيه أهلا وسهلا، واستوى مع غيره من الضيوف في الحقوق والواجبات والمكرُمات.

 

قلت: وهذه عجيبة أخرى! فمِن عادتنا، نحن البشر، أن نفرِّق بين ضيوفنا، فليس الرئيس، والوزير، والغني، وصاحب الفضل، كالعاميِّ، والبسيط، والفقير، ومَن لا فضل له علينا!

 

قال: حكمكم خلاف حكمي، فاعتبروا.

قلت: وماذا عمَّن يعمد إلى إفساد جمالك، فيجرح زخارف بيتك، ويكسر الزجاج، ويلقي بالقمامات على الفرش الأنيقة والسجاد الوثير؟

 

قال: حتى هؤلاء أستقبلهم وأحتضنهم، على أملٍ أن يتوبوا ويؤوبوا إلى رشدهم، فإن لم يكن ذلك عند أوَّل غرفة مِن غرفي، فعند آخرها، وإن لم يكن عند هذه الزيارة، ففي التي تليها إذا عادوا... ومن يدري؟

 

قلت: وما بال من يمرُّون أمام بابك، فيديرون ظهورهم، وهم يسمعون خدَمَك، مبثوثين في الشوارع، ينادون الناس إلى قصرك؛ ثم هُم يجعلون أصابعهم في آذانهم، كي لا يسمعوا صوت المُضيف والخدم؛ ثم هم بعد ذلك، يدفعون أموالا طائلة في كراء بيوت من القصدير، وينفقون ما لديهم للسكن في خيم وسخة مهترئة، كل ما فيها تمجه القلوب والعيون والأسماع والأبصار...؟

 

قال: هؤلاء - من كرمي - أبكيهم؛ وأدعو الله - إذ هم لم يشاءوا سماع صوتي - أن يرشدهم؛ حتى يميزوا بين الخير والشر، بين السعادة والشقاء، بين الدنيا والعقبى...

 

قلت: وماذا عني أنا؟ هل يا ترى أحسنتُ آداب الضيافة في الزيارات الخوالي؟ وهل كنت عند حسن ظنك بي؟

 

قال: ليس تقدير ذلك بيدي. إنه بيدك أنت، وهو قبل ذلك في دهاليز قلبك وضميرك وعقلك؛ أنت وحدَك تعرف ذلك، ولا أحد سواك... ومِن حكمةٍ أنَّ الله تعالى، العليم بخفايا النفوس، أوْكل إليك ملائكةً كراما كاتبين، يسجِّلون ما يثور وما يفور داخلك، صفتهم الأولى أنهم ثقات أمناءُ كرام.

 

قلت مهللا: فهمتُ؛ وبم تنصحني إذن؟

 

قال:

 

*أصدُق نفسك ولا تكذبها؛ هذه واحدة.

*جاهد نفسك، وصابر واصطبر؛ وهذه الثانية.

*واعمل على أن تكون زيارتك هذه أفضل من التي خلت؛ وهذه الثالثة.

 

أما الرابعة؛ فهي أن لا تنسى أنك مهما هنئتَ بين جنباتي، ستخرج يوما ما مِن قصري، وأنك قد لا تعود أبد الأمد، فذلك أجلُك، وأنَّ هنالك قصرا لو قِسْت كرَمي إلى كرمه، لكان بمثابة الصفر إلى اللانهاية، وبمثابة اللاشيء إلى كلِّ شيء... إنه رحاب الله، ورضاه، وجنَّته... فهذا القصر لو حظيت به، ويا سعد من تكحلت عينه به، فلن تخرج منه أبدا، وهذه هي النعمة العظمى؛ وإن حرمته لا قدَّر الله، فلن تجد ريحه أبدا، وهذه هي المحنة الكبرى.

 

قلت: إذن، سأنظر بشوق تلك الساعة، وذاك الحظ العظيم.

 

قال، والصرامة تجلل جبينه: مهلا، "وما يلقَّاها إلا الذين صبروا" ابتداء، ثم "وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" بالتبع؛ ولذا أنصحك أن لا تنتظر، بل اعمل وجاهد واجتهد، فهذا السبيل الوحيد إلى ذلكم المقام المحمود؛ ألم يقل العزيز الجليل لنبيه الكريم: "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا"؟

 

قلت: نعم، هي هكذا في كتابنا الكريم.

 

قال: لكن، لا تفصلوا الآية عن سياقها، وإنما هذه نتيجة لأمر هو: "ومِن الليل فتهجَّد به نافلة لك"، فهذا عنوان الطاعة، ودليل العبادة، وصورة العمل، ومنهج الصدق؛ هي قاعدة ذهبية واحدة:

 

رحمة الله واسعة، ووعده صادق، ومغفرة شاملة؛ لكن هي كذلك "لمن تاب، وآمن، وعمل صالحا، ثم اهتدى".

 

*****************

 

صمتتُ، وسكتتُ، وقلتُ في نفسي لنفسي: هو موسم الحصاد فاحصدي، هو موسم الجهاد فجاهدي، هو موسم الاجتهاد فاجتهدي، هو موسم الربح فاربحي؛ يا نفسُ لا تكسلي، ولا تغفلي، ولا تظلمي، ولا تخنسي...

 

وفجأة، تخيلت رسول الرحمة يقول لي ما قاله لعمير بن الحمام على شآبيب الرحمة: "والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صبارا محتسبا، مقبلا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة".

 

وردَّدت، مع الصحابي الجليل مقالته الجليلة، وفي يده تمرات يأكلهن: "بخ بخ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء، ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه، فقاتل القوم حتى قتل".

 

وما الفرق بيني وبين عميرٍ، إلاَّ أنَّ أعدائي اليوم شتى، وأنواع، وصور، وأشكال... كلهم يصوِّبون رماحهم وجهتي، ليُردُوني قتيلا: الإعلام الفاسد، والتعليم الجاهل، والسياسة الفاجرة، والاقتصاد المرابي، وأعداء الإسلام الذين أخرجونا من ديارنا، وقاتلونا، وظاهروا على قتالنا... وغير ذلك كثير... والفرق الآخر بيني وبينه، هو أنه صحابي، تربى وترعرع ونشأ بين أحضان أعظم معلم، وأكمل خلق الله، وأصفاهم؛ أما أنا، فطالب علم، لا أزال أدب دبيبا، وأبحث عن المعنى... في عالم غاب فيه المعنى، ومات فيه المعلم، وتمرَّد فيه المتعلِّم؛ إلا ما رحم ربي...

 

لأجل كل ذلك سأعمل جاهدا، وأقاتل النفس الجموح حتى تلين، وما التوفيق والنصرة إلا من عند الله،

فالحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..