اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
مخلص للإسلام

اعرفها على حقيقتها - تعرف كيف تتعامل معها

Recommended Posts

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

يحكى أنه في وقتٍ مما مضى من الأزمان .. كانت هناك امرأةٌ معروفةٌ بالحسن والجمال .. كالوردة في البستان

تنافس عليها كل الأبطال وضحّى من أجلها الفرسان لم تكن تدع الرجال يبلغوا منها ما أرادوا .. بل تفنيهم قبل الإمكان

وفي يومٍ من الأيام قالت : إن من سأقابله اليوم هو زوجي .. وإن كان من كان ... فخرجت ... فكان أول من قابلت عصام .. وهو من أفقر أهل المدينة لا يملك قوت يومه ..

فقالت له : يا عصام أنا - إن أردت - لك زوجة بأقل الأثمان .. ومن الآن

عصام : لا أصدق يا حسناء هل تهزئين بي

حسناء : لا ورب السماء ... إنما حبُّ الستر والأمان

عصام : ليس لدي مال !!.. ولكن سنذهب إلى فلان فلن يتوانى في مساعدتي .. فذهبوا إلى فلان وهو أغنى من عرفه عصام .. ولا أغنى منه إلاّ السلطان

عصام: يا فلان سلامٌ عليك .. هذه حسناء زوجتي إن شاء الرحمن .. ولكن هل تقرضني شيءً لتعمّ الفرحةُ أرجاء المكان .. فنظر الغني فيها .. فقال في نفسه : أنا أحق من هذا الصعلوك بهذه الحسناء ؛ أنا أملك المال والجاه ... فجاذب الغنيُّ عصام وقال : لن أعطيك شيئاً بل ستكون زوجتي وإن جار الزمان ... احتدم الخلاف بين عصام والغني حتى بلغ إلى مأمور الجند ليفصل بين النزاع فقال كل واحد منهما حجّته وشكايته ..

المأمور : عليّ بالمرأة التي أججت النزاع .. فدخلت فرأى ذلك الحسنُ والجمال ..

فقال المأمور في نفسه : والله ما رأت عيني مثلُ هذا الحسن ولا هذا الجمال .. وأنا المأمور ولن يعصني في المدينة إنسان .. وهي لي من دون الصعلوك والغني الجبان فأنا حامي البلاد وواحدٌ من الشجعان ... فجاذبهما المأمور ليظفر بها وتكون له زوجةً من دونهما .. واشتعل النزاع .. حتى وصل الأمر إلى القاضي .. فلمّا عرض الخصماء قضاياهم ..

القاضي : إلىّ بتلك المرأة التي أغوت الرجال أين هي ..؟؟ فدخلت حسناء .. فرآها ودهش من جمالها.. فدار في نفسه ما دار في أصحابه من قبل .. فنازعهم عليها .. واشتد النزاع .. قالوا : من الذي بقي كي يفصل هذا النزاع .. قالت الحسناء : بقي مولانا السلطان .. عادل الزمان .. فذهب الفقير ( عصام ) والغني ( فلان ) والمأمور والقاضي إلى السلطان .. وكلهم يظن أن ( حسناء ) ستكون له وإن طال الزمان ... ولكن لم يأت السلطان بشيء جديد .. بل أسره هواها .. وقيّده جمالها وأرادها من دونهم .. اشتد الخصام بعد ذلك فكلهم يرجوها لنفسه ... وفي وسط الخصام .. وضجيج الهوام .. صرخت حسناءُ فيهم وقالت : أتيتكم بالجواب .. والحل الصواب

فتهاتفوا جميعاً بصوتٍ واحد : ماهو يا قمرَ الزمان ... قالت : اتبعوني إلى الأرض الفضاء عند بني ( خواء ) وعندها سيكون الجواب ... ذهبوا جميعاً إلى هناك .. ووجدوها في الانتظار .. قالوا : أأمرينا يا قمر الزمان .. فكلنا طوعُ البنان قالت : إني سأركض ركضا سريعاً .. فمن سيدركني أولاً فقد حاز الرهان .. وأخذني معه إلى أي مكان .. قالوا : رضينا

وبالله المستعان أتدرون

ما لذي حدث بعدها؟ .. من الذي ظفر بها ..، نظنه الفقير لقلّة لحمه ..؟

لمّا ركضت الحسناء تبعها الرجال .. وكانت الحسناء سريعة .. وبعد فترة غابت عنهم خلف تلٍّ في الأمام ... فتتابعوا خلفها

هل تعلمون ماذا وجدوا ..؟؟ ماذا يا ترى ..؟؟

لقد كانت أمامهم هاوية سحيقة .. تجذبهم إليها .. فعلموا

أن الحسناء قد خدعتهم ليسقطوا في الهاوية .. ولكن بعد فوات الأوان ... فتدافع الأبطال في الهاوية واحداً تلوَ الآخر حتى هلكوا

 

.. هذي باختصار هي ( الدنيا ) فقد فتنت وراءها الفقير والغني والقاضي والسلطان .. وكثيرٌ من الناس .. فاحذروا منها ولا تهلككم كما أهلكت غيركم

تعريف الدنيا

من الدنو أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى، وقيل سميت دنيا لدنوها إلى الزوال.

 

حقيقة الدنيا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

أخي المسلم / أختي المسلمة

وصية لك من النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عمر

أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي وقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)

فلا ينبغي أن يتخذ الدنيا وطناً ولا مسكناً، ولا يطمئن إليها، بل يكون حال المؤمن فيها أحد حالين:

1- أن يكون كأنه غريب، مقيم في بلاد غربة همه التزود للرجوع إلى وطنه، " كن في الدنيا كأنك غريب " لا تحس بالتعلق في هذه البلد التي أنت فيها، وإنما همك رجوعك إلى بلدك الأصلي، وإنما تأخذ من هذه البلد ما تتزود به لبلدك الأصلي كأنك غريب

2- أو عابر سبيل مسافر غير مقيم البتة لا في بلد غربة ولا في البلد الأصلي.

 

أمثلة لحقيقة الدنيا

وضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أمثلة ليبين لنا حقيقة هذه الدنيا

المثال الأول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "ما الدنيا إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بماذا يرجع" ([1]) والمعنى: «أن نعيم الدنيا بالنسبة لنعيم الآخرة في المقدار كذلك أو ما الدنيا في قصر مدتها وفناء لذتها بالنسبة للآخرة في دوام نعيمها إلا كنسبة الماء الذي يعلق بالأصابع إلى باقي البحر»([2]).

المثال الثاني: عن عبد الله قال : "نام رسول الله صلى الله عليه و سلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء فقال ما لي وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"([3])

المثال الثالث: عن سهل بن سعد قال عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلاً مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْي أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ. فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ. قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ: فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ "([4])

كنفته: جانبيه، أسك: صغير الأذنين([5]).

والمعنى العام للحديث: أن الدنيا عند الله أحقر وأقل شأناً من التيس الأسك الميت الذي لا قيمة له عند الناس.

وقيل لبعض الحكماء أي شيء أشبه بالدنيا؟ قال: أحلام النائم .

 

حقيقة الدنيا عند السلف الصالح

دخل رجل على أبي ذر رضي الله عنه فجعل يقلب بصره في بيته فقال: [يا أبا ذر ! أين متاعكم؟ لا أرى أثاثاً في البيت ولا متاعاً! قال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا قال: لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا. قال أبو ذر : إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه، لا بد أن يأخذه منا ويأخذنا منه يوماً من الأيام].

 

قال بعض الحكماء: عجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة إليه، يشتغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة!

 

خطب علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالكوفة فقال: "أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى؛ فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق؛ ألا إن الدنيا قد ولت مدبرة والآخرة مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل".

 

قال ثلاثة من العلماء لبعضهم، كل اثنين يقولان للآخر: ما أملك؟ فقال أحدهم: ما أتى علي شهر إلا ظننت أني سأموت فيه. فقال صاحباه: إن هذا لأمل. فقالا للآخر: ما أملك؟ قال: ما أتت علي جمعة إلا ظننت أنني سأموت فيها. فقال له صاحباه: إن هذا لأمل. فقالا للأخير: ما أملك؟ قال: ما أمل من نفسه بيد غيره؟

 

قال داود الطائي : سألت عطوان بن عمر التميمي قلت: ما قصر الأمل؟ قال: ما بين تردد النفس. فحدث بذلك الفضيل بن عياض فبكى، وقال -يقول في معنى كلامه-: يتنفس فيخاف أن يموت قبل أن ينقطع نفسه، يأخذ الزفير يخاف أن يموت بعده فلا يرد الشهيق.. هذا حال الصالحين

 

قال بعض السلف : ما نمت نوماً قط فحدثت نفسي أني سأستيقظ، وإنما أوطن نفسي أني ربما لا أقوم: " اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً " [الزمر:42]

 

وكان حبيب أبو محمد يوصي كل يوم بما يوصي به المحتضر عند موته من تغسيله ونحو ذلك، وكان يبكي فكلما أصبح وأمسى أوصى، فسألت امرأته عن بكائه فقال: يخاف الله إذا أمسى ألا يصبح، وإذا أصبح ألا يمسي.

 

وكان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله: أستودعكم الله فلعلها أن تكون منيتي التي لا أقوم منها.

 

وكانت امرأة متعبدة بـمكة كلما أمست قالت لنفسها: يا نفس! الليلة ليلتك، لا ليلة لك غيرها فاجتهدت في العبادة، فإذا أصبحت قالت: يا نفس! اليوم يومك ستقبضين فيه، لعلك تؤخذين فيه، اليوم يومك لا يوم لك غيره، فاجتهدت، وهكذا سارت من اجتهاد إلى اجتهاد.

 

إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل: لعلي لا أصلي غيرها، صل صلاة مودع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

 

عندما اجتمع بعض السلف للصلاة فقدم، كل منهم صاحبه، حتى قدموا رجلاً منهم، فقال هذا الرجل وهو يتقدم بحرج: إن صليت بكم الظهر لا أصلي بكم العصر، يصلي غيري. فقال له بعض الحاضرين من السلف: نعوذ بالله من طول الأمل، أوتأمل أن تصلي الصلاة الأخرى؟ عندك يقين بأنك ستصلي الصلاة الأخرى؟ تشترط تقول: إن صليت بكم الظهر لا أصلي العصر؟

 

فإذا كنا غرباء في هذه الدنيا فما هو وطننا الأصلي أيها المسلمون؟

أسكن الله آدم وزوجه الجنة ثم أهبطا منها إلى الأرض، ووعدا بالرجوع إليها مع صالح ذريتهما.

موطننا الأصلي إذاً هو جنات عدن، وما نحن فيه الآن كله غربة في غربة، وشيء مؤقت وإنما المصير النهائي في دار الكرامة أو دار الهوان.

 

كان بعض السلف يقول: اللهم ارحم في الدنيا غربتي، وارحم في القبر وحشتي، وارحم موقفي غداً بين يديك.

 

وقال يحيى بن معاذ الرازي : الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموت نادماً مع الخاسرين.

 

قيل لـمحمد بن واسع : كيف أصبحت؟ قال: ما ظنك برجل يرتحل كل يوم إلى مرحلة من مراحل الآخرة؟

 

وقال الحسن : يا بن آدم! إنما أنت أيام مجموعة كلما مضى يوم مضى بعضك.

وقال: الموت معقود في نواصيكم والدنيا تطوى من ورائكم. كل يوم يمضي من حياتنا يقربنا إلى الموت

 

قال الفضيل بن عياض لرجل: كم أتت عليك؟ قال: ستون سنة. قال: فأنت من ستين سنة تسير إلى ربك، يوشك أن تبلغ. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون! فقال الفضيل : أتعرف معناها؟ قال: وما معناها؟.. قال: من علم أنه لله عبد وأنه لا بد إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف فليعلم أنه مسئول، ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة. قال: وما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وبما بقي.

 

قال بعض الحكماء: من كانت الليالي والأيام مطاياه سارت به وإن لم يسر.

العادة أن المسافر يمضي، يحس أنه يمشي ويذهب، لكن هذه الأيام تذهب والمسافر قاعد حتى يفاجأ بأنه قد وصل

 

وقال الأوزاعي لأخ له: أما بعد.. فقد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يسار بك في كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك به، والسلام.

 

قال بعض السلف: بيننا وبين الأغنياء والملوك يوم واحد، أما أمس فقد مضى علينا وعليهم، وذهبت لذتهم وذهب بؤسنا في الأمس، فنحن وإياهم سواء، وفي الغد هم على وجل وخوف أن يذهب ملكهم أو غناهم، ونحن ما جاءنا بؤس الغد بعد، فنحن وإياهم في الغد سواء، وإنما هو اليوم هذا الذي نعيشه، فما عساه أن يكون.. ساعات وينقضي.

 

قال سليمان بن عبد الملك لـأبي حاتم الواعظ: ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنكم أخربتم آخرتكم، وعمرتم دنياكم، فكرهتم أن تنتقلوا من العمار إلى الخراب.

 

قال بعض السلف : مثل الدنيا والآخرة مثل ضرتين إن أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى

 

حقيقة الحياة الدنيا كما ينبغي أن تكون عند المسلمين

 

فعند المسلم تستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي:

أن الحياة الدنيا ما هي إلا لهو ولعب، ومتاع قليل، ولا تساوي جناح بعوضة, وهي أهون من تيس أسك ميت.

وهي دار الصراع بين الحق والباطل وابتلاء الأخيار بالأشرار والمؤمنين بالفجار

وهي دار الفناء وأما الحياة الأخرى فهي دار البقاء والخلود

 

وعند أهل الأديان عموماً أن هذه الحياة الدنيا هي فترة مؤقتة وسوف تنتهي لتبدأ بعد ذلك حياة أخرى.

 

أما حقيقة الحياة الدنيا(منزلتها) عند غير المسلمين كالعلمانيين وغيرهم فتقوم على إنكار الآخرة وعدم العمل لها, واليقين بأن الحياة الدنيا هي المجال الوحيد للمتع والملذات, وهي عندهم كل شيء([6])

 

الدنيا في القرآن والسنة

إن الله سبحانه قد بين لنا حقيقة هذه الدنيا في كتابه، وذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه ذكراً كثيراً جداً حتى يعرف المسلمون حقيقتها وفناءها وزوالها وهوانها على الله

 

الدنيا في القرآن الكريم:

أخبرنا الله عز وجل عن حقيقة الدنيا في عدد من الآيات منها قوله تعالى:

﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[آل عمران:185] متاع الغرور، أي: متاع زائل غار ببهرجه وجمال منظره، ثم لا يلبث أن يذهب ويزول([7])

﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾[الأنعام:32] اللعب: العمل الذي لا يجلب درهماً للمعاش، ولا حسنة للمعاد، واللهو: ما يشغل الإنسان عما يعنيه مما يكسبه خيراً أو يدفع عنه ضيراً.([8])

﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾[التوبة: 38]

﴿وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ﴾[الرعد: 26] مَتَاعٌ: شَيْءٌ قَلِيلٌ ذَاهِبٌ زَائِلٌ([9]) .

فمن هذه الآيات عرفنا بعض صفات الحياة الدنيا أنها متاع الغرور, ولعب, ولهو, وهي بالنسبة للآخرة قليل.

وقد ضرب الله عز وجل مثل الحياة الدنيا بقوله تعالى:

﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[الحديد:20] والمعنى اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو، تلعب بها الأبدان وتلهو بها القلوب، وزينة تتزينون بها، وتفاخر بينكم بمتاعها، وتكاثر بالعدد في الأموال والأولاد، مثلها كمثل مطر أعجب الزُّرَّاع نباته، ثم يهيج هذا النبات فييبس، فتراه مصفرًا بعد خضرته، ثم يكون فُتاتًا يابسًا متهشمًا([10])

﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً﴾[الكهف:45] نزل الماء فاختلط بنبات الأرض فأصبح مورقاً أخضر يانعاً، ونضجت الفواكه والثمار وطابت واصفرت واحمرت، ولكن ماذا بعد هذا؟ قال الله تعالى: فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ [الكهف:45] أصبح يابساً متكسراً متفتتاً، تفرقه الرياح وتنسفه لخفته)

وأخبرنا عن المال والبنون بقوله ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الكهف:46]

بعد أن ضرب الله المثل للحياة الدنيا التي غرت أبناءها فأوردتهم موارد الهلاك أخبر بحقيقة أخرى، يعلم فيها عباده لينتفعوا بها، وهي أن ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ﴾ أو الأولاد ﴿زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾لا غير أي يتجمل بهما ساعة ثم يبيدان ويذهبان، فلا يجوز الاغترار بهما، بحيث يصبحان همَّ الإنسان في هذه الحياة فيصرفانه عن طلب سعادة الآخرة بالإيمان وصالح الأعمال([11])

وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ [العنكبوت:64] هي الحياة الحقيقية، هي الحيوان: يعني الحياة الدائمة المستقرة الباقية

وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ * أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ [القصص:60-61] في الآخرة: كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص:61] أي: للجزاء والحساب.

 

الدنيا في السنة النبوية

قال صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء"([12]) فمن هذا الحديث يتضح لنا أن الدنيا هذه لا تعدل عند الله جناح بعوضة.

ويقول الرسول صلى الله عليه و سلم: "ألا الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم"([13]).

 

حجم الدنيا وأبعادها في الدراسات العلمية الحديثة

 

عظمة هذا الكون

يحتوي هذا الكون على عدد كبير من المجرات يقدر مائتي ألف مليون مجرة من أمثال مجرتنا‏ (‏ درب التبانة‏)

وبالرغم من ذلك لا تشكل إلا أقل من 5 بالمائة من البناء الكوني‏، أما الـ 95 بالمائة الباقية فهي مادة مظلمة لا تُرى

وكل مجرة تحوي أكثر من مئة ألف مليون نجم يمكن اعتبارها من حيث الحجم على غرار الشمس وتوابعها ومن الغبار والغازات المنتشرة بين أرجاء النجوم

ومجرتنا علي هيئة قرص مفلطح يبلغ قطره مائة ألف سنة ضوئية‏,‏ ويبلغ سمكه عشر هذه القيمة ‏(‏ أي عشرة آلاف من السنين الضوئية‏).‏

وتقدر السنة الضوئية بنحو‏9.5‏ مليون مليون‏‏ كيلو متر‏.‏

تخيل كم يبلغ قطر مجرتنا 100000 سنة ضوئية X 9.5 مليون مليون كم = 950000 مليون مليون كم

 

نشأة الكون

حقيقة اكتشفت في الثلث الأول من القرن العشرين‏ أن المجرات تتباعد عنا وعن بعضها البعض بسرعات تكاد تقترب أحيانا من سرعة الضوء‏ (‏ المقدرة بحوالي‏300000‏ كيلو متر في الثانية‏),‏ وقد سبق القرآن الكريم كل تلك المعارف بأكثر من 13 قرنا إذ يقول الحق ‏(‏ تبارك وتعالي‏) :‏ والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون (‏ الذاريات‏:47)‏

وإذا عدنا بهذا الاتساع الكوني الراهن إلي الوراء مع الزمن فإن كافة ما في الكون من صور المادة والطاقة والمكان والزمان لابد أن تلتقي في جرم واحد‏,‏ انفجر بأمر من الله تعالي فنشر مختلف صور الطاقة‏,‏ والمادة الأولية‏,‏ للكون في كل اتجاه‏,‏ ومن المواد الأولية تخلقت العناصر علي مراحل متتالية‏,‏ وبدأ الكون في الاتساع‏,‏ ومع اتساعه تحولت مادة الكون إلي سحابة من الدخان الذي خلقت منه الأرض وكل أجرام السماء‏,‏ وما يملأ المسافات بينها من مختلف صور المادة والطاقة‏,‏ وظل الكون في التمدد والتوسع منذ لحظة الانفجار العظيم إلي يومنا‏,‏ وإلي أن يشاء الله‏.‏

والانسحاق الشديد هو عملية معاكسة لعملية الانفجار الكوني الكبير تماما‏.‏

وقد سبق القرآن الكريم كل تلك المعارف بالتحدث عن ذلك الانفجار سبقها بأكثر من 13 قرنا إذ يقول الحق ‏(‏ تبارك وتعالي‏): أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ {30} الأنبياء

 

الأرض

الأرض هي أحد كواكب المجموعة الشمسية التسعة‏,‏ وهي الثالثة بعدا عن الشمس‏,‏ وتفصلها عنها مسافة تقدر بنحو 150 مليون كيلو متر ‏,‏ والأرض عبارة عن كوكب شبه كروي‏,‏ له غلاف صخري‏,‏ وتتلخص بعض أبعاده وخصائصه في النقاط التالية‏:‏

 

 

 

م

 

العنصر

 

يقدر بـ

 

1

 

متوسط قطر الأرض

‏12742‏ كيلو مترا‏

2

 

مساحة سطح الأرض

510‏ ملايين كيلو مترا مربعا‏

3

 

منها مساحة اليابسة

148‏ مليون كيلو مترا مربعا‏

4

 

أعلي ارتفاع عليها

8848‏ مترا‏

5

 

ومنها مساحة المسطحات المائية

362‏ مليون كيلو مترا مربعا‏

6

 

أعمق أعماق المحيطات‏

11033‏ مترا‏

7

 

حجم الأرض

108‏ ملايين كيلو مترا مكعبا‏‏

8

 

كتلة الأرض‏

6000‏ مليون مليون مليون طنا‏

 

 

إن أقرب أجرام السماء إلينا هو القمر الذي يبعد عنا في المتوسط بمسافة‏(383942‏ كيلومترا‏),‏ وتقدر كتلته بنحو سبعين مليون مليون مليون طن‏,‏ ويدور في مدار حول الأرض يقدر طوله بنحو‏2.4‏ مليون كيلومتر بسرعة متوسطة تقدر بنحو كيلومتر واحد في الثانية‏,‏ وهي نفس سرعة دورانه حول محوره‏,‏ ولذلك يري منه وجه واحد لأهل الأرض‏.‏

 

قام العلماء بتصوير جزء صغير من مجرتنا درب التبانة لمنطقة تسمى M13 وهي عبارة عن تجمع للنجوم يحوي أكثر من 100000 نجم، ويبعد عنا 25000 سنة ضوئية، وهذا التجمع هو واحد من 150 تجمعاً في مجرتنا. وكل نجم من هذه النجوم هو شمس كشمسنا أو أكبر منها.

وكما سبق أن الكون يحوي مئات البلايين!! وبالرغم من ذلك لا تشكل إلا أقل من 5 بالمائة من البناء الكوني، أما الـ 95 بالمائة الباقية فهي مادة مظلمة لا تُرى.

 

حجم الإنسان بالنسبة للكون

فإذا ما تأملنا لهذا الكون العظيم فكم سيكون حجم الإنسان بالنسبة للأرض وكم سيكون حجم الأرض بالنسبة للمجموعة الشمسية وكم سيكون حجم المجموعة الشمسية بالنسبة للمجرة وكم سيكون حجم المجرة بالنسبة للمجرات الباقية سنقول واثقين مطمئنين لقول الله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[غافر: 57]

ولو قلنا فرضاً إن هذه المجرات الهائلة هي السماء الدنيا - السماء الأولى- أو فرضاً السموات السبع ولم يكتشف من هذا الكون الهائل المليء بالمجرات إلا أقل من 5 بالمائة من البناء الكوني، فكم تساوي هذه المجرات مع الأشياء التي لم تعرف إلى الآن بالنسبة للكرسي.

إن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن ذلك بمثال تقريبي يبين فيه عظمة هذا الكرسي فقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة "([14])

والكرسي هو الذي بين يدي العرش فالكرسي قد وسع السماوات والأرض مع عظم السماوات ومع عظم الأرض، قال تعالى: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾[البقرة: 255]

والكرسي صغير أيضاً بالنسبة إلى العرش، كما ورد أن الكرسي نسبته إلى العرش كحلقه ملقاة بأرض فلاة.

فهذا دليل على عظم هذا الكرسي ثم عظم هذا العرش([15]).

فمن هذه الأرقام نعرف عظمة هذا الكون وهذه الدنيا التي نعيش فيها ومهما تصورنا عظمتها واتساعها فهي لا تساوي جناح بعوضة كما نطق بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء

 

الإيمان بحقارة الدنيا مع العمل فيها.

(ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالم أو متعلم) رواه الترمذي وحسنه.

أي: مبغوضة من الله، واستثنى: (إلا ذكر الله وما والاه) وما كان في معناه من أعمال البر والخير، ويدخل في ذلك التكسب للإنفاق على النفس والأولاد والصدقة من المال المكتسب

ومن أمثلة احتقار الدنيا

عمر رضي الله عنه -وهو أمير المؤمنين- حين قدم الشام ، قال لأمير الجيش أبي عبيدة أمين الأمة رضي الله عنهم جميعاً: اذهب بنا إلى منزلك.

من أهداف عمر رضي الله عنه حين قدم الشام أن يزور بيت أميره ليثلج صدره برؤية مظهرٍ نادرٍ من مظاهر احتقار الدنيا الفانية

فقال أبو عبيدة: [[وما تصنع عندي؟ إن تريد إلا أن تعصر عينيك، قال: لا بد، فدخل عمر ، فلم يرَ في بيت أمير الجيش شيئاً يرد البصر، فقال: أين متاعك؟ لا أرى إلا لبداً وصحفةً وشناء، وأنت الأمير، أعندك من طعام؟ فقام أبو عبيدة إلى جونةٍ، فأخذ منها كسيرات خبزٍ يابسة وقدمها إلى أمير المؤمنين عمر ، فلم يتمالك نفسه حينما رأى ذلكم البيت الذي كأنما هجر من دهر، وذلكم الطعام الخشن، فأجهش ونشج، فقال له أبو عبيدة: قد قلت لك إن تريد إلا أن تعصر عينيك يا أمير المؤمنين، يكفينا ما يبلغ المقيل، فأجهش أخرى، وقالها في تواضع كبير من رجلٍ كبير.. غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة]]

 

ولا خوف على المسلم من التعلق بالدنيا إذا كان المال عنده بمثابة الدابة (سيارة مثلا) يركبها في تنقله فهو يحصل المال للحاجة ولكن القلب ليس متعلقاً بهذه الحاجة ( السيارة)، ولا ينام على ذكره، ويصحو عليه، ويراه في منامه.

 

فوائد معرفة حقارة الدنيا

1- إذا رأينا صاحب متاع لا نتأسف ولا نتحسر، وإنما نقول: هذه زينة، إن كان إنساناً تقياً فهو يطيع الله في هذا المال، وإن كان فاسقاً فهو استدراجٌ له، وإن كان كافراً فهذا غاية مناه وقصارى ما يأمل في هذه الحياة

2- هذا المفهوم ( الإيمان بحقارة الدنيا) يجعل الإنسان سخياً بما في يده في سبيل الله، لأنه يعلم أن هذا الذي ينفق هو الذي يبقى، والذي يدخره عنده هو الذي يزول.

 

الخوف على الدنيا

قال ربنا جل شأنه: ((إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً)).

الإنسان هلوع.. جزوع عند مس الشر، يحسب أنه دائم لا كاشف له. ومن ثم يأكله الجزع، ويمزقه الهلع.

والإنسان منوع للخير إذا قدر عليه يحسب أنه من كده وكسبه فيضن به على غيره، ذلك أنه لا يدرك حقيقة الرزق ولا يتطلع إلى خير منه عند ربه.. فهو هلوع في الحالتين.. هلوع من الشر.. هلوع على الخير.. وهي صورة بائسة للإنسان، حين يخلو قلبه من الإيمان.

ومن ثم يبدو الإيمان بالله ليس كلمة تقال باللسان، ولا شعائر تعبدية تقام بل إنه حالة نفس ومنهج حياة.

وصفة المؤمنين المستثنين من الهلع، تلك السمة العامة للإنسان، يفصلها السياق هنا ويحددها: ((إلا المصلين. الذين هم على صلاتهم دائمون)).

والصلاة فوق أنها ركن الإسلام فهي وسيلة الاتصال بمصدر الأحداث ومدبر الأحوال "بالله" فيطمئن إلى قدره شاعر برحمته، مقدر لابتلائه، متطلع دائما إلى فرجه من الضيق، ويسره من العسر متجه إليه بالخير، عالم أنه ينفق مما رزقه، وأنه مجزي على ما أنفق في سبيله، معوض عنه في الدنيا والآخرة.. فالإيمان كسب في الدنيا يتحقق قبل جزاء الآخرة، يتحقق بالراحة والطمأنينة والثبات والاستقرار طوال رحلة الحياة الدنيا. ([16])

وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا: ((الذين هم على صلاتهم دائمون)). تعطي صورة الاستقرار والاستطراد، فهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل وهي صلة بالله مستمرة غير منقطعة.([17])

 

نتائج الركون الي الدنيا

 

1 ـ دخول النار

إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ {7} أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {8} يونس

2 ـ نسيان الله لهم

الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ {51}الأعراف

3 ـ الخذلان وتشديد العذاب عليهم .

أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {86}البقرة

4 ـ الحرمان من ولاية الله وشفاعته

وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ {70}الأنعام

5 ـ الحكم عليهم بالضلال

الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ {3}إبراهيم

 

 

ولقد قسم الله الأرزاق على عباده بحكمة لا يعلمها إلا هو ، وسن لذلك قانونا هذه بعض مواده

 

1 ـ مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ {20}الشورى

قمة العدل الإلهي ، واختيارية للبشر لا محدودة ، بحيث لا يلوم الفرد إلا نفسه إذا أورد نفسه موارد التهلكة فمن اشترى دنياه بآخرته ، فسيؤتيه الله ما يريد، دون أن يكون له رصيدا في ميزان حسناته يوم تتطاير الصحف.

وفي نفس الوقت تحمل الآية بشرى لمن يشتري الآخرة بدنياه ، فيعد الله تعالى هذا الصنف من البشر بزيادة الحرث ، ويقصد به التوفيق في كل أعماله ، وفتح مجالات متجددة للطاعة بغية مضاعفة الحسنات له

2 ـ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {32}الأعراف

لم يحرم الدنيا على عباده المؤمنين بل أباح لهم التمتع بطيبات الحياة ،وإن شاركهم فيها غيرهم في الدنيا ، أما في الآخرة فهي لهم دون غيرهم لأنه تعالى حرم الجنة على الكافرين

3ـ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً {28} وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً {29}الأحزاب

تأكيد من الله على مبدأ خيارية البشر في نهج السبيل الذي يرتضيه كل فرد لنفسه

وكان توقبت ومكان صدور هذا المرسوم الإلهي من داخل البيت النبوي شيئا رائعا ليكون نموذجا يحتذى به في كل زمان ومكان.

4- (اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ {26}) الرعد

 

عدم الاغترار بما عليه الكفار من نعيم الدنيا

إذا رأيت -أيها المؤمن- الدول الكافرة عندها متاع الدنيا: سيارات فارهة، وقصور مرتفعة، وثمار ناضجة، وصحة وأجساد، وبهجة الدنيا وزينتها؛ فاعلم أنما هذه طيباتهم عجلت لهم في الحياة الدنيا لأنه ليس لهم في الآخرة من نصيب.

يدخل عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في عليَّةٍ قد اعتزل نساءه، مضطجعا على حصير، قد أثر الحصير في جنبه، متكئاً على وسادة من جلدٍ حشوها ليف، فلما رآه عمر لم يملك نفسه، وجثا، وهملت عيناه رضي الله عنه وأرضاه، وقال: {صفوة الله من خلقه وخيرته أنت فيما أرى، وفارس والروم يعبثان بالدنيا وهم لا يعبدون الله، ادع الله فليوسع على أمتك يا رسول الله! فاحمرَّ وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أو في شكٍ أنت يا بن الخطاب ؟ أو في هذا أنت يا بن الخطاب ؟ أولئك قومٌ عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فاحمد الله يا عمر ، قلت: الحمد لله

وإذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج لهذا الفاسق حتى يزداد ولأن هذه الدنيا وضيعة عند الله لا تساوي جناح بعوضة جعل الله في حكمته أنه لا يدوم فيها شيء، متاع زائل، أعمار منقضية، وأجساد للتراب، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن حقاً على الله تعالى ألا يرفع شيئاً من أمر الدنيا إلا وضعه)

صاحب القوة في النهاية أمره إلى ضعف وصاحب المال قد يفتقر ويزول ماله أو يموت وهو غني فلا يستفيد من ماله في قبره بشيء، وصاحب الملك يزول ملكه... وهكذا، أو يموت فلا يستفيد من ملكه شيء

 

كيفية دخول الدنيا في الآخرة

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجلٌ بفلاةٍ من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله) والحرة: الأرض الملبسة حجارة سوداء. والشرجة: مفرد شراج، وهي مسالك الماء.. الطرق التي يسيل فيها الماء وينحدر. (فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله -الذي نزل من السماء- فتتبع الماء) هذا الرجل الذي سمع الصوت من السحابة يتتبع الماء إلى أين ينتهي (فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحاب) طابق الاسم الذي قاله له الرجل الاسم الذي سمعه في السحابة قبل قليل: اسق حديقة فلان.. (قال: فما تصنع فيها؟ -ما شأنك في هذه الحديقة والمزرعة- قال: أما إذا قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثه) رواه مسلم.

هذا الحديث يدل على الاشتغال بالزرع لحاجة الإنسان وأهله، وحاجة الأرض والمشروع الأساسي، ثلثان لهذا الذي يتصور الناس أنه من الدنيا، ولكن ذلك الرجل بصلاح نيته وصدقته.. الثلث من الدخل صدقة، قد بلغ به هذا الحال عند الله أن أكرمه بهذه الكرامة العظيمة.

مثال آخر في قضية دخول الدنيا في الآخرة: لنتأمل في مسألة التجارة في الحج؛ هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، أباح الشارع الحكيم التجارة فيه لعلمه بحاجات الناس وما يصلحهم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [كانت عكاظ و مجنة و ذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها -في مواسم الحج- فأنزل الله: (( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ))[البقرة: 198]] رواه البخاري.

 

كيف جمع الصحابة بين كسب الدنيا والعلم والعمل؟

قال عمر -رضي الله عنه- لـابن عباس: [كنت أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد، وهم من عوالي المدينة ، وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم، فينزل يوماً وأنزل يوماً؛ فإذا نزلت جئته بما حدث من خبر ذلك اليوم من الوحي أو غيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك] رواه البخاري . أي كان عمر يعمل يوماً وينزل ذلك الرجل لطلب العلم، والرجل يعمل في اليوم الثاني وعمر ينزل في ذلك اليوم لطلب العلم، ثم يخبر كل واحدٍ منهما الآخر بما حصل في ذلك اليوم من العلم

وهكذا وفق الصحابة بين الحاجات الدينية، والحاجات الدنيوية، فلم يكونوا ممتنعين عن الكسب،لأنهم لم يكونوا يمدون أيديهم للناس وهم يستطيعون كسب أقواتهم

قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أفضل الكسب: (بيع مبرور، وعمل الرجل بيده) رواه الإمام أحمد. وقال عبد الرحمن بن عوف حينما جاء المهاجرون فقراء إلى المدينة : [ دلوني على السوق ]. إنها لحركةٌ عجيبة.. حركة المجتمع المدني في عهد النبوة! الجهاد قائم، وطلب العلم قائم، والعبادة قائمة، والتجارة قائمة، ورعي الغنم قائم، والزراعة قائمة، فالمجتمع يعمل للدنيا والآخرة.

 

من موجبات العذاب في الدنيا والآخرة

 

1ـ الكفر

قال تعالى :

فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ {56} آل عمران

وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ {20} الأحقاف

 

2 ـ البغي والظلم

قال تعالى :

وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ {102}هود

قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ( أتدرون من المفلس ؟ )قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : (المفلس من أمتي يوم القيامة من يأتي بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم عرض هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وضرب هذا فيقعد فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار)

 

3 ـ اشاعة الفحشاء

قال تعالى :

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {19}النور

 

4 ـ رمي المحصنات

قال تعالى :

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {23}النور

 

5 ـ عقوق الوالدين

قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم كُلُّ الذُّنُوبِ تُؤَخَّرُ إِلَى مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّهُ يُعَجِّلُهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الْمَمَاتِ ...... الحديث

 

سبيل النجاة

 

أن تستقر بالنفس مفاهيم منها:

 

1ـ ما عند الله خير وأبقى

قال تعالى:

مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {96}النحل

 

2ـ الصدقة

قال تعالى :

إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {271}البقرة

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى اللهم عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال:

ص.بخاري(أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان )

 

3- الصبر

قال تعالى مشيرا إلى فضيلة الصبر:

وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146}آل عمران

وقد ميز الله الصابرين يوم القيامة بميزة يغبطهم عليها كل أهل المحشر.

في هذا الموقف العظيم، والذي من شدته يتمنى البعض الانصراف منه حتى ولو كان إلي النار .في هذا اللحظة الحاسمة يفتح باب الصبر من الجنة ويدخل منه الصابرون دون أن يحاسبوا ، وحين يندهش الخلق مما يرون ينادي منادي من قبل الله يقول :

قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {10} الزمر

 

4ـ الخشية من الله

قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:

الترمذي( يقول عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله

 

5ـ صلة الرحم

عن عائشة أم المؤمنين قالت قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم:

إبن ماجه( أسرع الخير ثوابا البر وصلة الرحم وأسرع الشر عقوبة البغي وقطيعة الرحم)

عن عائشة أن النبي صلى اللهم عليه وسلم قال لها:

 

6ـ الدعاء

عن أنس بن مالك عن النبي صلى اللهم عليه وسلم: قال الدعاء مخ العبادة )

وفي حديث آخر قال صلى اللهم عليه وسلم: ( إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)

 

7ـ ذكر الموت

حكي أن رابعة العدوية رحمها اللّه كانت تقول

)لكل يوم ليلة وهذه ليلتي أموت فيها فلا تنام حتى تصبح وتقول للنهار كذا فلا تنام حتى تمسي)

 

8 ـ اليقين بأن الله يضع كل ما ارتفع في الدنيا

كان للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العضباء لا تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال صلى الله عليه سلم:

ص, بخاري(إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه )

ِ

نعيم الدنيا وبؤسها بالنسبة للآخرة

ضرب النبي عليه الصلاة والسلام المثل فقال: (يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في جهنم صبغة ويرفع، ثم يقال له: يا بن آدم! هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب! ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة صبغة واحدة فيقال له بعد ما صبغ بهذه الصبغة: يا بن آدم! هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط) هذا على غمسة فكيف وهم سيعيشون فيها خالدين فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7].

الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الجنة

ابتلانا الله بهذه الحياة الدنيا لينظر كيف نعمل، وجعل بعدها داراً أخرى فيها المقامة، حدثنا بما أعد فيها من النعيم، لتتحرك الأرواح إلى بلاد الأفراح، وكل نعيمٍ في الدنيا ففي الجنة ما هو أكمل منه ولا تشابه بين النعيمين إلا في الاسم أحياناً فقط، وأما الحقيقة فبينهما أعظم مما بين السماء والأرض من الفرق

 

العنصر

 

الدنيا

 

الجنة

 

الطعام

 

تعب في تحصيله، وأكله ثم تعب بعدما يؤكل ثم بعد هضمه وكيف يجتمع فضلات ثم يخرج.

طعام طيب وكذلك الفواكه قطوفها دانية، لا يحتاج إلى عناءٍ في تحصيله

الشراب

 

فيه منغصات كثيرة، فمنه ما يسبب المغص في البطن وارتفاع السكري، وأنواع الآفات

أشربة الجنة { أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً}(محمد: من الآية15).

الآنية

 

آنية الدنيا تنكسر، تصدأ، تضيع وتتلف

{ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} (الإنسان:15).{قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ} (16) سورة الإنسان

البناء

 

يقضي الإنسان سحابة من عمره حتى ينجزه، فإذا أنجزه ظل عرضة للفساد والانهيار

لبنة من فضه، ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر - شديد الرائحة-

النساء

 

فيهن من الاعوجاج وذهاب الجمال شيئاً فشيئا، وكذلك ما يكون فيهن من الحيض والنفاس والبول والعرق وسيء الرائحة أحيانا

جعلهن الله مطهرات من الحيض والنفاس وغيره أخلاقهن مطهرة، قال -سبحانه وتعالى- : {عُرُباً} متحببات لأزواجهن بالأخلاق الحسنة،{ أَتْرَاباً}(الواقعة: من الآية37) في سن واحدة.

{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}(الرحمن: من الآية56) . لا تنظرن إلى غير زوجها.

{حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} (الرحمن:72) .لا يخرجن منها.

الخدم

 

هذه تضع السم وأخرى تؤذي الأولاد وتلك تكيد لامرأته وهذه تسرق

يستقبلونهم سلام عليكم، ويطوفون عليهم بالأكواب والأباريق، يطوفون عليهم بأنواع الأطعمة يخدمونهم بأنواع الألبسة

المناخ

 

منغص ومكدر وفيه شدة حرارة محرقة، وقاتلة أحياناً، وشدة برودة كذلك، أتربة رمال زاحفة زوابع رعدية، وصواعق قاتلة، مرة حر شديد، ومرة برد شديد، تقلبات

أما في الجنة {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً} (الإنسان:13) .

فليس عندهم حر مزعج، ولا برد مؤلم، بل هي مزاج واحد دائم سرمدي، {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً}(النساء: من الآية57).

 

 

ولكي نصل إلى لحظة تصالح بيننا وبين أنفسنا ، لحظة نرضي بها ربنا ، علينا

بالإخلاص في النية والعمل

والتوكل علي الله

ولنلذ بالخوف

ونتمسك بالرجاء.

 

أولا: تجديد النية لكل عمل

( النية سر العبودية وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد)

قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {163}الأنعام

وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)

 

ثانيا :التوكل على الله

لقد وصف الرسول العظيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ التوكل: ( بأنه السعي في طلب الرزق، والاعتماد علي مسبب الأسباب )

 

ثالثا : الرجاء

والرجاء ثلاث أنواع :

النوع الأول: فلنعمل جاهدين على أن نكون من أهله ، وهو رجاء من يعمل بطاعة الله دوما ، لينال ثواب الله الجزيل .

والنوع الثاني: يجب ألا نغفل عنه إن ضعفت و زلت أقدامنا وارتكبنا اثما ، وذلك لننال عفو الله ومغفرته .

أما النوع الأخير، فهو رجاء كاذب لايفيد صاحبه الذي يفرط في المعاصي ولا يحدث لذ نبه توبة .

رابعا: الخوف من الله

ومن ثمرات الخوف من الله في الدنيا:

التمكين في الأرض، وزيادة الإيمان والطمأنينة ، قال عز وجل:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ {13} وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ {14}إبراهيم

ومن ثمرات الخوف في الآخرة..

1ـ يجعل الإنسان في ظل العرش يوم القيامة:

( ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ) (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)

2ـ يؤدي إلى الجنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم :

(من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة)

3ـ يرفع الخوف عن الخائف يوم القيامة ، قال الحبيب محمد ـ صلى الله عليه وسلم محدثا عن رب العزة

( وعزتي وجلالي، لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته في الآخرة).

 

أقوال مأثورة عن الدنيا

  • سئل الإمام أحمد رحمه الله: أيكون الرجل زاهداً في الدنيا وعنده مائة ألف؟ قال: نعم. إذا لم يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت.

  • قال سفيان: الزهد في الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباء

  • قال فضيل بن عياض: ما أطال رجل الأمل إلا أساء العمل.

  • وقال بكر المزني : إن استطاع أحدكم ألا يبيت إلا وعهده -وصيته- عند رأسه مكتوب فليفعل، فإنه لا يدري لعله يبيت في أهل الدنيا فيصبح في أهل الآخرة.

  • إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج "حديث صحيح".

  • قيل لإبراهيم بن أدهم: كيف وجدت الزهد فى الدنيا ؟!

فقال إبراهيم : بثلاثة أشياء ، قيل : وما هى ؟!

قال إبراهيم : رأيت القبر موحشاً وليس معى مؤنس ، ورأيت الطريق طويلاً وليس معى زاد ، ورأيت جبار السموات والأرض قاضياً وليس معى من يدافع عنى .

  • من أجمل ما قيل فى قول اللـه تعالى فى حق نبى اللـه يحيى { وَأتينَاهُ الحكْمَ صَبِياً }

أن بعض قرنائه دعوه للعب ـ وكلهم صغار ـ فقال لهم بلسان الحكمة :( ما للعب ولا للهو خلقنا)

  • وقد أوثر عن المسيح – عليه السلام – أنه قال لأصحابه : ( اعبروا ولا تعمروها )

وقال أيضا : ( من ذا الذي يبني علي موج البحر دارا تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا )

  • قال أحد الحكماء: ( كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره ، وشهره يهدم سنته ، وسنته تهدم عمره وكيف يفرح من يقوده عمره إلي أجله ، وتقوده حياته إلي موته !)

  • ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس (حديث)

  • الدنيا بحر عريض قد هلك فيه الأولون والآخرون .. إن استطعت فاجعل سفينتك تقوى الله،وعدتك التوكل على الله، وزادك العمل الصالح،فإن نجوت فبرحمة الله ، وإن هلكت فبذنوبك لقمان
  • مفاوز الدنيا تُقطع بالأقدام ، ومفاوز الآخرة تُقطع بالقلوب .
  • ما ركن إلى الدنيا أحد إلا لزمه عيب القلوب ، ولا مكَّن الدنيا من نفسه أحد إلا وقع في بحر الذنوب
  • فكرك في الدنيا يلهيك عن ربك وعن دينك ، فكيف إذا باشرتها بجميع جوارحك
  • ـ الناس ثلاثة : فرجل شغله معاده عن معاشه فتلك درجة الصالحين ، ورجل شغله معاشه لمعاده فتلك درجة الفائزين ، ورجل شغله معاشه عن معاده فتلك درجة الهالكين .
  • الدنيا لا قدر لها عند ربها وهي له ، فما ينبغي أن يكون قدرها عندك وليست لك .
  • الدنيا خراب، وأخرب منها قلب من يعمرها، والآخرة دار عمران وأعمر منها قلب من يطلبها .
  • لست آمركم بترك الدنيا، آمركم بترك الذنوب، ترك الدنيا فضيلة، وترك الذنوب فريضة، وأنتم إلى إقامة الفريضة أحوج منكم إلى الحسنات والفضائل
  • ـ قيل لأحد الصالحين: إنك لتحب الدنيا، فقال:أخبرني عن الآخرة، أبالطاعة تنال أم بالمعصية ؟ قال: لا، بل بالطاعة، قال: فأخبرني عن الطاعة، أبالحياة تنال أم بالممات ؟ قال: لا، بل بالحياة، قال: فأخبرني عن الحياة، أبالقوت تنال أم بغيره ؟ قال: لا، بل بالقوت، قال: فأخبرني عن القوت، أمن الدنيا هو أم من الآخرة ؟ قال: لا، بل من الدنيا، قال: فكيف لا أحب دنيا قُدِّر لي فيها قوت أكتسب به حياة أُدرك بها طاعة أنال بها الآخرة ؟!، فقال الرجل: أشهد أن ذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنّ من البيان لسحراً
  • من قنع من الدنيا باليسير هان عليه كل عسير.

  • الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة؛ فكيف بغم العمر؟ ابن القيم
  • أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها، وأنفع لها في معادها ابن القيم
  • قال حكيم : مثل الدنيا و الآخرة كمثل رجل له امرأتان ضرتان إن أرضى احدهما اسخط الأخرى
  • قال ابن السماك : الزاهد في الدنيا الذي إن أصاب الدنيا لم يفرح وإن أصابته الدنيا لم يحزن .... يضحك في الملأ ويبكي في الخلاء
  • قيل للخليل بن أحمد : من ازهد الناس في الدنيا ؟ قال من لم يطلب المفقود حتى يفقد الموجود.
  • قيل للزهري : ما الزهد في الدنيا ؟ قال : اما انه ليس تشعيث اللمة ولا قشف الهيئة ولكنه صرف النفس عن الشهوة

وحتي لا تضل بنا السفينة أو نغرق علينا أن نعي جيدا وصية رسولنا العظيم – صلوات الله وسلامه عليه – حين قال مرشدا الأمة :

  • ( اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك )

 

 

 

[1]- أخرجه الترمذي في سننه، 4/561، برقم: 2323وقال فيه حديث حسن صحيح وصححه الألباني.

 

[2]- مصابيح التنوير على صحيح الجامع الصغير للألباني، 1/499.

 

[3]- أخرجه الترمذي في سننه، 4/588، برقم: 2377 وقال فيه حديث حسن صحيح وصححه الألباني.

 

[4]- أخرجه مسلم في صحيحه، 8/ 210 برقم: 7607.

 

[5]- الديباج على مسلم،6/273.

 

[6]- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة،131.

 

[7]- أيسر التفاسير للجزائري، 1/421.

 

[8]- أيسر التفاسير للجزائري، 2/50.

 

[9]- أيسر التفاسير للجزائري، 1/1734.

 

[10]- التفسير الميسر، 10/44.

 

[11]- أيسر التفاسير للجزائري، 3/261

 

[12]- أخرجه الترمذي في سننه، 4/560، برقم: 2320. وصححه الألباني

 

[13]- أخرجه الترمذي في سننه، 4/561، برقم: 2322 وقال حديث حسن غريب وحسنه الألباني.

 

[14]- أخرجه ابن حبان في صحيحه،2/76 برقم361، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة، 1/108 ،برقم:109.

 

[15]- شرح العقيدة الطحاوية لابن جبرين، 11/ 3,

 

([16]) في ظلال القرآن

 

([17]) في ظلال القرآن

  • أعجبني 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..