اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
حمدى السيد

بنو اسرائيل ووعد الآخرة (متجدد)

Recommended Posts

أسماء بنو اسرائيل

من أشهر أسماء بني إسرائيل: العبريون والإسرائيليون ويهود أو اليهود فقد سموا بالعبريين نسبة إلى سيدنا إبراهيم نفسه فقد ذكر في سفر التكوين باسم ( إبراهيم العبراني ) لأنه عبر نهر الفرات وأنهاراً أخرى[1] أما سبب تسميتهم بالإسرائيليين أو بني إسرائيل فقد سُمُّوا بذلك نسبة إلى أبيهم إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام وإسرائيل كلمة عبرانية مركبة من ( إسرا) بمعنى: عبد أو صفوة و (إيل) وهو الله فيكون

 

معنى الكلمة عبد الله أو صفوة الله وقال ابن عباس قولك إسرائيل كقولك عبد الله[2]ولم تخاطب اليهود في القرآن إلا بيا بني إسرائيل دون يا بني يعقوب لحكمة تستحق الذكر وهي أنَّ الله خاطبهم وكأنه يقول لهم ويذكرهم دائماً بيا أبناء من كان عبداً لله أي خاطبهم الله بنسبتهم لعبادته حثَّاً لهممهم وتذكيراً بدين أبائهم عظة لهم وتنبيهًا من غيِّهم إثباتاً للحقيقة الواضحة أنهم أهل لجاج وعناد يحتاجون دائماً إلى تذكيرهم بعبادة الله لكي لا يحيدوا ويا ليتهم يفعلون وكان

 

أولاد يعقوب الذكور اثني عشر ولدا وقد جاء ذكر يعقوب في آيات كثيرة من القرآن الكريم منها قوله تعالى {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} وذكر يعقوب والأسباط في مواضع عدة من كتاب الله مثل {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ

 

وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً} والأسباط[3] الذين تفرع منه وتناسل بنو إسرائيل جميعاً إنما هم ولَدُ يعقوبَ إبتداءاً والمعاني اللغوية للكلمة متنوعة ولكنها مترابطة قال الزمخشري: السِّبْط هو الحَافِدُ واشتقاقهم من السبط وهو التتابع وهم سُمُّوا بذلك لأنهم أمة متتابعون وقيل: من " السَّبَط " جمع سَبَطَة وهو الشجر الملتف أو في الكثرة كالشجر وواحدته سَبَطة (وسباطة الموز معروفة)وقيل للحَسَنَيْنِ سِبْطا رسول اللـه صلي الله عليه وسلم لانتشار ذرّيتهما ثم

 

قيل لكل ابن بنت:سِبْط وقال الإمام القرطبي: والسِّبْطُ في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل وتجدر الإشارة إلى أن أبناء يعقوب أو الأسباط هم المعنيون بقوله تعالى {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} يعني فيهم الإثنا عشر فرداً دلائل إعجاز للسائلين وسبب ذلك أن اليهود أرسلوا للنبي صلي الله عليه وسلم من يسأله في مكة عن خبر نبي كان بالشام أُخرج ابنه إلى مصر فبكى عليه حتى عمي؟ ولم يكن بمكة وقتها من يعرف الجواب فأنزل

 

الله سورة يوسف جملة واحدة فيها خبر التوراة وأكثر فأُفْحِمُوا وبُهتُوا وقيل أنهم سألوه صلي الله عليه وسلم لمَ نزل أبناء يعقوب مصر؟ فكانت هذه القصة دالة على نبوة رسول الله لأنه لم يقرأ الكتب المتقدمة ولم يجالس العلماء والأحبار ولم يأخذ عن أحد منهم شيئاً البتة فدلَّ ذلك على أن ما أتي به وحيٌّ سماويٌّ أوحاه الله إليه وأيده به[4] أما عن سبب تسميتهم بيهود فقد قيل إنهم سُمُّوا بذلك حين تابوا عن عبادة العجل وقالوا لله: إنا هدنا إليك أي تبنا ورجعنا وأنبنا إليك

 

يارب وفى لسان العرب: الهود: التوبة هاد يهود هودا: تاب ورجع إلى الحق فهو هائد وفى التنزيل العزيز{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ} أي تبنا ورجعنا إليك[5] ويهود اسم للقبيلة وقالوا (اليهود) فأدخلوا الألف واللام فيها على إرادة النسب يريدون اليهوديين وقد أورد الإمام ابن كثير أنهم سمُّوا باليهود لنسبتهم إلى يهوذا أكبر

 

أولاد يعقوب وأورده القرطبي وأضاف قائلاً: فقلبت العرب الذال دالاً لأن الأعجمية إذا عُرِّبت غُيّرت عن لفظها ويقول الدكتور جواد على : ولفظ يهود أعم من لفظة عبرانيين وبني إسرائيل ذلك أن لفظ يهود تطلق على العبرانيين وعلى غيرهم ممن دخلوا في دين يهود وهو ليس منهم وقد أطلق الإسرائيليون وأهل يهوذا لفظة يهود على أنفسهم وعلى كل من دخل في ديانتهم وتمييزا لهم عن غيرهم ممن لم يكن على هذا الدين.

 

 

يتبع إن شاء الله

[1] ذكره هشام الكلبى ومحمد بن جرير فى معجم البلدان لياقوت الحموى وقيل إنما سمى ابراهيم عبرانياً لأن الله تعالى أنطقه بالعبرانية حين عبر النهر فارّاً من النمرود ببابل فأدركه الجنود بعد عبوره وكانوا لسانهم السريانية فلما كلموه حوّل الله لسانه عبرانيّاً فسمّيت العبرانية لذلك وقيل لما أُمر بالهجرة قال: إني مهاجر إلى ربي أنطقه الله بلسان لم يكن قبله وهو العبرانية فسمى به وقيل سمّي العبرانيَّ من أجل أنه عبر إلى طاعة الله فكان عبرانيّاً وذكر أيضاً أنَّ غربيّ الفرات إلى برّية العرب يسمّى العِبر وإليه ينسب العِبْرِيّون من اليهود لأنهم لم يكونوا عبروا الفرات حينئذ وقيل إن بختنَصّر لما سبى بني إسرائيل وعبر بهم الفرات قيل لبني إسرائيل العبرانيون ولسانهم العبرانية وروى ابن عباس أنَّ أول من تكلم بالعبرانية موسى وبنو إسرائيل حين عبروا البحر وأغرق فرعون تكلموا بالعبرانية فسُموا العبرانيين لعبورهم البحر المؤلف: فالتسمية على الأرجح جاءت من إبراهيم وقد لا يخالف هذا أن موسى وقومه لما عبروا البحر وا تكلموا بالعبرانية التى كانت فيهم من أيام إبراهيم ولكن سراً فيما بينهم فلما تحرروا وصار لهم كيان مستقل تكلم بها موسى أو أنطقه الله بها جهراً فتبعوه[2] وأخرج ابن جرير من طريق عمير عن ابن عباس الإتقان في علوم القرآن [3]وهم: رُوبِيل وهو أكبرهم، وشَمْعُون، ولاَوي، ويَهُوذَا (وفى مصادر هو أكبرهم وإليه ينسبون) وريالُون أو زيولول ويشجر وأمهم ليا وهى بنت خال يعقوب ليان بن ناهر بن آزر ووُلِدَ له من سُرِّيَّتَيْنِ أختلف فى اسمهما كثيراً كانت إحداهما لزوجته راحيل والأخرى كانت لأختها ليا فولدتا له ذان وتفثالا أو نفتالى وجاد واشر وبعد موت ليا زوجته تزوَّج أختها رَاحِيل فولَدَتْ له يوسُفَ وبِنْيَامِين وماتت فى نفاسه فمجموعهم كان إثنا عشر سبطا من الرجال ذكر ذلك بالعديد من المراجع مع إختلاف بالأسماء واخترنا أغلب ما اتفقوا عليه [4] تفسير القرطبي، وتفسير لباب التأويل في معالم التنزيل وكثير غيرها[5] قال بذلك مجاهد وسعيد بن جبير وإبراهيم التيمى والسدى وقتادة

منقول من كتاب [بنو اسرائيل ووعد الأخرة] للشيخ فوزى محمد أبوزيد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

قدوم بنى اسرائيل إلى مصر

 

متى حدث ذلك؟ ولماذا؟ بدأت علاقة بني إسرائيل بمصر بقوة عندما هاجر سيدنا يعقوب بأهله من فلسطين إلى مصر حوالي القرن السادس عشر قبل الميلاد على أثر ما حاق بفلسطين من مجاعة و ما أصاب مراعيها من جدب وقحط وجفاف وبداية الأمر أن أبناء يعقوب كانوا في هذه الفترة يترددون على مصر لقصد التجارة وطلب القوت كالكثير من الكنعانيين فتعرفوا على أخيهم يوسف الذي كان في ذلك الوقت أمينا على خزائن مصر فأكرمهم وطلب منهم أن

 

يحضروا جميعا ومعهم أبوهم يعقوب إلى أرض مصر ليعيشوا فيها ويهجروا فلسطين وقد لبَّى يعقوب طلب يوسف فحضروا إلى مصر وكان عددهم ستا وستين أو سبعا وستين نفسا [1] سوى نسوة أولاده وقد أكرم يوسف مثوى أبيه وأخوته ورقَّق عليهم قلب ملك مصر في ذلك الوقت وطلب بنو إسرائيل من ملك مصر أن يسكنهم في أرض جاسان [2] فاستجاب لهم وقال ليوسف (أبوك وأخوتك جاءوا إليك أرض مصر ففي أفضل أرضها أسكن أباك وأخوتك ليكونوا في أرض

 

جاسان فأسكن يوسف أباه وإخوته وأعطاهم ملكا في أرض مصر وفى أفضل الأرض وعال يوسف أباه وإخوته وكل بيت أبيه بطعام على حسب الأولاد) ذكر السدي ومحمد بن إسحاق وغيرهما من المفسرين أن السبب الذي من أجله قدم إخوة يوسف بلاد مصر أن يوسف لما باشر الوزارة بمصر ومضت السبع سنين المخصبة ثم تلتها السبع السنين المجدبة وعمَّ القحط بلاد مصر بأكملها ووصل إلى بلاد كنعان وهى التي فيها يعقوب وأولاده فحينئذ احتاط يوسف أكثر للناس في غلاتهم وجمعها أحسن جمع وعليها فقد ورد عليه الناس من سائر الأقاليم يمتارون [3] لأنفسهم وعيالهم فكان لا

 

يعطى الرجل أكثر من بعير أما هو فكان لا يشبع نفسه وكان في جملة من ورد للميرة أخوة يوسف عن أمر أبيهم لهم في ذلك فإنه بلغهم أن عزيز مصر يعطى الناس الطعام بثمنه فأخذوا معهم بضاعة يستبدلون بها طعاما وركبوا عشرة نفر واحتبس يعقوب عنده بنيامين شقيق يوسف وكان أحبَّ ولده إليه بعد يوسف فلما وصلوا مصر ودخلوا على يوسف وهو جالس في أبهته ورياسته عرفهم حين نظر إليهم وهم له منكرون أي لا يعرفونه لأنهم فارقوه وهو صغير وباعوه

 

للسيارة (القافلة ولم يعرفوا أين ذهبوا به؟ ولا كانوا يظنون في أنفسهم أن يصير إلى ما صار إليه فلهذا لم يعرفوه وأما هو فعرفهم وشرع يخاطبهم فقال لهم كالمنكر عليهم[4] : ما أقدمكم إلى بلادي؟ فقالوا : أيها العزيز إنا قدمنا للميرة قال: فلعلكم عيون؟ قالوا : معاذ الله قال: فمن أين أنتم؟ قالوا: من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبي الله قال: وهل له أولاد غيركم؟ قالوا: نعم كنا أثنى عشر فذهب أصغرنا فهلك في البرية وكان أحبنا إلى أبيه وبقى شقيقه فاحتبسه أبوه

 

ليتسلى به عنه (أي لينشغل به أو يُذهب به الحزن عن نفسه) وروى ابن وكيع عن السديّ ما يشبهه ونهايته قال يوسف: فكيف تـخبرونـي أن أبـاكم نبي وهو يحبُّ صغيركم دون الكبـير ؟ ائتونـي بأخيكم هذا حتـى أنظر إلـيه فإنْ لَـمْ تَأَتُونِـي بِهِ فَلا كَيْـلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أبـاهُ وإنَّا لَفـاعِلُونَ قال: فضعوا بعضكم رهينة حتـى ترجعوا فوضعوا شمعون وفى النهاية أمر يوسف بإنزالهم وإكرامهم وهنا سؤال هام له علاقة بسبب استمرار تواجد بني

 

إسرائيل بمصر من بعد يوسف وأبيه؟ ألا وهو: من الذي كان يحكم مصر عندما وصل إليها يعقوب وبنوه عندما استدعاهم يوسف ؟يقول المؤرخون: إن الذي كان يحكم مصر عندما هاجر إليها يعقوب وذريته في حوالي القرن السادس عشر ق م هم الهكسوس والهكسوس كانوا مستعمرون أجانب كانوا جماعات من الرعاة نشأوا في آسيا ثم دخلوا مصر على أثر المجاعات التي حلت ببلادهم وانتهزوا فرصة انحلال الأسرة الثالثة عشرة الفرعونية وكثرة خلاف ونزاع الأمراء فاستولى الهكسوس [5] على السلطة في مصر السفلى (الدلتا) وحكموا مصر على امتداد عهد أربع أسر من الأسر القديمة التي حكمت حوالي سنة.1675-1570ق م

يتبع إن شاء الله

 

[1] فصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهري [2] اختلف علماء الآثار في تحديد المنطقة التي أقام بها أسباط يعقوب عند مجيئهم إلى مصر منذ حوالي 34 قرناً مضت وتطلق التوراة اسم جاسان على مكان سكنى إخوة يوسف وقد أوردت التوراة اسم «جاسان» على أنه أرض خصبة تقع شرق الدلتا المصرية بالقرب من الحدود وهي المنطقة التي سمحت السلطات المصرية لبني إسرائيل بالإقامة فيها عند نزوحهم إلى مصر [3] الميرة :جلب الطعام وقال البعض جلب الطعام لبيعه [4] ذكره السدي وغيره [5] الهكسوس والعماليق: هم أقوام من البدو ولم يكونوا من جنس واحد بل كانوا خليطا من قبائل متعددة.ممن كان يقطن في بلاد الشام وبين النهرين" وكان المصرين القدماء يطلقون اسم (هكا سوس) على ملوك الهكسوس في حين كانوا يطلقون اسم (العامو) أو (العاموليق) على شعب الهكسوس البدوي.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

كان يوسف عليه السلام قد تزوج زليخا بعد موت زوجها ودارت الأيام ومرت السنون فولدت له إفرايم أو إفراثيم ومنشا ورحمة وإفرايم هو جد يوشع بن نون فتى موسى في سورة الكهف وولي عهد نبي الله موسى من بعده على بني إسرائيل وهو من قادهم لدخول الأرض المقدسة بعد انقضاء فترة التيه فيما بعد ورحمة كانت زوجة أيوب نبي الله كما قيل وما زال بنو إسرائيل يتكاثرون ويتزايدون ثم قبض الله يعقوب وهو ابن مائة وأربعين سنة كما قيل فحمله يوسف

 

فدفنه ببلاد فلسطين عند تربة إبراهيم وإسحاق كما أوصاه وبعد حوالي عشرين عاماً تقريباً قبض الله يوسف وعمره حوالي مائة وعشرون عاماً واختلف الناس وتشاجروا أين يُدفن لما يرجون من بركته حتى همّوا بالقتال فرأوا أن يدفنوه في النيل حيث مفرق الماء بمصر فيمرُّ الماء عليه ثمّ يتفرع إلى جميع ربوع مصر فيصيبون جميعاً من بركته ففعلوا وجعلوه في تابوت من الرخام وسد بالرصاص وطلي بالأطلية وطرح في النيل نحو مدينة مَنْفَ التماساً لبركته على مصر

 

ونيلها[1] كما أسلفنا وقد نعم بنو إسرائيل بحياة آمنة رخيَّة طوال حكم الهكسوس الغرباء عن مصر فلما تمكن (أحمس) من الانتصار على الهكسوس وطردهم من مصر وأسس الأسرة الثامنة عشرة في القرن السادس عشر حوالي 1570 أو 1580 ق م بدأت المخاوف تراود بني إسرائيل من نظام الحكم الوطني الجديد ثم لما قامت الأسرة التاسعة عشرة التي من بين ملوكها (رمسيس الثاني) جاهر المصريون بعداوتهم لبنى إسرائيل وأخذوا ينزلون بهم أشد الضربات وألوان

 

العقوبات وذلك لأنهم شاهدوا منهم عزلة وغرورا واستلابا لأموالهم بطرق خبيثة ورأوا منهم أيضا تواطأ مع الهكسوس ضد أبناء الأمة الأصليين ومحاولات لقلب نظام الحكم القائم[2] ويصف المؤرخ الدكتور أحمد بدوى علاقة المصريين ببني إسرائيل في تلك الفترة فيقول: {من الثابت في تاريخ مصر بناء على ما جاء في كتب السماء من ناحية وما شهدت به آثار الفراعنة من ناحية أخرى أن (العبرانيين) قد عرفوا مصر منذ أيام الدولة الوسطى على الأقل يجيئوها أول الأمر

 

لاجئين يطلبون الرزق في أرضها ويلتمسون فيها وسائل العيش الناعم والحياة السهلة الرضية بين أهلها الكرام وكانوا أيضاً يجيئوها وهم أسرى في ركاب فرعون كلما عاد من حروبه في أقاليم الشرق ظافرا منصورا فينزلهم حول دور العبادة يخدمون في أعمال البناء ويعبدون أربابهم أحرارا لم يكرههم أحد على قبول مذهب أو اعتناق دين وتطيب لهم

 

الإقامة في مصر وتستقيم لهم فيها أمور الحياة ثم تنزل بالمصريين بعض الشدائد وتحل بديارهم بعض المحن والنوائب فيتنكر لهم بنو إسرائيل ويتربصون بهم الدوائر ويعملون على إفقارهم وإضعاف الروح المعنوية بين طبقات الشعب ابتغاء السيطرة على وسائل العيش في هذا القطر ليفرضوا عليه سلطانهم تارة عن طريق الضغط الاقتصادي وأخرى عن طريق الدين والعقيدة} انتهى

 

وهذا يشرح لك أيها القارئ السبب لماذا كان أهل مصر ينظرون لهم نظرة دنية؟ لأنهم كانوا يأتون إما للعمل بحثاً عن الرزق أو أسرى تحت سيف الذل فيسخرهم المصريون في أعمال الأسرى والفترة القصيرة التي نعموا فيها بحياة كريمة كانت أيام يوسف ويعقوب وتحت حكم الهكسوس المستعمرين قال صاحب (تاريخ بني إسرائيل من أسفارهم) والراجح أن حالة بني إسرائيل تبدلت بعد تقويض حكم الهكسوس في القرن السادس عشر ق م وقيام الإمبراطورية

 

المصرية ويستدل من أوراق البردي المذكورة أن تسخيرهم واضطهادهم قد بلغ الذروة في عهد رمسيس الثاني أعظم ملوك الأسرة التاسعة عشر وفى هذه الحالة المضطربة من تاريخ بني إسرائيل في مصر وأثناء تلك الإضطهادات التي بلغت ذروتها وفى خضم تلك النكبات وخلال تلك البلايا والمصائب التي كانت تنزل ببني إسرائيل من فرعون وجنده أراد الله سبحانه أن يمن عليهم وأن ينقذهم مما هم فيه فأرسل لإنقاذهم وهدايتهم سيدنا موسى

يتبع إن شاء الله

[1] مروج الذهب ومعادن الجوهر، وشجار الناس أورده الثعلبي في تفسيره.

[2] لا تنس أن الهكسوس والإسرائيليين تشابهوا مع بعضهم في أنهم قدموا من خارج مصر هرباً من القحط وبحثاً عن الحياة الرغدة وأقاموا بمصر مستعمرين ( الهكسوس) أو مستوطنين( الإسرائيليين) فتمكنوا فيها وصاروا من ذوى الشأن وهم ليسوا من أهلها أصلاً

 

منقول من كتاب [بنو اسرائيل ووعد الأخرة] للشيخ فوزى محمد أبوزيد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

قصة سيدنا موسى من أطول قصص القرآن الكريم وسنلخصها تلخيصاً سريعاً مركزين على غرضين أساسين أولهما أن نرى كيف أعدَّ الله نبيه موسى لرسالته في بني إسرائيل إعداداً خاصاً ليناسب قومه وكيف كانت كل لمحة في قصته لحكمة تظهر لاحقا وهنا لطيفة: ففرق بعيد بين أمتين أمة بني إسرائيل أرسل الله لها الأنبياء يعقوب فموسى ثم أتبعه بأنبياء وأنبياء وهم لا يزيدون إلا غياً وبعداً وأمة الحبيب المصطفى أرسل الله لها نبياً واحداً فكفى

ووفى من لدن بعثته إلى قيام الساعة والله أعلم بمن أصطفى فاعتبروا يا أولى العقول والنهى

وثانياً لنعرف كيف كانت طباع بني إسرائيل وأخلاقهم مع نبيهم منذ بداياتهم فمثلهم لا تتحسن أخلاقهم بعد أن يدور الزمان بل هي تسوء أكثر فأكثر حتى يأتي وعد الله فيجزيهم الله بما كسبت أيديهم وما ظلمهم الله ولكنهم كانوا أنفسهم يظلمون

ونلتقط خيط قصة موسى من وقت أن طرد المصريون الهكسوس وبدأ المصريون يذيقون بني إسرائيل الهوان والعذاب ومع ذلك

استمر بل كثر شغلهم بالفتن وحبِّ المال والمؤامرات وعاشوا في مجتمع خاص بهم ويكاد يكون مغلقاً عليهم وكان أمر حكام مصر قد استقرَّ على استعبادهم وإذلالهم للإسرائيليين واستخدامهم للخدمة والصناعات والأعمال الدنية واستمر الطرفان على ذلك هذا من الناحية الاجتماعية أما من الناحية الدينية فكانت بنو إسرائيل ما تزال تعبد الله وتتوارث دين أبائهم من التوحيد بينما كل من تأثر من المصريين بيوسف الحاكم المدبر المنقذ لمن كانوا في ملكه وآمنوا معه فبموت يوسف ومع الأيام اندثر من آمن من المصريين برسالته وصاروا المصريون جميعاً يعبدون الآلهة ويطيعون الفراعنة ويبجلون الكهنة والسحرة على دين فرعون إلا أفراداً قلائل الله يعلمهم وكان أن استشرت نبؤة رؤيا رآها فرعون أن هلاكه على يد رجل من بني إسرائيل فأمر فرعون فقتلوا المواليد الصبيان لبنى إسرائيل فلما كثر قتل المواليد الذكور خشي كهنة فرعون وعظماء حاشيته ألا يكون هناك لاحقاً من يخدم أو يصنع من بني إسرائيل فغيَّر فرعون أمره فجعل القتل سنة بعد سنة فولد هارون في سنة السماح فأمن وولد موسى في سنة القتل التي تليها أما عن نسب موسى فاتفق على أن لاوى بن يعقوب وهو سبط أنجب قاهث فأنجب بدوره يصهر وعمران ويصهر هو أبو قارون وعمران هو أبو موسى وأخيه هارون ولذا فإن قارون كان ابن عم موسى وقد حكي القرآن الكريم في كثير من آياته نماذج من العذاب الذي أنزله فرعون مصر وجنده ببني إسرائيل من ذلك قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ

عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} وقوله تعالى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} وقوله تعالى {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} وفى خضم الليل البهيم من البلاء والخوف والرعب والذبح جاء إذن الله وولد نبيه موسى والذبَّاحون والقتلة يترصدون بكل مولود من قبل أن يولد وولد موسى وكان وحى الله لأمه وقصة التابوت وإلقاء موسى في النيل وتتبع إخته له إلى أن وصل زوجة فرعون والتي كانت أطفالها تموت في المهد فوقعت محبته في قلبها فأخذته وأسمته (مو-سا) بالمصرية القديمة أي (ماء وشجر) حيث وجدوه واسترحمت فرعون فوافقها

غير سعيد ثم قصة المراضع وردِّه إلى أمه لتتكامل تنشئته في حضنها مع رعاية القصر وتربَّى موسى تربية أميرية لم يكن لينالها في أوساط الذل والقهر عند قومه فكانت بداية التجهيز له بالعزَّة والرفعة وقوة التنشئة التي يحتاجها كنبي من أولى العزم من الرسل وقيل تربَّى في بيت أمه كمرضعة له تحت رعاية قصر فرعون لهما كإبن تبنَّاه فرعون وكما يحكى التاريخ فقد ولد لفرعون بعد ذلك عشرات الأبناء ولكنه حُرم أولاُ منهم حتى تسترحمه زوجته في موسى فانظر لحكمة الله وفعله

 

منقول من كتاب [بنو اسرائيل ووعد الأخرة]

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

عجوز بنى اسرائيل

 

 

يرى بعض المؤرخين أن بني إسرائيل خرجوا من مصر بقيادة موسى في عهد رمسيس الثاني وقيل في عهد ( منفتاح بن رمسيس الثاني) حوالي سنة 1213 ق م بعد أن طالبه موسى أكثر من مرة بأن يرسل معه بني إسرائيل ليخرجوا إلى أرض الشام وقد وردت قصة خروج بني إسرائيل من مصر إلى أرض الشام في مواضع متعددة من القرآن الكريم ومن ذلك قولة تعالى {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي

 

الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} قال الإمام ابن كثير {لما طال مقام موسى ببلاد مصر وأقام بها حجج الله وبراهينه على فرعون وملئه وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون لم يبق لهم إلا العذاب والنكال فأمر الله موسى أن يخرج ببني إسرائيل ليلا من

 

مصر وأن يمضى بهم حيث يؤمر ففعل موسى ما أمره به ربه وخرج بهم وقت طلوع القمر وعن مجاهد أنه كسف قمر تلك الليلة}وورد أنهم حملوا تابوت يوسف معهم عند خروجهم وكان وقت طلوع القمر وكانوا نسوا وصية يوسف لهم أن يحملوه معهم عند خروجهم من مصر فكُسفَ القمرُ فأظلموا فأخبر علماؤهم موسى ذلك إن يوسف عاهدهم أن يحملوه معهم عند خروجهم من مصر وقد نسوا ذلك فسأل موسى عن قبر

 

يوسف فدلَّته امرأة عجوز من بني إسرائيل فاحتمل موسى تابوته معهم بنفسه كما أوصاهم وهنا لطيفة من لطائف أحاديث النبى صلي الله عليه وسلم إذ ورد في الحديث الشريف {أَتَى النَّبِيُّ أَعْرَابِياً فَأَكْرَمَهُ فَقَالَ لَهُ: ائْتِنَا فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: سَلْ حَاجَتَكَ قَالَ: نَاقَةٌ نَرْكَبُهَا وَأَعْنُزٌ يَحْلِبُهَا أَهْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّه: أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَما عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: إنَّ مُوسَى لمَّا سَارَ بِبَنِي

 

إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ ضَلُّوا الطَّرِيقَ فَقَالَ: مَا هذَا؟ فَقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ يُوسُفَ لَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ أَنْ لا نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا قَالَ: فَمَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ؟ قَالَ: عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ فَقَالَ: دُلِّيني عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ قالَتْ: حَتَّى تُعْطِيني حُكْمِي قَالَ: وَمَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ: أَكُونُ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ فَكَرِهَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذلِكَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنْ أَعْطِهَا حُكْمَهَا – وإختصاراً فدلتهم فحفروا

 

وحملوه- وَإِذَا الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ}[1] فخرجوا فلما أصبح قوم فرعون وليس في ناديهم داع ولا مجيب غاظ فرعون ذلك وأشتد غضبه على بني إسرائيل لما يريد الله به من الدمار فأرسل سريعا في بلاده من يحشر الجند ويجمعهم للإيقاع ببني إسرائيل وكان بنو إسرائيل قد استعاروا حلى وذهب جيرانهم ومعارفهم من المصريين قبل خروجهم ولم يعيدوه لهم بل أخذوه وخرجوا ويعلق أحد المؤرخين على قصة استلاب بنى

 

إسرائيل لحلى المصريين عند خروجهم فيقول [ويلفت النظر خاصة ما جاء في التوراة من سلب رجال ونساء بني إسرائيل أمتعة جيرانهم الذهبية والفضية بحيلة الاستعارة ونسبة ذلك إلى الله تعالى ومهما كان من أمر فإن تسجيل هذا الخبر بهذا الأسلوب يدل على ما كان وظل يتحكم في نفوس بني إسرائيل من فكرة استحلال أموال الغير وسلبها بأية وسيلة ولو لم تكن حالة حرب ودفاع عن النفس كما أنه كان ذا أثر شديد بدون ريب

 

في رسوخ هذا الخلق العجيب في ذراريهم ممن دخل في دينهم من غير جنسهم] ووصل موسى وبنو إسرائيل للبحر وفرعون وجنده من ورائهم وبنو إسرائيل يضجون بالشكوى أنهم مدركون فأمر الله موسى فضرب بعصاه البحر فانفلق وظهر فيه اثنا عشر طريقاً لكلّ سبط طريق قيل كانوا ستمائة ألف فكل سبط خمسون ألفا وأرسل الله الريح والشمس في الحال على قاعه حتى صار يبساً [2] فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط

 

في طريق وعن جانبه الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً فخافوا وقال كل سبط قد غرق كل إخواننا فأوحى الله إلى حال الماء أن تشبّكي فصار الماء شبكات يرى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين ثم وصل فرعون إلى البحر فرآه منفلقاً فمن كبره قال لقومه: انظروا قد انفلق لهيبتي حتى أدرك أعدائي أدخلوا البحر فهابوا وكانت خيل فرعون كلها ذكوراً فجاء جبرائيل على فرس أنثى وديق

 

فتقدّمهم فخاض البحر فشمّت الخيول ريحها فاقتحمت البحر في أثرها حتى خاضوا كلهم في الشق وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يستحثهم ويقول لهم:الحقوا بأصحابكم وهكذا اندفعوا في إثر بعضهم حتى إذا

 

خرج جبرائيل من البحر وقبل أن يخرج أولهم أمر الله البحر أن يأخذهم والتطم عليهم فأغرقهم أجمعين وذلك بمرأى من بني إسرائيل وبعد أن رأوا غرق فرعون بأعينهم سار بهم موسى إلى أرض فلسطين بالشام مؤملا أن يصبحوا أمة قوية بإيمانها وصالح عملها فقد ترتب على خروجهم من مصر وهلاك فرعون أن أصبحوا أحرارا في شئونهم وأحوالهم بعد أن كانوا يذوقون في مصر سوء العذاب على أيدي فرعون وجنده

يتبع إن شاء الله

 

[1] صحيح ابن حبان عن أبي موسى، والمستدرك على الصحيحين، ومجمع الزوائد

[2] هنا لطيفة: قال سعيد بن جبير: أرسل معاوية إلى ابن عباس فسأله عن مكان لم تطلع فيه الشمس إلاّ مرة واحدة؟ فكتب إليه: إنه المكان الذي انفلق منه البحر لبني إسرائيل.

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عبادة العجل

 

يقول صاحب تاريخ الإسرائيليين (وقد كان تاريخ اليهود إلى وقت خروجهم من مصر تاريخ أسرة صغيرة أخذت تنمو وتزداد حتى صارت قبيلة كبيرة لا كيان لها ولا حكومة منها ولا شارع أو وازع فيها ينظر في أمورها ويرد قويها عن ضعيفها متفرقة في أرض مصر عرضة للعبودية والسخرة والاستبداد والإهانة .

 

أما بعد الخروج فإنهم تألفوا شعبا واحدا وأمة واحدة لها قائدها من بنيها وجيش يقوم على حمايتها وحاكم يتولى أمورها وشئونها وأخذت تبدو فيها صفات الأمة المستقلة فإنها لم تكد تغادر مصر حتى بدأ الشارع في سن النواميس والقوانين والشرائع الدينية والأدبية والمدنية كما تكون في الأمة المستقلة القائمة بنفسها .

 

وعليه فتاريخ الإسرائيليين لا يبتدئ إلا بعد خروجهم من مصر وتاريخهم هذا يستغرق قرونا عديدة اتفق لهم في خلالها كثير من الحوادث العادية من حروب وتقدم وانحطاط) ولكن بنو إسرائيل لم يقدروا نعمة الحرية ولم يشكروا الله على إنجائه لهم من عدوهم ولم يطيعوا نبيهم موسى الذي جاء لهدايتهم وإصلاحهم والدفاع عنهم بل آذوه إيذاءاً شديدا وفى الطريق إلى الشام حدث العديد من الوقائع من بني إسرائيل مع نبي الله موسى وأخيه هارون .

 

وكانت أفعال بني إسرائيل كلها قبائح ونقائص تدل على خبث طبعهم وسوء فعالهم ونذكر ملخص للحوادث التي حدثت في طريقهم مع موسى وأخيه إلى الشام وفيه تتضح قبائح أفعالهم وسوء طباعهم فبعد أن سار بهم موسى في أرض سيناء فترة من الوقت جاعلا وجهته أرض فلسطين من بلاد الشام ثاروا عليه وعلى أخيه هارون وقالوا لموسى وهارون كما تحكى التوراة عنهم (ليتنا متنا في مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزا للشبع فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع لماذا أصعدتمانا من مصر؟ أمن أجل أن نموت نحن وأولادنا ومواشينا بالعطش)

 

وتحكى التوراة أن موسى ضاق بهم ذرعا لكثرة جهالاتهم وسوء أعمالهم وأنه تضرَّع إلى الله قائلا (ربِّ لم ابتليت عبدك ووضعت أثقال هذا الشعب علىَّ؟ وهل أنا الذي ولدتهم حتى تقول لي : احملهم في حجرك كما تحمل الحاضن الرضيع وإني لست طائقا حمله وحدي لأنه ثقيلٌ علىَّ وإلا فاقتلني ولا أرى بليتي)

 

وبعد أن رأى بنو إسرائيل غرق فرعون بأعينهم وساروا مع موسى إلى بلاد الشام شاهدوا قوما يعبدون أصناما لهم فما لبث بنو إسرائيل بعد مشاهدتهم لهؤلاء الوثنيين إلا أن قالوا لنبيهم موسى اجعل لنا أصناما نعبدها كما أن لهؤلاء أصناما يعبدونها وذلك لأن الوثنية التي عاشوا فيها في مصر كانت مازالت بنفوسهم الضعيفة.

 

وقد حكي القرآن الكريم عنهم هذه الرذيلة فقال تعالى {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} وخلال سير موسى بقومه في صحراء سيناء إلى بلاد الشام واعد الله تعالى موسى أن يعطيه التوراة لتكون هدى لبنى إسرائيل.

 

وأمره بصيام ثلاثين يوما فلما حلَّ الموعد ترك موسى بني إسرائيل مستخلفا عليهم أخاه هارون وذهب إلى الطور لتلقى التوراة فزاده الله عشرة أيام وقد حكي القرآن ذلك فقال {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} وأثناء غياب موسى عن قومه لتلقى التوراة وتركهم في رعاية أخيه هارون وضرب لهم ميعاداً إلى ثلاثين يوماً فلما انقضت الثلاثون يوماً أولاً ولم يعد موسى كما وعدهم ماذا وقع من بني إسرائيل؟

 

وكعادتهم في انتهازهم للفرص بقبيح الفعال كان فيهم رجلٌ ذو شأن وذو حيلة ومكر يدعى السامرى فدبر حيلة ومكر مكراً مستغلاً لين جانب هارون فصنع لهم عجلا جسدا له خوار من ذهب وحلى نسائهم التي استعاروها من قبط مصر قبل خروجهم وعبدوه وحاول هارون أن يصدَّهم عما تردوا فيه من ضلال وكفر ولكنهم أعرضوا عنه قائلين كما حكي القرآن الكريم عنهم {قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} فلما اشتدَّ عليهم هارون في النهى عن عبادة العجل تطاولوا عليه وكادوا يقتلونه فصبر عليهم حتى لا يتفرقوا حتى يرجع موسى

 

وبعد أن تلقَّى موسى التوراة من ربه أعلمه الله أن قومه قد فتنهم السامرى بعبادة العجل فعاد إليهم مغضبا حزينا وأخذ يوبِّخهم بقوارص الكلم وينذرهم بسوء المصير فاعتذروا إليه بأن السامرى هو الذي أضلهم ولكن الحقيقة التي يعلمها الله أن الكثيرين منهم قد أشربوا حبَّ العجل في قلوبهم بدليل طلبهم من موسى أن يتخذوا آلهة عندما مرُّوا في طريقهم على قوم وثنين يعبدون آلهة لهم وظنَّ موسى أن أخاه هارون قد قصر معهم فعاتبه ولامه على ذلك فأخبره هارون بأنه لم يقصر في نصيحتهم وزجرهم عن عبادة غير الله ولكنهم لم يستجيبوا له بل آذوه وكادوا يقتلونه

 

ثم صبَّ موسى جام غضبه على السامرى -رأس الفتنة ومدبرها – فقال له بعد أن سمع كلامه ودفاعه الواهي عن نفسه {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} وعلى مشهد من بني إسرائيل نفذ موسى ما توعَّدَ به السامرى فأحرق العجل وألقى ترابه في البحر وأثبت للجميع أن المستحق للعبادة إنما هو الله تعالى وأن العجل الذي عبدوه بجهلهم وغبائهم لا يملك ضرَّا ولا نفعا.

 

يتبع إن شاء الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

صعق بنى اسرائيل

 

 

كان سيدنا موسى يعلم أنَّ قومه قد ضلوا ووقعوا في ذلك الأمر المريع من عبادة العجل وقد انتهى أمر العجل وصدر الحكم على السامرى وبقيت فعلة بني إسرائيل المريعة؟ كيف تتوب بنو إسرائيل منها؟ إذ لابد من اعتذار خاص لله عن هذا وتوبة مخصوصة من الله تعالى عليهم فوقَّت الله تعالى له ولقومه ميقاتاً للتوبة والدعاء وقيل كانا ميقاتان ميقات للتوبة والاعتذار وميقات آخر للمناجاة فأختار موسى منهم سبعين رجلاً من الأسباط الإثنى عشر وممن لم يشتركوا في العجل وأخذهم معه إلى الطور أو الجبل ليعتذروا إلى الله ويتوبوا ويسألوه الصفح عن المذنبين منهم فذهبوا ودعوا الله واعتذروا إليه وهناك أخذتهم الرجفة فصعقوا وتضرَّع موسى لربِّه فأحياهم

واختلف في سبب الرجفة أو الصعق وقيل في ذلك:أنهم لما دعوا الله اعتدوا في دعائهم بما لا يحق أو لا يليق أو عقاباً لأنهم لم ينهوا أصحاب العجل ولم يتجنبوهم وأشهرها أنهم طلبوا من موسى أن يسمعوا خطاب الله له فهو يذهب للمناجاة ويعود يخبرهم أنه كلَّم الله ولا دليل لديه فلما أخذهم موسى معه للجبل وأذن الله لهم وأسمعهم كلامه قيل سمعوه يخبر موسى أن توبتهم بقتلهم أنفسهم فطلبوا رؤية الله جهراً ليستوثقوا من أنه هو الله أو أنهم لما سمعوا كلام الله وطبعهم اللجاج والعناد لم يكتفوا بالسماع بل تمادوا وقالوا لا نصدق حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الرجفة وصعقوا

قال الله تعالى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} وهكذا كان خبر الله لهم ووحيه لنبيه موسى أن توبة عابدي العجل من قومه لن تكون مقبولة منهم إلا بقتلهم لأنفسهم وهنا يجدر بنا أن نبين أنَّ الله تعالى لم يأمرهم بذلك انتقاما وإنما الحقيقة أن حبُّ العجل قد استقرَّ في قلوب كثيرين منهم وأخفوا ذلك فمنهم من أظهر ميله لهارون ولم يصرح بحبه للعجل وآخرون أعلنوا التوبة لموسى والندم عند عودته ولكنهم كذبوا في توبتهم

فأراد الله أن يطهرَّ بني إسرائيل من هؤلاء المنافقين والكافرين فلما نفذوا ما أمروا به من الله بقتلهم أنفسهم كان الكافر يتبدى للمؤمن أولا فيقتله المؤمن فلم يقتل إلا كافرٌ أو منافق فلما فشا القتل دعا موسى ربه أن يعفو عنهم لما أطاعوا الأمر فقبل الله توبتهم وعفا عنهم أجمعين قاتلين ومقتولين لعلهم يشكرونه على نعمه قال تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وهنا إشارة وتنبيهٌ أن الحلي التي استعارتها نسوة بني إسرائيل من المصريين بحيلة أنهم سيتزينون بها في عيدهم وهن يضمرن

أخذها معهن عند الخروج مع موسى كانت عليهم وبالاً وبليَّة لأنها مالٌ مغدورٌ ليس وراءه إلا الشرور فصنع السامرى منه عجلاً من الذهب وكان وقوعهم في عبادته ثم تحريقه على يد موسى وتذريته في اليم ثم التوبة عن عبادة العجل بقتلهم لأنفسهم يا ألله احمنا من شرور أنفسنا فهل اعتبر أحدٌ فيما يجلبه المال المغدور لمستحلِّيه من الآثام والشرور وعذاب يوم النشور والآن استقرَّ الأمر وقبل الله توبتهم وطهرهم من أهل الكفر والنفاق وتاب على الجميع والألواح فيها التوراة مع موسى ولم يبق إلا أن يتبعوا أوامر الله لهم فيها ويطبقوا شرع ربهم وهم في طريقهم للأرض المقدسة {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ولكن بنو إسرائيل لم يتقبلوا الأمر هكذا لأن الشرائع ثقلت عليهم كالرجم والقطع والقصاص

ولم يقبلوا التكليف بطيب خاطرهم وإنما قبلوه برفع الجبل فوقهم كأنه ظلة وإلا سيسقط عليهم فيفنيهم وقد ورد في الحديث {وَأَخَذَ الألْوَاحَ بَعْدَ مَا سَكَنَ عَنْهُ الغَضَبُ وَأَمَرَهُمْ بِالَّذِي أُمِرَ بِهِ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ مِنَ الوَظَائِفِ فَثَقُلَ (ذَلِكَ عَلَيْهِمْ) وَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِهَا فَنَتَقَ الله عَلَيْهِمْ الجَبَلَ كأنَّهُ ظُلَّةٌ وَدَنَا مِنْهُمْ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ اخَذُوا الكِتَابَ بأيْمَانِهِمْ وَهُمْ مُصْغُوْنَ إِلى الجَبَلِ وَالأرْضِ وَالكِتَابُ بأيْدِيْهِمْ وَهُمْ يَنْظُرُوْنَ إِلى الجَبَلِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِمْ}[1] وحكي الله عن تلك الآية المعجزة الغريبة في كتابه العزيز فقال {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

فهؤلاء هم اليهود رأوا وشاهدوا وعاينوا من الآيات مع موسى وفرعون ما شاء الله لهم من الآيات البينات المتتاليات وكل واحدة أعجب من أختها وأثبت الله لهم مرة بعد مرة أن تشددهم ولجاجهم وعنادهم لا يعود عليهم إلا بكل جفاء وشدة وغلظة ولا يعتبرون ولا يتعظون وقد كانت قصة البقرة التي أمروا بذبحها خير دليل لهم على عاقبة هذا السبيل ثم معجزة شق البحر وعجيب نجاتهم من فرعون ثم ما وقعوا فيه من العجل والصعق والقتل وآيات بلا عدد ولكنها بنو إسرائيل فبعد كل ما شهدوه من العجائب لم يؤمنوا بما جاءهم به موسى إلا والجبل مرفوعاً فوق رؤوسهم وهم سجودٌ على أنصاف وجوههم ينظرون إلى الجبل يكاد يطبق عليهم وعندها فقط قبلوا ما جاء به موسى من التوراة

 

يتبع إن شاء الله

[1] مجمع الزوائد عن ابن عباس

 

 

منقول من كتاب [بنو اسرائيل ووعد الأخرة] للشيخ فوزي محمد أبوزيد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

التيه فى صحراء سيناء أربعين سنة

 

بعد خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ونجاتهم من فرعون ومع ما تعرض له موسى من إساءة بني إسرائيل المتكررة له واصل بهم موسى سيره إلى أرض الشام وتوالت الأيام وفى الطريق وقبل أن يصل بهم موسى إلى الأرض المقدسة التي كان يسكنها الكنعانيون الجبابرة أمرهم أن يعدوا أنفسهم لدخولها وأن يوطنوا أنفسهم على الجهاد في سبيل الله ليحصل لهم ذلك وفى سبيل الاستعداد والإعداد لدخول الأرض المقدسة اختار موسى منهم اثني عشر نقيبا أمرهم أن يتقدموه في دخول الأرض المقدسة ليعرفوا أحوالها وأحوال سكانها ونفذ النقباء ما كلفهم به موسى ثم عادوا بعد تعرفهم على أحوالها وأحوال سكانها ليقولوا له : إن الأرض المقدسة تدر لبنا وعسلا إلا أن سكانها من الجبارين

 

وأخذ كل نقيب يخذل ويثبط جماعته عن دخولها إلا رجلان منهم فإنهما أمرا بني إسرائيل بأن يطيعوا نبيهم موسى وأن يصمموا على دخول الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم وبشرهم بالنصر إذا اعتمدوا على الله تعالى وأخلصوا النية للجهاد ولكن بنو إسرائيل عصوا نصيحة الرجلين الناصحين لهم كما عصوا نبيهم موسى فكانت نتيجة جبنهم وعصيانهم أن ابتلاهم الله تعالى بالتيه أربعين سنة

 

وقد حكي القرآن الكريم بأسلوبه البليغ المعجز هذه القصة فقال الله تعالى {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} فسماهم موسى بالفاسقين ودعا عليهم فصدق الله على كلامه وأسماهم بالفاسقين كذلك

 

وهنا أكثر من إشارة سريعة أوجه لها أنظاركم أنه لما يئس موسى من فرعون وقومه دعا عليهم فاستجاب الله له وشدَّ على قلوبهم وأهلك فرعون وجنوده بالعذاب الأليم كما دعا وبعد خروج بني إسرائيل وبمرور الحوادث والأيام أيأسه قومه كما أيأسه فرعون من قبل أيأسوه بعنادهم وترددهم ولجاجهم وجبنهم وتخاذلهم وسوء أخلاقهم وقد أعلمه الله ببصيرته النبوية أنهم بعد أن تخلوا عنه صارت لا فائدة ترجى منهم ولا يصلحون للعهد الجديد ولما كان موسى من أولى العزم من الرسل وممن لا يحابى في الله تاقت نفسه للخلاص من الفاسقين منهم حتى يبدلهم الله بمن يصلحون للمهمة المقدسة التي أمروا بها

 

فدعا الله أن يفصل بينه وبينهم وشفع طلبه بوصفهم بالفاسقين فوافق طلبه مراد مولاه وأنزل له تفصيل قبول دعواه بالحكم عليهم بالتيه أربعين عاماً فيها يهلك كل من جبن عن أمر الله وكان فاسقا كما اسماه نبي الله فحرَّم الله عليهم فيها دخول الأرض المقدسة يتيهون في الصحراء متحيِّرين لا يرون طريقاً وهذا جزاء كل من اتبع هواه وخالف أمر مولاه فجزاءه أن يتيه في فيافي الزيغ ولا يبلغ أبداً مناه وعلى الرغم من عقاب الله لهم بالتيه فمن بركة موسى وهارون عليهم أنهم لما ضجُّوا من الحرِّ جعل الله لهم الغمام يظلُّهم من الشمس وجعل لهم عموداً من نور يطلع بالليل فيضيء لهم الظلمات

 

ولما اشتكوا من العطش أمر الله موسى أن يضرب الحجر بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بلا اختلاط ولكن بنظام فكان ماؤهم من حجر يحملونه منه يشربون ويسقون فإذا اكتفوا جف الماء ووقف وكان طعامهم المن (وهو يشبه العسل ينزل لهم من السماء) والسلوى (السمان فإذا طلبوه وجدوه جاهزا للأكل) وأمروا ألا يخزنوا من هذا الطعام لعلم الله بحرصهم وأورد الكثيرون من أهل العلم أنهم كانوا لا تطول شعورهم ولا تشعث ولا تبلى ثيابهم ولا تنجس وتطول مع صغارهم وتكبر إذا كبروا وحكي الله عن تلك الفترة من تاريخهم فقال {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} وقال تعالى {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}

 

ولكنهم كانوا أهل بطر فملُّوا العسل والطير واشتاقوا للفلاحة التي تعودوا عليها وعلى نتاجها فطلبوا العدس والبصل قال تعالى {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ}

 

يروى سيدنا سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس في الحديث المعروف بحديث الفتون وهو حديث طويل جداَ نذكر منه قوله {وقَالُوا: يَا مُوسى اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنّا ههُنَا قَاعِدُوْنَ اغْضَبُوا مُوسى فَدَعَا عَلَيْهِمْ وَسَمَّاهُمْ: فاسِقِيْنَ وَلَمْ يَدْعُ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْهُمْ مِنَ المَعْصِيَةِ وَإِسَاءَتِهِمْ حَتَّى كَانَ يَوْمَئِذٍ فَاسْتَجَابَ الله لَهُ فِيْهِمْ وَسَمَّاهُمْ فَاسِقِيْنَ وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَتِيْهُوْنَ فِي اَلارْضِ يُصْبِحُوْنَ كُلَّ يْوْمٍ فَيَسِيْرُوْنَ لَيْسَ لَهُم قَرَارٌ ثُمَّ ظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الغَمَامَ في التِّيْهِ وَأَنْزَلَ علَيْهِمْ المَنَّ وَالسَّلْوَى وَجَعَلَ لَهُمْ ثِيَاباً لا تَبْلَى وَلاَ تَتَّسِخُ وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ حَجَراً مُرَبَّعاً وَأَمَرَ مُوسى فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْناً} في كُلِّ نَاحِيَةٍ ثَلاَثَةُ أَعْيُنٍ وَأَعْلَمَ كُلَّ سِبْطٍ عَيْنَهُمْ الَّتِي يَشْرَبُوْنَ مِنْهَا لاَ يَرْتَحِلُوْنَ مِنْ مَنْقَلَةٍ إِلاَّ وَجَدُوْا ذلِكَ الحَجَرَ فِيْهِمْ بِالمَكَانِ الذي بالأمْسِ}[1]

 

روى في "تنوير الأذهان" أن موسى ندم على دعائه عليهم فقيل لا تندم فإنهم أحقاء بذلك لفسقهم فلبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ وهم ستمائة ألف يسيرون كل يوم جادين فإذا أمسوا كانوا حيث بدأوا وهذه الإنعامات عليهم مع معاقبتهم لأن عقابهم كان بطريق الفرك والتأديب وموسى وهارون كانا معهم في التيه ولكن كان ذلك لـهما روحا وسلامة وزيادة في درجتهما قال في التأويلات النجمية والتعجب في إن موسى وهارون بشؤم معاملة بني إسرائيل بقيا في التيه أربعين سنة وبنو إسرائيل ببركة كرامتهما ظلل عليهم الغمام وانزل عليهم المن والسلوى في التيه ليعلم اثر بركة صحبة الصالحين واثر شؤم صحبة الفاسقين ومات النقباء كلهم في التيه بغتة غير كالب ويوشع ولم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال إنا لن ندخلها بل هلكوا في التيه وقاتل الجبابرة أبائهم

 

ومات هارون قرابة نهاية مدة التيه ومات بعده موسى بسنة تقريباً واستخلف الله عليهم النبي يوشع بن نون وهو من دخلوا الأرض المقدسة تحت قيادته وقد بلغ من سوء طباعهم وظنهم بأنبيائهم أن موسى وهارون لما خرجوا معا وقد أذن الله أن يقبض هارون فدفنه موسى وعاد وحده فقالوا له إنك قتلته لحبنا له ولم يكفوا حتى أشهدهم الله آية فصدقوا موسى وعن عليّ بن أبي طالب كما أورد البغوى في تفسيره قال{صعد موسى وهارون الجبل فمات هارون [وبقي موسى] فقالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته فآذوه فأمر الله الملائكة فحملوه حتى مرّوا به على بني إسرائيل وتكلّمت الملائكة بموته حتى عرف بنو إسرائيل أنه قد مات فبرّأه الله تعالى ممّا قالوا ثم إن الملائكة حملوه ودفنوه فلم يطلع على موضع قبره أحد}

 

[1] مجمع الزوائد والسنن الكبرى للنسائى وغيرها

يتبع إن شاء الله

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..