اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
حمدى السيد

رسالة الصالحين

Recommended Posts

بسم الله الرحمن الرحيم

إن أجلّ رسالة يؤديها المرء في الحياة ، وأعظم عمل يقوم به ليرضي الله ، ويكتسب المنزلة الكريمة عند خلق الله ؛ هو دعوة الخلق إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والقدوة الطيبة ، والخلق الكريم ، وذلك لقول الله عزَّ شأنه : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فصلت30

وتلكم هي أعظم رسالة يقوم بها الصالحون ، نيابة عن الأنبياء والمرسلين ؛ سر قوله صلى الله عليه وسلم : {العلماءُ ورثةُ الأنبياء}{1}

وبيّن صلى الله عليه وسلم حقيقة هذا الإرث فقال : {نحنُ معاشرُ الأنبياء لا نوَرِّثُ درهماً ولا ديناراً ، وإنما نوَرِّثُ علماً ونورا}{2}

والقائمون بهذا الأمر ، والحاملون لواء هذا العمل الجليل في كل زمان ومكان ، يقول فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : {قال الله إن أوليائي من عبادي ، وأحبائي من خلقي ؛ الذين يُذْكَرُون بذكري ، وأُذْكَرُ بذكرهم}{3}

وقد نعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم أولياء الله وذلك حين سئل صلى الله عليه وسلم : من أولياء الله ؟ فقال : {الذين إذا رءوا ؛ ذُكِرَ الله}{4}

وأخبر صلى الله عليه وسلم أنهم خيار هذه الأمة ؛ وذلك حين قال : {ألا أخبركم بخياركم ؟ قالوا : بلى يارسول الله ، قال : خياركم الذين إذا رُءوا ؛ ذُكِرَ الله}{5}

وذكر صلى الله عليه وسلم حال هؤلاء القوم ، وموقفهم من الفتن التي تتعرض لها الأمة ، وأنهم المحفوظون من الفتن الموقون ؛ فقال: {إن لله عز وجل ضنائنَ من عباده يغذوهم في رحمته ، ويحييهم في عافيته ، وإذا توفَّاهم توفَّاهم إلى جنته ، أولئك الذين تمر عليهم الفتن كقطع الليل المظلم ، وهم منها في عافية}{6}

وقد وصف ذو النون المصري رضي الله عنه هؤلاء القوم ، ومنزلتهم عند الله ، ومهامهم التي يقومون بها لخلق الله ؛ طلباً لمرضاة الله ؛ وذلك إجابة لسؤال أحد مريديه حيث يقول : قلت لذى النون المصري رحمه الله : صف لي الأبدال؟ فقال : {إنك لتسألني عن دياجي الظلم ؛ لأكشفنها لك يا عبدالباري : هم قوم ذكروا الله عز وجل بقلوبهم ؛ تعظيماً لربهم لمعرفتهم بجلاله ؛ فهم حجج الله على خلقه

ألبسهم النور الساطع من محبته ، ورفع لهم أعلام الهداية إلى مواصلته ، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته ، وأفرغ لهم الصبر عن مخالفته ، وطهَّر أبدانهم بمراقبته ، وطيَّبهم بطيب أهل مجاملته، وكساهم حللا من نسج مودته ، ووضع على رؤسهم تيجان مسرته ، ثم أودع القلوب من ذخائر الغيوب ؛ فهي معـــلقة بمواصلته ، فهمومهم إليه ثائرة ، وأعينهم إليه بالغيب ناظرة ، قد أقامهم على باب النظر من قربه ، وأجلسهم على كراسي أطباء أهل معرفته ثم قال :

إن أتاكم عليلٌ من فقري فداووه ، أو مريضٌ من فراقي فعالجوه ، أو خائفٌ مني فأمِّنوه ، أو آمنٌ مني فحذِّروه ، أو راغبٌ في مواصلتي فهنِّئوه ، أو راحلٌ نحوي فزوِّدوه ، أو جبانٌ في متاجرتي فشجِّعوه ، أو آيسٌ من فضلي فعدوه ، أو راجٍ لإحساني فبشِّروه ، أو حسنُ الظن بي فباسطوه، أو محبٌ لي فواظبوه ، أو معظمٌ لقدري فعظِّموه ، أو مستوصفكم نحوي فارشدوه ، أو مسيءٌ بعد إحسان فعاتبوه

ومن واصلكم فيَّ فواصلوه ، ومن غاب عنكم فافتقدوه ، ومن ألزمكم جناية فاحتملوه ، ومن قصرَّ في واجب حقي فاتركوه ، ومن أخطأ خطيئة فناصحوه ، ومن مرض من أوليائي فعودوه ، ومن حزن فبشِّروه ، وإن استجار بكم ملهوف فأجيروه

يا أوليائى : لكم عاتبت ، وفيّ إياكم رغَّبت ، ومنكم الوفاء طلبت ، ولكم اصطفيت وانتخبت ، ولكم استخدمت واختصصت ؛ لأني لا أحب استخدام الجبارين ، ولا مواصلة المتكبرين ، ولا مصافاة المخلِّطين ، ولا مجاوبة المخادعين ، ولا قرب المعجبين ، ولا مجالسة البطَّالين ، ولا موالاة الشرهين

يا أوليائى : جزائي لكم أفضل الجزاء ، وعطائي لكم أجزل العطاء ، وبذلى لكم أفضل البذل ، وفضلي عليكم أكثر الفضل ، ومعاملتي لكم أوفى المعاملة ، ومطالبتي لكم أشد المطالبة

أنا مجتبي القلوب ، وانا علام الغيوب ، وأنا مراقب الحركات ، وأنا ملاحظ اللحظات ، أنا المشرف على الخواطر ، أنا العالم بمجال الفكر ؛ فكونوا دعاةً إلي ، لا يفزعكم ذو سلطان سوائي ، فمن عاداكم عاديته ، ومن والاكم واليته ، ومن آذاكم أهلكته ، ومن أحسن إليكم جازيته ، ومن هجركم قليته}

وإلى جانب الدعوة إلى الله ، فللصالحين رسالة اجتماعية عظيمة ، يقوم أساسها على نشر المحبة والمودة بين الناس ، واقتلاع جذور الأحقاد والشحناء والإحن من النفوس ، والسعي للإصلاح بين المتخاصمين ، ونشر التكافل الإجتماعي ، وإحياء القيم الإسلامية بالقدوة الطيبة والأخلاق الكريمة ، ومقاومة التيارات المادية والإلحادية كالوجودية والعلمانية

وأعظم ما في رسالة الصالحين أنها تربِّي الفرد تربية أخلاقية مثالية ، وعن طريق تربية الأفراد الفاضلة نصل إلى مجتمع متكامل متكافل

فليتنا معشر المسلمين والمؤمنين في هذا الزمان نطرح الخلافات السطحية والشخصية جانباً ، ونتخلى عن العصبيات المذهبية والطائفية ونتكاتف ونتعاون ونضع أيدينا في أيدي بعض لنعلي شأن دين الله ، ونعمل على تطبيق شرع الله ، وتنفيذ سنة حبيبه ومصطفاه ، لا طمعاً في زخارف فانية ، أو مناصب دانية ، وإنما طمعاً في رضاء الله جلَّ في علاه

(1) صحيح ابن حبان و سنن أبن ماجه عن أبي الدرداء (2) سنن أبي داود عن أبي الدرداء ، حلة الأولياء (3) رواه أبو نعيم عن عمرو بن الجموح {4} الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البزار - المصدر: الأحكام الشرعية الكبرى - الصفحة أو الرقم: 3/293 ، (5) أسماء بنت يزيد فى سنن إبن ماجه {6} الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البوصيري - المصدر: إتحاف الخيرة المهرة - الصفحة أو الرقم:8/74

 

منقول من كتاب {رسالة الصالحين} للشيخ فوزي محمد أبوزيد
 

 

  • أعجبني 1

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

[frame=8 10]

أكرم الله عز وجل هذه الأمة ، بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله مثالاً يُحتذى به ، وقدوة يقتدى به في كل أحواله وأعماله ، وقال لنــا عزَّ شأنه ؛ في شأن حبيبه بالنسبة لنا أجمعين : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب21

والعلماء العاملون ، والأولياء ، والصالحون ، ما التفَّ حولهم الخلق ، وما نالوا منزلة ووجاهة وقربة عند الله ، ولا أكرمهم الله عز وجل بالفتح في قلوبهم ، وبالنصر والتمكين في دعواتهم ، إلا على قدر إتِّباعهم ، وإقتدائهم بالحَبيب المختار صلى الله عليه وسلم

فكلما كان الرجل الصالح أقرب الناس تأسِّياً بحبيب الله ومُصطفاه ، وأكثر تشبُّهاً بحقيقته صلى الله عليه وسلم في ظاهره وباطنه ؛ كان أقرب منزلة إلى مولاه ، وكانت معه عناية الله ، ورعاية الله في كل أنفاسه وخطواته في هذه الحياة

وما سيَرُ الصالحين أجمعين ؛ إلا تحقيقاً لهذه الآية ، في الأسوة الطيبة ، والقـدوة الصالحة لسـيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم ، فرسول الله نذر نفسه لله ، وجعل وقته كله ، وحاله كله لمولاه ؛ طالباً لرضاه ، ورغبة فيما عند الله

لا يرجو من الخلق جاهاً ، ولا مالاً ، ولا منصباً ، ولا غنائماً ، ولا مكاسباً ، ولا حتى دعاءًا وإنما كل الذي يرجوه منهم أن يتبعوا هديه ، ويمشوا على شريعته ؛ لينالوا رضاء الله عز وجل

ولذلك كان دأب الأنبياء أجمعين ، كسيد الأولين والآخرين ، حياتهم كلها ليست لأنفسهم ؛ وإنما لغيرهم يدلون الخلق على الله ، ويأخذون بأيدي الضَّالين إلى طريق الهداية الذي أوقف الله الصالحين على بابه ويسوقون الخلق مرة بالعلم ، وآونة بالحال ، وأحياناً بالدعاء ؛ ليجعلونهم يمشون إلى الله عز وجل مسارعين ؛ لينالوا رضا الله عز وجل في كل وقت وحين

فمنهم من يدلونه بالكلمات ومنهم من يدخلونه على الله عز وجل بالدعوات ، فالذي لم تفلح معه الكلمات ؛ قال في شأنه سيد السادات " اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين " ؛ فاستجـاب الله دعـاءه ، وحـقق الله له رجـاءه ، ودخل عمر الإسلام بدعائه صلى الله عليه وسلم

وقتـه كلـه لله ، ماذا يطلب مقابل ذلك؟ {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} الأنعام90

حتى أن الصلاة والتسليمات على حضرته لم يطلبها ؛ ولكنَّ الله عز وجل - حدباً علينا ، وحرصاً علينا ، وشفقة بنا ، وليس لمصلحة أو منفعة يحتاجها حبيبه ومُصطفاه - أمرنا بها الله في كتاب الله جلَّ في علاه ، فلا تظنوا أنها شكراً لله على نعمة حبيبه ومُصطفاه فقط ،ولكن اعلموا - علم اليقين - أن فيها منافع جمة لنا أجمعين ، في الدنيا ويوم الدين

ولذلك وجَّـهنا إليها رب العالمين عز وجل لأنه جعل حياته لله ، وأنبأه الله عز وجل أن يعلن هذه الحقيقة - لمن يريد أن يتأسى بحضرته ، وأن يمشي على نهجه ودعوته - فقال له : قل لهم : {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام162

كُـلُّهُ لله عز وجل ، فلما كان كله لله ؛ سخَّر الله عز وجل كل شيء له في هذه الحياة فكان كل شيء في الملك والملكوت ؛ طوع أمره ورهن إشارته ، - وإن كان هو لا يريد ذلك ، ولا يطلب ذلك ، ولا يفرح إذا ظهر ذلك - ولكن الله أيده بذلك ؛ لأنه يريد أن ينشر دين الله ، ويبلِّغ شرع الله لخلق الله ، صلوات الله وتسليماته عليه

إذا أشار إلى القمر ؛ إنشق بإشارته ، وإذا أشار إلى الشمس ؛ وقفت استجابةً لدعوته ، وإذا أمر الأرض ؛ إئتمرت بأمره فوراً ، وهكذا كل شيء في عالم الملك والملكوت ؛ طائع لمن كانت حياته كلها للحي الذي لا يموت {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ} النساء64

علَّم المعلِّم الأعظم والنبي الأكرم ، أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين هذه الحقائق بقاله وبفعله وبحاله ؛ فساروا على هذا المنهاج وجعلوا حياتهم كلها لله ووهبوا أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم وكل ما يملكون لدعوة الله ؛ ليكون لهم شرف التأسي بحبيب الله ومُصطفاه ؛ فأكرمهم الله وراثة لحبيب الله ومُصطفاه

أكرمهم الله عز وجل بفتح في أنفسهم ، فوهبهم من المواهب الإلهية - ما لا يستطيع أحد أن يحيط به في هذه الأوقات القصيرة - علَّمهم علماً بغير تعلم ، وأماط عن قلوبهم كل حجاب ، وكشف عنهم كل نقاب ؛ حتى صاروا كما قال فيهم الكريم الوهاب : {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} الأنعام122

فكانوا يمشون بنور الله معهم فراسة الله ، تأييداً من الله ؛ لأنهم يدعون إلى الله ، ولا يريدون من الخلق إلا أن يدلوهم على طريق الله ، ويسوقوهم سوقاً إلى حضرة الله ، لا يريدون أن يكون خلـفهم أتباع ، ولكن يريدون أن يكونوا أئمتهم إلى حضرة الله ، ويسوقوهم إلى فضل الله ، وكرم الله ، وعطاء الله

لا يريدون منهم مالاً ولا غنائماً ولا جاهاً ولا شيئاً من متع الدنيا ؛ لأنهم تحققوا أن الدنيا كلها بما فيها لا تساوي عند الله جناح بعوضة - ولو كانت تساوي جناح بعوضة ؛ مـا سقى الكافر منها جرعة ماء - فقالوا كما أنبأ الله عن حالهم : {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً} الإنسان9

لا يطلبون من الخلق جزاءًا لأنهم يعلمون أن الخلق أجمعين - من أول الدنيا إلى يوم الدين - لو اجتمعوا في صعيد واحد ، على أن يعطوا داعياً إلى الله ثمن كلمة علم واحدة يهديهم بها إلى الله ما استطاعوا وما بلغوا ؛ لأن هذا لا يقدر قدره إلا الله عز وجل هو وحده الذي يستطيع المكافأة والجزاء على هذه الأعمال

علموا أن العمل الذي يرضاه الله ، هو الذي أشار إليه مع نبي الله موسى عندما قال له : يا موسى هل عملت لي عملاً قط ؟ قال : نعـم يــا رب ، صليت لك ، وصمت لك ، وتصدقت من أجلك ، قـال : يا موســى ، أما الصلاة فهي لك صلة ، وأما الصيام فهو لك نــور ، وأما الصدقة فهي لك برهـــان ، ولكن هل عملت لي عملاً قط؟

فالأعمال الصالحة كلها ، من الأذكار وتلاوة القرآن وكل أنواع العبادات ، يقول فيها الله عز وجل في خير الكلم : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ} الجاثية15
إنه لك فما العمل الذي هو لله؟

قال : يا رب ما العمل الذي هو لك؟ قال عزَّ شأنه : هل واليت لي ولياً ؟ أو عاديت لي عدواً ؟

فعلم أن العمل الذي هو لله أن تأخذ الضالين من عباد الله ، وتردهم إلى طريق الهـداية ، لينالوا رضا الله جلَّ في علاه ، وأن تذهب إلى العصاة ، وترغِّبهم في رحمة الله وفي سعة مغفرة الله

ولا تزال بهم حتى تأخذ بأيديهم إلى طريق الله ، فيقبلوا على الله ؛ فيفرح الله عز وجل بهم، ويفرح الله بك قبلهم ؛ لأنك سبب هذه الهداية ، وأنت الباعث لهم على هذه العناية ، قال عزَّ شأنه: " يا داود من ردَّ إلىّ هارباً ؛ كتبته عندي جُهْـبُذَاً" والجهبذ يعني العالِم الكبير ؛ فجعلوا هذه هي التجارة التي لن تبور

"]منقول من كتاب {رسالة الصالحين}

تم تعديل بواسطه حمدى السيد

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

[frame=7 10]

انشغل العباد بالعبادات ؛ طلباً للمنازل العالية في جنة الله ورضوان الله ، وانشغل العلماء العاملون والعارفون والصالحون بجهاد غيرهم ليسوقوهم إلى رب العالمين عز وجل ، وتلكمُ هي دعوة النبيين وتلكمُ هي رسـالة المرسلـين أجمعين في كل وقت وحين

وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولذلك أكرمهم الكريم بما يحتاجون له من معدات لتطهير النفوس ومن آلات لتنقية القلوب ومن علوم ليجذبوا المبعدين والمبغضين والعصاة والمذنبين إلى رب العالمين ، عـــلوماً ترقق القلوب وتأخذها إلى الله عز وجل

أعطاهم الله عز وجل أحوالاً تجعل الرجل منهم إذا نظر إلى عاصٍ - وهو من رأسه إلى أخمص قدميه في المعاصي - وقال : يا رب تب عليه من أجلي يستجيب الله دعاءه ، ويتوب عليه في الحال

جعلوا دعاءهم ليس لأنفسهم لتكثير خيرهم من الدنيا ؛ لأنهم علموا أن أمر الدنيا قد انتهى منه الله قبل خلق آدم بألفي عام كما ورد فى الأثر {إن الله خلق الخلقَ ، وخلق الأرضَ ، وقدَّرَفيها أقواتها ، قبل خلق آدم بألفي عام}

ولم يجعلوا دعائهم لأولادهم ، وبناتهم ، وزوجاتهم ؛ وإنما خصوا بدعائهم العصاة والمذنبين والغافلين والبعيدين عن طريق رب العالمين ؛ لأنهم علموا أن هؤلاء يحبُّ الله عز وجل أن يرجعوا إليه

سمعوه عزَّ شأنه وهو يقول كما ورد فى الأثر إذا تاب العبد: " بشرى يا ملائكتي ، فقد اصطلح عبدي معي ، افتحوا أبواب السموات لقبول توبته ، ولدخول أنفاس حضرته ، فلنـفس العبد التائب عنـــدي يا ملائكــــتي أعزُّ من الســــــموات والأراضين ، ومن فيهن "

فاشتغلوا بهذه التجارة ونعم التجارة يقول فيها النبي المختار صلى الله عليه وسلم: {لأن يهديَ بك اللهُ رجلاً واحداً ؛ خيرٌ لك من حُمر النَعَم}{1}

ويقول صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى : {لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً ؛ خيرٌ مما طلعت عليه الشمس أو غربت}

ويكفيك قوله صلوات ربي وتسليماته عليه : {الدَّالُ على الخيرِ كفاعله}{2}

كلما قرَّبت إلى حضرة الله عبداً صار لك مثل أجره ، ورُفِع لك عند الله عز وجل مثل حسناته ؛ لأنك سبب في توبته إلى الله ورجوعه إلى الله {من سنَّ سُنَّةً حسنة ؛ فله أجرها ، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة}{3}

فساروا على هذا الدرب ؛ ففتح الله لهم في قلوبهم علوماً غيبية وإلهامات نورانية يقول فيها عز وجل في محكم الآيات القرآنية {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} الكهف65

من الذي يُعَّلِم هنا؟ الله عز وجل ، من الذي علَّم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أجمعين؟ الله عز وجل ، ونبيه صلى الله عليه وسلم ، ولما خرجوا لله وصدقوا ما عاهدوا عليه الله ونذروا أنفسهـــــــم لله جعلهم الله عز وجل في الدنيا سادة وقادة وأئمة ومكَّن لهم في الأرض ، وأجرى على أيديهم الآيات - مع أنهم ليسوا طالبيها أو راغبين فيها - وإنما أجراها الله على أيديهم ؛ لأنه علم حرصهم على تبليغ دعوة الله عز وجل

ما الآيات؟ وما الكرامات؟ إنها تأييد من الله عز وجل لعباده الصالحين ؛ لأنهم يريدون أمراً يرضي رب العالمين فلذلك يؤيدهم الله بمدد من عنده وجند من جنده ، ومثل هذا الباب لو فتحناه - بالنسبة للأصحاب - يتوه فيه اللبيب الفصيح

يذهب الرجل ليؤدي رسالة عن الحَبيب صلى الله عليه وسلم - وهو سيدنا سفينة - فيجد القوم يرجعون مسرعين ، فيسألهم ، فيقولون : أن هناك أسداً جائعاً على الطريق ، فيقول لهم : تعالوا معي ولا تخشوا شراً ، ويذهب إلى الأسد ، ويقول له بلغته العربية - ومن المترجم الذي ترجمها إلى اللغة الأسدية ، واعقل وافهم؟

أيها الأسد معي رســالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بتبليغها ،فبصبص الأسد ، وهزَّ ذيله ، ثم تنحَّى عن الطريق ، لأنه خاطبه بنيته ، ولأنه كان يريد أن يبلِّغ ما كلَّفه به حَبيب الله ومُصطفاه

هذه آيةٌ أجراها الله لرجل من أهل العناية ؛ لأن غايته تبليغ دعوة الله ، لا يريد بها شهرة ولا ظهوراً ولا أن يسوق الناس عنه أحاديث ويروون عنه كرامات ، وإنما كل همِّه أن يبلِّغ دعوة سيد السادات ، فجعل الله عز وجل كل ما في الأرض رهن إشارتهم وطوع أمرهم وراثة للحَبيب المختار صلى الله عليه وسلم

{1} مسند أحمد بن حنبل عن سهل بن سعد
{2} سنن الترمذي – الجامع الصحيح عن انس بن مالك
{3} صحيح مسلم عن منذر بن جرير عن أبيه

 

منقول من كتاب {رسالة الصالحين}

[/frame]" rel="nofollow" target="_blank">http://www.fawzyabuzeid.com/data/Book_resalat_elsaleheen.jpg[/img][/center][/frame]

 

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

[frame=5 10]

العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه يقول عنه أبو هريرة رضي الله عنه : " أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل البحرين ، وكنا معه ، فرأينا منه ثلاثة أشياء لا تحدث إلا لنبي :

أولها :

انقطع عنَّا الماء ، وكدنا نهلك من الظمأ ، فذهبنــا له ، وأخبرناه ، فقال لنا : ولمَ لمْ تخبروني من قبل؟ هل معكم ماء يكفي لوضوء رجل؟ فقال رجل : نعم ، معي قدر من الماء يكفي لوضوء رجل واحد ، قال : فأتني به ، فتوضأ ، ثم صلى ركعتين لله ، وسأل الله ، فأجابه مولاه

وهذا سلاح سلَّحهم به الله لأنهم لا يسألون الله إلا لله ، ولدعوة الله ، ولا يسألون الله لأشياء فانية ولا لحاجات زائلة وإنما يرغبون في تبليغ دعوة الله إلى عباد الله ، وتكليف رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقوموا بإتمامه ، كما كلَّفهم به حَبيب الله ومُصطفاه

قال أبو هريرة : وإذا بالوادي يسيل بالماء ولم نر سـحاباً ، قال وملأت دلواً كان معي وتركته عند الماء ، وبعد أن شربنا وملأنا أوعيتنا وسرنا وقطعنا مرحلتين من الطريق ، رجــعت إلى دلوي لأنظر إلى الوادي هل ظلَّ الماء به على حالته ؟

قال: فرجعت ، فوجدت الدلو مملوءاً بالماء ، ولم أجد في الوادي أثراً لأي ماء ؛ فعلمت أنه مددٌ من السماء ، أمده به الله عز وجل

و ثانيها :

قال : فلما وصلنا إلى شاطئ البحر ، وكان بيننا وبين القوم عرض البحر ، وليس معنا مراكب نستطيع أن نركبها ونعبر بها إليهم ، فلما رأونا ؛ جمعوا ما في البحر من السفن ، وأحرقوها جميعاً ؛ حتى ينقطع الطريق إليهم

فقال العلاء : يا عباد الله ، توكلوا على الله ، وهيا بنا نمشي إليهم ، ثم قال كلمات " يا حليم ، يا عليم ، يا علي ، يا عظيم ، انصرنا عليهم ، ومكنَّا منهم " ، قال : فمشينا بإبلنا وخيولنا على الماء ، فلم تبتل أخفاف الإبل من الماء ؛ فكأن الله قد جمَّد الماء ليمشوا عليه حتى يبلغوا شاطئ البحر الآخر

قال : فلما رآنا القوم قالوا: لا قبل لنا بهؤلاء ، هؤلاء إمَّا جنٌّ أو ملائكة ولا قبل لنا بقتال الجنِّ أو الملائكة ، واستسلموا وأسلموا ، كيف حدثت هذه المعجزة؟

لأنه لا يريد أن يكون ملكاً على الجزيرة ، أو يكتسب شهرة بين أهل الجزيرة ، وإنما يريد أن يدلَّهم على الله ، ويبلغ دعوة حَبيب الله ومُصطفاه صلى الله عليه وسلم ؛ فأيده الله عز وجل بما رواه الرواة ، وبما ذكره أبو هريرة رضي الله عنه

وثالثها :

قال: فعندما رجعنا مات العلاء فدفناه ومشينا ، وإذا برجل – واسمعوا وعِوا - فأصحاب رسول الله كما ذكرنا ، سخر الله لهم الأكوان كما سخرها للنبي العدنان ؛ لأنهم جعلوا أنفسهم وقفاً لدعوة الرحمن ، فمات الرجل فدفنوه ومشوا ، وإذا بمن يقابلهم ولا يعلم بما دار لكنها أسرار ويعلمها العزيز الغفار

فسألهم : أين دفنتم صاحبكم؟ قالوا : دفناه في أرض كذا ، قال : فإنها مأسدة - يعني تكثر فيها الأسود - فاذهبوا إليه واحملوه حتى إذا وصلتم إلى أرض كذا فادفنوه فيها ، أراد الله أن يكشف لهم عن آية من التي يخص بها أهل العناية ، قال : فرجعنا وحفرنا القبر فلم نجد شيئاً فعلمنا أن الله عز وجل رفعه إليه

وفي قصص أصحاب النبي آلاف من هذه الآيات وسببها تأييدهم في نشر دعوة الله ، وفي العمــــــــل بكتــــاب الله وفي التأســي بحَبيب الله ومُصطفــاه صلى الله عليه وسلم ، وهكذا الصالحون من بعدهم إلى يوم الدين ، فالصالحون خصوا بهذه الدعوة وجعلوا أنفسهم داخلين في من عناهم الله بقوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران104

أخذوا هذا الاختصاص أن يدعوا الخلق إلى الله ؛ رغبة فيما عند الله ، لا يرجون من الخلق حتى كلمة "جزاك الله خيراً" ، لأنهم يعلمون أنهم في حضانة الله وفي كفـالة الله وفي صيانة الله ، وأنهم موضع نظر الله جلَّ في علاه فتكفَّل الله لهم بكل ما يحتاجونه ؛ لأنهم جند الله

فما يحتاجونه لإلانة القلوب ؛ أعطاه لهم علام الغيوب: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} سبأ10

فألان لهم حديد الطباع والقلوب القاسية وجعلها تخرج من الضلالات والزيغ إلى رضوان رب العالمين وإلى واحة الحضور بين يدي الله في بيوته في كل وقت وحين ، وهذه هي الكرامات العظمى

فليست الكرامة : أن تطير في الهواء أو أن تمشي علـى المـاء ؛ ولكن الكرامة أن يكرم الله بك عبداً في هاوية الظلمات ؛ فتخرجه إلى نور القرب من الله عز وجل ، وهذه كرامة الأنبياء والمرسـلين أجمعين في كل وقت وحين

ومن عجزوا عن إقناعه بالكلام ؛ دعوا الله عز وجل له فيستجيب الله عز وجل لهم في الحال

"]منقول من كتاب {رسالة الصالحين}

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..