براءة ملوثة
من منا في هذه الحياة لم يولد من بطن امه بريئا نقيا طاهرا من كل شيء
فكل منا ولد على الفطرة لا تشوبه اية شائبة
ثم بدات المؤثرات الخارجية تتخلل حياته وبدا يتاثر بكل ماحوله بشكل ايجابي او سلبي
كل حسب ظروف نشاته وعوامل تربيته.
والخطورة هنا في الجزء السلبي من التاثير فهو لا يقتصر على الشخص بذاته ولكنه ينعكس على من حوله من كل افراد المجتمع.
وحتى لا اطيل عليكم اردت ان اكتب هذا الموضوع لاطلعكم على موقف عشته بالامس
يحمل في طياته معاني كثيرة ودروس لتنمية النفس البشرية وتزكيتها وتطهيرها.
بالامس كان حفل زفاف ابن عمي وكالعادة كلنا مشغولون باستقبال المعازيم والحضور وتوفير اماكن لجلوسهم والترحيب بهم .....الخ.
وفي وسط هذا الزحام رايت والدي يشير لي بيديه ويريد مني ان اذهب اليه ليحدثني في شيء ما
وحينما اقتربت منه رايته يمسك بفتى صغير لا يتجاوز عمره 12 عاما .
سالته عن هذا الفتى فاخبرني بانه قد سرق منه هاتفه المحمول وقت انشغاله في الترحيب بالحضور والتحدث معهم.
استغربت كثيرا وسالته في دهشه هل متاكد ان من سرقك هو هذا الفتى الصغير الذي يظهر عليه البراءة ويرتدي زيا مهندما وجميلا.
هنا تحدث الفتى قائلا ( ياعم انا جاي هنا مع امي ومسرقتش حاجة واهي امي قاعدة هناك كمان تعال اسالها)
تشكك والدي في الامر وطلب مني ان اقوم بالاتصال به على هاتفه المحمول ليتاكد ما اذا كان موجود مع الفتى ام لا .
في هذه اللحظة ارتبك الفتى وقام بالقاء الهاتف المحمول من خلفه فلاحظته انا ووالدي والتقطناه.
هنا امسك والدي الفتى وبدات انا بتعنيفه وهممت بضربه وتسليمه للشرطة.
الا انني فوجئت بوالدي يمسك بي ويحاول ان يسكت الفتى ويمنعه من المقاومة .
ونظر للفتى نظرة طويلة ووضع يده على كتفه محدثا اياه قائلا:
( متخافش يابني متخافش .... متخافش ... مش هعملك حاجة انت اسمك ايه )
(احمد)
(ابوك بيشتغل ايه)
(في مخبز عيش)
(( طيب ليه يابني تعمل كده انت لسه صغير.... ليه تسرق ياولدي وتضيع نفسك وانت لسه حتى معملتش حاجة في حياتك... ياولدي لو كنت عايز المحمول قلي وانا ادهولك من غير ماتسرقه ... بس حرام عليك تضيع نفسك وتجيب لنفسك مشاكل
وتضيع مستقبلك ... وممكن واحد غيري كان ياذيك او يحبسك وتتشرد انت واهلك... اوعى ياولدي تعمل كده تاني
انت لسه صغير.
عايز فلوس يابابا؟؟ قلي لو عايز فلوس قلي وانا اديهالك بس متعملش كده تاني))
هنا لم ينطق الفتى باي حرف بل ارتمى في حضن والدي ودموعه في عينيه
فقد فوجيء بهذه المعاملة الحسنة التي حرم منها منذ صغره .
فوجيء بحنان الاب الذي لم يلده ولكنه خاف على براءة طفله ان تنتهك وتلوث
فوجيء بصحوة ضميره بسماعه كلمات خرجت من قلب رجل صعب عليه حاله
فارتمى في حضنه ودموعه اعلنت ندمه واشار براسه ويديه معلنا الاعتذار طالبا للسماح ثم ترك الحفل وغادر
هنا سالت والدي لم عاملته هكذا؟؟
قال لي:
(يابني انا عملت كده معاه لانه ملوش ذنب في انه بيسرق ده ضحية
ملقيش حد يربيه كويس ولا يرعاه ولا حتى حد يتبناه ويصلحه
تعرف لو كنت ضربته او اتصرفت معاه زي اي حد مسك حرامي عمره ماكان هيعمل اللي عمله معايا قبل مايمشي
بس انا عاملته كويس لوجه الله لعله يتصلح حاله.
يابني ده لسه صغير والرجاء فيه انه يتصلح كبير ان شاء الله)
ترى كم من طفل تشرد وكم من شاب سلك طريق السوء وكم من عائلة تفككت
وما الذي اجبرهم على فعل هذا
نعم اكررها واقول اجبرهم
فما من احد يتمنى ويسعى ان يكون سيئا
ولكن ظروفه تجبره على ذلك
ولماذا دائما نعاملهم بقسوة ولا ننظر لهم بعين الرحمة
فنزيد تمردهم على المجتمع وعلى من حولهم
لماذا لا نعاملهم بصورة ايجابية كما حدث مع هذا الفتى
فنحن نستطيع بكل سهوله ان نوقظ ضمائرهم بكلمات بسيطة تخرج من قلوبنا
وبعطفنا عليهم يمكننا ان نغير سلوكهم الى الافضل.
فاين نحن من ذلك؟
وماذا فعلنا لهم لننقذ برائتهم من التلوث والضياع ؟
اعذروني على الاطالة ولكن شغلني هذا الموضوع فاردت ان اناقشكم واعرف اراكم.