حمدى السيد 3 قام بنشر February 17, 2012 وهناك بشائر إلهية في المعاملات: البشرى الأولى: بشرى فضل ترك حبِّ الشهرة وهذه البشرى من البشريات التى نحتاج لها بشدة هذه الأيام لماذا؟ لأن كل واحد يعمل صالحاً أو طيباً فى نفسه أو لغيره تقوم عليه نفسه وتأخذ تزين له الأسباب والأعذار ليعلم الناس بما خفى من حاله أو بما قام به نحو أحبابه أو مجتمعه وخلانه والأعذار كثيرة والمجتمع يحتاج للكثير من العمل وهذه الخصلة السيئة تفتح على الأمة والأفراد أبواباً من الشرور لا عدَّ لها ولا حصر لأنها تفتح باب الأنانية وحب مصلحة النفس وحب مدح الناس وإنشغال أهل قضاء المصالح بحبِّ ذكر الناس لهم وتقديمهم ثم انتفاعهم فى مقابل قضاء مصالحهم هذه الخصلة الذميمة تفتح باب الرشوة والنفاق والمجاملات الكاذبة والفارغة ولذلك بشَّر الحبيب المصطفى كلَّ من يعمل مراقباً مولاه لا يبغى سوى رضاه ومصلحة أهله وإخوانه ومجتمعه بشرهم بحب الله وما أعلاه فقال{إِنَّ اللّهِ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ}[1]ألا يكفى أحدكم أن يحبَّه الله فيطلب حب الشهرة والذكر بين الناس ألا يكفى أحدكم بشرى الذكر فى الملأ الأعلى على لسان مولاه فينادى الله جبريل أنه يحب فلاناً ويأمره بحبِّه فينادى جبريل ويأمر أهل السماء بحبه ثم يوضع له القبول فى الأرض بسرِّ الله وقدرته فيحبه أهل الأرض لماذا؟ لأنه طلب حبِّ الله وذكر مولاه أما من أحبَّ أن يذكر الناس أعماله أو يتحدثون بخصاله وفعاله أو تقواه وأحواله فهو على خطر عظيم إسمعوا إلى الحبيب يحذِّر من ذلك بشدة ويقول{إنَّ الاْتِّقَاءَ عَلَى الْعَمَلِ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الْعَمَلَ فَيُكْتَبُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ مَعْمُولٌ بِهِ فِي السِّرِّ يُضَعّفُ أَجْرُهُ سَبْعِينَ ضِعْفاً فَلاَ يَزَالُ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَذْكُرَهُ لِلنَّاسِ وَيُعْلِنَهُ فَيُكْتَبَ عَلاَنِيَةً وَيُمْحَى تَضْعِيفُ أَجْرِهِ كُلِّهِ ثُمَّ لاَ يَزَالُ بِهِ الشَّيْطَانُ حَتَّى يَذْكُرَهُ لِلنَّاسِ الثَّانِيَةَ، وَيُحِبُّ أَنْ يُذْكَرَ بِهِ، وَيُحْمَدَ عَلَيْهِ فَيُمْحَى مِنَ الْعَلاَنِيَةِ، وَيُكْتَبَ رِيَاءً، فَاتَّقَى اللَّهَ امْرُؤٌ صَانَ دِينَهُ وَإنَّ الرِّيَاءَ شِرْكٌ}[2] وأخطر من إعلان العمل وكشفه أن يعمل الواحد العمل فى منفعة نفسه أو أهله أو مجتمعه بغرض أن يتحدث الناس عنه بذلك فهذا أشدُّ و أنكى لماذا؟ لأنه يعمل رياءاً وهذا ما حذَّر منه الحبيب لأنه عمل سراً فأخذ أجراً مضاعفاً ثم أعلنه فخسر مضاعفة الأجر وصار علانية ثم استحب مدح الناس فتكلم وذكر ما عمل ليمدحوه فصار والعياذ بالله رياءاً وسمعة وشهرة أويس القرنى كم مجلساً حضرها مع النبى؟لم يحضر معه أى مجلس إذاً كيف أوصى النبى الصحابة أن يذهبوا إليه ويطلبوا منه أن يستغفر لهم؟وظلا عمر وعلى يبحثان عنه فى كل عام فى الحج إلى أن التقياه بعد جهد جهيد لأنه غير معروف فى قومه فطلبا منه أن يستغفر لهما وهما المبشَّران بالجنة لكن سيدنا رسول الله يعلِّمنا أقدار الرجال من الأتقياء الأخفياء المخلصين الذين لا يهمهم معرفة الناس بهم وإنما كل نظرهم إلى مولاهم وكل محل إهتمامهم أن يقوموا لله مخلصين صادقين بما أوجبه الله عليهم نحو أنفسهم وأهليهم ومجتمعهم ولذا قال{إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِي عِنْدِي لَمُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ ذُو حَظٍ مِنَ الصَّلاَةِ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَأَطَاعَهُ فِي السِّرِّ وَكَانَ غَامِضاً فِي النَّاسِ لا يُشَارُ إِلَيْهِ بالاصَابِعِ وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً فَصَبرَ عَلَى ذَلِكَ ثم نَقَرَ بإصْبَعَيْهِ فَقَالَ: عُجِّلْتْ مَنِيَّتُهُ قَلَّتْ بَوَاكِيهِ قَلَّ تُرَاثُهُ}[3] ويضيف الصالحون لذلك من آداب السلوك كلَّ من رأى نفسه أولى من أخيه بفضيلة أو مزية فيجب عليه التوبة وسد منفذ الغرور والاعتذار لإخوانه قولاً وفعلاً فيرى نفسه أنه ليس أهلاً لمكانته وينزل إلى خدمتهم أو يترك التكلم عليهم والتقدم عليهم حتى يقيمه إخوانه برضاء منهم وصفاء بعد أن يترك بيقين حبًّ الشهرة بين إخوانه المؤمنين ولذا قالوا{الخمولُ نِعْمَةٌ والكلُّ يأباها والشهرةُ نِقْمَةٌ والكلُّ يتمنَّاها} ولأبى الحسن الاحنف العكبري: من أراد العزَّ والراحة من هم طويل فليكن فردا من الناس ويرضى بالقليل ويرى أن قليلا نافعا غير قليل ويرى بالحزم أن الحزم في ترك الفضول ويداوى مرض الوحدة بالصبر الجميل لا يمارى أحدا ما عاش في قال وقيل يلزم الصمت فإن الصمت تهذيب العقول يذر الكبر لاهليه ويرضى بالخمول أي عيش لإمرى يصبح في حال ذليل بين قصد من عدو ومداراة جهول واعتلال من صديق وتجنٍّ من ملول واحتراس من عدو السوء أو عذل عذول ومماشاة بغيض ومقاساة ثقيل إن من معرفة الناس على كل سبيل وتمام الامر لايعرف سمحا من بخيل فإذا أكمل هذا كان في ظلٍّ ظليل البشرى الثانية: بشرى ترك الفضول وهنا بشرى نحب أن تشيع بين الناس فكلُّ واحد منا يحبُّ أن يحسن إسلامه ويرقى حاله ويزيد قرباً من سيده ومولاه فتأتى له بشرى الحبيب الطبيب تقول له{مِنْ حُسْنِ إسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ}[4]وحتى يحسن إسلام المرء فلابد للسان ألا يتحرك إلا على الهدى المستقيم فلا يدخل فيما لا يعنيه فصاحب فضول ليس له نصيب فى الوصول إلا إذا اجتث من نفسه ومن قلبه كل آلات الفضول ولا يبقى له فضول إلا فى أحوال الصالحين وفى رؤية سيد الأولين والآخرين وفى المعانى العلية المبثوثة فى كتاب ربِّ العالمين لكن الفضول فيما فى أيدى الخلق أو ما على أجساد الخلق أو فيما يسكنه الخلق فلا شئ ينفعك من ذلك خبرونى بالله عليكم ما نفع أن تعرف ما دار بين أخيك وزوجه؟ إذا لم يطلعك هو بنفسه أو ما قال فلان لآخر؟ سيشغل إبليس قلبك بهواك فتضل وتزل وتنشغل جوارحك الظاهرة والباطنة بأسرار لا تنفع بل وستصبح مثل بالونة مليئة بعورات الناس وأخبارهم وتريد أن تتقيأها فى كل مكان تذهب إليه فتصير عند الناس قتاتا وممقوتاً ويغلق الله دونك أبواب القبول والوصول وكلُّ خيرٍ مأمول ولا يلبث الخلق أن يغلقوا أبوابهم بوجهك ولذلك روى سيدنا أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ{تُوفِّيَ رَجُلٌ فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ ورَسُولُ اللَّهِ يَسْمَعُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:أَوَ لاَ تَدْرِي؟ فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيمَا لاَ يَعْنِيهِ أَوْ بَخِلَ بِمَا لاَ يَنْقُصُهُ}[5] لأنه قد قال لهم محذراً ومنبهاً مراراً وتكراراً{إنَّ اللّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثاً: قِيلَ وَقَالَ وَإضَاعَةَ الْمَالِ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ}[6]وقيل فى مدح ترك الفضول : قطعتُ مطامعي واعتضتُ عنها عزيزاً بالقَناعَةِ والخُمولِ ورمتُ الزهدَ في الدنيا لأنّي رأيتُ الفضل في ترك الفضول وقال أحد الحكماء فى ترك الفضول أبيات ظريفة لأبنائه نذكرها : هذا وربِّ السماء أعـجـب مـن حمار وحشٍ في البر منـتـعـل أخاطبه يا عاقل كـي أسـائلـه مالك وما للخلق من شغل فقال يخشى فـوات حـاجـتـه أو ليس هذا من أفضل العمل فقلت لم يفت للمرء شأن الرب قدره بل قد يفوت بذنب الجسِّ والحيل فاترك شئون الخلق للرب خالقها إن الأذى كله من تلكم الـسبل فصد عني تغـافـلاً ومـضـى يعجب من عقلـه ومن خـلـلـي وصاح مـن خـلـفـه رويدك إنَ الفضول سرُّ النصر من قـبـل قلت إرجع إلـى قول الرسول تفز إن الفضول حبلٌ بالنار متصل أجب إذا ما سئلت مـقـتـصـداً في القول واسكت إن أنت لم تسل أنت بترك الفـضـول أجـدر لـو سلمت من خـفةً ومـن خـطـل أما بشرى ترك الفضول التى يفهمها الصالحون فلا تقتصر على ما مضى ولكن اسمع للعارفين إذ دأبوا على الحثِّ على ترك الفضول والبعد عن أخلاق الفضوليين الذميمة فيقول الشيخ ابْنَ الأَعْرَابِيِّ{الْمَعْرِفَةُ كُلُّهَا الاعْتِرَافُ بِالْجَهْلِ وَتَرْكُ الْفُضُولِ } ولذلك فإن من أعلى وأجمل ما قال العارفون فى ترك الفضول ما قاله أحد الحكماء فى بيان معنى ترك الفضول عند الصالحين إذ يوضح أن كل ما لا يسوق المرء لتهذيب النفس للوصول إلى الله هو من الفضول الممقوت والذى يجب تجنبه واستمتع بمعانى كلامه الراقى إذ يقول: هذب النفس إن رمت الوصول غير هذا عندنا عين الفضول حصل العلم بعزم صادق لا تكن في العلم كسلانا ملول علم النفس توحيد العلي من بيان الآي عن فرد قئوول حصل الأحكام بالقدر الذي يقتضيه الوقت لا قال يقول حسن النيات وانهج نهج ما صح بالإسناد تحظى بالقبول صاحبن أهل التقى والزمنهم واتبع نور الهدى فعل الرسول وادخلن حصن الشريعة واهجرن كل مفتون ومغرور جهول واصطف الرؤوف الرحيم اسع إلى من يزكي النفس عنه لا تحول رتل القرآن وافقه آية وافهمن سر الإشارة والفضول آثر الأخرى على الدنيا عسى يقبل الله فتحظى بالوصول وازهدن فيما يزول مسارعا للذى يبقى بأحوال الفحول أخلصن لله قلبا قالبا واسألنه الفضل منه والقبول بر أصليك القريبين ارحمن كل فرد منهما عند المحول فإذا صرت من أهل تلك الأخلاق العالية والآداب الراقية تزكو نفسك ويصير الشغل بذكر الله هو الأحب لقلبك فإذا شغلت نفسك بذكر الله وحب حبيبه ومصطفاه والرغبة فى معرفة أسرار التنزلات الرحمانية فى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فإن هذا بالطبع لن يستقيم لك إلا بدوام يقظة القلب و الإصرار على ترك الإشتغال بالخلق ولديها فتصير آلات استقبالك كلها موجهة للمصادر الربانية والفضائيات الإلهية السماوية وقنوات البث المحمدية العلوية لا للأوساخ الدنية والأخبار الدنيوية من القيل والقال أوكثرة السؤال عما لا يعنيك من الأحوال فهؤلاء الذين أكرموا هم مقتصدون حتى فى حديثهم فى كلام الواحد المتعال أو فى حديث الحبيب الأعظم أو سيرة الآل فكيف يستبيحون وقتهم فى الفضول أو اللهو فضلاً عن باطل أو قيل وقال بأى حال البشرى الثالثة: بشرى السلامة فى الصمت أما هذه البشرى فهى سرُّ من أسرار السلامة وتجنب الغى والعى والندامة ولذا بشَّر رسول الله سيدنا معاذ بالسلامة والنجاة فقال له ولنا ولمن يريدون النجاة والسعادة والسلامة إلى يوم القيامة{إِنَّكَ لَنْ تَزَالَ سَالِماً مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ}[7]ولذا نصحهم بوضوح لا يقبل الشك فقال{أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ}[8]أهذا صعبٌ أو ليس ممكناً قال الحكماء{ فعلٌ وليس بفعل به النجاة بالفعل علِّق باللسان ثقل أو ضع على الفم قفل} أفيعزُّ على أحدكم أن يسلم وينجو بغلق فمه فوالله لو عقل هذا أحد لصمت إلى الأبد فنجا ولم يكن مثله أحد إلا من فعل مثله أو زاد وما الزيادة إلا النطق عند الحاجة بقدر أما الفائدة الثانية فى بشرى الصمت أن الصمت سرٌّ من أسرار الوصول أوصى به الله وشدَّد عليه الرسول ونصح به كل عبد بالله موصول ولذا كانت المجالس العملية التى يرتفع بها أهل المعية إلى الدرجات العلية يقول فيها سيدنا أبو الدرداء{تعلموا الصمت كما تتعلمون الكلام فإن الصمت حكم عظيم وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم ولا تتكلم في شيء لا يعنيك}[9] فكانوا يدخلون ورشة عملية يعلمهم فيها رسول الله الصمت كما نتعلم نحن ونعلم أولادنا الصغار الكلام ولذا كان ابن مسعود يقول فى الورشة العملية{إن كان الشؤم في شيء ففي اللسان}[10]وكانوا يستخدمون النماذج التعليمية فكان سيدنا أبو بكر يضع حجراً تحت لسانه فلا يتكلم إلا فيما يرضى الله فيسألونه ما هذا؟ فيقول وهو يشير إلى لسانه{هذا الذي أوردني الموارد}[11]{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}فكانت الورشة الأولى فى العبادة العملية التى كان يُشرف عليها خير البرية هى تَعَلُم الصمت ومن يدخل هذه الورشة يأخذ ما فيها من بضاعة بعد أن يُحَصِّل وفى النهاية يعطيه الله جزاء هذه الطاعة مع شهادة التخرج{يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}وشهادة التخرج مكتوب فيها " حكيم" قال النبى{إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ قَدْ أُعْطِيَ زُهْداً فِي الدُّنْيَا وَقِلَّةَ مَنْطِقٍ فَاقْتَرِبُوا مِنْهُ فَإنَّهُ يُلَقَّنُ الْحِكْمَةَ}[12]وقال الشاعر أبو نواس فى شىء من شعر الحكمة : خلّ جنبيك لرام وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام ربما استفتحت بالنطــق مغاليق الحمام إنما السالم من ألــجم فاه بلجام وقال حكيم لأبنائه معلماً ومربيَّاً{يا أبنائى صمتٌ قد يعقبه ندامة خيرٌ من نطق يسلب السلامة }ثم أنشدهم قائلاَ: الصمت زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً ما إن ندمت على سكوتي مرّة ولقد ندمت على الكلام مرارا وقالوا{لسانك سبْعٌ إن عقلته حرسك وإن أرسلته افترسك}وقيل{اخزن لسانك كما تخزن مالك واعرفه كما تعرف ولدك وزنه كما تزن نفقتك وانفق منه بقدر وكن منه على حذر فإن انفاق ألف درهمٍ في غير بابها أيسر من إطلاق كلمة في غير حقها} وقال الشاعر فى بيان خطر اللسان: احفظ لسانك واحتفظ من شرّه إنّ اللسان هو العدوّ الكاشح وزن الكلام إذا نطقت بمجلس فيه يلوح لك الصواب اللائح والصمت من سعد السعود بمطلع تحيا به والنطق سعد الذابح وقال بعض الحكماء عليك بالصمت وإن أصبت في القول وبرزت في الفضل: رب كلمة قلت جلبت المقدوراً خربت لك دوراً عمرت قبوراً فاحفظ لسانك أن تنال ثبورا إن المناطق تجلب المحذورا وللإمام الشافعى قول رائع فى ذلك اشتهر وذاع وروى لآخرين: احفظ لسانك أيها الانسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الشجعان يتبع إن شاء الله [1] صحيح مسلم عن عامر بن سعد. [2] رواه البيهقي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ الترغيب والترهيب [3] عن ابنِ عَبَّاسٍ جامع المسانيد والمراسيل، وكثير غيره. [4] رواه الإمام الترمذى فى سننه عَنْ أَبي أُمَامَةَ [5] عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، موطأ مالك ، وكثير غيره . [6] رواه الترمذي عن أنس وقال: حديث حسن غريب قال الحافظ: رواته ثقات الترغيب والترهيب [7] صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة. [8] سير أعلام النبلاء [9] عن معاذٍ للطبراني في الكبير وللبيهقي في شعب الإيمان جامع المسانيد والمراسيل [10] رواه أحمد والطبرانى عن عقبة بن عامر. [11] مكارم الأخلاق (الخرائطي) [12] لأبي نعيم في الحلية وللبيهقي في شعب الإيمان عن أبـي هريرة فى جامع الأحاديث والمراسيل شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر
حمدى السيد 3 قام بنشر February 18, 2012 البشرى الرابعة: بشرى الاستقـــامة أما بشرى الإستقامة فحدث ولا حرج على الفضل والكرامة فالإستقامة بشراها فوق كل حدٍّ أو علامة وأنا إن شاء الله سأدخل بكم على هذه البشرى من مدخل مختلف عما تعودتم عليه من تناول الشرَّاح للآية: فأسألكم يطوف بخيال أحدنا كثيراً فى مثل أيام الفضل من رمضان أو فى مواسم العفو أو أو قات الكرامة أو فى القيام أو أثناء التلاوة أين هو من أوامر الله أو تعاليم نبى الله؟ ما الدليل الذى يعلم به الإنسان أن الله اجتباه وحبَّاه ورقَّاه وأدناه؟ {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ}ماذا يقولون لهم؟{أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}فأول دليل أن يرزقه الله الاستقامة فى الأقوال والأعمال والأحوال وفى كل الأوقات وكل الآنات فهؤلاء الذين استقاموا وتنزلت لهم البشرى بالكرامة هم المؤهلون للمنح الذاتيَّة والنفحات الربانيَّة التى جهَّزها الله لأهل الخصوصيَّة فالإستقامة هى البشرى وهذا هو المدخل الذى أريد أن أدخلكم منه للآية وهى علامة للعطية والكرامة كالرؤيا الصادقة مثلاً وإذا لم يرزق العبد الرؤيا فيكفى أن يرى أن الله أعانه ورزقه الاستقامة وحفظ عليه أحواله وأقواله وجعله يمشى كما يقول الله{وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ}فالنبى هو الصراط المستقيم لأن الاستقامة أعلى مقام وأعلى تكريم من الله للصالحين أبداً فالله لم يقل (فاستمعوا له) بل قال {فَاتَّبِعُوهُ}فالنبى على منهج الاستقامة فهى المنهج العظيم الذى يؤهل لكرم الرءوف الرحيم وإكرامات الرب الكريم وقد يكرم أحدهم فيسمع تسبيح الكائنات{مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}وهناك من يفقهه فيعَلِّمه الله لغات الأشياء حتى لغة الجمادات ويسمع نطقها بألفاظ فصيحات وفى ذلك يقول أحد الصالحين : نغمات تسبيح الكيان مدامى يصغى لها قلبى يزيد هيامى قلبى لدى التسبيح يصغى واجداً وجد المؤله من فصيح كلامى فيسمع تسبيح الكائنات أو الحقائق أو الملائكة وقد يكرمه الله بإكرامات القلب فيكون هذا القلب له إطلالة علوية على الأحوال الربانية وقد يكرمه الله بالإلهام وقد يكرمه الله بالسكينة تتنزل عليه على الدوام وقد يكرمه الله بالطمأنينة لذكر الله وقد يكرمه الله فيفتح له كنوز الحكمة فى قلبه وقد يكرمه الله فيُفرغ له من أسراره التى لا يُطلع عليها إلا خواص عباده وقد يكرمه الله فيجعل فى قلبه وسعة حقيَّة كما روى فى الأثر عنه عز وجل{إِنَّ السَّمواتِ والأَرْضَ ضَعُفْنَ عَنْ أَنْ يَسَعْنَني وَوَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي المُؤْمِنِ الوَادِعِ اللَّيِّنِ}[1] إذاً قلب العبد المؤمن أوسع من السموات والأراضين ومن فيهن بما فيه من ألطاف إلهية خفية وعلوم ربانية وأسرار ذاتية وقال ابن الوردى العباسى فى المقارنة بين أحوال الصادقين المستقيمين الأولياء وغيرهم من أهل الدعوى الأدعياء فقال: ذهبَ الصدقُ وإخلاصُ العملْ ما بقيْ إلا رياءٌ وكسلْ غرَّكَ التقصيرُ مِنْ ثوبي فإنْ قُصِّرَ الثوبُ فقدْ طالَ الأملْ إنْ تأملتَ فزيِّي منهمُ غيرَ أَنَّ القلبَ مغناهُ طللْ رفَعَ الكَلَّ عنِ الكُلِّ وقال ربى الله تحامى كُلَّ كَلّْ ذَلَّ للـهِ فعزَّتْ نفسُهُ كلُّ مَنْ عزَّ بغيرِ اللـهِ ذَلْ فَهْوَ إنْ يعلُ فباللـهِ علا وَهْوَ إنْ ينزلْ فبالحقِّ نَزَلْ كسرَ النفسَ فصمَّتْ واتقى زخرف الدنيا وخيلاً وخَوَلْ بَذَلَ الروحَ ولولا عزُّ ما رامَ ما هانَ عليه ما بذلْ عرفَ المربوبَ بالربِّ فلم يخشَ إلا ربَّه عزَّ وجلْ ليتني في جسم هذا شعرةٌ صَغُرت أو طعنةٌ فيما انتعلْ بل مرامي لحظةٌ أو لفظةٌ مِنْ وليِّ اللـهِ مِنْ قبلِ الأجلْ هؤلاءِ القومُ يا قومُ مَضَوا ما تبقى منهمُ إلا الأقلْ فإلى اللـهِ تعالى أشتكي ما بقلبي مِنْ فتورٍ وخبلْ لو تقنَّعتُ أتى رزقي على رغمِهِ لكنْ خُلقنا مِنْ عجلْ كم رياءٍ كم مراءٍ كم خطا كم عدوٍّ كم حسودٍ لا يملْ ليس يخلو المرءُ عن ضدٍّ ولو حاولَ العزلةَ في رأسِ جبلْ لا أرى الدنيا وإنْ طابتْ لمن ذاقَها إلا كسمٍّ في عَسَلْ أين كسرى وهِرَقْلٌ أين مَنْ ملك الأرضَ وولَّى وعزلْ أينَ مَنْ شادوا وسادوا وبَنَوا هَلَكَ الكلُّ وَلَمْ تغنِ القللْ لو سألتَ الأرضَ عنهمْ أخبرت صرْتُ قفراً فاسْتَقِمْ وارْتَحِل البشرى الخامسة: بشرى تنزل الملائكـــة وهذه البشرى فيها تفصيل من سابقتها فقد علمنا أن الإستقامة هى علامة المحبة والكرامة وقد يكرم الله أحبابه بسرِّ الاستقامة كما أخبر بقوله{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}وحتى لا يلتبس الأمر على البعض فى تنزل الملائكة فيظن أنه يمكنه أن يراهم عيانا بياناً من البداية على هيئتهم وأحوالهم وفى الحقيقة لا يقدر أحدٌ بمفرده على ذلك إذ لابد من التأهيل هل هذا واضح؟ولذا روت السيرة قصة العباس عم النبى عندما ذهب لزيارة النبى يوماً ومعه ابنه عبد الله بن عباس وهو صبى ويروى بن عباس أنه دخل مع أبيه علي النبى فجعل العباس يكلم النبى والنبى لا يلتفت له لأنه كان مشغولاً بالحديث مع رجل آخر فانصرف العباس وقال لإبنه عبدالله أن النبى أعرض عنه فقال له{يا أبت أما رأيت الرجل الذي كان عنده يكلمه؟ قال: لا قال أكان عنده أحد؟ قال: نعم فرجعا للنبى فقال العباس: يا رسول الله أكان عندك أحد؟ قال: ورأيته؟ قال: أخبرني عبد الله بذلك قال عبدالله: فأقبل عليَّ النبى وسألنى: أرأيته؟ قلت: نعم قال ذاك جبريل}وفى رواية زيادة{أما إنك ستفقد بصرك}[2] فكان كما قال وكفَّ بصره في آخر عمره إذاً هذا الموضوع يحتاج إلى تأهيل هل وعينا القصة فكيف التأهيل؟والآن أعيرونى فهمكم إن الله جعل معك على قلبك ملَك الإلهام على الدوام وهذا هو حبل الوصال بينك وبين الملائكة الكرام فيلهمك الصواب ويسدِّدك إلى الحق ويوجهك إلى الصدق فماذا تحتاج لأكثر من هذا؟فمن أحبَّه مولاه جعل مَلَك الإلهام يتولاه بإلهامه والْمَلَك يتلقَّى من الله والعبد يتلقى من المَلَك فهو يتلقَّى من الله عن طريقه ولا غرور ولا زهو ولا سمعة لأنه لم يرَ الْمَلَك فالْمَلك يسدِّده ويلهمه دون أن يراه وذلك حفظ الحفيظ لهؤلاء الذين يريد أن يحفظهم الله على الدوام لكن لو رأى أحدنا مثلاً المَلك جهاراً فربما لعبت به نفسه التى لم تطهر بعد من العيوب فتجعله كلما جلس مع قوم يريد أن يفتخر بما رآه فيكون فى ذلك بُعده وحرمانه من المزيد من فضل ربه فالمحفوظ هو الذى يتولى الله إلهامه عن طريق المَلك ولا يراه فإذا تمَّ تأهيله فحدث ولا حرج فبعدها يحدث له ما لا يُعدُّ من حالات القرب من الملائكة ومن أهل العناية والرعاية الذين يتنزلون بإذن ربهم عليهم لتثبيتهم إن كانوا فى حاجة لتثبيت أو لإلهامهم إن كانوا يحتاجون الإلهام أو لحفظهم إن كانوا فى شأن يحتاجون فيه إلى الحفظ المعنوى أو الحسِّى من إنس أو جان فى أى وقت أو مكانٍ كان أما من كان فى أحضان مولاه فيا هناه فمثله لا يحتاج إلى أى صنف من ملائكة الله لأنه مع من يقول للشئ كن فيكون واسمعوا واعقلوا يا أولى الألباب فهذا دخل فى بشرى أعلى من ذلك وأكبر ويتولاهم بولايته وليست الملائكة ولا جبريل ولا ميكائيل لكن هو بذاته الذى يتولى الصالحين ألم يقل{وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ}وقال الرجل الصالح فى معرض تنزل الملائكة على أهل الإستقامة بالبشرى والكرامة: هذا موطن تنزل الملائك فيه ومقام يَسُرُّ هذا الفؤادا أيُّها الطاهر الزكيّ استقمت فنلت الإسعاف والإسعادا فعليك تنزلت أملاك ربى أمطروا الإلهام والإمدادا قد رفع قدركم للناس صرتم منهلاً ما استزيد إلاّ وزادا فآى القران جاءتنا تنبى بسلامٌ يبقى ويأبى النفادا فاتاكم الفضل من روح ربى وولاية الله لكم إرفادا البشرى السادسة: بشرى المكاشفة الربانية أما تلك البشرى فهى من البشريات العليات فإن كنا قد طفنا معاً فى تنزل الملائكة وفى تولى ملائكة الإلهام للعبد على الدوام فهناك بشرى أرقى وأغلى اسمعوا لقول الله العلى الأعلى وهو يبشِّر أهل المقامات السامية بنفسه فيقول{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}فلكى نحظى بسر تلك البشرى نسأل هل الموت أولاً أم الحياة؟ لا تأتى الحياة إلا بعد الموت فلابد أن تموت لكى يُحبُّوك ثم بروحهم يُحْيُوك ثم عطائهم يمنحوك وبمننهم يُجمِّلوك وبتأييدهم يُقيموك وبتوفيقهم يتابعوك وعندها تكون عبداً مقاماً معاناً محفوظ بحفظ حضرة الرحمن ولديها يكشف عنك الغطاء{فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}فالعطا كل العطا لمن كشفوا عنه الغطا وهو ميت يسير بين الأحياء وكم من مرة قال لهم النبى: من أراد أن ينظر لميت يسير بين الأحياء فلينظر إلى فلان وسمَّى أكثر من واحد وقال أحياناً من أراد أن ينظر إلى أحد ممن قضى نحبه فلينظر إلى فلان أما من يكشف عنهم الغطا بالموتة العزرائيلية فلا عطا ولا عطية لأن هذا الموت إنتهاء الرحلة الدنيوية لتبدأ الرحلة الأخروية والكل فيها يرى الحقيقة واضحة جليَّة فلا خصوصية ولا مزية إلا لمن مات الموتة الإختيارية وهو يمشى بين البرية فى الحياة الأرضية مكبَّلٌ بالقيود الجسمانية فهو إذاً أهل المكاشفة الربانية ونوال العطية والمزية فيكون له نوراً يمشى به فى الناس وليس بين الناس فاعقلوا يا أيها الخواص ولذا تسمعون عن الصالحين أنهم كُشف عنهم الحجاب ورُفعت أمامهم الستور فأصبحوا ينظرون بما فيهم من غيب إلى عوالم الغيب إلى ما لا يراه الناظرون ويتمتعون بعوالم الجمال القدسى المصون فيبصرون بعد أن كانوا عمياناَ ويسمعون ويكلمون الملأ الأعلى بعد أن كانوا صماً وطرشانا ولذا كان النبى كثيرا ما يمرُّ على أصحابهم فيشوقهم ويسألهم مستحثاً إياهم للمراقى العالية والغالية ويسألهم أسئلة عجيبة{هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُرِيدُ أَنْ يَؤُتِيَهُ اللَّهُ عِلْماً بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ وَهُدَىً بِغَيْرِ هِدَايَةٍ؟ هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُرِيدُ أَنْ يُذْهِبَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَمَى وَيَجْعَلَهُ بَصِيراً؟}[3] فمن أين يأتى هذا كله؟ وكيف؟ إنها المكاشفات والإلهام والنور الذى ينبثق فى الصدور فيمشون به فى الناس ويعلمون ما شاء الله لهم من المستور ولكن اعلموا علم اليقين أن أعلى إكرام يبلغه العبد وأعلى مقام فى الكشف الربانى هو كشف معانى القرآن الكريم ومعانى بيان الرءوف الرحيم فربما قدر غير المسلمين على الوصول إلى بعض كشوف المخلوقات لكن لا يستطيع أحد أن يطلع على ذرة من معنى القرآن ولا أنوار غيوب أحاديث النبى العدنان فهذه مناطق لا يلجها إنس ولا جان إلا أهل{آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} يتبع إن شاء الله [1] رواه الإمام أحمد فى (الزهد) عن وهب بن منبه [2] مسند الطيالسى عن عبدالله بن عباس [3] جامع الأحاديث والمراسيل عن الحسن شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر
حمدى السيد 3 قام بنشر February 19, 2012 البشرى السابعة: بشرى الحياة الباقية فى الدنيا الفانية وهذه البشرى الراقية بشرى الحياة الباقية فى الدنيا الفانية كيف؟ ألم يبشِّر الله تعالى أهل الإيمان وقال لهم فى محكم القرآن قوله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}فلا حياة إلا بعد الاستجابة لرسول الله ولذا قال أحد الصالحين : كنت ميتا أحيا مواتي بروح هي عين الحياة نور الوالي قمت حيَّا به سميعا بصيرا في خشوع ورهبة وجلال وهذه هى البشرى من يريد منكم الحياة؟فليستجب للرسول لكى يحييه الله أما قبل ذلك فمعيشة يستوى فيها كل خلق الله وحتى المخلوقات الدنيا بل هى معيشة أدنى ولذلك وصفها الله بالضنك فقال جل فى علاه فى كتابه{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}فالحياة لمن استجاب لله ورسوله ولم يعرض عن ذكر الله فحياة القلب أن يضئ بنور الله وتتحرك حواسه الباطنية فتتجول فى ملكوت الله وتعود بما غاب عنه من عجائب حكمة الله وأنوار الله وغيوب عطايا مولاه التى لا تدركها الحواس الحسية لكن تناولها يكون بالحواس الباطنية التى حيت بعد الاستجابة ففُتح لها باب الإجابة ثم بدأت ترِد عليها عطايا النبى والصحابة لذا ورد أن رسول الله نادى على رجل كان يتنفل فواصل الرجل ثم جاء إلى رسول الله بعد أن انتهى فقال له{ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي؟ قال: كُنْتُ أُصَلِّي قال: أَلَمْ يَقُلْ الله تَعَالَى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}} فإذاً إجابة الرسول بنص الكتاب فرضٌ يجبّ كل الفروض فكان أصحاب الرسول بعد ذلك لو سمعوا منادى رسول الله يتركون كل ما فى أيديهم ويلبونه فإن كان أحدهم نائماً نهض قائماً فوراً وإن كان صائماً ويمد يده ليفطر يتركه ويلبى ويروى أن أحدهم كان جنبا ليلة فقام يغتسل فغسل نصف رأسه ثم سمع منادى رسول الله ينادى للجهاد فترك غسله وخرج فى الحال حتى لا يبطئ على إجابة رسول الله خرج جنباً واستشهد فقال لأصحابه كاشفاً عن سرِّ هذه المقامات العالية لقد رأيت الملائكة تغسِّله فسألوا زوجته ما أمره؟ قالت: كان جُنُباً وقبل أن يتم غسله سمع منادى الجهاد فخرج للتوِّ ولذا أتمت الملائكة غسله بنفسها وهذا حال الصالحين إذا سمع النداء ترك كل ما فى يده وأقبل على الله لأن المقام على قدر الإقبال وقربك على قدر سرعة إجابتك البشرى الثامنة: بشرى رطَب لسانك بذكر الله أما هذه البشرى فأنا لا أسميها بشرى ذكر الله لأن هذا موضوع معلوم ولا يحتاج مزيد أيضاح ولكن أقول بشرى أن اجعل لسانك رطباً دائما بذكر الله وهى بشرى الفتح فى طريق الله لمن أراد الفتح القريب من الله العاطى المجيب البشرى التى أعطاها النبى للرجل الذى جاء يشكو له ويقول: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ فأنبئني منها بأمر أتشبَّث به فاتحفه وبشَّره بقوله الشريف{لاَ يَزالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ } فيعنى ببساطة وبكل سهولة ويسر إن دمت على ذكر الله ولم يجف لسانك منه فقد حزت شرائع الإسلام الكثيرة وهذه هدية ثمينة هينة ويسيرة ولكنها غالية وعظيمة ولم يعطها إلا لأهلها وهذا حال أهل الفتح مع الله لمن يريد الفتح كما قلنا روشتة بسيطة وضعها رسول الله فى أثناء النهار والليل وفى كل وقت وحال ليكن لسانك رطباً بذكر الله إلى أن يحيا القلب فإذا حيا فلا يحتاج إلى اللسان فذكر القلب أسرع وأكثر نورانية وشفافية فمعه البصيرة المضية والأنوار العلية والأحوال السنية فليس عنده وقت بكلمات لسان البريَّة ولا تسمعها الآذان الطينيَّة بل القلوب الزكيَّة فيجمعونك على أهل المعية الهنيَّة وكل هذا أتى من مداومة الذكر أفلا من متَّبع لتلك البشرى ومخلص نفسه ليصير من أهل الذكرى هل من متبع وأنا أنصح كل من يستمع فيتبع أنه لو طال عليك الأمد ولم يأتك فتح الله الصمد فاستمر ولا تقف أو تنقطع ولا تسيىء الظن بالله الأحد فإياك أن تجعل للظن السئ موضعاً فى قلبك، لأنه أكبر الحجب التى تمنع عنك عطاء ربك وإن إبليس اللعين ما حاول أن يلقى اليأس وسوء الظن فى طريقك إلا لأنه يوقن أنه يوشك أن يفتح لك فلا تلتفت واجعل ذكرك لحبِّ الله ومع الله وبالله واعلم أنه معك ما أحسنت الظن فيه أما نفسك فطبعها السوء أصلاً فلا توقفنك ولا ترجعك وثق بقول الحبيب برسالة أتى بها لنا من الله ليبشر كل مقبل عليه فلا تتلاعب به نفسه{إِنَّ اللّهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي} وللأئمة ألاف القصائد والمواجيد العلية فى ذكر الله ومعانى الذكر وأسراره العلا فننتقى نذراً من بعضها : الجاهلون الغافلون عن الجمال شهدوا الحضيض فألبسوا ثوب النكال والمغرمون العاشقون لذي الجلال شهدوا الجميل بلا حجاب أو عقال ذكروا الإلـه بسرهم فتهيموا وتشوقوا حتى لـهم صح الوصال شغلوا بذكر حبيبهم بقلوبهم فأجابهم بشرى لكم نيل الوصال نادوه أنت مرادنا بل قصدنا وسؤلنا وحبيبنا في كل حال ورضاك مأمول لنا فعسى به نحظى برؤيا الوجه من بعد المآل فأجابهم حبي لكم هو سابق في محكم القران قد جاء المقال والحب منكم فيض فضل لاحق بشرى لكم فالعشق معراج الوصال قد أخبر القرآن بالحسنى التي سبقت لأهل القرب من أهل الكمال البشرى التاسعة: بشرى الإتعاظ والإعتبار بالخلق أما هذه البشرى ففيها سرٌّ عظيم من أسرار كتاب الله تعالى وسنة حبيبه وهى بشرى تفتح الباب لكل عبد أواب أو صاحب فهم فى الكتاب أو متعظ بأحوال الخلق ومافى صنعة الله من النتائج والأسباب وهنا سؤال كما تعودنا لماذا قصَّ الله علينا قصص السابقين وتناولها بأشكال عديدة وطرق مختلفة كذا حبيبه فى سنته ولماذا أمرنا بالتمعِّن فيما خلق وأبدع وصور كل هذا لأجل{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}ألم تسمعوا لقول كثير من شبابنا اليوم إذا ناقشته لماذا تفعل كذا وأنت متعلمٌ وتفهم أن هذا يضرُّك؟ يقول لك لأجربه لأتأكد من ذلك فتسأله ألا ترى من حولك وكيف أثبتت تجارب الآخرين خطر هذا الأمر فيهزَّ رأسه أو يشيح بيده كأن الأمر لا يهمه مع علمه بصحة الحجة فأين الخلل؟الخلل هو ما أتت هذه البشرى لتبينه الخلل أن أغلب الناس اليوم فقدوا حاسة أو ملكة " الإعتبار والإتعاظ" آهٍ ثم آهٍ لو استيقظت تلك الْمَلَكَة وأخذت حقها فى سلوكياتنا لوفرنا على أنفسنا الكثير والكثير من الوقت والتكاليف والضحايا والتأخير إلى أن نسلك الطريق القويم أو نتخذ القرار الحكيم مع أن العبر لا تعدُّ ولا تحصى فى السنة والكتاب وقصص الصحابة والأتباع والأحباب وفى كتاب الكون المفتوح والملىء بكل العبر والعظات ولذا قال القائل: عِبَرٌ كلـها الحياة ولكن أَين من يفتح الكتاب ويقرا ولذا فإن الله نصحنا ووجهنا إلى التذكر والإعتبار عند الحوادث والأخطار{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}قال سادتنا بالإتعاظ والعبرة أو بالفهم واسترجاع الذكرى فكل هذا يؤدى إلى التذكر والإعتبار وهى بشرى النجاة من الوقوع فى الخطر أو الإنجرار ببركة التذكر والإعتبار وبشرى الإستفادة من تجارب و قصص السابقين فى التاريخ والأمصار ولذلك فإن الصالحين لهم من تلك البشرى فائدة عظمى كيف؟ إن الواحد منهم لينظر إلى الخلق نظر عبرة وعظة واعتبار فإن رأى فيهم خلقاً قبيحاً معيباً يبحث فى نفسه عنه ويتهم نفسه به حتى يقتلع من نفسه جذور هذا العيب أو يتأكد أنه خلوٌ منه فيكون الناس بالنسبة له كسبورة تظهر فيها هذه العيوب فيعرفها ويحاول أن يزيلها من نفسه كما كان يفعل بسيدنا عيسى قيل له{ ياروح الله من أدبك؟ قال: ما أدبني أحد رأيت جهل الجاهل فتجنبته }{ وقِيلَ لِلأَحْنَفِ: مِمَّنْ تَعَلَّمْت الْحِلْمَ؟ قَالَ: مِنْ نَفْسِي, قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ: كُنْت إذَا كَرِهْت شَيْئًا مِنْ غَيْرِي لَمْ أَفْعَلْ بِأَحَدٍ مِثْلَهُ }وسئل حكيم{ ممن تعلّمت العقل؟ قال: ممن لا عقل له كنت أرى الجاهل يفعل الشيء فيضرّه فأتجنبه فصرت عاقلاً وحكيماً}هل رأينا جمال تلك البشرى واسمعوا واعوا لقول المتنبي الشاعر المعروف: ولم أر في عيوب الناس شيئاً كنقص القادرين على التمام وقال علي بن مقلة : وإذا رأيت فتى بأعلى قمة في شامخ من عزة المترفع قالت لي النفس الشغوف بشرفها ما كان أولاني بهذا الموضع رأى الحسن رضى الله عنه قوماً يتزاحمون على جنارة بعض الصالحين فقال حاثاً لهممهم: { ما لكم تتهافتون عليه افعلوا فعلـه تكونوا مثلـه }وقال أبو العميثل : يا من يؤمل أن تكون خصالـه كخصال أهل الفوز فأنصت واسمع فلأنصحنك في المروءة والذي حج الحجيج إليه فاقبل أو دع اصدق وعف وبر وانصر واحتمل واحلم وكف ودار واصبر واشجع ومن قول أبى العيناء الرجل الحكيم: إذا أعجبتك خِلالُ امرئ فكنهُ تكنْ مثلَ من يعجبك وليس على المجد والْمَكْرُمَات إذا جئتها حاجبٌ يحجبك وأختم بجميل الكلام : مناجاة روحي في اختفاء عناصري بما لاح من غيب ومن معقول تسليت لكن عن وجود تقيدي فررت إلى اللـه بحال ذليل رأيت مقامي بي هو السفل زلة ومنه اتصال فيه ثم مقيلي تناجيه روحي وهي في مقعد الصفا تحيط بها الأنوار حال حصولي وبالعالم الأعلى اقتدائي تنقلي وبالواحد الأعلى بيان دليلي سل اللـه يعطيك المثول وسلـه هو وخل محيط الكون في تشكيل يتبع إن شاء الله [1] عن أبي سَعِيدِ بنِ المُعَلَّى، سنن أبي داوود وغيرها.. [2] رويناها أعلاه بمعناها وردت عن هشام بن عُروة عن أبيه، الوافي بالوفيات ومصادر أخرى كثيرة. [3] مصنف ابن أبي شيبة عن عبد الله بن بسر [4] صحيح مسلم عن أبى هريرة [5] فيض القدير. شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر
حمدى السيد 3 قام بنشر February 20, 2012 البشرى العاشرة: بشرى مقياس الأخلاق وهذه البشرى هى بشرى البشريات لماذا؟ لأن أى مسلم عاقل لو تفكَّر فى هذا الباب لوجد أنَّ جهاد العارفين والصالحين والمتمكنين والأفراد الوارثين كله فيه أى فى باب الأخلاق فلماذا؟إن الجهاد فى الأخلاق هو المدخل الذى لا يخيب أبداً لكى يكون الواحد منَّا قريب الشبه برسول الله كيف؟ من هو رسول الله؟ هو من وصف الله فى قول الله فى كتابه الكريم وهو الفرد الأوحد الذى منحه الله كلَّ التكريم فجعله النائب الأول مقاماً والأكمل والأمجد والآخر زماناً فى توصيل رسالة الحضرة الإلهية لكل من سوى الله من عوالم أبدعها الله فقال تعالى فى تقديم حبيبه لخلقه ووصفه لهم ليعرفوه{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}فهو أعزُّ من خلق الله وصور وأكمل من أبدع وأرسل، فالبشرى هنا هى من أراد أن يحبَّه الله فليجعل صورته قريبة الشبه لصورة رسول الله، من أراد التقرَّب إلى الله فليتقرب إليه بالتشبه بحبيب الله ومصطفاه فالبشرى التى نسوقها هنا هى قول الله تعالى مبشراً لخلقة وفاتحاً لهم باب محبته فى سهولة ويسر فيقول{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}فالبشرى واضحة وهى على لسان حبيب الله للخلق جميعاً من أحبَّ الله وأحبَّ أن يحبُّه الله فليتبع حبيبه ومصطفاه واتباعه فى هذه البشرى كلمة واحدة إنهـا الأخلاق وهى أكمل الأعمال التى تشبِّه العبد برسول الله فيحبُّه الله ودعونى أشرح لكم معنى تلك البشرى بمثال حسِّى مفهوم ألسنا نقيس كل شيىء فى الدنيا بمقياس فالحرارة بمقياس مئوى فمثلا نقول درجة كذا مئوية فنعرف مقدار حرارة الجو والزلازل بمقياس ريختر من كذا لكذا فنتخيل شدة الزلزال كذلك الأخلاق تقاس بالمقياس الذى صنعه الخلاق سبحانه وتعالى بيديه{أدبني ربي فأحسن تأديبي}[1] فأخلاق رسول الله هى المقياس الذى تقيس عليه الملائكة أين بلغت أخلاق كل الخلائق على المقياس الذى أبدعه الخلاق وما مقدار هذا المقياس وأين بداية القياس وأين نهايته؟ فبداية تدريج هذا المقياس من أول أخلاق المسلم ونهايته تدريجه هى درجة "خلق عظيم" وهى الدرجة القصوى والتى منحها الله تعالى لحبيبه ووصفه بها فى كتابه أى أنه بلغ النهاية على مقياس الأخلاق الذى قدمه الله لخلقه ولنعرف ما مقدار هذا الخلق العظيم أعطانا الله كتالوج الإستعمال والقياس وعليه كل درجات المقاس قالت عائشة فيما رواه الإمام أحمد{كانَ خُلُقُهُ القرآنُ}فكان على خلق العظيم سبحانه وكتالوج الأخلاق المتبع هو القرآن الكريم وبمقدار قياسك على معيار الأخلاق المحمدية تعطى لك أربع قياسات عملية تخصك: أولاً: معيار إيمانك وثانياً: معيار حبِّ الله ورسوله لك وثالثاً: معيار ثقل ميزانك يوم القيامة ورابعاً معيار قرب مسكنك يوم القيامة من مسكن رسول الله فى جنات مولاه ودرجة تكريمك وتشريفك ولنأخذ إذاً هذه البشريات سريعاً ولنقرأها على مقياس الأخلاق المعيارية التى صنعهه الله للبرية وهى الأخلاق المحمدية ونبدأ ببشرى قياس الإيمان فيقول النبى فى قانون القياس{أَكْمَلُ النَّاسِ إِيَمانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا}[2] فتفاضل الناس فى درجات الإيمان يكون بقدر ما أعطتهم إدارة الحسابات الربانية من درجات "حسن الأخلاق" على مقياس الأخلاق النبوى فمقياس إكتمال إيمان الرجل بقدر مقياس "حسن خلقه" فعلى مقاس الأخلاق يكون مقاس الإيمان هذا أولاً ثم يأتى القياس الثانى المترتب على الأخلاق ألا وهو مقياس درجات حبِّ الله ورسوله للعبد فكم يحبُّك الله ورسوله إذاً؟ استمع لتحسب وتقيس{إنَّ أَحَبَّكُمْ إلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً}و{إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقاً}[3] فالأحبَّ لله ولرسوله من سواه يكون بمقدار ما زاد عليهم من درجات " حسن الخلق" على مقياس أخلاق الرسول فرسول الله يحبُّ فيك أخلاقه التى جاهدت نفسك لتتخلق بها إقتداءاً به يحبها لأنها أصلاً من أخلاق القرآن أخلاق الله ثم تأتى ثالث المعايير المحمدية التى تتأثر بمقياس الأخلاق وهى ثقل الميزان{مَا شيْءٌ أَثْقَلُ في مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ }[4] أى بقدردرجتك على مقياس خلق النبى يكون ثقل عملك فى الميزان ثم يأتى رابع المعايير المحمدية التى تتأثر بالأخلاق وهى موقعك بين الجيران فى حى النبى العدنان فى الجنان ومقام تشريفك عند الحنان المنان، فيقول{إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِني مَنْزِلاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقَاً فِي الدُّنْيَا}[5] فأينا كان أقرب وصفاً وخلقاً من رسول الله فى الدنيا فإن الله كذلك يقرِّب منزله يوم القيامة من منزل رسول الله فمن أراد أن يسكن فى نفس حى سكن النبى فى الآخرة فى الجنة العالية فليُنزل نفسه فى الدنيا فى أقرب ما يستطيع من منازل الأخلاق النبوية العالية تشبهاً برسول الله فأقربنا إلى الحبيب يوم القيامة درجة ومنزلة وتكريماً هو أقربنا لأخلاقه فى الدنيا تشبهاً وإتباعاً وتقديماً وحتى لا يكون هناك لبسٌ فيما تقدَّم نقول إن العبَّاد والزهَّاد والصوَّام القوَّام كلهم لا تعلو منزلتهم يوم القيامة إلا بمقدار درجاتهم على مقياس الأخلاق النبوى فمن علت به العبادات البدنية الظاهرة تنزل به إخلاقه مالم تكن طاهرة ومن ضعفت به العبادات الظاهرة تعلو به الأخلاق الباهرة واسمع للقول الفصل وتخلَّق للوصل{إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الآخِرَةِ وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَكِ جَهَنَّمَ وَإِنَّهُ لَعَابِدٌ}[6] فلا تنفع العبادة مع سوء الخلق بينما حسن الخلق يجبر ضعف العبادة وضعف العبادة - طبعاً هذا مفهوم - لا يعنى أبداً التفريط فى الفرائض المفروضة وقد قال الصالحون فى الأخلاق وقدرها وكم ترفع أهلها أقوالاً كثيرة ننتقى منها ما ييسر الله مما يلى ونبدأ بوصف أحدهم لأخلاق الحبيب فيقول: لَهُ خَلقُ القُرآن يَرضى بِما اِرتَضى وَيُغضِبُهُ ما فيهِ بِالمُحكَم الوَعْد مَكارِمُ أَخلاقِ الرَسولِ وَحِصنُها لْمْ يَرْقَ أسْوَارَها مِنْ مَاجِدٍ فَرْد وهنا أذكر لكم جزءاً من قصيدة طويلة لأحد الصالحين فى التخلق بالأخلاق العليَّة وكل بيت فيها منهاج يدرس فى الأخلاق فيقول : أيا نخبة الرحمن أهل اختصاصه ومن وجدهم خلق به لا تخلق أيا رفقتي يا خلتي يا أحبتي على العروة الوثقى فسيروا ورافقوا إلا فاجتماعا بالقلوب وألفة وعونا على عمل المكارم تلحقوا وإياكمو أخلاق إبليس إنها لقد أبعدته وهو طاووس رامق دعوا الكبر والحسد القبيحين سادتي دعوا طمعا فيما يزول وسابقوا وسترا لعورات الأحبة كلهم وعفوا عن الزلات فالعفو أرفق وغضوا عن المكروه أعين عفة وجودوا ببشر فالسماحة رونق وإياكمو وعدوكم سوء خلقكم وطمعا وحب الجاه فهو يفرق بصحبتكم بالرفق والحسن فابذلوا لإخوانكم عند اللزوم وخالقوا وكفوا عن التنفير واسعوا لجمعكم على الله فالدنيا متاع مفارق ألا من يكن في قلبه بعض ذرة من الكبر والأحقاد ما هو ذائق ألا طهرو الأخلاق والنفس زكها وإلا فسهم البعد يرمي فيفتق إلا يا أخي بالذل ترقى وترفعن وبالزهد تعطى ما له تتشوق ويا صاحبي بالجد والعزم جاهدن لتشهد ملكوتا به الحق مشرق ويا باذلا ما في يديك تقربا لنيل الرضا ولغيبهم تستنشق ويا باذلا للنفس بيعا بهمة وبشر منهم بالقبول وصادق تخلق بأخلاق الإله وحافظن على منهج المختار في العقد تنسق وكن ماضي العزم الذي لا يشوبه شوائب تدليس وبالحق ناطق ودع عنك ميلا للحضيض وزينة بها اشتغل اللاهون عنه ونافقوا وقم داعيا بلسان حكمته الذي به قد حباك الله وهو الموفق ولا تسع للتفريق واجمع به لـه عليه أولي التسليم إذ أنت واثق فهذا زمان الصدق في نصرة الهدى وأيام أهل العزم أين المصدق ألا سارعوا أحيوا لسنة أحمد ففتنة هذا العصر كالنار تحرق ألا أطفئوها باليقين تجردوا عن الحظ والأهواء فالحظ مفرق وجدوا وجودوا بالنفوس تحفظا على السنة الغراء فالله خالق وعلما بأن الدين حسن عقيدة وخلق وأعمال بها الذكر ناطق معاملة تقضي بأن جميعنا بنور طه بذاك تحقق بأنفسنا أولى بمحكم آية فداك نفوس طيبات وأينق فدى سنة المختار مال وأنفس لتحفظها من كل غر ينافق ألا عزة منكم على كل كافر سعى منكرا للحق يرجو يفرق وكونوا أذلاء على كل مؤمن ليجمع بالتفريق هذا المفرق ألا خلصوا الأرواح من سجن نأيها وجدوا لتزكية النفوس وسابقوا ألا جاهدوا تلك النفوس بهمة تفوزوا برضوان من النار تعتقوا ألا أسعدوني باجتماع وألفة على منهج المختار فالنور مشرق ولا تيأسوا من رحمة الله إخوتي ومن نصره فالله بالعبد يرفق على سنة المختار سيروا بهمة عسى الله يحيينا به ويوفق ألا فاحفظوا الأركان أركان ديننا صلاة صياما ثم حجا تصدقوا أديموا لذكر الله فالذكر نوره لأهل الهوى والغي لا شك فارقوا ألا عظموا لشعائر الله تعظموا بها وتسودوا في القيامة تسبقوا إلهي على طه الحبيب محمد أفض غيث صلوات بها القلب يشرق البشرى الحادية عشر: بشرى الوصول برؤية الرسول وهذه البشرى بشرى الكمال والوصال والإتصال كيف ومتى أعرف أنى من كُمَّل المؤمنين؟إذا جاءنى وبشرنى سيد الأولين والآخرين علامة تمام وكمال الإيمان هى رؤية سيدنا رسول الله لأن الله قال له{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً}فقد سبق وقلنا أن من بشريات الآية العظيمة أن الله أمر حبيبه أن يبشرنا فالبشرى الأولى هى أمر الله لحبيبه أن يبشرنا بنفسه أما البشرى التى معنا هنا الآن فهى أن نسمع منه البشرى أو نراه بأنفسنا إذا أتى ليبشرنا كما أمره الله هل اتضح الفرق؟والأمر فى كتاب الله وليس من عندنا وأعود بكم قليلاً للبشرى السابقة بشرى مقياس الأخلاق حيث قلنا القرب والحب والود من الله ومن رسوله للعبد يكون بمقدار ما يحصل العبد من تقدير على مقياس أخلاق البشير النذير وهنا مربط الفرس ومحل زوال اللبس والتغرير فرسول الله هو شمس الأخلاق والمعانى والمعالى المشرقة بدين الله ونور الله على الأكوان والأزمان نيابة عن حضرة الرحمن فى توصيل دين الله إلى خلق الله وهذه الشمس يحجب عنك نورها وضؤها بمقدار سماكة الحجاب الذى يفصل بينك وبينها كما يكون فى شمس الأكوان تماماً بتمام والفرق أن هذا الحجاب الكثيف الذى يحجبك عن رؤية الرسول ليس حجاباً حسياً لأن تلك الشمس النبوية لم ير نورها من عاصروها من الكفار والمشركين وليس بينهم وبينها حجاب حسى ولكن الحجاب الحاجز عن شمس الله الهادية للأكوان هو حجاب معنوى باطن فى بنى الإنسان الحجاب الذى يمنعك من رؤيته ليس إلا أخلاقك الطينية وصفاتك الأرضية الدنية فبمقدار ما تترك من الأخلاق البهيمية والصفات الإبليسة والنزعات الحيوانية وتتحلى بالأخلاق النبوية والصفات المحمدية وبمقدار ما تحوِّل من طباعك النفسية وعوائدك الأخلاقية لتكون على نسق الطباع المحمدية وتنسق شهواتك ورغباتك تحت نسق الألوية المحمدية والوصايا الشرعية بمقدار ما يرق الحاجز والحجاب الذى يحجزك ويحجبك عن رؤية سيد أولى الألباب وما زال الحجاب يرقّ والحاجز يقلُّ حتى يمكن الرؤية من خلاله وهذه هى اللحظة العظيمة المنتظرة فما الذى يمنعك عندها من رؤيته والتمتع بطلعته البهيَّة وقد جاءت بذلك الأخبار ووتواترت قصص الأحباب ومئات الروايات من قصص الأتباع والصحاب فضلاً عن عما ورد فى السنة والكتاب فمن أصبح ورسول الله أحبَّ إليه مما عداه مما خلق الله وصارت النار أهون عنده من العودة لأخلاق المبعدين أو المشركين والكفار ومن صار لا يحبُّ إلا لله ولا يبغض إلا فى الله فمثل هذا هو من يذوق" حلاوة الإيمان" فإن علا ورقى وصفَّ وشفَّ أكرمه الله بأعلى ما فى حلاوة الإيمان وهى رؤية النبى العدنان وهى التى دونها كل حلاوة فى هذه الأكوان فمن صار كذلك استحق بشرى الحنان{ ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا}[7]{ولا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى أكونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ والنّاسِ أجْمَعِينَ}لماذا؟ لأنه بالفعل اصطلى بنار الجهاد حتى أخرجه الله من أخلاق الجحود والبعاد وتخلَّق بأخلاق القرب والوداد فعندما يصل إلى هذه الغاية يأتيه رسول الله ويبشره بالفتح والعناية أما إذا لم يأتى رسول الله؟إذاً ما زال فىَّ شئٌ من الأغراض أو الأعراض أو الأمراض التى ذكرها رسول الله وهنا يجب أن أعالج نفسى حتى يأتينى رسول الله ويبشِّرنى لأن هذه هى أحوال الصالحين فإذا جاءت البشرى هنَّؤه ثم إلى مرحلة أخرى نقلوه وإلى باب آخر أدخلوه ويظل الرجل الصادق فى حضن أحباب الله الصالحين ينتقل من درجة إلى أعلى ومن حال إلى أرقى حتى إذا استوى سلَّموه لسيد الأولين والآخرين وأدخلوه ليتولى بذاته سياسة أمره ومتابعة شأنه وإرشاده وتوجيهه فى كل وقت وحين مناماً ثم يقظة وهذا هو حال رسول الله مع الصالحين السابقين واللاحقين وعلى هذا كانوا أجمعين تم نقل الموضوع من كتاب(بشائر الفضل الإلهى) للأستاذ فوزي محمد أبوزيد [1] العسكري في الأمثال من جهة السدي عن أبي عمارة عن علي المقاصد الحسنة للسخاوي [2] رواه البزار عن أنس ورجاله ثقات. [3] الأول الطبراني في الصغير والأوسط، والثانى ابن أبي الدُّنيا في ذَم الغِيبَةِ وكلاهما عن أبي هُريرة ورواه البزار من حديث بن مسعود باختصار ، الترغيب والترهيب [4] عن أَبي الدَّرْدَاءِ، سنن الترمذي قال أبو عِيسَى حديث حسنٌ صحيحٌ وفي البابِ عن عَائِشَةَ وأَبي هُرَيْرَةَ وأَنَسٍ و ابنِ شَرِيكٍ. [5] (ابن عساكر ) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ جامع المسانيد والمراسيل [6] (سمويسه للطبراني في الكبير ) والضياءُ عن أنس رضيَ اللَّهُ عنهُ جامع المسانيد والمراسيل [7] عَنْ أَنَسٍ أخرجه أحمد والبُخَارِي المسند الجامع والحديث الثانى عن أنس بن مالك وأخرجه الإمام أحمد فى مسنده. شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر
حمدى السيد 3 قام بنشر February 20, 2012 البشرى العاشرة: بشرى مقياس الأخلاق وهذه البشرى هى بشرى البشريات لماذا؟ لأن أى مسلم عاقل لو تفكَّر فى هذا الباب لوجد أنَّ جهاد العارفين والصالحين والمتمكنين والأفراد الوارثين كله فيه أى فى باب الأخلاق فلماذا؟إن الجهاد فى الأخلاق هو المدخل الذى لا يخيب أبداً لكى يكون الواحد منَّا قريب الشبه برسول الله كيف؟ من هو رسول الله؟ هو من وصف الله فى قول الله فى كتابه الكريم وهو الفرد الأوحد الذى منحه الله كلَّ التكريم فجعله النائب الأول مقاماً والأكمل والأمجد والآخر زماناً فى توصيل رسالة الحضرة الإلهية لكل من سوى الله من عوالم أبدعها الله فقال تعالى فى تقديم حبيبه لخلقه ووصفه لهم ليعرفوه{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}فهو أعزُّ من خلق الله وصور وأكمل من أبدع وأرسل، فالبشرى هنا هى من أراد أن يحبَّه الله فليجعل صورته قريبة الشبه لصورة رسول الله، من أراد التقرَّب إلى الله فليتقرب إليه بالتشبه بحبيب الله ومصطفاه فالبشرى التى نسوقها هنا هى قول الله تعالى مبشراً لخلقة وفاتحاً لهم باب محبته فى سهولة ويسر فيقول{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}فالبشرى واضحة وهى على لسان حبيب الله للخلق جميعاً من أحبَّ الله وأحبَّ أن يحبُّه الله فليتبع حبيبه ومصطفاه واتباعه فى هذه البشرى كلمة واحدة إنهـا الأخلاق وهى أكمل الأعمال التى تشبِّه العبد برسول الله فيحبُّه الله ودعونى أشرح لكم معنى تلك البشرى بمثال حسِّى مفهوم ألسنا نقيس كل شيىء فى الدنيا بمقياس فالحرارة بمقياس مئوى فمثلا نقول درجة كذا مئوية فنعرف مقدار حرارة الجو والزلازل بمقياس ريختر من كذا لكذا فنتخيل شدة الزلزال كذلك الأخلاق تقاس بالمقياس الذى صنعه الخلاق سبحانه وتعالى بيديه{أدبني ربي فأحسن تأديبي}[1] فأخلاق رسول الله هى المقياس الذى تقيس عليه الملائكة أين بلغت أخلاق كل الخلائق على المقياس الذى أبدعه الخلاق وما مقدار هذا المقياس وأين بداية القياس وأين نهايته؟ فبداية تدريج هذا المقياس من أول أخلاق المسلم ونهايته تدريجه هى درجة "خلق عظيم" وهى الدرجة القصوى والتى منحها الله تعالى لحبيبه ووصفه بها فى كتابه أى أنه بلغ النهاية على مقياس الأخلاق الذى قدمه الله لخلقه ولنعرف ما مقدار هذا الخلق العظيم أعطانا الله كتالوج الإستعمال والقياس وعليه كل درجات المقاس قالت عائشة فيما رواه الإمام أحمد{كانَ خُلُقُهُ القرآنُ}فكان على خلق العظيم سبحانه وكتالوج الأخلاق المتبع هو القرآن الكريم وبمقدار قياسك على معيار الأخلاق المحمدية تعطى لك أربع قياسات عملية تخصك: أولاً: معيار إيمانك وثانياً: معيار حبِّ الله ورسوله لك وثالثاً: معيار ثقل ميزانك يوم القيامة ورابعاً معيار قرب مسكنك يوم القيامة من مسكن رسول الله فى جنات مولاه ودرجة تكريمك وتشريفك ولنأخذ إذاً هذه البشريات سريعاً ولنقرأها على مقياس الأخلاق المعيارية التى صنعهه الله للبرية وهى الأخلاق المحمدية ونبدأ ببشرى قياس الإيمان فيقول النبى فى قانون القياس{أَكْمَلُ النَّاسِ إِيَمانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا}[2] فتفاضل الناس فى درجات الإيمان يكون بقدر ما أعطتهم إدارة الحسابات الربانية من درجات "حسن الأخلاق" على مقياس الأخلاق النبوى فمقياس إكتمال إيمان الرجل بقدر مقياس "حسن خلقه" فعلى مقاس الأخلاق يكون مقاس الإيمان هذا أولاً ثم يأتى القياس الثانى المترتب على الأخلاق ألا وهو مقياس درجات حبِّ الله ورسوله للعبد فكم يحبُّك الله ورسوله إذاً؟ استمع لتحسب وتقيس{إنَّ أَحَبَّكُمْ إلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً}و{إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقاً}[3] فالأحبَّ لله ولرسوله من سواه يكون بمقدار ما زاد عليهم من درجات " حسن الخلق" على مقياس أخلاق الرسول فرسول الله يحبُّ فيك أخلاقه التى جاهدت نفسك لتتخلق بها إقتداءاً به يحبها لأنها أصلاً من أخلاق القرآن أخلاق الله ثم تأتى ثالث المعايير المحمدية التى تتأثر بمقياس الأخلاق وهى ثقل الميزان{مَا شيْءٌ أَثْقَلُ في مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ }[4] أى بقدردرجتك على مقياس خلق النبى يكون ثقل عملك فى الميزان ثم يأتى رابع المعايير المحمدية التى تتأثر بالأخلاق وهى موقعك بين الجيران فى حى النبى العدنان فى الجنان ومقام تشريفك عند الحنان المنان، فيقول{إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِني مَنْزِلاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقَاً فِي الدُّنْيَا}[5] فأينا كان أقرب وصفاً وخلقاً من رسول الله فى الدنيا فإن الله كذلك يقرِّب منزله يوم القيامة من منزل رسول الله فمن أراد أن يسكن فى نفس حى سكن النبى فى الآخرة فى الجنة العالية فليُنزل نفسه فى الدنيا فى أقرب ما يستطيع من منازل الأخلاق النبوية العالية تشبهاً برسول الله فأقربنا إلى الحبيب يوم القيامة درجة ومنزلة وتكريماً هو أقربنا لأخلاقه فى الدنيا تشبهاً وإتباعاً وتقديماً وحتى لا يكون هناك لبسٌ فيما تقدَّم نقول إن العبَّاد والزهَّاد والصوَّام القوَّام كلهم لا تعلو منزلتهم يوم القيامة إلا بمقدار درجاتهم على مقياس الأخلاق النبوى فمن علت به العبادات البدنية الظاهرة تنزل به إخلاقه مالم تكن طاهرة ومن ضعفت به العبادات الظاهرة تعلو به الأخلاق الباهرة واسمع للقول الفصل وتخلَّق للوصل{إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الآخِرَةِ وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَكِ جَهَنَّمَ وَإِنَّهُ لَعَابِدٌ}[6] فلا تنفع العبادة مع سوء الخلق بينما حسن الخلق يجبر ضعف العبادة وضعف العبادة - طبعاً هذا مفهوم - لا يعنى أبداً التفريط فى الفرائض المفروضة وقد قال الصالحون فى الأخلاق وقدرها وكم ترفع أهلها أقوالاً كثيرة ننتقى منها ما ييسر الله مما يلى ونبدأ بوصف أحدهم لأخلاق الحبيب فيقول: لَهُ خَلقُ القُرآن يَرضى بِما اِرتَضى وَيُغضِبُهُ ما فيهِ بِالمُحكَم الوَعْد مَكارِمُ أَخلاقِ الرَسولِ وَحِصنُها لْمْ يَرْقَ أسْوَارَها مِنْ مَاجِدٍ فَرْد وهنا أذكر لكم جزءاً من قصيدة طويلة لأحد الصالحين فى التخلق بالأخلاق العليَّة وكل بيت فيها منهاج يدرس فى الأخلاق فيقول : أيا نخبة الرحمن أهل اختصاصه ومن وجدهم خلق به لا تخلق أيا رفقتي يا خلتي يا أحبتي على العروة الوثقى فسيروا ورافقوا إلا فاجتماعا بالقلوب وألفة وعونا على عمل المكارم تلحقوا وإياكمو أخلاق إبليس إنها لقد أبعدته وهو طاووس رامق دعوا الكبر والحسد القبيحين سادتي دعوا طمعا فيما يزول وسابقوا وسترا لعورات الأحبة كلهم وعفوا عن الزلات فالعفو أرفق وغضوا عن المكروه أعين عفة وجودوا ببشر فالسماحة رونق وإياكمو وعدوكم سوء خلقكم وطمعا وحب الجاه فهو يفرق بصحبتكم بالرفق والحسن فابذلوا لإخوانكم عند اللزوم وخالقوا وكفوا عن التنفير واسعوا لجمعكم على الله فالدنيا متاع مفارق ألا من يكن في قلبه بعض ذرة من الكبر والأحقاد ما هو ذائق ألا طهرو الأخلاق والنفس زكها وإلا فسهم البعد يرمي فيفتق إلا يا أخي بالذل ترقى وترفعن وبالزهد تعطى ما له تتشوق ويا صاحبي بالجد والعزم جاهدن لتشهد ملكوتا به الحق مشرق ويا باذلا ما في يديك تقربا لنيل الرضا ولغيبهم تستنشق ويا باذلا للنفس بيعا بهمة وبشر منهم بالقبول وصادق تخلق بأخلاق الإله وحافظن على منهج المختار في العقد تنسق وكن ماضي العزم الذي لا يشوبه شوائب تدليس وبالحق ناطق ودع عنك ميلا للحضيض وزينة بها اشتغل اللاهون عنه ونافقوا وقم داعيا بلسان حكمته الذي به قد حباك الله وهو الموفق ولا تسع للتفريق واجمع به لـه عليه أولي التسليم إذ أنت واثق فهذا زمان الصدق في نصرة الهدى وأيام أهل العزم أين المصدق ألا سارعوا أحيوا لسنة أحمد ففتنة هذا العصر كالنار تحرق ألا أطفئوها باليقين تجردوا عن الحظ والأهواء فالحظ مفرق وجدوا وجودوا بالنفوس تحفظا على السنة الغراء فالله خالق وعلما بأن الدين حسن عقيدة وخلق وأعمال بها الذكر ناطق معاملة تقضي بأن جميعنا بنور طه بذاك تحقق بأنفسنا أولى بمحكم آية فداك نفوس طيبات وأينق فدى سنة المختار مال وأنفس لتحفظها من كل غر ينافق ألا عزة منكم على كل كافر سعى منكرا للحق يرجو يفرق وكونوا أذلاء على كل مؤمن ليجمع بالتفريق هذا المفرق ألا خلصوا الأرواح من سجن نأيها وجدوا لتزكية النفوس وسابقوا ألا جاهدوا تلك النفوس بهمة تفوزوا برضوان من النار تعتقوا ألا أسعدوني باجتماع وألفة على منهج المختار فالنور مشرق ولا تيأسوا من رحمة الله إخوتي ومن نصره فالله بالعبد يرفق على سنة المختار سيروا بهمة عسى الله يحيينا به ويوفق ألا فاحفظوا الأركان أركان ديننا صلاة صياما ثم حجا تصدقوا أديموا لذكر الله فالذكر نوره لأهل الهوى والغي لا شك فارقوا ألا عظموا لشعائر الله تعظموا بها وتسودوا في القيامة تسبقوا إلهي على طه الحبيب محمد أفض غيث صلوات بها القلب يشرق البشرى الحادية عشر: بشرى الوصول برؤية الرسول وهذه البشرى بشرى الكمال والوصال والإتصال كيف ومتى أعرف أنى من كُمَّل المؤمنين؟إذا جاءنى وبشرنى سيد الأولين والآخرين علامة تمام وكمال الإيمان هى رؤية سيدنا رسول الله لأن الله قال له{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً}فقد سبق وقلنا أن من بشريات الآية العظيمة أن الله أمر حبيبه أن يبشرنا فالبشرى الأولى هى أمر الله لحبيبه أن يبشرنا بنفسه أما البشرى التى معنا هنا الآن فهى أن نسمع منه البشرى أو نراه بأنفسنا إذا أتى ليبشرنا كما أمره الله هل اتضح الفرق؟والأمر فى كتاب الله وليس من عندنا وأعود بكم قليلاً للبشرى السابقة بشرى مقياس الأخلاق حيث قلنا القرب والحب والود من الله ومن رسوله للعبد يكون بمقدار ما يحصل العبد من تقدير على مقياس أخلاق البشير النذير وهنا مربط الفرس ومحل زوال اللبس والتغرير فرسول الله هو شمس الأخلاق والمعانى والمعالى المشرقة بدين الله ونور الله على الأكوان والأزمان نيابة عن حضرة الرحمن فى توصيل دين الله إلى خلق الله وهذه الشمس يحجب عنك نورها وضؤها بمقدار سماكة الحجاب الذى يفصل بينك وبينها كما يكون فى شمس الأكوان تماماً بتمام والفرق أن هذا الحجاب الكثيف الذى يحجبك عن رؤية الرسول ليس حجاباً حسياً لأن تلك الشمس النبوية لم ير نورها من عاصروها من الكفار والمشركين وليس بينهم وبينها حجاب حسى ولكن الحجاب الحاجز عن شمس الله الهادية للأكوان هو حجاب معنوى باطن فى بنى الإنسان الحجاب الذى يمنعك من رؤيته ليس إلا أخلاقك الطينية وصفاتك الأرضية الدنية فبمقدار ما تترك من الأخلاق البهيمية والصفات الإبليسة والنزعات الحيوانية وتتحلى بالأخلاق النبوية والصفات المحمدية وبمقدار ما تحوِّل من طباعك النفسية وعوائدك الأخلاقية لتكون على نسق الطباع المحمدية وتنسق شهواتك ورغباتك تحت نسق الألوية المحمدية والوصايا الشرعية بمقدار ما يرق الحاجز والحجاب الذى يحجزك ويحجبك عن رؤية سيد أولى الألباب وما زال الحجاب يرقّ والحاجز يقلُّ حتى يمكن الرؤية من خلاله وهذه هى اللحظة العظيمة المنتظرة فما الذى يمنعك عندها من رؤيته والتمتع بطلعته البهيَّة وقد جاءت بذلك الأخبار ووتواترت قصص الأحباب ومئات الروايات من قصص الأتباع والصحاب فضلاً عن عما ورد فى السنة والكتاب فمن أصبح ورسول الله أحبَّ إليه مما عداه مما خلق الله وصارت النار أهون عنده من العودة لأخلاق المبعدين أو المشركين والكفار ومن صار لا يحبُّ إلا لله ولا يبغض إلا فى الله فمثل هذا هو من يذوق" حلاوة الإيمان" فإن علا ورقى وصفَّ وشفَّ أكرمه الله بأعلى ما فى حلاوة الإيمان وهى رؤية النبى العدنان وهى التى دونها كل حلاوة فى هذه الأكوان فمن صار كذلك استحق بشرى الحنان{ ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا}[7]{ولا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى أكونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ والنّاسِ أجْمَعِينَ}لماذا؟ لأنه بالفعل اصطلى بنار الجهاد حتى أخرجه الله من أخلاق الجحود والبعاد وتخلَّق بأخلاق القرب والوداد فعندما يصل إلى هذه الغاية يأتيه رسول الله ويبشره بالفتح والعناية أما إذا لم يأتى رسول الله؟إذاً ما زال فىَّ شئٌ من الأغراض أو الأعراض أو الأمراض التى ذكرها رسول الله وهنا يجب أن أعالج نفسى حتى يأتينى رسول الله ويبشِّرنى لأن هذه هى أحوال الصالحين فإذا جاءت البشرى هنَّؤه ثم إلى مرحلة أخرى نقلوه وإلى باب آخر أدخلوه ويظل الرجل الصادق فى حضن أحباب الله الصالحين ينتقل من درجة إلى أعلى ومن حال إلى أرقى حتى إذا استوى سلَّموه لسيد الأولين والآخرين وأدخلوه ليتولى بذاته سياسة أمره ومتابعة شأنه وإرشاده وتوجيهه فى كل وقت وحين مناماً ثم يقظة وهذا هو حال رسول الله مع الصالحين السابقين واللاحقين وعلى هذا كانوا أجمعين تم نقل الموضوع من كتاب(بشائر الفضل الإلهى) للأستاذ فوزي محمد أبوزيد [1] العسكري في الأمثال من جهة السدي عن أبي عمارة عن علي المقاصد الحسنة للسخاوي [2] رواه البزار عن أنس ورجاله ثقات. [3] الأول الطبراني في الصغير والأوسط، والثانى ابن أبي الدُّنيا في ذَم الغِيبَةِ وكلاهما عن أبي هُريرة ورواه البزار من حديث بن مسعود باختصار ، الترغيب والترهيب [4] عن أَبي الدَّرْدَاءِ، سنن الترمذي قال أبو عِيسَى حديث حسنٌ صحيحٌ وفي البابِ عن عَائِشَةَ وأَبي هُرَيْرَةَ وأَنَسٍ و ابنِ شَرِيكٍ. [5] (ابن عساكر ) عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللَّهُ عنهُ جامع المسانيد والمراسيل [6] (سمويسه للطبراني في الكبير ) والضياءُ عن أنس رضيَ اللَّهُ عنهُ جامع المسانيد والمراسيل [7] عَنْ أَنَسٍ أخرجه أحمد والبُخَارِي المسند الجامع والحديث الثانى عن أنس بن مالك وأخرجه الإمام أحمد فى مسنده. شارك هذه المشاركه رابط المشاركه شار ك علي موقع اخر