اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب

Mr Hamdy Ahmad

شباب ياللا يا شباب
  • عدد المشاركات

    978
  • انضم

  • تاريخ اخر زيارة

  • Days Won

    7

كل منشورات العضو Mr Hamdy Ahmad

  1. وجزاك خيرا اخي الكريم تابعنا ان شاء الله واهلا بك في منتدانا العزيز
  2. شهر الصيام آثاره وأسراره (1) الحمدُ للهِ المُوفِقِ الْمُعِينِ، إياهُ نعبدُ وإياهُ نستعينُ، منجزِ الوعدِ بالنصرِ لعبادهِ المؤمنين، منزلِ السكينةِ على الصابرين المخلصين، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لآثارهم في نُصْرَة الدين إلى يوم الدين، أما بعد: فإن لكل عبادة في الإسلام حِكمةً أو حِكَمًا يظهر بعضها بالنص عليه، أو بأدنى عملٍ عقلي، وقد يخفى بعضُها إلا على المتأملين المتعمقين في التفكر والتدبر، والموفقين في الاستجلاء، والاستنباط. والحكمةُ الجامعةُ في العباداتِ كلِّها هي تزكيةُ النفوسِ، وتطهيرُها من النقائص، وتصفيتُها من الكُدُراتِ وإعدادُها للكمال الإنساني، وتقريبُها للملأ الأعلى، وتلطيفُ كثافَتِها الحيوانيةِ اللازمةِ لها من أصل الجِبِلَّة، وتغذيتُها بالمعاني السماوية الطاهرة؛ فالإسلام ينظر للإنسان على أنه كائنٌ وسطٌ ذو قابليةٍ للصفاء الملكي، والكدرِ الحيواني، وذو تركيبٍ يَجْمَعُ حَمَأ الأرضِ، وإشراقَ السماء، وقد أوتي العقل والإرادة والتمييز؛ ليسعد في الحياتين المنظورة والمذخورة، أو يشقى بهما. ولكل عبادة في الإسلام تُؤدَّى على وجهِها المشروعِ، أو بمعناها الحقيقي آثارٌ في النفوس، تختلف باختلاف العابدين في صدق التوجه، واستجماع الخواطر، واستحضار العلاقة بالمعبود. والعباداتُ إذا لم تعطِ آثارَها في أعمالِ الإنسان الظاهرة فهي عبادة مدخولة أو جسم بلا روح. وما قست قلوبُ المسلمين، ولا تقاعسوا عن أداء واجبهم، فكانوا عرضة لغزو أعدائهم في شتى الميادين إلا بسبب بعدهم عن هِدَاية دينهم، وقلةِ تأثرهم بما يكررون قَوْلَه وفِعْلَه من أركان الإسلام، وشعائره، مما جعلها عند كثير منهم بمثابة العادات. ولو أنهم تأثروا بما يقولون ويفعلون تأثرًا صحيحًا لتغير وجه الأرض، ولملأوها بجمال الحق بدلًا من شغب الباطل. هذا وإن للصوم حكمًا باهرة وأسرارًا بديعة، وآثارًا عظيمة على الفرد والجماعة. وقد كان يكفي في الحث على الصيام، والدعوة إليه أن يقال للمسلم: إن الله يأمرك بالصيام دون ذكرٍ لفوائد الصيام، وآثاره، وحكمه، وأسراره؛ ذلك أن الصومَ تشريعٌ ربانيٌّ إلهيٌّ، صادرٌ عن الرب بمقتضى ربوبيته، وألوهيته، فله-عز وجل-أن يكلِّفَ عباده بما شاء، وعليهم طاعةُ أمرِه، واجتنابُ نهيِه. وَلَكنَّ الحاجةَ تدعو إلى بيان بعض الأسرار، والحِكَم، والفوائد والآثار التي ينطوي عليها شهر الصوم؛ ذلك أن الله-عز وجل-علمنا في آيات كثيرة من كتابه المبين أسرارَ تشريعه، وفوائدَه؛ شحذًا للأذهان أن تفكر وتعمل، وإيماء إلى أن هذا التشريعَ الإلهيَّ الخالدَ لم يقم إلا على ما يحقق للناس مصلحة، أو يدفع عنهم ضررًا، وليزداد إقبال النفوس على الدين قوة إلى قوة. انظروا إلى قوله - تعالى - حين يعلمنا آداب الاستئذان في البيوت كيف يختم ذلك بقوله: { هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } . بل إن الله - تعالى - حين أمرنا بالصيام ذَكَرَ حكمتَهُ وفائدتَه الجامعةَ بكلمة واحدة من كلامه المعجز، فقال-عز وجل-: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة : 183). فالتقوى هي الحكمة الجامعة من تشريع الصيام. بل انظروا إلى قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عن آداب الصائم: « إنما الصوم جنة - أي وقاية - فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، ولا يجهل » الحديث متفق عليه. فقد قدم الحكمة من الصيام ثم بين آدابه؛ ليكون أوقع في النفس، وأعمق أثرًا. وما دام الإسلام لا يتنكَّر للعقل، ولا يخاطب الناس إلا بما يتفق مع التفكير السليم، والمنطق القويم ولا يأمر من التشريع بشيء إلا إذا كانت المصلحة تحتِّم العمل به أو تركه-لم يكن علينا من حرجٍ حين ننظرُ في أسرار التشريع وبيان فوائده. وما برح الناسُ في كل عصر يرون من فوائد التشريع ما يتفق مع تفكيرهم، ومصالحهم. وهذا دليل على أن وراء هذا التشريع ربًّا حكيمًا، أحسن كل شيء خَلْقَهُ ثم هدى. فإذا وفَّقَ الله في مثل هذه الأحاديث أن تُشرح صدور المؤمنين لفريضة الصيام، ويُبَيَّن لهم شيء من حكم الصيام وأسراره وآثاره كان ذلك سببًا كبيرًا لأن يُؤتَى بالصيام على وجهه الأكمل. معاشر الصائمين ينفرد الصوم من بين العبادات بأنه قمعٌ للغرائز عن الاسترسال في الشهوات، التي هي أصل البلاء على الروح والبدن، وفطمٌ لأمهات الجوارح عن أمهات الملذات. ولا مؤدِّبَ للإنسان كالكبح لضراوة الغرائز فيه، والحدِّ من سلطان الشهوات عليه. بل هو في الحقيقة نصرٌ له على هذه العوامل التي تُدَسِّي نفسه، وتبعده عن الكمال. وكما يحسن في عُرْف التربية أن يؤخذ الصغيرُ بالشدة في بعض الأحيان، وأن يعاقب بالحرمان من بعض ما تمليه إليه نفسه-فإنه يجب في التربية الدينية للكبار المكلفين أن يؤخذوا بالشدة في أحيان متقاربة كمواقيت الصلاة { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ } . أو متباعدة كشهر رمضان، فإنه لا يأتي إلا بعد أحد عشر شهرًا كلها انطلاق في الشهوات، وإمعانٌ فيها، واسترسال مع دواعيها. وإن شهرًا في التقييد الجزئي بعد أحد عشر شهرًا من الانطلاق الكلي لقليل، وإن جزءًا من اثني عشر جزءًا في حكم المقارنات النسبيبة - ليسير. ولكنه يسر الإسلام الذي ليس بعده يسر، وسماحته التي ما بعدها سماحة. إن في الصوم جوعًا للبطن، وشبعًا للروح، وإضواءً للجسم، وتقوية للقلب، وهبوطًا باللذة، وسموًّا بالنَّفْس. في الصوم يجِدُ المؤمنُ فراغًا لمناجاة ربه، والاتصال به، والإقبال عليه، والأنس بذكره، وتلاوة كتابه. هذه بعضُ أسرارِ الصومِ وآثارِه، وهذا هو ما كان يفهمه السلفُ الصالحُ من معاني الصوم، وبذلك كانوا معجزة الإسلام في الثبات على الحق، والدعوة إليه، والتخلق به، فلم تر الإنسانية من يضاهيهم بسمو أنفسهم، ونبل غاياتهم، وبعد هممهم، وإشراقةِ أرواحهم، وهدايةِ قلوبهم، وحسنِ أخلاقهم. أفليست الإنسانية اليوم بأمسِّ الحاجة إلى مثل ذلك الجيل أو ما يقاربه؟ بل أليست مجتمعات المسلمين بحاجة إلى مثل تلك النفوس؟ بلى ثم بلى ثم بلى. اللهم أفِضْ علينا من جودك وكرمك، ولا تحرمنا بركاتِ هذا الشهرِ الكريم، واجعل لنا منه أوفر الحظ والنصيب، واجعلنا ممن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. لمتابعة السلسلة من هنـــــــــــــــا
  3. رمضان شهر القوة الحمد لله القوي العزيز الجبار، والصلاة والسلام على النبي الكريم المصطفى المختار، وعلى آله وصحبه الأخيار الكرام الأطهار، ومن اتبعهم واقتفى أثرهم ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد: فإن الإسلامَ دينُ القوة؛ فالمؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، والله- عز وجل- أمرنا بإعداد القوة، وجاء الثناء في القرآن الكريم على القوي الأمين. وإن من أسرار الصيام، وآثار شهره الكريم أنه يبعث القوة في نفوس الصائمين، وهذا ما سيتبين في ثنايا هذا الحديث إن شاء الله. أيها الصائمون الكرام: هذه الحياةُ ميدانٌ لا يفوز فيها إلا الأقوياءُ، ونحن في عصر يكاد يكون شعاره: "إن لم تكن آكلًا فأنت مأكولٌ، وكن قويًّا تُحترم". ثم إن القوةَ ضَربان: قوةٌ ماديةٌ، وقوة ٌمعنويةٌ، ومن مبادئ الإسلام أن القوة المادية قد تنتصر، ولكن انتصارها لا يكون طويلًا، ولن يكون مفيدًا. ولقد قص القرآن الكريم علينا فيما قص: أن أممًا كانت قويةً في مظاهر الحياةِ الماديةِ؛ فعاثت في الأرض فسادًا، وحاربت أنبياء الله ورسله وأولياءه؛ فكانت عاقبة أمرها خسرًا. وما خبرُ عادٍ وثمودَ وغيرهما من الأمم بغريب على من يقرأ القرآن { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ }{ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ }{ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ }{ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي }{ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ }{ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ }{ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ }{ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ }{ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } تلك هي نهايةُ الأمم التي أخذت من القوة المادية بأعلى نصيب، ولكنها خِلْوٌ من القوة الروحية والمعنوية. وأما القوةُ المعنويةُ وحدها دون سند من القوة المادية -فيقرر الإسلام أنه لا سبيلَ لها إلى النصر، ولا شأنَ لها في توجيهِ الحياة؛ فسُنَنُ اللهِ ماضيةٌ، لا تحابي أحدًا كائنًا من كان. لا خيرَ في حقٍّ إذا لم تَحْمِه ... حَلَقُ الحديدِ وألسنُ النيرانِِ وقد رأينا أممًا وشعوبًا عاشت في التاريخ هضيمةَ الحقِّ، كسيرةَ الجناح، تُسام في ديارها الخسفَ والهوانَ؛ لأنها لم تَسْلُكْ سبلَ القوة؛ فانهزمت أمام الأقوياء. والسبيلُ الصحيحُ إلى حياة كريمةٍ سعيدةٍ أن تتضافرَ المادةُ مع الروح، على تقويم الإنسان، وبناء معيشته، وأن تُمْسِك الأمَّةُ بجناحين من قوةِ المادة، وقوةِ الروح، لا يطغى أحدهما على الآخر. ومما أدبنا القرآن به أن أمرنا أن نقول: { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } . وكما أوجب علينا القرآن أن نُصَحِّحَ العقيدة، ونهذِّب النفوس، ونسموَ بالروح -أمرنا بأن نُعِدّ القوة إلى أقصى ما نستطيع { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } . وكما أمرنا بأن نقيمَ الصلاة، ونؤتيَ الزكاة -وهما من أبرزِ دعائم القوةِ الروحيةِ المعنوية- أمرنا أن نضربَ في الأرض، ونمشي في مناكبها، وألا ننسى نصيبنا من الدنيا. ومما يقرره الإسلام أن القوةَ المعنوية مع قليلٍ من القوةِ المادية تغلب القوةَ الماديةَ إذا هي فقدت الوازعَ النفسيَّ، والباعثَ المعنوي، قال الله -عز وجل-: { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } . وفي معركة بدر أروعُ مثالٍ شاهدٍ على ذلك؛ فالمسلمون الثلاثُمائة الذين انتصروا في بدر كانوا عربًا ككفار قريش الذين بلغ عددُهم في بدر ألفًا، وأولئك أقرباء هؤلاء، ومن بلد واحد، وميزات واحدة، والسلاحُ الذي في يد الألف أكثرُ وأضر. ولكن المسلمين كانوا يملكون من قوة العقيدة، وقوةِ الخُلُق، وقوةِ الروح ما لا يملكه أولئك الكفرة؛ فانهزم الكفرةُ هزيمةً سجلها القرآن كمثلٍ رائع يدل على ما تستطيع القوة المعنوية أن تحرزه من نصر على القوة المادية؛ إذا هي أخذت من قوة السلاح بالمستطاع، ولو كان أدنى نصيب؛ لأنها بذلك تستحق النصر والمدد الإلهي. وكما ضربَ القرآنُ المثلَ بالأمة التي تجمع بين القوتين؛ فكذلك ضرب مثلًا للفرد الذي يجمع بين القوتين فَيُفْلِحُ وينجح بموسى -عليه السلام- حين سقى للفتاتين الماء بقوة عضل وجسم، ومشى معهما إلى أبيهما، لا يرتفع طرفُه إليهما عن حياء وتكرم، وخلق نبيل { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } . وضرب القرآن المثل بالأمة، التي تجمع بين القوتين، فتسعد وتنتصر بأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- قال -تعالى- : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ } ، وهذا عنوان القوة المادية { رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } وهذا عنوان القوة المعنوية، { تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا } وهذا ثمرةُ الجمعِ بين القوتين، وأبرزُ عناصر السعادة للأمة التي تجمع بينهما. والصيامُ الذي فرضه الله على المسلمين؛ يجمع بين القوتين جمعًا رائعًا متلائمًا، يؤتي أحسنَ الثمار؛ فهو من الناحية الصحية قوةٌ للجسم، يدفع عنه كثيرًا من الأمراض، ويشفيه من كثيرٍ من العلل. وهو من الناحية المعنوية يعطي المسلم قوًى معنويةً متنوعةً، لها أكبرُ الأثرِ في سعادة الأفراد والجماعات، فيعطيه: قوةَ الصبرِ، وقوةَ النظام، وقوةَ الطاعة، وقوةَ التحملِ، وقوةَ الإيمانِ. أترون أمةً من الأمم تتحلى بهذه القوى المعنوية، ثم تجد سبيلها إلى الانهيار؟ ! أترون جيشًا يتحلى أفراده بهذه الأخلاق القوية يجد نفسه على عتبة الهزيمة؟ ! أترون مجتمعًا تسود فيه هذه الأخلاق، يتطرق الفساد إلى قواعده وأُسُسِه؟ ! أترون المسلمين يومَ بدرٍ وقد كانت في السابع عشر من رمضان أترونهم استطاعوا أن يحرزوا هذا النصر لولا أن الله قيَّض لهم هذا الصيام الذي بث فيهم القوة الروحية الكاملة، فجعلهم يخوضون المعركة أقوياء أحرارًا؟ ! أترون معاركَنا التي انتصرنا فيها في اليرموك، والقادسية، وجلولاءَ، وحطينَ وغيرها، هل كانت تتم بهذه الروعةِ المُعجزةِ، التي لا تزال تذهل كبار الباحثين في أسرارها لولا أن أهلَها كانوا يتخلَّقون بخلق الصائمين من عفة، وسموٍّ، وتضحية، وتحمّلٍ للشدائد، وخضوعٍ لله، واستعلاءٍ على كل ما سواه؟ !! هل تراهم يثبتون هذا الثباتَ، لو أنهم خاضوا المعارك بنفوس المنهزمين، الذين تغلبهم شهواتُهم، وتستحوذُ عليهم شياطينُهم، فلا يستطيعون مقاومةَ الجوع والعطش ساعات معدودة ؟ ! كلا ثم كلا!! أيها المسلم الصائم: لا تنس وأنت تصوم رمضان، أنهُ يراد منك أن تكون مثالَ القويِّ الأمين؛ فحذارِ أن ينسلخ عنك رمضان وأنت الضعيفُ الخائن. وأيها المسلمون الصائمون: لا تنسوا وأنتم تصومون رمضان، أن الله يريد أن تكونوا بالصيام أشداءَ على الكفار رحماءَ بينكم؛ فاحذروا أن ينسلخ الشهر عنكم وأنتم ممن ينطبق عليه قوله -تعالى- : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } . اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، وانصر عِبادك الموحدين يا رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. لمتابعة السلسلة من هنا
  4. رمضان شهر الصلة (2) الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فقد مرّ بنا - سالفًا - حديث عن صلة الرحم وفضلها، وعن قطيعة الرحم، وصورها، والأسباب الحاملة عليها. والحديث هاهنا إكمال لما مضى، حيث سيدور حول الأسباب المعينة على صلة الرحم؛ فهناك آداب يجدر بنا سلوكها مع الأقارب، وهناك أمور تعين على الصلة. فمن ذلك: التفكرُ في الآثار المترتبة على الصلة؛ فإن معرفَة ثمراتِ الأشياء، واستحضارَ حُسْنِ عواقبها من أكبر الدواعي إلى فعلها، وتَمثُّلها، والسعي إليها. وكذلك النظرُ في عواقب القطيعة، وتأمُّلُ ما تجلبه من همٍّ، وغمٍّ، وحسرةٍ، وندامة، ونحوِ ذلك، فهذا مما يعين على اجتنابها، والبعد عنها. ومما يعين على الصلة: الاستعانةُ بالله، وسؤالُه التوفيقَ، والإعانةَ على صلة الأرحام. ومما يحسن سلوكه مع الأقارب: مقابلةُ إساءتهم بالإحسان، فهذا مما يبقي على الود، ويحفظ ما بين الأقارب من العهد، ويهون على الإنسان ما يلقاه من شراسة الأقارب؛ وقد « أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصِلُهم ويقطعونني، وأُحْسِنُ إليهم ويسيئون إليّ، وأَحْلُم عنهم ويجهلون عليّ. قال: (لئن كنت كما قلت؛ فكأنما تسفهم الملّ) » رواه مسلم . قال الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث: (وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكلَ الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن، بل ينالهم الإثمُ العظيمُ في قطيعتهِ، وإدخالِهم الأذى عليه. وقيل معناه: إنك بالإحسان إليهم تخزيهم، وتحقِّرهم في أنفسهم؛ لكثرة إحسانك، وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف الملّ. وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم؛ والله أعلم) ا هـ. فهذا الحديث عزاءٌ لكثير من الناس ممن ابتلوا بأقارب شرسين، يقابلون الإحسانَ بالإساءة، وفيه تشجيعٌ للمحسنين على أن يستمروا على طريقتهم المثلى؛ فإن الله معهم، وهو مؤيدهم، وناصرهم، ومثيبهم. ومن جميل ما قيل في هذا المعنى قولُ المقنّعِ الكنديِّ يصف حالَه مع قرابته: وإن الذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمِّي لَمُختلفٌ جِدّا إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بزندهم ... قدحت لهم في كلِّ مكرمةٍ زندا وإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومَهُمْ ... وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا ولا أَحْمِل الحقدَ القديمَ عليهمُ ... وليس رئيسُ القومِ مَنْ يَحْمِلُ الحقدا وأعطيهمُ مالي إذا كنت واجدًا ... وإن قلّ مالي لم أكَلّفْهمُ رِفْدا ومما يحسن فعله مع الأقارب: أن يقبل الإنسانُ أعذارَهم إذا أخطأوا واعتذروا. ومن جميل ما يذكر في ذلك ما جرى بين يوسف - عليه السلام - وإخوته، فلقد فعلوا به ما فعلوا، وعندما اعتذروا قَبِلَ عُذْرَهُم، وصَفَحَ عنهم الصفحَ الجميلَ، فلم يقرِّعْهم، ولم يوبِّخْهم، بل دعا لهم، وسأل الله المغفرة لهم. بل يحسن بالإنسان أن يصفح عن أقاربه، وينسى معايبهم ولو لم يعتذروا، فهذا دليل سمو النفس، وعلو الهمة. ومن جميل ما يذكر في ذلك قول القائل: وحَسْبُكَ من ذلٍّ وسوءِ صنيعةٍ ... مناواةُ ذي القربى وإن قيل قاطعُ ولكنْ أواسيه وأنسى عيوبَه ... لِتُرْجِعَهُ يومًا إليَّ الرواجعُ ولا يستوي في الحكم عبدانِ ... واصلٌ وعبدٌ لأرحامِ القرابةِ قاطعُ ومما يحبب الإنسان لقرابته، ويدنيه منهم تواضُعُه ولينُ جانبه مَنْ كان يَحْلُم أن يسودَ عشيرةً ... فعليه بالتقوى ولينِ الجانب ويغضَّ طرفًا عن مساوي من أسا ... منهم ويحلم عند جهل الصاحب ومما يجمل فِعْلُه مع الأقارب: بذلُ المستطاعِ لهم من الخدمة بالنفس، أو الجاه، أو المال، وأن يدعَ المنةَ عليهم، ومطالبتَهم بالمثل، فالواصل ليس بالمكافئ، والعاقلُ الكريمُ يوطِّن نفسَه على الرضا بالقليل من الأقارب؛ فلا يستوفي حقه كاملًا، بل يقنع بالعفو وباليسير، حتى يستميلَ بذلك قلوب أقاربه، ويُبْقي على مودتهم. إذا أنت لم تستبق ودّ صحابةٍ ... على دَخَن أكثرتَ بثَّ المعايبِ ثم إن الأقارب يختلفون في أحوالهم، وطباعهم، ومنازلهم؛ فمنهم من يرضى بالقليل؛ فتكفيه الزيارةُ السنوية، والمكالمةُ الهاتفية، ومنهم من يرضى بطلاقة الوجه، والصلة بالقول، ومنهم من يعفو عن حقه كاملًا، ويلتمس المعاذير لأرحامه، ومنهم من لا يرضى إلا بالزيارة المستمرة، وبالملاحظة الدائمة؛ فمعاملتهم بهذا المقتضى تعين على الصلة، واستبقاء المودة. ومما يغري بالصلة تركُ التكلف مع الأقارب، ورفعُ الحرج عنهم، وتجنبُ الشدة في عتابهم، فإذا علموا بذلك عن شخص قريب لهم انبعثوا إلى زيارته، وصلته. ومن أجملِ الآدابِ التي ينبغي سلوكُها مع الأقارب تَحَمُّلُ عتابِهم، وحَمْلُه على أحسن المحامل، فهذا أدب الفضلاء، ودأب النبلاء ممن تمت مروءتهم، وكملت أخلاقهم، وتناهى سؤددهم، ممن وسِعوا الناس بحلمهم، وحسن تربيتهم، وسعة أفقهم؛ فإذا عاتبهم أحدٌ من الأقارب، وأغلظ عليهم؛ لتقصيرهم في حقه - لم يثرّبوا عليه، ولم يُجاروه في عتابه، بل يتلطّفون به، ويحملون عتابه على المحمل الحسن؛ فيرون أن هذا المعاتبَ محبٌ لهم، حريصٌ على مجيئهم، ويشعرونه بذلك، ويشكرونه، ويعتذرون إليه، حتى تَخِفَّ حِدَّتُه، وتهدأ ثورته؛ فبعضُ الناس يُقَدِّر ويحب، ولكنه لا يستطيعُ التعبيرَ عن ذلك إلا بكثرة اللوم والعتاب. والكرامُ يحسنون التعامل مع هؤلاء، ولسانُ حالهم يقول: لو أخطأت في حُسْنِ أسلوبك ما أخطأتَ في حسن نيتك. ومما يَحسن سلوكُه مع الأقارب: أن يعتدل الإنسانُ في مزاحه مع أقاربه، وأن يتجنَّب الخصامَ، وكثرةَ الملاحاةِ، والجدالَ العقيمَ معهم؛ ذلك أن مجالسَ الأقاربِ كثيرةٌ، واجتماعاتِهم عديدةٌ متكررةٌ، واللائق بالعاقل أن يداريَهم، وأن يبتعدَ عن كلِّ ما مِنْ شأنهِ أن يكدرَ صفو الودادِ معهم. وإذا شَعُرَ بأن واحدًا من الأقارب قد حَمَل في نفسه مَوْجِدَةً أو موقفًا - فليبادر إلى الهدية؛ فالهدية تجلب المودة، وتكذِّب سوء الظن، وتستل سخائمَ القلوب. ومما يعين على الصلة: أن يستحضر الإنسانُ أن أقاربَه لُحْمَةٌ مِنْه؛ فلا بد له منهم، ولا فِكَاكَ له عنهم، فعزُّهم عزٌّ له، وذُلُّهم ذلٌّ له، والرابح في معاداة أقاربه خاسر، والمنتصر مهزوم. ومما يحسن بالإنسان أن يحرص عليه كلَّ الحرص تَذَكُّرُ قراباته في المناسبات والولائم. ومن الطرق المجدية: أن يسجِّل أسماء أقارِبِه، وأرقامَ هواتِفهم، ثم يحفظها عنده؛ حتى يستحضرهم جميعًا، ويتصلَ بهم إما مباشرة، أو عبر الهاتف، أو غير ذلك. ثم إذا نسي أحدًا منهم فليذهبْ إليه، وليعتذرْ منه، ولْيَسْعَ في تطييب قلبه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا. ومما يحسن بالأقارب: أن يَسْعوا إلى إصلاح ذات البين، إذا فسدت بين بعضهم، وأن تكونَ لهم اجتماعاتٌ دوريةٌ سنويةً كانت أو شهريةً، أو نحو ذلك، وأن يكون هناك دليل خاص، يحتوي على أرقام هواتف القرابة، يقوم بعض الأفراد بإعداده، وطبعه وتوزيعه؛ فهذا الصنيع يعين على الصلة، ويذكر المرء بأقاربه، إذا أراد السلام عليهم، أو دعوتهم. ومما يحسن فعلُه في هذا الصدد، أن يكون للقرابة صندوقٌ تُجْمَع فيه تبرعاتُ الأقارب واشتراكاتهم، ويشْرِفُ عليه بعض الأفراد، فإذا ما احتاج أحدٌ من الأسرة مالًا لزواج، أو نازلة أو غير ذلك - قاموا بدراسة حاله، ورفدوه بما يستحق؛ فهذا مما يولد المحبة بين الأقارب. ومما يحسن بالأقارب إذا كان بينهم ميراثٌ أن يعجِّلوا قِسْمَتَهُ؛ حتى يأخذ كلُّ واحدٍ نصيبَه، لئلا تكثر المطالباتُ والخصومات، ولأجل أن تكون العلاقةُ بين الأقارب خالصةً صافيةً من المكدرات. وإذا كان بين بعض الأقارب شَرِكة في أمر ما؛ فليحرصوا كلَّ الحرص على الوئام التام، والاتفاق في كل الأمور، وأن تسودَ بينهم روحُ المودةِ، والإيثارِ، والشورى، والرحمةِ، والصدقِ، وأن يحبَّ كلُّ واحدٍ منهم لأخيه ما يحبه لنفسه، وأن يعرف كلُّ طرفٍ ما له وما عليه. كما يحسن بهم أن يناقشوا المشكلاتِ بمنتهى الوضوح، والصراحة بعيدًا عن المجاملة والمراوغة، والمواربة، وأن يحرصوا على الإخلاص في العمل، وأن يتغاضى كلٌّ منهم عن صاحبه. ويجمل بهم أن يكتبوا ما يتفقون عليه، فإذا كانت هذه حَالَهم أيسَ الشيطان منهم، وسادت بينهم المودة، ونزلت عليهم الرحمة، وحلَّت عليهم بركات الشركة. وأخيرًا: يراعى في صلة الأرحام أن تكون الصلةُ قربةً لله، خالصة لوجهه الكريم، وأن تكون تعاونًا على البر والتقوى، لا يقصد بها حمية الجاهلية. اللهم اجعلنا من الواصلين، وأعذنا من القطيعة يا رب العالمين. وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. لمتابعة السلسلة من هنا
  5. رمضان شهر الصلة (1) الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن رمضان شهر البر والصلة، وشهر التعاطف والمرحمة، فالقلوب تلين لذكر الله، والنفوس تستجيب لداعي الله، فلا ترى من جَرَّاء ذلك إلا أعمالًا زاكيات، وقربًا من ربّ الأرض والسماوات. ولعل الحديث هاهنا يدور حول صلة الرحم، وفضلها، والأمور المعينة عليها، لعل نفوسنا تنبعث إلى الصلة، وإلى مزيد منها، وتُقْصِر عن القطيعة، وتنأى عن أسبابها. أيها الصائمون الكرام: لقد تظاهرت نصوص الشرع في عظم شأن الصلة، وفضلها، والتحذير من قطيعتها، قال - تبارك وتعالى - : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } (النساء: من الآية 1) . وقال - عز وجل - : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }{ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } ( محمد : 22-23) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا يدخل الجنة قاطع » رواه البخاري ومسلم ، وقال سفيان في روايته: (يعني: قاطع رحم). وقال صلى الله عليه وسلم: « من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه » متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: « إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى: قال: فذلك لكِ » رواه البخاري ومسلم . وهكذا يتبين لنا عظمُ شأن الصلة، وأنها شعار الإيمان بالله واليوم الآخر، وأنها سبب في بسط الرزق وطول العمر، وأنها تجلب صلةَ الله للواصل. ثم إنها من أعظم أسباب دخول الجنة، وهي من أسباب تيسير الحساب، وتكفير الذنوب، وتعمير الديار، ودفعِ ميتة السوء. وهي مما اتفقت عليه الشرائعُ السماوية، وأقرته الفطرُ السوية، كما أنها دليل على كرم النفس، وسعة الأفق، وطيب المنبت، وحسن الوفاء. وصلة الرحم مدعاةٌ لرفعةِ الواصل، وسببٌ للذكر الجميل، وموجبةٌ لشيوع المحبة، وعزة المتواصلين. أيها الصائمون: صلةُ الأرحامِ ضدُّ القطيعة، وهي كنايةٌ عن الإحسان للأقربين من ذوي النسب، والأصهارِ. وتكون بزيارتهم، وتَفَقُّدِ أحوالهم، والسؤالِ عنهم، والإهداءِ إليهم، والتصدُّق على فقيرهم، والتلطفِ مع وجيههم وغنيهم، وتوقيرِ كبيرهم، ورحمةِ صغيرهم. وتكون باستضافتهم، وحسن استقبالهم، وإعزازهم، ومشاركتهم في أفراحهم، ومواساتهم في أتراحهم. وتكون الصلة بالدعاء للأرحام، وسلامة الصدر لهم، والحرص على نصحهم، ودعوتهم إلى الخير، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وإصلاح ذات البين إذا فسدت. وهذه الصلة تستمر إذا كانت الرحم صالحةً مستقيمةً أو مستورةً. أما إذا كانت الرحمُ كافرةً أو فاسقةً فتكون بالعِظَةِ والتذكير، وبذلِ الجهد في ذلك. فإذا أعيته الحيلة في هدايتهم كأن يرى منهم عنادًا، أو استكبارًا، أو أن يخاف على نفسه أن يتردى معهم، ويهوي في حضيضهم - فَلْينأَ عنهم، وليهجرْهُمُ الهجرَ الجميل الذي لا أذى فيه بوجه من الوجوه، وليكثرْ من الدعاء لهم بالهداية. وإن صادف منهم غرة، أو سنحت له لدعوتهم فرصةٌ فليُقْدِمْ، وليُعِدْ الكرَّة بعد الكرة. أيها الصائمون: ومع عظم شأن الصلة، إلا أن كثيرًا من الناس مضيعون لهذا الحق، مفرِّطون فيه؛ فمن الناس من لا يعرف قرابَته بصِلة لا بالمال، ولا بالجاه، ولا بالخلق، تمضي الشهور، وربما الأعوام وهو ما قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بصلة أو هدية، ولا دفع عنهم حاجة أو ضرورة أو أذية، بل ربما أساء إليهم، وأغلظ في القول لهم. ومن الناس من لا يشارك أقاربَه في أفراحهم، ولا يواسيهم في أتراحهم، ولا يتصدَّق على فقرائهم، بل تجده يقدم عليهم الأباعدَ في الصِّلات والصدقات. ومِنَ الناس مَنْ يصل أقارِبَهُ إن وصلوه، ويقطعهم إن قطعوه، وهذا - في الحقيقة - ليس بواصل، وإنما هو مكافئٌ للمعروف بمثله، وهو حاصل للقريب وغيره، والواصلُ - حقيقة - هو الذي يتقي الله في أقاربه، فيصلهم لله سواء وصلوه أو قطعوه. ومن مظاهر القطيعة: أن تجد بعض الناس - ممن آتاه الله علمًا ودعوة - يحرص على دعوة الأبعدين، ويغفل أو يتغافل عن دعوة الأقربين، وهذا لا ينبغي؛ فالأقربون أولى بالمعروف، قال الله - عز وجل - : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } (الشعراء: 214). وإذا أمعنا النظر في أسباب قطيعة الأرحام وجدنا أنها تحدث لأسباب عديدة تحمل على القطيعة. فمن تلك الأسباب: الجهلُ بعواقب القطيعة، والجهل بفضائل الصلة. ومنها ضعفُ التقوى، والكبرُ، فبعضُ الناس إذا نال منصبًا رفيعًا، أو حاز مكانة عالية، أو كان تاجرًا، أو مشهورًا تكبر على أقاربه، وأَنِفَ من زيارتهم، والتودد إليهم. ومن أسباب القطيعة: الانقطاعُ الطويلُ الذي يقود إلى الوحشة، واعتياد القطيعة. ومنها: العتابُ الشديدُ، فبعضُ الناس إذا زاره أحدٌ من أقاربه؛ أمطر عليه وابلًا من التقريع والعتاب على تقصيره في حقه، وإبطائه في المجيء إليه؛ ومن هنا تحصل النفرة من ذلك الشخص، وتُوجَد الهيبةُ من المجيء إليه. ومن أسباب القطيعة: التكلفُ الزائدُ، فهناك مِنَ الناس مَنْ إذا زاره أقاربه تكلَّف لهم أكثر من اللازم، وخسر الأموالَ الطائلةَ، وقد يكون - مع ذلك - قليلَ ذاتِ اليد. ومن هنا تجد أن أقاربه يُقْصِرُون عن المجيء إليه، خوفًا من إيقاعه في الحرج. وفي مقابل ذلك تجدُ مَنْ إذا زاره أقاربهُ لم يهتمَّ بهم، ولم يصغ لحديثهم، وتراه لا يفرح بمقدمهم، ولا يستقبلهم إلا بكل تثاقل وبرود؛ مما يقلل رغبتهم في زيارته. ومن الأسبابِ الحاملةِ على القطيعةِ: الشحُّ والبخلُ، فمن الناس من إذا رزقه الله مالًا أو جاهًا بَعُد من أقاربه، حتى لا يرهقوه بطلباتهم المتنوعة. ومن أعظم أسباب القطيعة: تأخيرُ قِسْمَةِ الميراث؛ فقد يكون بين الأقارب ميراثٌ لم يقسم، إما تكاسلًا منهم، أو قلةَ وفاقٍ فيما بينهم، وكلما تأخر قسم الميراث شاعت العداوة، وكثرت المشكلات، وزاد سوءُ الظن، وحلَّت القطيعة. ومن أسباب القطيعة: الشركة بين الأقارب؛ فكثيرًا ما يشترك الإخوة أو غيرهم من الأقارب في مشروع أو شركة ما، دون أن يتفقوا على أسس ثابتة، ودون أن تقوم الشركة على الوضوح والصراحة، بل تقوم على المجاملة، والحياء، وإحسان الظن. فإذا زاد الإنتاج، واتَّسعت دائرة العمل؛ دبّ الخلافُ، وساد البغي، ونزغ الشيطان، وحدث سوءُ الظن، خصوصًا إذا كانوا من قليلي التقوى والإيثار، أو كان بعضهم مستبدًّا برأيه، أو كان أحد الأطراف أكثرَ جدية من صاحبه. ومن هنا تسوء العلاقة، وتحل الفرقة، وربما وصلت بهم الحال إلى الخصومات في المحاكم؛ فيصبحون سُبَّةً لغيرهم: { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ } (ص: من الآية 24). ومن أسباب القطيعة: الاشتغالُ بالدنيا، والطلاقُ بين الأقارب إذا لم يكن بإحسان، وبعدُ المسافة، والتكاسلُ عن الزيارة. وقد يكون التقاربُ في المساكن بين الأقارب مسببًا للقطيعة بسبب ما يكون من التزاحم على الحقوق، وبسبب ما يحدث بين الأولاد من مشكلات قد تنتقل إلى الوالدين. ومن الأسبابِ الحاملةِ على القطيعة: قلةُ التحمُّل، وقلةُ الصبرِ على الأقارب، ونسيانُهم في الولائم والمناسبات، فقد يُفَسَّر هذا النسيانُ بأنه تجاهلٌ واحتقار، فيقود ذلك الظن إلى الصرم والهجر. أيها الصائمون: هذه بعضُ الأسبابِ التي تؤدي إلى قطيعة الأرحام، أما الحديث عن الأمور المعينة على الصلة، فسيكون غدًا - إن شاء الله - والله المستعان، وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد . لمتابعة السلسلة من هنا
  6. ألف مبرووووووووووووووووووووك خطوبة مباركة وعقبالي يارب وكل شباب وفتيات المنتى أما هديتي للدكتور بمناسبة الخطوبة
  7. أختي الكريمة

    آسف على الاطالة في الاجابة على طلبك فيما يتعلق بموضوع الموهبة والابداع

    واعذريني لانشغالي بظروف الامتحانات

    وقد تم تلبية طلبية

    رجاء زوري الموضوع

    http://forums.yallagroup.net/31150

  8. شكرا لكي اختي الكريمة أمة الله على المرور الكريم أما فيما يتعلق بـــــــــــ فقد وجدت لكي كتبا عنها حمليها من الروابط التالية http://www.4shared.com/document/L060DwnI/____.html http://www.4shared.com/document/5zAykowD/____.html http://www.4shared.com/document/8LOyTrgw/____.html http://www.4shared.com/document/_lR6wYEG/___online.html
  9. شكرا لكي اختي الكريمة روح الفؤاد على المرور الكريم وجزاكي الله أعلى الجنان أختي الكريمة الفقيرة الى الله
  10. آآآآمين يارب العالمين شكرا لكي اختي على المرور جزاكي الله خيرا أختي الكريمة على المشاركة الرائعة
  11. وبارك فيكي اختي الكريمة وجعل مشاركتك في ميزان حسناتك
  12. شكرا لكم اخواني وأخواتي على المرور الكريم
  13. يعني ايه خلاص جيه الدور عليا طيب انا هختار برده رقم الشهر اللي اتولدت فيه وطلعلي يا سلااااااااااااااااااام والحمد لله جات في وقتها عشان اختار المجال اللي بحبه شكرا لكم جميعا على المشاركة الرائعة
  14. شكرا لكي اختي الكريمة على مرورك الكريم شرفتي الموضوع
  15. وبارك فيك مستر علي جعل مشاركتك في ميزان حسناتك
  16. شكرا أختي الكريمة لميس على المرور العطر
  17. جزاكي الله خيرا اختي الكريمة على المرور العطر هو يسير على من يسره الله له أهم شيء في الموضوع وهو ما أجمع علثيه أهل العلم أن السبيل الوحيد الى السعادة هو أن يكون الانسان في معية الله عز وجل
  18. جزاكي الله خيرا أختي الكريمة بنت مصرية على المشاركة العطرة طبعا وده بسبب عدم وجود الدليل والداعية في المكان الصحيح بصدق فكرة رائعة وأنا بجد أعرف بيوت كتيرة مطبقة الفكرة دي بس معمولة لخلوة الرجال فلا مانع ان يتعبد فيها النساء وتقام فيها بعض الصلوات جماعة جعل فكرتك في ميزان حسناتك شكرا لكي أختي الكريمة الفقيرة الى الله على المرور الكريم وجعل مشاركتك في ميزان حسناتك
  19. وجزاكي كل الخير أختي الكريمة وجعل مشاركاتكم في ميزان حسناتكم يوم القيامة
  20. جزاكي الله خيرا أختي الكريمة نونا19 وجعل مشاركتك في ميزان حسناتك وشكرا لك أخي الكريم سمير الوكيل على المرور العطر
  21. اللهم آمين أختي الكريمة دفء الانس شكرا على مرورك ومتابعتك
×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..