اذهب الي المحتوي
منتديات ياللا يا شباب
m.helm

كتاب: أيـام من حيـاتي....زينب الغزالى

Recommended Posts

'''أيـام من حيـاتي'''

 

 

'''مذكرات الحاجة / زينب الغـزالى'''

 

 

==إهداء==

 

[[ملف:الحاجة زينب الغزالي.jpg|تصغير|210بك|'''الحاجة زينب الغزالي ''']]

* إلى الأرواح الطاهرة الزكية التي صعدت إلى بارئها ، فرحة بفضل الله عليها ورضوانه .

 

* إلى النفوس النقية التي أزهقت في سبيل ربها ، وذهبت إليه تشكو ظلم البشرية وطغيانها. .

 

* إلى الدماء التي سالت لتكون موجا هادرا يدفع الأجيال عبر التاريخ الى طريق ربها .

 

* إلى الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله وفى سبيل [[الإسلام]] فضحوا وفدوا فكانوا في الأرض الأوفياء ، وفى الآخرة الخالدين الفائزين .

 

* إلى الذين قال لهم الناس : ( إن الناس قد جمعوا لكم وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) .

 

* إلى الذين عذبوا في سبيل الله تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا.

 

* لكل هؤلاء وللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أقدم هذا الكتاب .

 

وأسالك اللهم أن تتقبله وتنفع به . . ( ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبتت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) .

 

'''[[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]]'''

 

== مقدمة ==

 

 

بسم اله الرحمن الرحيم

 

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. نازعتني فكرة الكتابة عن "أيام من حياتي " وترددت كثيراً . غير أن الكثرة ممن أثق في إيمانهم بالقضية الإسلامية وهم من أبنائي وأخواني رواد الدعوة وبناة فكرها الذين عاشوا معي تلك الأيام ، رأوا أنه من حق [[الإسلام]] علينا أن نسجل تلك الحقبة من الأيام التي عاشت فيها الدعوة الإسلامية محاربة من قوى الإلحاد والباطل في الشرق والغرب ، التي قامت لتقتل كلمة الحق ورافعي لوائها وكل دعاتها الفاهمين الفاقهين المصارحين بشجاعة وصدق بأن كتاب الله وسنة رسوله معطلان ولابد من قيام الكتاب والسنة . ولابد من عودة الأمة الإسلامية بكل مقوماتها إلى أرض [[الإسلام]] لتحقق الصورة العملية العملاقة بعودة مجتمع التوحيد والعلم والمعرفة والصلة الحقيقية بالله سبحانه وتعالى ، فتنطوي مجتمعات الجاهلية التي أعمت البشرية عن طريقها السوي وشغلتها بغثائها عن طريق الله .. طريق الحق ، فيعملوا على تطهير الأرض من تأليه البشر ، وعبادة طواغيت الأرض بإتباع تشريعاتهم وتعطيل شريعة الله ، وتعود الحياة بنبضات الوجود الحقيقي الذي كانت به الأمة في عصر النبوة وصحبه المباركين رضوان الله عليهم جميعاً خير أمة أخرجت للناس .

لا صلاح لأمة ولا لهذا العالم إلا بالدعوة إلي [[الإسلام]] . إن غياهب السجون ومقاصل التعذيب وشراسة حملة السياط لم تزد المخلصين من أبناء الدعوة وبناة فكرها إلا قوة وثباتاً وصبراً على دفع الباطل ونحن نترصد منابته .

 

كذلك كان عهد الذين سلكوا طريق الحق قبلنا فاعتقدوه . فليس بالسياط يضيع الطريق ! ! ولكن الحجة بالحجة والرأي بالرأي، والكلمة تجابهها الكلمة .

 

سهل أن تضع القوة الباطشة العمياء السياط في أيدي المجانين ، ولكن الصعب هو أن تصرف المخدوعين بالباطل والمقتنعين بحمل السياط والمتألهين في الأرض ، عن طريق غوايتهم وجهلهم فتهديهم إلى طريق مستقيم .

 

والطريق إلى الحق واحد وهو طريق الله وأنبيائه ورسله وورثتهم .

 

أما الباطل فطرقه وسبله متفرقة. وعلى كل سبيل من سبله شيطان يزين للمغمورين منهم في ظلمة الباطل غوايته ويقودهم إلى سبيله. ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) الأنعام : 153 .

 

وليس أمام البشرية اليوم للخلاص من ذلك الضلال وهؤلاء الطغاة من البشر إلا أن ينتهجوا منهج الحق ، ومنهج الله ، المنهج المحمدي الموحى به "القرآن الكريم " والملهم به من السنة الصحيحة .

وإني لأرى بوادر النصر وإرهاصاته -إن شاء الله - بقيام الأمة وعودة المجتمع الذي سيعلو بتوحيده فوق توليفات البشر مما يغزو بلادنا اليوم من تيارات الإلحاد، نعم إني لأحسها قريبة وأرى أعلامها ترمى بهذا الغثاء من فكر البشرية الضال في ركام الجاهلية .

 

إني لأكاد أشاهد أعلام الالتزام بما كلفت به خير أمة أخرجت للناس . . وأعلام الالتزام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله .

 

نعم إننا لا نستعجل الزمن . فالسنون ، عشراتها ومئاتها، ليست بذات قيمة في عمر الدعوات والأمم . ولكن العبرة أننا ثابتون على الطريق ، مؤمنون بسلامة الخطى ووضوح الرؤية .

إننا على يقين أننا على حق . وكل الذي يعنينا أن نضيف لبنات جديدة للبناء. المهم ألا نتقاعس ولا نتخاذل ولا نتقهقر عن عقيدتنا: عقيدة التوحيد، عقيدة العمل ، عقيدة البيان ، بيان الحق للناس جميعا، بيان عقيدتنا لكل البشر.

 

وإيمانا منا بأن فترة سجننا وتعذيبنا هي من حق التاريخ ، ومن حق الذين على الطريق أن يعوها ويدرسوها حتى يبقوا على طريق [[الجهاد]]، ولا تتحول قضيتهم إلى سفسطة كلامية، وحديث ترف وقصة تاريخ ، إيمانا بهذا كله نزلت على رأى المخلصين من أبنائي وإخواني، واستعنت بالله سبحانه وتعالى في جمع ما احتوته ذاكرتي مما كان . وان كان من الصعب أن يستعاد بوصفه ونمطه ..

 

ويكفى دلالة عليه أن أشير إلى أن حاملي السياط وخبراء التعذيب بألوانه وأشكاله ، قد سموه : جهنم !! إن جهنم هذه كانت بوتقة لصهر معادن الرجال فنقتها ، وانجلت مهزلة التعذيب عن رجال محصتهم الفتنة فقالوا بأعلى صوت : "يا أيها الناس : [[الإسلام]] ليس انتماء بل التزام واتباع " .

 

وأرجو الله أن يعينني على استعادة الصورة أو بعضها، وأن تكون للمخلصين مشعل حق ونور وهداية . فلنشق لخطانا صراطا مستقيما، وإني لأعيدها وأصر عليها : "إنها رسالة الرسل والأنبياء، هيمنت عليها وأكملتها رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فبشريعته أتم الحق تكاليفه لعباده ونسخ بها ما سبقها وأقامها حقيقة زكية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف : 129 .

 

إن الذين تجشموا وعورة الطريق وعرفوا بمشيئة الله مقاصد الكتاب والسنة، لن يحيدوا عن الحق والخير والدعوة إليه حتى تقوم الأمة وتستقر البشرية تحت أعلام كتاب الله وسنة رسوله .

 

وإننا لعلى الطريق مثابرون محتسبون ما نلاقى غد الله . . و( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ) التوبة .

 

فإلى أرواح الشهداء الذين سبقونا : تحية حب وعرفان ووعدا بأننا على الطريق . إلى كل من كان في قلبه مثقال ذرة من خير. . لعل الله أن ينفع به ويهدي . . وما تشاءون إلا أن يشاء الله .

 

[[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]]

 

 

 

== الباب الأول : [[عبد الناصر]] يكرهني شخصيا ! ==

 

 

في مساء يوم من أيام الشتاء، وفى أوائل شهر [[فبراير]] عام [[1964]] م كنت عائدة إلى بيتي، حين انقلبت بي عربتي إثر اصطدامها بعربة أخرى، كانت الصدمة قاسية فذهبت في شبه إغماءة، كانت الآلام الشديدة توقظني منها. ولم أتبين من كل ما حدث حولي إلا صوت إنسان ينادى اسمى في فزع ، وغبت عن الوعي، وحين تنبهت وجدت نفسي في مستشفى هليوبوليس وبجانبي زوجي وأشقائي وشقيقاتي وبعض زملائي في الدعوة وزميلاتي . كان الكل في فزع وألم شديدين تحكيهما تعبيرات الوجوه التي تصفحتها وأنا أفتح عيني لأول مرة وشفتاي تتمتمان "الحمد لله . . الحمد لله ، وكأني بالتمتمة أسألهم عما حدث ؟ إلا أنني ما لبثت أن غبت ثانية عن الوعي، ولم أتنبه إلا بدخول إحدى الحكيمات بالمستشفى مع ممرضين وممرضتين لحملي إلى حجرة الأشعة . وتذكرت ما حدث وسمعت زوجي يقول : الحمد لله سلمها الله ، احمدي الله يا حاجة . وسألت عن سائق عربتي فعلمت أنه –بحمد الله – بخير، وأنه يعالج في المستشفى، وعلمت فيما بعد أنه أصيب بارتجاج في المخ . وحملت إلى غرفة الأشعة، ولما تبين وجود كسر في عظمة الفخذ، وضع ساقي في قفص حديدي وتقرر إجراء عملية جراحية. ونقلت إلى مستشفى [[مظهر عاشور]] ليجريها لي جراح العظام الدكتور [[محمد عبد الله]] ، واستغرق إجراء العملية -تعاد بعد التحضير والتخدير- ثلاث ساعات ونصف الساعة . . عشت بعدها فترة، ونذر الخطر تحيط بي . ثم زالت أيام الخطر وبدأت ألتقط ما يقال وما ينقل ، مما يوضح أن الحادث كان مدبرا من مخابرات [[جمال عبد الناصر]] لاغتيالي، وتواترت الأخبار تؤكد ذلك . وكان لفيف من الشباب المسلم يزورني يوميا للاطمئنان ، وعلى رأسهم الأخ الشهيد [[عبد الفتاح عبده إسماعيل]] . فلما بلغتني تلك الأخبار، طلبت منه أن يقلل الشباب من زيارتي . وكان رده أنه قد حاول هذا فعلا، ولكنهم رفضوا وأصروا على زيارتي . . وفى أحد الأيام التالية دخل السكرتير الإداري لجماعة السيدات المسلمات وبيده ملف أوراق ، يعرضها على بصفتي رئيسة الجماعة، وكان في الغرفة زوجي والسيدة حرم الأستاذ [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] [[المرشد العام]] ل[[لإخوان المسلمين]] ، ورأيت زوجي يسرع إلى السكرتير قبل أن تتاح له فرصة تقديم الملف لي فيأخذه منه ويخرج معه من الحجرة، وهو يحدثه حديثا فهمت منه أنه نهاه مرة قبل ذلك عن تقديم هذه الأوراق لي، ودهشت لذلك وسألت زوجي عن السبب فتعلل بأنني محتاجة إلى موافقة الدكتور عبد الله المشرف على علاجي . وذهب زوجي إلى الدكتور الذي ما لبث أن جاء ليكشف على ساقي وليحرم على القيام بأي عمل ، ليؤكد لي أنه منع دخول الأوراق أو وصول الأخبار عن الجمعية إلى . ولما احتججت بأن الأمر بسيط لن يتعدى التوقيعات أصر على موقفه . ومضت أيام رجوت الطبيب بعدها السماح بمزاولة بعض أعمال الجماعة من فراشي فرفض ، وازددت يقينا بان هناك شيئا ما، يتعمد الجميع إخفاءه عنى :

 

زوجي والسكرتير والزائرون ، بل حتى سكرتيرة مجلس إدارة جماعة السيدات المسلمات التي كانت تزورني دائما، وكنت أحس من إجابتها المقتضبة على أسئلتي عن الجماعة بأنها تخفى عنى شيئا. وجاءتني السكرتيرة في أمسية استجمعت فيها شجاعتها لتنقل إلى ما أخفوه عنى . كان الأمر خطيرا على ما بدا من موقف زوجي ا! بشجاعتي والمشجع على الصبر والاحتمال وقوة الإرادة . وأخذت الأوراق السيدة فإذا هي قرار "بحل المركز العام لجماعة السيدات المسلمات "، وأخذت السكرتيرة تتحدث إلى قائلة :

 

"طبعا يا حاجة الأمر شديد بالنسبة إليك " . قلت "الحمد لله ، ولكن ليس من حق الحكومة أن تحل الجماعة، إنها جماعه إسلامية" أجابتني : "لا أحد يقدر أن يقول للحكومة هذا، لقد بذلنا مجهود كبيرا جدا، ولكن [[عبد الناصر]] مصر على حل الجماعة، هو يكرهك شخصيا حاجة زينب ! !

 

لا يطيق أن يسمع اسمك على لسان أي إنسان . عندما يذكر اسمك يثور ويغضب وينهى المقابلة!

قلت : "الحمد لله الذي جعله يخافني ويبغضني، وأنا أبغضه لوجه الله ولن يزيدنا طغيانه ، نحن معاشر المجاهدين ، إلا إصرارا على أن نرضي ضمائرنا ونعيش لدعوتنا ، إنها دعوة التوحيد وسننتصر بإذن الله ، وأرخص ما نبذله لها أن نستشهد في سبيلها". "ليس ل[[عبد الناصر]] الحق في أن يحل جماعة السيدات المسلمات .

 

إن الله تبارك وتعالى هو الذي يعقد للمسلمين راياتهم ، والذي يعقده الله لا البشر". قالت والدموع في عينيها : "يا حاجة . . المسألة خطيرة، ونرجو الله أن لا تنتهي بحل الجماعة، ربما كانت كلماتك هذه تسجل ، أو أنها قد سجلت فعلا ربما كان هنا جهاز تسجيل " . واستمرت تسر إلى : "يا حاجة : أنا أطلب منك شيئا صغيرا وهو التوقيع على هذه الورقة، فإذا وقعتها سيلغى قرار الحل " . فسألتها أن تطلعني على الورقة فإذا هي استمارة انتساب للاتحاد الاشتراكي، فقلت لها : "لا والله ، شلت يدي إذا وقعت يوما على ما يدينني أمام الله بأنني اعترفت بحكم الطاغوت [[جمال عبد الناصر]] الذي قتل [[عبد القادر عوده]] وزملاءه . إن الذين غمسوا أيديهم في دم الموحدين خصوم لله وللمؤمنين . الأشرف لنا أن يحل المركز العام للسيدات المسلمات " . قبلت رأسي وهى تبكى وتقول : - أتثقين بأنني ابنتك ؟ قلت : نعم . . قالت : فاتركي هذا الموضوع . . قلت : سنترك الأمر، ولن أوقع هذه الورقة . إن فيها ولاء للطاغية، وهذا أمر مستحيل إتيانه ، والله يفعل ما يختاره لعباده . ومرت أيام المستشفى وتقرر خروجي مع استمرار العلاج .

 

 

=== أنا والاتحاد الاشتراكي ===

 

وفى البيت كانت السيدة السكرتيرة تزورني يوميا وأخبرتني بان قرار الحل أوقف . ودهشت لذلك وسألت كيف ذلك فقالت : "لا أدرى . ربما يكون فتح باب للاتصال بك " . وأخذ السكرتير الإداري يحضر لي ما يحتاج للاطلاع والتوقيع ، وأخذت أزاول نشاطي في تسيير أعمال المركز العام للسيدات المسلمات من بيتي. ولكنى عدت إلى المستشفى مرة أخرى لإجراء عملية جراحية لرفع المسامير من الفخذ، وكان قد أفرج عن الشهيد الإمام [[سيد قطب]] وزارني في المستشفى وجمع من [[الإخوان]] . وذات يوم فوجئت بخطاب مرسل! عن طريق البريد ببطاقة كتبت فيها هذه البيانات :

 

"ا لاتحاد الاشتراكي العربي" حرية - اشتراكية - وحدة

 

الاسم والشهرة : [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]] ، وشهرتها : [[زينب الغزالي]] .

 

الوظيفة أو المهنة : رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات .

 

وحدة : البساتين - الماطة . قسم : [[مصر]] الجديدة. محافظة : [[القاهرة]].

 

جاءتني هذه البطاقة بالبريد ومعها ما يثبت سداد اشتراكي عن عام [[1964]] فضحكت ضحكة مريرة بما صار إليه حال "[[مصر]]" وتذكرت كيف كنا نعيش في حرية لعنوها بعد انقلابهم العسكري . وبعد استكمال العلاج بالمستشفى عدت إلى المنزل وأخذت دعوات الاتحاد الاشتراكي تتوالى بالبريد لحضور اجتماعات الاتحاد الاشتراكي، ولكنني قررت أن أتخذ موقفا سلبيا ، وبعد أيام صرح الدكتور بالخروج ومزاولة نشاطي تدريجيا في المركز العام للسيدات المسلمات ، وكنت لا أزال أستعين بالعكاز في المشي . وفى صبيحة أحد الأيام ، وبينما أنا بالمركز العام للسيدات المسلمات ، دق جرس الهاتف ، وطلب منى السكرتير أن أرد على من يطلبني من الاتحاد الاشتراكي ، أمسكت بالسماعة قائلة لمحدثي : "السلام عليكم " ورد السلام من الجهة الأخرى، ثم قلت : "نعم ، ماذا تريد؟" فسألني إن كنت أنا [[زينب الغزالي]] ، ولما أجبت بالإيجاب قال : "نحن هنا الاتحاد الاشتراكي، إن شاء الله أعضاء مجلس إدارة السيدات المسلمات وحضرتك على رأسهم تشرفي وتنوري ، تأخذون علم السيدات المسلمات وتذهبون لاستقبال [[عبد الناصر]] في المطار" . فأجبته : "إن شاء الله ، يفعل الله ما يشاء ويختار". قال : "عشمنا كده ، مجلس الإدارة وعدد كبير من أعضاء الجمعية العمومية، وإذا أمرت أرسلنا لك عربة تكون تحت تصرفكم " . قلت : "شكرا" . وانتهت المكالمة .

 

وبعد يومين أو ثلاثة جاءت مكالمة أخرى من الاتحاد الاشتراكي، كانت سيدة تسأل عن سبب عدم حضورنا لاستقبال الرئيس في المطار. قلت : "إن أعضاء مجلس إدارة السيدات المسلمات والجمعية العمومية ملتزمات بالسلوك الإسلامي، ولا يستطعن يا ابنتي الحضور في مثل هذه الاستقبالات المزدحمة" . قالت : "إزاى الكلام ده يا ست زينب ؟ يبدو إنك مش عاوزة تتعاوني معنا ، هل بلغت العضوات وهن رفضن ؟" . قلت : "مادمت أنا غير مقتنعة بهذا العمل لأنه يخالف تعاليم [[الإسلام]] فكيف أبلغهن ؟" . قالت : "إنتي غير متعاونة معنا" . قلت : نحن مرتبطات بتعاليم القران والسنة، عهدنا مع الله ، وتعاوننا على البر والتقوى كما أمرنا الله ، والهاتف لا يصلح لمثل هذه المناقشة، . قالت : "تفضلي، سننتظرك في مركز الاتحاد الاشتراكي بميدان عابدين لنتفاهم ا. قلت : أنا مريضة، حركتي قليلة بسبب علاج رجلي، فإذا شئت تفضلي وشرفينا في المركز العام للسيدات المسلمات . قالت : وأنت نازلة من البيت مري علينا، ألست عضوة في الاتحاد الاشتراكي؟ ! . قلت : "أنا عضوة في المركز العام لجماعة السيدات المسلمات ، والسلام عليك يا ابنتى ورحمة الله ،. وأنهيت المكالمة ولم أذهب إليها . وبعد أسبوع من هذه المكالمات التليفونية عرض على سكرتير الجماعة خطاب مسجلا يحمل تاريخ 15/ 9/ [[1964]] بقرار وزاري رقم 32 1 بتاريخ 6/ 9/ [[1964]] م . والقرار ينهى إلينا حل المركز العام للسيدات المسلمات مره أخرى ! !

 

=== لا . . لا . . للطاغية ===

 

وعقد مجلس إدارة السيدات المسلمات اجتماعا عاجلا في 9 جمادى 1384هـ الموافق 15/ 9/ [[1964]] ، وهو نفس اليوم الذي وصل فيه قرار الحل ، وقرر المجلس رفض قرار الحل وتسليم الجماعة وأموالها وممتلكاتها لجماعة أخرى كانت قد انفصلت عنا بإيعاز من المباحث العامة قبل انقلاب [[عبد الناصر]]، !

 

هذه الفئة المنشقة بعد الانقلاب إلى جند لعبد الناصر، كما قرر المجلس دعوة الجمعية العمومية لجلسة طارئة استثنائية في مدة لا تتجاور 24 ساعة، واجتمعت الجمعية العمومية ، وقررت رفض قرار الحل وعرض الأمر على القضاء. ووكلنا الدكتور [[عبد الله رشوان]] المحامى ليمثلنا في القضية ، وأرسلت الجماعة خطابات مسجلة وبرقيات إلى رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية والشئون الاجتماعية والنائب العام وصورا منها للصحف ، نخطرها برفض قرار الحل ، وبان المركز العام للسيدات المسلمات تأسس 57 3 1 هـ – [[1936 ]] م لنشر الدعوة الإسلامية والعودة بالمسلمين إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ، وليس لوزارة الشئون أو الداخلية ولاية علينا ، والولاية لله وحده ، ولمن يقيم دينه ، ويحكم بشرعه . وعند ذلك تعجل [[عبد الناصر]] قرار الحل والإدماج كما سبق أن أصدر من قبل – وللانتقام الشخصي من [[زينب الغزالي]]؟ لتعطيل دعوة الله ولوجه الشيطان - أمرا عسكريا بوقف صدور مجلة (السيدات المسلمات ) لأجل غير مسمى ، وكنت صاحبة امتيازها ورئيسة تحريرها . واقتحم زبانية الطاغوت دار المركز العام لجماعة السيدات المسلمات واستولوا على محتوياته ، وشردوا مائة وعشرين فتاة وطفلة يتيمات كانت جماعة السيدات المسلمات تؤويهن وتكفل جميع احتياجاتهن من إيواء وتعليم ، بكل مراحله من الروضة إلى الجامعة . وأحب أن أسجل هنا بكل فخر أن زبانية الطاغوت لم يجدوا سيدة واحدة في انتظارهم من أعضاء المركز العام للسيدات المسلمات ، سواء من مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية أو هيئة الواعظات ، وكانوا قد طلبوا منى الحضور لتسليمهم الدار فرفضت ، وكذلك كان موقف جميع عضوات الدار فاستلموا من السكرتير الإداري، وهو موظف وليس له هذا الحق .

 

ويشرفني أن أسجل هنا بعض العبارات التي سجلتها الجمعية العمومية جلستها ، وأرسلتها ترد بها على قرار الحل إلى رئيس الجمهورية والنائب العام ووزير الداخلية والصحف : "إن جماعة السيدات المسلمات أسست 57 3 1 هـ – [[1936]] م لنشر دعوة الله والعمل على إيجاد الأمة المسلمة التي تعيد ل[[لإسلام]] عزته ودولته ، وكانت لله وستظل لله ، وليس لأي حاكم علماني حق الولاية على المسلمين ". " فجماعة السيدات المسلمات ، رسالتها الدعوة إلى [[الإسلام]] وتجنيد الرجال والنساء شبابا وشيبا لاعتقاد رسالته وإقامة دولته الحاكمة بما أنزل الله " .

 

ونحن –السيدات المسلمات – نرفض قرار الحل ، وليس لرئيس الجمهورية –وهو ينادى صراحة بعلمانية الدولة - حق الولاء علينا، ولا لوزارة الشئون الاجتماعية كذلك . وليست الدعوة أموالاً أو حطاما تصادره حكومة العلمانيين المحاربين لله ولرسوله وللأمة المسلمة . "فلتصادر الحكومة الأموال والحطام ولكنها لا تستطيع أن تصادر عقيدتنا . إن رسالتنا رسالة دعوة ودعاة، إننا نقف تحت مظلة لا إله إلا الله وحده ، وهذا الاعتقاد بأنه لا إله إلا الله يلزمنا بالعمل المستمر المتواصل غير المنقطع ، حق تقوم دولة [[الإسلام]] بأمة [[الإسلام]] الواعية لدينها الحاكمة بشرعه ، المجاهدة في سبيل نشره " .

 

=== ماذا نفعل بعد ذلك ؟ ===

 

أخذت سيدات الجماعة يتوافدن إلى بيتي بعد ذلك متسائلات : ماذا نفعل ؟ ؟ كان هذا الموقف الشامخ من السيدات المسلمات سنة [[1964]] في قمة عناد السلطة الناصرية، في الوقت الذي كان فيه الكثيرون يقفون موقف التقية ويقرون الطاغوت على فعله بل يصدرون الفتاوى المؤيدة لأفعاله . . ويصبغون عليه صبغة ترفعه إلى مكان الألوهية! وما كانت التقية كذلك يوما ما في [[الإسلام]] لضياع العقيدة والتمويه على المسلمين ، ولقد رأينا بعض المجلات الإسلامية تتسابق في إرضاء الطاغوت . حتى مجلة الأزهر نفسه العزيزة علينا معزته ، تخلط بعض سطورها بنبضات هامدة لكتاب منافقين يتسابقون في إرضاء الباطل وأهله . . وأخذت الفتاوى تتوالى في تجريح المجاهدين الذين أخذوا بالعزيمة ولم يأخذوا بالضلال ، الذي سماه من أخذ به رخصة، جرحوا المجاهدين الذين انعم الله عليهم بالتزام [[الإسلام]] لا بالانتماء إليه ، والالتزام هو [[الإسلام]] ، أما الانتماء بغير التزام فشيء آخر. وقد أبت جماعة السيدات المسلمات أن تأخذ بما سموه رخصة، أو أن تكتفي بالانتماء، فرفعت لواء الحق وقالت كلمة الصدق في وقت تخلى فيه كثير من الناس عن الحق والصدق خوفا على مناصبهم وضياع دنياهم ، ولم تقف موقف المتفرج كما فعل كثير من الناس ، ولكنها قالت رأيها بصراحة - في الأوضاع التي كانت سائدة يومئذ - لا تبتغى إلا وجه الله وان غضب الناس جميعا . وكانت عضوات الجماعة لا يصبرن على عدم لقائي فأخذن يتوافدن على بيتي يواسينني في الأمر. فقد كانت جماعة السيدات المسلمات حياتي ووجودي ، عاهدت الله يوم تأسيسها أن لا أعيش لغيره سبحانه . وأخذت أعداد السيدات المسلمات الكبيرة المتوافدة على دارى يعاهدن الله من جديد ألا يعشن إلا لكلمة الحق وتبليغها، واتفقن معي على عقد اجتماعات بمنازلهن تتولى الواعظات فيها إرشاد السيدات إلى مبادئ [[الإسلام]] ، ولكن حكومة الطاغية التي كانت تتعقب الدعاة إلى الله في كل مكان بهذه الاجتماعات ، أرسلت إلى السيدات اللائى يتم الوعظ في منازلهن وقامت بتهديدهن وأخذ التعهد ألا يعقدن اجتماعا للوعظ في بيوتهن . واقتصر النشاط بعد ذلك على النشاط الفردي .

 

 

=== المساومة ثم المخادعة ===

 

أخذ رجال المباحث والمخابرات الناصرية يطلبون مقابلتي ويعرضون عروضا لإعادة المركز العام للسيدات المسلمات . وكانت هذه العروض تكلفني أن أشترى الدنيا بالآخرة . وعلى سبيل المثال عرضوا على إعادة إصدار مجلة السيدات المسلمات باسمي كرئيسة للتحرير وصاحبة الامتياز مقابل 300 جنيه شهريا، على أن لا يكون لي شأن بما يكتب في المجلة . وكان جوابي : مستحيل أن تصدر مجلة السيدات المسلمات من مكاتب المخابرات لتنشر علمانية [[عبد الناصر]] فأنا لم أعتد إلا أن أكون مسئولة مسئولية فعلية . كذلك عرضوا على إعادة المركز العام وصرف إعانة قدرها عشرون ألف جنيه سنويا، على أن يكون من مؤسسات الاتحاد الاشتراكي . . وكانت إجابتي: إن شاء الله ، لن يكون عملنا إلا ل[[لإسلام]]. إن الذين يتكسبون ب[[الإسلام]] لا يستطيعون خدمته ، وكان هذا الرد يغضبهم . ولكنهم يحاولون إغرائي المرة بعد المرة . وكنت أتعجب من الطريقة ومن إصرارهم على هذه المحاولات الفاشلة، ولكنني اكتشفت بعد ذلك وعرفت لماذا هم حريصون على مخادعتي .

 

 

=== خفافيش الليل ===

 

ففي إحدى الأمسيات ، وأنا في منزلي، استأذن ثلاثة رجال لمقابلتي، ، وبعد دخولهم إلى حجرة الصالون ذهبت إليهم فوجدتهم يلبسون (غتراً) عربية ، ولما سلمت عليهم قدموا لي أنفسهم على أنهم من [[سوريا]]، قادمون من [[السعودية]] للفسحة في [[القاهرة]] لمدة عشرة أيام وأنهم قابلوا في [[السعودية]] الأستاذ [[سعيد رمضان]] والشيخ [[مصطفى العالم]] و [[كامل الشريف]] و [[محمد العشماوي]] و [[فتحي .....ي]] (هؤلاء من [[الإخوان]] الذين فروا من الطاغوت وظلمه )، وهم يسلمون على [[الإخوان]] في [[مصر]] ويريدون أن يطمئنوا عليهم وعلى تنظيمهم ، وقد أمرونا بالانضمام إلى هذا التنظيم ونحن مستعدون لتنفيذ الأوامر والبقاء في [[مصر]] لمعاونة التنظيم . ثم أخذوا يتحدثون عن [[الإخوان]] وعن [[عبد الناصر]] وكيف أنه يضطهد [[الإخوان المسلمين]] ثم تكلموا عن أحداث سنة [[1954]] وعن حل جماعة الإخوان المسلمين واستشهاد [[عبد القادر عودة]] وزملائه ، وكيف أنهم مستعدون للأخذ بالثأر وقتل [[عبد الناصر]]، وأن هذا هو رأى [[كامل الشريف]] والعشماوي و رمضان و .....ي و العالم . ولما كنت أسمع لهم فقط ، طلبوا منى الإجابة، فقلت : "أنا أسمع إلى أشياء جديدة على ومصطلحات لا أدرى عنها شيئا". قالوا: "سنرجع لك يا أخت زينب مرة أخرى لنعرف رأى المرشد ورأى التنظيم في هذا . . . " . فأجبتهم باقتضاب :

 

"أولاً : أنا لا أعرف شيئا يسمى التنظيم في [[الإخوان]] . وأسمع أن [[الإخوان]] كجماعة قد حلت كما تقول الحكومة.

 

ثانيا : أنا لا أحدث المرشد في مثل هذه الأمور، فصداقتي به وصلتي : إخوة !سلامية ومحبة عائلية .

 

ثالثا : إن قتل [[عبد الناصر]] شيء غير وارد عند المسلمين كما أتصور، وأنا أنصحكم بالعودة إلى بلدكم والاشتغال بتربية أنفسكم إسلاميا" . وبعد أن كانوا يستمعون إلي وهم وقوف جلسوا وقال أحدهم :

 

"الظاهر الأخت زينب غير مقتنعة . من الذي خرب بلاد المسلمين غير [[عبد الناصر]]؟" .

 

قلت : ليس من رسالة [[الإخوان المسلمين]] قتل [[عبد الناصر]] وسألتهم أن يعطوني أسماءهم فأعطوني أسماء تلعثموا كثيرا وهم ينطقوا بها، وكانت : [[عبد الشافي عبد الحق]] ، [[عبد الجليل عيسى]]، [[عبد الرحمن خليل]] . ضحكت لمصادفة وجود كلمة "عبد في الأسماء الثلاثة، وكان واحد فقط هو الذي ذكر أسماء الثلاثة. وقلت لهم : خير لكم أن ترجعوا إلى بلدكم قبل أن تمسك بكم مخابرات [[عبد الناصر]] إن كنتم لا تعرفونها، وليس لكم بها صلة فعلا وأنا أعتقد ذلك وأجاب أحدهم : على كل حال لك الحق في أن تشكى يا حاجة فينا، ستريننا مرة أخرى وستعرفين من نحن . وانصرفوا. وزارني الأخ [[عبد الفتاح إسماعيل]] فذكرت له قصة الزوار السوريين( المزعومين ) .

 

 

=== كلهم [[أحمد راسخ]] ! ===

 

لم يمض أسبوعان على الزيارة الأولى حتى فوجئت بزيارة رجل يدعى [[أحمد راسخ]] قدم لي نفسه على أنه من المباحث العامة . وأخذ يسألني عما بيني وبين السوريين الذين زاروني . . . فوضحت له أنني مدركة تماما أنهم جواسيس وليسوا [[إخوان]]ا سوريين ، وأنهم في المباحث قد أرسلوهم ، وأن هذه أعمال صبيانية سخيفة، فقد فعلوا كل ما يريدون ، صادروا المجلة والمركز العام فما الذي يريدونه بعد ذلك ؟ ! وكان أغرب ما سألني عنه ما أعنيه في أحاديثي عن جمالوف وجمالفة . فقلت له : إن هؤلاء ملاحدة يفخرون بالانتماء إلى الباطل وأهله . وغير الحديث قائلا : "إننا مسلمون يا حاجة" قلت : "إن المسلمين غير ذلك ؟ قال : "لو تفاهمت معنا لأصبحت من الغد وزيرة للشئون الاجتماعية" . فضحكت ساخرة وقلت : "المسلمون لا تغريهم المناصب ، ولا يشتركون في حكومات علمانية إلحادية . ومركز المرأة المسلمة يوم تقوم حكومة [[الإسلام]] ستقرره الحكومة الإسلامية . ماذا تريدون منى؟" قال : "نريد أن نتفاهم معا" قلت : "هذا مستحيل ، أناس يدعون للكفر ويرفعون شعارات الضلال . . وأناس يدعون لتوحيد الله والإيمان به . . فكيف يتفق هذا؟" . ثم أردفت قائلة "توبوا إلى الله واستغفروه وارجعوا إليه . . . أرجو إنهاء المقابلة" . وكان قد فرغ من القهوة التي قدمت له فقام منصرفا وهو يقول : "والله نحن نريد أن نتفاهم معك . ويوم نتفاهم معك ، ستكونين أنت التي ستصدرين قرارا بإعادة جماعة السيدات المسلمات وكذلك المجلة" ، قلت له : شكرا . . [[الإسلام]] في غنى عن الهيئات والجماعات التي ترضى بالعمالة لأعداء [[الإسلام]] ، ربنا يهديكم ويتوب عليكم " . وبعد يومين من هذه الزيارة وقفت عربة حكومية على باب منزلي ونزل منها شاب يرتدى ملابس كحلية اللون وكنت أجلس في شرفة المنزل فدخل وقال : "السلام عليكم يا حاجة زينب " . فرددت السلام ودعوته لدخول المنزل ، ودخل حجرة الضيوف وقدم لي نفسه . . [[أحمد راسخ]] ضابط من المباحث العامة ، ونظرت إليه بتدقيق وكآني أبحث طوله وعرضه ، فقد دعيت مرة إلى وزارة الداخلية لمقابلة شخص يسمى [[أحمد راسخ]] ! . . . وذهبت إلى هناك وكان فوق مكتبه لوحة مكتوبا عليها [[أحمد راسخ]] ، ثم حدث أن زارني قبل يومين الشخص الذي يسمى نفسه : [[أحمد راسخ]] ، وها هو شخص ثالث يدعى [[أحمد راسخ]] يزورني ! !

 

اسم واحد لثلاث شخصيات مختلفة. . . أخذت أنظر إليه وأنا لا أصدق ما أرى . . فمن غير المعقول أن يكون كل رجال المباحث العامة باسم [[أحمد راسخ]] ! . . . وشعر بنظرتي الفاحصة فسألني : "مم تتعجبين يا حاجة زينب ؟ من زيارتي ؟ " .

 

عجبت من هذا الأمر، وأجبت ساخرة : " لا . . إن هذا البيت يستقبل ضيوفه دائما -سواء كانوا على موعد أو غير موعد- بترحيب وتكريم . ولكنى سأحكي حكاية قرأتها في جريدة الأهرام على ما أذكر. " كانت ملكة هولندا وزوجها في ضيافة ملك إنجلترا منذ مائتي عام ولفت نظر ملك إنجلترا اهتمام ملكة هولندا بكلب كان يجرى في الاستقبال ، هرولت إليه في لهفة وكأنها فقدت الوعي، وحملته إلى صدرها وأخذت تقبله بشغف وحنان ، ثم أعطته لزوجها وهى تسر له ببعض الكلمات وتشير إلى عيني الكلب ووجهه فأخذ الملك الكلب وأخذ يقبله كذلك . . . تعجبت ملكة إنجلترا وزوجها مما رأيا وبخاصة بعد أن عادت ملكة هولندا وأخذت الكلب من زوجها وهما يجففان الدموع المنهمرة من أعينهما، وضمته إلى صدرها كطفل عزيز عليهما . ولما دعيا إلى مائدة الطعام الملكية أخذت ملكة هولندا الكلب معها وأخذت تطعمه وقالت ملكة إنجلترا: إن الكلب لابنتها الأميرة. أما الملك فقد سأل ضيوفه عن سر هذا التعلق بالكلب وقال وكأنه يعتذر: "لولا أن الأميرة متعلقة بهذا الكلب لأهديته لكم ا . فقالت ملكة هولندا التي كانت تؤمن بتناسخ الأرواح ، إن لها ابنا مات وقد انتقلت روحه إلى هذا الكلب وأخذت تحاول إقناع ملكي إنجلترا بأن عيني الكلب هما عينا ابنها تماما. . . وأقنع ملك إنجلترا ابنته بإهداء الكلب لملكة هولندا فأهدته لها فقد كانت تسمع القصة مع والديها". ثم قلت له : "يا أستاذ راسخ ، إن الذين يقولون بتناسخ الأرواح يدعون بعض الشبه بين الشخص المتوفى وبين الذي حلت فيه الروح بعد ذلك . ولكنى التقيت بثلاثة من المباحث كلهم يدعى أنه [[أحمد راسخ]] ، ومع ذلك فهم مختلفون في الطول والعرض واللون ولا يوجد تشابه بينهم . . . فهل قرر رئيس جمهوريتكم اعتناق مذهب جديد في تناسخ الأرواح وأمركم باعتناقه ؟ ! فارتسمت على وجهه دهشة شديدة وحيرة بالغة . وقال : "نحن ناس طيبون يا حاجة ونريد أن نتفاهم معك ، أنا صحيح [[أحمد راسخ]] " . قلت : "وهذا الأمر ليس له من الأهمية نصيب ". وسالت : "ماذا تريد؟ ". قال : "إن الحكومة ترغب رغبة شديدة في التفاهم معك ، ونحن نعلم أن [[الإخوان المسلمين]] خدعوك وأقنعوك بمبادئهم ، والذي حدث لجماعة السيدات المسلمات وحل مركزها العام كان سببه [[الإخوان]] . هؤلاء ناس مشاغبون . ونحن نريد أن تتفاهمي معنا . وما نريده بسيط جدا هو أن نعرف الأفراد القائمون بنشاط من [[الإخوان المسلمين]] ، والله يا حاجة الريس سيحفظ لك هذه الخدمة وفى أيام قليلة ستلمسين نتيجة تعاونك معنا. وأنت سيدة طيبة طول عمرك لا شأن لك بشغب [[الإخوان المسلمين]] وكفى ما سببوه لك مع الحكومة". وأخذ يدعى أن الأستاذ الإمام [[الهضيبي]] والإمام [[سيد قطب]] . . يعملان جهدهما ليتفاهما مع الرئيس ، ولكن الرئيس يرفض التعاون معهما لأنه لا يأمن لهما.

وأضاف : ولو كنت تعرفين ما يقوله [[الإخوان]] عنك لتفاهمت معنا . . . وضحكت . . . ثم قلت : "سأتكلم معك على أنك رجل من رجال المباحث لا يهمني الآن اسمه ولا رسمه :

 

أولاً: إني أعتقد أن المسلمين الذين لا يعلمون من [[الإسلام]] إلا ظواهره يعرفون ويعتقدون أنكم بعيدون عن [[الإسلام]] ومحاربون له . أتريدون أن تتفاهمون مع الحق وأنتم على الباطل ؟ ! تستوردون عقائدكم من الشرق والغرب وترفعون شعارات الإلحاد الشيوعي ، وتارة تتمسحون بآلهة الرأسمالية وضائعون بين الشعارين . . ومن هذا الضياع تستمدون تشريعاتكم وأحكامكم لا أظنني صريحة معك وكلامي واضح لا يحتاج إلى تأويل . [[الإسلام]] شيء غير ما تريدون ا . قال : "والله يا حاجة أنا أصلى الجمعة" . قلت : "وبقية الفرائض ؟ا . قال : "تعودت أن أصلى الجمعة لأن والدي كان يفعل ذلك وكان يأخذني معه إلى المسجد يوم الجمعة . . .".

 

قلت له : "ألم تسأل والدك لماذا يصلى الجمعة فقط ؟" . قال : "قلوبنا مسلمة يا حاجة مادمنا نقول : لا إله إلا الله قلت له كفاية ذلك " إن كلمة (لا إله إلا الله ) بغير التزامكم بها ستكون حجة عليكم عند الله ، لا حجة لكم ". قال : "الناس على دين ملوكهم " . قلت : "إن شاء الله تحشرون على دين ملوككم ". قال : "عشمي أن نتفاهم " . قلت : "إن رسالات الأنبياء على مدى التاريخ لم تلتق أبدا بالباطل وأهله إلا لتدعوهم ليسلموا وجوههم لله سبحانه !. فانصرف وهو يقول في لهجة غاضبة : "طبعا. . أنا لن أجيء لك ثانية وإذا أردت الاتصال بي فها هو رقم تليفوني" . قلت له : "متشكرة، لا أريده " . وفى أواخر شهر [[يوليه]] [[1965]] علمت أن هناك عمليات اعتقال في صفوف [[الإخوان المسلمين]] وكان لي بهذه الجماعة صلة وثيقة قديمة .

 

 

 

== الباب الثاني: وكانت بيعة ==

 

 

لم تكن صلتي بجماعة [[الإخوان المسلمين]] حديثة كما توهمها العابثون إذ كانت تعود بتاريخها إلى سنة 1357 هـ [[1937]] م . في ذلك اليوم البعيد المبارك من 1358 هـ تقريباً وبعد ما يقرب من ستة أشهر على تأسيس جماعة السيدات المسلمات كان أول لقاء لي مع [[الإمام الشهيد]] [[حسن البنا]] . كان ذلك عقب محاضرة ألقيتها على الإخوات المسلمات في دار [[الإخوان المسلمين]] وكانت يومئذ في العتبة .

 

كان الإمام المرشد في سبيله لتكوين قسم للأخوات المسلمات ، وبعد مقدمة عن ضرورة وحدة صفوف المسلمين واتفاق كلمتهم دعاني إلى رئاسة قسم الأخوات المسلمات . وكان هذا يعنى دمج الوليد الجديد الذي أعتز به " جماعة السيدات المسلمات " واعتباره جزء من حركة [[الإخوان المسلمين]] ، ولم أعد بأكثر من مناقشة الأمر مع الجمعية العمومية للسيدات المسلمات ، التي رفضت الاقتراح وإن حبذت وجود تعاون وثيق بين الهيئتين .

 

وتكررت اللقاءات مع تمسك كل منا برأيه وتأسست الأخوات المسلمات ولم يغير ذلك من علاقتنا الإسلامية شيئاً . وحاولت في أخر لقاء لنا في دار السيدات المسلمات أن أخفف من غضبه بعهد آخذه على نفسي أن تكون السيدات المسلمات لبنة من لبنات [[الإخوان المسلمين]] على أن تظل باسمها واستقلالها بما يعود على الدعوة بفائدة أكبر . على أن هذا أيضاً لم يرضه عن الاندماج بديلاً ودارت الأحداث بسرعة ووقعت حوادث سنة [[1948]] وصدر قرار حل [[الإخوان]] ومصادرة أملاكهم وإغلاق شعبها ، والزج بالآلاف في المعتقلات وقامت الأخوات المسلمات بنشاط يشكرن عليه وكانت إحداهن السيدة [[تحية الجبيلي]] زوجة أخي وابنة عمى ومنها عرفت الكثير من التفاصيل ، ولأول مرة وجدت نفسي مشتاقة إلى مراجعة كل آراء الأستاذ [[البنا]] وإصراره على الاندماج الكلي . وفي صبيحة اليوم التالي لحل جماعة [[الإخوان]] كنت بمكتبي في دار السيدات المسلمات وفي نفس الحجرة التي كان بها آخر اجتماع لي بالمرشد الإمام ، ووجدت نفسي أجلس إلي مكتبي وأضع رأسي بين يدي وأبكي بكاءً شديداً ، فقد أحسست أن [[حسن البنا]] كان على حق فهو الإمام الذي يجب أن يبايع من المسلمين جميعاً على [[الجهاد]] لعودة المسلمين إلي مقعد مسئوليتهم ، وإلي وجودهم الحقيقي الذي يجب أن يكونوا فيه ، وهو مكان الذروة في العالم يقودونه إلي حيث أراد الله ويحكمونه بما أنزل الله . وأحسست أن [[حسن البنا]] كان أقوى مني وأكثر صراحة في نشر الحقيقة وإعلانها . وإن هذه الشجاعة والجرأة هي الرداء الذي يجب أن يرتديه كل مسلم . وقد ارتداه [[البنا]] ودعا إليه . ثم وجدت نفسي أهتف بالسكرتير ليوصلني بالأخ [[عبد الحفيظ الصيفي]] الذي كلفته بنقل رسالة شفوية للإمام [[البنا]] يذكره فيها بعهدي في آخر لقاء لنا … وحين عاد بتحيته ودعائه استدعيت أخي [[محمد الغزالي الجبيلي]] وكلفته بإيصال وريقة صغيرة بواسطته أو بواسطة زوجته إلي [[الإمام المرشد]] وكان في الوريقة : " سيدي الإمام [[حسن البنا]] … [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]] تتقدم إليك اليوم وهي أمة عارية من كل شي إلا عبوديتها لله وتعبيد نفسها لخدمة دعوة الله ، وأنت اليوم الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن يبيع هذه الأمة بالثمن الذي يرضيه لدعوة الله تعالى . في انتظار أوامرك وتعليماتك سيدي الإمام … " .

 

وعاد شقيقي ليحدد لي لقاءً سريعاً في دار الشبان المسلمين ، كان المفروض أن يحدث وكأنه مصادفة . ولم أكن أعدم مبرراً لتواجدي هناك ، فقد كنت ذاهبة إلي صالة دار الشبان لإلقاء محاضرة ، والتقيت بالأستاذ [[البنا]] فقلت له ونحن نصعد الدرج : " اللهم إني أبايعك على العمل لقيام دولة [[الإسلام]] وأرخص ما أقدم في سبيلها دمي ، والسيدات المسلمات بشهرتها " فقال : " وأنا قبلت البيعة وتظل السيدات المسلمات على ما هي عليه " . وافترقنا على أن يكون اتصالنا بواسطة منزل أخي وكانت أول رسالة من [[الإمام الشهيد]] تكليفاً بالوساطة بين النحاس و [[الإخوان]] ، وكان رفعة [[مصطفى باشا النحاس]] خارج الحكم حينذاك وحدد النحاس المرحوم [[أمين خليل]] للقيام بإزالة سوء التفاهم ورضى به [[الإمام الشهيد]] وكنت حلقة الاتصال . وفي ليلة من ليالي [[فبراير]] سنة [[1949]] جاءني [[أمين خليل]] ليقول لي " يجب اتخاذ إجراءات ليسافر [[البنا]] من [[القاهرة]] فالمجرمون يأتمرون به ليقتلوه . ولم أجد وسيلة للاتصال به مباشرة فقد اعتقل أخي ، فحاولت الاتصال ب[[الإمام الشهيد]] شخصياً ، وأنا في طريقي للاتصال بلغني خبر الاغتيال ونقله إلى المستشفى ثم تواترت الأخبار بسرعة بسوء حالته وذهب شهيداً إلى ربه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . وكان ألمي كبيراً وكانت نقمتي على المجرمين مرة لم أحاول كتمها .

 

وجاءت حكومة اتحاد الأحزاب وأصدرت أمراً بحل جماعة السيدات المسلمات واعترضت أمام القضاء الذي حكم لنا في عهد حكومة [[حسين سري باشا]] سنة [[1950]] بالعودة للنشاط . وكان المحامي في هذه القضية الأستاذ [[عبد الفتاح حسن]] "باشا" وجاءت حكومة الوفد وعاد [[الإخوان]] إلي نشاطهم وهم على بيعتهم للإمام المرشد [[حسن الهضيبي]] ، وأحببت في اليوم الأول لافتتاح المركز العام ل[[لإخوان المسلمين]] أن أعلن ولائي للدعوة بطريق غير مباشر إلي أن يقضي الله في الأمر بما يريد ، فتبرعت بأغلى شئ كنت أعتز به في أثاث منزلي وهو طاقم صالون أرابيسك مطعم بالصدف ليؤثث به مكتب [[المرشد العام]] .

وسارت الأمور هادئة مطمئنة ، وزارني الشهيد [[عبد القادر عودة]] وشكرني على التبرع وقال : " يسعدنا إذا أصبحت [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]] من [[الإخوان المسلمين]] ." قلت : " أرجو أن أكونها بإذن الله . " فقال : " قد كانت والحمد لله . " وصارت الأمور في هدوء ومودة بيني وبين كثيرة من أعضاء الجماعة حتى حكومة الانقلاب العسكري بقيادة اللواء [[محمد نجيب]] الذي كان قد زارني قبل الانقلاب بأيام بصحبة الأمير [[عبد الله الفيصل]] وليس [[سراج الدين]] والشيخ [[الباقوري]] وشقيقي [[علي الغزالي]] بمناسبة وجود الأمير [[عبد الله الفيصل]] في [[مصر]] ، وقد تعاطف [[الإخوان]] مع الانقلاب وكذلك السيدات المسلمات لفترة أحسست بعدها أن الأمور لا تسير كما كنا نأمل وأنها ليست الثورة المنتظرة تتويجاً لجهود سبقت على أيدي العاملين لإنقاذ هذا البلد … وأخذت أنقل رأيي لمن ألقاه من [[الإخوان]] . وحين عرضت منا مناصب وزارية على بعض [[الإخوان]] ، وضحت رأيي في مجلة السيدات المسلمات ، فما كان لأحد من [[الإخوان]] أن يقسم يمين ولاء لحكومة لا تحكم بما أنزل الله .. ومن يفعل منهم ذلك يجب فصلهم من [[الإخوان]] وواجب [[الإخوان]] أن يحددوا موقفهم بعد أن اتضحت نوايا الحكومة .

 

وزارني الشهيد [[عبد القادر عودة]] طالباً مني تأجيل الكتابة في هذا الموضوع ، وأمسكت عددين ، ثم عدت إلى الكتابة إلى أن زارني الشهيد [[عبد القادر عودة]] للمرة الثانية حاملاً في هذه المرة أمراً من [[المرشد العام]] بعدم الكتابة في هذا الموضوع ، وتذكرت بيعتي ل[[لبنا]] - رحمه الله - واعتقدت أن الولاء قائم بها ل[[حسن الهضيبي|لهضيبي]] ، وامتثلت للأمر . ومنذ ذلك الوقت والبيعة تحكم تصرفاتي حتى ما يبدو منها خاصاً كرحلة مؤتمر السلام في فيينا التي لم أقم بها إلا بعد أن حصلت على لإذن الإمام المرشد [[حسن الهضيبي|الهضيبي ]] …

 

 

=== وسقط القناع ===

 

ومرت الأيام وجاءت أحداث [[1954]] ونكباتها ومخا زيها التي أسقطت القناع عن وجه [[جمال عبد الناصر]] لتظهر عدائه ل[[لإسلام]]ومحاربته له في شخوص دعاته وقيادات نهضته ، وصدرت أحكام الإعدام البشعة على قمم القيادات الإسلامية : الشهيد المستشار [[عبد القادر عودة]] ، صاحب الفضيلة العالم الأزهري الورع الذي رصدت القيادة البريطانية في القنال عام [[1951]] عشرة آلاف جنيه لمن يأتي به حياً أو ميتاً : الشيخ [[محمد فرغلي]] الذي أُهدي للاستعمار ميتاً دون أن تخسر الخزينة البريطانية مبلغ المكافأة ، وباقي الشهداء الكرام . حتى المجاهد الكبير الإمام [[حسن الهضيبي]] حكموا عليه بالإعدام ، ولم ينفذ ، فقد أصيب فجأة بذبحة شديدة بالقلب نقل على أثرها للمنزل وقرر الأطباء أنه لن يعيش إلا ساعات ، وهنا ظهر [[عبد الناصر]] فأصدر عنه عفواً ، متوقعاً أن يقرأ نعيه في الصحف صباح اليوم التالي . ولكن قدرة الله أحبطت كيده ، وعاش الإمام . فلكل أجل كتاب ، نعم عاش ، ليؤدي بعد ذلك خدمات للمسلمين ويقود الدعوة الإسلامية في أحلك أيام شهدتها الدعوة ، وقد أظهر قوة الصلابة في الحق وهو المريض بعدة أمراض مما أذهل الجلادين وجعلهم يقودونه إلى السجن الحربي مرة أخرى ويعذبونه بأبشع أنواع التعذيب ، ولكنه ظل متمسكاً بالحق سائراً على طريق أصحاب الدعوات إلى أن شهد هو نهاية [[عبد الناصر]] وزبانيته وهو صامد ، رافع أعلام الحق والتوحيد الذي أعتقده ، متلبس بكل حبات وجوده ، وأخذ بالعزيمة ولم يتسرب إلى نفسه ضعف أو وهن في دين الله ورفض أن يأخذ بالرخص فيقيم في بيته وينكر بقلبه كما يفتي ويأخذ بذلك بعض العلماء . بل أني لأذكر له هذا الموقف الكريم الشجاع حينما أراد بعض من طالت عليهم المدة واعتراهم بعض الضعف أن يأخذوا بالرخصة ويكتبوا للطاغية مؤيدين وملتمسين العفو منه ، وسألوا الإمام [[حسن الهضيبي]] أن يأذن لهم في ذلك فقال قولته المشهورة : " أنا لا أكره أحد على الأخذ بالعزيمة والوقوف معنا ، ولكنى أقول لكم : إن الدعوات لم تقم يوماً بالذين يأخذون بالرخص " . قال ذلك وهو الشيخ الكبير ذو الثمانين عاماً ، وظل بسجن مزرعة طره إلى آخر الأفواج التي أفرج عنها بعد موت [[عبد الناصر]] … ولنا عودة أخرى إلى تفاصيل أحداث [[1965]] .

 

صرخات تنادى للواجب وفي عام [[1955]] رأيت نفسي مجندة لخدمة الدعوة الإسلامية بغير دعوة من أحد فقد كانت صرخات اليتامى الذين فقدوا آباءهم بالتعذيب ودموع النساء اللاتي ترملن وأزواجهن خلف قضبان السجون . والآباء والأمهات من الشيوخ الذين فقدوا فلذات أكبادهم . كانت هذه الصرخات والدموع تنفذ إلى أعماقي . ووجدت نفسي وكأني من المسئولين عن ضياع الجياع وجراح المعذبين . وأخذت أقدم القليل .

 

ولكن أعداد الجياع تزداد يوماً بعد يوم . وأعداد العرايا كذلك . وأخبار الشهداء الذين يقضى عليهم تحت سياط الفجرة المارقين القساة الجاحدين . والمدارس والجامعات تتطلب مصاريف وأدوات وملابس . وأصحاب المنازل يطالبون بإيجار منازلهم . وزادت المشكلة تعقيداً وثقل الحمل على حامله . واتسع الخرق على الراقع وبخاصة بعد عام ونصف . وبالتحديد في منتصف [[1956]] حينما خرج بعض أعداد من المعتقلين الذين لم يحكم عليهم . كان البعض منهم في اشد الحاجة لمن يزوده بالمال والطعام والملابس والمأوى . كل هذا والمسلمون في هذا البلد الطيب في [[مصر]] التي نكبت بمن قاد الانقلاب ليس فيهم من يعي واجبه . بل على العكس من ذلك وجدنا كثيراً من علماء وشيوخ الدين يتبرءون من المجاهدين …

 

كان الجميع من المتفرجين على ما يحدث . حتى الذين يبكون للمأساة ويتألمون كانوا يكتمون آلامهم ويخفون دموعهم خشية أن يتهمهم الطاغية بأنهم مسلمون . ولما اشتد بي الألم على ما وصلت إليه الأمور . ولم أجد لنفسي مخرجاً . ذهبت لزيارة أستاذي الجليل صاحب الفضيلة الشيخ [[محمد الأودن]] . وهو من القلة القليلة التقية النقية من رجال الأزهر . وكنت أستشيره في كل ما يعرض لي من أمور الدعوة وعلوم [[الإسلام]] . وكان يعتقد معي أن عدم اندماج السيدات المسلمات ربما يخدم [[الإخوان]] في فترة مقبلة . وقد كان يعلم ببيعتي ل[[لبنا]] ويباركها ويؤيدها كما كان يعلم ولائي للدعوة بعد استشهاد [[البنا]] وقبله . وجلست إليه أحدثه عن مأساة الأسر . كان يستمع إليّ في ألم شديد . وأنهيت حديثي بعرض ما فكرت في عمله في حدود إمكانياتي . وكنت أرى أنه لا يكفي أن نتألم وجراح الجوع وجراح السياط وجراح العرايا وتشرد النساء والأطفال يجرى بقسوة وشدة في دوائر حياة الدعاة والملبين والمجاهدين لتكون كلمة الله هي العليا . وأرى أني أستطيع كرئيسة للسيدات المسلمات أن أقدم العون إن شاء الله لأسر [[الإخوان]] بما يمكني الله فيه . فقبل فضيلته رأسي وهو يبكي قائلاً لي : لا تترددي في أي عون . والله هو المبارك للخطى . وعدت لأوضح له موقفي في الجماعة والثقة المطلقة في شخصي من السيدات المسلمات أعضاء الجماعة فقال لي فضيلته : قد أصبح فرضاً حتمياً عليك أن لا تبخلي بجهد في هذا الطريق وما تقومين به اجعليه بينك وبين الله تبارك وتعالى ثم أضاف : إن المنقذ الوحيد بأمر الله ل[[لإسلام]] هم هؤلاء المعذبون " [[الإخوان المسلمون]] " لا أمل لنا إلا في الله ثم في إخلاصهم وما يبذلون في سبيل الدعوة . اعملي يا زينب كل ما تستطيعين عمله . وعملت فعلاً ما أستطيع . وبذلت جهدي في أن أقدم شيئاً ولم يشعر أحد أني أفعل شيئاً . فقد كان فرد أو فردان هما اللذان أُسلمهما ما أستطيع على أنها أشياء مرسلة لي وأنا مكلفة بنقلها إليهم فقط .

 

ثم علمت أن الوالدة الفاضلة المجاهدة الكبيرة حرم الأستاذ [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] تبذل هي أيضاً مجهوداً كبيراً مع بعض الفضليات الكريمات من الأخوات المسلمات مثل : المجاهدة [[آمال العشماوي]] حرم الأستاذ [[منير الدلة]] وكانت هي بنفسها على رأس الأخوات المسلمات . ومثل [[خالدة حسن الهضيبي]] و [[أمينة قطب]] و [[حميدة قطب]] و [[فتحية بكر]] والمجاهدة [[أمينة الجوهري]] و [[علية الهضيبي]] و [[تحية سليمان الجبيلي]] . واتسعت اتصالاتي رويداً رويداً فاتصلت ب[[خالدة الهضيبي]] في سرية شديدة ثم ب[[حميدة قطب]] و [[أمينة قطب]] . وكل ذلك من أجل المعذبين والأطفال واليتامى .

 

 

=== على الطريق مع [[عبد الفتاح إسماعيل]] ===

 

كان أول لقاء لي به في عام [[1957]] وفي موسم الحج . كنت في ميناء السويس على رأس بعثة الحج لجماعة السيدات المسلمات ، وكان معي في المودعين شقيقي [[محمد الغزالي]] الجبيلي فوجدته مقبلاً عليّ في صحبة إنسان يكسو وجهه نور ومهابة يغض بصره ، قدمه لي أخي قائلاً : الأخ [[عبد الفتاح إسماعيل]] ، كان من أحب شباب [[الإخوان]] إلى [[الإمام الشهيد]] [[حسن البنا]] ، كان فضيلة المرشد يحبه ويؤثره وله فيه ثقة مطلقة ، وقد طلب مني أن أقدمه لك بهذه الصورة حتى تعرفيه ، وحياني الأخ وهو يقول سأكون إنشاء الله معكم في الباخرة ، فرحبت به وانصرف ، وصعدنا إلى الباخرة وتحركت بعيداً عن الشاطئ وانشغلت بمطالب البعثة ، بعثة حج السيدات المسلمات. وعندما ذهبت إلى حجرتي بعد تناول الغداء ، سمعت طرقات على الباب ، أذنت بالدخول فتكرر الطرق ثانية ولكن الطارق كان يذهب بعيداً عن فتحة الباب ، ولما سمع صوتي يأذن بالدخول للمرة الثالثة . دخل فوجدته الأخ الذي قدمه لي شقيقي على رصيف الميناء .. قال في إخبات وهو يطرق إلى الأرض بعد أن ألقى عليّ السلام .. أنا أعلم بحمد الله أن بينك وبين [[الإمام الشهيد]] [[حسن البنا]] بيعة بعد طول خلاف ، ولما سألته عن مصدر معلوماته أجاب : [[الإمام الشهيد]] نفسه طيب الله ثراه .. فسألته عما يريد ، أجاب : أن نلتقي في مكة لوجه الله نتحدث فيما كان [[البنا]] يريده منك إن شاء الله . كانت كلمات سهلة العبارات طيبة النوايا لينة ، لكنها مع بساطتها قوية صادقة ثقيلة التكاليف تحمل معنى الأمر ولا تترك مجالاً للتفكير . قلت إنشاء الله في دار بعثة السيدات المسلمات بمكة أو بجدة ، ولما سأل عن العناوين حدثته عن أخوين في جدة قال إنه يعرفهما وهما الشيخ [[العشماوي]] و [[مصطفى العالم]] وكلاهما يستطيع أن يرشده إلى مكان إقامتي بمكة وجدة . حياني الأخ وانصرف .

 

وفي ليلة من ليالي ذي الحجة كنت على موعد بعد صلاة العشاء مع فضيلة المرحوم الشيخ الإمام [[محمد بن إبراهيم]] المفتي الأكبر ل[[لمملكة العربية السعودية]] حينذاك .. وكنا نبحث معاً مذكرة قدمتها لجلالة الملك أشرح له فيها ضرورة تعليم البنات في المملكة ، وأطلب منه الإسراع في تنفيذ هذا المشروع ، مبينة مصلحة المملكة في ذلك ، وحولت المذكرة على فضيلة المفتي الذي طلب مقابلتي . وقضيت ساعتين أبحث المشروع معه . وعند انصرافي من مجلسه ، أخذت طريقي إلى باب السلام وكان في نيتي أن أطوف حين أوقفني صوت يناديني باسمي محييا بتحية [[الإسلام]] ، والتفت فإذا به [[عبد الفتاح إسماعيل]] وسألني عن وجهتي ولما عرف أنها الطواف ثم دار البعثة صحبني إلى المسجد وطفنا بالبيت معاً وبعد صلاة سنة الطواف جلسنا تجاه الملتزم وأخذ يتحدث فيما يريد .

 

سألني عن رأيي في قرار حل [[الإخوان]] . أجبت أنه قرار باطل شرعاً . قال : هذا الأمر الذي أريد بحثه معك .. ولما سألته أن يزورني في دار البعثة استبعدها كمكان لمثل هذه الأمور خوفاً من أجهزة التجسس الناصرية ، واتفقنا على أن نجتمع في مكتب عمارة الحرم المكي .. في مكتب معالي الرجل الصالح الشيخ [[صالح القزاز]] ، واجتمعنا هناك ولكنه أسر إليّ أن الأفضل أن نلتقي في الحرم وانصرف هو على أن نلتقي خلف مقام إبراهيم . وبعد ركعتي الطواف جلسنا خلف مبنى زمزم بالقرب من مقام إبراهيم ، وأخذ يتحدث عن بطلان قرار حل جماعة [[الإخوان المسلمين]] ووجوب تنظيم صفوف الجماعة وإعادة نشاطها ، واتفقنا على أن نتصل بعد العودة من الأرض المقدسة بالإمام [[حسن الهضيبي]] [[المرشد العام]] لنستأذنه في العمل . وقال عندما هممنا بالانصراف : يجب أن نرتبط هنا ببيعة مع الله على أن نجاهد في سبيله ، لا نتقاعس حتى نجمع صفوف [[الإخوان]] ونفاصل بيننا وبين الذين لا يرغبون في العمل أيا كان وضعهم ومقامهم ، وبايعنا الله على [[الجهاد ]] والموت في سبيل دعوته . وعدت إلي [[مصر]] …

 

 

=== الإذن بالعمل ===

 

ومع أوائل [[1958]] كانت لقاءاتي قد تعددت ب[[عبد الفتاح إسماعيل]] في منزلي وفي دار المركز العام للسيدات المسلمات . كنا نبحث في أمور المسلمين محاولين بكل جهدنا أن نفعل شيئاً ل[[لإسلام]] يعيد لهذه الأمة مجدها وعقيدتها ، مبتدئين بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح ومن بعدهم ، جاعلين منهجنا مستمداً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

 

وكانت خطة العمل تستهدف تجميع كل من يريد العمل ل[[لإسلام]] لينضم إلينا .. كان ذلك كله مجرد بحوث ووضع خطط حتى نعرف طريقنا ، فلما أردنا أن نبدأ العمل كان لابد من استئذان الأستاذ [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] باعتباره مرشداً عاماً لجماعة [[الإخوان]] ، لأن دراساتنا الفقهية حول قرار الحل انتهت إلى أنه باطل لأن [[عبد الناصر]] ليس له ولاء ولا تجب له طاعة على المسلمين حيث أنه يحارب [[الإسلام]] ولا يحكم بكتاب الله تعالى .. والتقيت بالأستاذ [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] لأستأذنه في العمل باسمي وباسم [[عبد الفتاح إسماعيل]] ، وأذن لنا في العمل بعد لقاءات عديدة شرحت له فيها الغاية وتفاصيل الدراسات التي قمت بها وعبد الفتاح . وكان أول قرار لبدء العمل هو أن يقوم الأخ [[عبد الفتاح عبده إسماعيل]] بعملية استكشاف على امتداد [[مصر]] كلها . على مستوى المحافظة والمركز والقرية ، والمقصود من هذا أن نتبين من يرغب في العمل من المسلمين ومن يصلح للعمل معنا ، مبتدئين ب[[الإخوان المسلمين]] لجعلهم هم النواة الأولى لهذا التجمع ..

 

وبدأ الأخ عبد الفتاح إسماعيل جولته بادئاً بالذين خرجوا من السجون من [[الإخوان]] والذين لم يدخلوا لتختبر معادنهم وهل أثرت المحنة في عزيمتهم ، وهل دخول من دخل السجن جعلهم يبتعدون عما يعرضهم للسجن مرة أخرى أم أنهم لا يزالون على ولائهم للدعوة مستعدين للتضحية بكل غال ورخيص في سبيل الله ونصرة دينه .

 

كانت عملية استكشاف لابد منها حتى نبدأ العمل على أرض صلبة ، وحتى نعرف من يصلح فعلاً ، وكنا ندرس معاً التقارير التي يقدمها [[عبد الفتاح إسماعيل]] عن كل منطقة ، وكنت أزور [[المرشد العام]] وأبلغه مجمل ما اتفقنا عليه وما وصلنا إليه .. وكنا إذا عرضنا عليه صوراً من الصعوبات التي نلاقيها ، قال : استمروا في سيركم ولا تلتفتوا إلى الوراء ، لا تغتروا بعناوين الرجال وشهرتهم . أنتم تبنون بناء جديداً من أساسه . وكان تارة يقر ما يعرض عليه وتارة يعطي بعض التوجيهات . ومن هذه التوجيهات أنه أوصانا بأن نضمك إلى مراجع بحوثنا " المحلي لابن حزم " .

 

وفي سنة [[1959]] انتهت بحوثنا إلى وضع برنامج للتربية الإسلامية ، وأشهد الله على أنه لم يكن في برنامجنا غير تربية الفرد المسلم الذي يعرف واجبه تجاه ربه وتكوين المجتمع المسلم الذي سيجد نفسه بالضرورة مفاصلاً للمجتمع الجاهلي . ولما كانت جماعة [[الإخوان المسلمين]] معطلاً نشاطها بسبب قرار الحل الجاهلي لسنة [[1954]] كان ضرورياً أن يكون النشاط سرياً .

 

 

=== وقفة مع زوجي ===

 

لم يكن عملي في هذا النشاط يعطلني عن تأدية رسالتي في المركز العام لجماعة السيدات المسلمات ولا يجعلني أقصر في واجبي الأسري ، غير أن زوجي الفاضل المرحوم [[محمد سالم سالم]] لاحظ تردد الأخ [[عبد الفتاح إسماعيل]] وبعض لبنات طاهرة زكيه من الشباب المسلم على منزلنا . فسألني زوجـي : هل هناك نشاط ل[[لإخـوان المسلمين]] ؟ أجبت : نعم . . فسألني عن مدى النشاط ونوعيته . . قلت : إعادة تنظيم جماعة [[الإخوان]] .. ولما أخذ يبحث الأمر معي قلت له : هل تذكر يا زوجي العزيز عندما اتفقنا على الزواج ..

 

ماذا قلت لك ؟ قال : نعم اشترطت شروطاً ، ولكني أخاف عليك اليوم من تعرضك للجبابرة .

 

ثم صمت وأطرق برأسه فقلت له : أنا أذكر جيداً ما قلت لك : لقد قلت لك يومها : إن هناك شيئاً في حياتي يجب عليك أن تعلمه أنت لأنك ستصبح زوجي ، ومادمت قد وافقت على الزواج فيجب أن أطلعك عليه على ألاّ تسألني عنه بعد ذلك ، وشروطي بخصوص هذا الأمر لا أتنازل عنها . . أنا رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات .. وهذا حق ، ولكن الناس في أغلبهم يعتقدون أني أدين بمبادئ الوفد السياسية ، وهذا غير صحيح .. الأمر الذي أومن به وأعتقده هو رسالة [[الإخوان المسلمين]] .. ما يربطني ب[[مصطفى النحاس]] هو الصداقة الشخصية ، لكني على بيعة مع [[حسن البنا]] على الموت في سبيل الله ، غير أني لم أخط خطوة واحدة توقفني داخل دائرة هذا الشرف الرباني ، ولكني أعتقد أني سأخطو هذه الخطوة يوماً ما بل وأحلم بها وأرجوها ، ويومها إذا تعارضت مصلحتك الشخصية وعملك الاقتصادي مع عملي الإسلامي ووجدت أن حياتي الزوجية ستكون عقبة في طريق الدعوة وقيام دولة [[الإسلام]] فسنكون على مفرق طريق ، ويومها أطرقت إلى الأرض ثم رفعت رأسك والدموع محبوسة في عينيك لتقول : أنا أسألك لتقول : أنا أسألك ماذا يرضيك من المطالب المادية فلا تسألين ولا تطلبين أي شئ من مهر أو مطالب زواج ، وتشترطين عليّ ألا أمنعك عن طريق الله ..

 

أنا لا أعلم أن لك صلة بالأستاذ [[البنا]] ، والذي أعلمه أنك اختلفت معه بشأن انضمام جماعة السيدات المسلمات إلي [[الإخوان المسلمين]] .

 

قلت : الحمد لله ، اتفقنا أثناء محنة [[الإخوان]] سنة [[1948]] قبل استشهاد [[البنا]] ، وكنت قررت أن ألغي أمر الزواج من حياتي ، وأنقطع للدعوة انقطاعاً كلياً .. وأنا لا أستطيع أن أطلب منك اليوم أن تشاركني هذا [[الجهاد]] ، ولكن من حقي أن اشترط عليك ألا تمنعني جهادي في سبيل الله ، ويوم تضعني المسئولية في صفوف المجاهدين فلا تسألني ماذا أفعل ولتكن الثقة بيننا تامة ، بين رجل يريد الزواج من امرأة وهبت نفسها ل[[لجهاد]] في سبيل الله وقيام الدولة الإسلامية وهي في سن الثامنة عشرة ، وإذا تعارض صالح الزواج والدعوة إلى الله ، فسينتهي الزواج وتبقى الدعوة في كل كياني . .

 

ثم توقفت عن الكلام برهة ونظرت إليه قائلة : هل تذكرت ؟ قال : نعم . قلت : اليوم أطلب منك أن تفي بوعدك .. لا تسألني بمن ألتقي . وأدعو الله أن يجعل أجر جهادي قسمة بيننا فضلاً منه سبحانه إذا تقبل عملي . . أنا أعلم أن من حقك أن تأمرني ومن واجبي أن أطيعك ولكن الله أكبر في نفوسنا من أنفسنا ، ودعوته أغلى علينا من ذواتنا . ونحن في مرحلة خطيرة من مراحل الدعوة . . قال : سامحيني ، أعملي على بركة الله . يا ليتني أعيش وأرى غاية [[الإخوان]]قد تحققت ، وقامت دولة [[الإسلام]] .. يا ليتني كنت في شبابي فأعمل معكم ….

 

وكثر العمل ، والنشاط وتدفق الشباب على بيتي ليلاً و نهار ، وكان الزوج المؤمن يسمع طرقات الباب في جوف الليل فيقوم من نومه ويفتح للطارقين ويدخلهم إلي حجرة المكتب ، ويذهب إلي حجرة السيدة التي تدير أعمال البيت فيوقظها ويطلب منها أن تعد للزائرين بعض الطعام والشاي ، ثم يأتي إليّ فيوقظني في إشفاق وهو يقول : بعض أولادك في المكتب وعليهم علامات جهد أو سفر ، وأرتدي ملابسي وأذهب إليهم ويأخذ هو طريقه إلى مكان نومه وهو يقول لي : إذا صليتم الفجر جماعة فأيقظيني لأصلي معكم إن كان ذلك لا يضر ، فأجيب إنشاء الله .

 

فإن صلينا الفجر أيقظته ليصلي معنا ثم ينصرف ، وهو يحيي الموجودين تحية أبوية مملوءة بالشفقة والحب والحنان .

 

 

=== الاتصال بالإمام الشهيد [[سيد قطب]] ===

 

في عام [[1962]] التقيت بشقيقات الإمام الفقيه والمجاهد الكبير الشهيد سيد قطب بالاتفاق مع الأخ عبد الفتاح إسماعيل وبإذن من الأستاذ حسن الهضيبي ، المرشد العام للإخوان المسلمين ، للاتصال بالإمام سيد قطب في السجن لأخذ رأيه في بعض بحوثنا والاسترشاد بتوجيهاته . طلبت من حميدة قطب أن تبلغ الأخ سيد قطب تحياتنا ورغبة الجماعة المجتمعة لدراسة منهج إسلامي في الاسترشاد بآرائه .. وأعطيتها قائمة بالمراجع التي ندرسها وكان فيها تفسير ابن كثير ، والمحلي لابن حزم ، والأم للشافعي وكتب في التوحيد لابن عبد الوهاب وفي ظلال القرآن لسيد قطب ، وبعد فترة رجعت إلي حميدة وأوصت بدراسة مقدمة سورة الأنعام .. الطبعة الثانية وأعطتني ملزمة من كتاب قالت : إن سيد يعده للطبع واسمه معالم في الطريق .. وكان سيد قطب قد ألفه في السجن وقالت لي شقيقته ، إذا فرغتم من قراءة هذه الصفحات سآتيكم بغيرها .

 

وعلمت أن المرشد اطلع على ملازم هذا الكتاب وصرح للشهيد [[سيد قطب]] بطبعه .. وحين سألته قال لي : على بركة الله .. إن هذا الكتاب حصر أملي كله في سيد ، ربنا يحفظه ، لقد قرأته وأعدت قراءته وأعدت قراءته ، إن [[سيد قطب]] هو الأمل المرتجى للدعوة الآن ، إن شاء الله وأعطاني المرشد ملازم الكتاب فقرأتها فقد كانت عنده لأخذ الإذن بطبعها وقد حبست نفسي في حجرة بيت المرشد حتى فرغت من قراءة " معالم في الطريق " .

 

وأخذنا نعيد الدراسة والبحث من جديد في صورة نشرات قصيرة توزع على الشباب ليدرسوها ثم تدرس بتوسع في حلقات ، وكانت الأفكار متفقة والغايات غير مختلفة فانسجمت الدراسة مع الوصايا والصفحات التي كانت تأتينا من الإمام الشهيد [[سيد قطب]] رحمه الله وهو داخل السجن ، وكانت ليالي طيبة وأياماً خالدة ولحظات قدس مع الله ، يجتمع عشرة أو خمسة من الشباب ويقرءون عشر آيات تراجع أحكامها وأوامر السلوك فيها وكل غاياتها ومقاصدها في حياة العبد المسلم . وبعد تفهمها واستيعابها يتقرر الانتقال إلي عشر آيات أخرى إقتداء بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

 

ومرت أيام حلوة طيبة ونعمة من الله تحتوينا ونحن ندرس وندرس ونربي أنفسنا ونهيئ للدعوة رجالها بشباب اقتنع بضرورة الإعداد لقيام دعوة الحق العادل .. وقرر وجوب حتمية إعداد أجيال في شخوص هذا الشباب الذي نرجوه أساتذة في التوجيه والإعداد للأجيال المقبلة .

 

قررنا فيما قررنا ـ بتعليمات من الإمام [[سيد قطب]] وبإذن [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] ـ أن تستمر مدة التربية والتكوين والإعداد والغرس لعقيدة التوحيد في النفوس . والقناعة بأنه لا إسلام إلا بعودة الشريعة الإسلامية وبالحكم بكتاب الله وسنة رسوله لتصبح شريعة القرآن مهيمنة على كل حياة المسلمين ، قررنا أن يستغرق برنامجنا التربوي ثلاثة عشر عاماً ، عمر الدعوة في مكة ، على أن قاعدة الأمة الإسلامية الآن هم [[الإخوان]] الملتزمون بشريعة الله وأحكامه فنحن ملزمون بإقامة كل الأوامر والنواهي الواردة في الكتاب والسنة في داخل دائرتنا الإسلامية .. والطاعة واجبة علينا لإمامنا المبايع ، على أن إقامة الحدود مؤجلة ـ مع اعتقادها والذود عنها ـ حتى تقوم الدولة .. وكنا على قناعة كذلك بأن الأرض اليوم خالية من القاعدة التي تتوفر فيها صفات الأمة الإسلامية الملتزمة التزاماً كاملاً ..

 

كما كان الأمر في عهد النبوة والخلافات الراشدة ، ولذلك وجب [[الجهاد]] على الجماعة المسلمة التي حكم الله والتمكين لدينه في الأرض حتى يعود جميع المسلمين ل[[لإسلام]] فيقوم الدين القيم ، لا شعارات ولكن حقيقة عملية واقعة .

 

ودرسنا كذلك وضع العالم الإسلامي كله بحثاً عن أمثلة لما كان قائماً من قبل بخلافة الراشدين والتي نريدها نحن في جماعة الله الآن ، فقررنا بعد دراسة واسعة للواقع القائم المؤلم ، أن ليس هناك دولة واحدة ينطبق عليها ذلك ، واستثنينا [[المملكة العربية السعودية]] مع تحفظات وملاحظات يجب أن تستدركها المملكة وتصححها ، وكانت الدراسات كلها تؤكد أن أمة [[الإسلام]] ليست قائمة ، وإن كانت الدولة ترفع الشعارات بأنها تقيم شريعة الله ‍‍! …. وكان فيما قررناه بعد تلك الدراسة الواسعة ، أنه بعد مضي ثلاثة عشر عاماً من التربية الإسلامية للشباب والشيوخ والنساء والفتيات ، نقوم بمسح شامل في الدولة فإذا وجدنا أن الحصاد من أتباع الدعوة الإسلامية المعتقدين بأن [[الإسلام]] دين ودولة ، والمقتنعين بقيام الحكم الإسلامي قد بلغ 75% من أفراد الأمة رجالاً ونساءً ، نادينا بقيام الدولة الإسلامية ، وطالبنا الدولة بقيام حكم إسلامي ، فإذا وجدنا الحصاد 25 % جددنا التربية والدراسة لمدة ثلاثة عشر عاماً أخرى وهلم جرا ، حتى نجد أن الأمة فد نضجت لتقبل الحكم ب[[الإسلام]] .

وما علينا أن تنتهي ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍أج يال وتأتي أجيال ، المهم أن الإعداد مستمر ، المهم أن نظل نعمل حتى تنتهي آجالنا ثم نسلم الراية مرفوعة " بلا إله إلا الله ، محمد رسول الله " إلى الأبناء الكرام الذين يأتون من بعدنا . وكنا على اتصال بالأستاذ [[محمد قطب]] ، بإذن من [[المرشد العام]] ، كان يزورنا في بيتي بمص الجديدة ليوضح للشباب ما غمض عليهم فهمه وكان الشباب يستوضحونه ويسألونه أسئلة كثيرة يجيب عليها .

 

 

 

== الباب الثالث : المؤامرة ==

 

 

وخرج الأستاذ الشهيد [[سيد قطب]] من السجن ، وسبق خروجه بشهور عملية محاولة اغتيالي التي لم تنجح ، والتي تحدثنا عنها في أول هذه المذكرات ، وانتقلت إلينا أخبار بان إخراج الشهيد [[سيد قطب]] من السجن تخطيط من المخابرات ليسهل اغتياله ، وأن في خطة الاغتيالات القضاء على [[عبد الفتاح عبده إسماعيل]] . . وعشنا متوكلين على الله نعمل وخلف ظهورنا ما يدبر الفجار، غير أننا أخذنا ندرس ما وصلنا من أخبار عن رعب الفجار الحاكمين ، فقد أصبحوا يتوهمون أن هناك حركة فكرية يقودها سيد قطب من داخل السجن ، وتقودها وتعمل على تنفيذها جماعة من [[الإخوان المسلمين]] ، على رأسها الشهيد [[عبد الفتاح إسماعيل]] و [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]] خارج السجن . . وقد تأكدت لدينا الأخبار بان المخابرات الأمريكية والمخابرات الروسية ووليتهم الصهيونية العالمية قد قدموا تقارير مشفوعة بتعليمات ل[[عبد الناصر]] بأخذ الأمر منتهى الجد للقضاء على هذه الحركة الإسلامية ، ولا فسينتهي كل ما فعله [[عبد الناصر]] في المنطقة من تحويل عن الفكر الإسلامي وبث اليأس في النفوس من إمكان أي إصلاح أو بعث عن طريق [[الإسلام]] . .

 

وخلاصة المخاوف : أن هذه الحركة الإسلامية ستقضي على كل فكر مغاير ل[[لإسلام]] . هذا ما وصلنا إجمالا عما تحويه تقارير المخابرات الأمريكية والروسية ل[[عبد الناصر]]، ومن ناحية أخرى فان [[عبد الناصر]] اعتبر أن البعث الإسلامي بمثابة قضاء تام على حكمه الدكتاتوري الغاشم . . وفى أوائل [[أغسطس]] [[1965]] وصلتني أخبار عن إعداد قائمة من المطلوب اعتقالهم من رعيل رسالة التربية الجديدة والفكر الذي أقام من الشباب جواهر نورانية تتحرك ب[[الإسلام]] . كما كان يتحرك به رجال من الصدر الأول في فجر الرسالة إلى دار ابن أبى الأرقم ، ويتصدر القائمة الأستاذ الشهيد [[سيد قطب]] ، [[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]]، [[عبد الفتاح عبده إسماعيل]] ، [[محمد يوسف هواش]] . وفى الخامس من [[أغسطس]] وصلتني أخبار اعتقال الشهيد [[سيد قطب]] . كنت مجتمعة مع بعض الأخوات حين جاءتني مكالمة هاتفية قيل لي فيها: إن منزل [[سيد قطب]] قد فتش وبحث فيه عنه . وكان شقيقة الأستاذ محمد قد اعتقل في [[مرسي مطروح]] قبل أيام ، فطلبت زوجي في رأس البر ورجوته أن يطمئننى على [[سيد قطب]] وجاءت مكالمة زوجي بعد ساعة تؤكد اعتقاله .

 

وقررنا تأجيل الاجتماع بالأخوات حتى نرى ماذا بعد الاعتقالات ، وكان اعتقال [[سيد قطب]] كالصاعقة بالنسبة لجميع الشباب ، فضلا عنا نحن ، فقد كان [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] قد أوكل كل المسئوليات لسيد قطب ، وكانت اتصالاتنا كلها به حسب أمر [[حسن الهضيبي|الهضيبي]]، وكان علينا بعد اعتقاله أن نرجع إلى [[المرشد العام]] ، نستأذنه فيمن يتولى المسئولية بدلا من سيد. كنت أنا وعبد الفتاح ، نفكر فيما حدث قبل أن يحدث بخمسة أيام ، فلما حدث ، زارني عبد الفتاح وكلفني بالسفر لرؤية المرشد في [[الإسكندرية]] وقدم لي أحد أبنائنا من الشباب على أنه سيكون حلقة الاتصال بيننا إذا اعتقل هو . . ولكن بعد ساعات أرسل إلى يطلب منى أن ألزم بيتي، وألغى سفري ل[[الإسكندرية]] - غير أنى كنت قد اتصلت بالمرشد، وجاءت السيدة حرمه من [[الإسكندرية]] - ورتب الأمر على أن نكون على اتصال دائم ب[[حسن الهضيبي|الهضيبي]]، هذه المرة قدم لي أخا كريما ليكون حلقة الاتصال بيننا. . [[مرسي مصطفى مرسي]] . واتصلت ب[[المرشد العام]] وأخبرته بواقع الأمر، وأقرنا على ما اتفقنا عليه وتأثر تأثرا عميقا لأخبار الاعتقالات وبخاصة اعتقال [[سيد قطب]] . وأخذت الأخبار تتوالى بالقبض على العشرات والمئات ، وارتفع إلى الآلاف ، وقد أقسم لي [[شمس بدران]] بعد اعتقالي برأس [[عبد الناصر]] اعتقلوا مائة ألف من [[الإخوان]] في عشرين يوما، ملئوا بهم السجن الحربي وسجن القلعة وسجن أبي زعبل وسجن الفيوم و [[الإسكندرية]] وطنطا وسجوناً أخرى . وفى يوم الخميس 19 [[أغسطس]] ، علمت أن سيدة فاضلة تناهز الخامسة والثمانين تدعى أم أحمد من شبرا قد قبضوا عليها، وهى من المناصرين للدعوة من يومها الأول ، وسارت في الطريق مع [[الإمام الشهيد]] [[حسن البنا]] خطوة خطوة، وكان لها جهد كبير مبارك في مساعدة الأسر التي فقدت العائل بالسجن والمعتقلات الناصرية . . وكانت على اتصال دائم بنا . . كان خبر اعتقالها مفزعا ومؤثرا بالنسبة لي، ولكنى قلت لابن أختها بعد دقائق صمت أغرقتني بالألم : "إنه شيء جميل . . ما دام في الأرض التي ضاعت معالمها امرأة مؤمنة تعتقل في سبيل الله ، وفى سبيل دولة القران ، وهي في الخامسة والثمانين ، فمرحى مرحى يا جنود الله " . . !

 

وأرسلت لابنتي في [[الإسلام]] غادة عمار وقلت لها : "اليوم اعتقلت مجاهدة جليلة فاضلة تدعى الست أم أحمد، وتقطن بناحية شبرا ولدى أموال لحساب أسر المسجونين وشؤون الدعوة فها هي إليك يا غادة، فإذا اعتقلت فسلميها للمرشد أو لآل قطب ، وسلمتها مظروفا فيه أموال الجماعة التي كانت أمانة عندي، وهى اشتراكات من [[الإخوان المسلمين]] . وعلمت بعد ذلك وأنا في السجن أن هذا المبلغ أودعته غادة عند ابنتي في [[الإسلام]] [[فاطمة عيسى]] وعندما قبض عليها الطغاة استولوا على هذا المال الذي كان ثمن الطعام وأجر المساكن ومصاريف التعليم والعلاج لأبناء المسجونين وأسرهم ، تلك الأسر التي لا ذنب لها ولا جريمة، وما قررت دولة الانقلاب العسكري لتبيدهم إلا لأنهم من القاعدة الخالدة على التاريخ لتجديد أمر الأمة الإسلامية . علمت بذلك عندما جيء بغادة عمار وعلية [[حسن الهضيبي|الهضيبي]] إلى زنزانتي في السجن الحربي فقلت : "حسبنا الله ونعم الوكيل ، الدنيا ساعة ، أما الآخرة فهي دارنا والحساب هناك " . ومرت ساعات رهيبة تحمل لي أخبار اعتقالات جديدة، ومرة أخرى جاءني رسول طلب منى أن أسافر إلى [[الإسكندرية]] لمقابلة المرشد. كان ذلك في مساء الخميس 19 [[أغسطس]] ، وبينما كنت أستعد للسفر جاء آخر وطلب منى تأجيل السفر لحين صدور أوامر أخرى .

 

 

=== وجاء دوري ===

 

وفى فجر الجمعة 20 [[أغسطس]] [[1965]] اقتحم رجال الطاغوت منزلي، ولما طلبت منهم إذنا بالتفتيش ، قالوا: إذن ! أي إذن يا مجانين ؟ نحن في عهد [[عبد الناصر]]، نفعل ما نشاء معكم يا كلاب . . !

 

وأخذوا يقهقهون في صورة هستيرية وهم يقولون : [[الإخوان المسلمون]] مجانين ، قال إيه ، يريدون إذن تفتيش في حكم [[عبد الناصر]]! ودخلوا البيت وأتلفوا ما فيه بالتمزيق تارة وبالتكسير تارة أخرى حتى لم يتركوا شيئا سليما . وكنت أنظر إليهم باحتقار وهم يمزقون فراش المنزل . وأخيرا قبضوا على ابن أخي الطالب في كلية المعلمين [[محمد محمد الغزالي]]، وكان يقيم معي كابني وقالوا لي : لا تغادري البيت . قلت : أفهم من ذلك أن إقامتي محددة . قالوا : إلى حين صدور أوامر أخرى، واعلمي أن البيت تحت الحراسة فإذا تحركت فسيقبض عليك . وظننت أن الأمر سيقف عند تحديد الإقامة، وجاء لزيارتي شقيقتي وأولادها وزوجها، وكنت أعد حقيبتي استعدادا للقبض على . ورجوت زوج شقيقتي مغادرة المنزل حتى لا يقبضوا عليه إن عادوا ووجدوه كما فعلوا مع ابن أخي. ولكنه أصر على البقاء رغم محاولاتي المتكررة في إفهامه أن الوقت ليس وقت مجاملة أو نحوه . وبينما كنا نتناول الغداء اقتحم المنزل زبانية الطاغوت وأتوا على البقية الباقية واستولوا على ما في الخزانة . واستولوا على ما يزيد على نصف مكتبتي، ولم تفلح محاولاتي في إنقاذ بعض المؤلفات القديمة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ مما يعود تاريخ طبعه إلى أكثر من مائة عام ، كما لم تفلح محاولاتي في الاحتفاظ بمجموعات ثلاث من مجلة السيدات المسلمات التي أوقفت بأمر عسكري سنة [[1958]] ، فقد صادروا كل ما أرادوا وللخزانة وقتها قصة عجيبة . فقد كانت الخزانة لزوجي إلا أن بها أشياء تخصني أيضا. فلما طلبوا المفتاح قلت لهم : إنه مع زوجي وهو مسافر في مصيفه ، فإذا بهم يهتفون برجل منهم يأمرونه بفتح الخزانة ، وتقدم هذا الرجل وفتح الخزانة بآلات ومفاتيح كانت معه ، كأي لص متمرس ! ! ولما طلبت منهم إيصالا بما أخذوه قالوا في سخرية : "أنت مجنونة . أنت فاكرة نفسك شاطرة، إخرسي بلاش دوشة" . وقبضوا على وأدخلوني عربة وجدت فيها ابن أخي الذي قبضوا عليه في الفجر، وشابا من شباب الدعوة، سألت ابن أخي : إيه يا محمد؟ فلم يجبني ففهمت أن التعليمات إليه أن لا يتكلم ، وكانوا قد أتوا به ليرشدهم إلى المنزل لأن هؤلاء كانوا غير زوار الفجر. . وأخذت العربة تنهب بنا الطريق حتى وصلت إلى السجن الحربي، عرفت ذلك من اللوحة الموجودة على بوابته ، واقتحمت السيارة البوابة المرعبة ، وبعدما ابتلعت البوابة السيارة ومن فيها . أنزلت منها واتجه بي وغد غليظ إلى حجرة استجوبني فيها وغد آخر، وأدخلت منها إلى حجرة أخرى . ووقفت أمام رجل ضخم الجثة مظلم الوجه قبيح اللفظ ، فسأل الذي يمسك ذراعي عنى فأجابني بسباب غلف فيه أسمي، ومع ذلك التفت هو إلى في غلظة وسألني من أنت ! . قلت : "[[زينب الغزالي|زينب الغزالي الجبيلي]]" . فانطلق يسب ويلعن بما لا يعقل ولا يتصور. وصرخ الذي يمسك بذراعي قائلا : "دا رئيس النيابة يا بنت الــ . . . ردى على سعادته "، وكان الآخر قد صمت

 

قلت : لقد اعتقلوني أنا وكتبي وكل ما في الخزانة، فأرجو حصر هذه الأشياء وتسجيلها فمن حقي أن تعاد إلى . أجاب رئيس النيابة المزعوم الذي وضح فيما بعد أنه [[شمس بدران]] ، أجاب في فجور وجاهلية متغطرسة: "يا بنت الـــ . . . نحن سنقتلك بعد ساعة، كتب إيه ؟ وخزنة إيه ؟ ومصاغ إيه ؟ أنت ستعدمين بعد قليل ، كتب إيه وحاجات إيه اللي بتسألي عليها يا بنت الـــ . . . ، إحنا سندفنك كما دفنا عشرات منكم يا كلاب هنا في السجن الحربي" لم أستطع أن أجيب ، لأن الكلمات كانت بذيئة الألفاظ سافلة، والسباب والشتائم منحطة إلى الحد الذي لا يستطيع فيه الإنسان أن يسمعها فضلا عن أن يجيب عنها.

 

وقال هذا المتغطرس للذي يمسك ذراعي : خذها . . . قال : إلى أين ؟ أجاب ؟ هم عارفون . وجذبني الفاجر في وحشية وهو يقول : يا بنت الـ . . . وعند الباب نادى صاحب الجثة الغليظة المظلمة على الشيطان الممسك بذراعي فالتفت إليه ، فكأني أرى ظلمة من دخان غليظ أسود تغرقه ، قلت في سرى : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم تضرعت إلى الله قائلة: اللهم أنزل على سكينتك وثبت قدمي في دوائر أهل الحق ، واربط على قلبي بذكرك وارزقني الرضا بما يرضيك . وقال الممسك بذراعي للشيطان : نعم يا معالي الباشا . قال له : تروح رقم 24 وبعد ذلك تأتوني . وانصرف بي الشيطان الشقي الممسك بذراعي وأدخلني حجرة ، فرأيت رجلين يجلسان إلى مكتب في يد أحدهما مفكرة كنت أعرفها، وهى خاصة بالأخ الشهيد [[عبد الفتاح إسماعيل]] ، كان يخرجها في حلقات القران ونحن نتدارس ويدون بها بعض ملاحظاته ، فعرفت أنه اعتقل وبعض [[الإخوان]] إذ كان عنده اجتماع بهم في ذلك الوقت ، وأحدث ذلك رعدة في نفسي خشيت أن يلاحظها بعض الشياطين ، وكان أذان العصر يخترق سمعي، وترك الشيطان رقبتي ولكن ظللت في مكاني فصليت إلى الله ،وما أن انتهيت من الصلاة حتى انكب الشيطان على في وحشية، قيل له : اذهب بها إلى 24 .

.....لمتابعة قراءة الكتاب

تم تعديل بواسطه دعوه للجنـــــة
تم حذف الرابط ، ممنوع وضع روابط خارجية الا بموافقة الادارة

شارك هذه المشاركه


رابط المشاركه
شار ك علي موقع اخر

انشئ حساب جديد او قم بتسجيل دخولك لتتمكن من اضافه تعليق جديد

يجب ان تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

انشئ حساب جديد

سجل حسابك الجديد لدينا في الموقع بمنتهي السهوله .

سجل حساب جديد

♥ تسجيل دخول ♥

هل تمتلك حساب بالفعل ؟ سجل دخولك من هنا.

♥ سجل دخولك الان ♥

×
×
  • اضف...

Important Information

By using this site, you agree to our Terms of Use, اتفاقيه الخصوصيه, قوانين الموقع, We have placed cookies on your device to help make this website better. You can adjust your cookie settings, otherwise we'll assume you're okay to continue..