ranasamaha
Members-
عدد المشاركات
291 -
انضم
-
تاريخ اخر زيارة
-
Days Won
9
كل منشورات العضو ranasamaha
-
التحليلات القائمة على المنطق يؤمن قادة الموارد البشرية بأن جمع البيانات وإجراء التحليلات مهارات أساسية وضرورية. وفي بعض الأحيان، تقتصر التحليلات على نخبة من المتخصصين الحاصلين على درجات علمية في مجالات علم النفس والاقتصاد، ولكن مستقبل الموارد البشرية لا يعتمد على المتخصصين فحسب، بل وعلى قدرات لا تزال نادرة، وهي الدراية بالمبادئ الأساسية لتحليل البيانات، والتوصل إلى الاستنتاجات الإحصائية السليمة من خلال دراسات متعددة منها. أدناه بعض مبادئ البحوث الإحصائية الأساسية في مجال تحليل الموارد البشرية، والتي غالبًا ما تتسبب في حدوث أخطاء عندما يتم تجاهلها: أخذ العينات واختبارها: بهدف التمكن من تعميم النتائج على المواقف ذات الصلة. العلاقات التبادلية: حيث تميل ظاهرتان اثنتان إلى السير في نفس الاتجاه، وهي علاقة تختلف عن العلاقة السببية، والتي تتسبب إحدى الظواهر خلالها في حدوث الأخرى وتجعلها تسير معها في نفس الاتجاه. استبعاد التفسيرات البديلة: من خلال التصميم الدقيق للتجارب والدراسات. يجب أن يتمكن محللو بيانات أداء الموارد البشرية، أيضًا، من التعامل بسهولة مع عدد من المفاهيم التحليلية الخاصة بالاقتصاد والتمويل، ومن ضمنها المفاهيم الآتية: معرفة الاختلافات القائمة بين التكاليف الثابتة والتكاليف المتغيرة وتكاليف التشغيل. تقدير القيمة المادية (المالية) للوقت. تقديم قيمة حقيقية وخصومات. التمييز بين تحليل المنفعة العائدة من التكلفة وتحليل فعالية التكلفة. فهم مفهوم المنفعة بوصفه يمثل القيمة الملموسة للأشياء، حيث تعتمد القيمة الملموسة هنا على قيمة قدرات الفرد وإمكاناته وعلاقاته بالآخرين. اعتبار فكرة تحليل الأرباح المحتملة ونقاط الانعطاف والتحولات فرصة لتحسين الأداء وتبسيط الأمر
-
رسالة "التمتين" إلى كل الناس.. جربوا النمو و التطوير .. لا التغيير هذا مقال في غاية الأهمية.. أرجو مشاركة كل أصدقائكم به، ولفت نظر الجميع إليه.. استكملت الشهر الماضي (مارس 2012) العناصر الأساسية لنظريتي الخاصة بالتنمية البشرية والتي أطلقت عليها عام 2007 نظرية التمتين. فبعد خمسة أعوام من الأبحاث والدراسات والقراءات المركزة، والتفكير العميق في هذه النظرية التي أرى فيها حلاً لمعظم مشكلاتنا الإدارية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية والنفسية، استطعت أن أثبت صحة النظرية، وأساسها العلمي، وأن أضعها موضع التطبيق. فما هي قصة التمتين؟ ولماذا يجب أن نمارسه ونطبقه في كل مناحي حياتنا؟ عملت عام 1977 في معهد الإدارة العامة في "الرياض"، فبدأت علاقتي بالإدارة والتدريب والتنمية البشرية. وعلى مدى 35 عامًا عكفت على القراءة والبحث والترجمة والتأليف؛ وفي عام 1990 أصبحت مديرًا لمركز تدريب في "جدة"، واستمرت علاقتي بالتنمية البشرية والتدريب منذ ذلك الحين. وكان مما لاحظته عبر مسيرتي البحثية والمهنية أن قلة من برامج التدريب ومحاولات تغيير سلوك الناس تلاقي نجاحًا، في حين يمنى معظمها بالفشل. وكنت دائمًا أسأل: لماذا؟ شاركت متدربًا في عشرات البرامج وورش العمل، ولم أتغير. وقدمت مئات برامج التدريب وورش العمل في عشر دول عربية، وأعترف بكل شجاعة أنني أثرت في كثيرين، لكنني لم أغير أحدًا. وعندما يخاطبني بعض الأصدقاء والعملاء والزملاء ويعترفون بأنني دفعتهم إلى اتخاذ قرارات مصيرية في حياتهم لأنهم تغيروا، أقول لهم بكل أمانة، بأن ما حدث هو تأثر وتطوير واستثمار لقدرات وملكات ونقاط قوة كانت موجودة وكامنة لديهم، وليس تغييرًا في السلوك كما يدعي المدربون والأخصائيون في مجالات الموارد البشرية وعلم النفس والتعليم. اسألوا خبراء التغيير والإبداع والجودة والقيادة أنفسهم: ماذا غيرتم في أنفسكم؟ والإجابة دائمًا لا شيء، أو لنقل: أقل من القليل. فلا يستطيع أحد أن يدعي أنه غيّر أو تغير. لكن هذا لا يعني أن التغيير مستحيل. التغيير ممكن في النفس البشرية الداخلية تفسيرًا لقوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم." وهذا دليل على أن التغيير صعب، ولكنه ممكن. فقد أثبت العلم من خلال تصوير المخ أن أي تغيير في السلوك يلزمه أو يزامنه تغيير داخلي في خلايا المخ. وتغيير المخ يحدث كل لحظة عبر عمليات النمو والنضج والتطور، ولكنه مكلف ماديًا ونفسيًا، ويمكن أن يتحقق بالصدمات المفاجئة، والإفادة الراجعة المتواصلة، والاستبصار والفهم العميق المفاجئ، والنظر للأمور من زوايا متبدلة ومعاكسة. ولذا، فإن ما نستثمره في التدريب والتعليم والإعلام لتغيير السلوكيات والاتجاهات، يحدث تغييرات طفيفة، ولكن تكاليفه مخيفة. لقد طورت ما أطلقت عليه حتى الآن (سلم التغيير المتدرج)، وهو سلم تصاعدي لصعوبات التغيير يشبه هرم "ماسلو" ويشبه قوس قزح في تدرجه وتركيز ألوانه. ووفقًا لمعطيات السلم فإن التغيير يتدرج لدى كل الناس في صعوبته نزولاً من الأسهل إلى الأصعب. فتغيير المعارف والمعلومات سهل، يليه إمكانية تحسين المهارات، يتبعه في الصعوبة تبديل العادات، ثم استبدال وإحلال القيم، حتى نصل إلى المواهب التي يمكن تطويرها دون تغييرها، أما الدوافع الذاتية والداخلية فتغييرها شبه مستحيل، ولا يتم إلا داخل المخ، ويحتاج لأوقات طويلة واستثمارات علمية ومالية وبشرية هائلة. مع اكتشاف منهجية التمتين أدركت أننا لسنا بحاجة إلى تغيير كبير. وفي بعض الشخصيات وفي كثير من الحالات لا نحتاج أن نغير أحدًا. والسبب أن كلاً منا ميسر لما خلق له. ولأن قيمة كل امرئ ما يحسنه. كما أن لكل منا بصمة ذكائه الخاصة مثل بصمة يديه وبصمة عينيه. والسؤال هنا: لماذا نغير ما خلقه الله مختلفًا؟ لقد خلقنا الله مختلفين. والتغيير من خلال التعليم والتدريب المتشابه يخلق التماثل والتشابه. وهذا ما ينتج طلابًا وموظفين ومديرين ضعفاء وعاديين ومتشابهين. المطلوب هو أن نحافظ على الاختلاف والتنوع والتفرد والتجدد والتعدد من خلال تمتين نقاط القوة المختلفة في كل منا، بدلاً من العزف على أوتار التشابه الضعيفة. ما أراه طبقًا لنظرية التمتين الجديدة، هو أن الاختلاف أغنى وأثرى وأعلى وأعمق من التشابه. ولهذا قلت: "لماذا نبحث عن المفقود ونترك الموجود؟" فما دام لكل منا سمته وبصمته وقوته، فلماذا نعيد خلق الذي قد كاد يكتمل؟ هذا فضلاً عن أن التغيير والتطوير والتدريب والتجريب لم ولن يحقق النتائج المرجوة مقارنة بالتكاليف
-
الاقتصاد يخرج من غرفة الإنعاش.. دون أن يشفى تمامًا
موضوع تمت اضافته ranasamaha في منتدى الحوار العام
الاقتصاد يخرج من غرفة الإنعاش.. دون أن يشفى تمامًا هناك مؤشرات تفيد بأن الاقتصاد قد خرج من غرفة الإنعاش، لكنه لم يشف من أمراضه المزمنة، وربما لن يشفى أبدًا. فعلماء الاقتصاد يشبهون خبراء الأرصاد الجوية الذين يقرؤون المؤشرات ويحولونها إلى توقعات دون أن يغيروا المناخ. ومع أن علم الاقتصاد ليس مجرد نظريات، والأسواق الحرة ليست مجرد بورصات وأسهم ومضاربات، فقد بقي الاقتصاد يعيش في أبراج المعادلات الرياضية والإحصائيات، في حين ظلت المشكلات تتوالى على الأرض دون حلول واقعية. اكتشفنا بعد عامين من أزمة الاقتصاد أنه مصاب بعدوى الشركات الكبرى التي صنعته ووسعته، وأن مشكلاته إدارية وليست مالية. فقد عمدت الشركات إلى الاحتكار بدلاً من الاستثمار ودأبت على دفع الملايين وأحيانًا المليارات لمستشارين يسيطرون على "وول ستريت" ليبقوا أسهمها مرتفعة، مما يؤكد عجزها عن إضافة قيمة وتحقيق عائد مجز لاستثماراتها. ينطبق ذلك على البنوك وشركات السيارات ورأس المال المخاطر والعقارات. لقد استنفدت هذه الشركات قدراتها الابتكارية وأصيبت بالإعياء، فعمدت إلى "التعهدية" والإنتاج في الأسواق الناشئة لتوفر المليارات من تكاليف التشغيل، لكنها فقدت السيطرة على أسواقها وفقدت طاقاتها الإبداعية، فصارت تنتج وتسوق خارج مناطقها وخارج صناعاتها. أظهرت دراسة مهمة أجرتها مؤسسة "جالوب" أن 55% من الموظفين في الشركات العابرة للحدود غير منتمين وغير مندمجين في وظائفهم، وأن 16% منهم منبتين تمامًا ولا يأبهون لمصير ومستقبل شركاتهم. وحين عمدت هذه الشركات إلى دفع الملايين كمرتبات ومكافآت لكبار مديريها فإنها لم تجن سوى الفشل. فقد كانت تدفع الملايين لتحصل على مديرين أنانيين وحريصين على مكافآتهم أكثر من نتائجهم. ولكي تحتفظ بهؤلاء المديرين السيئين كانت تعيد هيكلة نفسها وتقلص أحجامها وتتخلص من العاملين المنتجين مبقية على الانتهازيين الذين يضعفون أداءها ويدمرون أصولها. أدركنا هذا عندما تبين أن الدول التي بقي اقتصادها متماسكًا مثل ألمانيا والصين والهند والبرازيل، لم تبالغ في رشوة مديري شركاتها، واهتمت بالمشروعات المتوسطة والصغيرة، فحافظت على إنتاجيتها ولم تخضع للشركات العملاقة التي اكتشفت أمراضها متأخرة ولم تتحرك لتواجه المتغيرات الاقتصادية المتسارعة من حولها. خدعت الشركات الكبرى نفسها وكانت تظن أنها تتجمل؛ فقد صرفت المليارات على تجميل صورتها الذهنية لتبدو كأنها تقدم حلولاً لمشكلات الإنسانية. لكنها - وكما يقول كتاب "ازدهار بلا نمو" - كانت تبيع الوهم وتغري الناس ليشتروا سلعًا لا يحتاجونها، بأموال لا يملكونها ليتركوا انطباعات زائفة في أناس لا يعرفونهم. أي أنها خلقت طلبًا زائفًا في أسواق مصطنعة. إخراج الاقتصاد العالمي من أزمته وإدخاله مرحلة النقاهة يحتاج ما هو أكثر من التشريعات المالية وتغيير السياسات النقدية؛ يحتاج إلى قيادات وحاكمية جديدة ذات أخلاق ومواطنة اقتصادية صالحة، وهذا تعبير جديد يعني أن الولاء يجب أن يكون للمؤسسات أيضًا وليس للأوطان فقط؛ لأن الأوطان القوية لا تنهض إلا على أكتاف المؤسسات القوية. نسيم الصمادي -
بقرة "تويوتا" وذيلها الطويل؟ إذا وقعت بقرتك في حفرة وعجزت عن إخراجها، فقد تضطر إلى إحضار مقاول أو خبير ليساعدك في إنقاذها. ومن المؤكد أن 80% من الخبراء يستخدمون منهجية موحدة ومعروفة وشائعة في عمليات الإنقاذ وإدارة الأزمات تتكون من الخطوات الثلاث التالية: أولاً: أخرِج البقرة من الحفرة بأقل قدر ممكن من الخسائر؛ ثانيًا: اعرف كيف وقعت البقرة في الحفرة؛ ثالثًا: امنع سقوط المزيد من البقر في المزيد من الحفر. للوهلة الأولى تبدو الخطوات السابقة منطقية وكافية، لكنها ليست كذلك. فمسألة سقوط البقر في الحفر أكثر تعقيدًا مما نظن. فالبقر ليس متشابهًا، وكذلك الحفر. وحتى إن تشابه البقر وتساوت الحفر، فهناك خطوات أخرى يجب إضافتها إلى منظومة الإنقاذ وعمليات الجودة والتحسين المستمر، لتصبح المنهجية كما يلي: أولاً: اكتشف سقوط البقرة في الحفرة فورًا؛ ثانيًا: أخرِج البقرة من الحفرة بسرعة؛ ثالثًا: اعرف كيف ولماذا وقعت البقرة في الحفرة، فربما ألقت بنفسها نكاية بك؛ رابعًا: امنع سقوط المزيد من البقر في المزيد من الحفر؛ خامسًا: تأكد من خلو الأماكن والأسواق والطرق من الحفر؛ سادسًا: تأكد أن لكل بقرة من بقراتك ملامح واضحة، وذيلاً طويلاً وقويًا. لقد سقطت بقرة "تويوتا" الضخمة في أكبر حفرة صناعية في العالم. ولن يكون إخراجها سهلاً كما يتمنى شركاؤها وموردوها وعملاؤها وإدارتها أيضًا؛ وهذه بعض الأسباب: ألمانيا تصنع أجود سيارة، وإيطاليا تصنع أسرع سيارة، وأمريكا تصنع أوسع سيارة، والسويد تصنع آمن سيارة، والصين والهند تصنعان أرخص سيارة؛ فما الذي تصنعه اليابان؟ اليابان – بقيادة "تويوتا" – تصنع أكبر عدد من السيارات العادية والهجينة! لكن السيارات الهجينة وعلى رأسها السيارة الجميلة "بريوس" أصيبت بنكسة الأعطال والعيوب التي أوجبت استدعاءها من الأسواق وإعادة تأهيلها. سقطت "تويوتا" في حفر عميقة فصار انتشالها صعبًا: فهي ثقيلة وضخمة باعتبارها أكبر شركة سيارات في العالم، وحركتها بطيئة وملامحها غير واضحة، وذيلها أطول من اللازم حتى كاد أن يلتف حول رقبتها. في عام 2000، أي قبل عقد من الزمن، أنتجت 5 ملايين سيارة، وفي العام الماضي أنتجت 9 ملايين. وخلال العقد الماضي أسست 17 مصنعًا جديدًا في آسيا وأوروبا واستراليا وأمريكا، وأصيبت بالغرور لأنها صارت الشركة الأولى وصار هدفها أن تصبح الأكبر لا الأفضل. بعدما أصيبت "تويوتا" بالغرور لم تعد تسمع الشكاوى الخافتة، ولم تعد ترى إشارات الخطر الضعيفة. فيجب أن تكون المشكلة كبيرة وضخمة بحجم "تويوتا" لكي تعترف بوجودها، وهذه واحدة فقط من مشكلات الضخامة والحجم. مشكلة سرعة النمو هي المشكلة التي ورطت أمريكا في ويلات غرورها، وهي سبب سقوط شركات "إنرون" و "وورلد كوم" و "إيه آي جي" والبنوك الأمريكية والسويسرية والعالمية العملاقة، وهي سبب تراجع اليابان، وسقوط "هتلر"، وغياب أمجاد الرومان واليونان. الحجم والسرعة يؤديان إلى التعقيد؛ والتعقيد يجبرنا على وضع معايير ورسم عمليات، ثم يسوقنا إلى التقنين والتنميط. فعندما برزت مشكلة بدالات التسارع في سيارات "تويوتا" مثلاً، تبين أن الشركة استخدمت نفس الطراز في ثمانية أنواع من السيارات. فالتنميط أدى إلى تخفيض التكاليف وزيادة الأرباح، ولكن عندما وقعت الكارثة، وسقطت "البقرة في الحفرة" كان لا بد من سحب كل السيارات من الأسواق. لقد سقطت إدارة "تويوتا" في حب نفسها؛ وصارت مغرمة بتطبيق نظريات "كايزن" وبالتحسين المستمر وحلقات الجودة، وخطوط الإنتاج والتصنيع النمطية والخطية السريعة، واعتقدت أنها كافية لاستمرار دوران العجلة. فلم يعد مهندسو الخطوط الأمامية، والتصميم والإنتاج يجرؤون على نقل الأخبار السيئة للسيد "تويودا الابن" الرئيس الحالي للشركة خوفًا من غضبه، وحتى لا يتم خدش حياء النظام العالمي المثالي؛ دون الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يوجد نظام إدارة مثالي وخالي تمامًا من الثقوب والعيوب. لا أحد يعرف متى ستخرج بقرة "تويوتا" من الحفرة، ولكن ما نعرفه جميعًا الآن هو أنه لا يكفي عندما تتخصص في صناعة السيارات، أن تعرف كيف تصنع أفضل المحركات، وكيف تجعل العجلات تدور بأعلى السرعات؛ يجب أن تعرف أيضًا كيف تصنع أفضل "البريكات" والكوابح، وأفضل نظم الإنذار المبكر. عندما تصنع أنعم وأجمل سيارة في العالم، يجب أن تمهد كل الطرق وتزيل كل الحفر والمطبات من طريقها. نسيم الصمادي
-
"بيتر بافيت" يخرج من جلباب أبيه نعم للتميز، لا للامتيازات عندما نسمع اسم "بافيت" يتبادر إلى أذهاننا النجاح والشهرة والثروة وشركة "يوركشاير هاثاوي" الاستثمارية العملاقة. هذه كلها إنجازات "وارين بافيت" الذي يحتل المرتبة الثالثة بين أغنياء العالم. وعندما نسمع اسم "بيتر بافيت" الابن سنتخيل شابًا يسكن أرقى القصور، ويقود أحدث الطائرات، ويسهر مع أجمل الفاتنات، ويغرق في الترف والملذات، لأنه وريث عائلة "بافيت" ومؤسساتها التي ناهز مؤسسها الثمانين من العمر. لكن الأمر ليس كذلك. إذ يرى الأب وابنه والمراقبون أن الثروة الحقيقية التي تركها بافيت العجوز لابنه ليست المليارات وأسهم الشركات وأرقى الشهادات، على الرغم من أن "بيتر" قد تخرج في جامعة "ستانفورد" العريقة. وهو يرى أن أعظم ما ورثه عن أبيه هو قيم الخير والجمال والعطاء والعمل والتقشف والتفكير المستقل والإصرار على عدم التمتع بأية امتيازات عائلية أو مالية أو اجتماعية أو شخصية لم يحققها بنفسه. في كتابه الجديد يقول "بيتر" إن أعظم درس تعلمه من والده هو أن أي والدين يتمتعان بشيء من الحكمة سيعلمان أبناءهما كيف يتمسكون بالقيم، دون أن يوفروا لهم كل ما يريدون. صدر كتاب "بافيت" الابن بعنوان: "الحياة هي ما تنجزه أنت: كيف تشق طريقك بنفسك وتحقق ذاتك"، وفيه يصف كيف عاش حياة طبيعية، وأنه لم يحرم إلا من الدلال والامتيازات التي كانت كفيلة بتدمير شخصيته وتحويله من عائل إلى عالة. يقول "بافيت" المؤلف: "من يولدون وفي أفواههم ملاعق من فضة، قد يولدون أيضًا وفي ظهورهم خناجر من ذهب. هؤلاء يبدون للآخرين أقوياء وأثرياء وسعداء وأذكياء، مع أنهم في الواقع ضعفاء وأشقياء وأغبياء. فالذين لا يصنعون مجدهم يعيشون حياة غير حياتهم، لأن الذين يحصلون على الامتيازات والمنح – حتى وإن كانت مشروعة – يفقدون احترامهم لذواتهم. فكونك الوريث الشرعي لأحد الأثرياء، أو الابن الأكبر لأحد الرؤساء، قد يخدعك فتأخذ ما تريد، دون أن تعمل أو تجيد أو تعطي أو تفيد." بعد تخرج "بيتر" رفض دخول عالم المال. وعاش في ستوديو في كاليفورنيا يتسع بالكاد لآلاته الموسيقية، ولذلك عمل لدى إحدى المحطات التلفزيونية. وعندما استعان به أبوه، تطوع للعمل في مؤسساته الخيرية ولصالح جمعيات حماية البيئة. وكان يتجول مع فرقة موسيقية ويعزف البيانو ويلقي المحاضرات محذرًا من ثقافة الاستهلاك التي تدمر البيئة والقيم ولا تضيف قيمة. يؤكد "بيتر بافيت" مثل والده أن الرخاء والمتع والأموال إلى زوال، أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. فالقيم هي العملة الوحيدة التي تزيد ولا تنقص كلما استثمرناها وتعلمناها وعلمناها للآخرين. نسيم الصمادي
-
اخلع نظارتك لترى العالم بوضوح ربما تكون هذه نظرة جديدة في القيادة الاستراتيجية والاقتصاد الكلي وإدارة المستقبل، وهي نظرة طبيعية وتلقائية وسهلة لأنها منبثقة من ضرورة خلع النظارات المكبرة التي نحاول أن نرى العالم من خلالها لكي ندرك الخطير ونرى البعيد ونفهم الغامض. اليابان التي بهرت العالم بآلاتها الدقيقة لم تتنبأ بزلزال الـ8.9 درجات ولم تستعد له، وقبل الزلزال وتوابعه من تسونامي وتسرب إشعاعي فوجئت مراكز التنبؤ والاستخبارات بثورات تونس ومصر واليمن وليبيا، وظن الجميع أن نتائجها ستكون متشابهة ومحسومة لأن ما حدث في دولة يتكرر بنسخ كربوني دقيق لا شك فيه. وقبل الزلازل الجيولوجية والسياسية، كانت هناك براكين طبيعية، وانهيارات اقتصادية فاجأت العالم، بل إن بعضها فاجأ أصحابه وذويه، وكل من يعنيه الأمر ومن لا يعنيه، فقد كنا نرى أن فوز رئيس أمريكي من أصل أفريقي ضرب من المستحيل، وأن انضمام اليونان إلى الاتحاد الأوروبي وحرمان تركيا من هذا الشرف غير الرفيع هو في مصلحة الأولى وضد مصلحة الثانية. وعندما تبينا أن العكس هو الصحيح، أدركنا أن التاريخ ليس فقط لا يعيد نفسه، بل يغيِّر رأيه في اللحظة الأخيرة إذا ما أحس بأن هناك من يحاول أن يصنعه أو يتلاعب به، أو يتنبأ بأي مستقبل كان يجب أن يخضع لآليات الأسواق أو يفسره من خلال أحد نماذج الاقتصاد الرياضي. يرى "دانييل بوروس" في كتابه "النظرة الثاقبة" أن قراءة اتجاهات المستقبل ورؤية الفرص الكامنة فيه هي مهارة يمكن التدرب عليها وإتقانها، لكن مهارة التنبؤ بتداعيات المستقبل ليست مستحيلة فقط، بل هي غير ضرورية. مكمن التناقض في نظرية "بوروس" هو الشروط التي وضعها لتفعيل خطوات قراءة المستقبل وأولها أن نعرف أين ننظر، وكيف ننظر، فلو كشفت مؤشرات الخطر عن نفسها، ولو أعربت حالات الغموض عن تداعياتها لهان الأمر، وأصبحت إدارة المستقبل عملية آلية، لكن ذلك ليس كذلك. على مستوى القطاع العام هناك من يرى أن جزيرة كانت صغيرة ودولة كانت فقيرة مثل "سنغافورة" استطاعت تحقيق أعلى مستوى دخل في العالم بفعل آليات التنبؤ والتخطيط. وعلى مستوى القطاع الخاص هناك من ينظر إلى عودة شركة "أبل" من حافة الإفلاس لتصبح أكبر شركة غير بترولية تملك أصولاً في العالم كنموذج للتخطيط التنبؤي، وهذه أيضًا قراءة خاطئة لحركة الأسواق وآليات النمو. ارتبطت عودة "أبل" إلى القمة بعودة "ستيف جوبز" إلى القيادة، وقامت التجربة السنغافورية على الفعل لا على التنبؤ. ومن الواضح لمن يترك الواقع يتحدث عن نفسه ولا ينظر إليه بنظارة سوداء أو بيضاء، أن التجربتين متشابهتان لأنهما توظفان نموذج النمو الطبيعي والحيوي للإنسان والأسواق، فما عليك إلا أن تضع الشخص المناسب في المكان المناسب وتترك الحركة تدور والحياة تحدث. يرى أشياع مدرسة اقتصاد السوق أن على الحكومات أن تتنحى جانبًا وتترك الأسواق والشفافية واليد الخفية تلعب دورها. ويرى أشياع المدرسة السلوكية أن على الحكومات أن تحشر أنفها في الأسواق من حين إلى آخر لتعيد الأمور إلى نصابها، وتمنع سلوك القطيع المريع من تخريب العالم، لكن الرأيين يحتملان الخطأ والصواب. فالأسواق لا تنحرف عن مسارها إلا إذا قادها الشخص الخطأ كما حدث في "إنرون" و"ليمان براذرز" و"تونس" و"مصر" و"اليمن" و"ليبيا". وتدخلات الإصلاح والجراحات التشريعية والمالية الحكومية لن تؤتي ثمارها ما لم يؤدها الشخص الصحيح، في التوقيت الصحيح، وللغاية الصحيحة، وهذا هو محور نظرية "التمتين" التي يغضب الكثيرون عندما أقول إنها ليست مجرد نافذة لرؤية العالم، بل هي مدخل لتغييره أيضًا. نسيم الصمـادي
-
اقتصاد عملاق يستثمر في الثقافة وأسلوب الحياة الفكرة الأساسية لـ "فيسبوك" هي الاستثمار في/حول التواصل والعلاقات الاجتماعية؛ إنشاء ساحة حرة مجانية للأصدقاء والأقارب للتواصل معهم أو الدردشة. ونشأت حول هذه الساحة سوق عظيمة للإعلان والترويج والتخطيط التجاري والبيع والشراء والتسلية، كما تنشأ حول الحدائق العامة والمتنزهات نشاطات تجارية، مثل النقل والطعام والخدمات السياحية. والفضائيات التي تعمل على مدار الساعة، هي استثمار قائم على/حول الوقت الإنساني والتجارب المعيشية، فهي تتوقع أن رغبة الناس في السهر والمتابعة المتواصلة تنشئ سوقًا إعلانية وتجارية. إنها في الحقيقة استثمار في عملية جلوسنا للسهر الطويل، فتملأ، برأي "جيرمي ريفكن"، كل دقيقة نستطيع توفيرها من وقتنا بأحد أنواع الارتباط التجاري، ما يجعل الوقت ذاته أكثر الموارد ندرة. ويمكن هنا ملاحظة المجالات والتقنيات والأسواق التي تعمل 24 ساعة في اليوم: البريد الصوتي، والهواتف المحمولة، والأسواق التجارية، وقنوات البث التليفزيوني، والخدمات المصرفية الآلية، وخدمات الطعام. ومن مفاجآت التحولات التي تجري في السوق والمجتمعات أن شركات ومؤسسات استثمارية حققت عوائد ومبيعات كبيرة لمنتجات في مجال الحريات ومناهضة العولمة ومناهضة العنصرية، أي تحويل المقاومة والنضال إلى سلعة استهلاكية. وقد اشتهر "تي شيرت" نسائي وحقق مبيعات هائلة تحت شعار "هازمة الزوجات". وعودة إلى "فيسبوك"، تلك السوق/الساحة التي تقدم أكثر من 50 ألف تطبيق، والتي تنمو بمعدل كبير. فقد تشكلت شركات بكاملها بناء على تطوير تطبيقات الـ "فيسبوك". فشركات مثل "جرار زينجا"، وهي شركة ألعاب اجتماعية، تنتج الألعاب لصالح الشبكات الاجتماعية الأخرى، وشركة "ماي سبيس" تلقت تمويلاً بقيمة 219 مليون دولار، وتبلغ قيمتها اليوم 1.5 مليار دولار. ويمكن ملاحظة مجموعة كبيرة من الأعمال والخدمات التجارية النشطة والعملاقة حول "فيسبوك"، مثل الترويج والإعلان، وورش العمل والتوظيف، وتعزيز العلامة التجارية، والتسويق لمناسبة أو حدث أو محاضرة أو مهرجان أو تنزيلات، وحملة الخدمة الاجتماعية. ويساعد "فيسبوك" الشركات والأعمال على تطوير استراتيجية التسويق بالتفاعل مع الجمهور، وملاحظة رغباتهم واتجاهاتهم وسياسات واستراتيجيات المنافسين، وبناء شبكة علاقات مع الزبائن والجمهور. وتساعد المعلومات التي يقدمها "فيسبوك" عن الجمهور في التخطيط وتحليل البيانات والاتجاهات وبناء التوقعات والاستراتيجيات للعمل والتسويق. وهي أخيرًا مثل "مول" عملاق يساعد على بناء حضور تجاري واقتصادي، وتعزيز علامة تجارية.
-
مكافحة الفساد بالمرايا دعيت للمشاركة في برنامج تلفزيوني بمناسبة يوم مكافحة الفساد، إلا أن البرنامج ألغي قبل موعد البث بيومين. والحقيقة أن الدعوة فاجأتني أكثر من الإلغاء، حيث من الصعب على أي جهاز إداري أو إعلامي فاسد أن يكافح الفساد. يقول "ألفرد أدلر": "الدعوة للفضيلة والدفاع عنها، أسهل بكثير من الالتزام بها. فلو كانت شركة "إنرون" التزمت باثنتين فقط من القيم الأربع التي أعلنتها وهي: الاحترام والنزاهة والشفافية والتميز لما أفلست." من التقاليد الدستورية أن الشخصيات العامة من وزراء تنفيذيين وبرلمانيين مشرعين وقضاة محققين وقادة سياسيين يؤدون القسم وهم يضعون أيديهم على القرآن الكريم فيقولون مثلاً: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ على الدستور وأن أخدم الأمة وأن أقوم بواجبي خير قيام." هذا القسم يعني أن من يؤديه يخاف (من) الله، ويخاف (على) الدستور، ويخاف (لـ) الشعب. لكن قلة فقط من هؤلاء يتلعثمون ويرتبكون وهم يتقلدون أعباء السلطة ويتحملون أثقال المسؤولية. وأظن أن الذين يرتبكون وهم يقسمون، هم من يدركون معنى ما ينطقون. وربما يكون هؤلاء هم الذين يعقدون العزم على أن يحولوا أيمانهم إلى التزامات أخلاقية وأن يواجهوا تحدياتهم ويتحملوا مسؤولياتهم. فما الذي يحدث لمعظم القياديين والسياسيين والإداريين والبرلمانيين عندما تتعاظم سلطاتهم ويتفاقم نفوذهم؟ يبدأ هؤلاء حياتهم العملية الرسمية وهم أناس أنقياء وأحيانًا أتقياء. وما هي إلا بضعة شهور أو بضع سنوات حتى تتمكن السلطة من نفوسهم، وينقلبوا من مثاليين إلى فاسدين، إذ تتحول ذات مواهبهم ونقاط قوتهم التي أوصلتهم للقمة من نعمة إلى نقمة. فالسلطة تكبر وتتضخم مثل كرة الثلج التي تتدحرج وتزيد كتلتها وتتعاظم قوتها وشهوتها ويصبح من الصعب التخلي عنها. فما أن يقدم المسؤول أول تنازل عن أول مبدأ، حتى تتوالى التنازلات، ويتحول صاحب النفوذ من إنسان مستقل ويعتمد عليه، إلى مسعور بالسلطة ويعتمد عليها، مثل المدمن الذي لا يستطيع ممارسة حياته الطبيعية إلا إذا تخلص من إدمانه؛ فمشكلته ليست النجاح أو التميز أو الوفاء، بل التخلص من كل ما يحوله من مستقل إلى معتل، ومن قائد إلى مقود، ومن مبادر إلى مقامر. وما ينطبق على الأفراد، يسري أيضًا على الشركات والمجتمعات والقارات. فقد حاربت أوروبا وأمريكا لعقود وسنوات طويلة قبل أن تعتبر تقديم شركاتها الكبرى الرشا للمسؤولين في دول العالم الثالث للحصول على الصفقات سلوكًا مخالفًا للمبادئ وخارقًا للقانون. فقد كنا نظن أن الشعوب المتقدمة هي أقل اعتمادًا على الرشوة والمحسوبية في إدارة شؤونها، ولذا فهي أقل تعرضًا للسقوط من الدول الفاشلة. لكن تجارب الفشل الأخيرة أثبتت أن آليات الحرية التجارية والديمقراطية السياسية لا تعمل بقوة الدفع الذاتي وليست درعًا واقيًا من الفساد. فهناك أيضًا خضوع واعتماد على المال كوسيلة للحفاظ على السلطة، وهو اعتماد يحول البرلمانات الديمقراطية المنتخبة من سلطات تشريعية مستقلة، إلى مجموعات ضغط منحلة ومحتلة. وهذا ما عناه "بنجامين دزرائيلي" عندما قال: "القانون لا يفيد الشرفاء لأنهم لا يحتاجونه، ولا يردع الفاسدين لأنهم لا يحترمونه"؛ أي أن القانون ناقص دائمًا - بدون الأخلاق - وهو غير مفيد في الحالتين، لأن كل عمل – حتى الفساد - يصبح نظاميًا وعاديًا إذا ما قام به مئات الأشخاص في نفس الوقت. فما هو الحل إذن؟ من السهل تقديم الوصفات والحلول من خارج دائرة السلطة، ومن الصعب الاستماع إليها وفهمها من داخل دائرة الفساد المظلمة! ومع ذلك فإن عقد ورش عمل لتدريب وتذكير المسؤولين بالفرق بين: "كيف" نؤدي القسم، وبين "لماذا" نؤدي القسم يمكن أن يعيد لذوي النفوذ السياسي والاقتصادي والتشريعي والإعلامي شيئًا من وعيهم المفقود. فقد يدفعهم هذا الوعي، أو على الأقل يحفز بعضهم إلى التساؤل: - لماذا وكيف يمكنني توجيه سلطتي لفعل الخير؟ - لماذا وكيف أجنب سلطتي مسالك الشر؟ - لماذا وكيف أحافظ على تواضعي ومواهبي وطاقتي الإيجابية؟ - وأخيرًا، لماذا وكيف سأنظر كل صباح في المرآة وأسأل الشخص الذي أراه: هل ما زلت أحترمك؟ فهل حقًا يجب تذكير كل من يؤدي القسم بمعناه ومغزاه؛ وبأنه يجب أن يخاف من الله وعلى الدستور وللأمة؟! الإجابة هي: نعم.. نعم.. نعم. معظم من يقسمون يفعلون ذلك بطريقة آلية، مركزين على البعد التقني والميكانيكي في أداء القسم، وهو بعد سطحي وقصير المدى، وغير مدركين للبعد القيمي والأخلاقي والمستقبلي، وهو بعد عميق وصعب المنال لأنه بعيد المدى. وكجزء من التدريب اليومي والمستمر يمكن تثبيت المرايا أمام كرسي المكتب الفاخر وخلف كرسي السيارة الفاخرة. ولتوفير النفقات يمكن استيراد مرايا رخيصة من الصين، لأن المواصفة الوحيدة المطلوبة فيها هي عبارة: "هل ما زلت أحترمك؟". نسيـــــم الصمــــادي
-
عندما لا تعطي الناس صوتًا ولا تمنحهم قوة، فإن النظام يتجه إلى المكان الخطأ يبدو أن "مارك زاكربيرج" "مش واخد باله". فعندما اختارته مجلة "تايم" الأمريكية شخصية عام 2010 صرح قائلاً: "عندما تعطي كل شخص صوتًا وتمنح الناس قوة، فإن النظام يتجه إلى المكان الصحيح؛ وهذا ما نقوم به". فلو أنه اكتفى بالنصف الأول من المقولة وحذف الكلمات الأربع الأخيرة لكان أبدع واحدة من أعظم مقولات التاريخ. لكنه تناقض مع نفسه حين تحالف مع الحكومة الأمريكية ضد "ويكيليكس". هناك حرب عالمية باردة تدور بين أمريكا و"جوليان أسانج"، وهي حرب بين القوة الخشنة والحق الناعم. هناك حربان عالميتان ساخنتان وحرب باردة واحدة دارت بين أمريكا والاتحاد السوفييتي وانتهت بتفكك الأخير. وترى شبكة "سي إن إن" الإخبارية أن حرب "ويكيليكس" مع ساسة العالم هي أول حرب تنشب بين التكنولوجيا والسياسة. لكن هذا ليس صحيحًا. فهناك قوى تكنولوجية كثيرة تقف مع الغرب إلى جانب آلة الإعلام الأمريكية لصد هجمات "جوليان". الحقيقة أنها حرب باردة ثانية، ربما تسيل فيها دماء ناتجة عن الاغتيالات، لكنها لن تسخن الجليد الذي تغطي عباءته نصف الكرة الشمالي الذي سخنته تسريبات "ويكي" التي قالت للعالم: "شبيكوا.. لبيكوا.. كل أسرار العالم بين إيديكو". وهي حرب لن تنتصر فيها الدول التي تتسرب معلوماتها تباعًا، لأن أسلحة "الويكي" ناعمة وخفية وخفيفة، فهي حرب عصابات افتراضية. المعلومات التي يتم تسريبها تهم كل العالم وهي مخبوءة في كل بقاع الأرض. فإذا ما دُمِر سيرفر أو موقع في الشمال، ظهر لهم جني "ويكي" في الجنوب. لكن لهذه الحرب دلالات وتداعيات بعيدة سيطال شرارها كل مجريات حياتنا المعاصرة. هدد "جوليان" الأسترالي الوسيم صاحب قضية الحرية والشفافية الدولية بنشر أسرار خطيرة إذا ما تم اغتياله. والمشكلة هي أن جهات كثيرة قد تعمد إلى اغتياله انتقامًا من أمريكا التي ستتحمل وزر تصفيته، أو انتقامًا منه شخصيًا لاكتساحه منصات الإعلام العالمي وسحبه كل البسط من تحت كل أقدام ماكينات الإعلام الجبارة. أعلن "جوليان" أن ذخيرته من الأسرار لن تنضب، إذ بدأ موظفو الحكومة والشركات الناقمون على إداراتهم بتسريب الملفات المتخمة بالفساد إلى سيرفرات "ويكيليكس" بكل الطرق الممكنة، وهذا يعني أن الفضائح الاقتصادية والإدارية القادمة ستصيب الاقتصاد العالمي في مقتلين: * بداية ستتعرض أسهم الشركات إلى المزيد من الهبوط عندما تفتح ملفات فساد رؤسائها مما يصب مزيدًا من النار على الأزمات المشتعلة. ومن المؤكد أنه سيتم فتح ملفات فساد ورشاوى كثيرة، وهي إن فتحت لن تغلق أبدًا. * وثانيًا، بدأت الإدارة الأمريكية – وستحذو كل الدول حذوها – تفرض رقابة مشددة على موظفيها وتمنعهم من الدخول إلى قواعد بياناتها، وتراقب تصرفات كل من تشك في أمره. ستكون هذه الرقابة الصارمة آخر مسمار يدق في نعش الوكالات والمؤسسات التي تعاني من ترهل ومن ثقافة إدارية متهالكة؛ لأن سد قنوات الاتصال أمام المديرين والموظفين الذين سيتم تصنيفهم بأنهم ليسوا أهلاً للثقة سيؤدي إلى إبطاء عمليات اتخاذ القرار، وسيتم إعدام ما كان يسمى بالشفافية، وتعود الشركات لتدفن سياسات التمكين والمشاركة والاتصال والفعالية والابتكار وسرعة اتخاذ القرار في رمال وأوحال البيروقراطية الخائنة والخائفة. إنها كارثة صنعتها القيادة اللا أخلاقية، وفضحتها التكنولوجيا العصرية التي تم تطويرها بتمويل من الإدارة الأمريكية. وهكذا ارتدت سيوف التقدم إلى نحر التقدمية والرأسمالية وثبت أن الاقتصاد ما زال سياسة، وأن السياسة ما تزال تحاول إصلاح أخطائها بمزيد من الأخطاء. فأمريكا التي هزمت الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة تهزم نفسها بأسلحتها، وهذه مفارقة تاريخية أخرى. إذا كانت لشركتك أسرار، وإذا كان في ملفاتك بعض بقع الفساد، فراقب موظفيك الغاضبين. هؤلاء يعتبرون "جوليان" صديقهم في السراء والضراء، وقد يرسلون له ملفاتك السوداء والبيضاء. انس الشفافية والثقافة الديمقراطية وأحط نفسك بكل قلاع وأسوار الحماية الممكنة، فربما تنجو من عاصفة "أسانج". وتصحيحًا لمقولة "مارك زاكربيرج" أقول: "عندما لا تعطي كل شخص صوتًا ولا تمنح الناس قوة، فإن النظام يتجه دائمًا إلى المكان الخطأ، ولا يعود إلى مكانه الصحيح أبدًا. وهذا ما نقوم به جميعًا". نسيم الصمادي
-
"أنا أرى أنت" هذه هي الترجمة الحرفية لأهم ثلاث كلمات ذُكرت في فيلم "أفاتار" ونصها “I See You”، ولم أشأ أن أترجمها إلى: "أنا أراك"، وأحوِّل الطرف "الآخر" إلى مجرد ضمير متصل، فهو ليس مجرد جزء من كلمة، بل هو جزء من كل؛ جزء من عالم شامل ومتكامل ومتفاعل. فيلم "أفاتار" أو "القرين" الذي اخترع لغة جديدة وحطم كل الأرقام القياسية، يصف عالمًا جديدًا، ليس خياليًا ولا واقعيًا، وليس مسالمًا ولا عدوانيًا، وليس بشعًا ولا مثاليًا، بل هو مزيج من هذا وذاك؛ تمامًا كالعالم الذي نعيش فيه. من وجهة نظرٍ شخصية فإن عبارة "أنا أرى أنت" تمثل أهم جملة ذُكرت في كل سيناريوهات السينما العالمية على مدى تاريخها. وأرى أيضًا أن "جيمس كاميرون" كاتب ومخرج الفيلم يستحق عليها جائزة "نوبل" للسلام، وليس جائزة الأوسكار للسينما! فعندما التقى الضدان المختلفان، وهما الإنسان المتحول الذي يرى الحقيقة مجسدة فيه وحده، وذلك الكائن الأزرق الغريب الذي يشبه الهنود الحمر أو "الهنود الزرق"، ذلك الإنسان البدائي بملامح القط المتحضر، كانت التحية المتبادلة بينهما هي: "أنا أرى أنت". "السلام عليكم" هي تحيتنا للعالم، والتي عندما نحيي بها "الآخر" فإننا نرسل له رسالة ضمنية تقول: "أنت في سلام" أي أنت في أمان. ولقد قال تعالى في كتابه الكريم: "وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا." وهذا تمامًا ما قصده "النافيون" أو سكانكوكب "باندورا" عندما جعلوا تحيتهم: "أنا أرى أنت". تحيي كل شعوب العالم بعضها بهذه العبارة الإنسانية العظيمة، مع اختلاف اللغات وعدد وإيقاع الكلمات. وهي عبارة قوامها الاعتراف بوجود الآخر. فـ"أنا أرى أنت" تعني: أنا أعترف بك وبعالمك وبوجودك، لأن لك كيانًا ماديًا ومعنويًا، وهالة تحيط بك، وأنا أحترم روحك التي نفخها فيك الله. فلأننا مخلوقان من قِبل إله واحد، فليس لواحد منا فضل على الآخر إلا بالقدر الذي يعترف به بوجود الآخر. وعندما يقول الهنود: "نوماسكار" أو "نوماست" بلغتهم الهندوسية فإنهم يقصدون نفس المعنى، ويترجمون نفس العبارة. تحمل التحية بكل لغات العالم تحمل نفس الروح ونفس الحب ونفس الإيقاع، ولهذا السبب جاء عالم "باندورا" الخيالي موازيًا لعالمنا الإنساني أو البشري. ومثلما تصل بيننا الأرحام أو الطرق أو الهواتف أو الطائرات أو شبكات المعلومات، ففي "باندورا" أيضًا نجد العوالم كلها متصلة. حتى النباتات وطيور الرخ الخرافية والأشجار العملاقة و"النافيون" - ترجمة كلمة Na’vi باندورا أو Native مواطن - كلهم متشابكون ومتكاملون. وعندما يقطع أحدهم شجرة، فإنه يغتال الطبيعة فيقال له: "لقد قتلت أمك". وعندما يحاول أحدهم سلب كنزك أو معادنك الثمينة من أرضك، فإنه بذلك يسلب روحك. وعندما يعبر "الآخر" عن احترامه لك، ويعترف بوجودك كشيء أو كنبات أو كحيوان أو كإنسان، فإنه يقول لك: "أنا أرى أنت"، لأن نفس الروح التي نُفخت فيه، نُفخت فيك أنت أيضًا، فأنتما شيء واحد، وكلنا في الحياة وللحياة سواء. تبدو رسالة "أفاتار" للوهلة الأولى تقليدية، وكأنها تشبه رسائل الأفلام الأخرى، فتعكس نفس الصراع الأبدي والأزلي بين الخير والشر. لكن رسالة "جيمس كاميرون" في هذا الفيلم الأزرق ثلاثي الأبعاد، تلخص جملة صراعات، لا صراعًا واحدًا. فهي تجسد الصراع بين الطبيعة والآلة، وبين الفطرة والصنعة، وبين الحرب والسلام، وبين الدمار والازدهار، وبين الانفصال والاتصال، وبين "أنا أرى أنت" وبين "أنا أرى أنا". عندما يتم الربط بيننا كمخلوقات، وليس كبشر فقط، فإن كل فرد منا يستطيع رؤية الآخر واستقبال المعلومات منه، وسماعه، وقراءة أفكاره، والإحساس بآلامه، والتفاعل مع آماله، وفهم: "أنا أرى أنت"، سواء كنا "نافيين" من كوكب "باندورا" أو آدميين من كوكب الأرض. كواكبنا أيضًا متصلة، وهذا التواصل والتشابك والتداخل الذي يوحدنا، يمد جذور التعاطف والتراحم والتفاهم وينير ومضات التواد والحب والسلام بين كل الكائنات، لا بين بني البشر فحسب. فلو كان الإنسان مميزًا حقًا، لكان سبَّاقًا إلى الحب لا إلى الحرب، وإلى الحياة لا إلى الموت، ولسبق الإنسان "النافيين" وسبق الحجر والشجر والمطر والقمر، ولسبق المال والأعمال، والبترول واليورانيوم والبلاتينيوم، ولسبق النووي والحمضي والقلوي، والحلو والمر، والسماء والبحر، ولسبق الأقرب والأبعد، والأعمق والأزرق، والأصفر والأحمر والأخضر، ولقال لكل من هو "آخر": "أنا أرى أنت"
-
زهرة الخشخاش قبل أربعة أعوام قرأت كتاب "خمسة أنواع من الخلل تهدد فرق العمل" الذي لخصناه في العدد 327 من (خلاصات)، وكان من بين السلوكيات التي تضر بالقائد أن يتنصل من المسؤولية عندما يرتكب أحد مساعديه خطأ ما. ولهذا فإن خسارة مصر من سرقة لوحة "زهرة الخشخاش" للفنان العالمي "فان جوخ" تتجاوز قيمتها المادية التي قدرت جزافًا بـ 55 مليون دولار. الخسارة الأولى لمصر هي سقوط صورة الفنان "فاروق حسني" وزير الثقافة الذي حقق إنجازات متتابعة كادت توصله إلى قيادة اليونسكو. وفي تقديري أن الوزير خسر اليونسكو لأنه لم يكن شفافًا وقائدًا عظيمًا. فرغم أنه فنان تشكيلي وعاشق للآثار، وأدار مشروع بناء المتحف المصري الحديث، فلم يحافظ على واحدة من أعظم الأعمال الفنية الكلاسيكية في العالم. عندما يتخلى وزير عن وكيل وزارته فإنه يرسل رسالة ملطخة بريشة سوداء، وهي رسالة سيقرؤها معاونوه ومحبوه ومؤداها أنه لن يتحمل نتائج أعمالهم، وأن على كل منهم أن يحمي نفسه إذا ما وقعت الأزمات واحتدمت الملمات. فهو يتنصل من مسؤولياته لأنه فوض بعض صلاحياته؛ رغم أن ألف باء التفويض تقول بأن الوزير مثله مثل المدير، عليه تفويض صلاحياته دون أن يتخلى عن مسؤولياته. فهو مسؤول عن كل ما يفعله معاونوه من قمة الهرم الإداري حتى أدنى مرتبة يتقلدها موظف صغير في أبعد نقطة عن مركز وزارته. الحقيقة أن تنصل الوزير من مسؤولياته يلقي حمل المسؤولية مباشرة على رئيسه، أي على رئيس الوزراء، وإذا ما رفض الوزير المثول بشفافية أمام أجهزة المساءلة، فعلى رئيسه أن يأمره بذلك أو يبادر هو إلى تحمل المسؤولية ومساءلة نفسه. فالمؤسسات التي تتحاشى المساءلة تفقد الثقة، وترسخ المعايير المزدوجة في القيادة، وينخفض أداؤها، وتفقد معنى وجودها لأنها تتخلى عن رسالتها، فتفقد احترام المجتمع لها. تعتبر المساءلة واحدة من أصعب التحديات التي تواجه القادة. فالقائد القوي يعتبر نفسه المصدر الوحيد لوضع القواعد وتطبيقها ومحاسبة من يجرؤ على خرقها، فتكون النتيجة أن يبدأ بمحاسبة نفسه قبل أن يحاسب الآخرين، وقبل أن يحاسبه الآخرون. القادة الذين لا يهتمون بالحوكمة والمساءلة، يشتتون المسؤولية فيلزمون أنفسهم - دون غيرهم - بتحمل نتائج وتبعات أخطائهم وأخطاء مرؤوسيهم. حتى لو كانت الحسنة تخص فيأخذها الوزير لنفسه، والسيئة تعم فيوزعها على معاونيه، فإن المسؤولية تبقى مشتركة. بمعنى أن السيئة يجب أن تعم الجميع من قمة الهرم إلى قاعدته. ربما تعود "زهرة الخشخاش" إلى مكانها الطبيعي على أحد جدران متحف "محمود خليل" يومًا ما، لكن صورة الوزير الجدير بمنصبه لن تعود أبدًا ما لم يتواضع الوزير ويعترف بالتقصير. نسيم الصمادي
-
كيف تحول الاتصال إلى انفصال هناك نوعان من الاتصال بين الناس: اتصال إنساني مباشر، واتصال آلي عبر شبكات الهاتف والإنترنت. وهما يتشابهان في عدة جوانب منها: - كلا النوعين من الاتصال بحاجة إلى مرسِل ومستقبِل، فلا تكتمل دائرة الاتصال إذا غاب أحد طرفيه. - تطوير وتفعيل الاتصالين يتطلب ذكاءً بشريًا وتقنيًا عاليًا؛ وكلما تعاظم هذا الذكاء، صار الاتصال أبعد مدىً وأعمق أثرًا. - يعتبر الاتصالان مرتَكزين للحضارة الإنسانية، فلولاهما لما تعاونت الدول، ولما نشأت الأسر، ولما طارت الطائرات، ولما انبثقت العولمة، ولما تطور الجنس البشري مطلقًا. - مثلما يقاس رقي الدول وتقدمها بتقدم مستويات ومعدلات الاتصال الآلي، فإن رقي البشرية وتقدمها يقاس أيضًا بقدرتنا على التواصل الإنساني. - في النوعين من الاتصال يحتاج الأفراد والمؤسسات والمجتمعات إلى الموازنة بين كم وحجم وجودة الرسائل المتبادلة، لأن الاتصال الزائد لا يقل تكلفة عن الاتصال الناقص؛ فكما أن لشبكات الاتصال الإلكتروني سعاتها المحدودة، فإن لخلايا مخ الإنسان التي ترسل وتستقبل حدودًا أيضًا. وفي الحالتين تعاني قنوات الاتصال من التخمة وتتوقف عن التواصل جزئيًا أو كليًا. ومن ملاحظاتي الأخيرة أن عمليات الاتصال الآلي وحالات التواصل الإنساني تنطوي على تناقضات داخلية يستحيل التخلص منها. فكلما زاد الاتصال الإلكتروني، انخفض التواصل الإنساني؛ والعكس صحيح. وليس هذا هو مربط الفرس؛ فالمفارقة الحقيقية هي التناقض الصارخ بين التكاليف الاقتصادية والمالية من جانب، وبين التكاليف النفسية والاجتماعية والإنتاجية من جانب آخر. من المفترض أنه كلما انخفضت تكاليف الاتصال الآلي، زادت الإنتاجية والجدوى الاقتصادية من تبادل المعلومات الصوتية والنصية والتصويرية. لكن هذا ليس صحيحًا، لأن ما يحدد القيمة الحقيقية للاتصال هو سلوك الإنسان نفسه. عندما تنخفض تكاليف أي نشاط إنساني فإننا نفرط في استخدامه. فعندما انخفضت تكاليف الاتصالات الإلكترونية واللاسلكية مؤخرًا، بدأنا نحمل عدة هواتف محمولة، ونستخدم أكثر من بريد إلكتروني، ونشارك في أكثر من موقع للتواصل الاجتماعي، فزادت اتصالاتنا، وانخفضت إنتاجيتنا. وعندما أتاحت شركات المحمول خدمات تحويل الأرصدة، بدأنا نقترض أرصدة مكالمات ممن هم حولنا، لنتصل بمن ليسوا حولنا، فنتصل بالبعيد وننفصل عن القريب. وعندما سمحت إحدى الشركات بالاتصال المجاني لعشرين دقيقة وأحيانًا نصف ساعة، مقابل كل دقيقتين مدفوعتين، بدأنا نتصل (عمَّال على بطَّال) وبدون أي مبرر، فصرنا نسهر في الليل ونثرثر في النهار، وننام ونعمل وننتج أقل، وندفع أكثر. وهكذا تحولت الميزة التنافسية للاتصالات الإلكترونية والشخصية إلى نقمة اقتصادية واجتماعية. ناهيك عن تكاليف التشتت وعدم التركيز وضعف الانتباه وانخفاض الجودة. ولهذا حديث طويل آخر.
-
الســلطة (بفتح السين) من السهل في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وانهيار الأسواق أن نخلط بين السُـلطة والسَـلطة؛ فعندما تعم الفوضى، ويتوجس الناس خيفة من البطالة والفقر والفاقة، تصبح "الفتحة" أهم من "الضمة." كان "توماس كارلايل" أول من استخدم تعبير "السلطة الرابعة" لوصف النفوذ الذي كانت تتمتع به الصحافة في القرن التاسع عشر، حين كانت السياسة أقوى من الاقتصاد، والفلسفة أهم من "البيزنس." أما اليوم، فقد أزاحت سلطة الاقتصاد الإعلام عن عرشه، فتحول من رقيب على المصلحة العامة إلى سجين تكبله الأغلال، أو متهم في أحسن الأحوال! لقد كان واضحا مثلا أن صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية تعاطت مع أزمات العالم الاقتصادية بمهنية أكثر من منافستها "وول ستريت جورنال" الأمريكية التي تعاني من ضغوط هائلة تعمي نظرتها وتشل حركتها؛ فهي تأتمر أولا بأوامر "روبرت مردوخ" مالكها الجديد الذي حولها إلى منبر سياسي يحفل بالانتخابات الأمريكية أكثر من المشكلات الاقتصادية، وتأتمر ثانيا بأوامر دهاقنة المال والأعمال في نيويورك، حيث لا تستطيع تجاهل مصالح الشركات الكبرى التي تستطيع أن تصيبها في مقتل بمجرد تقليص حصتها من ميزانيات الإعلان وهبات الإعلام. تعيش الصحافة المطبوعة - وحتى المرئية - اليوم في دوامة يصعب الخروج منها. فقد أدى تحالفها مع الشركات وبيوت التمويل الكبرى إلى انصراف القراء عنها، فتراجعت أرقام التوزيع، وبدأت الصحافة الإلكترونية والمدونات تسحب ما تبقى لها في الأسواق، حتى ليبدو أنه لا توجد مبررات منطقية أو أسباب عملية تدعو الصحافة المطبوعة إلى محاولة إنقاذ نفسها. وعندما اضطرت الصحف والقنوات الفضائية إلى بث محتواها عبر الإنترنت، فإنها كانت تعترف بأن زمنها قد ولى. وأمام ضغوط الحاجة للتمويل، وقعت الصحافة السياسية في قبضة السلطة التنفيذية، وسقطت صحافة "البيزنس" تحديدا في شباك المؤسسات المالية والشركات العقارية التي تدفع مقابل كل خبر وتحقيق وإعلان يبرز إنجازاتها ويستر عوراتها. وكما "يرقص الشيطان في الجيوب الفارغة" كما يقول المثل الألماني، فإنه يرقص أكثر في الجيوب المنتفخة! لقد كان تحالف السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية ضد السلطة الرابعة "الإعلام" حتمية اقتصادية. أي إن سلطة أو سطوة خامسة قد تشكلت على إيقاعات الشيطان، وهي سلطة رأس المال. ومع تراجع دور الإعلام كرقيب على السلطات، بدأت السلطة السادسة وهي سلطة الإنترنت تبرز من خلال المدونات وحلقات التشبيك الاجتماعي، لكن سلطة رأس المال طالتها أيضا؛ حتى لم يعد أمام عالمنا المأزوم سوى إعادة توزيع السلطات. خيارنا الوحيد اليوم هو: إما أن نُجلس "سلطة الأخلاق" على العرش ونقلد الضمير تاج "السلطة الأولى،" وإما أن نترك الشيطان يرقص في كل الجيوب ويخرب كل القلوب
-
نبوءة "باولو كويلهو" وحلم "دلبوسكي" وأسطورة "كاسيلاس"
موضوع تمت اضافته ranasamaha في منتدى الحوار العام
نبوءة "باولو كويلهو" وحلم "دلبوسكي" وأسطورة "كاسيلاس" هل ما زلتم تذكرون قصة "السيميائي"؟ الرواية التي جسد بطولتها الفتى الأسباني الذي سافر إلى أفريقيا ليكتشف كنزه، واستطاع بقوة الإرادة أن يحول التراب إلى ذهب. كانت قصة الروائي البرازيلي خيالاً محضًا، لكن القيم التي رسختها ومبادئ الفوز التي شرحتها استوحت معانيها من فلسفة العالم. كان البطل الأسباني يعرف وهو يغامر أن الإنسان عندما يريد شيئًا بحق، ويريده بكل صدق، يتآمر العالم معه ويساعده على تحقيق ما يريد. فالأمر كله متعلق بالإرادة. أغلب الناس يرون العالم محفوفًا بالخطر. ولهذا السبب يصبح العالم فعلاً محفوفًا بالخطر، لأن النتائج السهلة ليست فقط غير موجودة، بل هي ضارة وغير مطلوبة، فعندما تريد شيئًا، يجب أن تغامر وتدفع الثمن. أذكر في بداية بطولة كأس العالم أن جاءني أحد الزملاء وقال بأن أسبانيا قد هُزمت في مباراتها الأولى من سويسرا، فقلت له: هذا ما يسميه "باولو كويلهو" اختبار الغالب. فكل مسعى في الحياة يبدأ بحظ المبتدئ وينتهي باختبار الغالب. فالحياة مسعى دائم وليست معركة واحدة أو مباراة واحدة. معظم من يموتون في الصحراء يموتون في اللحظة التي يكونون فيها على مشارف الواحة وقريبين من الماء؛ فأحلك لحظات الليل هي اللحظة التي تسبق الفجر. في هذه اللحظة الحالكة يتراجع معظم الناس؛ أي في اللحظة التي يكونون فيها على وشك تحقيق غايتهم. فاز المنتخب الأسباني بفضل الإرادة وثقافة الفوز. فقد جاء على لسان حارسهم "إكر كاسيلاس" أن الفريق ركز على مدى 50 يومًا، كان خلالها يحلم بالكأس ويستعد للفوز. وحتى عندما احتفلت أسبانيا بفوزها على ألمانيا، رفض مدرب الفريق العجوز الاحتفال، وقال لفريقه: "نحن ما زلنا في الملعب، وعلينا أن نلعب لا أن نحتفل." واجتمع الحارس "كاسيلاس" بزملائه وقال لهم: "لا تنتهي البطولة إلا مع آخر صافرة للحكم، ومع تلك الصافرة يعرف العالم من هو البطل. وبما أن أمامنا مباراة أخيرة، فهذا يعني أن أمامنا معركة أخرى وبطولة كاملة ويجب أن نركز." كان "كاسيلاس" هو أكثر من بكى فرحًا بالفوز لأنه كان أكثر اللاعبين رغبة في الفوز، حتى كان يخيل للعالم في اللحظات العصيبة أن الكرات كانت تذهب إليه وتصطدم به لتخرج بعيدًا عن مرماه، لأنه حصّن مرماه بالرغبة الجامحة في الفوز وبسحر الإرادة. ومثلما سار بطل رواية "باولو كويلهو" إلى أفريقيا ليحقق حلمه ويجد كنزه، سار الفريق الأسباني إلى جنوب أفريقيا بحلم المنتصر، ليسعد ملايين الأسبان الذي يعانون من انهيار اقتصادي كامل. لقد كانت أسبانيا كلها بحاجة إلى الفوز، وكان أكثرهم حاجة وإحساسًا باقتراب الحلم، مدربهم الحكيم "دلبوسكي" وحارسهم الساحر "كاسيلاس -
الأخلاق الاصطناعية وصدمات الضمير هناك ذكاء اصطناعي وغباء اصطناعي، مثلما هناك أخلاق طبيعية وأخلاق اصطناعية. وكما يحتاج القلب عندما يتوقف بسبب كوليسترول الشرايين إلى صدمات كهربائية، يحتاج الضمير عندما يتوقف بسبب كوليسترول النفس إلى صدمات افتراضية! في مطلع العام الحالي (2012) أطلقت رئاسة الوزراء البريطانية موقعها الإلكتروني الجديد في حضور لفيف من الصحفيين. وفي كلمة قصيرة اعترف "ديفيد كاميرون" بأنه صار يتردد في تسجيل وإرسال أي من أفكاره وقراراته إلكترونيًا خوفًا من تسربها ومحاسبته على كل كلمة يكتبها. فهو يقر بأنه كثيرًا ما يقول ويكتب كلامًا لا يعنيه، فيفلت منه ما كان يجب أن يخفيه. ورغم أن "لسانك حصانك" كما يقول المثل، فإن الكلام المنطوق يظل أقل خطرًا وأسهل أثرًا، مما توثقه الكلمات وتسجله الكاميرات. الأخلاق الاصطناعية هي نوع جديد من الذكاء يفتعله الإنسان، ليس لأنه أخلاقي بسجيته وتنشئته، بل لأنه مجبر على التخلق بما ليس فيه، خوفًا من الانتقال الفيروسي للأصوات والكلمات عبر العالم الافتراضي. لا يحدث هذا فقط خوفًا من تسريبات "ويكيليكس" بل ورعبًا من تسريبات الذاكرة والضمير، لأن "حبل الكذب قصير." أما الذكاء الأخلاقي فهو القدرة على التفريق بين الصحيح والخطأ، والتصرف انطلاقًا من القيمة التي تعتقد أنت بصحتها. وهناك سبع لبنات ضرورية لبناء ذكاء أخلاقي راسخ هي: التفهم والضمير والإرادة والاحترام واللطف والتسامح والعدل. وهذا ما عنيته عندما قلت ردًا على سؤال عن أعلى قيمة على الإطلاق بأن "أهم قيمة في الحياة هي أن يتمتع الإنسان بوعي أخلاقي راسخ." في عالم الأخلاق الاصطناعية لم يعد "الغباء الأخلاقي" مقبولاً. فأنت مجبر كإنسان معاصر على قول الحقيقة وإلا فإن الانتشار الفيروسي للمعلومات سيكشفك قبل أن تخلد إلى النوم في سريرك، وقبل أن يصحو ضميرك. فعلى مدى الأسبوعين الماضيين تبادلت عدة رسائل مع أحد خبراء إدارة الجماهير وتجارة الضمير. والحكاية هي أن أخانا – وهو أحد المنافحين عن الأخلاق والداعين إلى مجتمع إبداعي استنادًا إلى القيم – سمح لنفسه بأن يقتطع عشرات الصفحات من بعض كتبنا وخلاصاتنا، ويلصقها في بعض كتبه. وباستخدام الذكاء الافتراضي وسرعة انتقال المعلومات ومحركات البحث، استطعنا حصر كل المسروقات كلمة.. كلمة. ومما زاد في ورطته أنه قال الشيء ونقيضه ثلاث مرات خلال عشرة أيام، وكأنه يكذب على نفسه. فقد انكشف واعترف بما اقترف، وبعدما توسل، حاول أن يتنصل، وبدأ بالهجوم ثم أصابه الوجوم. لكن الذكاء الرقمي كشفه ووضعه في مواجهة نفسه. في برنامج "التحول القيادي" أركز على أن نقطة التحول الجوهري هي الانطلاق من المركز لبناء شخصية قيادية قوية ومؤثرة. والمركز هنا هو معادل افتراضي للضمير. في هذه النقطة نطلب من المشارك أن ينظر صباح كل يوم في المرآة ويسأل الشخص الذي يراه: "هل أنت محترم؟" كل من يستطيع طرح هذا السؤال على نفسه في الصباح، لن يخاف أن تكشفه نظم الأخلاق الاصطناعية الذكية في المساء. نسيم الصمادي
-
أنا أفكر .. إذن أنا "غير" موجود أتيحت لي مؤخرا فرصة المشاركة في عدد من معارض الكتب. وبسبب القراءة في موضوعات شتى، وجدتني أفكر وأطرح أسئلة جديدة. فالأفكار تنبع من الأسئلة أو من إجاباتها. فنحن نفكر في "مسائل" ومن الصعب أن نصل لفكرة دون أن نطرح سؤالا، أو نجيب عن آخر. الأسئلة التي روادتني مؤخرا: لماذا تسجل كتب الطبخ أعلى المبيعات دائما؟ ففي معرض أبو ظبي للكتاب - والذي أقيم الشهر الماضي - كان الزائرون يصطفون بالعشرات لشراء كتب الطبخ، ومشاهدة عروض الطبخ الحية. ولا ينافس كتب الطبخ في المبيعات سوى موسوعة "جينس" للأرقام القياسية، وهي موسوعة ملونة كتبت لتُستعرض وتُراجع من أجل الإثارة والمتعة، لا لتُقرأ من أولها إلى آخرها. وحتى في "جينس" تحظى الأرقام القياسية لأكبر "بيتزا،" وأطول شطيرة، وأكبر قالب "كيك" بالاهتمام الأول! للوهلة الأولى قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال سهلة، على اعتبار أن الطريق إلى قلب الرجل يبدأ من معدته. ولكن هذه الإجابة تفترض أن معظم زائري المعارض ومشتري الكتب من النساء، وهذا غير صحيح. كما تفترض أن الطريق الذي يبدأ في المعدة وينتهي في القلب، لا يمر في العقل مطلقا؛ ومن الصعب المحاججة بهذا في زمن طغت عليه المادة، وجعلت بين الإنسان وبين الرومانسية أحبالا وأميالا. من المؤكد أن للغريزة البشرية دورا تلعبه هنا. فقد وضع "ماسلو" احتياجات الوجود الأساسية كالأكل والشرب قبل بقية الحاجات. ولكن من جانب آخر، فقد جاءت حاجات الإشباع الفكري قبل الحاجة لتحقيق الذات، فهل يمكن أن يعمى بصر الإنسان حقا لكي يسعى لتحقيق وجوده دون تحقيق ذاته؟! إذا كان هذا يحدث فعلا – ويبدو أنه يحدث – فإن التنمية المستدامة للمجتمعات والحضارات تصبح أيضا محل شك. وحيث قال "ديكارت" قديما: "أنا أفكر.. إذن أنا موجود" فإن المقولة الفلسفية الجديدة لإثبات الوجود الضخم للإنسان تصبح: "أنا أطبخ .. وآكل .. إذن أنا موجود!" لكننا نستطيع أن نثبت وجودنا دون أن نطبخ! فنحن موجودون لأننا نأكل "البيتزا" و"الهمبورجر" و"كنتاكي" دون أن نطبخ. وفي تنشئتنا لأبنائنا، فإن "التلقيم" - دائما - يسبق "التلقين." وهذا سبب آخر يضع تغذية البطون قبل تغذية الذهون! سؤال آخر: إذا استثنينا الحاسة السادسة لأنها غير عضوية، فما هو عدد حواس الإنسان العضوية؟ كلنا نعتقد أنها خمس حواس وهي: التذوق، واللمس، والشم، والنظر، والسمع. لكن هناك حواسا عضوية أخرى منسية! من يستطيع إضافة المزيد من الحواس العضوية، فليرسلها إلى إدارة التحرير في "شعاع!" لكن إجابة هذا السؤال تحتاج إلى قراءة وبحث، لا إلى كتاب في الطبخ، أو وجبة "دليفري!" نسيم الصمادي - دبي
-
رسالة إلى "جارسيا" أثناء الحرب بين أمريكا وأسبانيا عام 1898، كان اتصال الأمريكيين بقائد المتمردين والثوار "جارسيا" أمرًا لابد من انجازه بأسرع ما يمكن لضمان تعاونه مع القوات الأمريكية لتحرير كوبا من الأسبان. وكان "جارسيا" وفرقته قابعين في مكانٍ من الجزيرة من الصعب على أحدٍ الوصول إليه. أشار شخص ما على الرئيس الأمريكي "ماكينلي" بالاستعانة بفتى يُدعى "روان" ليوصل الرسالة إلى "جارسيا" لأنه أفضل من يقوم بتلك المهمة. وبالفعل أخذ "روان" الرسالة من الرئيس دون السؤال عن مكان المرسل إليه أو شكله أو وصفه، وانطلق في رحلة استغرقت أربعة أيام ليصل إلى ساحل كوبا، ثم ثلاثة أسابيع مخترقًا الغابات الكوبية سيرًا على الأقدام ليصل إلى الطرف الآخر من الجزيرة، متحملاً من المشاق ما يتجاوز طاقة البشر، إلى أن أوصل الرسالة إلى "جارسيا". هذه القصة ليست مجرد حكاية تُروى، أو مجرد إرشادات وتعليمات لأداء مهمة ما؛ إنما هي رسالة لكل من أراد أن يكون موضع ثقة، ويؤدي عمله بإخلاص وعزيمة دون تلكؤ أو شكوى، ويستجمع طاقاته وتركيزه لأداء العمل على الوجه الأكمل، و"توصيل الرسالة إلى جارسيا". وفي أيامنا هذه، قلما نجد من يبادر ويتحمل مسؤوليات العمل كاملة دون أن يصيبه الرعب والفزع. لقد بات الإهمال، والاستهانة، وعدم الإقبال على أداء العمل إلا بدافع الانصياع إلى الأوامر، من القوانين المعمول بها في المؤسسات اليوم، ومن الأمور المتعارف عليها بين الموظفين. أصبح مقياس النجاح والتقدم هو الصعود على أكتاف الآخرين، أو الحصول على المطلوب بالحيلة والخداع، أو بالتهديد والوعيد؛ فتراهم يكثرون من الأسئلة، ويتذرعون بضيق الوقت أو عدم كفاية الموارد أو عدم وضوح العمل المطلوب. تخيل نفسك كمدير تستدعي أحد الموظفين إلى مكتبك وتطلب منه البحث عن كلمة (واجب) في الموسوعة، ستندهش من أسئلة الموظف حول المهمة الموكلة إليه: قد يسألك مثلاً: أي نوع من الواجبات تريد؟ أو ما هي الموسوعة التي سأبحث فيها؟ أين أجد الموسوعة؟ هل تريد معنى الكلمة الآن وعلى وجه السرعة؟ وهل البحث في الموسوعات عن الكلمات يدخل ضمن وصفي الوظيفي؟ وألا يمكن تكليف زميل آخر بهذه المهمة؟ وربما يقترح أن يحضر لك الموسوعة لتبحث عن كلمة (واجب) بنفسك! إلى غير ذلك من الأسئلة والاقتراحات التي لا تعني إلا شيئًا واحدًا: "لا أستطيع أو لا أريد توصيل الرسالة إلى "جارسيا." معظم الموظفين والخريجين الذين يتذمرون من فصلهم من وظائفهم، أو من فشلهم في الحصول على وظائف مناسبة، لا يستطيعون "توصيل الرسائل إلى جارسيا؟!" في حين أن كل المؤسسات بحاجة إلى موظفين يغامرون ويجاهدون لتوصيل كل رسالات المؤسسات إلى العالم. فما أحوج شركاتنا ومؤسساتنا إلى موظفين ملتزمين ومكافحين وإيجابيين، يعملون اليوم من أجل المستقبل؛ ليس مستقبل مؤسساتهم فقط، بل ومستقبلهم أيضًا. لهذا السبب، ولعشرات ومئات الأسباب الأخرى، ننصح قراء "علاقات" في كل الدول وفي مختلف التخصصات فنقول: (لا تعيِّنوا عاملاً واحدًا، ولا تبقوا على موظف واحد، مهما علا شأنه وتعاظمت خبراته، لا يستطيع "توصيل رسائلكم إلى جارسيا" سواء أكان "جارسيا" في جبال كوبا، أم في المريخ.) المحرر
-
الدول المحترمة .. متعلمة الدول مثل الأفراد: هناك دول ناجحة وأخرى فاشلة؛ دول ذكية وأخرى غبية؛ دول عادلة وأخرى ظالمة؛ دول محترمة وأخرى غير محترمة؛ والأولى هي الدول المتعلمة. أكثر الدول احترامًا في العالم هي الدول الاسكندنافية. ولم تأت لا أمريكا ولا فرنسا أو إيطاليا ولا حتى ألمانيا ضمن الدول العشر الأكثر احترامًا وتأدبًا وتعلمًا. وإذ حلت فنلندا أولاً والسويد ثالثًا والنرويج سادسًا والدانمارك عاشرًا فإن الدول الاسكندنافية الأربع ومعها سويسرا تعتلي القائمة. فما هي الأسباب التي تجعل دولاً صغيرة تعيش في ظلام دامس معظم أيام العام، وتمتد حتى القطب الشمالي تحتل المراتب الأولى وفقًا لمقاييس السعادة والرفاهية والأداء الاقتصادي؟ في البلاد الباردة يقضي الطلاب معظم أوقاتهم في الفصول الدراسية الدافئة يتعلمون، ويقضي الموظفون جل أوقاتهم في المكاتب يعملون، وفي المعامل يجربون، وفي المصانع ينتجون. ولذا يتمتع سكان المناطق الباردة بتعليم أفضل، ويعملون بجدية وتركيز أكثر، في حين يقضي سكان المناطق الحارة معظم أوقاتهم على الشواطئ وفي الشوارع والمقاهي؛ في حالات كسل تتراوح بين النوم الطويل، والحراك الثقيل. بسبب الثلج والبرد يضطر سكان الشمال إلى السير بسرعة، وتقلل كثرة الأمطار والأشجار معدلات التلوث وترفع نسبة الأوكسجين. فقد لاحظت أثناء دراستي في مدينة أمريكية باردة أنني كنت أقرأ الكتاب مرة واحدة فقط، حتى توهمت أنني صرت أكثر ذكاء. ثم تنبهت إلى أن الطقس البارد والحرية الأكاديمية هي التي زادت تحصيلي الدراسي. عندما نستعرض الدول العشر الأولى في التعليم نجد فنلندا في المقدمة تليها كوريا الجنوبية وكندا وسنغافورة واليابان. وفي المراتب الخمس التالية تأتي سويسرا وإستونيا وبريطانيا وأيرلندا وهولندا. هذا يعني أن الدول التي تحترم قدرات وملكات الإنسان هي دول صغيرة مقارنة بالدول الأكثر سكانًا والأكبر اقتصادًا مثل: أمريكا والصين والهند وألمانيا وروسيا. الطريف في هذه المؤشرات هو احتلال ثلاث دول آسيوية المقدمة وهي دول يحظى فيها المعلمون باحترام عظيم. كما أن خمسًا من الدول العشر الأولى تحتل المراتب الأولى على مقياس السعادة الذي يقيس مستويات الرفاهية بشكل عام. في حين عوضت الدول السعيدة الأخرى تأخرها في التعليم بميزات تنافسية بديلة. فقد احتلت السويد المرتبة الأولى في الشفافية، وتقدمت النرويج بأعلى مستوى في دخل الفرد والناتج المحلي، وأستراليا في التدريب، والدانمارك لأنها تدلل مواطنيها أكثر من أبقارها. ومما يؤكد أن الدول المتعلمة محترمة، هو أن دولاً مثل إستونيا وليثوانيا وحتى روسيا البيضاء، بدأت ترتقي سلم السعادة والرفاهية بسبب التعليم، وهي دول باردة لا تملك سوى الذكاء الإنساني والجهد البشري. أما الدول العربية بموقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية والبشرية الوفيرة، فلا يحظى التعليم بأي اهتمام، ومن ثم لا يحظى الإنسان بأي احترام. نسيم الصمادي
-
هــل هنـاك ضحــك .. دون ســبب؟ هناك مثل يقول: "الضحك دون سبب، قلة أدب." وفي لحظة تجلٍّ ليلة أمس، اكتشفت أنه لا يوجد ضحك بلا سبب. حتى "الضحك على الذقون" له سبب، كما حدث مؤخرا حين ضحك قليلون على كثيرين، وتبخرت "فلوس" الدنيا بين "ضحية وعشاها" أو "عشية وضحاها" هل هناك فرق؟! نظرت إلى شاشتي فجر اليوم، فطلب مني ابني أن أقرأ الأخبار الاقتصادية أولا لأنه يعمل في إدارة المحافظ الاستثمارية في أحد البنوك، فقلت له ضاحكا: "هل هناك أخبار غير اقتصادية يا بني؟!" وها هي نشرة الأخبار: - خبر 1: بنك "يو بي إس" السويسري يفصل 7500 موظف آخرين ليحد من خسائره. - خبر 2: قراصنة الصومال يختطفون أربع سفن أخرى في يوم واحد. - خبر 3: اقتصاديو الصين يقولون بأن السوق وصل إلى القاع، وقد بدأ النمو! ولكن... - خبر 4: "وول ستريت" تواصل الهبوط فتلحق بها أسواق آسيا مرة أخرى. - خبر 5: آلاف السيارات الراكدة في أسواق الأردن تعادل قيمتها أكثر من ملياري دولار ستعيد الحكومة جماركها للمستوردين، ليعيدوا تصديرها! (إلى أين سيعاد تصديرها؟ ومن سيشتريها منهم؟ ولماذا نستورد سيارات جديدة بمليارين أصلا؟) - خبر 6: خطة لتحديث وتطوير الصناعة المصرية وفق المواصفات العالمية! (إذا كانت الصناعات العالمية قد أفلست، فلماذا نحدِّث وفق مواصفاتها؟) - خبر 7: شركة "إيه بيه" تطرح "سكايبي" كشركة مساهمة عامة لتحد من خسائرها! (كلام يثير الضحك! من سيشتري أسمهما؟) - خبر 8: مشروع لتغذية الأطفال في القرى الفقيرة! (ماذا عن أطفال المدن؟ أليست المدن اليوم أفقر من القرى؟!) - خبر 9: بلغ عدد أطفال المهاجرين غير الشرعيين إلى أمريكا 4 ملايين طفل! (كيف سيعيشون؟ وأين سيتعلمون؟ وهل سيرحلون؟) - خبر 10: أكثر من 57 ألف كتاب تضيع من فهارس "أمازون.كوم" خلال الأسابيع الماضية! (هل هو فعلا خطأ تقني في برنامج عرض الكتب؟ أم تم بفعل فاعل لخدمة ناشرين وموزعين على حساب آخرين؟) - خبر 11: شركة من أبو ظبي تشتري 9.1% من أسهم شركة "مرسيدس." (خبر جميل فعلا، يجعلنا نضحك من القلب.) - خبر 12: اقتصاديات دول الخليج ستتجازل 2 تريليون دولار عام 2020. (ونقول: "الله أعلم!") الأخبار - من الصومال إلى سويسرا، ومن الصين إلى الأرجنتين - تستدر الدموع وتبعث على الشفقة! فللبكاء أيضا سبب... العالم فقد عقله، لأنه فقد ضميره! ركزنا على العقار والدمار، واستثمرنا كل الأموال في بعض الأعمال، ولم نستثمر في جوهر الإنسان. ومن يظن أنه يمكن أن يحيا بلا عقل وبلا ضمير، سيجد للضحك سببا، وللبكاء ألف سبب! نسيم الصمادي
- 1 reply
-
- 1
-
تغييـر النـاس بالمقلـوب شاركت مؤخرًا في مؤتمر عن التحول السلوكي للمنظمات وقدمت ورقة بعنوان (التمتين والتحول السلوكي)؛ أكدت فيها على أن تغيير سلوك الأفراد أمر صعب، وهو مع صعوبته وتكلفته غير مفيد، لأنه ينظر للأفراد والعالم بالمقلوب. فنحن نُطلق على مساعدة الطلاب في المدارس - لكي يحققوا أفضل النتائج - "تربية وتعليم"؛ فهل نستمر في تربية الموظفين والعملاء وكل من نتعامل معهم على مدى حياتهم؟! إذا كان صاحب مزرعة العجول مسؤولاً عن تربيتها وتسمينها، فمن هو المسؤول عن تربية الناس؟! من هو صاحبهم يا ترى، هل هو الأب أم المعلم أم المدير أم الشرطي في الشارع أم الوزير الكبير؟! صاحبنا هو خالقنا، فهو الذي فطرنا وصنعنا وأعطى كلاً منا ذكاءً خاصًا وبصمة إبداعية وطاقة إنتاجية داخلية فريدة؛ وهي بصمة قابلة للتألق والتطوير لكنها غير قابلة للتغيير. عندما يعود ابنك من المدرسة ومعه كشف الدرجات، سيلفت نظرك أولاً تقديره في الرياضيات (70) فتقرعه على عدم التميز، ولن تلتفت إلى اللغات رغم حصوله في اللغة الأولى على (90) وفي الثانية على (95). وعندما تُراجع أداء الموظف، فستقرعه لأنه لا يجيد كتابة التقارير عن مبيعاته؛ مع أنه أكثر البائعين إنتاجية وأقدرهم على حل مشكلات العملاء. فنحن نركز على السلوك السلبي فننتقده، ونتجاهل السلوك الإيجابي رغم توقده. تشبه عمليات التحويل الإجباري للسلوك عمليات التجميل التي تحوِّل الإنسان من الخارج، ولا تلتفت إلى قواه الداخلية ومشاعره وأحاسيسه النفسية. نحن نعمل بالعكس، فنربي ونُعلم طبقًا لآلية متماثلة ومتكررة، ووفقًا لهرمية منهجية تقليدية لنلبي حاجة السوق لا حاجة الإنسان. ولهذا أدى التحويل والتصنيع السلوكي إلى الفرز والتصنيف الثنائي؛ فبدأنا نصنف الناس إلى ذكي وغبي، وناجح وفاشل، وإيجابي وسلبي، ومحظوظ ومحروم، وجميل وقبيح، ومقبول ومرفوض. وفي هذا تجاهل للمواهب والنقاط المضيئة والمشرقة في الإنسان، وتركيز ضار على نقاط الضعف وحالات الفشل. مبعث اعتراضي على تنميط السلوك هو أنه بحد ذاته سلوك سلبي، لأنه على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي تفكير استبدادي وسلطوي (Autocracy)، وعلى المستوى الإداري والمؤسسي في القطاعين العام والخاص روتين وإجراءات وواسطات وقتل للمواهب (Bureaucracy)، وعلى المستوى التنفيذي في بيئة العمل نفاق وظيفي وتظاهر بالانسجام مقابل وعد بترقية أو مكافأة أو علاوة (Hypocrisy). ومع أن التمكين والعدالة الوظيفية والجدارة الطبيعية (Meritocracy) تتطلب حرية وتفرد في النمو والعطاء والأداء Democracy))، مما يعني أن نعطي لكل إنسان الحق والحرية في أن يحقق ذاته ويبدع من خلال أقوى صفاته؛ فإن أول مصدر من مصادر الحرية في العمل والإبداع والتميز هو ألا نتغير لكي نتشابه مع الآخرين؛ فالتفرد والاختلاف هما أساس العالم.
-
"الجوقاد" وحلول الفقراء انطلقت الإدارة العلمية والجودة من أمريكا إلى اليابان على أيدي اثنين من أساطين الإدارة هما "جوران" و "دمنج" الأمريكيان من أصل أوربي. وفي اليابان انبثقت حلقات الجودة وتطبيقات "كايزن"، فحققت النمور الآسيوية قفزة عظيمة في النمو والإنتاجية. وها هي شمس الشرق تسطع من جديد، ولكن من الهند التي يتبوأ اقتصادها المرتبة الرابعة عالميًا. على الرغم من انهيار الاقتصاد العالمي، فإن الهنود حققوا نموًا تجاوز 8%، وبدأت الهند تشتري الشركات العالمية واحدة بعد الأخرى، والهند دولة ديمقراطية تستثمر بكل شفافية في صناعات السيارات والصلب والبرمجيات ومراكز الاتصال. الشهر الماضي وفي نيويورك، تطاولت قامات الخبراء الهنود وهم يدربون مديري الشركات الأمريكية. فهناك عشرات الخبراء الهنود المعروفين الذين يديرون وينقذون الشركات الأمريكية، ولكن هذه المرة جاء المدربان "رافي راجو" و "سانديب فيج" من مدارس الهند الكلاسيكية التي خرجت من الأساطير القديمة لتعلم الإدارة الحديثة. "الجوقاد" – كلمة هندية تعني "إنجاز الكثير بالقليل" - هو ابتكار اقتصادي تلجأ إليه المؤسسات عندما تشح الموارد وتشتد الأزمات، وذلك لحل المشكلات عند غياب الأدوات، ولتقديم حلول تفي بالغرض دون معونات خارجية أو منح رأسمالية. فهو ابتكار إداري تقشفي يطبق مقولة "الحاجة أم الاختراع" دون ملاحقة أحدث الصيحات أو استنفاد الثروات. لا تهدف المؤسسات التي تطبق "الجوقاد" إلى تخفيض التكاليف فحسب، بل تمارس الإدارة الخضراء، فلا تفرط في الشراء، بل تؤكد مسؤوليتها المجتمعية كي لا يعيش الجيل الحالي على موارد الجيل القادم. يوفر "الجوقاد" في الطاقة ويحافظ على البيئة. وتطبق شركات "سيسكو" و "أوراكل" و "جارتنر" وبنك "جولدمان ساكس" فكرة "الجوقاد" مستفيدة من التجربة الهندية التي حولت مضخات المياه اليدوية إلى محركات تدفع عربات النقل البدائية. الغزيون أيضًا حولوا محركات السيارات لتعمل بالزيت بدلاً من الوقود، والبرازيليون خففوا أوزان الطائرات لتنقل الحمولات الكبيرة بمحركات صغيرة، والمهندسون العراقيون والاقتصاديون السوريون كلهم اخترقوا الحصار وشُح الموارد من خلال "الجوقاد". حوَّل مهندسو الهند الابتكار التقشفي إلى منهجية وأدوات إنتاج ينافسون بها الغرب والصين، لينتجوا الذهب من الخردة، والصواريخ من بقايا التكنولوجيا الروسية. الدرس المفيد هو أن الدولة الفقيرة التي ظلت تعتمد على المساعدات حتى الألفية الثالثة بدأت تدرب أمريكا وتمول أوروبا وتدير العالم، ومن يرى في هذا شيئًا من التهويل والتطبيل، فليذهب إلى موقع تم حذف العنوان من قبل الاداره ويستمع لمحاضرة الهندي "ديفدوت باتانك" (Devdutt Pattanaik) التي فعلت بمفكري العولمة ما فعلته محاضرة الإنجليزي "كين روبنسون" بمفكري التربية. نسيم الصمادي
-
الجانب الأسود للأعمال الخضراء بدأت موضة الأعمال الخضراء تواجه موجة من التشكيك في نزاهتها وفائدتها للشركات التي تتبناها وللصالح العام وللعالم الذي يعول عليها الكثير. فعلى مدى الشهرين الماضيين نشرت مجلات عالمية شهيرة مقالات كثيرة تشكك في الجدوى الاقتصادية والمشروعية الأخلاقية لموجة الأعمال الخضراء. عندما نبحث عن "أعمال خضراء" على جوجل نحصل على ما يقرب من150 مليون نتيجة، وعندما نبحث عن "فقاعة الأعمال الخضراء" نحصل على مليون ونصف المليون نتيجة. وهذا يعني أن المقالات والأخبار التي تشكك في هذه الظاهرة تزيد عن 10%، مما يدل على أن لكل عملة وجهين وأن لكل جانب مشرق جانب مظلم. لكن موجة الهجوم على اقتصاد "البيزنس الأخضر" لها ما يبررها. كما أن التهم الموجهة لكثير من المؤسسات التي تتظاهر بأنها تتبنى فلسفة المسؤولية الاجتماعية لها أيضًا ما يبررها. فمن ناحية بدأت مؤسسات التمويل ومستثمرو رأس المال المخاطر في الانسحاب من المشروعات الخضراء لأنها لم تثبت جدواها الاقتصادية. ومن ناحية أخرى لم تحقق معظم الشركات الخضراء أيًا من الهدفين المعلنين لذلك. فقد ادعت هذه الشركات بأن مشروعاتها البيئية النقية تضع نصب أعينها هدفين حيويين للاقتصاد العالمي في هذه المرحلة الحرجة، وهما: - هدف اقتصادي يتمثل في مقاومة الركود الاقتصادي والخروج من الأزمة المالية المستحكمة، وبالتالي استحداث المزيد من فرص العمل وتقليل وطأة البطالة المتفاقمة. - هدف أخلاقي يتمثل في تخضير العالم وخفض درجات الحرارة والمحافظة على الحياة الطبيعية وابتكار طاقة نظيفة لا تؤدي إلى المزيد من تلوث البيئة الذي يكاد يدمر العالم. ولكن وكما يرى المشككون في الأعمال الخضراء – وأنا واحد منهم – فإن أيًا من هذين الهدفين لم يتحقق، ولذلك أسباب: فبعض المؤسسات التي تحاول طلاء وجهها باللون الأخضر توظف شركات علاقات عامة تروج لريادتها في هذا المجال، وهي كاذبة؛ فكل ما تطمح إليه هو أن تركب الموجة وتستخدم الأعمال الخضراء لتلوين صورتها تسويقيًا، وتبرير فشلها تشغيليًا. فهناك شركة نقل سريع في الأردن تدعي أنها تستخدم سيارات صديقة للبيئة في حين أن كل سياراتها مستأجرة. وهناك قرية ذكية في مصر تنادي بالأعمال الخضراء وكل بيوتها زجاجية، تزيد المناخ حرارة والحلق مرارة. وعلى المستوى العالمي تبين لخبراء الاقتصاد أن "البيزنس الأخضر" لا يحتاج إلى عمالة كثيفة، مما يعني أن البطالة لن تزول والأزمة ستطول. ولهذا أرى أن حلول مشكلات عالمنا تكمن في تقليل الاستهلاك، لا في الكذب الأخضر وركوب الموجات الإعلامية التي تروج لها منظمات رأسمالية فقدت مصداقيتها وشرعيتها، لأن هدفها هو الربح فقط، لا خدمة البشرية كما تدعي. نسيم الصمادي
-
أكتشف مواطن قوتك ﺍﻛﺗﺷﺎﻑ ﻣﻭﺍﻁﻥ ﻗﻭﺗﻙ ﻫﻭ ﺍﻟﺧﻁﻭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻁﺭﻳﻕ ﺗﺄﺳﻳﺱ ﻭﺛﻳﻘﺔ ﻧﺟﺎﺣﻙ. ﻋﻧﺩﻣﺎ ﻧﻧﻅﺭ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺭ، ﻗﺩ ﻻ ﻧﺟﺩ ًﺳﺑﺑﺎ ً ﻣﻧﻁﻘﻳﺎ ﻟﺣﺎﻟﺔ ﻋﺩﻡ ﺍﻟﺭﺿﺎ ﺍﻟﺗﻲ ﻧﺷﻌﺭ ﺑﻬﺎ ﺗﺟﺎﻩ ﻭﻅﺎﺋﻔﻧﺎ. ﻟﻛﻥ ﺍﻟﺳﺑﺏ ﻧﺎﺑﻊ ﻣﻥ ﻧﻘﺹ ﻓﻲ ﺗﻘﻳﻳﻣﻧﺎ ﻷﻧﻔﺳﻧﺎ ﻭﺟﻬﻭﺩﻧﺎ. ﻓﺄﻧﺕ ﻻ ﺗﻛﺗﺳﺏ ﻗﻳﻣﺗﻙ ﻛﻛﺎﺋﻥ ﻣﻧﺗﺞ ﻣﻣﻥ ﺣﻭﻟﻙ، ﻷﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺷﻌﻭﺭ ﻳﺟﺏ ﺃﻥ ﻳﻭﻟﺩ ﺩﺍﺧﻠﻙ. ﻓﻣﻥ ﺍﻟﻣﻬﻡ ﺃﻥ ﺗﺩﺭﻙ ﻓﻲ ﺻﻣﻳﻡ ﻗﻠﺑﻙ ﺃﻧﻙ ﻛﺎﺋﻥ ﺫﻭ ﻗﺩﺭﺍﺕ ﻻ ﺣﺩﻭﺩ ﻟﻬﺎ، ﻭﻟﻙ ﺍﻟﺣﻕ ﻓﻲ ﺍﺧﺗﻳﺎﺭ ﻣﻥ ﺗﻭﺩ ﺃﻥ ﺗﻛﻭﻥ. ﻭﻟﻛﻥ ﻳﺧﻁﺊ ﺍﻟﻛﺛﻳﺭ ﻣﻧﺎ ﻓﻲ ﺗﻘﻳﻳﻡ ﺃﻧﻔﺳﻬﻡ ﻭﻓﻘا لعوامل ﺧﺎﺭﺟﻳﺔ، ﻓﻳﻘﻳﻣﻭﻥ ﺃﻧﻔﺳﻬﻡ ﺑﺎﻟﻣﺎﻝ ﺃﻭ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﺑﻐﻳﺭﻫﻡ! ﺑﻝ ﺇﻥ ﺑﻌﺿﻧﺎ ﻳﻐﺎﻟﻭﻥ ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﺃﻧﻔﺳﻬﻡ ﺑﻐﻳﺭﻫﻡ ﻓﻳﻔﻘﺩﻭﻥ ﻫﻭﻳﺗﻬﻡ ﻭﺍﻟﻘﺩﺭﺓ على ﺗﻘﺩﻳﻡ ﺇﺳﻬﺎﻣﺎﺕ ﻣﺗﻣﻳﺯﺓ ﻷﻧﻬﻡ ﺣﻁﻭﺍ ﻣﻥ ﻗﺩﺭﻫﻡ ﻭﻣﻥ قدراتهم. ﻣﻥ ﺍﻟﻣﻬﻡ ﺃﻥ ﺗﺅﺳﺱ ً ﺩﺳﺗﻭﺭﺍ ﻳﺷﻣﻝ ﺍﻟﻘﺩﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﻣﻬﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺗﻲ ﺗﻣﻳﺯﻙ. ﻭﻳﻣﻛﻥ ﺗﻘﺳﻳﻡ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻘﺩﺭﺍﺕ ﺇﻟﻰ ﺛﻼﺙ ﻓﺋﺎﺕ: ﺍﻟﻣﻭﺍﻫﺏ، ﻭﺍﻟﺣﺏ ﺃﻭ ﺍﻟﺷﻐﻑ، ﻭﺍﻟﺿﻣﻳﺭ. ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻔﺋﺎﺕ ﻻ ﺗﺣﺩﺩ ﺍﻟﻌﻣﻝ ﺍﻟﺗﻲ ﻳﻧﺎﺳﺑﻙ ﻓﻘﻁ، ﺑﻝ ﻭﺗﺳﺎﻫﻡ ﻓﻲ ﺗﺷﻛﻳﻝ ﻫﻭﻳﺗﻙ. ﻓﺎﻹﻧﺳﺎﻥ ﺃﻛﺛﺭ ﻣﻥ ﻣﺟﻣﻭﻉ ﻗﺩﺭﺍﺗﻪ، ﻭﻫﺫﺍ ﻣﺎ ﻳﻣﻳﺯﻩ ﻋﻥ ﺍﻵﻻﺕ. ﻭﻫﻭ ﺃﻛﺑﺭ ﻣﻥ ﺃﻥ ﺗﻘﻭﺩﻩ ﻏﺭﺍﺋﺯﻩ، ﻭﻫﺫﺍ ﻣﺎ ﻳﻣﻳﺯﻩ ﻋﻥ ﺍﻟﺣﻳﻭﺍﻧﺎﺕ. ﻭﻳﺿﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﻫﺫﺍ ﻭﺫﺍﻙ “ﺿﻣﻳﺭ ﺍﻹﻧﺳﺎﻥ ﺍﻟﺣﻲ”، ﺫﻟﻙ ﺍﻟﺻﻭﺕ ﺍﻟﺧﻔﻲ ﺍﻟﺫﻱ ﻳﻬﻣﺱ ﻓﻲ ﺃﺭﻭﺍﺣﻧﺎ ﻭﻳﺭﺷﺩﻧﺎ ﻓﻲ ﺷﺗﻰ ﻣﻧﺎﺣﻲ ﺣﻳﺎﺗﻧﺎ. ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻌﻧﺎﺻﺭ ﺍﻟﺛﻼﺛﺔ ﻣﺟﺗﻣﻌﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺗﻲ ّ ﺗﻛﻭﻥ ﺇﻧﺳﺎﻧـا ﻟﻡ ِ ﺗﺳﺗﻐﻝ ﻁﺎﻗﺎﺗﻙ ﻭﺗﺳﺗﺛﻣﺭ ﻗﺩﺭﺍﺗﻙ ﻓﻲ ﺣﻳﺎﺗﻙ، ﻓﻠﻥ ﺗﻛﻭﻥ ً ﺳﻌﻳﺩﺍ .
-
اعتراف .. قيد الإيقاف! باسم الحرية والتعاون والتبادل والتطور وأهداف التوسع والترابط والتداخل والتكامل المزعوم، اندفع العالم (أو دُفع!) نحو اقتصاد السوق الحر؛ فازداد انفتاحًا، اتساعًا، اندماجًا، انشقاقًا، انبطاحًا! تاركًا للتكنولوجيا زمام القيادة والتوجيه والمراقبة والمتابعة والمُفاضلة والمقارنة بين اقتصاديات الدول، فتجاوزت التكنولوجيا دور الأداة إلى دور الفاعل المُحرك والمراقب المُقيّم. انتقل العالم من مرحلة اقتصاد السوق المغلق إلى اقتصاد السوق الحر؛ لأن اقتصاد السوق المغلق يقوم على مبدأ الاكتفاء الذاتي ويتميز بعدم تطور وسائل الإنتاج وبالتالي ضعف الإنتاج، وهو السبب (المُعلن) الذي طالما تناولته المناهج التعليمية وقرأناه في تاريخ النظم الاقتصادية، مما دعا إلى الانفتاح بحجة تطوير وسائل الإنتاج. تربع اقتصاد السوق الحر على عرش النظام الاقتصادي العالمي في حضرة العولمة، فالبعد الاقتصادي للعولمة لا يقل عن البعد السياسي، لأن الدول التي قضت عقودًا في إدارة اقتصاداتها وفق نظريات التخطيط المركزي وشمولية العملية الاقتصادية لم تتم إلا بتدخل قوي من الدولة - وقسر في بعض الأحيان - بهدف عولمة الاقتصاد، مما يعد مفارقة في أبجدية فكرة السوق الحر التي تنادي بضرورة إبعاد الدولة خارج الفضاء الاقتصادي، مُفسحةً الطريق أمام قوى السوق لتعمل بحرية وتُشكل أنماط التبادل الاقتصادي. ليس هذا وحسب، بل فرضت الدولة نظام السوق الحر في مجتمعات لا تملك قطاعات خاصة، أو شركات أو بنى تحتية أو مشروعات وخطط متدرجة النمو، بحيث تستجيب لبيئة السوق الحر بموضوعية غير مُساقة بعوامل خارجة عن معطيات الاقتصاد، مما يتسبب في إحداث مشكلات وتشوهات واختلالات تكون هي النتيجة البديلة لاختلالات وتشوهات أنتجتها العقود الطويلة من الاعتماد على سياسات السوق المغلق والتخطيط المركزي للاقتصاد! نظريًا، يفترض أنصار التحول إلى اقتصاد السوق أن "المجتمع المدني" أهم وليد في المجتمعات التي تنتقل من مرحلة التخطيط الشمولي إلى الرأسمالية، وأن أهم وظائف "المجتمع المدني" هي الدفاع عن أفكار السوق الحر وضمان انتقال سلس تصاحبه سياسات الدفاع عن الواقع الاقتصادي الجديد، والواقع السياسي المُعولم! – إن صح التعبير. بقراءة الواقع، ورصد عمليات انتقال المجتمعات إلى نظام السوق الحر، نجد أن منظمات "المجتمع المدني" التي نشأت عقب غياب الحكومات الشمولية تبنت مواقف عدائية تجاه الرأسمالية، بسبب الآثار المباشرة والضارة التي انعكست على الشرائح الاجتماعية الفقيرة ومتوسطة الدخل، مما أحبط توقعات مُناصري اقتصاد السوق الحر، فتحول "المجتمع المدني" إلى حارس يدافع عن المجتمع ضد السوق الحر والعولمة بدلاً من مناصرتهما، ويتجلى ذلك في عدة دول مثل "روسيا" و"بولندا" ودول أوروبا الشرقية. لكن هذا لا ينطبق على وضع منظماتنا العربية غير المهمومة بآثار وتبعات العولمة على العمال والفقراء والمصانع والموارد، فهذه المنظمات شأنها شأن الأحزاب السياسية والمثقفين المؤدلجين المعادين للعولمة بشكل عام، دون موقف مدني واضح تجاه حقوق الطبقتين المتوسطة والفقيرة، وبالتالي فإن دور هذه المنظمات لا ينعكس على المجتمع، بل فاقم الوضع، حيث أتاح المجال لسياسات التعولم الاعتباطي والعشوائي (من قبل النخب الحاكمة والأطراف الدولية المستفيدة) بتمرير الكثير من القرارات الانتقالية دون مراقبة مدنية تذكر. فكيف استفاد عالمنا العربي من اقتصاد السوق الحر؟ هل استطاعت سياسات الانفتاح الاقتصادي أن تنقل دول العالم الثالث (المتأخرة) إلى دول العالم الأول (المتقدمة)؟! هل استطاعت قوانين السوق الحر أن تحقق الاستغلال الأمثل للموارد؟ فمصر مثلا، هي أكبر الدول العربية وأغناها بالموارد الطبيعية – تعاني سوء استغلال الثروات وسوء التوزيع وغياب الصناعات المحلية المنافسة، فقد انتهجت العولمة من طرف واحد، وفُتحت للعالم ولم تنفتح على العالم (حين صدرت القطن واستوردته مُصنعًا بأغلى الأثمان!). ويعتبر التخلف التكنولوجي من أهم قضايا الاقتصادات العربية التي أدت إلى ازدياد نسبة البطالة وضعف التنوع الاقتصادي وانخفاض معدلات النمو وهجرة العقول وزيادة الديون. مع أن التبادل المعرفي وإدخال التكنولوجيا الحديثة كانت من أبرز أهداف الانفتاح الاقتصادي. فهل استطاعت الأسواق العربية عقد اتفاقات شراكة والدخول في تحالفات حقيقية متكافئة، لا قسرية؟! أم دخلت في علاقات اقتصادية صورية تبرر بعض التبادلات الاقتصادية الاستنزافية باسم الاستثمار والتبادل التجاري؟! ليست هناك إجابات واضحة على هذه التساؤلات، في حين تعتبر الأزمة المالية العالمية بداية احتضار بطيء للرأسمالية، أو مخاض ولادة متعسرة لنظام اقتصادي جديد. وفي كل الأحوال ، فقد آن أوان الاعتراف بنهاية عصر الرأسمالية بعدما أخلت بالمنظومة الاجتماعية والأخلاقية للبشرية وأعادت الملايين إلى عصور الاستعباد. فهل يبقى هذا الاعتراف قيد الإيقاف؟ هبة حجازي مديرة التحرير
-
هل هو عالم "مركوزي" أم عالم "سميركل"؟ يبدو العالم اليوم في فوضى عارمة، وليس فوضى منظمة كما يدعون. أمريكا في حالة صراع مع الذات، إذ تبدو كالقطة العمياء التي ضلت الطريق فسقطت في الماء، وعندما ذهبت إلى المدفأة لتجفف نفسها، اقتربت من النار كثيرًا فاحترقت. أمريكا ليست فقط منقسمة على نفسها، بل هي تأكل نفسها من الداخل، ولا تكاد تخرج من أزمة حتى تسقط في كارثة. أوروبا العجوز تبدو وقد اقتربت كثيرًا من حافة القبر. فهناك سقوط أخلاقي واقتصادي فرض على اليونان، وانقلاب اقتصادي في إيطاليا، وتخفيض ائتماني لفرنسا، وارتعاش عنيف في أسبانيا التي لم يعد يعمل فيها شيء سوى كرة القدم، وتذبذب في ألمانيا، وهروب في بريطانيا، وهبوط حر لليورو وفشل لفكرة الوحدة الأوروبية التي لا يُعرف أعضاؤها حتى الآن هل عددهم 17 أم 27؟ وحال العالم العربي أسوأ بكثير، إذ بدأ الخريف قبل أن يكتمل الربيع، وتحولت ثورات الديموقراطية إلى بيروقراطية عسكرية وقبائلية، وصار الإنسان العربي الواعي الذي يفكر في مخرج من الأزمات المفتعلة والمشتعلة، تائهًا ومرتبكًا لا يعرف هل يكون مع أم ضد؛ هل يؤيد أم يعارض؛ هل يثور أم يخور؛ وهل يدعو للثورات أم يدعو عليها. في روسيا خرجت الثورات كما في أمريكا. في الأولى يطالبون بانتخابات حرة وتقليص دور الحكومة والحد من تدخلها وتغولها ضد القطاع الخاص، وفي الثانية يطالبون بحكومة نظيفة تطبق الوعود الانتخابية الكاذبة، مع المزيد من التدخل الحكومي للحد من تغول ونفوذ مافيا البنوك وممارسات لصوص القطاع الخاص. الروس والأمريكان يخرجون معًا ضد اقتصادهم وضد نظامهم. الأمريكان يريدون وظائف تساعدهم على العيش بكرامة، والروس يريدون كرامة تمكنهم من العيش دون وظائف. في آسيا وأفريقيا لا يبدو الحال أفضل كثيرًا. اليابان تشرق شمسها كل يوم وهي غافية، وعندما تصحو وتلعق جراح كوارثها، تتثاءب وتعود للنوم من جديد. وفي الصين ما زال التنين حائرًا بين الاقتصاد الحر، والحكم الشمولي المر. فبعد عشر سنوات من انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، تبدو الصين كالغراب الأصفر الذي يحاول تقليد الطاووس، فهي تنتج وتبيع، وتصدر كل شيء، ولا تستورد سوى المواد الخام التي تعيد تصنيعها لتعيد تصديرها، دون أن ترتقي بإنسانها، وكأنها تصر على أن تطعم العالم ليبقى أبناؤها يعملون، فلا يعيشون ولا هم يحزنون. وكذلك هي الهند، تصدر العمالة والبرامج والسيارات، وتصنع القنابل النووية، وتتغنى بالديموقراطية، لكنها ما تزال أكثر دول العالم تصديرًا للمهاجرين والفقراء، وأيضًا للأغنياء. فكل أغنيائها دون استثناء يعيشون خارجها، ومن يعود إليها، يفعل ذلك ليمارس مزيدًا من النفوذ والإفساد. الغريب أن الدول السابقة تدير برامج لغزو الفضاء واكتشاف العالم الخارجي، وكأنها اكتشفت عالمها وعرفت نفسها، وساهمت في إشاعة السلام. مع أنها لم تحقق العدل ولم تنشر الأخلاق في الأرض بعد! هذا العالم الذي فقد قلبه وعقله يعقد التحالفات، بحثًا عن مزيد من القوة والنفوذ والسيطرة، دون أن يدرك أن علته في روحه وأخلاقه. في شهر ديسمبر 2011 اجتمع الأوربيون فتفرقوا. خرجت بريطانيا عن الإجماع ونأت بنفسها عن قارتها، وتحالفت فرنسا مع ألمانيا لفرض نظام جديد يخول للبنك المركزي الأوروبي معاقبة الدول السارقة والمارقة فيما يشبه الحوكمة الاقتصادية التي من حقها تأديب أعضاء منطقة اليورو إذا ما كذبوا في دفاترهم المالية أو غالطوا في الحساب. ونظرًا لهذا الزواج الاقتصادي الإجباري، أطلق الإعلام على الحلف الجديد اسم "مركوزي" أي "ميركل وساركوزي". وعندما سألت خبيرًا إيرلنديًا لماذا لا يسمى: "سميركل"، أي وضع "ساركوزي" قبل "ميركل"، قال: "ليدز فيرست" يا سيدي، أي "النساء أولاً". فقلت: أظنها "ألمانيا فيرست" يا سيدي. ففرنسا على وشك الإفلاس، ولم يتحمل "سركوزي" قبلات "ميركل" الباردة إلا لأنه على وشك الإفلاس. فالمصالح الاقتصادية والمادية دائمًا أولاً يا سيدي! نسيم الصمادي