ranasamaha
Members-
عدد المشاركات
291 -
انضم
-
تاريخ اخر زيارة
-
Days Won
9
كل منشورات العضو ranasamaha
-
أما آن لهذا السخف الإلكتروني أن يتوقف؟! أواجه كما يواجه الملايين حول العالم سيلاً من الإيميلات السخيفة التي لم تفلح كل أساليب الحماية الإلكترونية في صدها. من ناحية احترافية ينصح خبراء الاتصال بأن يختار أحدنا عنوانًا إلكترونيًا سهلاً وأن يحافظ عليه حتى يصبح جزءًا من هويته المهنية ونافذة للتواصل بينه وبين عملائه وزملائه. وقد اضطررت لتغيير بريدي الإلكتروني الرسمي ثلاث مرات حتى الآن؛ وما زلت أتلقى ما بين 40 و60 رسالة غريبة في اليوم. تغيير البريد الإلكتروني ليس أمرًا سهلاً لأنني أشترك في العشرات من الدوريات والجمعيات العالمية، ولأن تغيير العنوان سيضطرني إلى الدخول إلى كل تلك المواقع وتعديل بياناتي، وهذه عملية يجب أن تتم مرتين في العام على الأقل لتضليل الفضوليين وتجار الشنطة الإلكترونيين الذين يبثون رسائلهم السخيفة على مدار الساعة. من الحلول التقنية التي لجأنا إليها هي تركيب مصد ناري على "سيرفر" الشركة لمنع وصول الرسائل الممجوجة. وقد هدأت أمواج الرسائل الزائدة لفترة ثم عادت الكرة، مما يعني أن من يخترقون شبكاتنا لا يقلون ذكاء عن مطوري برامج الحماية وأن لديهم تقنياتهم المعقدة أيضًا. لكن ما دعاني إلى الكتابة عن هذه الظاهرة هي الرسائل الخطيرة التي وصلتني مؤخرًا، وهي تنطوي على سلوك إجرامي يجب التحذير منه. أخطر الرسائل تحمل شعارات لبنوك مشهورة. وهي ترسل لكل الناس مدعية أن حساباتهم البنكية قد أوقفت نظرًا لعدم تحديث بياناتهم وتطلب منهم الدخول إلى موقع وهمي أو إلى المصيدة وإدخال البيانات الدقيقة بحجة التحديث. وعند الدخول تجدهم يطلبون رقم الحساب والأكواد السرية التي تتعامل بها مع البنك، وهذا يعني أنك ستسلم هؤلاء المجرمين مفاتيح اختراق حساباتك التي سيتم شفطها فورًا. رسالة أخرى ممن تصف نفسها بالسيدة فريدة وزيري، رئيسة لجنة مكافحة الجرائم الاقتصادية التي تدعي بأنهم ضبطوا عشرات المجرمين في نيجيريا وأن بريدي الإلكتروني وجد ضمن قوائمهم، وبما أنني كنت من بين المنصوب عليهم، فقد رأت اللجنة إعادة أموالي المسروقة وهي بالملايين، هكذا وبكل سذاجة. هذه السيدة الغبية تطلب أن أزودها ببياناتي المالية أو أن أرد عليها وأبدأ معها حوارًا ينتهي باستدراجي إلى سيناريو تظن العصابة أنني مؤهل له. وهناك رسائل تقول بأنني فزت باليانصيب الخيري لشركة ميكروسوفت، الذي لم أشارك به بتاتًا، ورسالة أكثر سذاجة تدعي بأن الحكومة الفيدرالية ألزمت وزارة المالية بإعادة الأموال المحتجزة لديها، وأن حصتي هي 1.5 مليون دولار، وما لا يعرفه المرسل الساذج هو أنه لا يوجد ما يسمى بوزارة المالية في أمريكا. هذه كلها نماذج من وسائل الخداع الساذجة التي تغرق الإنترنت؛ وأكثرها جرأة رسالة يدعي صاحبها أنه عميل لوكالة الاستخبارات الأمريكية وينصحني بتحريك أرصدتي إلى بنك آخر ينصحني به، لأن الحكومة الأمريكية وضعتني تحت المراقبة. وقد أورد أسماء وعناوين صحيحة لكل جهة أمريكية لها علاقة بالأمن ومكافحة الإرهاب وغسيل الأموال ليبدو وكأنه عميل حقيقي. فما هو الحل؟ الحواجز النارية ونظم الحماية لم تجد نفعًا. ولكن هناك حلول منها: أن نحول كل رسالة تصلنا إلى الجهات المزعومة التي يدعي هؤلاء المحتالون أنهم يمثلونها لتتم متابعة مصدرها وضبط العصابات المنظمة التي تقف وراءها؛ وأن نتوقف عن الرد عن كل هذه الرسائل مهما بدت حقيقية ومقنعة. فسواء كانت الرسالة قادمة من إفريقيا أو بريطانيا أو جنوب شرق آسيا، أو حتى من "بل جيتس" شخصيًا، علينا أن نودعها سلة المهملات أو الممسوحات فورًا وبلا تردد. كما أن تغيير عناويننا الإلكترونية بين الفينة والأخرى يعتبر حلاً فعالاً وحيلة ناجعة
-
دروس إدارية من كأس العالم الكروية انتهت كأس العالم 2010 الشهر الماضي، لكن الدروس القيادية والاستثمارية والسلوكية المستفادة منها لا تنتهي. من المؤكد أن المعطيات والأسباب التي أدت إلى فوز الفائزين، هي التي أدى غيابها إلى خسارة الخاسرين. ومن واقع قراءاتي ومشاهداتي لكرة القدم العربية وتحليل سلوك القيادات العربية، يمكنني القول بأنه ليس هناك فريق عربي واحد مؤهل للفوز بأحد كؤوس العالم القادمة، مثلما ليست هناك دولة أو مؤسسة أو جامعة عربية مؤهلة لقيادة العالم اقتصاديًا أو سياسيًا أو علميًا. ولذلك فإنني أراهن على استحالة فوز العرب ما لم يغيروا ما بأنفسهم، وهذه بعض المؤشرات والعبر المستقاة من كأس العالم الأخيرة: * التاريخ لا يلعب مع أصحابه لا توجد بطولتان لكأس العالم متشابهتان، ولذلك فإن فوزك اليوم لا يضمن فوزك غدًا، وأداءك اليوم لا يؤشر إلى مستوى أدائك في المستقبل. فقد لعبت فرنسا وإيطاليا نهائي كأس العالم مرارًا، وفازتا تكرارًا، لكنهما لم تتأهلا للدور الثاني هذا العام. وهذا هو حال العرب، فنحن أكثر شعوب الأرض ارتهانًا للتاريخ؛ نتغنى بأمجاد الماضي، ونتفاخر ببطولات الأجداد، ونغفل عن المستقبل. وبما أن الأرض لا تلعب مع أصحابها، فلم يفز فريق آسيوي أو أفريقي ببطولة العالم، لا على أرضه ولا خارجها. * العالمي ليس بديلاً للوطني الفرق العربية تعتمد على خبراء ومدربين أجانب، وكذلك هي المؤسسات العربية. بل إن الدول العربية تثق بالسياسي والاقتصادي والإداري والرياضي الأجنبي أكثر من العربي. لكن اقتباس النظم واستيراد التكنولوجيا والفكر الغربي لا يكفي. حتى بريطانيا التي تتمتع بأقوى دوري كروي وتفوز أنديتها ببطولات أوروبا، فشلت في الفوز بكأس العالم التي اخترعتها. نجحت الأندية الإنجليزية في تجنيد مئات اللاعبين الأجانب في أنديتها ودفعت المليارات في شرائهم – مثلما تدفع الجيوش للمرتزقة – لكنها فشلت في الفوز على مدى نصف قرن. * الموهبة الفطرية لا تكفي لعب لفرق أمريكا الجنوبية وأفريقيا أكثر اللاعبين شهرة وموهبة، ودرب فرق البرازيل والأرجنتين نجوم تألقوا في الماضي القريب، لكن المواهب الكروية مثل الموارد الطبيعية تحتاج لمن يحسن استثمارها. في العالم العربي موارد طبيعية لا تنضب، ومواهب علمية ورياضية وثقافية عملاقة، ولكن بدون تنسيق واستثمار فعال، وبلا تعاون وروح فريق، وفي غياب حرية التفكير والتعبير، لن تستطيع المواهب الكثيرة استثمار الموارد الوفيرة، فتكون النتيجة هدر الاثنتين معًا. * القائد ليس نصف الفريق، بل هو الفريق كله قال نابليون: "جيش من الأرانب يقوده أسد، خير من جيش من الأسود يقوده أرنب." لقد كان مدربو أسبانيا وألمانيا وهولندا وأروجواي وغانا أسودًا. في حين كان مدرب فرنسا عصبيًا وعنصريًا، واهتم "مارادونا" بساعاته وملابسه ومهاراته الفردية وهو يلاعب الكرة ليسعد الجماهير. خطف الأضواء من لاعبيه وسلطها على نفسه، وتفاعل مع الجماهير أكثر من اللاعبين، وركز على الإعلام أكثر من الملعب. في كرة القدم، كما في الأسواق والحياة، الفرص الضائعة لا تحتسب، والأخطاء القاتلة لا تغتفر. وهناك أربعة أشياء لا تتوقف: الوقت وحركة الكرة ومشاعر الجماهير وأفكار المدرب. والأخير هو القائد، وهو من يحدد تفاعلات ومخرجات العناصر الثلاثة الأولى. * الثقافة المحيطة والسلوك الجمعي يحددان النجاح لا يمكن عزل كرة القدم والاقتصاد وأداء الأسواق عن البيئة المحيطة والثقافة السائدة؛ فلا يمكن أن تكون عبدًا وتبدع، ومنافقًا وتقنع، وجائعًا وتشبع. عندما نقارن نتائج فريق كوريا الجنوبية بنتائج فريق كوريا الشمالية ندرك أن الحرية والعدل وتداول السلطة وتحمل المسؤولية ليست نتاج قوانين تفرض وخطابات تعرض، بل هي مصدر الحرية للموارد البشرية ومصدر احترام الذات والآخر الذي يعزز ثقة الإنسان بنفسه، وثقة الناس بعضهم ببعض. وهذا هو مصدر رأس المال الاجتماعي الذي تنبع منه روح كل فريق فعال وناجح. فعندما نقارن بين نتائج فريقي "غانا" و"نيجيريا"، نجد "غانا" القادمة من أجواء الديمقراطية والحرية والشفافية والرؤية القيادية تحصد النجاح، و"نيجيريا" القادمة من أجواء الفساد والفوضى والمحسوبية والعنصرية تخرج من الدور الأول وتمنى بالفشل. نسيم الصمادي
-
وظيفتي تجنب تلك الأخطاء في سيرتك الذاتية! هناك العديد من الأخطاء الفادحة التي يرتكبها الباحثون عن وظائف عند إعداد سيرتهم الذاتية، مما يضفي عليها صبغة غير مهنية، ويجعل مسؤولي التوظيف يعرضون عن ترشيحهم للوظيفة. وفقًا لآراء العديد من مسؤولي التوظيف تنحصر تلك الأخطاء فيما يلي: 1) البريد الإلكتروني ليس من المنطقي أن يدرج المتقدم إلى وظيفة عنوان بريد إلكتروني لعائلته، أو عنوانًا يحتوي على كلمات غريبة أو ألفاظًا خارجة! 2) عدم مراجعة السيرة الذاتية تعج الكثير من السير الذاتية بالأخطاء المطبعية، لذا يجب على المتقدم إلى الوظيفة مراجعة سيرته الذاتية جيدًا، ويستحسن أن يطلب من أحد أصدقائه مراجعتها مرة ثانية، كي يتأكد من خلوها من الأخطاء المطبعية. 3) الصور يجب عدم إرفاق الصور العائلية أو غيرها من الصور غير الرسمية في السيرة الذاتية، لأنها تثير استياء مسؤولو التوظيف وتجعلهم يعرضون عن ترشيح المتقدم للوظيفة. 4) البريد الصوتي يجب أن يتجنب المتقدم للوظيفة تسجيل رسالة بريد صوتي مازحة أو محرجة على هاتفه الأرضي أو الجوال، لأن مسؤول التوظيف لن يعاود الاتصال به بعد الاستماع لتلك الرسالة! 5) الاختصارات والكلام المقتضب استخدام التعبيرات المختصرة، مثل "إلخ"، والكلمات المقتضبة، مثل "كما سبق"، يعطي لمسؤول التوظيف فكرة سيئة عن المتقدم إلى الوظيفة، الذي لم يكلف نفسه عناء كتابة بضع كلمات تضيف المزيد من التفاصيل إلى سيرته الذاتية. 6) الإسهاب والتفاصيل غير ذات الصلة لن يضيع مسؤول التوظيف وقته في قراءة السيرة الذاتية عندما يُدرج فيها تفاصيل شخصية أو عندما تتكون من عدة صفحات، فالحجم الأمثل للسيرة الذاتية لا يتجاوز الصفحتين. 7) البيانات الخاطئة والناقصة في بعض الأحيان، قد تحتوي السيرة الذاتية على أخطاء في اسم شركة عمل بها المتقدم للوظيفة سابقًا، أو اسم مدير سابق له، كما قد تحتوي على خطأ في رقم هاتفه أو هاتف شركة عمل بها فيما سبق، مما يثير شك مسؤول التوظيف ويعرض المتقدم للوظيفة لاستبعاده من الترشيح. تكررت الأخطاء السابقة كثيرًا في عدد كبير من السير الذاتية، لذا يجب على كل من يرغب في التقدم إلى وظيفة أن يراجع سيرته الذاتية جيدًا للتأكد من خلوها من تلك الأخطاء، حتى لا يعرض نفسه للاستبعاد من الترشيح للوظيفة المتقدم إليها! (تكرار للمعنى بلا دلالة جديدة) المقال ترجمة اداره.كوم
-
إضراب عن "الأهرام" ما أعنيه هنا هو صحيفة "الأهرام" وليس أهرام الجيزة العزيزة. فقد أصدرت قرارًا مدروسًا بالتوقف عن شراء "الأهرام" بعد أن استخدمناها ثقافيًا وعمليًا عشرين عامًا متواصلة. ففي صباح هذا اليوم الثلاثاء 8 فبراير 2011 طلبت من السكرتير إعادة نسخة "الأهرام" إلى بائع الصحف وإحضار "الأخبار" بدلاً منها. وكنا قد بدأنا منذ مطلع هذا العام نقرأ جريدة "المصري اليوم" بسبب مصداقيتها وتحول أفضل كتاب وصحفيي مصر للكتابة فيها. درجنا عبر العقدين الماضيين على شراء "الأهرام" كل يوم حتى في أيام الإجازات، فقد كنا نستخدمها لاكتشاف أسواق جديدة عبر إعلاناتها الكثيرة، والمعارض الناجحة التي كانت تنظمها وتنشر أسماء المشاركين فيها. وكانت إدارة المبيعات في "شعاع" تدرس حركة السوق المصري من خلالها. حتى إعلانات التهاني والمؤتمرات العلمية والتعازي كانت وحتى عام 2009 مصدرًا مهمًا ومؤشرًا على حركة كبار اللاعبين في السوق. لكن "الأهرام" دخلت مؤخرًا فيما يشبه حالة إضراب عن الحرية تشبه حالة الإضراب عن الطعام. بدأ حجمها يتقلص، وبدأ الكتاب والمفكرون المتميزون منها يفرون؛ إما مختارين وإما مطرودين. وصارت مقالات رئيس تحريرها "أسامة سرايا" بلا طعم ولا لون ولا رائحة. وبدأ رئيس مجلس الإدارة "عبد المنعم سعيد" ينشر مقالات ومطولات على شكل "معلقات" لا تختلف في شيء عن كتابات "سرايا". الصفحة الأخيرة احتلها رئيسا مجالس إدارة سابقان؛ "ابراهيم نافع" و"مرسي عطاالله" اللذين حاولت جاهدًا أن أكمل قراءة واحد فقط من مقالاتهما دون جدوى. يجاورهما على نفس الصفحة "أنيس منصور" الذي يكرس عاموده القصير إما لإعادة سرد ذكرياته التي حفظناها وظل يرددها حتى كرهناها، وإما لكتابة خواطر مترجمة عن المرأة. والحقيقة أن "منصور" ما زال كاتبًا جيدًا، فهو فيلسوف ومفكر، إلا أنه مصاب بإسهال كتابة ونشر؛ حيث يكتب أكثر من مقال في اليوم، وينشر المتميز منها في الصحافة العربية التي تدفع أكثر، ويلقي بما تبقى من عصارة أفكاره لقراء "الأهرام" الأعزاء. تعود علاقتي "بالأهرام" إلى سبعينات القرن الماضي، عندما التحقت بجامعة القاهرة، وكنت أقرأ فيها لـ"نجيب محفوظ" و"يوسف إدريس" و"توفيق الحكيم" و"زكي نجيب محمود" وعندما كنت أميل للعمود الصحفي لا أجد أفضل من مقالات "سلامة أحمد سلامة" والمرحوم "أحمد بهاء الدين". ومع دخول الإنترنت، وغلبة الحس الأمني على الحس الصحفي، وهجرة كتاب الأهرام المحترفين، وظهور الصحافة المستقلة، وتوريث أعمدة وزوايا "الأهرام" لكتاب غير مؤهلين، كان لا بد من وقوع أبغض الحلال، فطلقت الأهرام. ولأنني دائمًا متفاعل ومتفائل، أتوقع ألا يكون الطلاق بائنًا، وأن نعود لقراءة "الأهرام" والاستمتاع بها والانتفاع منها، بشرط أن تعود "الأهرام" إلى نفسها. نسيم الصمادي
-
ثروة مصر الحقيقية.. عندما تنظر مصر إلى نفسها كل العالم يتكلم ويكتب عن ثورة مصر! سأكتب عن ثروتها ... لنفرض أنك القائد الجديد لمصر، لنقل رئيسها الجديد، أو رئيس وزرائها المنتخب! فكيف ستفكر؟ وكيف سترى مستقبل مصر؟ إلى أين ستقودها وفي أي اتجاه ستأخذها؟ ربما تجمع فريقًا من الخبراء والتكنوقراط كما نسمي هؤلاء الذين يعملون ولا يفكرون! وربما تحضر بيوت خبرة عالمية وتحاول حصر كل الأخطاء التي ارتكبتها القيادات والإدارات السابقة! قد تدرس تجارب عالمية مشابهة فتفكر في تقليد كوريا وماليزيا وتركيا والبرازيل! لكن هذه النظرات التقليدية لن تكفي لأن لمصر خصوصيتها. عالمنا الحقيقي هو ما نراه وما نفكر فيه، ويجب أن نفكر بطريقة مختلفة لكي نستطيع ابتكار التغيير. فما لم ننظر في الاتجاه المعاكس، ونفكر عكس ما كنا نرى، فلن يتغير شيء. مصر - في حقيقتها وفي شخصيتها - أغنى حضارة في العالم، هي تشبه الصين قليلاً، وتختلف عنها كثيرًا، ومن الخطأ أن نفكر فيها كدولة فقط. ربما ترون أن في هذا الكلام شيئًا من المبالغة، ولكني أستطيع إثباته بالحقائق والأرقام. توجد في مصر عشرة معالم حضارية وموارد اقتصادية لا تتوفر كلها مجتمعة لدولة واحدة أو حتى لبضع دول مجتمعة. في كل دول العالم نجد بحرًا أو بحرين، ونجد في مصر خمسة: الأبيض والأحمر والنيل وقناة السويس والسد العالي. في بعض دول العالم بترول، وفي مصر: بترول وغاز وذهب وحديد وجبال من المعادن ورمال من الكريستال. إنتاج مصر الزراعي يمكن أن يشمل كل ما يحتاجه الإنسان من غذاء وكساء لو فكرنا بمناخها الذي ينتج البردي في الجنوب، والتين والزيتون في الشمال. أكبر خطأ ارتكبته كل إدارات مصر السابقة، باستثناء "محمد علي باشا" أنها كانت تنظر حولها أكثر مما تنظر إلى نفسها. قديمًا كانت مصر تنظر إلى الشرق وهي ليست دولة شرقية؛ وحديثًا صارت تنظر إلى الغرب وهي ليست دولة غربية. مصر دولة شرقية وغربية، شمالية وجنوبية، أفريقية وآسيوية، عربية وفرعونية، مسلمة ومسيحية، قبلية ومدنية. ولهذا فهي مختلفة ولا يجب إدارتها، بل ولا يمكن إدارتها، كما تدار الدول العادية، لأنها تتوسط العالم كله وتشبهه كله، ولذا فهي عالم قائم بذاته؛ إنها حضارة لا دولة؛ والحضارة لا تستطيع ألا تكون مستقلة. عندما تطلعت مصر إلى الغرب، ذهبت متكاسلة وسائلة، فمدت يدها طالبة العون والمساعدة. وعندما تطلعت إلى الشرق، ذهبت معصوبة العينين بلا رؤية وبلا وجهة نظر. فحاولت تقليد الصين والهند واليابان وهي حضارات مثلها، وأبدت غيرة وخوفًا من إيران وإسرائيل وهما أقل منها. الغرب لن يفهم مصر لأنه يظن أنه ليس بحاجة لها. والشرق لن يفهم مصر لأنه مشغول في صراعه مع الغرب، ويظن أنه يستطيع القفز عنها. مصر كانت للغرب مجرد استراحة في الطريق إلى الشرق، وكانت للشرق مجرد قناة أو نقطة عبور إلى الغرب. وهي في حقيقتها قلب العالم، بل هي كما أرادها الفراعنة، وكما أراها اليوم: كل العالم. لو كنت رئيسًا مصريًا عصريًا، أو رئيس وزراء منتخبًا، ماذا ستفعل؟ ما هي الرؤية التي ستضعها لمصر 2020 وما بعدها؟ هل ستضع على عينيك نظارتك الإيطالية وترتدي بزتك الفرنسية وتركب سيارتك الألمانية وتحلق بطائرتك الأمريكية وتجوب العالم طالبًا المساعدة؟ أم ستخرج للشمس وترتدي الجلابية وتتجول في مصر على قدميك لترى مصر الحقيقية. أنصحك بأن تنظر في الاتجاه المعاكس؛ اذهب إلى أفريقيا لتساعدها فتخلق تحديات اقتصادية وعلمية وصناعية وزراعية لكل المصريين! وإلى آسيا لتتفاعل وتتعاون وتتكامل معها فتخلق تحديات حضارية وثقافية ومستقبلية لكل الأفريقيين والآسيويين ولكل العالمين. ثروة مصر الحقيقية هي شخصيتها وهويتها، مضافًا إليها تحدياتها. وها هي شخصيتها تنهض، وهويتها تتجلى، وتحدياتها تتعالى. نسيم الصمادي
-
التأصيل والتفصيل في تعريب لغة التدريب يقول عالم الفلك "جاليليو" وهو أستاذ الملاحظة والاكتشاف: "لا تستطيع أن تعلم أحدًا أي شيء، كل ما تستطيعه هو مساعدته على أن يكتشف لنفسه بنفسه."هذه المقولة تفسر أسرار شغف الإنسان بالتعلم الذاتي على الفضاء الإلكتروني، حيث ينتقي ما يريد، فيتعلم ويعيد نشر ما تعلمه في نفس الفضاء المفتوح؛ فيستفيد ويفيد. كما يفسر ظاهرة الاهتمام بالتدريب التوجيهي أو "التوجيه" وهو أفضل مصطلح لتعريب ما يسمى بـ "الكوتشينج " (Coaching)؛ حيث ما زلنا نخلط بين نوعين من التعلم والتدريب هما: التدريب (Training) والتوجيه أو الإرشاد (Coaching) – شخصيًا وعلميًا أفضل استخدام مصطلح التوجيه على مصطلح الإرشاد لسبب وحيد سأوضحه لاحقًا. يعتقد معظمنا - حتى الخبراء والمتخصصين منا - أن "التدريب" هو مجرد تعليم وتوجيه جماعي، وأن "التوجيه" هو مجرد تدريب فردي. ورغم أن هذا التفريق صحيح، فإنه مجرد اختلاف ظاهري أو إجرائي لأن هناك عشرات الاختلافات الجوهرية والعميقة؛ ليس بين العملية التدريبية والعملية التوجيهية فقط، وإنما في أهداف واستراتيجيات ونتائج كل من التدريبين إن صح التعبير. وعندما أقول "كلاً من التدريبين" فإنني أعني ما أقول، لأن كل توجيه تدريب، وليس كل تدريب توجيهًا. التدريب محوره المدرب، ويُستخدم لسد ثغرات معرفية ومهارية وفنية. أما التوجيه فمحوره المتدرب، أو الموجَه (بفتح الجيم)، ويُستخدم لسد ثغرات سلوكية وإدراكية وذهنية. ولهذا فإن المدرب يواجه المدربين ومعه منهاج تدريب معد مسبقًا، لينقله لهم ويطبقه عليهم. أما الموجه فيأتي ليوجه المتدرب (غالبًا متدرب أو مدير واحد) ويساعده ويشاركه في تطوير المحتوى والمسار التدريبي في أثناء عملية التدريب، فيتركه يكتشف ويطور ويغير نفسه بنفسه. ولذا من الضروري أن يكون المدرب ملمًا بموضوعه معرفيًا وفنيًا ومهاريًا؛ وغالبًا ما يحمل شهادات ورخص تدريب وتعليم تتلاقى وتتقاطع مع تخصصات المتدربين والموضوعات التي يدربها. وليس ضروريًا أن يكون الموجه ملمًا في مجال وتخصص ونشاط عملائه ومتدربيه. فهو يقودهم إلى وضع الأهداف واكتشاف المشكلات ووضع الحلول من خلال عملية إجرائية واحترافية بحتة. ولهذا السبب يكون المدرب مسؤولاً مباشرة عن نجاح أو فشل متدربيه. بينما يتحمل المتدرب أو المدير الذي يتم توجيهه مسؤولية الرؤية والقيم التي سينطلق منها، والأهداف التي سيضعها، والثغرات التي سيكتشفها، والخطوات التي سيخطوها، والقرارات التي سيتخذها والنتائج التي سيحققها. ولهذا قد تستمر عملية التوجيه عدة أسابيع، وقد تطول شهورًا وتدوم أعوامًا. وهناك مديرون يعينون موجهين ومرشدين ناصحين في وظائف دائمة، ليوجهوا المدير ومساعديه في الصفين الأول والثاني باستمرار. في الرياضة مثلاً، هناك مدرب "Trainer" وهناك موجه "Coach" . المدرب ينزل الملعب ويلعب مع اللاعبين ويستعرض لهم ومعهم المهارات، ويؤدي نفس الحركات التي يطلبها منهم. بينما يقف الموجه خارج الملعب، ويضع الخطة على الورق، ويحدد نقاط قوة وضعف فريقه، ويحدد من يلعب ومن لا يلعب في كل مباراة، ويدرس الخصم، ويعدل في الخطة بناء على مجريات اللعب، ويجري التغييرات، ويحلل أخطاءه وأخطاء الفريق المنافس، ويعمل قبل المباراة وبعدها، أكثر مما يعمل في أثناء سير اللعب. فدور المدرب هنا تكتيكي وفني ومهاري، ودور الموجه استراتيجي وتحفيزي وإلهامي. يركز المدرب على النتائج السريعة، ولهذا يزول مفعول أدائه التدريبي سريعًا. ويركز الموجه على النتائج بعيدة المدى، ولهذا يرسخ مفعول أدائه التوجيهي، وقد لا يزول تأثيره أبدًا. وعلى الرغم من أن مصطلحي "توجيه" و"إرشاد" يستخدمان في اللغة العربية بالتبادل، ويكادان يعبران عن نفس المعنى، فإن "المرشد" أعلى مرتبة من "الموجه". فالمرشد يقوم بنفس عملية التوجيه، لكنه يتمتع بدرجة علمية ومعرفية أعلى، وبمرتبة قيادية أسمى. فهو قائد يكتنز معرفة علمية ومنهجية، بالإضافة إلى مكانة قيادية ورؤية فكرية وفلسفية أيضًا. نسيم الصمادي
-
خدمة العملاء.. لا صدمة العملاء الخدمة المتميزة هي التي تحقق توقعات العميل وتلبي احتياجاته في الوقت المناسب وبالتكلفة المناسبة وتترك لديه انطباعًا إيجابيًا يجعله يعود إلى التعامل مع مقدم الخدمة مرة بعد أخرى. هذا يعني أن الخدمات المتميزة لا تقدم للعميل أكثر مما يحتاج، ولا تبالغ في تقديم قيم مضافة ومرتفعة التكلفة، ولا تغري العميل لشراء ما يزيد عن احتياجاته. قدمت شركة "جت بلو" للطيران عرضًا لعملائها يمكنهم من السفر على مدار شهر كامل مقابل 700 دولار؛ مما دفع الآلاف من القاعدين إلى شراء التذاكر والتنقل بين المدن دون توقف وأحيانًا بلا هدف؛ ظنًا منهم أنهم يسافرون ببلاش. هؤلاء المسافرون بفعل الإغراء لم يدركوا أنهم كانوا يهدرون أكثر مما يكسبون، ويستهلكون أكثر مما يستطيعون استجابة لعرض مغر هدفه ملء مقاعد الطائرات في أوقات الركود. أحدهم اشترى تذكرة وارتحل لمسافة 30 ألف كيلومتر وزار 14 ولاية وهو يجري مقابلات للحصول على وظيفة، لكنه فشل. وكان من أسباب الفشل أنه كان يصل مواعيد مقابلاته مرهقًا ومشتت الذهن بسبب السفر المتواصل. هذه الشركة تشبه شركة مطاعم وجبات سريعة معروفة تعمد - في الأسواق التي يشتد فيها التنافس - إلى تقديم عروض مميتة حيث يدفع الزبون الجائع مبلغًا مقطوعًا ويأكل كل ما يستطيع، حتى لو أدى الأكل الزائد إلى تخمته ثم زيادة وزنه ثم مرضه. فهي تقدم أكلاً رخيصًا وغير صحي وبطريقة غير أخلاقية لينطبق عليها المثل "تدس السم في الدسم" لأن أكلها دسم وسام. دعاني أبنائي مؤخرًا إلى تناول الغذاء في مطعم فاخر يقدم الوجبات الصينية أو لنقل الشرقية، لكنه أمريكي المنشأ. عندما تدلف إلى المطعم تقابلك نادلة حسناء وتقودك إلى مقعد وثير، ثم تسلمك إلى نادل هندي ليقوم على خدمتك أو صدمتك. كنت وأبنائي نبحث شأنًا خاصًا ونريد مناقشة بعض المسائل المتعلقة بعملنا بهدوء. لكن "الجرسون" الهندي أبى أن يسمح لنا بذلك. فقد كان يتدخل كل 3 أو 4 دقائق ليشرح جودة الأكل، وأنواع الخلطات والنكهات الشهية التي تميز المطعم. فرغم أننا أتينا إلى المكان بمحض إرادتنا، إلا أنه واصل عزفه التسويقي المنفرد حتى نهرته بعد محاضرته الخامسة وطلبت منه أن يتركنا نأكل بطريقتنا ونتحدث براحتنا. وعقدنا العزم على ألا نعود لهذا المطعم مطلقًا، لا سيما وأن أكله مرتفع التكلفة بسبب المبالغة في تصاميمه الداخلية وأناقة مضيفيه وموظفيه، دون أية قيمة مضافة لطعامه وشرابه. ما كتب في خدمة العملاء كثير، لكن قليلين هم من تنبهوا إلى أن الخدمة المبالغ فيها تؤتي أثرًا عكسيًا في الغالب الأعم؛ لا سيما عندما يدرك الزبون أنه يدفع مقابل إضافات ولمسات لا يحتاجها. خدمة العملاء تبدأ وتنتهي بعملية اتصال إنساني؛ إما أن تكون ناجحة أو فاشلة. وهي أيضًا ذات مبنى ومعنى ومحتوى ورسالة؛ والزائد فيها أيضًا ضار مثل الناقص.
-
شهادة ميلاد الرئيس هي شهادة وفاة الأمة يصدر في منتصف شهر مايو 2011 كتاب بعنوان: "أين شهادة الميلاد؟ "باراك أوباما" لا يستحق الرئاسة". وقد سبقت صدور الكتاب أغبى حملة علاقات عامة عرفها التاريخ. في وقت تعاني فيه أمريكا من أزمة ثقافية وأزمة أخلاق وهوية، شغلت أكبر دولة في العالم نفسها أسبوعًا كاملاً بمناقشة قضية سخيفة تثبت بأن هذه الأمة العظيمة التي صنعت الكمبيوتر وبرامجه والموبايل وتطبيقاته، وغزت الفضاء، وكشفت أسرار الذرة وتقنيات النانو، قد ضلت طريقها إلى غير رجعة. فقد كان السؤال الذي يطرحه الإعلام الأسود على البيت الأبيض هو: "أين شهادة ميلاد الرئيس؟". بعد سنتين من الحكم تذكرت ماكينة العلاقات العامة أن الرئيس ربما لا يكون مولودًا على الأرض الأمريكية الطاهرة! ومع صمت الرئيس وقرب صدور الكتاب المذكور، تنطع "دونالد ترامب" وطلب من البيت الأبيض نشر شهادة ميلاد الرئيس ليتأكد أنه أمريكي المولد. واستمر البحث في السجلات حتى خرجت الشهادة وعقدت لها المؤتمرات الصحفية وقرأها العالم أجمع لتصبح أشهر شهادة ميلاد رجل وأشهر شهادة وفاة أخلاق. لا غرابة في أن تتفوق أمريكا على العالم في العلم والإعلام، وتتخلف عنه في الأدب والفلسفة والفن. ويبدو أن الأديب الأمريكي "مارك توين" كان يعبر عن بلده فقط عندما قال: "هذا العالم يتصف بوفرة الشجاعة المادية، وندرة الشجاعة الأخلاقية." نعم، فكما قال "آينشتاين": "النسبية تنطبق على الفيزياء ولا تنطبق على الأخلاق والأحياء." ويبدو أن مجتمع العلاقات العامة الأمريكي بدأ يأكل نفسه. فمن يأخذ بالأخلاق دون العلم يعيش ضعيفًا ولا ينفع نفسه، ومن يأخذ بالعلم دون الأخلاق يصبح أكثر خطرًا على نفسه. يحمل "جيروم كرسي" مؤلف الكتاب إياه، درجة الدكتوراه من جامعة "هارفارد"، ورغم ثبوت أن شهادة الميلاد صحيحة فإنه لم يعتذر، بل ويصر على توزيع الكتاب ليثير تساؤلات عما تعلمه الدكتور "كرسي" في "هارفارد": هل درس العلم أم الأخلاق؟ وبالمثل، يتمسك "دونالد ترامب" بنظريته حول عدم أهلية الرئيس، مما عرضه لهجوم ساحق واتهم بالكذب كونه يفكر بالترشح للرئاسة، ولأن برنامجه التلفزيوني حول المشاهير الجدد فقد بريقه وجمهوره وهو يحاول استعادة الأضواء بأساليب غير أخلاقية. تعاني أمريكا اليوم من انخفاض تصنيفها الائتماني، واستمرار ركودها الاقتصادي، وهزائمها في الخارج، وخلافاتها حول الضرائب والميزانية والخدمات الصحية في الداخل. فلماذا لم تلق دعوة الأمريكيين العقلاء - وهم قلة - أن تواصل القافلة الأمريكية سيرها رغم نباح الكلاب آذانًا صاغية؟ طبقًا لنظرية "ستيفن كوفي" فإن شخصيات قادة أمريكا ظلت حتى الحرب العالمية الثانية تتسم بالأصالة وتنطلق من الداخل وتعبر عن الجوهر. وصارت بعد الحرب تصنع في الخارج وتتسم بالنذالة وتعبر عن المظهر. صعدت أمريكا على أكتاف قيادات عظيمة، وها هي تسقط بأيدي شركات الإعلام والعلاقات العامة السقيمة. البحث عن شهادة ميلاد الرئيس، هو بحث عن شهادة وفاة أمة. نسيم الصمادي
-
هل ستشرق شمس اليابان بعد "فيكوشيما" مثل "هيروشيما"؟
موضوع تمت اضافته ranasamaha في منتدى الحوار العام
هل ستشرق شمس اليابان بعد "فيكوشيما" مثل "هيروشيما"؟ يرى المحللون وخبراء الاقتصاد أن زلزال اليابان هو أكبر كارثة طبيعية عرفتها البشرية. وحتى لو توقف عدد القتلى عند عشرين ألفًا ولم تتجاوز الخسائر الاقتصادية التقديرات الأولية التي وصلت إلى 250 مليار دولار، ولم ينفجر المفاعل النووي في "فيكوشيما" فإن الكارثة تبقى الأفدح في التاريخ. فهل في مقدور اليابان مواجهة كارثة بهذا الحجم؟ وهل هناك معايير ونظم معلومات ومؤشرات يمكن على ضوئها قياس مدى نجاح أو فشل الحكومات في إدارة الأزمات؟ وما هو الفرق بين الأزمة والكارثة؟ إذا كان زلزال "نيوزيلندا" الأخير أزمة، فإن زلزال "اليابان" كارثة! وإذا كان ما يجري للسودان أزمة، فإن ما يجرى للعراق كارثة! وإذا كان ما حدث في مصر أزمة، فإن ما يحدث في ليبيا كارثة؟ الكوارث والأزمات قد تكون طبيعية أو سياسية أو اقتصادية! ومثلما هناك أزمات حقيقية مثل: أزمة التسرب النفطي في خليج المكسيك وأزمة الاقتصاد العالمي ومرض الإيدز، فإن أكثر أزماتنا مفتعلة مثل: التشرذم اللبناني والانقسام الفلسطيني وتفجير طائرة "لوكيربي" وأزمة البورصات المحلية في الأردن. من المؤكد أن الحكومات والمؤسسات والأفراد مسؤولون عن الأزمات المصنعة (المصطنعة) التي تشمل الأزمات الاقتصادية والسياسية والصحية. فهي أزمات من صنع الإنسان أو ناتجة عن أفعاله. فماذا عن الأزمات الحيوية والكوارث الطبيعية؟ يمكن تحميل الإدارة اليابانية مسؤولية حجم الكارثة التي لحقت باليابان لا مسؤولية صنعها! فليس منطقيًا أن تبني دولة ذكية كاليابان مفاعلاً نوويًا على حافة أخطر أحزمة الزلازل في العالم! وليس من الحكمة إقامة تجمعات سكانية على شواطئ منخفضة تتعرض بحارها للزلازل كل يوم، ولتسونامي كل عام ونصف تقريبًا. فقد سجلت مراصد اليابان 195 تسونامي منذ منتصف القرن 18 حتى الآن. علمًا بأن "تسونامي" كلمة يابانية وتعني "أمواج الموانئ". فهل لكارثة تسونامي الأخيرة أية إيجابيات؟ تطبيقًا لنظرية "الهدم الخلاق" فإن الاقتصاد المعرفي المتطور والمرتكز على بنى تحتية قوية يتعافى من الكوارث الطبيعية بسرعة ويستعيد لياقته بسبب حاجة الشعوب الحرة للتحديات وقدرتها على المواجهة. كما أن الهزات الطبيعية تدمر الموارد والأصول المادية، ولا تطال الموارد البشرية وهي المحركات الحقيقية للاقتصاد والإنتاجية والروح والمعنوية والمواطن القوية والميزات التنافسية في الدول الديمقراطية. وحتى الدول الفقيرة المضارة بالكوارث الطبيعية – عكس الصراعات السياسية – تتلقى مساعدات مالية وفنية وخبرات عملية دولية تساعدها على النهوض من عثراتها وإعادة ترتيب أولوياتها. وطبقًا لفكرة "النوافذ المكسورة" التي طرحها الاقتصادي "فريدريك باستيت" فإن معظم ما يكسر ويدمر يعاد إصلاحه، وفي هذا تحريك للموارد المالية الراكدة، وللأيدي العاملة العاطلة، وإعادة لتوزيع الموارد. ففي حين تضار أسواق المال وشركات التأمين، يمكن أن تستفيد شركات البناء والغذاء والدواء على حد سواء. كما تعمد بعض الدول إلى إصلاح بناها التحتية وإلغاء بعض الصناعات المتهالكة وإحلالها بصناعات حديثة وقادرة على المنافسة. وبما أن "بلاد الشمس المشرقة" كانت في حالة بيات شتوي وكسوف شمسي عبر العقدين الماضيين، فمن المنتظر أن تصحو "اليابان" لتعيد بناء حضارتها، وتستعيد جدارتها كما حدث بعد هزيمة "الساموراي" وفاجعة "هيروشيما". فالشعوب الحية لا تعترف بالهزيمة، بل تحول المشكلات إلى فرص، والأزمات إلى مهرجانات. نسيم الصمادي -
التمتين والتنمية بعد أكثر من ربع قرن قضيتها في تأليف وترجمة وتلخيص مئات الكتب والمقالات في الموارد البشرية، يبدو وكأنني أعدت اكتشاف مفهوم التنمية والاستثمار البشري، ففهمت أبعاده واستوعبت بعض تداخلاته، بعد أن نظرت إليه من منظور "التمتين"، الذي ساعدني أيضًا على إعادة صياغة وتعريف: "التميز" في بيئة العمل. يتحقق التمتين من خلال مديرين ممتنين، يأخذون على عواتقهم تمتين الأفراد لبناء مؤسسات متينة. فالنتيجة الوحيدة والطبيعية والفعلية للتمتين هي النجاح. فقد ثبت بعد المزيد من الأبحاث الجادة أن المديرين الجديرين يقومون بأربعة أشياء لا خامس لها، وهي: - تعيين الموظف المناسب فقط. - توقع ووضع النتائج المناسبة فقط. - تحفيز الموظف المناسب فقط. - تطوير وتنمية المواهب المناسبة فقط. فالتمتين الذي يبدأ بحرف (التاء) يقوم على أربع (تاءات) أخرى هي: التعيين والتوقع والتحفيز والتطوير. لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فلكي تختار الموظف المناسب، يجب أن تعرف الفرق بين: المهارة والمعرفة، والسلوك والعادة، والدافع والموهبة، وما الذي يمكن تغييره في شخصية الإنسان، وما الذي يجب تثبيته وعدم الاقتراب منه. بعبارة أخرى: ما هو الجانب المسير وما هو الجانب المخير في الإنسان. لتوضيح ذلك نسوق قصة الأب الذي قال لابنه: "قال لي معلمك أكثر من مرة إنه لا يمكن تعليمك أي شي!" فرد الابن: "وأنا قلت لك أكثر من مائة مرة إنه معلم فاشل." والفكرة هي: لا يوجد إنسان عاقل لا يمكن تعليمه أي شيء؛ فلكل منا موهبة خاصة ليتعلم شيئًا واحدًا على الأقل أفضل من غيره. ولكي تتوقع النتائج المناسبة، عليك أن تعرف أي من أجزاء الوظيفة يجب تنفيذها بحذافيرها، وأي الأجزاء تتركها للموظف لكي يبتكر ويغير ويطور فيها؛ فإذا لم تدرك ذلك، ستصاب أنت والموظف بالارتباك والتشوش، ولن تتمكن أيضًا من وضع الموظف المناسب في المكان المناسب. ولأن الوقت هو أعز وأثمن مواردك كمدير، يجب أن تحدد فيما وفيمن تستثمر وقتك: في فض المنازعات أم في تنمية القدرات؟ هل تمتن الأقوياء أم تقوي الضعفاء؟ هل تحسن المهارات الفنية أم تنمي المواهب الفطرية؟ وهذا هو الفرق بين التمتين والتقوية. فنحن نمتن القوي، ونقوي الضعيف. نتيجة التقوية هي أداء متوسط، ونتيجة التمتين هي أداء متميز. وبالمناسبة، فاللغة الإنجليزية – على حد علمي – تخلو من كلمة تعبر عن المعنيين: اللغوي والاصطلاحي للتمتين؛ فهي تستخدم (تقوية) لتعبر عن تقوية الضعيف وتقوية القوي. مع أن الفارق كبير. لقد درجت المؤسسات والمجتمعات والحكومات على القول بأن الإنسان هو رأس مالنا الحقيقي، وهذا خطأ علمي. فالإنسان السلبي وغير المنتج يقع – بلغة المحاسبة والاقتصاد – في خانة "الخصوم" لا في خانة "الأصول". فأغلى ما نملكه هو الإنسان المتين والأمين. القوة والمتانة ترتبطان دائمًا بالرزق والأمانة: "إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين" و "إن خير من استأجرت القوي الأمين" صدق الله العظيم. وهذا مبدأ إداري وحضاري وتنموي عظيم. لقد ثبت علميًا وبفحص وتصوير الخلايا العصبية في الدماغ أن الناس لا يتغيرون بعدما يكبرون، بل تكبر وتمتد نقاط قوتهم ونقاط ضعفهم معهم. ومن الأخطاء الإدارية الشائعة التي زادت من الهدر في التنمية البشرية والاقتصادية وساهمت في البطالة والعطالة، محاولة تغيير سلوك وعادات الموظفين بعدما يلتحقون بالعمل. الصحيح هو أن "نمتن" - أي نعزز ونقوي ونمكن - نقاط القوة فقط. وهذا ليس أمرًا سهلاً بحد ذاته؛ فمحاولة سد كل الفجوات وإصلاح كل النقائص تكلف المجتمعات المليارات دون عائد مقنع على الاستثمار والتنمية. ومصدر الخطأ هو الاعتقاد بأننا يمكن أن نصل إلى الصحيح بدراسة الخطأ. وهذا خطأ! من الخطأ أن ندرس حالات الطلاق لنحافظ على الزواج، وأن ندرس الاكتئاب لنحقق السعادة، وأن ندرس أسباب زيادة الواردات لنرفع الصادرات، وأن نحلل الديون لتدبير مصادر التمويل، وأن ندرس أسباب التلوث لنحافظ على البيئة، وهكذا ... فعندما نركز على قياس شيء ما، فإننا نغفل قياس نقيضه. وبالمثل، عندما تركز سياستك الإدارية والتدريبية على التعامل مع الأخطاء، فإنك ستتجاهل – تلقائيًا - السلوك الإيجابي. فنحن لا نرى سوى ما نريد أن نراه؛ وما نركز عليه، نحصل عليه. وبالمثل: فإن استخدام الحاسب الآلي لتحقيق العدالة في التنسيق الجامعي على أساس المجموع والتوزيع الجغرافي، يجعلنا نغمض أعيننا عن الظلم، لأننا نوزع التخصصات بناء على ما يسهل قياسه، لا على ما يجب قياسه. وهنا يلعب "التمتين" في التربية والتعليم وفي التنمية البشرية دورًا خطيرًا. نسيم الصمادي
-
علاقات القاهرة أيام الثورة الساخرة عندما شاهدت أجمل البنات المصريات ينظفن الشوارع أمام مكاتبنا في مدينة نصر، عرفت أن الثورة قد انتصرت. حدث ذلك بعد عشرة أيام من انطلاق ثورة القاهرة الساخرة. وعندما عدت من شارع الطيران إلى الحي السابع في مدينة نصر كان علي أن أحفظ كلمة السر لكي يسمح لي فتيان الحي الشجعان باجتياز الحواجز الاعتراضية التي بناها شباب لجان حماية الثورة. وفي صباح هذا اليوم استقبلت رسالة من شاب يدعى "هيثم هاني" يشكر فيها كل من شاركوا في تنظيف شارع الطيران حتى صار يضاهي ميدان التحرير في بهائه وصفائه. ومن خلال مشاهداتي الشخصية وقراءاتي اليومية أعتقد أن العلاقات الإنسانية بين المصريين لم تصل أبدًا إلى هذه الدرجة من المتانة والرصانة منذ ثورة أحمد عرابي في القرن التاسع عشر. لقد عجز الإعلاميون والسياسيون والعسكريون والمفكرون والمسوقون عن اختيار اسم واحد لهذه الثورة. لقد وصفها مراسل "بي بي سي" في القاهرة بأنها الثورة الضاحكة وهو اسم جميل لولا أن فيها الكثير من البكاء. هي ثورة ملونة؛ لا حمراء ولا بيضاء؛ لا ضاحكة ولا باكية؛ اختلطت فيها الجنائز بالأعراس، والأهلة بالأجراس، والجمال بالدبابات، والماء بالنار، ومسارح الكوميديا بحلقات الزار لطرد الأرواح الدكتاتورية الشريرة. هذه هي الثورة الوحيدة التي يشاهدها العالم على الهواء مباشرة من أولها إلى آخرها، وكأنها فيلم سينمائي عالمي شارك فيه 80 مليون تتراوح أعمارهم بين التسعين عامًا والتسعة أشهر. ولأنها ثورة حرة وخالية من الخطط والاستراتيجيات فقد نفذت بدون قائد، فقد كانت العلاقات الإنسانية الحميمة وحضارة مصر القديمة، والجديدة العظيمة، هي التي تقود التاريخ الطويل إلى المستقبل الجميل. كتبت قبل ثلاثين عامًا قصيدة بعنوان "أسميك أنت" قلت فيها: "ونحن نسافر، نحمل أحزاننا في الحقائب. تقرأ كل المطارات أوراقنا، وتعرف كل الشوارع أقدامنا، وتشرب كل الفنادق أحلامنا؛ فماذا أسميك؟ أسميك غائبة؟ فارجعي! أسميك قادمة؟ فاسرعي". وها هو السؤال ما زال يتكرر: ماذا نسمي ثورة مصر 2011؟ * الثورة النظيفة؟ لأنها نظفت الشوارع وكنست الفساد * ثورة الشباب؟ لأن الذين نفذوها وعاشوها ما زالوا بين العشرين والثلاثين * ثورة الالتزام؟ فبعد مرور أربعة أسابيع على انطلاقها انخفض الدولار ولم ترتفع الأسعار! * ثورة الشعب في خدمة الشرطة؟ فهي أول ثورة في التاريخ يحمي فيها الشعب الأعزل رجال الأمن المسلحين ويعود فيها السجناء الخارجون والمخرجون إلى سجونهم مختارين! * هل نسميها "الثورة"؟ مثلما نفعل في التسويق ونطلق اسم أشهر علامة تجارية على كل الصناعة، فنسمي التصوير "زيروكس" وكل المناديل "كلينيس" وكل الزيت "عافية" وكل الموبايلات "نوكيا"؛ هل نسميها: "الثورة"؟ نسيم الصمادي
-
هل الحكومات غبية أم تتغابى؟ حتى لو بدت الحكومات ذكية، فهي في الواقع غبية. معظم الحكومات تعمل بغباء وقلة منها فقط مكنت مواطنيها وتركتهم يعملون ويبدعون، فأراحت رأسها من وجع القلب وجلست تبتسم. هل رأيتم حكومات تبتسم؟ الحكومات في سنغافورة والبرازيل وتركيا وماليزيا وأستراليا وأستونيا والصين تجلس على مقاعد فارهة، وتتأمل شعوبها تعمل وهي تبتسم. أما حكومات تونس وليبيا ومصر والعراق وسوريا واليمن ولبنان والسودان والأردن وأسبانيا وآيسلندا واليونان وإيران وأفغانستان وباكستان وأمريكا، فهي تذرف الدموع من شدة غبائها، لأنها لم تدرك أن أفكار الماضي البطيء لا تصلح لإدارة الحاضر العاصف. في الماضي كانت الحكومات تهتم بحدودها وجيوشها وجغرافيتها وتاريخها. واليوم تهتم الدول الحديثة بمواردها المعنوية مثل: الثقة، والسعادة، والمعرفة، والشفافية، والحرية. الزواج الذي تم بين الإدارة الحكومية والمعرفة، وبين السلطة والاستراتيجية، وبين التكنولوجيا والقيادة، كان زواجًا مفتعلاً وتلقيحًا مصطنعًا، لأن الحكومات ما زالت تختار الحل الأسهل لا الحل الأفضل. ها هي أكبر دولة في العالم مثلاً تعالج مشكلاتها الاقتصادية بالمسكنات، فتهدر طاقاتها ويتفاوض حزباها الجمهوري والديموقراطي لشهور دون طائل، ثم تلجأ إلى الحل الوسط الذي يرضي جميع الأطراف لتنجو من الإفلاس، بدلاً من أن تختار الحل الصحيح والمتمثل في النظر للمدى البعيد وبناء مجتمع عادل. كل الحكومات تقريبًا تعمل بأساليب تكتيكية قصيرة المدى، بدلاً من توظيف استراتيجية بعيدة المدى. حتى الحكومة الديموقراطية التي تبدو ذكية، لا تتعلم من أخطائها وهي ترى الطريق يأخذها سريعًا إلى الفشل. فالدول الحديثة تواجه الفشل بمزيد من القوانين والتشريعات الفاشلة. الحكومات غبية، لأن في التغابي والتغاضي خداعًا للذات. الغبي لا يعبأ بالمستقبل، فيستهلك موارده، ويتجاهل معطياته، ليحقق مكاسب سريعة. معظم الدول تبالغ فيما يمكن تحقيقه على المدى القصير، وتقلل من شأن ما يمكن تحقيقه على المدى الطويل. ولهذا السبب فهي تقطع شجرة كي تقطف ثمرة. كلنا نعرف قصة الفلاح الذي كانت دجاجته تبيض ذهبًا، فذبحها ليستخرج كل الذهب مرة واحدة، فلم يجد إلا الخيبة السريعة والنحس الدائم. فلماذا ترفض كل الحكومات أن تتعلم؟ لماذا لا تسأل نفسها عن سبب وجودها؟ لو سألت الحكومة عن سر وجودها لعرفت أهدافها! وأدركت ماذا يجب أن تعمل وكيف تعمل! وما هو العمل الصحيح ليستمر! وما الذي يستحق إعادة النظر؟ الحكومات غبية لأنها عندما تتغابى، تفقد بوصلتها وإيمانها بدورها وتتجه إلى المصالح الشخصية، والاستراتيجيات السلبية، والقرارات الديكتاتورية، فتفقد دورها وتموت، بدلاً من أن تمسك بطرف الخيط وتضع السلطة والمعرفة في خدمة الصالح العالم، كما ينص عنوان كتاب (فن الاستراتيجية الحكومية) الذي سننشر ترجمته الكاملة قريبًا، لعل بعض الحكومات العربية تسترد بعض ذكائها المفقود. نسيم الصمادي
-
حرب البترول بين "أوباما" و شركة "بي پي" هناك حرب شرسة دارت رحاها بين رئيس أكبر دولة في العالم وبين رئيس أكبر شركة بترول في العالم، والسبب أن كلاً من الرئيسين يريد المحافظة على أسهمه مرتفعة لدى مواطنيه ومستثمريه وينقذ صورته الملطخة بالنفط الذي طيَّن سواحل خمس ولايات أمريكية تطل على خليج المكسيك. اندلعت المعركة عندما انفجرت صمامات بئر بترول عميقة تستثمرها شركة "بي پي " – واسمها القديم "بريتش بتروليوم" – في خليج المكسيك. ولم ينس "أوباما" طبعًا ما حدث لسلفه "جورج بوش" عندما دمر إعصار "كاترينا" مدينة "نيو أورليانز" على نفس الخليج، ولم يهب لنجدتها بسرعة. فصب "أوباما" جام غضبه على الشركة العالمية ذات الأصول البريطانية ليرفع أسهمه، وأطلق التصريحات النارية فأحرق أسهم الشركة التي انخفضت حتى الآن أكثر من 30%. فما هي الدروس التي يمكن أن تتعلمها شركاتنا وحكوماتنا من التسرب النفطي المستمر في خاصرة "بي پي"؟ • أولاً: أغفل رئيس الشركة "توني هيوارد" تحذيرات مهندسيه ولم يخصص بضعة ملايين لصيانة البئر العميقة التي تقع تحت سطح الخليج بحوالي ميل تقريبًا. وبهذا فإن امتصاص البترول من هذه الأعماق تحت الماء بدون توفير تكنولوجيا متقدمة يشبه امتصاص الدماء. وفيما يبدو أن الشركة أجرت كل الحسابات ما عدا سيناريو الكارثة. فقد مات 11 فنيًا عندما انفجرت البئر، وخسرت الشركة 2 مليار دولار في مراحل التنظيف الأولى، وعليها أن تخصص الآن حوالي 20 مليار دولار تعويضات، وهبطت قيمتها بحوالي 12 مليارًا في يوم واحد. فكلما تواصل نزيف نفطها في أعماق الخليج، كلما تواصل نزيف أسهمها في البورصات العالمية. فبترولها يحترق ودخان أسهمها يتطاير. • ثانيًا: كررت "بي پي" نفس الخطأ الذي ترتكبه الشركات الناجحة. فقد كان يُضرب بها المثل في الاهتمام بالبيئة، لكن أرباحها التي وصلت إلى 20 مليارًا عام 2009 أعمتها عن رؤية الحقيقة. فوجهت استثماراتها نحو التنقيب عن المزيد من البترول في الأعماق، دون إدراك أن للمجازفة مخاطرها، وأنها كلما حفرت أعمق، كلما احتاجت إلى المزيد من الأبحاث والتطوير في تقنيات الحفر والتنقيب. فالوصول إلى القمة أو الحفر أميالاً في الأعماق لا يكفي. لا بد من قواعد قوية تصعد عليها لكي ترتقي، ولا بد من وسائل نجاة وخزانات أوكسجين ضخمة تساعدك على مواصلة التنفس في الأعماق. • ثالثًا: يقول "وارين بافيت" وهو من أثرياء العالم : "تحتاج عشرين عامًا لبناء سمعة رائعة لأعظم شركة وخمس دقائق فقط لتدميرها." فحتى لحظة انفجار البئر كانت الشركة هي الأشهر والأعظم، لكن سمعتها وصورتها انهارت لحظة الانفجار. وعندما سؤل "توني هيوارد" في ذروة الأزمة عن أمنيته قال: "أريد أن تنتهي الأزمة لأعود وأعيش حياتي." وفيما يبدو أن شركته تفتقر إلى خبراء الاتصال ومستشاري العلاقات العامة. فالمشكلة بالنسبة له ليست تدمير البيئة، ولا مليارات الحيوانات البحرية التي تموت بسرعة الصوت. المهم هو أن يعيش حياته. أما الحياة البحرية والشاطئية فهي ليست ضمن أولوياته. كنت في جامعة "روتجرز" في "نيوجرسي" في صيف عام 1985 وكان عدد من الأمريكيين قد مات بعدما تناولوا "تايلينول" وهو دواء مسكن يشبه "البنادول" تنتجه شركة "جونسون آند جونسون". كان مقر الشركة في "نيو برونزويك" في ولاية "نيوجيرسي" على بعد مئات الأمتار من الجامعة. وعندما أعلنت حالة الطوارئ في الشركة كنت أرى طائرات الهيلوكبتر تقلع وتحط على مبنى الشركة. فقد واصلت الإدارة اجتماعاتها حتى صدر القرار الشجاع الذي أعلنه رئيسها وهو سحب كل عبوات "تايلينول" من الأسواق في كل أنحاء العالم. تم إيقاف إنتاج الدواء لسنوات حتى أعيد تصميم عبواته بطريقة محكمة حتى لا يستطيع أحد فتح العبوات ووضع السموم القاتلة مكان كبسولات "التايلينول". وحينها صفق العالم كله لـ "جيمس بيرك" رئيس الشركة لأنه اتخذ القرار الصعب: "سحب الدواء وخسارة عشرات الملايين على المدى القريب، لمواصلة النجاح وتحقيق عشرات المليارات على المدى البعيد." ومن الواضح أن المهندس "هيوارد" لم يتعلم من الدكتور "بيرك". نسيم الصمادي
-
ورحل "غاندي الإدارة" سي كيه" هكذا كان العالم يناديه. إنه البروفسور "سي كيه براهالاد" أعظم حكماء الإدارة في القرن 21. وأنا من أطلق عليه "غاندي الإدارة"، وقد اختارته مجلة "فورتشن" وجامعة "هارفارد" كأعظم مفكر إداري في عامي: 2008 و2009. نشرنا خلاصة كتاب "سي كيه" الشهير في شهر ديسمبر من عام 1994 وكان بعنوان: "التنافس على المستقبل". لخصت هذا الكتاب بنفسي قبل 16 عامًا بعدما تأكدت أنه نتاج أحد أعظم العقول في التفكير الاستراتيجي في العالم. كثيرون لا يعرفون "سي كيه"، ولكن دعاة العولمة ومنظري الاقتصاد والأعمال، وطلاب الفكر الاستراتيجي الأصيل يعرفونه جيدًا. فحين حل "سي كيه" في المرتبة الأولى كمفكر عالمي، جاء "بيل جيتس" في المرتبة السابعة، و"جاك وولش" في المرتبة 20، و"ستيفين كوفي" في المرتبة 29. درس "سي كيه" الفيزياء في الهند، وحصل على الدكتوراه من جامعة "هارفارد" وشغل منصب كبير أساتذة الأعمال في جامعة "ميتشجن". وقد أحدثت نظريته الاستراتيجية الأولى "الجدارات المحورية" دويًا هائلاً في أواخر القرن الماضي. ويكفي أن نعرف أن نظرية "استراتيجية السوق الأزرق" قامت على أكتاف "سي كيه" معتمدةً على الرؤية الجديدة التي صاغها في "استراتيجية الجدارات المحورية". كان الراحل "سي كيه" إنسانًا بسيطًا وشديد الإخلاص للهند. وفي توجهه لمساعدة اقتصاد بلاده على النهوض ركز في طروحاته على "الحوكمة الحكيمة" والمعايير الأخلاقية السامية ناقلاً معظم مبادئ "غاندي" إلى كتبه ومقالاته واستشاراته ومحاضراته. ولكي ندرك سر عظمته وكيف غيرت نظريته العالم فور تطبيقها على أرض الواقع، نقول بأنه كان يبتسم دائمًا عندما يقول: "اتسم القرن العشرون بالديمقراطية السياسية ويجب أن يتسم القرن 21 بالديمقراطية الاقتصادية، أو "دمقرطة التجارة العالمية"." في كتابه الأخير "الثروة في قاع الهرم" طرح "سي كيه" نظرية "العولمة العكسية". ومن خلال فكرة "الابتكار العكسي" لقن "سي كيه" مفكري الغرب درسًا في أخلاقيات العولمة. ومع الانهيار المتعدد الجنسيات وسقوط الكبار عام 2008 تبين أن رؤيته يمكن أن تنقذ العالم من الانهيار. فلو حدث أن انهارت أسواق الصين والهند بعد انهيار أوروبا وأمريكا، فسوف تحيق الكارثة بالجميع. رأى "سي كيه" أن الثروة الحقيقية والتنمية المستدامة ستنبع من أسفل الهرم. ففي حين يعيش 5 مليارات من الفقراء في قاع الهرم، هناك مليار واحد من الأغنياء الذين فشلوا في إدارة ثروات العالم وصنعوا الانهيار وسقطوا من على قمة الهرم. ومن خلال "الابتكار المعاكس" و"الابتكار المشترك" نادى "سي كيه" بضرورة ابتكار منتجات وسلع تتوجه أولاً إلى المليارات الخمسة في قاع الهرم، ثم يتم تصديرها إلى المليار الغني على قمة الهرم. أي أن يتم الابتكار والإنتاج بجهد مشترك بين الفقراء والأغنياء، على أن يتم التسويق للفقراء قبل الأغنياء. منطلق نظرة ونظرية "سي كيه" يختلف تمامًا عن دعوات أشياع العولمة والتعهدية الذين توجهوا للأسواق الفقيرة ليجنوا مميزات العمالة الرخيصة. لقد نادى بـ "الابتكار المعاكس" داعيًا العالم إلى إنتاج سلع رخيصة ومتقشفة يستخدمها الأغنياء كما يستخدمها الفقراء على حد سواء. لماذا؟ لأنه تنبأ بانهيار الاقتصاد العالمي وتراجُع القدرة الشرائية للجميع، وتأكد من استحالة التنمية المستدامة وإنقاذ الأرض من شرور الاستهلاك المفرط إلا إذا تحققت المساواة والعدالة وحدث اللقاء في منتصف الطريق؛ حيث يلتقي الشرق بالغرب والشمال بالجنوب في نقطة التوازن الطبيعي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديمقراطي في منتصف الهرم. ويمكن تلخيص ما تعلمناه من "سي كيه" فيما يلي: - كيف نتنافس على الفرص لا على الحصص. - كيف نفوز بقوة الهوية والشخصية المؤسسية والمعايير الأخلاقية. - كيف نبني المستقبل ونصنعه، بدلاً من أن نراقبه لنواكبه. - كيف نقرأ مؤشرات الانهيار قبل أن يحدث الدمار. - كيف نخدم الفقراء ونسعدهم ونحولهم إلى عملاء مستقبليين دائمين، ونربح. - كيف يحل التكامل والتواصل والتفاعل محل التنافس والطمع والجشع. - كيف يجذب الأغنياء الفقراء، ليصعد العالم - على أكتاف الفقراء - من سفح الهرم إلى قمته. نسيم الصمادي
-
مشكلات التراخيص و الشهادات المعتمدة هناك أنواع من الحريات: حرية العقيدة وحرية التعبير والتفكير والسفر وغيرها. وهناك أنواع من الحقوق: الحق في المواطنة والتعلم والعمل والحب والأمل وغيرها من حقوق الإنسان. وأضافت أمريكا حقوقًا أخرى لا غاية لها سوى البيع والربح. هناك الحق في الحصول على (جرين كارد) بعد إقامة 5 سنوات، والحق في دخول السحب على الهجرة لأمريكا مقابل 50 دولارًا، والحق في أن تستخدم الكمبيوتر بعد الحصول على شهادة ICDL، بشرط شراء رخصة من ميكروسوفت، وتدخل الجامعة برخصة التوفل، وتدير مشروعًا بشهادة PMP، وتصبح محاسبًا بشهادة CPA، وخبير بورصات بشهادة CFA، ومدير بشهادة MBA. من المؤكد أن الترخيص ضروري لكثير من المهن، فلا أحد يسكن عمارة لم يصممها مهندس، أو يسافر في طيارة يقودها طيار هاو، أو يخضع لعملية جراحية لا يجريها جراح. لكن حمى الترخيص طالت كل شيء، حتى وصلت نسبة المرخصين إلى 40% من العاملين في أمريكا، بعد أن كانت 5% في القرن الماضي. وما زالت هذه النسبة حول 13% في دول أخرى مثل بريطانيا واليابان. في أمريكا لا تستطيع العمل حلاقا دون ترخيص، وتحتاج لحوالي 750 ساعة تدريب لتمارس وظيفة "مانيكير". ولا تمارس أعمال الديكور قبل دراسة الألوان والحصول على رخصة، حتى لو كنت مهندس تصميم داخلي. حتى دفن الموتى يحتاج لترخيص، لأن المرحوم لن يرتاح في قبره ما لم تخرج جنازته على يد جنائزي معتمد! لكن رغم ترخيص كل أطباء أمريكا، بقي 20 مليون أمريكي دون رعاية صحية، ورغم ترخيص كل محاسبي أمريكا، بقيت مشكلات التزوير والتلاعب في ميزانيات الشركات ظاهرة شائعة، ورغم ترخيص كل خبراء البورصة، انهارت أسواق المال وأفلست الأعمال. فما فائدة كل هذه التراخيص ما دامت آثارها سلبية؟! فمن أبرز سلبيات التراخيص؛ تضخم حجم الحكومة الأمريكية بعدما وجدت هيئات لا تفعل شيئًا سوى الترخيص للآخرين، مع أنها غير مرخصة؛ وتفاقمت ظاهرة البطالة وحرمت الموهوبين من ابتكار مشروعات جديدة لأنهم غير مرخصين. وفي الدول العربية بدأنا نرخص كل شيء. فلا أحد يغني أو يمثل أو يرسم أو يكتب مقالاً دون ترخيص. وجاءت ظاهرة المدرب المعتمد في كل شيء. فهناك مدرب معتمد في البرمجة اللغوية، وممارس معتمد في بطاقات الأداء ومهارات الاتصال، ومع زيادة أعداد المدربين المعتمدين، وأعداد الخريجين على أيدي هؤلاء الممارسين العامين، زادت البطالة، وانخفضت الإنتاجية. التخبيص لغة، هو خلط الحابل بالنابل، والخبيص هو "الهريس" وأي شيء اختلط بعضه ببعض. وما نراه في أسواق الشهادات المعتمدة، ودورات الممارس العام، هو "هريس" و"خبيص". والنتيجة؟ كل يرخص ويعتمد ويدرب ويخرب على هواه! وكل يخبص و يغني على ليلاه! نسيم الصمادي
-
أطرف استقالة وظيفية في التاريخ قبل يوم 10 أغسطس 2010 لم يكن العالم قد سمع بالمضيف الجوي "ستيفن سلاتر" الذي كان يعمل في شركة "جت بلو". وفجأة أصبح الرجل حديث وسائل الإعلام، ومعشوق المدونين والمراسلين الصحفيين. ثم تحولت حكايته إلى حالة دراسية يجب تحليلها، وهو يخضع الآن للتحقيق وسيمثل أمام القضاء عما قريب؛ إذ يعتبره نصف القراء بطلاً يستحق التقدير، ويعتبره نصفهم الآخر مجرمًا معتوهًا. كان "ستيفن" يقوم على خدمة الركاب في رحلة طيران عادية، وعند هبوط الطائرة تدخل بحكم واجبه الوظيفي ليمنع راكبة من إنزال متعلقاتها من خزانة الأمتعة قبل توقف محركات الطائرة؛ وبلا مبالاة سحبت الراكبة حقيبتها بقوة فخبطته في رأسه وأدمته. ويبدو أن المضيف ذا الخبرة الطويلة كان يعاني من ضغوط نفسيه، لأن ردود أفعاله تجاوزت كل الحدود. فأسرع باتجاه ثلاجة الطائرة وسحب نوعًا يحبه من المشروبات، ثم اندفع وفتح باب الطوارىء، وانزلق خارجًا بطريقة استعراضية، مهرولاً على مدرج المطار وكأنه أحد أبطال "هوليوود"؛ معلنًا عن تقديم استقالته بطريقة دراماتيكية تندر مشاهدتها في غير الأفلام الأمريكية. بعض الخبراء اعتبروا "سلاتر" بطلاً مبررين موقفهم بأن للصبر حدود؛ فهو يعاني من الضغوط وازدحام الطائرات وطول ساعات العمل، بالإضافة إلى التصرفات غير الحضارية للركاب غير الملتزمين، خاصة وأن الراكبة التي ضربته رفضت الاعتذار. يرى هذا الفريق بأن بعض العملاء ينتهزون المنافسة بين الشركات وحرصها على تقديم خدمة رائعة ومعاملة العميل كملك، فيتمادون في طلباتهم ويبالغون في توقعاتهم حتى صار العميل طفلاً مدللاً، وصار الموظف خادمًا ذليلاً. ومع احتدام الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الطاقة، عمدت الشركات إلى تقليص أعداد موظفيها وتكاليف خدماتها، فزادت ساعات العمل وأثقلت كواهل طواقم الخدمة التي تتعامل مع الركاب مباشرة. بالمقابل، يرى أخصائيو التسويق والعلاقات العامة أن ما فعله "سلاتر" يعتبر ضربًا من الجنون، لأنه تعامل مع الراكبة بعصبية، وعرض حياته وحياة الآخرين للخطر. فضلاً عن أن المسافرين يعانون هم أيضًا من مشكلات التفتيش والأمن ومن عدم الاستقرار الوظيفي وضغوط الحياة بسبب الأزمة الاقتصادية. كما أن آداب التعامل ومعايير الخدمة المتميزة تجبرنا على رفع شعار: "العميل دائمًا على حق، حتى وإن كان على باطل." حتى العميل المخطىء نعامله باحترام يعكس جوهر قيمنا وثقافتنا وجوهر خدماتنا. أما خبراء الموارد البشرية، فيرون أن "سلاتر" ارتكب جريمة في حق نفسه وشركته وعملائها الذين وثقوا فيها، ولا بد أن ينال جزاءه. وحتى لو برأته المحكمة فلن يبرؤه رؤساؤه الذين يعتبرون فعلته استقالة علنية يستحيل الرجوع فيها. ورغم هذه المحاججة إلا أن المدونين والموظفين المتعبين ما زالوا يرفعون شعار: "أطلقوا سراح ستيفن" على "فيس بوك" وغيره من المنتديات والمواقع الإلكترونية الصاخبة. نسيم الصمادي
-
حبر على ورق ستخوض شركة "شعاع" على مدى الشهور القادمة معركة شرسة للدفاع عن حقوقها ثانيًا، والدفاع عن الإنسان العربي والعالمي وحقوقه وقيمه وقيمته أولاً. وليسمح لنا القراء الكرام في هذه المرحلة أن نعفي أنفسنا من ذكر الأسماء بالتصريح أو بالتلميح، لأن كثيرًا من الحقائق ما زالت تتكشف يومًا بعد آخر، وليس أخلاقيًا ولا عمليًا أيضًا أن نستبق الأحداث. فما سأتحدث عنه في هذا المقال هو طرح علمي لظاهرة في غاية الخطورة، بدأت تسلبنا إنسانيتنا وقيمنا وديننا ومعنى وجودنا، وهي الآن أمام القضاء العادل. اكتشفنا أن بعض المؤلفين قد اقتطعوا أجزاءً من كتبنا وخلاصاتنا ونشروها في عدد من كتبهم. وعندما بدأنا نحقق وندقق فيما حدث، اكتشفنا كارثة أخلاقية تحيق بمجتمعنا المنهك، والذي يحاول النهوض كالعنقاء من تحت رماد الفساد، بسبب شراء ذمم العباد. لقد تبين أن المؤلفين والناشرين اللذين انتهكا حقوقنا الفكرية لم يؤلفا ولم يولفا تلك الكتب معًا، ولم يبذلا جهدًا متقاربًا أو متناسبًا. فقد ألف أحدهما الكتب، ونقل من مصادرنا كما شاء له ضميره وطمعه، ثم لحق به صديقه أو راعيه، ليضع اسمه على الكتب – بعد سنوات – وبعد صدور عدة طبعات، لأن اسم الراعي أشهر، وانتشاره أكبر. أي أن المؤلف المشهور باع اسمه للناشر، وللمؤلف الأقل شهرة، باسم التأليف والفكر والتربية والتعليم والتدريب والتهليب والإبداع والإمتاع. في الربع الأخير من القرن الماضي، لبست الرأسمالية العالمية عباءة جديدة. فقد باعت حكومة "نيكسون" وبعدها حكومة "رونالد ريجان" روحها، وتبعتها حكومة "مارجريت تاتشر" في "بريطانيا"، حين تنازل دهاقنة الرأسمالية عن دور الحكومة والمجتمع، وسمحوا للسوق بآلياته ونظرياته المادية بأن تقود وتسود. "نيكسون" حوّل اقتصاد العالم من إنتاجي إلى ورقي، و"ريجان" و"تاتشر" بالغا في الخصخصة فتحولت إلى لغوصة. ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، صار كل شيء جاهزًا للبيع، يحمل سعرًا، بغض النظر عن معناه ومحتواه ومغزاه. ففي أسواق العالم اليوم يمكنك شراء لوحة السيارة التي تحمل رقم (1) بخمسة ملايين دولار، لأنك إنسان آخر موديل، وليس لك مثيل. كما يمكنك شراء روح إنسان لكي يقاتل بدلاً منك، وجسد إنسان لكي يستسلم لجسدك، ومعنى إنسان لكي تصنع معنى لك، وقلم إنسان لكي يكتب نيابة عنك، مع إنك لا تملك قلمًا. فالقلم قيمة يساوي ما يخرج منه، وليس ما يدفع له أو فيه. فالقلم الذهب لا يكتب أفضل من قلم البلاستيك، إلا إذا حمله وخط به كاتب مبدع. وعندما بدأت إحدى المدارس الأمريكية تدفع لطلابها دولارين مقابل كل كتاب يقرؤونه، بدأ التلاميذ فعلاً يقرؤون ويتسابقون في إحصاء الكتب التي قرؤوها والدولارات التي جمعوها. فقد فقدت القراءة معناها وقيمتها، وتحولت من وسيلة إلى غاية لا قيمة لها، حتى لو انطوت على شيء من الفهم والتحصيل. في أسواق اليوم صار كل شيء معروضًا للبيع. فقد كسرت ساق ملك "أسبانيا" الأسبوع الماضي وهو يصطاد الفيلة في مجاهل "أفريقيا". احتجت جمعيات الرفق بالحيوان وبعض منظمات المجتمع المدني في "أسبانيا" عندما علموا أن الملك العجوز كان يدفع عشرة آلاف يورو مقابل كل فيل أفريقي يطلق عليه النار. وهذه هي المأساة من وجهة نظري. فقد صار من حق القادرين أن يضعوا سعرًا على ما تزينه لهم شهواتهم، فعندما نطلق النار على فيل ويكون ثمن الرصاصة عشرة آلاف يورو، يصبح من حق المليونير أن يقتل مائة فيل دفعة واحدة. وعندما يضع المؤلف الذي لم يؤلف اسمه على كل كتاب يريد، يصبح بإمكانه تأليف ألف كتاب كل يوم. ولا فرق هنا بين أن تكون مؤلفًا افتراضيًا تعمل من مكتب مكيف في برج تجاري فاخر، وبين أن تكون طبالاً لراقصة تبيع إيقاعات جسدها في ملهى ليلي شهير. فهذه سلعة وتلك سلعة أخرى، ما دام الكل يطبل والجمهور يسمع ويدفع. هناك قيم وأشياء لا يمكن شراؤها بالمال. فوضع سعر لكل شيء يكرس ثقافة عدم المساواة، ويحول الفساد إلى نمط حياة. وقد يبدو هذا الخراب مقبولاً لمن يملك الذهب ويضع القواعد الذهبية لأسواق العالم اللا أخلاقية، ولكن هذه الأسواق ستدمر نفسها من الداخل بفعل آلياتها المتناقضة والمتضاربة. فالنتيجة الحتمية هي أن يصبح كل إنسان يساوي تمامًا ما يمكنه فقط أن يشتريه. وما دام يستطيع أن يشتري الشهادة دون العلم، والمنصب دون الاحترام، والسمعة دون الشرف، والترف دون السعادة، فإنه يصبح هو وأمواله وكتبه وشهاداته مجرد ورق، أو حبر على ورق. في قصيدة "لا تصالح" يقول "أمل دنقل": (لا تصالحْ! ولو منحوك الذهب أترى حين أفقأ عينيك، ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى..) هناك قيم لا يمكن أن تباع، لأنها لا يمكن أن تشترى بالذهب. فمرتزقة شركة "بلاك ووتر" الذين يقاتلون في صف من يدفع أكثر، يَقتلون ويُقتلون، يسفكون الدماء، وتسيل دماؤهم أيضًا. ولكنهم ليسوا أبطالاً. بل تبقى حروبهم وقيمهم مثل قيمة المؤلفين المزيفين، مجرد.. نعم مجرد (حبر على ورق). نسيم الصمادي
-
5 طرق كى يقرأوا لك تحسم العناوين التي تختارها في كتاباتك ومراسلاتك إقبال الطرف الآخر على قراءة ما كتبته. لهذا جرب الآتي مع عناوين الكتب والتقارير والرسائل الإلكترونية: 1. استخدم أرقامًا: تجذب العناوين المحتوية على أرقام اهتمام القارئ لأنها تقنعه بأن قراءة نص ما ستكون سلسة ولن تستغرق وقتًا طويلاً، مثل: "10 نصائح إدارية للتغلب على الفوضى المكتبية". 2. استخدم ضمير المخاطب: وجِّه حديثك إلى القارئ مباشرةً مستعينًا بضمائر المخاطب مثل "أنت" و"أنتم" بدلاً من كلمات عامة مثل "الموظف" أو "الإنسان"، حتى يندمج ويتوحد مع النص وكأنه موجه إليه شخصيًا. 3. أثِر فضوله: قل له في العنوان ما يكفي لإثارة فضوله ورغبته في مواصلة القراءة ليعرف معلومة معينة، مثل: "كيف تتخطى الأزمة الاقتصادية؟" 4. اعزف على وتر المشاعر: اذكر ما يخشاه القارئ أو يتمناه أو يستاء بشأنه، مثل: "استئصال اللامبالاة والسلبية من بيئة العمل الإدارية". 5. تحدث عن الزمن: استخدم ظرف زمان مثل "الآن" أو "اليوم" كي تعبِّر عن سرعة النتائج، أو المدى الزمني المطلوب. على سبيل المثال: "تغلب الآن على الضغوط"، أو "ضاعف أرباحك في ثلاث سنوات أو أقل
- 1 reply
-
- 3
-
ما لا يفعله الناجحون ! لا يشقون دروب النجاح بمفردهم. دائمًا ما تكون لدى الناجحين قائمة طويلة بالأشخاص الذين أعانوهم على النجاح. لا ينتظرون "وقتًا مناسبًا" لكي يبدؤوا طريقهم. لا يقولون مثلاً: "سأنتظر إلى أن يكبر الأولاد" أو "بمجرد تخرجي سأفعل كذا". فالناجحون يبدؤون لأنهم يتمتعون بالشجاعة وحس المغامرة، فيتعلمون ويَصِلون. لا يتوقعون أن يكون الأمر سهلاً. عندما يتعرضون للشدائد لا يعتبرون ذلك إشارة على أنهم يسيرون في الطريق الخطأ. لا يتركون مخاوفهم تتملك منهم. من منا لا يخاف أو يشكك أحيانًا في قدراته؟ الناجحون ليسوا استثناءً في هذا، الفارق فقط أنهم لا يتركون خوفهم يفترس وقتهم وثقتهم بأنفسهم. لا يقللون من قيمة إسهاماتهم. فهم يحترمون من نجح قبلهم، ولكنهم في نفس الوقت يحترمون إنجازاتهم ونظرتهم الخاصة إلى الأمور. لا ينظرون إلى الفشل باعتباره نهاية الطريق. يَعتبِر الناجحون الفشل نقطة بداية جديدة، وفرصة لتصحيح المسار ستقودهم إلى أبواب لم يطرقوها من قبل.
-
بالإغريقي "فاكي لاكي" احتدمت أزمة الاقتصاد العالمي في صيف عام 2008، وهو نفس العام الذي تهرب فيه خمسة ملايين يوناني من دفع الضرائب. كل يوناني يحقق دخلاً تهرب من الضرائب تقريبًا، لأن عدد سكان هذه الدولة المنهارة اقتصاديًا لا يتجاوز 12 مليونًا. عندما أُمزج الفلسفة بعلم النفس أقول بأن الإنسان نتاج أفكاره العاقلة ورغباته الجاهلة. فإذا غلب عقله جسده صار جمادًا، وإذا غلب جسمه عقله صار حيوانًا، وإذا وازن بين عقله وجسده بقي إنسانًا. لكننا كثيرًا ما ننسى الفلسفة والمنطق والسلوك، ونتشبث بالتاريخ والجغرافيا. هبت أوروبا بخزائنها وخبرائها لتنقذ اليونان دون جدوى. فالإغريق يفضلون الموت إفلاسًا على دفع الضرائب، أو الاستماع لأوامر "أنجيلا ميركل" توجَه لحكومتهم غير الرشيدة، التي أُجبرت على تخفيض الرواتب والمعاشات، وتقليص الإنفاق، فكانت النتيجة مزيدًا من العاطلين والمفلسين. لقد عزا المحللون أسباب سقوط اليونان إلى سلوك شعبها اللاأخلاقي الذي يتهرب من دفع الضرائب. لكن الحقيقة أن عدم دفع الضرائب هو أحد أعراض الفساد. يبلغ عجز الميزانية اليونانية 33%، أي نفس حجم "اقتصاد الظل" الذي يشل حركة النمو ويشتت الدخل القومي. ولم تكن اليونان بحاجة لأكثر من 30 مليار يورو كل عام لكي تنجو من أزمتها المتفاقمة. لو صدق اليوناني مع نفسه، وتحلت حكومته بالشفافية، وتخلى برلمانه عن مصالحه الشخصية، لما وقعت الواقعة. يكفي اليوناني أن يكون صادقًا، ليعيش سعيدًا وكريمًا، دون الحاجة إلى "فاكي لاكي" التي تعني التعامل التجاري دون فواتير، وبلا سندات قبض، أو نظم معلومات دقيقة، توثق الحقيقة (يعني من تحت الطاولة). لكنه يكسر كل مبادىء إدارة المستقبل، ويتجاهل أهم مبدأ إنساني في القيادة، وهو "قانون المزرعة". فلكي تحصد يجب أن تزرع، ولكي تسكن يجب أن تبني، ولكي تأخذ يجب أن تعطي. لجأت حكومة اليونان – بأوامر أوروبية – إلى فرض المزيد من القوانين؛ مع أنها لا تكفي كما يؤكد جدهم "أرسطو". التشريعات مهما كانت مفصلة، والحوافز مهما كانت ذكية، ليست بديلاً للحكمة والرؤية والقيادة الشجاعة. الأخلاق طبقًا "لأرسطو" هي فعل اجتماعي إيجابي؛ أي ما ينبغي تعلّمه لنتميز في عملنا ونعيش سعداء ومستقلين. ففي حياتنا اليومية نحتاج إلى قيم الولاء، والشجاعة، والثقة، والنزاهة؛ أي الفضائل و "الأخلاق العليا" بلغة أرسطو. استخدمت "أثينا" المعاصرة طائرات الهيلوكابتر لتصوير البيوت التي تضم حمامات سباحة، لتراجع ثروات هؤلاء الأثرياء غير الشرفاء، الذين يتهربون من مسؤوليتهم الاجتماعية ومن مواطنتهم وواجباتهم. وكأنهم لا يدركون أن الخدمات العامة، والأمن الوطني والاجتماعي، والدفاع المدني، والخدمات الصحية، والثقافة والفن، والملاحة والسياحة، تحتاج إلى تمويل حكومي، وأن ما لا تدفعه بيدك اليمنى، ستدفعه بيديك الاثنتين على شكل خدمات غائبة وفرص ضائعة. بعد 30 سنة من التحاقها بالفضاء الأوروبي، ها هي اليونان تغرق في فسادها، فلا تنجو منه لا جزرها ولا أساطيلها، ولا تشفع لها فلسفتها ولا تاريخها، ولا يكفيها لا عنبها ولا زيتونها؛ بل وتكاد تغرق معها أوروبا كلها، خاصة دول الجنوب التي انضمت بعدها بخمس سنوات، فلا يشفع لها اليورو، ولن ينفعها سوى ما ينفع الناس، ويمكث في الأرض؛ أي قيم الحرية والحق، والخير والأخلاق، والعمل والإنجاز. نسيم الصمادي
-
علاقات القيمة المضافة وأخلاق العمل الشفافة اضطررنا في إدارة.كوم مؤخرًا إلى تركيب نظام حماية للدفاع عن حقوقنا وملكيتنا الفكرية أمام الهجمات المتواصلة التي تتعرض لها منشوراتنا الإلكترونية لا سيما "خلاصات" و"المختار الإداري" و"علاقات". ونحن بهذا نعاني مثلما يعاني كل العرب من المحيط إلى الخليج من أزمات متعاقبة لا يراد لها أن تنتهي. يعرف القراء الكرام أننا كنا نستخدم برنامج حماية يجبر العملاء على تشغيله من خلال تطبيقات "جافا". وكان هذا النظام القديم يحرم من يستخدمون متصفحات "فايرفوكس" و"كروم" و"سفاري" من الاستفادة من موقعنا. ومع تزايد شكاوى العملاء وانتشار أجهزة "آي باد" و"آي فون" و"بلاك بيري" وغيرها، اضطررنا إلى تغيير نظام الحماية والبحث عن حلول ابتكارية تناسب البيئة العربية. لكن السؤال المهم هنا ليس: ما هو متصفح الإنترنت المناسب؟ بل: لماذا نضطر إلى حماية إصداراتنا على مدار السنين، في حين لا يفعل الناشرون في الدول المتقدمة ذلك؟! نحن أيضًا نشتري أكثر من 50 دورية عالمية. ومن ضمن ما نشترك فيه أكثر من 15 نشرة ودورية تشبه "خلاصات" و"المختار الإداري" تمامًا. ولا نفاجأ عندما نجد الملايين حول العالم يشتركون مثلنا في هذه الدوريات المفتوحة، والتي لا يضطر أصحابها إلى تشفيرها وحمايتها، لأن الشعوب المتحضرة تحترم حقوق الآخرين، وهذا هو أحد أسباب تحضرها. استخدمنا نظام الحماية "جافا" منذ 4 سنوات عندما وجدنا كثيرًا من القراء ينشرون أعدادنا على الإنترنت غير آبهين بأن هذا الفعل الذي تحرمه الأخلاق ويجرمه القانون يعرضنا للخسارة. وها نحن نتحول اليوم إلى نظام "بوك فليبنج" لنوفر نظامًا سهلاً يتناسب مع المبالغ الطائلة التي نستثمرها في التسويق الإلكتروني لموقعنا المتطور، ولنشراتنا وكتبنا التي لن تتوقف عن الصدور أبدًا مهما كانت الظروف. ربما يوافقني العملاء الأعزاء الذين يحبون إدارة.كوم ويشعرون نحوها بالولاء، أننا ندير مشروعًا عربيًا فريدًا يضيف قيمة حقيقية للاستثمارات البشرية، وأنني أنطلق شخصيًا من رؤية واضحة هدفها تمكين الإنسان العربي من أن يصنع ويبدع. لكن هذه الرؤية تصطدم بواقع مؤلم حين نكتشف أن شركات عربية كبرى تحقق مبيعات بالمليارات تعمد إلى نسخ أعدادنا وتوزيعها على موظفيها بالمجان. وهذه مفارقة مؤلمة، لأنها تحمل تناقضاتها التالية في داخلها: - في حين نعمل على تمكين وتمتين الإنسان، فإنه هناك من يحاربوننا دون أن يدروا ومن يؤذوننا دون أن يعوا، فنضطر إلى إدارة علاقاتنا بطريقة عنيفة وقوية وكأنها علاقات إجبارية. - المفارقة الثانية هي أن المؤسسات التي تحاول تدريب وتعليم موظفيها بالمجان؛ ترسل لهم رسالة سلبية فتقول لهم: "نحن لا نهتم بكم ولا بتطويركم الإداري لأننا نسرق ونقدم لكم معارف مجانية، ومثلما نسرق الآخرين، يمكنكم أنتم أيضًا أن تسرقونا". - المفارقة الثالثة هي أننا نجلس منذ مطلع هذا العام أمام الشاشات ونقترح حلولاً للأزمات، ونلقي باللائمة على الدكتاتوريات وغياب الحريات وانتهاك حقوق الأقليات، ثم نعود ونجلس على مكاتبنا وننسى أن القيم والحقوق لا تتجزأ، وأننا عندما نحاول أن نحفز ونطور مواردنا البشرية "ببلاش" فإننا نهدم ذات الأسس التي نبني عليها. ومن جانبنا فنحن نحاول أن نقيم علاقاتنا بعملائنا على أسس أخلاقية قوية، وأن نتابع مسيرة بدأناها منذ عقدين، على أمل أن يأتي علينا حين من الدهر لا نضطر فيه لحماية أي شيء، وعلى اعتبار أن منظومات العالم المتشابك والمفتوح تبتكر آليات دفاع ذاتية من خلال أخلاقيات العمل الشفافة والقيمة المضافة. رئيـس التحــريـــر نسيـم الصمـادي
-
وظيفة الحكومة التنظيف وليس التوظيف كل دول العالم تعاني من البطالة بدرجات متفاوتة. وكلها تدعي أنها تحاول حل مشكلات البطالة دون نجاح يذكر. فهل مشكلة البطالة عويصة وعصية إلى هذا الحد؟ لا أرى ذلك، لأن وظيفة الحكومة الأولى هي التنظيف وليس التوظيف. تحاول الحكومات معالجة البطالة عبر حلول تقليدية استنفذت أغراضها. عمدت الحكومات إلى تخفيض الضرائب، وزيادة الصادرات، وتشجيع الابتكار، وحماية الملكية الفكرية، ودعم مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة والسلع الاستراتيجية، وفرض ضرائب على السلع المنافسة، وتنفيذ سياسات حمائية جامدة، وإغلاق الأبواب أمام الهجرة، ولم تحقق إلا نجاحات هامشية رغم استثماراتها الفلكية! لنأخذ أكبر دولة في العالم وأكبر اقتصاد في التاريخ نموذجًا للفشل المستدام. عمدت الحكومة الأمريكية إلى الاستثمار في الموارد البشرية، وأعادت صياغة قوانين الهجرة لحماية المواطنين العاطلين، وخصصت المليارات لتحديث البنية التحتية لخلق وظائف جديدة وحقنت الاقتصاد بمنشطات الاستهلاك، وغيرت قوانين الرعاية الصحية، ودعمت قطاعات الزراعة وحمت شركات الصناعة، ومولت البنوك وغطت خسائر الرهن العقاري، فلم تزد معدلات ومشكلات البطالة إلا تفاقمًا. لم تدرك الحكومات أن مواطنيها يُكونون مواقفهم بإحساسهم وخيالهم، وليس استنادًا إلى معطيات واقعية ومعرفة علمية. المنظمات والشركات التي يفترض بها تتنفيذ تعليمات الحكومة تتخذ قرارات تناقض مصالحها. هي تتحايل على القوانين وتمارس التسكين بدل التمكين، لتحقيق نتائج سريعة. الحكومات والقيادات تعرف ذلك، والخبراء يعرفون أيضًا، ولا أحد يربط الفرس أو يعلق الجرس؛ فأفراس الحكومة ميتة، وأجراسها صامتة. لنأخذ قوانين الهجرة الغبية مثلاً؛ هذه القوانين يضعها مشرعون لخدمة السياسيين، مع أن معدلات البطالة تنخفض في الدول التي تستقطب المهاجرين، وترتفع في الدول التي ترفضهم. ولنأخذ سياسات التوظيف التي يضعها الاقتصاديون لخدمة السياسيين مثلاً آخر، حيث تنخفض البطالة في الدول النظيفة والشجاعة، التي لا تمنح العاطلين فرصًا سياسية ليتمادوا في عطالتهم، ويتكلسوا ويتملصوا من الفرص الوظيفية المتاحة لهم. عندما فكرت خارج الصندوق وظنت أنها ذكية، بالغت الحكومات في تشجيع التعليم العالي، فساهمت في زيادة معدلات البطالة لا خفضها. العائد على الاستثمار في التعليم العالي خالف توقعات الاستراتيجيين. ومثل قوانين الهجرة، أو بمعنى أصح (قوانين عدم الهجرة)، يتم حشر كل خريجي المدارس في الجامعات لأسباب سياسية، لا لأسباب موضوعية ولا حتى اقتصادية. الخلافات الحزبية في الدول الرأسمالية، والمحسوبية والعشائرية في الدول العربية، والفساد وغياب العدالة والحرية في الدول شبه الديموقراطية، والاختلالات الاجتماعية في الأسواق الناشئة والدول النامية، هي سبب البطالة. وظيفة الحكومة النزيهة هي التنظيف لا التوظيف. الدول التي نظفت نفسها، وتخلصت من الفساد، هي التي أدركت أن حلول مشكلة البطالة؛ أخلاقية وفلسفية وثقافية، وليست اقتصادية أو قانونية، وقطعًا .. ليست سياسية. نسيم الصمادي
-
بين فيلم "الحافة" وسفن الحرية في أحد برامجي التدريبية حول القيادة، أستخدم دائمًا فيلم "الحافة" (The Edge) لتوضيح كيف يؤدي نمونا من الداخل إلى صمودنا النفسي وتصاعد إحساسنا وموقفنا القيادي إلى مستوى الأزمة. وأقترح على القراء الكرام أن يشاهدوا هذا الفيلم لأن فيه درسًا عظيمًا لكل قائد في كل مجال من مجالات الحياة. "الحافة" ليس فيلمًا جديدًا، فقد مر على إنتاجه أكثر من عقد من الزمن، ومع ذلك فإنني أتذكره كلما شاهدت حدثًا عالميًا يستدعي موقفًا شجاعًا وأداء إنسانيًا مرتكزًا على المبادئ. الفيلم بطولة "أنتوني هوبكنز" و"أليك بالدوين"، وهو يروي قصة ثلاثة رجال يواجهون الموت بعد أن سقطت طائرتهم الصغيرة في غابات سيبيريا النائية. وكان عليهم أن يصارعوا البرد والجوع وأن يواجهوا دبًا بريًا شرسًا ظل يقتفي أثرهم ويهاجمهم بلا هوادة. لم ينج من الثلاثة سوى رجل واحد، هو الوحيد الذي امتلك الشجاعة ليعلو بذاته فوق الأزمة ويرتقي ذروة السمو الأخلاقي. وعلى الرغم مما واجهوه من أخطار، فإنه لم يلجأ إلى ردود الأفعال ولم يسمح لغريزته بتوجيه سلوكه. لقد استجاب للموقف وتصرف بوعي واضعًا الفعل الإيجابي قبل الهروب السلبي. كان "تشارلز" البطل الذي لعب دوره الممثل المخضرم "أنتوني هوبكنز" مؤمنًا بأنه يستطيع النجاة وقتل الدب لأن أطفال قبائل الماساي يقتلون الأسود بالرماح. وما يستطيع فعله رجل ما، في زمان ما ومكان ما، نستطيع كلنا فعله. لقد ظل أحد الرجلين المهزومين داخليًا يسأل: هل تصدق أنك تستطيع أن تصنع من الثلج نارًا؟ وأنك تستطيع النجاة والنجاح إذا كان لديك هدف تعيش من أجله؟! يؤكد الفيلم أننا نستطيع تغيير أي موقف نمر به، على الرغم من أن معظم الناس ينتظرون حلولاً خارجية لمشكلاتهم الداخلية. أحد الرجلين المهزومين أسره الخوف ورفض فكرة المقاومة، وقال لـ"تشارلز": "لم أعرف إنسانًا واحدًا استطاع تغيير حياته. وإذا كنت تظن أنك تستطيع تغيير الواقع فستكون أول من يفعل ذلك." وهذا تفكير سلبي طبعًا لأن الناجحين والمتميزين والقياديين يغيرون حياتهم كل يوم. وحتى لو لم يسبق لإنسان ما، في مكان ما، تغيير مجرى حياته، فلماذا لا تحاول أنت؟! في نهاية الفيلم جاء الصحفيون وسألوا "تشارلز" بعدما حقق إرادته ونجا بنفسه: "كيف مات رفيقاك؟" فأجاب: "ماتا ليحافظا على حياتي. ولهذا الجواب معنيان متناقضان: الأول أنهما ضحيا بحياتيهما دفاعًا عني (وهذا ما لم يحدث). والثاني أنهما ماتا خجلاً وجبنًا عندما استسلما للدب ولم يدافعا عن حياتيهما فشبع الدب من أكلهما وتركني وشأني؛ حيث كان علي أن أتسامى وأرتقي إلى مستوى الحدث وأملأ الفراغ وأقود نفسي بنفسي." لكن "تشارلز" وهو يتسامي إلى هذا المستوى من الأداء البشري لم يسمح لنفسه بأن يغتاب زميليه، فقدم جوابًا يحتمل المعنيين. ومن الغباء أن يقول غير ذلك، وهو لا يملك دليلاً يؤيد شهادته ضد ميتين. لكنه قاد نفسه وخاض المعركة وحقق هدفه دون أن يتخلى عن مبادئه، فقد رفض أن يقايض مبادئه بفرص النجاة، ورفض أن يبيع صديقيه لكي يشتري نفسه. يولد القادة في الزمان والمكان المناسبين. ينمون من الداخل ويتطورون مع الأزمات ويضعون الفعل في مواجهة اللافعل، ومهما تكالبت عليهم الظروف وهاجمتهم الدببة، فإنهم يتمسكون بالأمل والمبادئ والقوة دون أن يقايضوا حاجاتهم الصغيرة بغاياتهم الكبيرة، كما حدث عندما هاجم الدب الإسرائيلي سفن الحرية التركية المتوجهة إلى غزة. لقد تنازلت الإدارة الأمريكية عن مبادئها في سبيل غايات انتخابية قصيرة النظر وقصيرة الأجل. فمن الواضح أن الصامتين والهاربين أمام الدب الكاسر بحاجة لأن يشاهدوا فيلم "الحافة" مرة أخرى. نسيم الصمادي
-
أيهما أقوى: معدن المنجم أم معدن الإنسان؟ تخيل أنك تعيش على عمق 700 متر تحت سطح الأرض، ولا يصل بينك وبين العالم الخارجي سوى فتحة لا يزيد قطرها عن 20 سنتمترًا! ليس هذا فيلمًا من أفلام الخيال العلمي ولا تجربة بشرية مخططة ومعدة بإحكام لتحقيق رقم قياسي لأطول مدة يستطيع الإنسان أن يقضيها في باطن الأرض. في 5 أغسطس الماضي انهار منجم نحاس في "تشيلي" فوق رؤوس منجميه، وبعد 17 يومًا استطاعت فرق الإنقاذ الاتصال بأعماق المنجم ليفاجأ العالم بأن العمال وعددهم 33 ما زالوا على قيد الحياة، بل وتمكنوا من الصمود والعيش حتى ذلك الحين على مؤن كانت في العادة تكفيهم لثلاثة أيام فقط. وقف العالم مشدوهًا أمام الأزمة؛ فبعد انهيار الممرات والأسقف وسد منافذ الخروج، برزت مفارقة نجاة العمال من الموت ووجود مساحات مفتوحة داخل المنجم توفر لهم حرية الحركة، ومعها اتسعت مساحات الأمل في النجاة. وبدلاً من الاستسلام، بدأ العمال وخبراء المناجم ومهندسو الحفر والأطباء النفسيون وعلماء التغذية يفكرون في سبل إنقاذ العمال. بمبادرة ذاتية شجاعة وبروح ديمقراطية شكل العمال مجتمعًا صغيرًا في الأعماق بعدما أدركوا أن تكاتفهم وتآزرهم هو أهم وأوسع الطرق للخروج من المنجم المظلم. حدد كل عامل لنفسه دورًا يلعبه في الحياة تحت الأرض وبدأ في ممارسته. فلعب العامل الأكبر سنًا وعمره 62 عامًا دور الواعظ الذي يرشدهم ويطلب منهم أن يصلوا مستلهمين الصبر وطالبين النجاة. ولعب عامل آخر كان قد تلقى دورة في التمريض دور الطبيب واستطاع تنظيم وجبات الغذاء ومواعيد النوم وتقديم الإسعافات الأولية. وحتى بعد اتصالهم بالعالم الخارجي من خلال الفتحات الثلاث كان هذا العامل يأخذ التعليمات من الأطباء في الخارج ويتلقى الأدوية والمحاليل والتطعيمات ويعطيها لزملائه بدقة. ولعب عامل ثالث دور المحاور التليفزيوني فكان يتحدث مع زملائه ويسألهم عن أمانيهم؛ وحين أمده فريق الإنقاذ بكاميرا ليصور ما يجري في الأسفل فتح قناة للبث المباشر مع العالم الخارجي ومكنهم من إرسال رسائل صوتية تطمئن ذويهم. قدر الخبراء بأن عملية الإنقاذ ستستغرق حوالي ثلاثة شهور، وتم إبلاغ العمال بأن عليهم الصمود والحياة في الأعماق طوال تلك المدة مع كل ضغوط المخاطرة ومعاناة الانتظار. والآن تخيل نفسك واحدًا من هؤلاء العمال: هل كنت ستصاب باليأس وتستسلم؟ هل كنت ستعيش بين الضعف والأمل والرجاء؟ أم ستصمد وتتقدم لتقود وتحفز وتقوي وتشد من أزر زملائك الآخرين؟ هل ستكون إيجابيًا أم سلبيًا؟ يقول خبراء وكالة "ناسا" للفضاء - والذين قدموا للمساعدة - إن المشكلات النفسية الحقيقية لهؤلاء العملاء ستتفاقم بعد خروجهم من المنجم. هؤلاء الخبراء يقدمون مشورتهم ويخططون من الخارج لوضع نهاية سعيدة لهذه المأساة. لكن خروج العمال من النفق المظلم لن يتحقق إلا بإرادتهم الداخلية. فمن الواضح أن بينهم رجالاً أشداء نتمنى أن نكون مثلهم. فمن يستطيع الصمود 17 يومًا بلا مساعدة وبلا بارقة أمل؛ يستطيع مواصلة الصمود 70 يومًا أخرى بعدما لاحت بوارق الأمل على ارتفاع 700 متر هي المسافة الفاصلة بين قاع المنجم وسطح الأرض. نجاة هؤلاء العمال الكبار يجب أن تبدأ من الداخل؛ أي من داخل كل واحد من العمال المحاصرين. وهكذا هي كل مشكلة نواجهها في الحياة. يستطيع العالم الخارجي والآخرون مساعدتنا ودعمنا وتشجيعنا في التعامل مع أزماتنا، لكن الحلول التي يمكننا التعويل عليها، هي التي تتكون وتتوهج وتنطلق من داخلنا، لأن معدن الإنسان ومعادن المجتمعات العاشقة للحياة أقوى من كل معادن الأرض.
-
كيف خانت العولمة نفسها وضعت الصدمة المالية العالمية علامات استفهام كبيرة حول العولمة وحول مدى فعالية الحكومات الإلكترونية أيضًا. فرغم الانتشار الهائل للإنترنت وبزوغ تطبيقات عملاقة في القطاع الخاص مثل "جوجل" و"تويتر" و"يوتيوب" و"فيسبوك"، فإن الإدارة الحكومية لم تتخلص من عقمها. فقد نجح "باراك أوباما" في توظيف الإنترنت في جمع التبرعات وإدارة حملته الانتخابية عام 2008، ولم ينجح في توظيفها في إدارته لحكومته وفي مواجهة الأزمة الاقتصادية. يحتاج النمو الاقتصادي الحيوي إلى آليات عضوية وغير مفتعلة، وإلى سياسات حيوية تقوم على الابتكار والتجريب والتكيف مع البيئة المحيطة ثم تغييرها. لكن التنمية الطبيعية تتعارض مع سياسات ومسكنات المدى القصير التي تعمد إليها الحكومات لزيادة شعبيتها بسرعة تضمن استمرارها، بغض النظر عن نتائجها السلبية على المدى الطويل. يطلق الدكتور "جوزيف شومبيتر" على التنمية الاقتصادية ذات المنظور المستقبلي مصطلح "الهدم الخلاق"؛ وقد تزامن هذا المفهوم مع الحكومة الإلكترونية ونظرية إعادة اختراع الحكومة في تسعينات القرن الماضي، إلا إنه لم يحقق أهدافه لأن تطبيقاته كانت تحتم زوال صناعات كاملة ودخول صناعات أخرى، وسقوط شركات ودخول شركات أخرى، والتضحية بملايين الوظائف، لخلق فرص عمل ووظائف جديدة، وهذا ما ترهبه الحكومات لأن "الإلكتروقراطية" – أي البيروقراطية الإلكترونية – قصيرة النظر بطبيعتها أيضًا، لأنها تفضل النتائج السريعة كذلك. المفارقة هنا هو ذلك التأثير المتبادل بين الإنترنت والعولمة. فقد ساعدت الإنترنت على انتشار العولمة، التي أجبرت الحكومات على نشر الإنترنت بالمقابل، فكانت الإدارة الحكومية نفسها أول الضحايا. فالدول التي تعولمت أولاً تمارس الديمقراطية محليًا وتخطب ود الناخبين محليًا، ثم تعود وتتقوقع داخل حدودها من خلال السياسات الحمائية التي تحول دون اندماجها بالأسواق الخارجة عن نطاق تكتلاتها، وكأنها تعتذر عن الخطأ قبل أن ترتكبه. نجحت بعض تجارب الحكومة الإلكترونية في دول العالم الأول مثل فنلندا وأمريكا وبريطانيا وأستراليا، وفي بعض دول العالم الثاني مثل الهند والبرازيل واستونيا، لكنها لم تتخلص من عيوبها تمامًا. فقد ظلت السياسة تسبق الاقتصاد وتضع مصلحة الحكومة المحلية قبل المصالح العالمية والبيئية، وعندما حدثت الكوارث غير المتوقعة من بركان آيسلندا إلى زلزال هاييتي وطوفان باكستان، عجزت العولمة عن الاستجابة لنداءات الإغاثة، حيث فشلت في تقدير حجم كل كارثة حتى بعد وقوعها. وما زالت المشكلة قائمة؛ كلما زادت سرعة الإنترنت وكثافة المعلومات، أقامت الدول مزيدًا من السدود وفرضت القيود، فتكون النتيجة فوزًا محدودًا على المدى القصير، وخسارة فادحة على المدى الطويل، فتلجأ الحكومات إلى الاستدانة وفرض المزيد من الضرائب لتعويض خسائرها والوفاء بالتزاماتها. وهكذا صحت مقولة أن العولمة أجبرت الدول المتقدمة على فرض ضرائب أوروبية وأمريكية (مرتفعة) وتقديم خدمات إفريقية (فقيرة ومنخفضة)، فحققت عكس ما جاءت تبشر به؛ وهكذا خانت العولمة نفسها، وتخلت عن عالمها. نسيم الصمادي